تدريباتنا

مشروع لإحياء المدن الميتة في الشمال السوري

بواسطة | سبتمبر 4, 2023

على هيئة كائنات حيّة لها هيئة وتفاصيل تتحوّل صور المواقع الأثرية في لوحاته، حيث يعمل الصحفي أغيد شيخو على مشروع قوامه الحفاظ على المواقع التراثية الواقعة بين حلب وإدلب شمال سوريا والتي يعود تاريخها إلى القرن الرابع للميلاد، وتُعرف باسم “المدن الميتة”.

يوضح شيخو في حوار أجريناه معه أنه “كان من المهم أنسنة المواقع الأثرية في اللوحات عبر برامج تقنية وتقديمها على شكل طائر أو إنسان أو نبات دون إضافة أي عناصر خارجية من خارج الصورة، كل حالة حسب ما تستوجبه..الخيال هنا يلعب دوراً هاماً وطبيعة الموقع، الذي يتحول بالمحصلة إلى كائن حي له روح ومشاعر نتعامل معه كما نتعامل مع بعضنا كبشر، التعاطي مع الأماكن التاريخية لابد أن يكون بذات المستوى من الحساسية بهدف تقدير أهميتها وحفظها من الاندثار”.

“الكثير من المواقع التاريخية والقلاع والمعابد الأثرية تعرّضت في بعض أجزائها وهيكلها للخراب، نتيجة الحرب في سوريا ومن هنا انطلقت الفكرة، يوضح شيخو “المواقع الأثرية كانت واحدة من الأماكن التي التجأ إليها النازحون اضطراريا بهدف حماية أنفسهم ، ولكن هذا النزوح كان له انعكاس سلبي عليها بسبب قلة الثقافة والوعي وعدم المعرفة بماهية الأماكن وقيمتها التاريخية وأهمية المحافظة عليها، هذا فضلاً عن عمليات التنقب  العشوائي، كلّ ذلك أدى إلى تضرّر عدد كبير من المواقع الأثرية في الشمال السوري”.

يضيف شيخو “التخريب الذي تعرضت له المواقع الأثرية في الشمال السوري كان يحتاج لجهود جبارة لحماية التراث عبر الإضاءة على المواقع الأثرية والتأكيد على أهميتها عبر اللوحات، بأنها ليست عبارة عن حجارة عشوائية فقط، إنما هي كائنات لها روح وكينونة وشخصية، دائما نستخدم مصطلح روح المكان وهو ما أحببت تجسيده على هيئة كائنات مختلفة بشرية وغير بشرية”.

يعدّ الشمال السوري بيئة خصبة تزخر بالمواقع الأثرية والتاريخية.. وفي هذا السياق يوضح شيخو الأساس الذي اعتمده لاختيار بعض المواقع الأثرية دوناً عن غيرها.. “المناطق التي اخترتها أوشكت على الاندثار في الذاكرة السورية، عملي بالأساس سيكون بلا جدوى من دون وجود صور للمواقع الأثرية، عندما يكون للصورة مصدر أقوم بذكر الأرشيف أو المصور فهذا يعطي عملي قيمة إضافية، لابد من شكر الجهات أو الأشخاص الذين قاموا بالتصوير والتوثيق، معظم صور المواقع التي عملت عليها كانت لرحّالة أجانب أو مستكشفين زاروا المنطقة بفترة عام 1900 للميلاد”.

التحدي الأكبر بالنسبة له كان تقديم المواقع الأثرية برؤية شبابية، عبر نمط مختلف وجديد، يُعقّب الصحفي السوري ” اللوحات اعتمدت على صورة واحدة فقط للموقع الأثري، الصعوبة كانت أنه حتى لنفس الموقع لايوجد صورة من جانب آخر، لطالما تساءلت كيف أستطيع خلق شخصية بصورة واحدة فقط بشكل جديد لا يعيد نفسه، الشخصيات التي ابتكرتها نستطيع تسميتها دمى أو كرتوناً حسب رؤية كل شخص، هذه الكائنات ليست لها حدود وقادرة على وصف الفكرة ببعدها التاريخي والإنساني والمكاني”.

وحول الخلطة التي جمعت بين عمله الصحفي ومجالات التصميم والرسم يقول شيخو “شغفي بالفنون ليس جديداً، بداياته كانت عبر محاولاتي احتراف فن الزخرفة الإسلامية، كذلك حاولت تجربة أنماط أخرى من الفن، منذ بداية عملي في الصحافة كان لديّ اهتمام بالثقافة والتوثيق، نطّلع يومياً على كم كبير من المعلومات بحكم عملنا كصحفيين، وهو ما انعكس على المشروع حيث دمجت بين العمل الصحفي والفني، في الحقيقة الأمر كله أتى بمحض الصدفة ولم يكن عن تخطيط مسبق”.

وبالنسبة للمرحلة القادمة من المشروع يوضح شيخو “المشروع مستمر ولكنه في الحقيقة بحاجة لدعم كبير أنا أعمل عليه بجهود شخصية بحتة من دون أي تمويل، الخطوة الثانية في حال توفرت الإمكانيات المناسبة تحويل اللوحات إلى دمى حقيقية، وتوزيعها على الطلاب في مخيمات النزوح في الشمال السوري أو أهالي المنطقة، لتسهيل شرح تاريخ المواقع الأثرية عبر دمىً لها تاريخ وأحداث عاشتها، مما يسهم في حفظ التراث الهام للمنطقة من الضياع والاندثار”.

“أغيد شيخو” صحفي ومذيع سوري مهتم بالبحث والتوثيق يقيم في إسطنبول، من مواليد عام 1987، أنهى اختصاصه الجامعي في اللغة العربية وآدابها، ويتابع دراسته حالياً في قسم “التراث الثقافي والسياحة” في جامعة إسطنبول، في رصيده العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، ومنها برنامج “خبر نوستالجي”، كما شارك في عدد من المعارض الجماعية في جامعة حلب بمجال التصوير، وله عدد من المطبوعات في مجال توثيق الحياة العامة.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا