تدريباتنا

كارثة الأمن الغذائي… معظم السوريين فقراء

بواسطة | مايو 14, 2019

شكل الصراع المسلح «كارثة للأمن الغذائي» للسوريين، إذ يعيش أكثر من 93 في المائة منهم في حالة «فقر وحرمان» بينهم نحو 60 في المائة يعيشون في «حالة فقر مدقع»، ذلك جراء تراكم مجموعة عوامل، بينها مزاوجة «السياسات التسلطية» واستمرار النزاع وصراع الجهات المسلحة على مصادر الغذاء، إذ «استخدم حرمان الناس من الغذاء بشكل ممنهج كأداة من أدوات الحرب من قبل القوى المتنازعة».

وإذ قدرت الخسائر الإجمالية في الاقتصاد السوري بنحو 380 مليار دولار أميركي حتى نهاية عام 2017، استمرت التكاليف المعيشية بالازدياد في ظل تراجع مصادر الدخل وانخفاض الأجور وتراجع فرص العمل، إضافة إلى تضخم وسطي الأسعار أكثر من ثمانية أضعاف خلال الفترة بين 2010 و2017. واستراتيجياً، انخفض إنتاج القمح من أكثر من ثلاثة ملايين طن في 2010 إلى 1.2 مليون في العام الماضي.

جاء ذلك في بحث أجراه «المركز السوري لبحوث السياسات» بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، من المقرر أن تعلن نتائجه اليوم. وأفاد أن الاقتصاد السوري «تعرض لخسائر فادحة تتجاوز 380 مليار، أي نحو سبعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2010. والأكثر خطورة هو خسارة الاقتصاد لرأس المال البشري نتيجة الهجرة أو القتل أو الإصابة، كما تدهور دور المؤسسات التي تنظم العلاقات الاقتصادية لتتمحور حول العنف والإقصاء واستنزاف الموارد والثروات»، علماً بأن تقديرات روسية أشارت إلى أن تكلفة الإعمار تبلغ نحو 400 مليار.

واستهدف بحث «المركز السوري» تحليل الاقتصاد السياسي للأمن الغذائي قبل 2011 وبعد ذلك. ولوحظ أنه رغم تراجع الصراع المسلح مؤخراً في بداية العام الجاري، فإن مقومات العنف مستمرة مع تراكم الخسائر البشرية والمادية والمؤسسية وتفاقم الظلم والاحتياجات الإنسانية، إذ «حول النزاع سوريا إلى بلد يعاني سكانه من أزمة غذائية حادة واستخدم حرمان الناس من الغذاء بشكل ممنهج كأداة من أدوات الحرب من القوى المتنازعة».

وبلغ عدد السكان 19.4 مليون نسمة في عام 2018. حيث شهدت البلاد ارتفاع معدلات الوفيات وتراجع معدلات الخصوبة وموجات لجوء إلى الخارج ليصل عدد اللاجئين المقدر إلى 5.3 مليون نسمة «ما جعل 21 في المائة من السوريين خارج البلاد».

الغذاء وآثار النزاع

ويعتبر القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات في الاقتصاد السوري حيث بلغ وسطي معدل النمو السنوي للقطاع للفترة 1970 – 2010 نحو 3.9 في المائة، مع مساهمة في النمو الكلي بلغت نحو 23 في المائة. وبعدما كان الناتج الزراعي يشكل 32 في المائة من إجمالي الناتج في السبعينات، أصبح يشكل 14في المائة في عام 2010. وأفاد التقرير: «ترافقت سياسات الإقصاء المتزايدة للفلاحين من المشاركة في صناعة القرار، في ظل ضعف التمثيل والمساءلة والفعالية في المؤسسات، مع تبني السياسات النيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) منذ التسعينات التي همشت الزراعة والمزارعين وقلصت الاستثمار العام والدعم، وساهمت في زيادة التفاوت وسوء التوزيع وهدر الموارد، وعززت دور القطاعات الريعية كالعقارات». وأدت السياسات العامة تجاه زيادة الهجرة من الريف إلى الحضر وارتفعت من 43 في المائة من السكان عام 1970 إلى 54 في المائة من السكان عام 2010. وانعكست هذه السياسات في الأجور المتدنية للعاملين في الزراعة بحيث إن «58 في المائة من العاملين في الزراعة يعيشون في حالة فقر شديد إذا اعتمدوا على أجرهم من العمل في الزراعة فقط».

وشكل النزاع «كارثة للأمن الغذائي»، حيث تراجع دليل الأمن الغذائي بنحو 40 في المائة بين عامي 2010 و2018 «لكن الأكثر تراجعاً كان مكون النفاذ، أي حصول الأسر على الغذاء بنحو 46 في المائة، والتي تأثر بحالات الحصار والتهجير القسري والقيود على الانتقال وتراجع القدرة الشرائية ومصادر الدخل».

وبحسب منظمة مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، قُدر عدد السوريين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنحو 6.5 مليون شخص و4 ملايين معرضين لخطر الوقوع في الحالة نفسها، أي ما نسبته 54 في المائة من السكان داخل سوريا.

كما تدهور الناتج المحلي الزراعي. وأفاد التقرير: «رغم تراجع حدة القتال في 2018، فإنها شهدت تدهوراً في الإنتاج الزراعي وخاصة للمحاصيل غير المروية التي تعتمد على الأمطار نتيجة الظروف المناخية غير الملائمة. كما أدى النزاع إلى تدمير هائل ومتفاوت لمقومات الإنتاج البشرية والمؤسسية والمادية والبيئية، فمن ناحية القوة البشرية قتل مئات الآلاف وجرح الملايين وتعرض نحو نصف السكان للتهجير القسري، وتراجعت العمالة الزراعية إلى نحو النصف بين 2010 و2018 وخسر القطاع الكثير من الكوادر المؤهلة».

وتشكل الأراضي القابلة للزراعة نحو 33 في المائة من المساحة الإجمالية البالغة 185 ألف كلم مربع ويعتمد 70 في المائة منها على الأمطار. و90 في المائة من هذه المساحة معدل أمطارها أقل من 300 ملم في السنة، وهو الحد الأدنى اللازم لإكمال المحاصيل الشتوية دورة حياتها.

وخلال النزاع انتشرت التعديات على الأراضي الزراعية بصورة مدمرة وأدت إلى خروج الأراضي الخصبة والأراضي المستصلحة من الاستثمار الزراعي، كما تعرضت مناطق المروج والمراعي ومناطق الغابات والمناطق الحراجية خلال النزاع إلى تعديات كبيرة بالحرق والقطع. كما أدى النزاع إلى تدمير الكثير من أجزاء البنى التحتية في سوريا ومنها البنى الخاصة بقطاع المياه، فقد تعرضت شبكة مياه الشرب للكثير من التدمير والنهب والتخريب، وأدى وقوع المصادر الرئيسية الكبيرة للمياه في المناطق الساخنة إلى عجز كبير في قدرتها على تأمين المياه للسكان. كما توقف العمل في المشاريع الكبرى.

ورغم ذلك، بقي تراجع الإنتاج الزراعي أقل من بقية القطاعات، مما زاد في أهميته النسبية في الناتج المحلي الإجمالي، إذ ارتفعت حصة الزراعة من الناتج من 17 في المائة عام 2010 إلى نحو 31 في المائة في عام 2017. أي أنه «شكل شبكة حماية للكثير من السوريين لتأمين الغذاء والحد الأدنى من الدخل. لكن من الناحية المؤسسية تشكلت عدة منظومات حددت السياسات الزراعية بحسب القوى المسيطرة عسكرياً خلال النزاع».

سياسة الحصار

وتعد سياسة الحصار الأخطر حيث يتم تجويع السكان من خلال «العقوبات الجماعية» حتى الخضوع، بحسب التقرير. وأضاف: «تعرض نحو 2.5 مليون شخص للحصار منذ عام 2015 لغاية عام 2018 ووصلت ذروتها في 2017 حيث خضع نحو 970 ألف شخص للحصار في وقت واحد، في الغوطة ودير الزور وحلب والرستن وغيرها، وتضمن الحصار الحرمان من الحصول على الغذاء والمساعدات الإنسانية وتقييد حركة السكان واستهداف المناطق المحاصرة بمختلف أنواع الأسلحة».عموماً، استمرت التكاليف المعيشية بالازدياد في ظل تراجع مصادر الدخل وانخفاض الأجور وتراجع فرص العمل. وأظهرت ارتفاعاً حاداً في مؤشر أسعار المستهلك والذي وصل في بعض السلع الأساسية إلى أكثر من عشرة أضعاف، قياساً إلى ما قبل النزاع. وساهمت سياسات تقليص دعم السلع الرئيسية مثل المشتقات النفطية والكهرباء وانخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية في قفزات كبيرة في الأسعار. وشكل وسطي الأجر الحقيقي نحو 24 في المائة من الأجر الحقيقي لعام 2010.

وخلال النزاع، تراجع إجمالي العمالة بشكل حاد حيث انخفض معدل الاستخدام من 39 في المائة في 2010 إلى 20.9 في المائة في 2017، ووصل معدل البطالة إلى 52.7 في المائة في عام 2017. وتفاقم الانخراط في اقتصاديات العنف من قتال وتهريب ونهب، مما أدى إلى تحول رأس المال البشري المنتج ليصبح أحد مقومات استمرار العنف.

وأكد التقرير على «الدور الإيجابي لرأس المال الاجتماعي المتمثل بالثقة والشبكات الاجتماعية والقيم المشتركة في الحفاظ على مستويات أعلى للأمن الغذائي، بينما ساهم كل من المؤسسات الإقصائية واقتصاديات العنف في الحرمان من السيادة الغذائية. وبذلك يتطلب إعادة الأمن الغذائي استثماراً في تفكيك اقتصاديات العنف وتعزيز رأس المال الاجتماعي وفعالية وتشاركية المؤسسات».

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا