تدريباتنا

من قال إن هذه الجيوش حرّة؟

بواسطة | مايو 2, 2018

يكاد يجزم المراقب للأحداث في سورية منذ البدايات حتى الآن، أن أغلبية اللاعبين في مقامرات الدم السوري، يرهنون ذواتهم و”مشاريعهم” وأفكارهم، في خدمة من يحقق غاياتهم الشخصية التي فتّتت الأجسام السياسية وأوصلتنا إلى دوّامة الولاءات عربيّاً ودوليّاً بعيداً عن سورية!

لم يكن التسلح خياراً مدروساً لمواجهة نظام قائم على بنية عسكرية مخابراتيّة عميقة، فكانت ردّة فعل الشارع على إجرام عناصر النظام أثناء المظاهرات، هو الذهاب نحو رفع السلاح عشوائياً، علماً أن مئة بندقية “كلاشنكوف” مثلاً، لا يمكن أن تجعل حيّاً ضخماً مثل حيّ الميدان وسط دمشق، محرراً (…) بعد ما وقعت معركة دمشق الأولى في منتصف العام 2012، الأمر الذي كان يريده النظام، أي أن ترفع الأسلحة “دفاعاً” عن المظاهرات تحت أي ظرف، لتبدو نظرية “المندّسين” جاهزة لقتل كلّ معارضٍ للنظام!

والمعروف أن المقدرات الجهاديّة التي نمت في سورية بفضل الفصائل الذاهبة إلى قتال القوات الأمريكية أيام الغزو على العراق عام 2003، جميعها فصائلٌ عائدة بالفكر والعقائد لتنظيم “جماعة الإخوان المسلمين” إضافة إلى النزعات الدينية والاجتهادات الجهاديّة، وجميعهم يحرّضون على لغة العنف والتطرّف والاقصاء! هي ذات التجارب العسكرية التي عكست تسمياتها الدينية هويتها الفكرية مباشرة قبيل تنظيم الكتائب العسكرية الواقفة إلى صف الاحتجاجات الشعبية في سورية، بداية من التسمية مثل “لواء التوحيد” أو “كتائب الفاروق” وهي فصائل كانت تحمل التشريع الإسلامي نهجاً للعمل “الثوري المسلح” وهذا ما دفع بالفصائل للبحث عن تمويل خارجي حسب الانتماء والشيوخ والدعاة، وصولاً إلى التنسيق مع غرف التعاون العسكري الدولية التي رأت في التسليح مفتاحاً تتحكم عبره بالتوجه والهدف، فكانت أشهر تلك الغرف “موك” و “موم” اللتين تقع إحداهما في الأردن والأخرى في تركيا، وبالتالي لم يعد القرار بالتحرك “الثوري” بيد الفصائل وحدها.

أداة ليست سورية

مع انطلاق موجة الانشقاقات عن صفوف الجيش النظامي، باتت تسمية “الحريّة” ملاصقة لأي مؤسسة أو فصيل أو كيان سياسي خارج من عباءة النظام السوري، ما يشير إلى بداية الانقسام الوطني بين من هم مع النظام بوصفهم ضد الحرية، ومن هم مع التظاهرات على أنّهم “أحرار”. وهكذا سرقت الفصائل التسمية ونَسبتها لنفسها ورفعت علماً خاصاً بها بعيداً عن التصويت الشعبي وأصبح لكلّ فصيل علم خاص وآخر مشترك وهو علم “الجيش الحر” وهذا الأخيرة أصبحت مهمته الدفاع عن المظاهرات إلى أن ذهب نحو مواجهة النظام وإطلاق المعارك الارتجالية التي بررت قصف المناطق وقتل المدنيين لأنهم “حاضنة لهذا الجيش” المنتقل من حماية المدنيين إلى اجبار المناطق الموالية على المشاركة بالثورة لتصبح “مناطق محررة” حسب مبادئهم!

عندما صعدت حركة أحرار الشام الإسلاميّة وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وجيش الإسلام وفيلق الرحمن… وسواها، كفصائل ذات مرجعيّة إسلامية متقاربة جداً، إلى ساحة المواجهة وتقسيم المناطق السورية، أصبح الجيش الحر مجرد تسمية ينضوي تحتها من يريد من تلك الفصائل المقاتلة التي تموّلها حركات جهادية ودولية كبيرة فبدأت الانشقاقات والإندماجات بين الفصائل، وبالتالي عاد القرار إلى مجالس الشورى الدينية بعيداً عن التنظيم العسكري الذي يفترض أنه مفصول عن المؤسسة الدينية، ومعمول به في باقي الجيوش الكبيرة الموحدة. إذ أن تجزئة الفصائل المعارضة وتعدّد مصادر تمويلها واختلاف ذهنيات قادتها، دفع بها لأن تكون مجرّد أداة بيد الدّاعمين الخارجيّين، وذلك لا يختلف عن تجربة جيش النظام السوري الذي استبدل تسمية الداعمين ضد الثورة السورية، بالحلفاء مثل سماحه لإدخال قوات روسيا وقوات إيران، فأطلق لهم العنان في البلاد، وبات الصراع إقليميّاً بأدوات سورية!

نهاية الثورة المسلحة  

منذ أطلقت تركيا عمليتها العسكرية “درع الفرات” الممتدة من جرابلس إلى أعزاز حتى مدينة الباب، هذا المثلث الجغرافي شمال سورية الذي أصبحت فيه فصائل الجيش الحر تحكم وتشكل المجالس المحلية بالتشاور مع عناصر تابعة للمخابرات التركية لمواجهة الفصائل الإسلامية المتشددة أبرزها “داعش وجبهة النصرة”، وتنفيذاً لمخططٍ احتلالي غير مباشر، تذرعت تركيا مجدداً منذ أسابيع في عملية “غصن الزيتون” لتعيد سيناريو التوغل في سورية عبر مدينة عفرين “دفاعاً عن مصالحها” التي تتعارض وإياها مع أيّة مبادرة لتأسيس كيانٍ كردي بحكم ذاتي، بغض النظر عن جذوره كمكوّن سوري، راحت فصائل الحر تنهج مبادئ تركيا وتقتل السوريين من الفصائل الكردية مقابل مكافئة بسيطة هي المشاركة في السيطرة على بعض المناطق ضمن عفرين وريفها.

إن مشهد رفع العلم التركي على بناء المجلس المحلي لمدينة عفرين مؤخراً، إلى جانب علم فصائل الجيش الحر، لا يختلف عن مشهد رفع العلم الروسي والإيراني وعلم النظام في ساحة الأمويين بدمشق تهليلاً للنصر المزعوم بعد قصف “أمريكا وفرنسا وبريطانيا” لمواقع قالوا إنها “عسكرية” في دمشق منذ فترة وجيزة، إنه نصر رسمته روسيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة، على ما يبدو، أثناء استثمار الكارثة الإنسانية بعد القصف الكيماوي على دوما، ربما هو مشهد معقد لكن قواسمه المشتركة بالاتكال على الدول الأجنبية لتحصيل “الانتصارات” تتقاطع بقوة مع بعضها، الجميع يعتبر نفسه “محرراً” من الاستبداد والتطرف والطغيان، لكن الشق الآخر من هذا التحرير هو تلبيس المحتل ثوباً خبيثاً اسمه “الحلفاء”.

وبالعودة إلى التعاون الكبير لفصائل متعددة من الجيش الحر مع عملية “غصن الزيتون” العسكرية، يمكن ملاحظة كيف أعطت الولايات المتحدة ضوءها الأخضر لتركيا إلى جانب تغاضي النظام وروسيا عن ذلك، ويأتي من يقول: هذا الجيش حر!؟

إذا كانت القوى الدولية تحرك سلاحها وجنودها حسب الاتفاقات الإقليمية، فلا بد أن من تنفذ بأرضهم تلك الاتفاقات “ليسوا أحراراً” لأنهم ببساطة لم يعتمدوا على الشعب وتثقيفه سياسياً وثوريّاً بمعزل عن الانتماءات الدينية، ليسوا أحراراً بل هم إعادة نتاج سلطوي لمفهوم العسكرة: “أنت لست معي هذا يعني أنك عدوي وقتلك واجب” تماماً كما يفكر النظام السوري، تفكر الفصائل المسلحة التابعة لـ”الحر” وبذلك تنتهي الثورة المسلحة منذ اللحظة التي توجهت بها البنادق للتخلص من الموالاة أو تصفية المعارضة، كيف بها الآن عندما تقاتل تحقيقاً لنصر الحلفاء-المحتلين؟

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

تدريباتنا