تدريباتنا

قصائد

بواسطة | مارس 21, 2018

ينبوع   

خُطواتكِ  وردٌ يَهيمُ  في أروقةِ  الليل

بالأمس حَمَلتُ  القناديلَ لها

لأضيءَ   لِعِطْرِكِ الطَّريق إلى داخلي.

كاللؤلؤِ كنت  جاريةً

في نَسْغِ غدي

حين  رأيتك في حلمي نبعاً

بسطت لأرتوي

كفَّ يدي .

( ولم يعودوا)

انكفأت راياتي

في انهيار ألوانها

وجفت دمائي حول مسلاتهم

ولم يعودوا ..

بحثتُ عنهم

في بقايا الضوء

في الزوايا الاكثر فقراً للهواء

في الدروب الضريرة المعتمة

في الجبال وفي الندوب

في شراييني

في ذرات الملح العالقة

بين خيوط وجهاتي وأيامي

في كواكب الصمت الأحد عشر

في الأشلاء الطافية في نهر الأيام

في الغابات التي لبستها

وفي وهج الندى ..

في مغيبهم

تمتد الطحالب الداكنة

على رواق الصمت

ويغدو الفجر خيطاً نحيلاً

كأنه النسيان

(قطارات)

قطارات ..قطارات ..

قطارات لا حصر لها،

على امتداد الشرايين

فوق خطوط السكك

المتجهة صوب الحدود،

كانت البلاد الحائرة المائجة

تضخُّ دمها المُتسربل في معاطف رمادية ..

قطارات تجرف الأشواق

تتسربل بجسد من الغيم الغامض

ويلفها لهاث المسافات،

موحشة تنحدر عبر الأنهار القديمة

وفي طوفانها ترخي ضوضاء الهدير على الجبال الخائفة ..

إنها جسور مسرعة يتراكض إليها الشجر على صفحة الماء

هناك عند الأفق تتعرى الأبراج المتعالية ممّن بناها

وتنحني في جهة رمادية.

 (أبجدية )

مَأهُولةٌ رُوحي بِكَائِنَاتٍ أَبْجَدِيَّةٍ

وَعَلّمَتْنِي غَيْمَةٌ اسْمُهَا أُوْغَارِيت

أَنَّ المَنفى جَرِيْرَةُ الأسْئِلة

وَهَذِه إِشَارَتِي وُجُوْهٌ كَثِيْرَةٌ

لا تُفْضِي مَلامِحُهَا إِلى أَثَر

وَمِنْذُ انْحَدَرت الظِبَاءُ مِنْ المَرَايا إلى الليّلِ

بِتُّ لا أُصَدِّقُ القِطَارَات ..

أَلوذُ بِالمَعْنَى حينَ أَتَكَبَّدُ لِقَاءَ العَابِرينَ

وَأَتْرُكُ وَصِيّتي للنَبِيذ:

لا أَسْمَاءَ للغُرَبَاء

سَتَبْرأُ بُوْصِلتِي مِنْ إِدْمَانِ المَعَاجِمِ

حِيْنَ أَفْرَغُ مِنْ هَاجِسِ الجِهَاتِ .

(أصوات )

في فتنةِ الأناجيل

يُوقظني طَيفهم من الكنائس

فأترك الريح للأجراس

وأغسل وجهي بالبحيرة

أصواتهم تأتي من الغابات

ومن الأكاليل الضئيلة

وتسمع واضحةً في أقاصي الظلام

كأن نبرها مَحمولٌ على الجبال

والقصب الكفيف

تتوكأ على الصمت

هشة مُضرجة بالأعالي

محفوفة بالبنفسج والسراب

ترحل من حوافِّ الضوء

وتنضو في رائحة التراب

القطار )

القطار عبر تسع مدن وثلاثين بلدة

اجتاز المحطة ولم يأت بها،

العتمة التي تركها وراءه

غطت السياج الحجري

تسلقت الأغصان الفضولية للشرفة

مرت من الواجهة البلورية

وغيبت ساعة الجدار.

لم يعد مرجحا

رؤية معطفها على المشجب

أو شالها المبلل قرب الموقد

لم يعد مرجحاً أن نعثر ثانية على كنوزها الخاصة أو مراياها المضيئة.

الغبار انتشر على النضدد

وكسا مقاعد الضيوف زحف إلى الرفوف الخشبية ولامس الأكواب

ثم وصل إلى مسارب الماء في جوف المغسلة

الفراغ القاسي المحسوس بعد عبور الأبواب التي تفضي إلى الحجرات

القضبان الدفينة التي تلمح من الطلاء

وتلك الزاوية ضاقت وبدت موحشة خلف تمثال الرخام.

وحدها الأصوات الخفيفة الحية الآتية من اللوحة تقاوم الصمت

هناك حيث عمد الرسام كائناته المتوارية

وترك العشب ينمو على مهله.

 (الصدى) 

الأعشاب التي تزج برائحة مقترنة

ومحروسة بذكريات منسية

هاهي الآن تواصل زحفها على الممرات والطرق

وعلى العجلات الدؤوبة للوقت

كائنات الحديقة المتوارية في نومها رمادية وذاوية

والضوء الذي تسلل من الغيم

جعل الممر يبدو بعيداً جداً،

السياج المحكم كالوهم  

والجبل أيضا بدا قابلا للعطب وأكثر فقراً.

كل شيء تغير في الخارج

ساكنو الليل وموقدوا النار لم يظهروا

لعلهم اقتفوا أثر الطيور واختفوا ..

وجهك تسلل  بعد نومنا القصير

من النوافذ إلى أحلامنا

وترك أثره على المكان

العتمة المرهفة

الحواف الهشة غير المرئية لقطع الأثاث

التجاعيد الجديدة على الفاكهة،

البيانو المغلق كنعش

والكرسي الوحيد .

ليلك بات بعيدا الآن

لكن الصدى العميق للسوبرانو

الذي تركته حنجرتك

بقي يرن بوهن ويجرح فراغ المكان .

(الهدوء) 

هاهو الهدوء قد رأب صدوع المكان

ردم الحفر وهدم الأوكار التي تركها الضجيج،

حط الرحال هنا كاملا وحيا

وصل محمولا على عجلات الوقت

من تلك الأمكنة هناك حيث ينأى المشاة

من الجبهات البعيدة  ومن المتاريس الرثة والسواتر المدعمة

هناك حيث لجم هدير العتاد

وأوقف أنين العربات و دوي المدافع المرتدة  ..

الهدوء تناهى هنا إلى الرابية عند أطراف البيوت

تخطى الأسيجة والجنائن  وصل سليما ومعافى

واستراح على المصاطب والمقاعد تحت عناقيد الدالية

التي بدت ملامحها صافية ورقيقة الآن

همس برفق في بهو الممر  فامتثلت له مقابض الأبواب

تلمس الأثلام العميقة التي تركها الخوف وراء الجدران

احتضن الزوايا التي نهشها الذعر

نزع الريبة والهواجس من الحجرات

خلص الستائر من الأضواء الهائجة

و أزال الأصداء الميتة من فراغ الممرات.

الهدوء طاف النواحي وأوقف تردي الهواء

محى ندوبا كثيرة سببتها الأصوات العمياء

أتى بالكثير من أمتعة العزلة  وحقائب الصمت

أعاد الطيور إلى أرصفة الحور

أصلح بلطف أثواب النباتات الصغيرة

وشفى العشب المريض

في زيارته إلى الساقية

عانقته الجداجد مجدت صمته  وهيأت حناجرها

و جوقة الليل وبزات الكرنفال .

 (جميعهم) 

جميعهم ذهبوا في التجليات المسكونة بالانتظار

وواظبوا على كسر الهواء ثم سكنوا في أعماق الشظايا

جميعهم أحرقوا البخور أو رفعوا كتباً سماوية

ثم تركوا قلوبهم لباعة متجولين

جميعهم أوقظوني من حلمي وحملوا الكلمات إلي

ولطالما أفقت ولم أجدهم

جميعهم اقتنعوا بالصمت و توحدوا ليبايعوا الظنون

كانوا مدججين بالعزلة يخفون ندوبهم

رأيتهم يحصون السنين ولا يلتفتون

 (الممحاة) 

ووددتُ لو تركت بقيتي للريح ..

أتوضأ بأشلاء الجهات العميقة

وأنضوي في طيات الضوء

رذاذا داكن اللون، غيماً،

أو ملحاً لايرادفه الطحين

قطعتني القطارات وأرخت هديرها

على هشاشة الثلج في ضباب هويتي،

عائداً من شمال الخريف

أخفي الصمت بثرثرة عابرة ،

اعتنقت رداتي لأكمل صلواتي

تتسع الأرض في شمسها وتضيق ممحاتي .

 (مقهى) 

لِوَجْهِكِ نَشْوَةُ أَوْلِّ الصَّحْوِ فِي صَبَاحِ بعيد

الزَنْبَقُ المُكْتَنِزُ  فِي  ثَنَايَاهُ

يَهِبُ  لِكُلِّ زَاوِيَةٍ فِي سَرِيْرِكِ ذَاكِرة

لِيَدِيْكِ  الصَّغِيْرَتِيْنِ مَقَامُ الرَّصْدِ

وَالأَنَامِلُ سَنَابِلُ تَسْتَكْتِبُ  الأُرْجُوَان

وَحْدَهُ الشِّعْرُ  يَقْرَأُ  أَسْرَارَ  لِيْلهُمَا

عِنْدَ أَوّل الفَجْرِ

يَصْعَدُ البُنُّ  مِنْ خُطُوْطِ  يَدِيْكِ

وَ يَمْنَحُ مَقْهَى لِرُوَّادِ  هَذَا الحُلم .

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا