تدريباتنا

شعبيبات أريحا… الأكثر شعبية

بواسطة | ديسمبر 29, 2021

تنافست المدن السورية على صناعة العديد من أصناف الحلويات، على مر عقود طويلة. لكل مدينة أو منطقة سورية، قصة نجاح وإتقان بصناعة نوعاً محدداً من الحلويات الشعبية. لكن شهرة مدينة أريحا في ادلب احتلت مركزاً نافس الجميع، بصناعتها وإتقانها لـ “الشعيبيات” ذات الطعم والمذاق المميز، منذ أكثر من مئتي عام، حتى أصبحت موروثاً شعبياً ميز هذه المدينة وأكسبها شهرة على إمتداد سوريا حتى أطلق عليها “شعيبيات أريحا”.
زار “صالون سوريا” مدينة أريحا 15 كيلو متر جنوب إدلب، بين مساحات من أشجار الكرز والمحلب، على سفوح جبل الأربعين ( 900 متر عن سطح البحر) وعلى الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، وكان أكثر ما لفت الإنتباه، كثرة محالها التجارية لصناعة وبيع “الشعيبيات” في مدخلها وشوارعها الرئيسية، وتوافد الزبائن من أبناء المنطقة، وآخرون من مناطق بعيدة صادف مرورهم في مدينة أريحا دفعهم شهرة مذاق شعيبياتها لتناولها، وحملها لأسرهم وأقاربهم وأصدقائهم.
في محل لبيع وصناعة الشعيبات يقف ثلاثة من أبناء “العم أبو أحمد” إلى جانب طاولة مسطحة مصنوعة من الرخام، يعملون بجد ونشاط في صناعة الشعيبيات. عبر عدة مراحل تبدأ بالمكونات الأساسية، اي العجن والتمسيد والتوريق وحشوها بمنتجات من مشتقات حليب الأغنام والأبقار، ووضعها بعد ذلك داخل الفرن مدة 25 دقيقة، وإخراجها وإضافة القطر لتصبح بذلك شعيبية ذات مذاق ونكهة خاصة تفدرت بصناعتها مدينة أريحا عن باقي المناطق السورية.

اسباب تميزها
وعن سر نجاح وشهرة شعيبيات أريحا، قال “أبو أحمد” : “لقد ورثنا هذه المهنة وإتقانها عن آبائنا وأجدادنا منذ عشرات السنين، وإن ما أكسب شهرة مدينة أريحا وسر نجاحها في صناعة هذا النوع من الحلويات (الشعيبيات)، يأتي من الإهتمام والإتقان بطريقة صناعتها، بدءاً من طريقة التحضير مروراً بالمكونات والإضافات الطبيعية، وصولاً إلى وضعها داخل الفرن وشواؤها وإخراجها بعد 25 دقيقة تقريباً وسكب (القطر) عليها، لتكون بعد ذلك جاهزة للأكل”.
ويضيف، “تمر صناعة الشعيبية بعدة مراحل، وأولها العجين المكون من الدقيق من القمح القاسي الجيد والماء وقليلاً من الملح، ثم عجنه داخل عجانة آلية صغيرة، ثم تقطيعه لقطع وزن الواحدة منها كيلو غرام تقريباً، ثم بعدها تأتي مرحلة التقطيع إلى قطع صغيرة والرق اليدوي وبعد ذلك مرحلة التوريق وهي أهم مرحلة في هذه الصناعة حيث نقوم بشد قطعة العجين ولفها على شكل طبقات ودهنها بالسمنة، ثم لفها مجدداً على شكل قطع دائرية صغيرة بشكل طولاني وحشوها بحشوة غالباً ما تكون من منتج حيواني (اللباء أو القشطة أو القريشة)، أو حشوها بمنتج نباتي (ثمار الجوز أو الفستق الحلبي)، في صينية بعدد 40 قطعة تقريباً، وإدخالها الفرن بين 25 إلى 30 دقيقة، ليتم شواؤها وإخراجها، وسكب القطر المصنوع من السكر والماء عليها، لتصبح بعدها (شعيبية ريحاوية) جاهزة للبيع والأكل”. وتابع: “بالرغم من قلة المكونات التي تكسب الشعيبية الريحاوية مذاقها الفريد كالسمن العربي والمشتقات الحيوانية الاخرى، وغلاء أسعارها، إلا أننا ما زلنا نحافظ على صناعة الشعيبيات بذات المواصفات التي اعتاد عليها الزبون منذ عشرات السنين، ونبيع يومياً ما بين 250 إلى 300 شعيبية لزبائننا غير مهتمين لأسعارها التي وصلت فيها سعر الشعيبية 8 ليرات تركية أو ما يعادل نصف دولار أميركي”.

لكل الاوقات
من جهته، قال أبو أحمد وتد أحد أبناء مدينة أريحا، إن “الشعيبيات بالنسبة لأهالي مدينة أريحا والمناطق المجاورة لها، تعتبر بمثابة أكلة مناسبة لجميع الأوقات والمناسبات وليست كغيرها من الحلويات المقترنة بالمناسبات، ويأكلها الكبير والصغير والعامل أثناء توجهه صباحاً إلى العمل بدلاً من الإفطار في المنزل، وأيضاً تعتبر أكلة مميزة لدى زوار المدينة والمسافرين، إضافة إلى حضورها في الأفراح والمناسبات الجميلة”.
ويضيف، “إن كل من آل حلوم وآل البيك وعوائل آخرى كانت هي الأشهر في مدينة أريحا بصناعة الشعيبات ذات المذاق اللذيذ والطيب، ووصل الحال بأبنائها إلى نقل هذه الصناعة إلى مدن ومناطق أخرى في محافظة إدلب كمدينة الدانا وسرمدا ومعرة مصرين وبنش وجسر الشغور، وآخرون افتتحوا محال لصناعة هذا النوع من الحلويات في دول اللجوء مثل تركيا ولبنان والأردن، ضمن محال تجارية كتب على أبوابها (شعيبيات أريحا)، لتصبح بذلك شهرة شعيبيات أريحا على نطاق دولي وليس محلي فقط”.
“أبو حسن” سائق شاحنة لنقل البضائع من ريف حلب، قال : “تجولت وتنقلت بين مختلف المحافظات السورية لطبيعة عملي كسائق سيارة شحن بضائع لسنوات طويلة، وتناولت من مختلف أنواع الحلويات في كثير من المناطق والمحافظات السورية، إلا أنني لم أتذوق أو أجد ألذ من (شعيبيات أريحا)، وفي كل مرة يصادف مروري بمدينة أريحا، أقف وأتناول الشعيبيات وأشتري عدداً منها لأسرتي وأقربائي وأصدقائي، حرصاً عليهم من خيبة أمل قد تطالهم حين يعلمون أنني مررت بمدينة أريحا ولم أجلب لهم الشعيبيات التي تعودوا عليها ومذاقها اللذيذ”.
وعن تاريخها، قال أبو مصطفى صاحب محل لصناعة الشعيبيات في مدينة أريحا: “هناك من يقول أن إنطلاق صناعة الشعيبيات في مدينة أريحا بدء قبل نحو 200 عام تقريباً، وكانت تصنع في البيوت وعلى التنور أو الموقدة والفحم الطبيعي، وكانت تسمى حينها بحسب الأجداد بالأكلة (الشعبية) ولم تكن الشعيبية على هذا الشكل، بل كانت تصنع من دقيق قمح سادة، وتعجن بالزبدة البلدية وكانت حشوتها قشطة عربية أو لباء ويجري تحليتها أنذاك بالعسل الطبيعي لعدم توفر السكر وإنتاج القطر حينها”.
ويضيف، أنه ” مع مرور الوقت والزمن تطورت صناعة الشعيبيات مع توفر المكونات وأفران الغاز، وباتت صناعة تعتبر مورداً إقتصادياً لعدد كبير من أبناء مدينة أريحا، فمنهم صاحب العمل والعمال ومنتجي المكونات الأساسية (إنتاج السمنة العربية والقشطة واللباء والقريشة)، التي تدخل في صناعة الشعيبية”.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا