تدريباتنا

ما الغائب عن السفرة الرمضانية في سوريا!

بواسطة | أبريل 13, 2021

ثلاثون دقيقة فقط، كانت كفيلة بأن يحصل السؤال الذي يدور حوله هذا التقرير الصحفي على 100 إجابة، من خلال تعليقات على المنشور الذي وضع في مجموعة مغلقة خاصة بالسيدات فيها آلاف السوريات، والسؤال هو: عن ماذا سوف تستغني الأسرة السورية في رمضان هذا العام؟

بعض التعليقات أتت جدية جداً، رافقتها إشارة وجه تسقط منه دمعة حزينة؛ وبعضها أتت متهكمة مع وجه يضحك وتنزل دموعه من شدة الضحك، في كلا الوجهين كانت الدمعة حاضرة، مرةً أسى، ومرة أخرى أن شر البلية هو ما يضحك.

تعلق دانا (صيدلانية 25عاماً) بـ”سوف نستغني عن الصيام بأكمله!”. بينما تشير نور (صحفية 35عاماً) أنها سوف تستغني عن الحلويات، اللحم الأحمر والدجاج. وتضيف أم وليد (ربة منزل) أنها سوف تستغني أيضاً عن التمر، العصائر الخاصة برمضان، الحليب، والفواكه وتكتفي مع أسرتها بصنف واحد فقط على الإفطار. بينما تقترح غنوة وهي (معلمة 27عاماً) بأن يكون الصيام فقط عن الكلام والشتائم.

زيارة صعبة!

يزور شهر رمضان السوريين وهم بأصعب حال مادية منذ عشرة أعوام. يطل شهر الخير عليهم، بزمن وصل فيه سعر لتر الزيت النباتي إلى 8 آلاف ليرة سورية أي ما يعادل 2$. بينما وصل سعر كيلو لحمة الغنم حوالي 25 ألف ليرة سورية في الحد الأعلى ضمن العاصمة، أي مايقارب 6$، وهو يساوي نصف راتب موظف حديث التعيين. أما التمر الذي كان يعد من حلويات الفقير والغني، فسيكون هذا العام للأغنياء فقط بعد أن وصل سعر الممتاز منه إلى 10 آلاف ليرة سورية. وحول هذا الوضع تقول أم محمد: “ماذا سأحضر لأسرتي هذا العام؟ عن ماذا سوف أستغني؟ هذا سؤال أطرحه على نفسي منذ بداية الشهر، وكلما ذهبت لشراء حاجيات المنزل كلما فكرت برمضان وسفرته”. أما عمر (صحفي 35عاماً) فقد حسم أمره بعكس أم محمد وسوف يستغني عن كل شيء يحضر مقلياً، وأي شيء فيه لحومات أو دجاج، وسيستغني عن عزيمة أي شخص لأنها مكلفة كثيراً، أما الحلويات ستغيب عن مائدة العيد وتحلاية الإفطار والسحور، وتكفي “بونبونة أطفال” على رأيه. وقد أشار خبير اقتصادي في تصريح خاص لنا أن الأسعار ارتفعت عن العام الفائت بين 250 إلى 500%، على الرغم من أن أمر ارتفاع الأسعار في رمضان اعتادت عليه الأسواق السورية على حد تعبير الخبير، لكن لأول مرة تصل إلى هذه الدرجة، بشكل يفوق قدرة أصحاب الدخل المحدود على شراء حتى كيلو “حُمص”.

منذ عام!

بقيت التعليقات على مضمون المادة الصحفية تتواصل، حيث تحاول زينة (40عاماً ربة منزل)، أن تطلب من الجميع دعماً لرأيها، فهي تريد أن تصوم يوماً بيوم، بمعنى ألا تأكل يوماً كاملاً وبالتالي تأخذ أجر يومين، وتتبعه” منيح إذا بيكون في مي”، بينما أم حيدرة (50 عاماً ربة منزل)، فتقول إن رمضان شهر الخير يأتي وتأتي معه الأرزاق.

منذ عام تماماً أتى رمضان وأتت معه موجة “كورونا”، وعاش الناس موجة غلاء عنيفة رغم أن سعر الصرف كان حوالي “2000 ليرة سورية” للدولار الواحد، ورغم ذلك كانت الأسواق تشهد ازدحاماً كبيراً، هل يا ترى ستشهد الأسواق ازدحاماً هذا العام! وهنا يعقب الخبير الاقتصادي (الذي فضل عدم ذكر اسمه) أن دخل الأسرة هو الذي يحدد نشاط أو ركود الأسواق حتى إن غصت بالناس، الكثير منهم يذهب لإلقاء نظرة ويعود بدون تسوق. وهناك من يذهب لقضاء الوقت ومنهم مايتحين فرصة إيجاد حاجة تناسب ما لديه من أموال، وحتى لا تبقى الأسعار ودخول أصحاب الدخل المحدود خاصة يسيران في خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، يجب أن تزيد الرواتب على الأقل 100% كي يأكل الناس قوت يومهم دون تكلف أو استعراض للوجبات الرمضانية وغير الرمضانية.

بولترز لأقل مائدة!

كان عام 2009 أحد الأمثلة الرئيسية في مادة التحرير الصحفي، بكلية الإعلام في جامعة دمشق عن المادة الصحفية التي نالت جائزة بولترز، وتحدثت عن غلاء الأسعار في أحد دول أوروبا بمشاركة مثال عن تكلفة “صحن السلطة” حينها والذي كان يصل لحوالي دولار ونصف تقريباً. قالب الهرم المعتدل الذي بدأت به المادة الصحفية حينها، جعل الجهات المعنية في البلاد تعمل لتضغط على الأسواق لأجل جعل “صحن سلطة” أرخص؛ لكن اليوم في سوريا هل ستأخذ المواد الصحفية التي تحدثت عن سعر لتر الزيت النباتي، وذرات الذهب الأبيض “السكر”، وطابور الخبز، وحتى “صحن سلطة الملفوف” أي جائزة وإن كانت للصبر! خصوصاً أن جسم الإنسان حسب إحدى اختصاصيات التغذية (التي رفضت مشاركة اسمها) يجب أن يتزود بمصادر الطاقة الرئيسية التي تعينه على تحمل ساعات الصيام الطويلة ومنها “النشويات، القمح، الذرة، الأرز، البروتين، البيض، الحليب، الدجاج، والخضروات.” وبحسبة بسيطة لطبق شبه يومي على موائد السوريين فإن تكلفة طبخة الأرز لعائلة مكونة من 5 أشخاص حوالي 4000 ليرة سورية، وهي سعر كيلو الغرام الواحد من الأرز ذي النوعية المتوسطة. وتشير اختصاصية التغذية أن هناك بدائل مثلاً عن البروتين الحيواني، ” الفول، الحمص، العدس، الفاصوليا”، لكن وصل سعر كيلو الحمص المطحون في العاصمة إلى 5000 ليرة سورية، وسعر صحن البيض ما بين 6000 و8000 ليرة سورية حسب سعر الصرف. ووفقاً لهذا الظرف الصعب فحتى البدائل ربما أصبحت للأغنياء فقط، وربما يجب أن يبحث الصحفيون عن أقل مائدة طعام تكلفةً في رمضان السوريين عام 2021، ليحصلوا على “بولترز”!

ماذا بعد!

ويتساءل المر ماذا بعد! فالسؤال المفتوح  اليومي الذي يسأله السوريون منذ ارتفاع سعر الصرف فوق 4000 ليرة سورية “لوين رايحين”، خاصةً مع عدم قدرة الجهات المعنية على ضبط الأسعار. ويجيب الخبير الاقتصادي أنه لا حل في الأفق إلا إذا،  تم تحديد سعر الصرف أولاً، وتوفير المواد المستوردة بما بكفل حاجة الأسواق، وعدم ازدواجية الضرائب ومضاعفتها، ووضع سعر موحد للسلع يحقق الربح للبائع ويناسب دخل المستهلك، بهذه المعايير تستطيع الجهات المختصة ضبط الأسواق والتجار، وغير ذلك فإن الوضع يتجه للأسوأ.

هل سيبقى الوضع على حاله عند بداية شهر الخير “رمضان”، أم سيزداد الطين بلةً، فإذا استغنى السوريون عن الزيوت النباتية وعاشوا على المسلوق من الخضروات، هل تستطيع الجهات المعنية ضبط أسعار الخضروات! هذه بعض الأسئلة المفتوحة التي يصعب الإجابة عليها حالياً ضمن الظروف الصعبة التي تجاوزت عشر سنوات من الحرب.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات...

تدريباتنا