تدريباتنا

مبادرة “بطريقك”: حل مؤقت لمواجهة أزمة المواصلات

بواسطة | أكتوبر 18, 2020

“بما أنو أزمة البنزين رجعت، فلازم بطريقك ترجع”، بهذا المنشور المختصر أعاد مجموعة من الشباب السوريين إحياء مبادرة “بطريقك” كحل متواضع لعله يقف في وجه أزمة البنزين العالقة في ظل انعدام أفق حلها حتى إشعار آخر، مع الإشارة إلى أن المبادرة ليست بجديدة، بل انطلقت في العام الماضي للتخفيف من تداعيات فقدان مادة البنزين التي تكررت مجدداً.

تقوم فكرة المبادرة على مبدأ المساعدة والمنفعة المشتركة، بعيداً عن الأنانية وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة السوريين. يتحدث مؤسس الحملة جميل قزلو قائلاً: “يقوم كل فرد ممن يمتلكون سيارة خاصة بنشر إعلان على المجموعة التي تحمل اسم المبادرة، يذكر فيه وجهته وخط السير مع ذكر توقيت ومكان الانطلاق، بالإضافة إلى رقم الهاتف للتواصل معه وملصق مكتوب عليه بطريقك للتعريف بالخدمة”.

تهدف المبادرة المجانية إلى ردم الهوة السحيقة بين أطياف المجتمع السوري، وترميم الضرر والتشوهات التي أحدثتها الحرب السورية، وعن ذلك يقول قزلو: “ترمي الحملة إلى كسر حاجز الخوف بين السوريين الذي سببته سنوات الحرب الطويلة، وما خلفته وراءها من أزمة ثقة فيما بينهم، تهدف المبادرة بالدرجة الأولى إلى إزالة حواجز الشك والخوف من الآخر الناجم من موقفه السياسي أو مذهبه الديني، والعودة إلى المبادئ  الأصيلة الني نشأ عليها السوري قبل نشوب الحرب التي نهشت كيانه”. ويضيف: “المبادرة تهدف إلى جعل هذه الخدمة عادة اجتماعية، وجزءاً من ثقافة المجتمع السوري، واستمرارية عملها إلى ما بعد انتهاء أزمة البنزين”.

وبالرغم من البعد الإنساني والحضاري الذي تنشده المبادرة، غير أنها تواجه  العديد من العقبات لناحية الترخيص والحصول على التسهيلات، حيث يذكر قزلو: “واجهنا العديد من العراقيل، فمنذ العام الماضي نحاول جاهدين الحصول على موافقة شرطة السير لترخيص الخدمة وجعلها متاحة للجميع، لكن دون جدوى”. هذا بالإضافة إلى مشاكل التمويل، فالمشروع مايزال شخصياً، يتكبد الشاب تكاليفه مع شريكة له، ويوضح بالقول: “أتبنى المشروع مع صديقتي زهراء روماني على عاتقنا الشخصي، ندفع من جيبتنا ثمن المكالمات الهاتفية وتصميم البوسترات ونقوم بإجراءات التنسيق بين أصحاب السيارات والزبائن”.

ولبث شعور الطمأنينة والثقة بين المشاركين في المبادرة، يطلب قزلو من كل شخص لديه سيارة خاصة رقم هاتفه الشخصي وأوراق الميكانيك وصورة عن الهوية ونوع السيارة ورقمها، بالإضافة إلى رقم هاتف الزبون، وذلك تفادياً لحصول أي مشاكل لا تحمد عقباها.

علا ديوب، ترى أن المبادرة تنطوي على أهميتها المعنوية في إعادة غرس مشاعر التآخي بين السوريين والشعور بآلام الآخر، خوفاً من انقراض هذه المفاهيم وحلول مكانها مفاهيم مشوهة، تقول الشابة التي أعربت عن استعدادها لتوصيل 3 فتيات يومياً في الصباح الباكر: “الدافع الإنساني هو ما جعلني أشارك في هذه الحملة، لطالما فكرت بالآخرين، وبأوضاعهم السيئة، فهناك العديد من الفتيات اللواتي ينتظرن أكثر من نصف ساعة ليستقلين  سيارة أو سرفيس في سبيل الوصول إلى عملهن أو جامعتهن، أضع نفسي مكانهن، فأزمة المواصلات مستمرة وتزداد سوءاً”.

تعقب الشابة أن المبادرة جاءت لإنعاش العديد من المفردات التي أهلكتها الحرب والعمل على إعادتها إلى الذاكرة السورية كالجمل التالية التي اعتاد السوريون ترديدها على ألسنتهم كـ “الناس لبعض” و”إذا خليت خربت” و”نحنا لبعض”، إذ تجد علا أن الحملة تنمي حس الإنسانية لدى جيل الحرب، وأنه بالرغم من بشاعة الأخيرة، غير أنها أفرزت شريحة شبابية قادرة على تجاوز الأزمات بأفكار خلاقة وبإمكانيات متواضعة، لكن هناك دوماً من يحاول منعهم وهدر الطاقات الإيجابية والنوايا الإصلاحية، وذلك حسب كلام الشابة.

اعتاد طارق شميط توصيل كل عابر سبيل يطلب المساعدة، لذلك لم تضف إليه المبادرة أي جديد، سوى الانضمام إلى المجموعة و \نشر المنشورات التي يعلن فيها عن وجهته القادمة، وعن ذلك يقول: “أتعاطف مع أبناء شعبي  المنهك، فأجور المواصلات أصبحت مرتفعة، كما أن حالة الازدحام خانقة  لاتحتمل، أحب تقديم المساعدة لغيري، فأنا معتاد على توصيل الناس، فلم يتغير شيء”.

لا يرى طارق (مخرج سينمائي) في المبادرة أنها حل جذري لنقص مادة المحروقات وأزمة المواصلات، لكنها محاولة إيجابية خجولة وسط الأجواء السلبية المشحونة في البلاد، مضيفاً: “أجد أن لها فائدة اجتماعية، حيث تعمل على تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية وزيادة الثقة بين الشعب السوري التي خسرها خلال سنوات الحرب” .

من جهتها، تقول رشا وهي إحدى المستفيدات من خدمة “بطريقك”: “جاءت هذه المبادرة في التوقيت المناسب وسط حالة الشلل في تأمين المواصلات، وتعزيز العلاقات بين السوريين بعد أن تحولت إلى علاقة قائمة على الخوف والتوجس من الآخر بفعل سنوات الحرب الطويلة”. أما ماهر فيجد في المبادرة بالرغم من بساطتها تعبيراً صادقاً عن نوايا السوريين في إحداث التغيير والرغبة الحقيقية في الإصلاح في بنية المجتمع السوري.

هذا ولم تقتصر الخدمة فقط على التوصيل بالسيارات، بل ذهب العديد من المشاركين بوضع دراجاتهم النارية في خدمة الآخرين، كما امتدت خدمات التوصيل إلى خارج حدود العاصمة دمشق، كعلاء الذي أعلن عن رغبته بنقل 3 ركاب من محافظة طرطوس إلى الشام.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا