تدريباتنا

قراءة في الاستهداف الإسرائيليّ المتواصل لسوريا

بواسطة | أبريل 30, 2023

قبل أن تتحول “الثورة” إلى منطقة المعارك غير المُجدية سياسياً لمستقبل سوريا، والتي أصبحت صورة لحلٍّ لا نهائيّ للأحداث، كنّا نرى كيف نشأت تحالفات إقليميّة كانت تهدف لفرض السّيطرة على المناطق السوريّة حسب الولاءات الدوليّة لأقطابٍ أساسيةٍ في المشهد السوريّ، وهنا يمكننا أن نلخّصها على النحو الآتي: القوّات الأمريكية مُمَوّلةٌ وحليفةٌ للميليشيات الكرديّة، شمال سوريا، والتي تبحث عن منطقة انفصاليّة قرب الثروة النفطية. القوّات التركيّة راعيةٌ وحليفةٌ لعشرات فصائل المعارضة المسلّحة وبعض الفصائل الإسلاميّة، وهي فصائل ضد النظام. ثم الحرس الثوريّ الإيرانيّ وميليشياته من جهة، والجيش الروسيّ ومرتزقته من جهة أخرى، كلاهما تحالفَ مع قوّات النظام السوريّ، وهم ضد فصائل المعارضة المسلّحة.

زحام تحالفات يُحيلنا إلى المزيد من التعقيدات ميدانيّاً وليس آخرها دخول تأثيرات الأنظمة العربيّة بشكل ملحوظ على المشهد السوريّ، دخولٌ ربّما لن يضيف شيئاً، عملياً، على توزان القوى العسكريّة بين أطراف الصراع في سوريا.

لم تعُد النظرة إلى أيّة خسائر ميدانيّة في الأرواح والبُنى التحتيّة، تخرج عن مكاسب هذه التحالفات ومن يقف خلفها، حتى لو كانت إسرائيل لاعباً في مشهد التدمير، إسرائيل العدوّ التاريخيّ لسوريا، والتي تحتلّ هضبة الجولان، هي من يستهدف قوة على الأرض السوريّة تخاصم قوّة أخرى سورية أو غير ذلك، والخاسر في الحالتين هو الشعب السوريّ على المستويين التاريخيّ السياسيّ والنفسيّ الاجتماعيّ.

إذاً، ثمّة تصعيدٌ لا يُستهان به على الأراضي السورية، ومع قلّة توفّر المصادر الإعلاميّة المُحايدة التي يمكن أن تنقل شيئاً من الحقيقة، يبقى الملاحظ من “مسلسل” الاستهداف هو صوت القصف الصاروخي الذي يقوم به الطيران الإسرائيليّ على مختلف المناطق السورية وفي أي وقت دون ردّ يُذكر عسكرياً من الجانب السوريّ، ذلك الصوت الذي يمكن تخيّله مع صور الرعب والفزع بين الناس والمتداولة عبر منصات التواصل الإلكترونيّة بعد كلّ طلعة عسكريّة تقتل فيها إسرائيل من تريد، ومتى تريد، وغالباً يكون المبرر هو استهداف نشاط إيران في سوريا، حسب ما يقال.

ترى كيف يقرأ السوريون ذلك في ظلّ تبريرات الإعلام والوجود الإيرانيّ والاختناق الاقتصاديّ؟  هل يعتقد البعض أنّ هناك إمكانيّة ردٍّ عسكريّ على تلك الضربات الجويّة، المُستمرة، منذ سنوات لسوريا؟ وإلى أيّ مدى يمكننا القول إنّ هناك متابعة للإعلام “الرسميّ” تواكب تلك المجريات بشكل واقعيّ؟

التخوّف الإسرائيليّ!

يعتقد الكاتب السوريّ مازن بلال أنّ “مسألة الاعتداءات الإسرائيليّة منفصلة عن مجمل المفاصل الحالية للأزمة السوريّة، وحتى في مسألة التواجد الإيرانيّ فإن أيّاً من الاعتداءات وفق المعلومات التي تتيحها المراكز المتابعة للحدث السوريّ؛ لا تتحدث عن استهدافِ تجمعاتٍ إيرانيّةٍ، وفي أفضل الأحوال فإنّ بعض الاعتداءات هي استهدافٌ محدودٌ لعناصر مُحدّدة” بحسب قوله.

ويضيف بلال في حديثه لموقع صالون سوريا: “بغض النظر عن صحة أيّة معلومة في هذا الشأن فإنّ الاعتداءات غالباً ما تستهدف بُنى تحتية عسكريّة، مراكز أبحاثٍ في معظم الأحيان، وفي الآونة الأخيرة نقاط حركة النقل الجويّ في إشارة لتتبع الاتصال بين دمشق وطهران على وجه الخصوص”.

ويعتبر بلال أنّ هذه الاعتداءات عملياً “لا تستهدف تمركز قوات أو مستودعات ذخيرة، فهناك محاولة إفشال ظهور قاعدة عسكريّة علميّة في سوريا، ومهما كانت الجهات وراء هذه القاعدة فإنّ التّخوّف الإسرائيليّ أصبح واضحاً جداً، فـ”إسرائيل” لا تريد أن ترى تحالفاتٍ عسكريّة غير تقليديّة قوامها لا يعتمد فقط على التعدّاد العسكريّ، بل على تطوير العلوم والأبحاث العسكريّة، فباستثناء حالتين أو ثلاث حدثت في بداية الأزمة، فإنّ حالات الاعتداء كانت تتبع التعاون العسكريّ أو تطورات البُنى العسكريّة” بحسب رأيه.

ويختتم بلال حديثه لموقع صالون سوريا بالقول: “لا يقدّم الإعلام السوريّ تفصيلاً عن المناطق المُستهدفة، وربّما لطبيعة الأهداف المُستهدفة، وهي عسكريّة بالدرجة الأولى، فهناك “تكتّم” إنّ صحّ التعبير، وليس هناك تبريرات لِما يحدث، فدمشق لا تحتاج لمبررات في ظلّ حالة العداء مع “إسرائيل”، وفي المقابل فإنّ “الردّ” ليس موضوعاً سهلاً لا على المستوى العسكريّ أو حتى الاستراتيجيّ، ودون الدخول بالتفاصيل فهناك توازن لا يرتبط فقط بسوريا، بل بالقوى الدوليّة المتواجدة على الأرض السوريّة” على حد قوله.

العلاقات الوثيقة

فيما ترى الناشطة السوريّة لبانة غزلان، الأمر من جهةٍ مغايرةٍ، وتعتبر أنّ “النظام في سوريا، غارق بأزماته؛ بحقّ الردّ، وذلك دليل واضح على عدم امتلاكه القرار والسيادة على كامل أراضيه حسب ما يدّعي الموقف الحكوميّ ومن خلفه الإعلام الرسميّ”.

وتضيف غزلان في حديثها لموقع صالون سوريا أنّ “قرار الردّ؛ سواء أكان النظام يمتلك القدرة العسكريّة بعد اثنتي عشرة سنة من حرب حصار اسُتنزفت فيها الموارد والمؤسسات العسكريّة من أجل قمع الثورة السوريّة، وإعادة بسط سيطرة النظام بالقوة على المناطق المُحرّرة بدعم إيرانيّ وروسيّ. إلاّ أنّ النظام لا يملك قرار المواجهة، وبرأيي أنّه يمثّل اليوم واجهة لتمرير سياسات روسيا في المنطقة، على الرغم من محاولات تعويمه عربيّاً، إلا أنّه ليس صاحب قرار” بحسب ما ترى.

وتعتقد غزلان أنّ تلك الجوانب باتت “واضحة اليوم للأغلبيّة العُظمى من الناس داخل مناطق سيطرة النظام السوريّ، وهي أغلبيّة رافضة للوجود الإيرانيّ، بكلّ أشكاله، ولكنّها محكومة بسلطة الأمر الواقع، وتعيش كلّ يوم في حينه، بسبب سوء الوضع الأمنيّ والمعيشيّ والذي لن يتغيّر بوجود هذا النظام ودون الانفتاح على حلّ سياسيّ وإعادة إعمار” حسب تعبيرها.

وترى عزلان أنّ الناس في سوريا اليوم، ينظرون إلى الضربات الإسرائيليّة قائلين “يدبّ كيدهم بنحرهم” إذا كانت تلك الضربات تستهدف الوجود الإيرانيّ في سوريا. بينما الإعلام -كعادته- ينظر إلى الغارات الإسرائيليّة على سوريا كأنها انتصار (…) وهنا نتذكر المدعو “خالد العبود” الذي يعتبر “القصف الإسرائيليّ المستمر لسوريا هو دليل على أنّها موجوعة (!) أو قد ينقل هذا الإعلام خبر أضرار القصف مع تهويل بعدد الصواريخ التي استطاع جيش النظام التصدّي لها مع التأكيد على موقف “المقاومة الواهية” التي باتت واضحة بالنسبة للناس بعد الثورة”” على حد قولها.

نتائج محسومة

ومن جهة أخرى، يقول الكاتب الكرديّ السوريّ شفان إبراهيم، لموقع صالون سوريا: “أعتقد أن القصف الإسرائيلي عادةً ما يأتي رداً على التواجد الإيرانيّ في سوريا، ورغبة من “تل أبيب” في فرض قواعد اشتباك ونقاط تماس تدخل في صالحها. خصوصاً وأنها تعي أنّ حجم الإنهاك الذي أصاب الجيش السوريّ لن يسمح له بالردّ مخافة استفزاز سلاح الجو الإسرائيليّ والقوة الأمريكية الموجودة في قاعدة “التنف” عند المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، في محافظة حمص”. ويضيف شفان “إنَ النتائج ستكون محسومة، نتيجة فائض القوة وفوارق التسليح، ونتائج عقد من الحرب إضافة لوجود تلك القوات مع إسرائيل”.

 كما يشير شفان إلى أنّ الإعلام الحكوميّ في كلّ مكان هو “لتسيير وتنفيذ وترويج سياسات حكومته، وبالتالي هو يقول أشياء لن تقنع أحداً سواه، وليس المهم هنا ما يقوله، المهم من يصدّق ما يقولون؟” على حد تعبيره.

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

كي لا تصبح دمشق سجناً لأبنائها مرة أخرى

كي لا تصبح دمشق سجناً لأبنائها مرة أخرى

بين اللطم المشهديّ في الشوارع "ولبّيك يا حسين" إلى "أعزّنا الله وأذلّكم"، و"الشام عادت إلى أهلها أمويّة أمويّة رغم أنف الحاقدين"، وفي ظلّ حملةٍ أمنية متبّلة، في بعض تصريحاتها، ببهارات الانتصار الطائفية، ومشهدية صارخة لمعاملة الآخر المعتقل كحيوان وإجباره على النباح أو...

تحرّر الإبداع في سوريا الجديدة

تحرّر الإبداع في سوريا الجديدة

حين نعود بالزّمن إلى ما قبل سقوط نظام الأسد في سوريا، نجد أنفسنا أمام مشهدٍ ثقافيٍّ ضعيفٍ يخفي خلفه واقعًا قمعيًّا. كانت الكتب والمجموعات الشّعريّة الصّادرة عن الهيئة السّوريّة للكتاب، إلى جانب الرّوايات والمجلاّت، مجرّد واجهةٍ تروّج للإبداع المزيّف تحت سيطرة السّلطة....

تدريباتنا