تدريباتنا

معيلات صغيرات يخضن غمار مهن ذكورية

بواسطة | نوفمبر 20, 2018

تدير وجهها المُغبر بابتسامة لا تفارقه نحو عجلة السيارة، تنحني نحوها وبأناملها الصغيرة تفكها لتعيد تركيب الأخرى الجديدة.

بيان، اسم يعرفه كل من يقصد مخيم “سردم” لنازحي عفرين الواقع في منطقة ” الشهباء”. نزحت بيان، أحد عشر عاماً، للمخيم مع عائلتها بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا على مدينتها عفرين.

عملت الطفلة بيان في ورشة تصليح عجلات العربات والدراجات، لتساعد والدها في تأمين قوت عائلتها المكونة من ثمانية أشخاص، وتحفظ كرامتهم من العوز، وهي تداوم مع والدها يومياً منذ أن فتح الأب ورشته في المخيم قبل أشهر وفي كثير من الأحيان لا ينتهي عملها حتى المغرب.

خاضت بعض الفتيات أعمالاً تُعتبر “ذكورية” بحسب الأعراف والتقاليد تحدياً لها وشغفاً بتلك المهن، أو بسبب قسوة الظروف المفروضة عليهن. إلا أن المجتمع لم يتقبل هذا، تقول بيان “الكثيرون ينظرون لي نظرة دونية أرفضها، فأنا أملك إمكانيات لا تقل عما يملكه الرجل.”

وتؤيد سيلفا، ١٦ عاماً، التي تعمل كسائقة للمركبات والشاحنات الكبيرة، رأي بيان ورفضها لنظرة المجتمع لعملهن. بدأت سيلفا بقيادة العربات الكبيرة هذا في مدينة “عامودا” منذ أن كانت في التاسعة من عمرها، وهي تتفاخر بأنها أول صبية تقود التركس في المنطقة.

“استصعبت في البداية قيادة المركبة بحجمها الكبير، وبالإضافة للصعوبة التقنية للقيادة، كان صعباً علي أيضاً تحدي عالم العمل الذكوري، إلا أن تشجيع والدي لي ساعدني، كما أنه لم يمانع عملي معه رغم أني أصغر بناته”، تقول سيلفا.

وعن أسباب دخولها لهذا المجال تروي سليفا “كان والدي هو معيلنا الوحيد، بعد انضمام شقيقي الوحيد لوحدات حماية الشعب الكردية، ووفاته في إحدى المعارك ضد تنظيم داعش، توجب علي أن أحل مكانه في العمل، لسد مصاريف دراستي الثانوية، إضافة لدراسة شقيقاتي الثلاث الجامعية.”

الانتقادات اللاذعة لخروجهن عن المهن التقليدية للنساء، لم توقف بيان وسليفا عن القيام بأعمالهن، ولم تؤثر على عزيمة بتول سعيد التي استمرت بالعمل كبائعة في محل للوجبات السريعة في مدينة القامشلي. وبدأت بتول، سبعة عشر عاماً، عملها في المحل منذ أربع سنوات، بعد نزوحها من مدينة حلب مع شقيقاتها الثلاث، وأخيها الصغير ووالدها.

وعندما وصلت العائلة للقامشلي وجدت بتول نفسها مسؤولة عن أسرتها، تحكي بتول قصتها قائلة “توفيت أمي في حلب بمرض السرطان، وأنا أكبر أخواتي، ولم يعد لنا أي معيل بعد أن تركنا والدي وتزوج من امرأة أخرى؛ فتوجب علي أن أجد عملاً مهما كلفني الأمر” وتضيف “جاء إلي جارنا عندها، وعرض علي العمل معه في مطعمه لبيع الوجبات السريعة، وعرض علي أجرة ٥٠ ألف ليرة سورية أي ما يعادل ١١٥ دولاراً، فلم أتردد في قبوله.”

لم تتخيل بتول نفسها تقوم بهذا العمل بحياتها إلا أنها ترفض تأطير المجتمع للمهن بحسب الجنس، وتعتبره أمراً رجعياً فعملها يحميها وأخوتها من العوز ويجعلها مستقلة بدلاً من انتظار كرامات الآخرين.

أما عنود حسين فقررت العمل في محل بيع الخضرة الذي يمتلكه زوجها ليث في مدينة “تل حميس”، متمردة على عادات وتقالید المنطقة التي ولدت وعاشت فيها.

وتؤكد عنود، سبعة عشر عاماً أن “النساء قادرات على النجاح في عملهن والبيت على حد سواء، فهن مهندسات وطبيبات وناشطات اجتماعيات، وموظفات وسياسيات وسائقات، إضافة إلى أنهن ربات بيت ناجحات.” وتضيف عنود: “النظرة الدونية للمرأة، انحسرت في الكثير من المجالات، بعدما أثبتت المرأة قدراتها في كل ميادين العمل.”

بدورها تبين الباحثة الاجتماعية أمل سعيد أن النظرة تجاه المرأة عموما “تطورت في السنين القليلة الماضية”، وعن العمل في المجالات التي تعتبر “ذكورية” تشير سعيد “استطاعت المرأة الخوض في أعمال كانت مقتصرة على الرجال فقط، وأثبتت قدرتها على منافستهم خصوصاً مع تزايد الحاجة المادية والوضع الاجتماعي وظروف الحرب، مما دفعها لمزاولة أي مهنة تجدها أمامها دون اعتراض، رغم الصعوبات وتدني الأجور.”

يوافق العديد من أهالي المناطق التي تعمل فيها هذه الفتيات على أن نظرة المجتمع للمرأة التي تخوض غمار الأعمال “الرجالية” تغيرت، وأصبحت مقبولة اجتماعياً أكثر من قبل، كما أن العديد يكن لهؤلاء الفتيات الاحترام لأنهن يتحملّن مسؤولية أسرهن المادية وهن في سن صغيرة أيضاً.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

تدريباتنا