تدريباتنا

فريق لكرة السياسة

بواسطة | سبتمبر 11, 2017

الوطن ليس أشخاصاً فالأشخاص عابرون زائلون
والأوطان باقية .. منتخب الوطن يلعب بإسم البلد وللبلد
بكل فئاتها وأطيافها ومن حق السوريين الفرح.”
من صفحة مشجعي النجم ولاعب كرة القدم السوري عمر السومة الرسمية

مملكة الوفاء البشري هذه التي تُمارس في الهواء الطلق، هكذا وصف أنطونيو غرامشي لعبة كرة القدم، كما يذكر إدواردو غاليانو في كتابه كرة القدم بين الشمس والظل، الذي يضيف أن المثقفين اليمينيين واليساريين  كانوا يحتقرون هذه اللعبة، فاليمينيون كانوا يعتبرونها لعبة غوغائية مستندة إلى غريزة القطيع فيما اعتبرها اليساريون تخصي الجماهير وتحرفها عن النشاط الثوري، غير أن الجدل الذي يحيط بإنجازات الفريق السوري لكرة القدم في وقت تعيش فيه سوريا أكبر مآسي القرن، يوحي بما هو أعمق من ذلك وهو أنه كما يتعلق الغريق بقشة تعلّق السوريون بفريقهم الرياضي لكرة القدم في إطار التصفيات القائمة من أجل المشاركة في كأس العالم، وحدثت تغييرات مفاجئة في تركيبة الفريق أربكت طرفيْ المعادلة في الساحة السورية، فما هو غير متوقع حدث، وعاد لاعبون لم يكن أحد يتصور أنهم سيغلّبون فن الجماهير الرياضي على الانقسام السياسي والطائفي الحاد، مما يوحي بأن هناك في الجو فرصة لبناء فضاء مشترك، بأن هناك شيئاً متوفراً يجب أن يتمسك به السوريون كالهواء الذي يتنفسونه  للخروج من نفق الحرب.

لم تحقق الفرق السورية لكرة القدم في الماضي انتصارات عالمية يشهد لها كفرق أمريكا اللاتينية التي أذهلت العالم، ولم يولد لدينا نجوم سُلطت عليهم الأضواء كبيليه وهرنان كريسبو  ودييغو مارادونا وروماريو وألان شيرر وغيرهم من أساطير كرة القدم القديمة والحديثة، لكن الإجماع الجماهيري المذهل على إنجازات الفريق السوري في مبارياته مع قطر ومع إيران وعودة لاعبين معارضين إلى الفريق، وعودة الجمهور الرياضي إلى تشجيع فريق البلد في تجاوز للطائفية وللانقسامات الحادة، يؤكدون أن الفضاء السوري رحب وأن السوريين متمسكون بالأرض السورية الواحدة وبدولة الحلم الواحدة والتي تحتاج إلى ما يجب أن يجمعوا عليه، وهل هناك أفضل من دولة القانون، الدولة المدنية بتعدد أحزابها وجرائدها وتياراتها الفكرية والسياسية وتعدد فرقها وأنديتها الرياضية، الدولة التي تسودها الانتخابات الحرة، وتتحرر فيها المرأة وتصبح مستقلة في حياتها، وتتحقق فيها شخصية المفكر وشخصية السياسي وشخصية الرياضي وشخصية الإنسان الذي ينتمي إلى الإنسانية وليس إلى الأديان والأحزاب والعشائر والطوائف ولا يعاني من مرض الرهاب الأمني.

تُعد الرياضة في عصرنا الحديث ديناً قائماً بذاته وتمارس طقوس العبادة عبر الإدمان الهائل لمشاهدة الألعاب المهمة ومتابعتها، بل أن هناك رياضيين حققوا جماهيرية لا يحلم بها لا السياسيون ولا غيرهم، وحين تذكر اسم لاعب من أساطير كرة القدم، ستجد أن جماهيريته وثروته تحققان حضوراً قياسياً في عالمنا المعاصر، وكيف لا، خاصة أن الجماهير في  هذا العصر الحديث تبحث عما يمتعها ويسليها، ويخرجها من روتين ساعات عملها وملل حياتها، ذلك أن الرياضة فن، وفيها إبداع يعادل الإبداع الفني أحياناً ولو كان مختلفاً عنه، ذلك أن مهارة اللاعب وذكاءه ومناورته وسرعة بديهته وسرعة حركاته وقدرته على الإدهاش كلها عناصر فنية في اللوحة المشهدية التي تصل إلى أوجها لدى تحقيق هدف على نحو مفاجئ، كما أن بعض الفرق تتحرك متناغمة كما الألوان في لوحة كي تقدم لنا زبدة مشهدية تتجسد في الركلة الأخيرة التي تحقق الهدف.

أما في الساحة السورية فالوضع مختلف الآن، ذلك أن البلد لم يخرج بعد من الحرب الطاحنة المدمرة، ولم يشف الشعب السوري من جراح الدمار والقتل والسجن واللجوء، لكن رغم التفكك الذي طرأ على المشهدالسوري، والانقسام الطائفي الحاد، الذي يهدد البلد، رأينا السوريين يخرجون من انقساماتهم ويتحلقون أمام الشاشات أو في الملعب متابعين لإنجازات فريقهم، الذي لا ينتمي لهذا الحزب أو ذاك، أو لهذه الطائفة أو تلك، بل هو فريق كل السوريين، الذين انسحروا بلوحته المشهدية اللعبية التي حققت انتصارات مفاجئة في الطريق الصعبة إلى المشاركة بنهائيات كأس العالم ألهبت قلوبهم.

وكما خرج السوريون كي يحتفوا بفريقهم ويشجعوه في مسيرته الصعبة بوسعنا القول إنهم بحاجة إلى فريق لكرة السياسة يجمعون عليه، كما يجمعون في الرياضة على فريقهم، لكن الفريق السياسي الذي يجب أن يجمع عليه السوريون، يجب أن يخرج من أنقاض الحرب بفنية أعلى وذكاء أكبر، ورؤية أشمل لبناء سوريا، ويجب أن يكون أعضاء الفريق من كل المناطق والطوائف والتيارات السورية التي يهمها بناء سوريا الدولة المدنية التي يحكمها القانون، دولة الحريات وحقوق الإنسان، دولة الصحف الحرة والأحزاب الحرة، دولة الانتخابات الحرة، الدولة الحلم، ولم لا، فالسوريون شعب مثقف ذكي، يمتلك خبرات يُشهد لها عالمياً، وكما يتعلم المرء من التجربة ودروس الحياة وعِبَرِها، لا بد أن السوريين، جميعاً، وفي مختلف مواقعهم، سواء في الرياضة أو في الحياة المدنية أو العسكرية أو في المخيمات أو في بلدان اللجوء، لا بد أنهم تعلموا من دروس هذه الحرب المدمرة، ضرورة بناء المستقبل، ووضع أسس متينة وصحيحة له، كي لا تتكرر المأساة من جديد، ويعتم المستقبل في وجه الأجيال السورية الجديدة.

وإذا كان السوريون قد خرجوا لتشجيع فريقهم الرياضي واضعين خلفهم كل العصبيات والخلافات فأنا واثق أنهم سيخرجون وراء فريق سياسي يؤمن بأن الحكم يجب أن يكون في خدمة الإنسان وليس العكس.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا