تدريباتنا

نازحو ادلب يستقبلون الشتاء… بالعراء والغلاء

بواسطة | نوفمبر 1, 2021

يجلس أبو عمر (53 عاماً)، وهو نازح، يقطن في مخيم وادي التين بالقرب من منطقة الدانا شمال إدلب، على صخرة متوسطة الحجم، ربط بها أحد أوتاد خيمته، وتجلس إلى جانبه زوجته، وإحدى زوجات أبنائه، ويتحدثون بخوف وحسرة، عن فصل الشتاء الذي يتربص بهم وما يحمله من برد وصقيع، وظروفهم المعيشية المتردية، التي لا تسمح لهم شراء وسائل تدفئة صحية مثل المازوت أو الحطب.
ومع بداية فصل الشتاء، تتجدد معاناة ومأساة النازحين في شمال غربي سوريا منذ ما يقارب 10 أعوام، وما يحمل معه هذا الفصل من قسوة وآلام، تطال أكثر من مليون نازح، يقطنون مخيمات عشوائية، بعضها على سفوح الجبال الوعرة، وآخرى ضمن الأودية، في خيام مصنوعة من الشوادر والنايلون لا تقيهم برد الشتاء القارس، على الشريط الحدودي مع تركيا.

حطب
يقول أبو عمر: “منذ أن نزحت وأسرتي التي تضم تسعة افراد، عن مناطقنا بريف حلب الجنوبي، ولجوئنا إلى هذا المكان، قبل أربع سنوات، لم ننعم بالحد الأدنى من الدفء في فصل الشتاء، بسبب قلة المال وإنعدام فرص العمل الكاملة، التي تؤمن لنا ثمن وسائل التدفئة الصحية، بسبب أسعارها المرتفعة، التي لا تتناسب إطلاقاً مع أحوالنا المادية، حيث وصل سعر الطن من الحطب الآن إلى ما يقارب 150 دولارا أميركيا، بينما أسعار المحروقات المحلية وصل سعر الليتر منها مؤخراً إلى حوالي نصف دولار أميركي. الطبع هذه الأقام تشكل لنا حالة مرعبة، لعدم توفر الحد الأدنى منها في جيوبنا”.
ويضيف، “لدي إبن متزوج و لديه أسرة (زوجة وطفلان) وإبن ثاني (16 عاماً)، يعملون في ورشة لصناعة (الطوب)، بأجور يومية، لا تتجاوز 40 ليرة تركية، وبالكاد هذا المبلغ، يؤمن لنا مستلزماتنا المعيشية اليومية من خبز وغذاء وأدوية وألبسة. ومع قدوم فصل الشتاء يتوقفون عن العمل، بسبب توقف أعمال البناء، وتتفاقم أحوالنا المعيشية أكثر فأكثر صعوبة، مع حاجتنا في آن واحد للطعام و وسائل التدفئة، مما نضطر إلى دفع الأطفال الصغار إلى القرى المجاورة لجمع البلاستيك المستعمل وأكياس النايلون وبقايا الكرتون ليكون وسيلة بديلة للتدفئة، نستطيع من خلالها إشعال الصوبة والحصول على بعض الدفء، ومع إحتراق تلك الأشياء ونفاذها يتلاشى الدفء، ونقوم برمي الأغطية على الأطفال للمحافظة على سلامتهم من الأمراض ونزلات البرد الحادة”. وينهي حديثه بكلمة أخيرة: “هذا هو شكل حياتنا في فصل الشتاء منذ 4 أعوام إلى الآن”.

فحم … وزيتون أم أحمد ، وهي أرملة 5 أطفال دون العاشرة ، وتعيش في “مخيم الأمل” في منطقة دير حسان الحدودية ، تقول ، “أحصل وتعامل على سلة غذائية (6 كيلو سكر و 5 كيلو رز ومثله برغل بالإضافة إلى 5 كيلو حمص وعدس وعبوتين 4 ليتر زيت نباتي) ، من شركات المنظمات الإنسانية العاملة في البطولة ، وموادها الأساسية ، وموادها الأساسية من أضراره على صحة الأطفال ، نتيجة إنبعاث يطبع داخل الخيمة “. تضيف ، “منذ 4 سنوات نزحت من بلدي سهل الغاب بريف حماة ، ولجأت برفقة أكثر من 50 عائلة ، إلى المخيم ، وكنا حينها تصل إلى مساعدات غذائية ومساعدات أخرى خلال فصل الشتاء من المنظمات الإنسانية ، إلا أنه في عام ، توقفت العودة ، أحوالنا المعيشية تشهد تشهد تراجعاً مأساوياً ، إلى حد الفقر والعيش بحالة تقشف ، خشية جو الموتعاً ، وأخشى هذا الشتاء تتفاقم منازلنا أكثر ، أمام غلاء أسعار مواد بما فيها الغير صحية مثل الفحم أو البيرين (بقايا زيتون) المخلوط بالتراب والحجارة ” .

خط الفقر
وفقاً لدراسة أحوال النازحين المعيشية في المخيمات أجراها ناشطون سوريون مؤخراً، قال الناشط بكار الحميدي أن 70 % من النازحين السوريين في مخيمات الشمال السوري يعيشون تحت خط الفقر، نظراً لتراجع حجم المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية والمحلية، خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى قلة توافر فرص العمل في المجالات الصناعية والزراعية.
واضاف، أن هذه النسبة شملت أعداد المخيمات العشوائية والتي بلغت نحو 450 مخيماً عشوائياً يقطنها حوالي 250 ألف نازح، تم إنشاؤها على مساحات مستوية، غير مخدمة بمجاري وقنوات صرف صحي، و”مع قدوم فصل الشتاء وتزايد غزارة الأمطار، تتعرض معظمها للغرق، وإنسداد الطرق المؤدية لها، مما يزيد ذلك من معاناة النازحين، فضلاً عن أن الخيام المصنوعة من الشوادر والنايلون لا يمكنها مقاومة العوامل الجوية لفترات طويلة، وتتعرض للتلف أمام سرعة الرياح في فصل الشتاء ودرجات الحرارة في فصل الصيف، وغالباً ما تكون عمليات الإنقاذ والإستجابة الإنسانية ضعيفة، مقارنة بحجم الأضرار التي تتعرض لها المخيمات نتيجة الفيضانات وتشكل السيول في فصل الشتاء”.

ضيق تنفس
مع قدوم فصل الشتاء تزداد حالات الإصابة بأمراض مرتبطة بإلتهابات الجهاز التنفسي لدى النازحين، بسبب إستخدامهم وسائل تدفئة غير سليمة مثل أكياس النايلون والأحذية والألبسة المستعملة، وإنبعاث الروائح والدخان داخل الخيام، بحسب الطبيب إياد الحسن في منطقة كفرلوسين (تجمع مخيماث ضخم) بالقرب من الحدود التركية، شمال إدلب.
ويضيف الحسن: ” يلجأ النازحون إلى إستخدام هذه الوسائل الغير سليمة للتدفئة، نظراً لأسعارها الرخيصة، مقارنة بأحوالهم المادية الصعبة، ونتيجة إنبعاث الغازات السامة، ومنها غاز أحادي أكسيد الكربون الناتج عن عملية الاحتراق الجزئي لها، داخل الخيام، يتعرض الأطفال وتحديداً الرضع منهم لحالات إختناق شديدة، يجري إسعافهم إلى المراكز الطبية القريبة، وتقديم الإسعافات الأولية لهم، وإجراء عمليات رفع نسبة الأكسجة السريعة لديهم، وتزويدهم بجرعات رذاذ، وإنقاذهم من موت محقق، وأيضاً كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة يتعرضون لأمراض تنفسية وسعال حاد نتيجة ذلك”.

مناشدات
أطلق فريق “منسقو استجابة سوريا” تحذيراً من شتاء قارس ينتظر النازحين شمال غرب سوريا وسط توقعات بتدني درجات الحرارة بشكل كبير خلال الفترة القادمة،في ظل الفقر والعوز الذي يعانون منه. وقال الفريق في بيان أن 1.512.764 نازحاً سورياً معظمهم من النساء والأطفال على موعد مع فصل الشتاء، وسط الفقر والعوز في الخيام والمباني غير المكتملة التي يعيشون فيها، في ظل عجزهم عن توفير أبسط سبل التدفئة. ولفت التقرير إلى أن الحاجة الماسة في الوقت الحالي للنازحين هو تحسين بيئة المأوى، منوها إلى أن العديد منهم اضطر إلى النزوح عدة مرات في ظل محدودية الأماكن التي يمكنهم العيش فيها، في وقت تعاني فيه مخيمات النازحين من الاكتظاظ السكاني، حيث زادت أعداد المخيمات في مناطق شمال غرب سوريا خلال الفترة السابقة إلى 1.489 مخيماً، بينها 452 مخيماً عشوائياً يقطن فيه 233.671 نازح من مختلف المناطق السورية.
وأوضح التقرير أن جميع النازحين السوريين بحاجة ماسة إلى المساعدات التي تشمل الغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم، مناشداً جميع الفعاليات العمل على مساعدة الأهالي في مناطق شمال غرب سوريا عبر زيادة المساعدات الإنسانية لمواجهة أزمة البرد والأمطار المقبلة وتأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين، في ظل الإرتفاع اليومي الذي يطرأ على أسعار المواد الغذائية و وصل إلى 200% خلال الأشهر الماضية.

تحذير
وحذر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، الأربعاء 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من شتاء قارس ينتظر السوريين في ظل استمرار تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
وقال غريفيث، “سيواجه السوريون قريباً شتاءً قارساً آخر، فمع بدء درجات الحرارة في الانخفاض، سيؤدي هطول الأمطار والبرد والشتاء إلى تفاقم المصاعب التي يواجهها ملايين الأشخاص”. وشدد قائلاً “نحن بحاجة إلى حقنة عاجلة من المساعدات المنقذة للحياة، خاصة وأن السوريين يستعدون لفصل الشتاء”.
واحتلت سوريا المرتبة الثالثة ضمن قائمة الدول الأكثر هشاشة عالميًا لعام 2021، بحسب تصنيفات دولية.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا