تدريباتنا

 قُدّاسٌ لراحة نفس أنطاكية

بواسطة | مايو 18, 2023

ترجمة: أسامة إسبر

في منتصف الليل أيقظتْني

أصواتٌ صادرةٌ من أقصى الحَلْق

لأرضٍ تهتزُّ

لصرخاتٍ، وصيحاتٍ

لغبارٍ حَجَبَ السماءَ بضبابهِ

لبرقٍ ومطرٍ وثلوجٍ

وبردٍ بعثَ القشعريرة في الجلد

لليلة نهاية العالم

أم هل انبلج الفجر؟

للظلام

والفوضى

والفقدان…

نعم، فقدان

قصصٍ قديمةٍ

وأحجارٍ عريقةٍ

وفسيفساء تَحطَّمت

فوق عشّاقٍ قدامى.

هل كانوا ما يزالون متعانقين؟ 

ما هذا الحلم الذي يسكنني؟

أرى هذا من فراشي البعيد.

دموع، دموع تُذْرف

على أشخاص لا أستطيع الوصول إليهم.

أرى يداً تشير:

أنا حيٌّ

لا تتركوني.

أنا هنا

تحت السَقْف

تحت السماء.

ترتفع يدٌ كيد الله

(كما في جدارية مايكل أنجلوخلق آدم“) 

ها أنذا هنا

لا أستطيعُ التنفس…

تحت ركامِ

الأثاثِ المحطّمِ

والأحلامِ المُجْهَضةِ،

تحت الأحجار والمعادنِ.

حتى يد الله لا يمكن أن تصل إلى هنا!

أتساءلُ، ما الذي فَعلْتَهُ في آخر يومٍ من حياتكَ يا عمّي؟

هل سرتَ في شارع القصر واشتريتَ جريدةً

ثم تجوّلْتَ في الأزقة البيزنطية القديمة

قبل أن تصل إلى المقهى حيث

جلستَ على المصطبة مع أصدقائك القدامى

ودخنت سيجارةً، واحتسيتَ فنجان قهوةٍ تركية

وربما لعبتَ الطاولةَ أو الشطرنج

شكوت من السياسة أو الاقتصاد

أو ألم الصدر؟

هل كان بوسعك أن تعرف أنّ هذا كلّ ما كان موجوداً؟

لو عرفتَ، ما الذي كنت ستفعلهُ؟

أم هل كنت ستفعل أي شيء؟

هل كنت سترتّب أوراقكَ؟

هل كنتَ ستخطَّ رسالةً؟

رسالةَ وداعٍ؟

رسالةَ حبٍّ؟

رسالة تروي قصة حياتك؟

رسالةَ غضبٍ، قبولٍ، خوف؟

رسالة إلى ذريتك؟

ما الذي كنت ستكتبه؟

ما الذي أكلْتهُ يا عمي،

في عشائك الأخير؟

هل تناولتَ وجبة شرقية؟

هل تناولت الكبة أم الكباب؟

الأرز والسلطة؟

القليل من الزعتر على خبزك

خبز الحياة (ربما ليس هذه المرة)

ربما أكلت قطعة بطيخ كي تغسل فمك

أو قطعة بقلوى بالفستق الحلبي

أو لقمة كنافة منكّهة بماء الورد؟

ربما احتسيتَ جرعة عَرَق

فأنت تحبُّ حليب السباع ذاك

المصنوع من عنب مقطّر وبذور يانسون.

والذي أحبُّ رائحته

لكن بالطبع، عمتي لن تشرب منه.

فهي تفضّلُ أن تشرب الشاي 

 في الكأس الشفافة التي نُقشت عليها أزهار الزنبق.

أتساءل إن تناولتَ وجبتك الأخيرة

معها،

مع العائلة والأصدقاء

بمتعةٍ

وتقاسمتم الطعام

كما نُظهر حبنا،

حبنا،

وخسارتنا.

لا أحد يذكرُ القطط أو الكلاب الشاردة

أو الطيور التي تحلّق محذرة،

أمواج البحر

أو الأغصان المتكسّرة في النهر.

أترى يا عمي،

لقد وُلدْنا كي نموت، أليس كذلك؟

أنتَ لستَ وحيداً.

لكننا نقرّرُ ما نفعلهُ بين الولادة والموت،

أليس كذلك؟

إنه فعلُ الحياة

البقاء في الحاضر.

كيف عشتَ يا عمي؟

هل جَعلْتَ حياتكَ تستحقّ النَفَس الذي تتنفّسه
لشغل مساحةٍ على هذه الأرض؟

كيف نحدّدُ قيمةَ حياتنا؟

هل هي متعةُ المعرفة، الشعور،

الحبّ،

هذه اللحظة التي نحن أحياء فيها

ونقدّر كل نَفَسٍ نتنفسه؟

أم أنك لم تعد قادراً على الشعور،

صرت مخدراً

إزاء الوجود كالبعض؟

هل غادرتَ هذا العالم مديناً لأحد يا عمي؟

ربما بالحب، أو النقود، أو ربما باعتذار؟

ما هي العبارة المتداولة القديمة؟ عشْ حياتك كما لو أن كل يوم

هو يومك الأخير.

هل فعلتَ هذا، يا عمي؟

أم هل حددتَ الوقت فحسب؟

لا نعرف أبداً متى تنتهي حياتنا.

لا نعرف أبداً متى تسقط الكارثة من السماء.

أو تخرج من الأرض،

لا نعرف حقاً.

كنتَ حافظَ سجلات

أسلافنا، دمنا.

هل سيتذكّرُ أحد ما قصصك،

ويروي حكاية آمالك

وأحلامك ورغباتك؟

ما زلتُ غير قادرة على فهم لماذا كان يجب أن تغادرنا

بهذه الطريقة الدرامية،

وتُدفن تحت طبقات.

لم نملك الفرصةَ كي نودّعك

كي نغسل جسدك،

كي ندفنك ونحن نصلي

كي يحملك الأحباء إلى قبرك.

لم تكن هناك أزهار

ولا حديقة جميلة للأرواح.

أم هل من المحتمل أن زيوس أرسلَ صاعقة

شقَّ الأرض بعصاه

وزرعكَ كبذرة في رحم الأرض

كي تولد مرة أخرى

كي تنمو من جديد

مثلما حين يموت نجم

ويصبح مهداً لنجوم أخرى؟

وها أنت هنا يا عماه،

عناصر نجمة.

نجمة فيك.

إذاً، يا عمي العزيز

أصلّي لك كي تنعمَ روحك في الفردوس

أصلّي لك كي لا تشعر بألم حين تأتي الملائكة

أن تكون بخير أينما حللت.

أستطيع أن أشاهدك الآن.

يوماً ستستيقظ شاعراً بالشمس

فيما ملكة الشرق تعاود ظهورها

فوق ذلك الجسر المؤدي إلى طريق الحرير

متألقة 

كالألماس

فوق نهر العاصي. 

يمكن الاطلاع على هذا لقاء مع الشاعرة بعنوان “أخيراً، عثرتُ على جذوري: حوار مع الشاعرة والفنانة التشكيلية الأمريكية من أصل سوري أريكا هيلتون

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

آخر أيام النظام السوري: كيف عمل الصحافيون في غرف الأخبار

آخر أيام النظام السوري: كيف عمل الصحافيون في غرف الأخبار

في مساء ٢٩ تشرين الثاني / نوفمبر تعلن "إدارة العمليات العسكرية"، إطلاق معركة "ردع العدوان"، وتبدأ هجوما على خطوط "الجيش السوري"، في ريف حلب الغربي، وبشكل سريع تبدأ وحدات الجيش بالانسحاب لتصل قوات الإدارة العسكرية لتخوم حلب. في تلك الأثناء كان الاستنفار في غرف الأخبار...

سيلفادور دالي يعدّ لي الفطور! حضور القصّ وغيابه للكاتبة نهى عبد الكريم حسين

سيلفادور دالي يعدّ لي الفطور! حضور القصّ وغيابه للكاتبة نهى عبد الكريم حسين

يحدث في الحرب أن تستيقظ الساردة صباحاً، تستعدّ لقضاء نهارها في عملها اليوميّ، وقبل أن تتناول قهوتها كالعادة، يطلب أبوها منها مرافقته إلى محلّه في هامش المدينة:" سألني بتودّد إذا ما كنت سأرافقه مشياً في الشارع المفضي إلى الخوف..." بذريعة أنّها ستتناول قهوتها مع أمّها...

السيرورة المألوفة: من الخطاب المتطرف إلى الاعتدال

السيرورة المألوفة: من الخطاب المتطرف إلى الاعتدال

لطالما خطرت في ذهني وأنا أفكّر بالوضع الذي آلت إليه الأمور في سورية في ظلّ حكم نظام بشار الأسد، قصيدةُ الشاعر اليوناني قسطنطين كافافي الشهيرة "بانتظار البرابرة .“اليوم وصَل من صوّرهم إعلام النظام السابق بأنهم ”برابرة“، و”إرهابيون" إلى العاصمة، وجلسوا على الكرسي الذي...

تدريباتنا