تدريباتنا

في زمن ثورات التغيير.. الموروث الشعبي يضطهد النساء

بواسطة | أبريل 7, 2019

تُعتبر الأمثال الشعبية العربية نوعاً من أنواع الأدب الشعبي، وجزءاً من الموروث المروي، الذي تتناقله الأجيال بسهولة، نظراً لتحقق قواعد الاختصار والإيقاع والتصوير، ما يجعل حفظ الأمثال وتناقلها غايةً في السهولة، ويُحافظ على ما جاء فيها من أفكار رغم تغير البيئات والظروف الاجتماعية التي ظهرت خلالها.
أثبتت الأمثال الشعبية قوتها في كثير من المواقف والعلاقات الاجتماعية، حيث تحولت إلى قوانين تقولب أنماط التفكير والحكم بين الناس على بعض المواقف دون أن تتمتع بأي سلطة تنفيذية تفرضها. فقد فرضت الأمثال الشعبية نفسها بنفسها من خلال حُسن صياغتها وتمتعها غالباً بالدعابة، ما يزين استخدامها حتى بين الفئات التي يجب أن ترفضها، لما تنطوي عليه غالباً من أحكام مسبقة وصور نمطية، أو إهانة وتهميش.
يظهر هذا التنميط والحكم المسبق القاسي والمستفز بوضوح في الأمثال العربية حين تتناول النساء، فهن غالباً ثرثارات غبيات كاذبات وخائنات، وفي بعضها هن مصدر المصائب. وفي أحيان قليلة قد يكن ذكيات كريمات مُتقنات لعملهن، لكنهن عندها يكنّ ”أخوات الرجال“، في تأكيد لفظي أن المرأة لا يمكن أن تتحلى بصفات إيجابية ما لم تُشابه الرجال.

وتكمن خطورة هذه الأمثال في ترسيخ الصور النمطية للمرأة والأدوار المنوطة بها في الثقافة العربية. ففي ظل بعض التطور المنجز على صعيد الحياة الاجتماعية للنساء في الوطن العربي، ما تزال الأمثال الشعبية تعمل على تقزيم إنجازاتهنّ من خلال ترسيخ النظرة التي ترى أن ”البنت لو وصلت للمريخ آخرتا للطبيخ“.
وتبدأ عملية الإقصاء الشفهي ثم الفعلي للنساء منذ الولادة في الأمثال العربية التي لا تزال حية ومتداولة؛ فعدة أمثال تؤكد كراهية واستنكار ولادة مولودة أنثى، كالمثل الشعبي اليمني القائل ”ابن عاصٍ ولا عشر مطيعات“، إلى المثل القائل ”صوت حية ولا صوت بنية“، أي أن وجود أفعى في المنزل يُعتبر مصيبة أصغر من وجود بنت فيه.
ويستمر هذا الإقصاء بالتأكيد على أن النساء ثرثارات وكثيرات الكلام، إلا أن كلامهن لا قيمة له وآراؤهن لا جدوى منها، لذا لا بد من إسكاتهن أو تعليمهن السكوت ”لسان البنت متل شعرها كل فترة بدو قص“.

بعض الأمثال لم تسخر من آراء النساء فحسب، بل سخرت من قيمة المرأة عموماً واعتبرتها عديمة الفائدة دون رجل، دون أن تصبح زوجة وأماً، فـ”الرجل بالبيت رحمة ولو كان فحمة”، وويل للمرأة التي لم تنجب لزوجها لأن ”الشجرة اللي ما تثمر حلال قطعها“، ويستمر هذا التهديد حتى بعد أن تنجب إذا أنجبت أنثى ”فأم البنت مسنودة بخيط وأم الولد مسنودة بحيط“.
كذلك تُشجع كثير من الأمثال بعض الظواهر كالعنف تجاه النساء، فتحث النساء على تقبل العنف والانحناء أمامه وعدم مواجهته، فالأهمية والأولوية هي الحفاظ على الزوج قبل الحفاظ على الإنسانية أو الكرامة، ولا بدّ أن كثيرات سمعن عبارات مثل ”الوحش أكل كل الخلق إلاّ مرتو“، أو ”إذا علكك ما بيبلعك“، في توجيه صريح للمرأة للصبر على الزوج وتحمل الحياة معه حتى لو كان متوحشاً.
ويذهب بعضها إلى التظارف في تشريع العنف من خلال الدعابة ”النسوان متل الزيتون ما بيحلو غير بالرص“، إذ يشجع هذا المثل الزوج على تعنيف زوجته حتى تصبح لينة مطيعة، وتصبح الحياة معها حلوة، مثلما يصبح الزيتون أطيب إن هُرس قبل التخزين، مع التحذير الدائم من عواقب تعليم المرأة وتمردها إن أصبحت قارئة ”لا تقري بنتك ولا تندم على العاقبة“.

ولا تحصل المرأة على مكانة إيجابية برأي بعض الأمثال ما لم تكن جميلة، فرأيها غير مهم وعلمها وثقافتها ليسا ذو أهمية، ما يهم فقط هو جمالها لأنه أداتها لإرضاء الرجل، والضمان الذي يعطيها الفرصة لتلعب الأدوار المنتظرة منها كامرأة صالحة، بأن تتزوج وتنجب وتربي “إذا عشقت اعشاق قمر، وإذا سرقت اسروق جمل”، و”الحلوة حلوة ولو صارت نانة وكنة”.
بعض الأمثال أظهرت الاحترام للنساء وقدمتهن بصورة إيجابية، إلا أنها أيضاً حصرت احترامهن وإنجازاتهن بالدور التقليدي المقدس للمرأة وهو الأمومة وتقدير دورها في التربية “جوزك على ما تعوديه وابنك على ما تربيه”، و”اللي ما عنده أم حاله يغم”.

اليوم ونحن نعيش في زمن الثورات والمطالبة بالتغيير السياسي، يبدو أن موروثنا الثقافي ولغتنا اليومية بحاجة للمراجعة والتغيير بدورها. فلا يجوز لأي نشاط يهدف للمطالبة بحقوق النساء وتحقيق العدالة لهن أن يتجاهل اللغة العنيفة والمهينة التي ترسم صورة المرأة وتُحدد أدوارها، ولا بد من استبدال المقولات المجحفة بحق النساء بالتذكير بإنجازاتهن وإنتاجهن الفكري والعلمي والاقتصادي، وإبقاء هذا كله حاضراً في أذهاننا بدءاً من صياغة القوانين والدساتير وانتهاءً بالأدب الشعبي والمرويات.

* يعاد نشر هذا المقال في صالون سوريا ضمن تعاون مع شبكة الصحفيات السوريات

ملاحظة: الصورة المرافقة للمقال هي عمل للفنانة ديالا برصلي. 

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

"أكثر قصصي قسوة هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا أستطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسياً ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدّقني الأسطورة أصبحت أكثر تصديقاً من واقعنا المرير" بهذا التوصيف العاصف يلخص الكاتب السوري زكريا تامر (1931) تجربته...

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

يصدمنا الإعلام الاجتماعيّ كل يوم بمقاطع فيديو وأخبار حول امتهان كرامة الإنسان في سورية عن طريق استفزازات لفظية وعنفٍ جسديّ يُمارَس ضد أشخاص تصنّفهم الآلة الإعلامية للمرحلة الانتقالية على أنهم من "فلول النظام“ السابق. ولقد سمعنا عن أشخاص تُقتحم بيوتهم...

تدريباتنا