تدريباتنا

ينامون بين الاثار ويشربون من التوابيت

بواسطة | ديسمبر 14, 2021

بين ما تبقى من حجارة وأعمدة وجدران أثرية تعود لمعابد اثرية تم بناؤها في القرن الثاني الميلادي، في منطقة بابسقا شمال إدلب 40 كلم، شيد أبو مصطفى وعائلته خيمتهم الصغيرة، فاراً من ويلات الحرب التي نالت من بلدته الصغيرة معر شمارين جنوب شرقي إدلب، قبل نحو 3 سنوات، وفضل الإقامة والكثير من العائلات بين هذه الأبنية التاريخية، ولكل منها أسبابها في إختيار هذه الأماكن التي هجرت ودمرت قبل أكثر من ألف عام.
ويقول أبو مصطفى (48 عاما)، أنه أجبر في نهاية العام 2019 على النزوح وأسرته من قريته، اثر عملية عسكرية برية وقصف جوي، دفعه وأسرته إلى مغادرة قريته ليلاً، نحو المجهول، ليجد نفسه وأطفاله وزوجته، بالقرب من الحدود السورية التركية دون مأوى، وسط عاصفة مطرية ورياح عالية، ما دفعه وأسرته إلى الإحتماء بجدران وأحجار ضخمة تعود لأبنية تاريخية”.
ويضيف، ” كانت تلك الفترة هي من أصعب الفترات التي عايشنا فيها ظروف صعبة للغاية (نزوح وتشرد وبرد وخوف)، يصعب على الإنسان تحملها، و وجدنا من هذه الجدران والأبنية التاريخية ذات الأحجار القوية والعالية مكاناً يوفر لنا الحماية من العواصف والرياح والأمطار، فبادرنا إلى الإقامة بينها والتعامل مع صعوباتها”.
ويروي “أبو زيد، وهو نازح آخر من ريف حماة، سبب اختياره الإقامة بخيمته، وسط أعمدة وحجارة مدمرة ضخمة تعود لمعبد روماني في منطقة البردقلي شمال إدلب، ويقول “إن إقامتي وسط هذه الزحمة من الأعمدة
والحجارة والقناطر الأثرية، أفضل بكثير من العيش في زحمة المخيمات وإكتظاظها بالبشر، فضلاً عن أننا نستغل توفر التوابيت والأحواض الحجرية التاريخية التي يمكن أن نخزن فيها مياه الشرب والإستعمالات المنزلية”.
ويضيف، “بالرغم من أنني وأسرتي نعيش حياة هادئة وسط المباني الأثرية، إلا أن هناك ثمة صعوبات، ومع مرور الوقت، تكيفنا معها، فبعدها عن المدارس تشكل صعوبة بالغة على الأطفال في الذهاب والعودة إلى المدرسة، فضلاً عن إنتشار العقارب والأفاعي التي كانت تخرج علينا في العام الأول بأعداد كبيرة، إلا أنه مؤخراً تقلصت أعدادها، بعد أن تحول المكان من مهجور إلى مكان مسكون بالبشر”.
بينما وجد “أبو خالد”، نازح من ريف حلب الجنوبي، من الحجارة تعود لمعبد بيزنطي في منطقة رأس الحصن على الحدود السورية-التركية، فرصة يمكنه إعادة بنائها مجدداً وتحويلها لمسكن. وقال “في عمل استمر على مدار شهر متواصل أستطعنا أن وأفراد أسرتي صغاراً وكباراً تجميع الأحجار المبعثرة هنا وهناك وبناء غرفة إلى جانب جدار قائم، وقمنا بإملاء الشقوق والفواصل بالتراب المخلوط بالقش، لمنع دخول الحشرات والأفاعي والعقارب إلى داخل الغرفة، وبعد ذلك أنشأنا ممراً مرصوفاً بالحجارة من باب الغرفة إلى الطريق العام، لتفادي مياه الأمطار والوحل أثناء ذهاب الأطفال إلى المدارس”.
ويضيف، بغصة وحسرة: ” كنا سابقاً (قبل2011)، نقوم بجولات ونزهات سياحية في فصل الربيع مع الأهل والأقارب إلى هذه الأماكن الأثرية، ولم يخطر على عقولنا حينها أنه سيأتي يوم ونقيم فيها وتكون هذه الأطلال موطناً جديداً نلجأ له بعد سنوات من المعاناة والتنقل “.
وقال بكار الحميدي وهو ناشط في محافظة حماة، “الحرب السورية وضعتالسوريين أمام خيارات صعبة في السكن والإقامة أثناء النزوح، فعدد كبير من النازحين وجدوا من الأبنية التاريخية التي تعود للعهود الوثنية والرومانية والبيزنطية، في محافظة إدلب، أماكن إقامة مؤقتة، فمنهم من جدد مبنى حجري مدمر وآخر إستغل مدفناً أثرياً ليكون مكاناً أمناً لبضع رؤوس من الماشية يمتلكها، وآخرين وجدوا من التوابيت الأحواض الحجرية وسائل لتعبئة مياه الأمطار وإستعمالها لاحقاً”.
ويضيف، “هناك ثمة رغبة من قبل البعض، في الإقامة بين المعالم الأثرية، لإعتبارها مصدر رزق بالنسبة لهم، حيث يقومون بالتنقيب والبحث بين الأعمدة والحجارة عن لقى وكنوز وعملات أثرية، تعود لحقب
تاريخية قديمة، منها الرومانية والبيزنطية، وبيعها للإستفادة من ثمنها في تلبية متطلباتهم وأحتياجاتهم في الحياة”. وأوضح، “ربما التنقيب والبحث عن اللقى الأثرية من قبل البعض يشكل تهديداً على المعالم الأثرية، إلا أن قصف قوات النظام والطيران الروسي سابقاً، دمر الكثير من المعالم والأبنية الأثرية على إمتداد البلاد، حيث عمد النظام خلال الأعوام السابقة على قصف مدينة أفاميا التاريخية 60 كلم غربي حماة، وأدى القصف حينها إلى تغيير كبير في المعالم وتدمير عدد كبير من الأعمدة الحجرية والتيجان والقناطر وإحداث حفر كبيرة في وسط سوق أفاميا الشهير، وكما هو معروف أن لأفاميا تاريخ عريق يعود إلى سنة 333 قبل الميلاد، وتأسست فعلياً على يد الملك سلوقس الأول نيكاتور (أحد خلفاء القائد المقدوني الإسكندر الأكبر)، بعد سلسلة من المعارك مع الإمبراطورية الفارسية، وقد حازت في تلك المرحلة اسم أفاميا، الذي أطلقه عليها الملك سلوقس تكريماً لزوجته أباميا (حُرِّفَ الاسم لاحقاً إلى حرف الفاء بدلاً من الباء). وأصبحت المدينة مركزاً حضارياً بارزاً في العصر السلوقي، وباتت\ العاصمة العسكرية للدولة السلوقية”.
وأشار، إلى أن قوات دمشق عمدت أيضاً إلى قصف صوامع ومعالم أثرية في منطقة البارة وتل مرديخ في جنوب إدلب، كما وأنه في عام 2016، ألحقت الغارات الجوية أضراراً جسيمة بكنيسة القديس سمعان، وحطمت بقايا الأعمدة التي يقال إن القديس الذي حملت هذه الكنيسة اسمه عاش فوقها لما يقرب من 40 عاماً قبل موته في عام 459 ميلادية.
وتُعد كنيسة القديس سمعان العمودي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو لعام 2011م، وهي أقدم ما بناه البيزنطيون من الكنائس. وتوجد في شمال غرب مدينة حلب، وقد بُنيت هذه الكنيسة تخليداً لذكرى الراهب القديس سمعان، وهي تحتوي على العمود الذي تنسك فوقه القديس، وهو بطول 15 متراً

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا