بواسطة فريق صالون سوريا | نوفمبر 4, 2021 | Media Roundups, العربية
“قاعدي” في ادلب
1 تشرين الاول 2021
أعلن الجيش الأميركي الجمعة أن القائد البارز في تنظيم “القاعدة” الذي قُتل بغارة جوية في منطقة إدلب في شمال غرب سوريا في 20 أيلول/سبتمبر هو سليم أبو أحمد.
واستهدفت غارة بطائرة من دون طيار سيارة على الطريق المؤدّي من إدلب إلى بنش في شمال شرق مركز المحافظة بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أفاد عن مقتل قياديين “في فصيل مقرب من تنظيم القاعدة”.
وقال الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية جون ريغسبي في بيان الجمعة إن سليم أبو أحمد “كان مسؤولا عن التخطيط والتمويل والموافقة على هجمات القاعدة العابرة للمنطقة”.
وأضاف البيان “لا توجد مؤشرات على سقوط ضحايا مدنيين نتيجة الضربة”.
عودة الى “الانتربول”
8 تشرين الاول 2021
قررت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (انتربول) إعادة دمج سوريا في نظامها لتبادل المعلومات، بعدما علّقت ذلك في العام 2012 في سياق العقوبات الدولية ضد دمشق.
وقالت المنظمة في بيان صدر في مقرّها بمدينة ليون الفرنسية إنّه “تماشياً مع توصيات الأمانة العامّة، قرّرت اللجنة التنفيذية للإنتربول رفع الإجراءات التصحيحية المطبّقة على سوريا”.
عودة رفعت الأسد
10 تشرين الاول 2021
سوريا التي غادرها رفعت الأسد عندما كان نائباً للرئيس حافظ الأسد قبل عقود ليست ذاتها التي وجدها عندما سمح له ابن شقيقه، الرئيس بشار الأسد، بالعودة إليها «مواطناً»؛ هي بلاد تغيرت بتحالفاتها الخارجية ودورها في الإقليم، واختلفت بتركيبتها و«إقامة» خمسة جيوش فيها.
قد تكون مشاهداته الأولى مع زوجاته وأبنائه وأحفاده في اليومين الماضيين لدمشق، في شوارعها وحواجزها وبيوتها ومسؤوليها ومكان إقامته القديم – الجديد في حي المزة، أيقظت ذاكرته وذاكرة مريديه عندما كان في قوته، ولوح من إحدى تلالها بـ«انقلاب» على شقيقه، وحاصر بوابتها، في منتصف الثمانينات.
دمشق التي أصدرت قبل 21 سنة إلى النقاط الحدودية تعميماً باعتقاله، في حال عاد من المنفى، «ترفعت» واستقبلته الآن كي يتفادى تنفيذ حكم محكمة فرنسية بالسجن 5 سنوات. والأيام وحدها ستفك «شفرة» العبارة التي سطرتها صحيفة «الوطن» في 8 تشرين الاول، من أن رفعت عاد «دون أي دور سياسي واجتماعي»، ومدى «صرامة» هذا «التعميم» في الشوارع بين دمشق واللاذقية
أميركا و”التطبيع”
14 تشرين الاول 2021
قال وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكي في مؤتمر صحافي مع نظيره الاماراتي عبدالله بن زايد: دعوني أتكلم عن سوريا أولا ثم أنتقل إلى الجزء الأول من السؤال.
أولا، تحديدا لسياق هذا الموضوع، لقد ركزنا في الأشهر التسعة الأولى من الإدارة على بعض الأمور الخاصة بسوريا، على غررا توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وقد حققنا بعض النجاح كما تعلمون مع تجديد الترخيص للمعبر في شمال غرب سوريا للقيام بذلك. وركزنا أيضا على استمرار الحملة التي نخوضها مع التحالف ضد تنظيمي داعش والقاعدة في سوريا، وتوضيح التزامنا المستمر بالمطالبة بالمساءلة لنظام الأسد والحفاظ على المعايير الدولية الأساسية مثل تعزيز حقوق الإنسان وعدم انتشار الأسلحة من خلال فرض عقوبات مستهدفة، والحفاظ على وقف إطلاق النار المحلي المعمول به في أجزاء مختلفة من البلاد. كان هذا محور عملنا في خلال الأشهر التسعة الماضية.
وننوي فيما نمضي قدما أن نبقي معدل العنف منخفضا، ونزيد المساعدات الإنسانية، ونركز جهودنا العسكرية على أي مجموعات إرهابية تشكل تهديدا لنا أو لشركائنا وتتمتع بنية وقدرة على القيام بذلك. ستكون هذه مجالات التركيز الحاسمة بالنسبة إلينا، وأعتبرها أيضا مهمة للمضي قدما نحو تسوية سياسية أوسع للصراع السوري تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ما لم نفعله وما لا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل السيد الأسد أو رفع أي عقوبة مفروضة على سوريا أو تغيير موقفنا لمعارضة إعادة إعمار سوريا قبل إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو حل سياسي نعتبره ضروريا وحيويا.
لقاء وجها لوجه
17 تشرين الاول 2021
التقى المبعوث الاممي غير بيدرسن رئيسي وفدي الحكومة احمد كزبري والمعارضة هادي البحرة في جنيف، في اول لقاء ثلاثي منذ تشكيل اللجنة الدستورية قبل سنتين.
وتبادل خلال اربعة ايام الوفدان الاوراق حول المبادئ الدستورية، لكن لم يتم الاتفاق على صوغها في ورقة مشتركة، في ختام الجولة التفاوضية في 22 تشرين الاول.
من قصف التنف؟
16 تشرين الاول 2021
في منتصف العام 2017، شنت القوات الأميركية غارات على مجموعة مسلحة كانت تقترب من قاعدة التنف، ما رسم خطاً أحمر أو “قواعد اشتباك” بين واشنطن وحلفائها من جهة، وموسكو وشركائها من جهة ثانية في الزاوية السورية – الأردنية – العراقية. لكن، ماذا تغير الآن، كي تتعرض «القلعة» التي تقيم فيها قوات أميركية وحليفة وفصائل سورية معارضة، لقصف بمسيرات ليل الأربعاء – الخميس؟
الاعتقاد الواسع هو أن التنف توفر دعماً لوجيستياً للغارات الإسرائيلية وعمليات التحالف.
صحيح، أن القصف وضع مستقبل القاعدة والتنسيق ومجمل القصف الإسرائيلي في سوريا على مائدة بوتين – بنيت في لقائهما في 22 تشرين الاول
بعد ايام اكد مسؤولون اميركيون ان خمس مسيرات ايرانية قصفت التنف. كما اعلن الجانبان الروسي والاسرائيلي التوصل الى تفاهمات تسمح لاسرائيل بملاحقة ايران في سوريا، الامر الذي حصل مرات عدة بعد لقاء بوتين – بينت.
نائبة للرئيس
29 تشرين الاول 2021
قرر الرئيس بشار الاسد التمديد لنجاح العطار (88 سنة) نائباً للرئيس. وهي عينت نائباً للرئيس في 2006 ثم مدد لها في 2014 لـ “متابعة تنفيذ السياسة الثقافية باطار توجيهات الرئيس”
– لم يعين الاسد بديلا لفاروق الشرع نائب الرئيس للشؤون السياسية، الذي خسر منصبه بـ 201.4.
ولاخليفة لرفعت الذي عين بـ 1984 نائبا للشؤون الامنية، وبقي بمنصه حتى العام 1998 خلال المنفى. عاد الى دمشق بداية الشهر الجاري
روسيا وتركيا وسوريا
30 تشرين الاول 2021
يكرر مسؤولون أتراك وروس وأميركيون ضرورة «الالتزام الكامل بـالاتفاقات إزاء الترتيبات العسكرية في شمال سوريا، بجناحيها الغربي والشرقي، التي ولدت من رحم العمليات العسكرية خلال السنوات الماضية، إلى أن استقرت البلاد على شكل مناطق نفوذ ثلاث، تشرف عليها جيوش الدول الثلاث مع شركاء أو حلفاء سوريين».
لكن، أي اتفاقات تقصد واشنطن وأنقرة وموسكو؟ وهل تملك الأطراف الثلاثة التفسير ذاته لهذه الاتفاقات؟ وهل هناك فرق بين «تفسير» العسكر لاتفاقات كتبها دبلوماسيون بإشراف القادة السياسيين؟
تعود اتفاقات الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان الخاصة بإدلب إلى «مذكرة خفض التصعيد» التي وقّعت في آستانة، بمشاركة «الضامنين» الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، في 4 مايو (أيار) 2017.
وقبل استقباله إردوغان في 29 ايلول الماضي، صعّد بوتين وواصل ضرباته في إدلب، وأبقى على التنسيق شرق الفرات. وقبل لقائه الرئيس جو بايدن في بروكسل بداية الشهر المقبل، صعّد إردوغان وحشد قوات في شرق الفرات وشمال حلب، كما نشر بوتين طائرات مقاتلة في القامشلي «عاصمة» الأكراد، حيث يزداد الضغط على الوجود الأميركي هناك منذ الانسحاب من أفغانستان وقرب حصوله من العراق.
وهذه كلها مؤشرات تدل إلى ترابط تداخل المسار بين إدلب وحلب وشرق الفرات واختلاف «تفسير» العسكر لاتفاقات كتبها دبلوماسيون تنفيذاً لتوجيهات القادة السياسيين، وتشابك الوضع الميداني السوري بملفات إقليمية ودولية وثنائية أخرى بين أميركا وروسيا وتركيا.
رحيل آخر العمالقة
2 تشرين الثاني 2021
توفي صباح فخري، اسطورة القدود الحلبيبة، في دمشق عن ٨٨ سنة، بعد معاناة مع مرض في الرئة.
عمالقة الغناء العربي، اربعة هم ام كلثوم، محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ، وفريد اطرش، وصباح فخري خامسهم.
صباح الدين ابو قوس. جاء الى دمشق في الاربعينات للذهاب الى القاهرة لتعلم الفن.
احتضنه فخري البارودي. وبات اسمه “صباح فخري”… الاسطورة الحية !
بغيابه فقدت سوريا قلعتها الثالثة، بعد قلعتي دمشق وحلب.
بواسطة سلوى زكزك | نوفمبر 3, 2021 | Syria in a Week, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
على وقع ألسنة النار المتصاعدة، كان الخبر يتصاعد ويتسع: “حريق في زقاق المحكمة”. أعمدة خشبية عريقة تأكلها النار، تسقط قطعا متفرقة. كان موتها مضاعفا. احتراق، فسقوط ينهي عمرها الذي عاشته متصلة ببعضها وكاملة من جدار إلى جدار. وصلت الأخبار، انه “ماس كهربائي”، اشتعل في أحد المحال وانتقل إلى خمسة أخرى. وفاة عامل إطفاء، وثلاثة من الباعة وأصحاب المحال في المشفى.
رتابة الخبر، واعتياد توارد الأخبار السيئة في ظل وضع عام غير مستقر ينذر دوما بالأخطار، لا تخفف من فداحة المشهد في اليوم التالي، محال الزقاق كلها مفتوحة. اعتاد “الشوام” على ملاحقة أرزاقهم حتى وسط الحرائق. في مقدمة السوق، حطب محترق، بات بلا هوية وبلا تاريخ. رائحة الحريق تعبق في المكان، ثلاثة محلات فارغة من بضاعتها. محلان مغلقان ومحل يرتب أصحابه وعماله القماش من جديد. يبدو أنهم لم يناموا ليلهم، بقوا هنا لتنظيف المحل والرفوف وإعادة ترتيب الأقمشة عليها. نظرة إلى الأعلى، تلسعك قشعريرة مؤلمة، السقائف المليئة بالبضائع بلا سقف، بلا بضاعة، بلا رائحة التخزين والنفتلين. يبدو أنها قد فارقت الحياة دونما رجعة.
لامكان للفرح
أغلب المحال في زقاق المحكمة، ملك لعائلة واحدة، تتكرر الكنية على واجهات المحال، كلهم أخوة وأبناء عمومة. ويعتبر زقاق المحكمة سوقا موازيا لـ “سوق الحرير”، و “سوق تفضلي يا ست” أو “خان الجمرك” و “سوق الصوف”، لكنه يختص ببيع أقمشة البرلون والتنتنة والريكامو المطرز والنايلون السميك والرقيق وكلف قمصان النوم وقمصان النايلون الداخلية النسائية الطويلة والتفريعات. وتتواجد فيه بعض الورش الصغيرة لصناعة الجوارب المنوعة والمصنوعة من القطن أو القطن الممزوج أو من الأقمشة التركيبية، لكنه يصنف على أنه “سوق الدراويش”، سوق الأقمشة الأقل سعرا وربما بنفس الجودة، لكن لكل سوق زبائنه.
في سنوات الحرب تراجعت مبيعات تجار السوق بشدة، وتراجع الإقبال على السوق بفعل توقف مناسبات الأفراح ونزوح البعض وحصار البعض الآخر. وبسبب هجرة وغياب الفنيين مثل معلم الحبكة ومعلم القص والدرزة الخاصة بهذه الصناعة التقليدية والمميزة، وبسبب طبيعة الأقمشة المستعملة والتي تتطلب حياكة حرفية وأدوات وصنعة خاصة، أضاف الباعة أصنافا جديدة إلى تجارتهم لجذب جمهور جديد من الزبائن، مثل الأقمشة الرخيصة والتي تشترى بالكيلو أو بالبالة أي بالحاوية، وتحتوي على مزيج من أنواع الأقمشة للفساتين والسراويل والسترات والستائر وكلف المعاطف والتنانير والقمصان، كما أضاف منتجو وباعة الجوارب بضائع جديدة إلى محالهم مثل القبعات الصوفية والشالات، لتعويض نقص الطلب على بضائعهم بسبب قلة الزبائن وبسبب نقص السيولة.
داهم البكاء سيدة تعمل خيّاطة فور دخولها إلى السوق، كانت على موعد مع أبي معتز البائع الذي وعدها بإحضار كلفة جميلة وجديدة لتفريعات العرائس التي دخلت حديثا على خط الخياطة المنزلية لارتفاع أسعارها جاهزة، كان محل أبا معتز محترقا بأكمله.
عبرت النساء عن تعاطفهن مع الباعة بعبارات: “الله يجبر كسركم، والله يعوض، والحمد لله على سلامتكم”. كان الجميع مكسورا وقلقا، أحد الباعة قال لسيدة عاندته في سعر بضعة أمتار من القماش: “اليوم في! بكرا الله يعلم”. أكثر من سيدة قالت له: “طول بالك”، فأجاب: “كلنا تحت ألطاف الله”، عشرات الألسن أجابت: “الله يتلطف!”. حوارية مسكونة بالوجع والود، خوف وحسرة وإصرار على الشراء والمضي بالحياة في كل تفاصيلها، ترقبا لساعة فرح أو حزن لا فرق، طالما تعاضد السوريون والسوريات فيما بينهم بسردية معممة، إيمانية، ومجبولة بالمحبة والمساندة، حتى لو بالكلمات والأدعية.
فتى يسأل
فتى في الرابعة عشرة من عمره، يسأل عن نوع محدد من قماش تول أسود، يفرد القماش على كف يده ويتفحصه بدقة، ويجيب بأنه يريد نوعا آخر. والدته خياطة، ترسله للتسوق بدلا عنها توفيرا في الوقت وكسبا لراحة نسبية، يقول للبائع: “”هذا تول خشن”، ولآخر بأنه “تول مفرّغ جدا”. ويقول لثالث بائع بأن ما لديه من تول “يتمزق بسرعة”. يبدو أنه قد اكتسب خبرة من والدته، يظنه أحد الباعة خياطا، فيجيب، بأنه لا يحب الخياطة أبدا، وسيصبح لاعب كرة سلة، ولكنه لا ينسى بأن يقول لهم: بأنه ممتن لأمه ومهنتها التي تعينهم على حياتهم القاسية، ويؤكد بأنها تتكفل بكل تكاليف عيشهم .
في زقاق المحكمة ازدحام كبير، سيدة تطلب وصلة لتنورة، يجيبها صاحب المحل بأن ما لديه من قماش لونه أكثر اسودادا من لون تنورتها. يجيبها بكل أمانة قائلا: “سيبرز الفرق واضحا بين اللونين”. تتحاور السيدة مع خياطة موجودة في نفس المحل، تقترح عليها وصل التنورة من الأعلى، حيث لن يظهر الفرق في اللونين بعد تغطيته بالكنزة. توافق السيدة على مقترح الخياطة، فيعاود البائع تقديم نصيحة جديدة قائلا: “البسي فوق التنورة قميصا طويلا، تضمنين حينها عدم ظهور أي فرق بدرجة اللون، وتمنحين التنورة قيمة أكبر”. وافقت السيدة ممتنة للبائع، واشترت ما يكفيها للوصلة.
ثمة تعاقد مألوف ومتكرر ما بين الباعة والزبائن وخاصة الزبونات الدائمات والخياطات، تعاقد يرحب بالنصيحة ويثمنها عاليا، وقد يصل في بعض الحالات لأن يقوم بائع بإرشاد بعض السيدات إلى خياطة محددة بالاسم والعنوان، إما لمهارتها بالشك أو قصات فساتين السهرة مثلا، أو لبساطة أجرها، أو لأنها مقطوعة وتحتاج دعما، كل التبدلات واردة، إلا تلك العروة الوثقى ما بين مستفيدين اثنين، اجتمعا على المودة والرغبة بالدعم، كل من موقعه.
تاجر وكأس شاي
يتجمع خمسة من تجار السوق على إحدى الزوايا، يشربون الشاي، يقول أولهم: ” أنا متأكد بأن فلانا (ويقصد أحد الباعة الذين احترق محله) لن يعود أبدا إلى السوق”. ويقول آخر بأنه قلق على سلامة بائع متضرر آخر: “من أسبوعين أجرى عملية قسطرة قلبية، أتمنى أن ينجو قلبه من هذه المحنة”.
يُجمع الباعة والزبائن على أن كل شيء يتبدل بقوة وخارج المتوقع. الجميع يشير إلى أن حجم التبدلات أكبر من قدرة الناس باعة وزبائن على تحملها أو تصديقها.
في بلد الحرائق، قد يقول البعض: ” إن ما بعد حريق زقاق المحكمة ليس كما قبله”. لكن حريقا جديدا قد يطوي صفحة الحريق الذي بات قديما، ليعبث بالحياة من جديد.
الخسارات كبيرة وفرص التعويض معدومة، والتعاضد والتكافل المادي بات عملة قديمة لا قوة فعلية لها اليوم، لأن أسسه ضعيفة جدا وتكاد أن تكون مستحيلة، بسبب العجز المتراكم للأفراد وبسبب غياب الحماية والتعويضات وغياب برامج التأمين والمساندة بتعويضات فورية أو متدرجة، عبر غرفة التجارة أو النقابات أو المؤسسات.
تقول زبونة دائمة لأحد المحال، بعد أن هالها ما رأته من خراب: “ميت لا يجر ميت”. يصمت البائع، بانفعال بالغ ويجيبها: “كلنا موتى”.
على بعد دكانين من مركز الحريق، يعتذر أحد الباعة من سيدة تطلب قماش بطانة، يقول لها نحتاج عشرة أيام لمعاودة البيع، ترجوه: “عرس ابني بعد أسبوع والخياطة طلبت مترا إضافيا”. يكرر اعتذاره ولكن بغضب، ويقول: “لم نصحُ من صدمتنا بعد، نحن عدة شركاء وعلينا جرد البضاعة وإحصاء كل ما خسرناه وكل ما تبقى من البضائع كي نصفي الذمم المالية”. ترحل المرأة صامتة دون أي رد. يعود الشاب إلى عمله وهو يقول، لفتى يمسك ورقة وقلما، سجّل: “ثلاث أثواب بطانة سميكة لمّيع عرضين”.
دمشق 30 أيلول 2021
بواسطة فراس كرم | نوفمبر 1, 2021 | Cost of War, Syria in a Week, العربية, غير مصنف
يجلس أبو عمر (53 عاماً)، وهو نازح، يقطن في مخيم وادي التين بالقرب من منطقة الدانا شمال إدلب، على صخرة متوسطة الحجم، ربط بها أحد أوتاد خيمته، وتجلس إلى جانبه زوجته، وإحدى زوجات أبنائه، ويتحدثون بخوف وحسرة، عن فصل الشتاء الذي يتربص بهم وما يحمله من برد وصقيع، وظروفهم المعيشية المتردية، التي لا تسمح لهم شراء وسائل تدفئة صحية مثل المازوت أو الحطب.
ومع بداية فصل الشتاء، تتجدد معاناة ومأساة النازحين في شمال غربي سوريا منذ ما يقارب 10 أعوام، وما يحمل معه هذا الفصل من قسوة وآلام، تطال أكثر من مليون نازح، يقطنون مخيمات عشوائية، بعضها على سفوح الجبال الوعرة، وآخرى ضمن الأودية، في خيام مصنوعة من الشوادر والنايلون لا تقيهم برد الشتاء القارس، على الشريط الحدودي مع تركيا.
حطب
يقول أبو عمر: “منذ أن نزحت وأسرتي التي تضم تسعة افراد، عن مناطقنا بريف حلب الجنوبي، ولجوئنا إلى هذا المكان، قبل أربع سنوات، لم ننعم بالحد الأدنى من الدفء في فصل الشتاء، بسبب قلة المال وإنعدام فرص العمل الكاملة، التي تؤمن لنا ثمن وسائل التدفئة الصحية، بسبب أسعارها المرتفعة، التي لا تتناسب إطلاقاً مع أحوالنا المادية، حيث وصل سعر الطن من الحطب الآن إلى ما يقارب 150 دولارا أميركيا، بينما أسعار المحروقات المحلية وصل سعر الليتر منها مؤخراً إلى حوالي نصف دولار أميركي. الطبع هذه الأقام تشكل لنا حالة مرعبة، لعدم توفر الحد الأدنى منها في جيوبنا”.
ويضيف، “لدي إبن متزوج و لديه أسرة (زوجة وطفلان) وإبن ثاني (16 عاماً)، يعملون في ورشة لصناعة (الطوب)، بأجور يومية، لا تتجاوز 40 ليرة تركية، وبالكاد هذا المبلغ، يؤمن لنا مستلزماتنا المعيشية اليومية من خبز وغذاء وأدوية وألبسة. ومع قدوم فصل الشتاء يتوقفون عن العمل، بسبب توقف أعمال البناء، وتتفاقم أحوالنا المعيشية أكثر فأكثر صعوبة، مع حاجتنا في آن واحد للطعام و وسائل التدفئة، مما نضطر إلى دفع الأطفال الصغار إلى القرى المجاورة لجمع البلاستيك المستعمل وأكياس النايلون وبقايا الكرتون ليكون وسيلة بديلة للتدفئة، نستطيع من خلالها إشعال الصوبة والحصول على بعض الدفء، ومع إحتراق تلك الأشياء ونفاذها يتلاشى الدفء، ونقوم برمي الأغطية على الأطفال للمحافظة على سلامتهم من الأمراض ونزلات البرد الحادة”. وينهي حديثه بكلمة أخيرة: “هذا هو شكل حياتنا في فصل الشتاء منذ 4 أعوام إلى الآن”.
فحم … وزيتون أم أحمد ، وهي أرملة 5 أطفال دون العاشرة ، وتعيش في “مخيم الأمل” في منطقة دير حسان الحدودية ، تقول ، “أحصل وتعامل على سلة غذائية (6 كيلو سكر و 5 كيلو رز ومثله برغل بالإضافة إلى 5 كيلو حمص وعدس وعبوتين 4 ليتر زيت نباتي) ، من شركات المنظمات الإنسانية العاملة في البطولة ، وموادها الأساسية ، وموادها الأساسية من أضراره على صحة الأطفال ، نتيجة إنبعاث يطبع داخل الخيمة “. تضيف ، “منذ 4 سنوات نزحت من بلدي سهل الغاب بريف حماة ، ولجأت برفقة أكثر من 50 عائلة ، إلى المخيم ، وكنا حينها تصل إلى مساعدات غذائية ومساعدات أخرى خلال فصل الشتاء من المنظمات الإنسانية ، إلا أنه في عام ، توقفت العودة ، أحوالنا المعيشية تشهد تشهد تراجعاً مأساوياً ، إلى حد الفقر والعيش بحالة تقشف ، خشية جو الموتعاً ، وأخشى هذا الشتاء تتفاقم منازلنا أكثر ، أمام غلاء أسعار مواد بما فيها الغير صحية مثل الفحم أو البيرين (بقايا زيتون) المخلوط بالتراب والحجارة ” .
خط الفقر
وفقاً لدراسة أحوال النازحين المعيشية في المخيمات أجراها ناشطون سوريون مؤخراً، قال الناشط بكار الحميدي أن 70 % من النازحين السوريين في مخيمات الشمال السوري يعيشون تحت خط الفقر، نظراً لتراجع حجم المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية والمحلية، خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى قلة توافر فرص العمل في المجالات الصناعية والزراعية.
واضاف، أن هذه النسبة شملت أعداد المخيمات العشوائية والتي بلغت نحو 450 مخيماً عشوائياً يقطنها حوالي 250 ألف نازح، تم إنشاؤها على مساحات مستوية، غير مخدمة بمجاري وقنوات صرف صحي، و”مع قدوم فصل الشتاء وتزايد غزارة الأمطار، تتعرض معظمها للغرق، وإنسداد الطرق المؤدية لها، مما يزيد ذلك من معاناة النازحين، فضلاً عن أن الخيام المصنوعة من الشوادر والنايلون لا يمكنها مقاومة العوامل الجوية لفترات طويلة، وتتعرض للتلف أمام سرعة الرياح في فصل الشتاء ودرجات الحرارة في فصل الصيف، وغالباً ما تكون عمليات الإنقاذ والإستجابة الإنسانية ضعيفة، مقارنة بحجم الأضرار التي تتعرض لها المخيمات نتيجة الفيضانات وتشكل السيول في فصل الشتاء”.
ضيق تنفس
مع قدوم فصل الشتاء تزداد حالات الإصابة بأمراض مرتبطة بإلتهابات الجهاز التنفسي لدى النازحين، بسبب إستخدامهم وسائل تدفئة غير سليمة مثل أكياس النايلون والأحذية والألبسة المستعملة، وإنبعاث الروائح والدخان داخل الخيام، بحسب الطبيب إياد الحسن في منطقة كفرلوسين (تجمع مخيماث ضخم) بالقرب من الحدود التركية، شمال إدلب.
ويضيف الحسن: ” يلجأ النازحون إلى إستخدام هذه الوسائل الغير سليمة للتدفئة، نظراً لأسعارها الرخيصة، مقارنة بأحوالهم المادية الصعبة، ونتيجة إنبعاث الغازات السامة، ومنها غاز أحادي أكسيد الكربون الناتج عن عملية الاحتراق الجزئي لها، داخل الخيام، يتعرض الأطفال وتحديداً الرضع منهم لحالات إختناق شديدة، يجري إسعافهم إلى المراكز الطبية القريبة، وتقديم الإسعافات الأولية لهم، وإجراء عمليات رفع نسبة الأكسجة السريعة لديهم، وتزويدهم بجرعات رذاذ، وإنقاذهم من موت محقق، وأيضاً كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة يتعرضون لأمراض تنفسية وسعال حاد نتيجة ذلك”.
مناشدات
أطلق فريق “منسقو استجابة سوريا” تحذيراً من شتاء قارس ينتظر النازحين شمال غرب سوريا وسط توقعات بتدني درجات الحرارة بشكل كبير خلال الفترة القادمة،في ظل الفقر والعوز الذي يعانون منه. وقال الفريق في بيان أن 1.512.764 نازحاً سورياً معظمهم من النساء والأطفال على موعد مع فصل الشتاء، وسط الفقر والعوز في الخيام والمباني غير المكتملة التي يعيشون فيها، في ظل عجزهم عن توفير أبسط سبل التدفئة. ولفت التقرير إلى أن الحاجة الماسة في الوقت الحالي للنازحين هو تحسين بيئة المأوى، منوها إلى أن العديد منهم اضطر إلى النزوح عدة مرات في ظل محدودية الأماكن التي يمكنهم العيش فيها، في وقت تعاني فيه مخيمات النازحين من الاكتظاظ السكاني، حيث زادت أعداد المخيمات في مناطق شمال غرب سوريا خلال الفترة السابقة إلى 1.489 مخيماً، بينها 452 مخيماً عشوائياً يقطن فيه 233.671 نازح من مختلف المناطق السورية.
وأوضح التقرير أن جميع النازحين السوريين بحاجة ماسة إلى المساعدات التي تشمل الغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم، مناشداً جميع الفعاليات العمل على مساعدة الأهالي في مناطق شمال غرب سوريا عبر زيادة المساعدات الإنسانية لمواجهة أزمة البرد والأمطار المقبلة وتأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين، في ظل الإرتفاع اليومي الذي يطرأ على أسعار المواد الغذائية و وصل إلى 200% خلال الأشهر الماضية.
تحذير
وحذر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، الأربعاء 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من شتاء قارس ينتظر السوريين في ظل استمرار تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
وقال غريفيث، “سيواجه السوريون قريباً شتاءً قارساً آخر، فمع بدء درجات الحرارة في الانخفاض، سيؤدي هطول الأمطار والبرد والشتاء إلى تفاقم المصاعب التي يواجهها ملايين الأشخاص”. وشدد قائلاً “نحن بحاجة إلى حقنة عاجلة من المساعدات المنقذة للحياة، خاصة وأن السوريين يستعدون لفصل الشتاء”.
واحتلت سوريا المرتبة الثالثة ضمن قائمة الدول الأكثر هشاشة عالميًا لعام 2021، بحسب تصنيفات دولية.
بواسطة عامر فياض | مايو 24, 2021 | Reports, Roundtables
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟“
كانوا أطفالاً حين بدأت الحرب، كبروا وتربوا على ثقافتها التي حرمتهم من بناء ذاكرة وطنية حقيقية، فلم تحفل ذاكرتهم سوى بصور الموت والدمار وشتى أنواع المعاناة، ولم يتبلور لديهم أي انتماء راسخ لسورية الواحدة، ذات الهوية الجامعة، فسورية التي عرفوها خلال الحرب ليست كتلك التي عرفتها الأجيال التي سبقتهم، حيث ضاق مفهوم الوطن لدى الكثير منهم، وكانت سورية بالنسبة لبعضهم، خلال الحرب، لا تتعدى حدود محافظتهم، التي لم يغادروها، أو حتى حدود مدينتهم.
“لم أتعرف إلى سورية سوى من خلال نشرات الأخبار والصور ومقاطع الفيديو. أشعر أن معظم المحافظات السورية أماكن غريبة عني، لا يربطني شيء بها وكأنها من بلاد أخرى. يتحدث أبي وأخوتي الكبار عن سورية بكثير من الحب والحنين ويسردون لي الكثير عن جمالها وسحرها وتنوعها وعن أجواء الألفة والمحبة والتآخي التي عاشوها في أغلب المحافظات، حيث زاروها مراراً وتكراراً قبل الحرب، بمدنها وقراها، التي كانوا يرونها مكاناً واحداً رغم اختلاف جغرافيتها، وبالمقابل لم أكن أشعر بالأمان، خلال الحرب، حتى في مدينتي، وكان سقف حلمي أن أتعرف إلى أحياء دمشق القديمة”. هذا ما يقوله الطالب الجامعي أنس (22 عام) الذي كان في الصف السادس حين بدأت الحرب، ويضيف “لم أغادر دمشق سوى في رحلة سريعة إلى اللاذقية منذ عامين وكانت أول مرة أتعرف فيها على مكان خارج دمشق. الغوطة القريبة منا والتي قرأت وسمعت الكثير من الروايات عن جمالها وتغني الشعراء بها، لم أتعرف عليها سوى كمكان للموت والدمار، وأحزن حتى من ذكرها. ببساطة كبرت وأنا أشعر أن سورية هي مدينة دمشق فقط”.
إسراء (20 عام) التي نزحت بعمر الحادية عشر لا يذكرها اسم سورية سوى بالألم والمآسي. والوطن بالنسبة لها هو عائلتها فقط، وتبرر ذلك بقولها : ” منذ طفولتي لم أرَ سوى الحرب التي قتلت أبي والتهمت كل شيءٍ حولنا، وحين نزحت وعائلتي من الغوطة إلى دمشق، شعرنا بغربة كبيرة وعشنا ظروفاً قاهرة، من المعاناة والحرمان والسكن البائس، أجبرَت أخوتي على ترك الدراسة والتوجه نحو العمل والتسول أحياناً، ليساعدوا العائلة في تأمين لقمة العيش المريرة”.
وتضيف: “في المدرسة، بعد نزوحنا، لم أكن أشعر أنني كباقي الطلاب، فالفروق الطبقية كانت واضحة للغاية، بين طلاب أثرياء جداً وآخرين غارقين بالفقر، حتى أن بعض زملائي كانوا ينظرون إلي بعين الشفقة والدونية أحياناً، وهم يرون حقيبتي الممزقة وثيابي الرثة، وعجزي حتى عن شراء قطعة بسكويت أو سندويشة فلافل. تركت الدراسة وأنا في الصف الثامن وتوجهت للعمل في معمل لخياطة الألبسة، وما زلت أزاول هذا العمل حتى اليوم، في ظروف من القهر والاستغلال”.
ونتيجة لذلك الواقع تقول إسراء “لم أشعر حتى اليوم بأي انتماءٍ حقيقي لمكان إقامتنا الحالي وبالمقابل حين أتذكر قريتنا في الغوطة تمتزج ذكريات طفولتي بصور الحرب فلا أشعر بأي حنين إليها”.
عندما أهديت محمد (16 عام) عامل توصيل الطلبات، كتابين لليافعين عن حضارتي أوغاريت وتدمر، كانت صدمتي كبيرة، فحين نظر إلى صورة الغلافين تساءل: هل تقع هذه الأماكن في سوريا؟. محمد الذي نزح مع عائلته إلى مدينة جرمانا بعمر السادسة، لم يرَ منذ ذلك الوقت شيئاً من سورية سوى الحارة التي يسكنها وبعض شوارع المدينة والسوبر ماركت الذي يعمل به منذ نحو خمس سنوات، هو أيضاً لا يجيد القراءة والكتابة، فقد ترك المدرسة في الصف الثاني، حاله حال مئات آلاف الأطفال الذين تسربوا من الدراسة ليتجهوا نحو سوق العمل قبل أن يعيشوا طفولتهم التي كانت بحاجة لوطنٍ يحتضنها.
جيل بلا بوصلة وطنية
جيل تعرف إلى ثقافة الانقسام السياسي قبل أن يتعرف إلى مفهوم الوطن الواحد والهوية الجامعة، إذ تشكل وعيه الوطني وهو يرى معظم من حوله من أبناء الجيل القديم يختلفون سياسياً على أبسط البديهيات والمفاهيم الوطنية، ويتبادلون الاتهامات ويوزعون أدوار الوطنية والتخوين كلٌ حسب أهوائه وتوجهاته، لذا زُرعت به آلاف المفاهيم والإيديولوجيات والقناعات الخاطئة قبل أن يتبلور لديه أي مفهوم واضح وحقيقي عن الانتماء الوطني، وذلك في ظل غياب أي مرجعيات وطنية حقيقية يمكنه أن يقتدي بها أو يستعين بخطابها وأفكارها لتكون بوصلته الوطنية، فمعظم القامات والرموز الوطنية خلال الحرب أصبحت منقسمة و ضائعة، لا تُجمع على شيء، تطغى وجهة نظرها الإيديولوجية وأجنداتها السياسية على كل ما هو وطني، وبعضها تقزم وأثبت فشله أو أُخمد صوته وأُنهكت قواه وشلّتَ أفكاره.
” كبرت وأنا أرى أبي ومعظم أقاربي وأصدقاء العائلة يختلفون وتعلو أصواتهم كلما تناقشوا في أمرٍ يخص واقع البلاد، فيشتمون فناناً أو كاتباً سورياً نتيجة موقفه السياسي، ويخوِّنون معظم السياسيين والمفكرين، لذا كنت أكره أو أحب أحداً ما دون أن أعرف السبب. وحين كنت ألجأ لبعض الكبار، المهتمين بالشأن السياسي والثقافي، لأسأله شيئاً عن الوضع السوري، لا يُقدم لي سوى آراء كيدية ويحاول إقناعي بوجهة نظره فقط ليبدأ بتخوين وشتم كل من لا يوافقه الرأي”. بتلك الكلمات يلخص طالب الطب فادي (23 عام) واقع حال معظم أبناء جيله، ويضيف “جيلنا لم تتشكل لديه أي قناعة وطنية راسخة إذ تشكلت القناعات والمفاهيم السياسية والوطنية لمعظمنا من خلال المحتوى الذي تقدمه نشرات الأخبار والبرامج السياسية -التي تحكمها الأجندات والمال السياسي- ووسائل التواصل الاجتماعي التي تكتظ كل يوم بالكثير من المغالطات الفكرية والسجالات والمناكفات وتبادل الاتهامات. كل ذلك جعل منا جيلاً مشتتاً لا يمتلك أي يقين وطني”.
جيل عاجز وناقم
بعد تحول الأزمة السورية إلى أزمات وموت أي بارقة أمل بانتهائها، وفي ظل تردي الواقع الاقتصادي وغياب معظم متطلبات الحياة، وُلِد عند الجيل الجديد شعور دائم بالضياع واللاجدوى وانسداد الأفق، وهو ما قَتل حماسهم وأخمد طاقاتهم، وغيَّب أي صوت أو تأثير لهم، فجعلهم عاجزين عن القيام بأي دور وطني فاعل، تمضي سنوات أعمارهم بلا أي هدف أو مستقبل واضح. كل ذلك جعلهم ينقمون على كل ما حولهم، ليفقدوا أي شعور بالمواطنة والإنتماء حتى تجاه مجتمعهم الذي تشرذمت روابطه وعلاقاته الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية.
“أشعر اليوم أنه لا قيمة لوجودي وأنني عالة على عائلتي ومجتمعي. أهدر أيامي في الانتظار الذي يقتل قدراتي وأحلامي وطموحاتي. بات تفكيري محصوراً فقط بتأمين فرصة عمل والبحث عن أي طريقة لمغادرة البلاد، فمنذ مراهقتي تربيت على أن السفر هو الخيار الوحيد ولا مستقبل لدي في هذه البلاد”. هذا ما يقوله أحمد (24 عاماً) وهو واحد من مئات آلاف الشباب الذين باتت أحلامهم متعلقة بالسفر، خاصة أن الكثير من أصدقائهم وأقاربهم سافروا من قبلهم وأصبحوا قدوة لهم.
ويضيف أحمد: “هل نحن أبناء وطن واحد؟. كيف سأشعر بالانتماء إلى وطن لست جزءاً منه، أعيش فيه على الهامش، لا أستطيع أن أمارس إنسانيتي أو أن أقوم بأي دورٍ فاعل حتى تجاه أبناء مدينتي أو حارتي؟. لقد كبرت وأنا أعبر من جنب الأطفال النائمين في الشوارع والحدائق عاجزاً عن مساعدتهم. الفقراء الذين يعتاشون من حاويات القمامة أصبحت أراهم بشكل طبيعي ومألوف دون أن أحرك ساكناً. بت أشعر أنه لا جدوى من بقائي في هذه البلاد، فهي ليست سوى للأثرياء وتجار الحرب”.
وطن بديل
كثير ممن غادروا سورية، من أبناء الجيل الجديد، وجدوا وطنهم في بلدان لجوئهم في أوروبا وغيرها، اندمجوا بعادات البلد المضيف وبثقافته وتكيفوا مع حياتهم الجديدة، لذا قد ينسون مع الوقت ثقافتهم وذاكرتهم وهويتهم السورية. وإن طالت إقامتهم أكثر فقد ينسلخون عن سورية بشكل كامل، لاسيما أولئك الذين عاشوا في الخارج أكثر مما عاشوا فيها، وربما يلغون مع الوقت فكرة العودة إليها و يفقدون شعورهم بأي انتماء نحوها، خاصة إذا ما حصلوا على جنسية أخرى.
وعن تجربتها تحدثنا نور (25 عام) المقيمة في ألمانيا منذ سبع سنوات: ” عشت مراهقتي في ظل الحرب وكوارثها التي أجبرتني وعائلتي على مغادرة سورية خوفاً من الموت. ومنذ وصولي إلى ألمانيا شعرت بالأمان والسلام، وتمكنت من الاندماج بثقافتها وتعلُم لغتها بسرعة فائقة، وهكذا بدأت أحقق أحلامي وأعيش كل التفاصيل التي أحبها، فلقد منحتني حياة جديدة وآفاقاً واسعة، لذا بت أشعر بكثير من الانتماء إليها وأراها وطناً بديلاً” . وتضيف نور: ” اليوم وبعد هذه السنوات لم يعد هناك شيء يربطني بسورية، سوى وجود بعض الأقارب والأصدقاء، الذين أتألم حين أفكر بالحياة التي يعيشونها، جميع الذكريات والأشياء التي كنت أحبها في طفولتي دمرتها الحرب ولم يعد لها وجود، لذا لا أفكر في العودة إلى سورية سوى في زيارات قصيرة على المدى البعيد”.
خلال الحرب ولد نحو خمسة ملايين طفل في سورية، فيما ولد نحو مليون طفل سوري لاجئ في دول الجوار، وذلك بحسب تقرير اليونسف آذار 2020. اليوم إذا نظر هؤلاء الأطفال إلى جيل الشباب، الناقم على كل شيءٍ حوله والغارق في جحيم معاناته اليومية وانهزاماته وخسائره المتتالية، فماذا سيتذكرون عن بلادهم وكيف سيشعرون تجاهها، وكيف ستكون علاقتهم بها مستقبلاً؟.
بواسطة Ghassan Nasser | مايو 21, 2021 | Reports, Roundtables
[fusion_builder_container hundred_percent=”no” equal_height_columns=”no” menu_anchor=”” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” class=”” id=”” background_color=”” background_image=”” background_position=”center center” background_repeat=”no-repeat” fade=”no” background_parallax=”none” parallax_speed=”0.3″ video_mp4=”” video_webm=”” video_ogv=”” video_url=”” video_aspect_ratio=”16:9″ video_loop=”yes” video_mute=”yes” overlay_color=”” video_preview_image=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” padding_top=”” padding_bottom=”” padding_left=”” padding_right=””][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ layout=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” border_position=”all” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding_top=”” padding_right=”” padding_bottom=”” padding_left=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” center_content=”no” last=”no” min_height=”” hover_type=”none” link=””][fusion_text]
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟“
مع تقلبات حياة السوريين وتمزّق الجغرافيا السوريّة بعد عقد دام من الثورة/الحرب، بات موضوع هويّة سوريا والسوريّين واحدًا من أبرز الموضوعات المثيرة للجدل على الساحة الوطنيّة والسياسية والاجتماعيّة السورية، وهو ما دعانا إلى طرح هذا الموضوع مع عدد من النخب السياسيّة والأكاديميّة السورية المنشغلة في هذه المسألة، فكان أن استضفنا في هذه الفسحة الحواريّة كلًّا من: السياسيّة والباحثة الأكاديميّة في علوم الأنثروبولوجيا والبيئة الدكتورة سميرة مبيض، عضوة اللجنة الدستوريّة السوريّة عن كتلة المجتمع المدني، والباحث الأكاديمي السوري، بروفسور. دكتور. نجيب جورج عوض، بروفسور اللاهوت المسيحي والفكر المسيحي الشرقي، ومدير برنامج الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة والعلاقات الإسلاميّة – المسيحيّة في كلية “هارتفرد للدراسات بين – الدينيّة” في كونكتكت بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، والكاتب السياسي والمعارض الكردي السوري البارز صلاح بدر الدين، والكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور مضر الدبس. ووجهنا لهم الأسئلة التالية: هل كان للسوريّين هويّة جامعة قبل عشر سنوات؟ ما الذي كان يجمعهم؟ وماذا حصل لهذه السرديّات الجامعة الآن؟ ومن قبل هل كان النسيج الاجتماعي السوري متماسكاً فعلاً قبل العقد الدامي أم مجرد مظاهر سطحية للعيش المشترك؟ وأخيرًا، ما هي المآلات المستقبليّة للهويّة السورية الجامعة/المتعدّدة؟ فكان هذا الرصد لإجاباتهم..
مبيض: خلق مسار صاعد يضمن تجدّد الهويّة السوريّة
بداية حديثنا كانت مع السياسيّة والباحثة الأكاديميّة في علوم الأنثروبولوجيا والبيئة
الدكتورة سميرة مبيض، عضوة اللجنة الدستوريّة السوريّة عن كتلة المجتمع المدني، والتي قالت لنا: إنّ استمرارية نظام الحكم الشمولي تعتمد على فرض هويّة واحدة ولا يمكن تسميتها بالهويّة الجامعة، بل هي حالة تعايش مُفترضة وفق الإطار المحدّد. يعتمد تحقيقها على القوة حيناً لمنع بروز هويّات أخرى، وعلى تغيير عوامل المحيط حيناً آخر لوسمه بالهويّة المفترضة. وذلك برأيي ما كان سائداً طيلة العقود المنصرمة، وبالتالي فإنّ تماسك المجتمع بدوره كان تماسكًا قائمًا على عوامل مرتبطة بالسلطة الحاكمة وبالإطار الأيديولوجي الذي فرضته لصنع هذا التماسك، ومنه أذكر بعض النقاط فيما يلي:
- عوامل أيديولوجيّة كنظريّة المؤامرة والتهديد الخارجي، أي نظريّة خلق العدو وبالتالي فرض التوحّد بمقابل هذا العدو المُفترض.
- عوامل ثقافيّة كمنع تداول اللغات السوريّة المتعدّدة، وإغفال عوامل هامة من التاريخ السوري ضمن المناهج الدراسيّة أو توحيد اللباس المدرسي باللباس العسكري.
- عوامل سياسيّة كمنع نشوء تيّارات حزبيّة مختلفة عن توجّه تيّار الحزب الواحد القائد، والمرتبط بدوره بشخصيّة محوريّة هي الأب القائد للمجتمع والدولة.
- عوامل تسخير الأديان لخدمة السلطة تعتمد على النفاق الاجتماعي الظاهري والذي يقابله نشر الفتنة الداخلي غير المعلن بين هذه الأطياف والفئات.
تضيف صاحبة «الشهيدة السوريّة الأولى.. (تاريخ عائلة مسيحيّة تحت اضطهاد حكم الأسد)»، إنّ التراكم السلبي لهذه العوامل هي ما انفجر كشروخ عميقة بين السوريّين خلال عقد الثورة المنصرم. لا يعني ذلك أنّ الهويّة السوريّة الجامعة غير موجودة لكنّها لم تتبدَ خلال العقود المنصرمة لأنّ ظروف المحيط منعت ظهورها وحاربت كلّ ما يخرج عن الأطر المفروضة على المجتمع، فالهويّة بحدِّ ذاتها ليست مفهومًا ثابتًا بل هي مجموعة عوامل متداخلة وديناميكيّة تنتظم بتراتبيّة تُحَدّدها الظروف المحيطة والعوامل المؤثّرة، والعوامل الجامعة للسوريّين في هويّة مشتركة هي عوامل موجودة وقائمة وإحياؤها ممكن بشكلٍ تدريجي لغاية الوصول لتماسك مجتمعي مبني على عوامل حقيقيّة وليست زائفة أو مفترضة.
تتابع صاحبة «كيف أرى الثورة السوريّة»، قائلة: إنّ أهم هذه العوامل ترتكز برأيي على البعد المكاني والتاريخي لسوريا، وهذه العوامل تعبر بوضوح عن حالة تعدّديّة على كافّة الصعد، القوميّة، الدينيّة والثقافيّة أي أنّ الهويّة السوريّة الجامعة ليست نابذة لأيّ من مكوّناتها المجتمعيّة الطبيعيّة وتستطيع احتواءها جميعًا، في حين لا تستطيع أيّ من الهويّات القوميّة أو الدينيّة أو الثقافيّة احتواء التعدّديّة السوريّة، كذلك يمنح البعد المكاني والتاريخي الهويّة السوريّة سمة الانفتاح الإقليمي والدولي فهذه المنطقة شكّلت رافدًا هامًا لتطوّر الحضارة البشريّة على مرّ التاريخ.
د. مبيض ترى في ختام حديثها معنا، أنه يبقى العامل الأهم لإحياء هذه الهويّة هو مواجهة التحدّي باندثارها الذي يقف أمامه السوريّون اليوم في واقع من التقهقر والتشرذم الإنساني، والذي قد يشكّل بدوره الدافع الأكبر لبناء هويّة جامعة على أسس صلبة تسمح بخلق مسار صاعد يضمن تجدّد الهويّة السوريّة واستمراريّتها.
- عوض: الفصل بين مسألة الهويّة ومسألة المواطنة والانتماء الدولتي
من جهته، أوضح الباحث الأكاديمي السوري، بروفسور. دكتور. نجيب جورج عوض، بروفسور اللاهوت المسيحي والفكر المسيحي الشرقي، ومدير برنامج الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة والعلاقات الإسلاميّة – المسيحيّة في كلية “هارتفرد للدراسات بين – الدينيّة” في كونكتكت بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، أنه في العقود السابقة للثورة السوريّة، لم يكن هناك هويّة جامعة ينضوي تحتها السوريّون. فالسوريّون لم يعط لهم الحرّية والحقّ بتشكيل وعيهم الذاتي بأنفسهم، بل فُرضت عليهم هويّة مسبقة الصنع جمعيّة (وليس جامعة) وشموليّة وصائيّة قرّرها لهم أصحاب السلطة والوصاية والمرجعيّة في المؤسّستين السياسيّة والدينيّة. لهذا لم يطوّر السوريّين بنيانًا متجانسًا وموحدًا في قلب تنوّعه، وعلى قاعدة هذا التنوّع ومن منطلق الاغتناء به.
يضيف صاحب «أحفورات الفهم، تاريخانيات المعنى: دراسات في الثقافة والدين والسياسة»، تحوّل التنوّع والتعدّد إلى عناصر مهدّدة للهويّة المؤدلجة التي اُسقطت على السوريّين من علٍ، إما وفق خطاب سياسي إيديولوجي قوموي وعروبوي، أو وفق خطاب تديني دوغمائي تطأيفي وثقافي عرقي تفريقي. ولا واحدة من تلك التوجّهات تخلق مجتمعًا متجانسًا على قاعدة التنوّع والتعدّديّة، بل تفرض تجانسًا مسبق الصنع على قاعدة الولاء والتماثل والتنميط. هذا الواقع ساد في سوريا قبل الثورة، وتعزّز وتمّ توظيفه منهجيًّا خلالها، وهو سيبقى في ساحة سوريا ما بعد الثورة أيضًا.
يتابع صاحب «ما بعد الحداثة.. ومستقبل الخطاب الديني في الغرب»، قائلًا: إنه من جهة أخرى، لا يجب للتجانس المجتمعي أن ينبني على مفهوم “الهويّة“. مؤكّدًا أنه لا يوجد – برأيي – “هويّة جمعية“، فالهويّة خيار حرّ مرتبط بوعي الفرد لذاته وخياراته الشخصيّة الماهويّة. مضيفًا: أنّ العالم مابعد–الحداثوي لم يعد يتحدّث عن “هويّة جمعيّة” شاملة، بل عن هويّات متعدّدة، أنا أسميها “هويّة سيروريّة متعدّدة الأوجه“. أضف لهذا، لا علاقة للنسيج الاجتماعي ووحدته وتماسكه برأيي بمسألة الوعي الذاتي (الهويّة). التماسك المجتمعي ينتج عن قرار الأفراد “الواعين لذواتهم” أصلًا ومسبقًا بالتعاقد المدني والدستوري مع بعضهم البعض وقرارهم الانضواء تحت مظلّة دولتيّة ودستوريّة اختاروا بحرّيتهم الانضواء تحتها والالتزام بها، لا بل وتشاركوا معًا وبشكلٍ متساوٍ ومتكافئ في صنع هذا الدستور وإدارة هذه الدولة المنبثقة عنه. هذا لم يتحقق بعد في سوريا في الماضي ولا يبدو لي أنه سيتحقق في المستقبل المنظور. علينا أن نفصل مسألة الهويّة (وعي الذات) (سواء الوعي السياسي، الثقافي، الديني، العرقي، الجندري، أو اللغوي) ومسألة المواطنة والانتماء الدولتي. فهما مختلفان عن بعضهما ولا يجب لإحداهما أن تتحكّم بحقوق الإنسان وواجباته أو أن تقرّره له فوقيًّا.
يختم صاحب «الله، الإنسان والشر»، حديثه معنا بالقول: إنّ الاجتماع المدني المواطني يقوم على تلاقي واجتماع الأفراد والجماعات الحرّ والتعايشي والتلاقحي، بمعزل عن الخيارات الهوويّة، ويقوم كذلك على قاعدة الانتماء الدستوري والدولتي والالتزام بهما. لافتًا إلى أننا لم نصل بعد لهذه المرحلة، وسوريا القادمة إما ستمر بمرحلة كارثيّة تفتيتيّة أو بمرحلة إعادة إحياء الوصائيّات والسلطات الفوقيّة والعرفيّة على الأفراد، قبل الوصول لها.
- بدر الدين: نحو دستور سوري جديد يضمن حرّية التعدّدية
بدوره، بيّن الكاتب السياسي والمعارض الكردي السوري البارز صلاح بدر الدين، في أنه منذ استقلال سوريا في ظلّ أوّل دستور انطلق من مفهوم – الأحاديّة القوميّة والثقافيّة – والسوريّون يبحثون عن هويّة وطنيّة جامعة، وبات البحث في تعريف الهويّة، وأعمدتها، وأسسها الثقافيّة، والاجتماعيّة، ومضامينها الإنسانيّة، وتجلياتها من بنى فوقيّة، الشغل الشاغل للنخب السياسيّة والثقافيّة والفكريّة، ولم يكن ذلك بمنأى عن جوهر الصراع المتواصل بين الحركة الوطنيّة الديموقراطيّة السوريّة من جهة والأنظمة والحكومات المتعاقبة على الحكم منذ أكثر من سبعة عقود وحتى الآن.
وذكر صاحب «الصراع في سوريا.. (النظام – الكرد – المعارضة)»، إنه في العقد الأخير الذي شهد اندلاع الثورة الوطنيّة من أجل التغيير الديموقراطي، ظهرت عملية البحث عن الهويّة السوريّة الجامعة بأجلى صورها، ليس في مجال تصحيح كتابة تاريخ سوريا والسوريّين حيث تمّ – تزييفه بدوافع عنصريّة وأيديولوجيّة – بل بإعادة تعريف الشعب السوري، وتشخيص عناصره القوميّة، والثقافيّة، وحوامله الدينيّة والمذهبيّة، والاعتراف بكلِّ ذلك وجوديًّا ودستوريًّا وحقوقيًّا في إطار الهويّة السوريّة الشاملة الى جانب الاجتهاد في اختيار الهويّة السياسيّة لنظام الحكم القادم وهذا ما نلاحظه في برامج ومبادرات ومشاريع سياسيّة متعدّدة يتمّ التنافس حولها من أجل سوريا القادمة.
صاحب «الحركة القوميّة الكرديّة في سورية.. رؤية نقدية من الداخل»، أضاف: نعم كان هناك تماسك اجتماعي شكلي وملزم في ظلّ الدكتاتورية، وقد نجد البعض من أعوان نظام البعث في كلٍّ من سوريا والعراق في عهدي – حافظ الأسد وصدام حسين – يزعمون في مجال مدح النظامين بأنهما وفرا وحدة المجتمع، ومنعا ظهور أيّ انقسام، والأصح أنهما منعا بقوة الحديد والنار والإبادة والسلاح الكيمياوي، والقمع الممنهج، ووسائل الإرهاب الدولتي، ظهور أيّ صوت مخالف، وعملا على وأد أيّ مطالب بالتغيير، وأيّ محاولة في البحث عن هويّة جديدة، وأي مساس بالحدود المرسومة من فوق.
ويؤكد صاحب «الكرد بين إرهاب الدولة القوميّة والاسلام السياسي»، على أنّ كلّ الوثائق والقرائن التي خلفتها عقود الدكتاتوريّة والظلام تشير إلى أنّ قضايا الخلاف والصراع بين غالبيّة السوريّين من جهة والنظم الحاكمة من الجهة الأخرى كانت تتركّز على إعادة النظر بالدستور، وتعريف الشعب السوري، ووجود قوميّات وثقافات متعدّدة، تُحفظ حقوقها الأساسيّة، والقوانين، وشكل النظام، ومسألة أحاديّة القوم، والمذهب، والحزب، والعائلة، وهي كلّها تدور حول بنية الهويّة الوطنيّة ومضمونها وجوهرها، الكفيلة باستيعاب كلّ السوريين طواعية تحت خيمة واحدة، على قاعدة العيش المشترك، والاتّحاد الاختياري وليس القسري.
بدر الدين شدّد في ختام حديثه معنا على أنّ الهويّة الحقيقيّة للسوريّين ليست (أمة عربيّة واحدة ذات رسالة خالدة) أو أنّ كلّ من يتكلم العربيّة فهو عربي. كما أنها ليست (الإسلام هو الحلّ) أو أنّ (الحلّ المواطني هو المطلوب)، بل تكمن في الاعتراف بدستور سوريا الجديدة بأنّ سوريا كدولة ليست بسيطة بل مركبة، ومجتمع متعدّد الأقوام والثقافات والديانات والمذاهب، ولا بدّ من ضمان حقوق الجميع وشراكتهم، إضافة الى حرّية التعدّدية الفكريّة والسياسيّة، وبذلك سيعتز الجميع بالهويّة المشتركة الجامعة، وسيدافعون عنها بالغالي والرخيص.
- الدبس: مُعالجة عيوب السياسة السوريّة بالاجتماع..
أما الكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور مضر الدبس، صاحب كتاب «في ضوء الألم.. تفكير في بنى الاجتماع السياسي السوري»، فيقول إجابة على تساؤلاتنا: إنه على الرغم من أنّ السؤال عن وجود هويّة سوريّة جامعة يتضمّن تفكيرًا في الماضي، إلّا أنه بالضرورة ينتمي إلى جملة الأسئلة التي تستهدف المستقبل، ولذلك يبدأ الجواب عنه في تقديرنا من الأمام إلى الوراء: أي انطلاقًا من التفكير في آفاق الوطنيّة السوريّة الجامعة إلى ماضيها، وليس العكس. ولذلك أميل إلى إعادة طرح السؤال بصيغةٍ أخرى: هل سيكون للسوريّين هويّة وطنيّة في المستقبل؟ ويفترض هذا السؤال – بطبيعة الحال – تفاهمًا واضحًا وناجزًا على دلالة “الهويّة السوريّة الجامعة“، ولا أعتقد أنّ هذه الدلالة ناجزة وواضحة، بل إنّ مفهوم الهويّة قبل تخصيصه بصفة “الوطنيّة” لا يبدو واضحًا ولا تبدو دلالته واحدة. عند هذه النقطة أرى العائق الأكبر أمام تقديم الإجابة عن السؤال المطروح، وربما تبدأ الإجابة بالوقوف على ماهيّة العائق وتحديد أسبابه تمهيدًا لإزالته، ففي هذه النقطة، وعلى هذا العائق يعيش وهمًا يعطي نتائج كارثيّة، وهو الوهم بأنّ أدوات التفكير والاستنتاج ومن ثمّ السلوك مشتركة بين الجميع، وهي في الحقيقة ليست كذلك. هذا العائق بتقديرنا عائق سياسي محض.
يتابع صاحب «مفهوم المواطنة»، محللًا: يكفي أن يتابع المرء سياقات استخدام مفردة “الهويّة” ومن ثمّ عبارات “الهويّة الجامعة“، و“الهويّة الوطنيّة“، ليلاحظ أنها سياقاتٌ لم يمنع تطابق الكلمات المستخدمة في التعبير عن معناها من اختلاف دلالاتها وتوجّهاتها؛ فالهويّة الوطنيّة في السياق الإسلامي مثلًا، تختلف عن الهويّة الوطنيّة في السياق اليساري، بل يختلف مفهوم الهويّة بمجمله. مضيفًا: بالتأكيد، هذا النمط في التفكير طويل، وفيه الكثير من التفاصيل، ولكن في هذه العجالة، أذهب مباشرة إلى طرح مفهومين دائمًا أميل إلى مقاربتهما بوصفهما مفتاحي الوطنيّة السوريّة، الأوّل هو ابتكار فضاء عمومي سوري حقيقي، والثاني مراكمة رأس مال اجتماعي وطني سوري في هذا الفضاء.
وأردف صاحب «عقل الجهالة وجهل العقلاء.. في المقدس والثقافة وإشكالية العلاقة بينهما»، قائلًا: إنّ ثورة الحرّية والكرامة التي بدأ بها السوريّون في آذار/ مارس عام 2011 كانت فرصة تاريخيّة، بما تحمل كلمة تاريخيّة من معنى، لبناء رأس مال اجتماعي وطني حقيقي، في فضاءٍ عمومي متقدم ومتطوّر، بدأ بصنعه السوريّين بصورة تعاون، وتنظيم، وتنسيق العمل الميداني، وحوارات سياسيّة علنية ومفتوحة. ومن دلالات هذه الروح التي سادت في بداية الثورة، أن الوعي بأهمية “الوطنيّة السوريّة” كان بالضرورة حاضرًا قبلها، وهذا الوعي – في الأقل – هو الذي يمكن أن نراه حقيقة علمية واضحة. وبقدر ما كانت الثورة – في إحدى أكثر صورها أهميةً – تجلياً لهذا الوعي على المستوى الاجتماعي، بقدر ما كانت فرصةً مُفوَّتةً على المستوى السياسي. ومن مجمل ما يدلنا إليه هذا الإخفاق السياسي الفرضية الآتية: كان للهويّة السوريّة الجامعة قواعد اجتماعيّة ووجدانية وأخلاقيّة راسخة، ظلّت حيّة قادرة على التعبير عن نفسها على الرغم من سنين القمع والتخويف والتقسيم والتفريق التي اتبعها النظام منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، ولكن لم يمتلك السوريّون سياسةً وطنيّة قادرةً على إنتاج الوعي السياسي اللازم لتعيين هذه القيم الوطنيّة والأخلاقيّة بصورة تاريخيّة ملموسة، ولتعيينها بصورة دولةٍ وطنيّة سوريّة. وبالنتيجة الأوّليّة في هذه العجالة: كان الوعي السياسي بالهويّة الوطنيّة السوريّة بكُلّيّته وعيا مفوّتًا، ولو لم يكن كذلك لمّا فوّت هذه الفرصة التاريخيّة لتحقيق ما حلم به طيلة حياته: ما نريد قوله إنّ المعارضة التي كانت جناح الثورة السياسي منعت تحليقها على المستوى الوطني، وذلك بسبب عيب بنيوي في هذا الجناح. وخلاصة القول، من أجل الماضي والمستقبل معًا، من الضروري أن نُعالج عيوب السياسة السوريّة بالاجتماع السوري المُتعين في فضاءٍ عمومي، وأن يكنس العمومي النخبة السياسيّة كلّها.
[/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
بواسطة رنيم غسان خلوف | مايو 11, 2021 | Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟“
“مشتاقة لشارع النهر بدير الزور، لمدرستي، لبيتي، لرفقاتي، مشتاقة لمجتمعي أنا اليوم بلا مجتمع. مناسباتنا صارت مأتم منتذكر فيها إننا بحالة نزوح دائمة، بشتاق لأتسوق من الدير.” هذا حال آلاء ابنة دير الزور التي أجبرتها الحرب على ترك مدينتها والاستقرار بدمشق، دمشق التي كانت تحبها، لكنها لا تعني لها اليوم أكثر من مجتمع أجبرت على الاستقرار به.
“مشتاقة لأيام زمان، مشتاقة ارجع ربة منزل، مشتاقة لأيام زمان.” هذا حال رشا 35( عاماً) والتي تعمل في تنظيف البيوت منذ أن هُجِرت من منزلها المنظم في ريف دمشق، لغرب العاصمة حيث العشوائيات.
تنهدت رشا بنفس خرج من منتصف الصدر، تلته ابتسامة خفيفة مع دمعة سقطت سهواً، لتعقب ماذا ينفع الحنين غير القهر!
منذ أول سنوات الحرب في سوريا، يتردد على لسان أبناء المجتمع كلمة: “اسئالله، اسقالله، رزق الله”، تختلف اللكنة المحكية، لكن المعنى واحد والمضمون رغبة من القلب للعودة إلى ماقبل2011، في هذا التقرير أقدم تقريراً حول بعض مايشتاقه السوريون اليوم.
مصيبة الذاكرة الواعية!
عاشَ السوريون مرحلتين من الحياة في البلاد، وخصوصاً جيل الثمانينات على حد تعبير بعضهم، الجيل الذي ذاق ويلات “أحداث الإخوان المسلمين”، وعندما بدأ الشباب يلوح له بأفق الحياة عاشوا ويلات الحرب الحالية. في لقائي مع عدد من السوريين في دمشق ومدن وأرياف أخرى، اختلفت الإجابات عند سؤالهم إلى ماذا يشتاقون؟ ومن مصباح علاء الدين كلٌ منهم طلب مكنوناته الداخلية، أبو محمد تاجر خضار و فواكه يعيش بمنطقة العشوائيات “المزة 86″، اشتاق لأن يعود كيلو البندورة بـ 5 ليرات سورية، والموز بأغلى أثمانه عام 2010 بـ 250 ليرة سورية. بينما تشتاق مها وهي صحفية من ريف دمشق: “للخير اللي كان بالناس قبل 10 سنين”. ولو خرج لها مصباح علاء الدين يوماً، فستطلب منه أن يزيل العشر سنوات السابقة من حياتها.
بينما تعقب لما صحفية من مدينة طرطوس على حديث مها قائلةً: “بشتاق لـ2010 لوقت كنا نقول فيه أنا الصحفية الفلانية وفوراً يقولوا تفضلوا”! وتتشابه معها في طلبها من المارد السحري.
مع كل سنة تعارك سورية حرباً جديدة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، وتزيد حالة الحنين إلى الماضي (النوستالجيا)، كمدخل للهرب من الواقع، ذلك تماماً الذي شبهه محمود درويش بأنه استرجاع الفصل الأجمل في الحكاية، تشير الاختصاصية النفسية الدكتورة رندة رزق الله: “أن البشر مسكونون بالماضي، هي حقيقة لا يمكن إنكارها، فالإنسان يتميز عن باقي المخلوقات بالذاكرة الواعية، والذاكرة الانفعالية، أي تلك الذاكرة التي تسترجع الأحداث كصور وإحساس، فكل حدث يعيشه الإنسان يترافق مع حالة انفعالية، ويخزنه في مراكز الذاكرة الواعية، التي تتذكر تسلسل الأحداث والأسماء والأماكن والأشكال. مركز الذاكرة الانفعالية مسؤول عن مشاعر كالفرح والحزن والغضب والقرف وغيرها، لذلك عندما يشعر الناس بالحنين إلى الماضي
أي إلى العواطف والحالة الانفعالية التي رافقت أجزاء من ذلك الماضي كأماكن محددة، وصور، وأشخاص، وروائح وطعام وجلسات معينة، والإحساس بالفرح والراحة والأمان في الماضي. لذلك عند استرجاع الذكريات يشعر الفرد بمزيج من المشاعر بين الحزن لفقدانها والفرح لتذكرها، ووفق بنية الشخص النفسية يتم التفاعل مع هذه الذكريات؛ فالمكتئب يستدعي الذكريات ويحن للماضي حزيناً على فقدانه ومبرراً كآبته الحالية.”
ربما هذا مايبرر سبب شعور الكآبة التي تعيشه أم فادي وهي من ريف حمص، حيث هاجر كل أبنائها إلى أوروبا، وبقيت مع زوجها في منزل فيه 4 غرف. ومع ضحكة مصطنعة تقول إنه لو لديها مصباح علاء الدين فستطلب منه أن يعودَ كل أبنائها وتعود لتطبخ بأكبر طنجرة لديها.
يُردد كثير من الناس في سوريا خلال أحاديثهم اليومية عبارات تحسد من فقد الذاكرة من مثل: “أحسنلوا ماعد تذكر شي،” كمؤشر على رغبة الناس على الهروب من الحاضر.
رزق الله ع العربيات!
“يالطيف وين صرنا”! جملة تسمعها صباحاً أمام طابور للحصول على إحدى الحاجيات الأساسية كالخبز، أو خلال ساعات الانتظار لوسيلة نقل ما، وفي هذا السياق يشتاق فجر ابن مدينة السويداء وخريج الفنون الجميلة، لأن يجلس في “السرفيس بكرامة” كما قبل 2011، ويشتاق لأن يدفع 100 ليرة أجرة التكسي، ويضيف: “رزق الله ع العربيات”. بينما اشتاقت صفاء من الحسكة لطفولتها الهنية يوم كانت أقصى الهموم شراء لعبة أطفال جميلة. أما آية ابنة ريف جبلة فتشتاق لجمعات العائلة والحنان الموجود سابقاً في بيوت الأجداد، وتشتاق لأقرباء شباب توفى الله بعضهم والآخرون هاجروا. هنا لا يمضي يوم على المواطن السوري دون ذكر قبل الحرب، والشوق، الغالبية يشتاق لبيت هجره، وأخٍ فقده، وأصدقاء هاجروا، لحب سببت الحرب بانتهائه بالانفصال عنوةً بسبب تطرف المواقف أو تطرف القدر الذي أفقد أحد الطرفين حياته، وهذا شعور المهندسة هلا (33 عاماً) والتي تشتاق لحبيبها السابق الذي أخذه القدر منها في معارك إدلب، وبالطبع في الضفة الأخرى صبية تستذكر حبيباً كان ضحية ذات الجبهة العسكرية.
ما بشتاق!
يهرب البعض من التفكير بالماضي القريب رغم ندرتهم، تشير فرح (27 عاماً) وهي مدرسة لغة إنجليزية، أن فترة قبل الحرب هي مرحلة زمنية بعيدة جداً، لا تستطيع أن تعود بذاكرتها لها، لأنها ستمر على مرحلة القذائف والمفخخات في العاصمة وغيرها. بينما لا تحن آية (25 عاماً) من مدينة حلب لشيء أبداً قبل الحرب، لذلك تحاول أن تفكر بيومها فقط. وهنا تنوه الاختصاصية النفسية رندة رزق الله أن في الحروب يعيش الإنسان حالة مؤلمة لا يرغب بشيء سوى الخلاص منها، وخصوصاً الشباب والشابات الذي يكون ماضيهم مكوناً من سلسلة أحداث مؤلمة ومخيفة ومقلقة لن يفكروا بالعودة إليها يوماً، وستبقى بقعة سوداء مظلمة يسعون كل باقي حياتهم للتخلص من آثارها. وتنوه رزق الله إلى أن للحرب أيضاً دورها في حالة عدم الشوق الذي يعيشه بعض الناس عبر حالة انفصال عن الماضي وكأنه صدمة متطاولة، غير معروفة النهاية، وهذا تماماً ما كانت تعانيه رشا (40 عاماً) وهي تعمل كربة منزل وتؤكد أنها لا تشتاق لشيء فلم يكن هناك شيء جميل سابقاً ولا اليوم سوى ابنها التي تربيه “كل شبر بندر”.
شبيك لبيك!
في قصة مصباح علاء الدين يصيح المارد من شاشات التلفزيون “شبيك لبيك أنا بين إيديك”، ليأخذ المشاهدين بالخيال لمشهد محبب، لكن جلّ طلبات من التقيناهم لو صادفوا مارد مصباح علاء الدين في حياتهم الواقعية اقتصرت على أمنية الاستقرار الاجتماعي، والعودة لبيت دمرته الحرب، والعودة لزمن فيه قيمة شرائية للخمسين والعشرين ليرة . وفي هذا السياق تُشير الاختصاصية الاجتماعية سمر أيوب أنه في حالات الحرب والفقدان تكون العودة للماضي مريحة للتكيف الاجتماعي بالحاضر، وخصوصاً إن شاهد المرء أو صادف عزيزاً على قلبه، لكن أحياناً تحتاج هذه المرحلة الشوق والحنين للماضي “النستولوجيا” لتدخل الاختصاصي النفسي.
منذ عشر سنوات، كان الحنين في سورية يقتصر على الاشتياق لطبخة تراثية في قرية أو مدينة سورية، نسيتها النساء حديثات العهد بسبب تطور الثقافات واختلاطها. في ذلك الزمن كان حنين العشاق يقتصر على جلسة سمر مع أم كلثوم وحبر رسالة على ورقةٍ بيضاء دون مسنجر وماشابه ذلك من طقوس رومانسية. أما منذ سنة 2011 وحتى الآن فتغير الحنين مع رياح البلاد السياسية وأصبح لأشياء تبدو بعيدة المنال لكنها كانت اعتيادية عقداً مضى من الزمن.