تدريباتنا

معركة ادلب مؤجلة وأربعة احتمالات تنتظرها

بواسطة | أغسطس 4, 2018

السباق مستمر على إدلب بين خيارين: التسوية أو التصعيد الشامل أو الجزئي. دمشق تريد الإفادة من «الزخم» بعد السيطرة على غوطة دمشق وريف حمص وجنوب سوريا لـ«حسم الشمال». أنقرة نشرت 12 نقطة مراقبة وحصنتها بجدران الإسمنت، لكنها تعرض خطة لحل ملف الشمال. أكراد سوريا يخططون لشن هجوم على عفرين بالتزامن مع هجوم دمشق على إدلب.

موسكو، كما حصل في مرات سابقة، تلعب دور الميزان بين مواقف مختلفة. مددت اتفاق «خفض التصعيد» في إدلب إلى سبتمبر (أيلول) المقبل. وأعلن المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينييف عدم وجود «عملية شاملة» في إدلب، لكن وزارة الدفاع عادت وأشارت إلى ضرورة «تطهير» هذه المنطقة من «الإرهابيين» وأنهم بدأوا يشنون هجمات على «القوات الشرعية» شمال سوريا.

وتضم إدلب في مثلث حلب – حماة – اللاذقية نحو ثلاثة ملايين شخص أكثر من نصفهم من النازحين والمهجرين من مناطق أخرى، وفيها أكثر من 70 ألف مقاتل من فصائل إسلامية وأخرى متطرفة. وتشكل نحو 4 في المائة من مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربع. وهي تقع بين محافظتي طرطوس واللاذقية، حيث تقع القاعدتان العسكريتان الروسيتان والقاعدة الشعبية للنظام من الغرب وحلب من الشرق ثاني أكبر مدينة سورية وحماة من الجنوب، التي ترتبط بحساسية كبيرة في المخيلة السورية بعد «مجزرة» عام 1982.

وشكلت إدلب وجهة لعشرات الآلاف من المقاتلين الذين رفضوا اتفاقيات تسوية مع النظام وبدأ المقاتلون ينظمون أنفسهم «أمام معادلة واحدة هي القتال حتى النهاية». كما أن وجود النازحين يجعل أي عملية عسكرية تهديداً لهم وإمكانية الضغط على تركيا. وقال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا بانوس مومتزيس في يونيو (حزيران): «ليس هناك إدلب أخرى لإرسالهم إليها (…) هذا هو الموقع الأخير، ولا يوجد مكان آخر ليتم نقلهم إليه».

التصور التركي

ضغطت أنقرة على فصائل معارضة في شمال سوريا للمضي في التوحد وتشكيل «الجبهة الوطنية للتحرير» التي تضم نحو 70 ألف مقاتل، بحسب تقديرات مطلعين مقابل قول قيادي عسكري معارض، إن العدد بين 40 و50 ألفاً. والتشكيل الجديد من تحالف «جبهة تحرير سوريا» و«ألوية صقور الشام» و«جيش الأحرار» و«تجمع دمشق» (من الزبداني وريف دمشق والغوطة). اللافت، أن التشكيل الجديد يضم خلطة مقاتلين من «الجيش الحر» والمنشقين وفصائل إسلامية وفصائل من المهجرين من مناطق أخرى في سوريا، وتحديداً من قرب العاصمة. وكان معظمهم مدرجاً على قائمة «غرفة العمليات العسكرية» برئاسة وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في تركيا المعروفة بـ«موم»، قبل قرار واشنطن إلغاء البرنامج السري. وعين فضل الله الحجي، وهو زعيم «فيلق الشام» سابقاً، قائداً للتشكيل الجديد وأحمد سرحان نائباً أول ووليد المشيعل نائباً ثانياً (الثلاثة من إدلب)، إضافة إلى تعيين عناد الدرويش رئيساً للأركان ومحمد منصور نائباً آخر (الاثنان من حماة).

لم يبلغ المسؤولون الأتراك قادة الفصائل المتحدة الأفكار الموجودة في ذهن أنقرة. وبحسب المعلومات، فإن الخطة التركية تتضمن تقديم التدريب والتسليح لهذا التشكيل الجديد بحيث يشكل «نواة لجيش وطني»، أي أن يكون في سوريا ثلاثة تكتلات: «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية التي تضم 75 ألف مقاتل ويدعمها التحالف الدولي شمال شرقي سوريا، «الجبهة الوطنية لتحرير» وتدعمها أنقرة وتضم 70 ألفاً، إضافة إلى قوات الحكومة السورية التي يدعمها الجيش الروسي بما فيها «الفيلق الخامس» وإلى «قوات الدفاع الوطني» والميليشيات المحلية التي تدعمها إيران.

الأفكار التركية تتضمن أيضاً إعطاء مهلة لـ«هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل بينها «فتح الشام» (النصرة سابقاً) كي تحل نفسها بحيث ينضم السوريون من التحالف ضمن الكتلة الجديدة و«إيجاد آلية» للأجانب من المقاتلين لـ«الخروج من سوريا بعد توفير ضمانات». ويشمل «العزل» أو «التحييد» أو «الإبعاد» المقاتلين الأجانب الموجودين في «حراس الدين» التنظيم الذي تشكل في مارس (آذار) الماضي من مقاتلين غير سوريين في الفصائل و«الجيش التركستاني الإسلامي» وهم من الايغور الصينيين. ويقدر عدد الأجانب بين 6 آلاف و12 ألفاً.

واصل الجيش التركي تحصين نقاط المراقبة التي يصل أحدها إلى حدود محافظة حماة جنوب إدلب، في وقت حصلت أنقرة على مهلة من موسكو في اجتماع سوتشي الأخير للبحث عن «تسوية» للشمال بالتزامن مع انعقاد القمة الروسية – الألمانية – الفرنسية – التركية في 7 سبتمبر المقبل.

بندقية دمشق على إدلب

منذ خسارة محافظة إدلب في مارس 2015، تسعى قوات الحكومة للعودة إلى إدلب. سيطرت على غوطة دمشق وريف حمص وجنوب البلاد وجنوبها الغربي. بقيت ثلاث مناطق: شمال شرقي وتقع أمامها تعقيدات بسبب الوجود الأميركي المنتشر إلى قاعدة التنف، منطقتا «درع الفرات» و«غصن الزيتون» اللتان حصلت تركيا عليهما برعاية روسيا، محافظة إدلب التي تقع ضمن اتفاق «خفض التصعيد» وفق عملية آستانة الموقع في مايو (أيار) 2017 لستة أشهر.

انتهت مناطق «خفض التصعيد» الثلاث وبقيت إدلب. وقال الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي «هدفنا الآن هو إدلب رغم أنها ليست الهدف الوحيد». وتريد دمشق خصوصاً استعادة الجزء الأخير من طريق دولية، تمر عبر إدلب وتكمن أهميتها في كونها تربط بين أبرز المدن السورية التي باتت تحت سيطرة القوات الحكومية، من حلب شمالاً مروراً بحماة وحمص ثم دمشق، وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن. وقبل الوصول إلى حلب، يمر جزء من الطريق في مدن رئيسية في إدلب تحت سيطرة الفصائل، أبرزها سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون.

وبدأت قوات الحكومة عمليات شمال حماة وشنت قصفاً على مواقع معارضين، لكنها لا تزال حذرة في الاقتراب من مواقع تركيا التي لا تريد تكرار موقف الأردن وأميركا بالتخلي عن فصائل الجنوب السوري. غير أن الحملة الإعلامية بدأت بالتركيز على إدلب. اللافت، هو ضم الصين إلى هذه الحملة؛ إذ نقلت صحيفة «الوطن» الموالية لدمشق تصريحات للسفير الصيني في سوريا بأن بلاده ستساعد الجيش السوري في إدلب. على الأغلب، بسبب وجود الاوغور ضمن «الجيش التركستاني الإسلامي» الذي يقدر عدده عناصره وعائلاتهم بنحو 2500 شخص.

وكان اتفاق تسوية أدى إلى تهجير آلاف من قريتين مواليتين لدمشق في ريف إدلب، برعاية روسية – تركية؛ ما عزز الشكوك من احتمال حصول عمل عسكري. كما أن مسؤولين في «وحدات حماية الشعب» الكردية عرضوا على دمشق العمل سوية ضد تركيا في عفرين التي خسروها بداية العام وفي إدلب. وقالت مصادر، إن «الوحدات» تخطط لشن هجوم على عفرين في حال شنت دمشق هجوماً على إدلب.

رسائل روسية متناقضة

بخلاف تصريحات المسؤولين في دمشق، جزم الموفد الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في ختام اجتماعات سوتشي الثلاثاء «لن يكون وارداً في الوقت الحاضر، شن هجوم واسع على إدلب». ونقلت مصادر، أن توتراً حصل بين موسكو ودمشق بعد تصريحات رئيس وفد الحكومة إلى سوتشي بشار الجعفري ضد «الاحتلال التركي».

موسكو التي بدأت تروج لخطة لإعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار لا تريد أزمة لجوء جديدة؛ إذ يهدد التصعيد بتدفق موجات كبرى من اللاجئين إلى تركيا، وهو ما لن تسمح به مع رغبتها بتسريع عودة أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ تدفقوا إلى أراضيها منذ اندلاع النزاع في 2011. وتراهن موسكو على أن يقوم الأتراك بحل ملف «هيئة تحرير الشام» لا أن تكون «قضية يمكن للأسد أن يستخدمها لإطلاق هجوم على إدلب». وتراهن روسيا على تركيا لإنجاز هذه المهمة، بحسب لافرنتييف. لكن في الوقت نفسه، أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى «قلق إزاء تصاعد الأوضاع في منطقة خفض التصعيد في إدلب نتيجة استهداف المسلحين مواقع للجيش السوري ومساكن مدنية في حلب وحماة واللاذقية»، مشيرة إلى «تسجيل 84 عملية قصف خلال الأيام الـ10 الماضية، ذلك إضافة إلى هجمات متكررة باستخدام طائرات بلا طيار ضد قاعدة حميميم الروسية انطلاقاً من إدلب». وتزامن ذلك مع هجمات شنها تنظيم «حراس الدين» على مواقع للحكومة شمال البلاد.

احتمالات

أمام هذه الصورة تظهر احتمالات عدة:

الأول، أن تجر دمشق موسكو إلى خيارها بالتصعيد العسكري في إدلب كما حصل في مناسبات سابقاً عندما فرضت الحكومة السورية أجندتها على الحليف الروسي. قد تستخدم الهجمات على قاعدة حميميم أو فشل الجانب التركي واستمرار هجمات المتطرفين ذريعة لذلك.

الثاني، أن تذهب دمشق وحيدة إلى إدلب من دون غطاء روسي؛ ما يعني احتمال انضمام «الوحدات» الكردية وميليشيات إيرانية إلى العملية بهجوم على عفرين، وبالتالي انتقال: «الوحدات» عبر أراضٍ تسيطر عليها قوات الحكومة.

الثالث، أن تتبع قوات الحكومة سياسة «القضم» بحيث تسيطر على مواقع استراتيجية على طريق حماة – حلب، وعلى طريق اللاذقية – جسر الشغور، وفي سهل الغاب بين إدلب وحماة.

الرابع، وصول روسيا وتركيا وأميركا (إيران) إلى تفاهم الكبار تفرض على اللاعبين السوريين تتضمن ترتيبات للشمال السوري (بعد الجنوب) بحيث تنتشر القوات الحكومية ورموز الدولة على النقاط الحدودية، بما فيها مع العراق وتركيا (شمال شرقي وشمال) والجنوب مع الأردن.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا