بواسطة Amal Mohsen | أبريل 29, 2020 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
تبدو التقارير التي تنشرها منظمة الصحة العالمية ووسائل الإعلام حول ندرة إصابة الأطفال بفيروس كورونا مطمئنة وواعدة إلا أنّ ما يحدث لهم من حالاتٍ نفسيةٍ أثناء الحجر قد تكون أشد خطراً وألماً عليهم وخصوصا في بلدٍ كسورية تعاني من صعوبات الحرب التي لم تنته بعد لتأتي جائحة كورونا وتضيف فصلا جديدا من فصول الخراب المستمر.
في الأيام الأولى للحجر كانت ابنتي الوحيدة (8 سنوات) تظنّ أنها عطلة رائعة أشبه بعطلة العيد، كانت سعيدةً لأننا سنجلس طويلاً معاً ولن أضطر لتركها والذهاب للعمل وسيكون هناك متسعٌ من الوقت لفعل أشياء ممتعةٍ ومسلية، ورغم جهودي لابتكار تلك الأشياء المسلية والمفيدة أصبحت جملتها المفضلة بعد مضي أسبوع واحد فقط: ” لقد مللت”!
في البداية حاولتُ استغلال الوقت المتاح لنا وتنظيمه وتوزيعه بين تدريسها لتعويضها عن انقطاع المدرسة، وبين ممارسة هواياتها المفضلة كالعزف والرسم والأشغال اليدوية، كما مارسنا التمارين الرياضية وشاهدنا الرسوم المتحركة وقرأنا جميع القصص في مكتبتها وتشاركنا أعمال المنزل، وعلى الرغم من كل المحاولات لكسر روتين الملل والقيام بأشياء جديدة إلا أنّ طول مدة الحظر جعلت كل ما نقوم به مملاً ومكرراً. من المؤكد أن التواصل الحسي المباشر ضروري ومهم لنمو شخصية الطفل من كل جوانبها، وحرمانه من الحركة والتواصل الاجتماعي مع المحيط سينعكس سلباً على نموه وملكاته، لذا بدأت ابنتي تدريجياً بفقدان اهتمامها بهواياتها وسيطر الملل على حياتها ولم تعد ترغب باللعب وترفض قراءة الدروس أو مطالعة الكتب، وفقدت رغبتها بالرسم وعزف الموسيقى، ومهما يكن الوقت الذي نمضيه معاً، إلا أنها باتت دائمة الشكوى من وحدتها ومن افتقادها الكبير لمدرستها وأصدقائها.
غياب الأب
بعد استشهاد زوجها اعتادت ريم وأطفالها (4 و6 سنوات) تمضية الوقت خارج منزلهم البسيط المؤلف من غرفةٍ واحدةٍ وذلك عبر القيام بزياراتٍ لا تنتهي للأهل ولجميع الجيران والأصدقاء وحتى أصدقاء الأصدقاء أحياناً، هاربةً من وحدتها وواقعها وعاجزةً عن العمل بسبب صغر أعمار أطفالها ومكتفيةً بالراتب المتواضع الذي تتقاضاه كتعويض من الدولة على استشهاد زوجها.
الحجر الصحي الذي فرضته كورونا وضع ريم مباشرةً أمام مرارة واقعها إضافة لصعوبة التعامل مع طفلين اعتادا الخروج واللعب مع الآخرين دون رقيب. بداية الحجر كان نشاطهما الدائم كارثة حقيقية، وصراخاً ولعباً وعنفاً متبادلاً بينهما ما اضطرها لاستخدام العقاب الجسدي لكبحهما ومن ثم إجبارهما على الجلوس أمام التلفاز عندما تكون الكهرباء متوفرة.
العنف المفاجئ الذي أبدته الأم انعكس على الأطفال بشكلٍ مباشرٍ، فقد تحولا إلى طفلين خاملين وبدت علامات الاضطراب في سلوكهما تبدو واضحة، الطفل الكبير كان ينزوي لوحده وكثيراً ما كان يُكلم نفسه أو أحد ألعابه بالإضافة إلى اضطراباتٍ في النوم والأحلام المزعجة، أما الطفل الصغير فلم يكن بأفضل حال من أخيه فقد كانت تأتيه مساءً نوبات هلع ويُمضي ساعةً قبل النوم في الصراخ والبكاء، إضافةً إلى تبوله في فراشه على نحوٍ متكررٍ.
نوال (35 سنة) تعاني هي الأخرى من غياب زوجها في لبنان وقد هرب من الخدمة الاحتياطية وهو الآن عالق هناك دون عمل ولا يستطيع العودة. كانت نوال تعمل في مشغلٍ للخياطة قبل أن يتوقف بسبب الحجر الأمر الذي اضطر ابنها المراهق عُمر (14 عاماً) إلى العمل في توصيل الطلبات لدى أحد المحلات لتأمين دخلٍ للأسرة ريثما ينتهي الحجر وتعود أمه للعمل. تحكي نوال عن مخاوفها الكبيرة على ابنها وهي تذرف دموعها وتقول “يخرج عمر للعمل منذ الصباح وحتى المساء، يؤلمني اضطرارنا لعمله في هذا الوقت بالذات، فالمرض من جهة ودخوله سن المراهقة من جهة أخرى، أخشى عليه من رفاق السوء والاستغلال وأخاف أن يتعلم التدخين أو تعاطي الممنوعات وأشعر بخوفٍ شديدٍ عليه وكأني أرميه بيدي للتهلكة”.
ألعاب الكترونية
سعاد (38 سنة) التي حاولت جاهدة تنظيم وقتها وأوقات أسرتها بصورةٍ دقيقة ومن مختلف الجوانب لتجعل من أطفالها (قيس 12 سنة، وصقر 10 سنوات) نموذجاً مختلفاً عن أطفال الحي الذين يضيعون أوقاتهم بالألعاب الإلكترونية، وكانت تحاول الشرح لأمهاتهن عن سوء تلك الألعاب ومخاطرها الجسدية والنفسية على الأولاد من وجهة نظرها.
كانت تسال نفسها دائماً كيف يمكن لأمٍ أن تسمح لأولادها بالجلوس لساعاتٍ طويلة أمام هذه الألعاب؟ ما الممتع في ألعاب العنف والمعارك؟
لكن بقاء الأطفال كلّ هذه المدة في المنزل وتعطّل كافة الأنشطة والنوادي التي كانت تملأ وقت الأطفال بعد المدرسة أفلت زمام الأمور من يدها بدءاً من مواعيد تناول الأسرة للطعام وانتهاء بمواعيد النوم.
تقول سعاد “حاجة ولديَّ للتواصل مع أصدقائهما في فترة الحجر جعلتني أوافق على استخدامهما للموبايل، وبدأت الأمور بالتطور وصار من الضروري تنزيل الألعاب الالكترونية كي يتشاركا مع أقرانهما اللعب أو على الأقل ليستطيعا إيجاد أحاديث مشتركة فيما بينهم والآن صارت هذه الألعاب تشغلهما طول الوقت. تغيّرت مواعيد نومهما وصارا أكثر بدانةً، وعندما حاولت حرمانهما منها وإعادة التنظيم إلى حياتنا تفاجأتُ بحجم إدمانهما على تلك الألعاب وبالعنف الكبير الذي اكتسباه سواء في التعامل معي أو فيما بينهما، إذ تحول جو الإخاء بينهما إلى أنانية وعداوة وتنافس على فوزٍ افتراضي غالباً ما ينتهي بعراكٍ وصراخ ٍحقيقي.”
علاقات على المحك
تبتسم سميرة بمرارة عندما تستمتع لأغنية فيروز “خليك بالبيت” فلم يعد هناك مكان للاشتياق بينهما، فزوجها الذي كانت تفتقد غيابه وتتمنى حضوره في البيت، أصبح بقاؤه بسبب الحجر الصحي كارثةً حقيقية أدّت لدمار هذا الزواج.
تقول سميرة: “زواجنا كان تقليدياً، كنتُ في العشرين من عمري وكان في الخامسة والعشرين، لم نعش قصة حب قبل الزواج لكن الأيام التي عشناها معاً كانت جملية لا تخلو من الاحترام والألفة، كانت أدوارنا واضحة هو ملتزم بعمله خارج المنزل (موظف صباحاً وسائق بعد الظهر)، وأنا ملتزمة بدوري كربة منزل. لا أنكر مرورنا بخلافاتٍ كأي زوجين أو افتقادي له في كثير من المواقف التي تخص تربية الأطفال كمشاكلهم في المدرسة أو صعوبات مرحلة المراهقة التي عانيت منها مع ابني الأكبر، فظروف الحياة الصعبة وخاصة فترة الحرب، والمشاكل المادية التي تعرضنا لها ككل الناس في بلدنا فرضت عليه العمل المستمر وجعلته بعيداً وغريباً عن تفاصيل المنزل. بعد بقائه في المنزل لوقتٍ طويلٍ، بسبب فترة الحجر، تحوّل إلى شخصٍ مزاجيٍ وعصبيٍ مختلفٍ تماماً عن الشخص الذي كنا نعرفه. أصبح يتدخل بتفاصيل لم يُعرها يوماً أي اهتمام كطريقة تنظيفي للمنزل وطريقة طهي الطعام ثم طريقة تربيتي وتعاملي مع الأطفال، ومَنع الأطفال من اللعب داخل المنزل وصرنا نتحرك على إيقاع مزاجه وأوقات نومه ويقظته وبرامجه المفضلة على التلفاز. كنتُ أبرر له تصرفاته “لم يعتد قضاء كل هذا الوقت في المنزل” لكن المبررات لم تعد مقبولة حين تحولت إلى عنفٍ لفظيٍ وصراخ ومن ثم إلى غضبٍ لا يهدأ إلا بضربهم، لم يبقَ أمامي من حلٍ سوى الهرب بالأطفال إلى منزل والدي الأمر الذي فاقم من المشاكل بيننا إلى حدّ الانفصال.”
من الممكن أن تكون هذه الخلافات فترةً مؤقتةً في حياة هذه الأسرة لكن من المؤكد أن انعكاساتها على الأطفال كفقدان ثقتهم بوالدهم وشعورهم بعدم الأمان لن تمحى بسهولة.
مازلنا نسير في المجهول فأزمة كورونا لم تنته بعد وربما ما هو آت أسوأ في حال تفشي المرض، لقد بات على السوريين توقع الأسوأ دوماً فليست الكورونا إلا تفصيلاً آخر في المأساة السورية، مأساة دفع الأطفال أغلى أثمانها ولا يزالون، قد يسأل طفل عن معنى جملة “خليك بالبيت” وهو بالأساس يعيش في العراء أو في مخيمات بعيدة بعدما تهدّم بيته، وقد يصح القول بأنّ الكورونا لن تصيب رئات الأطفال بالمرض والالتهابات لكنها حتماً ستبقى محفورة في ذاكرتهم ونفوسهم كفصلٍ جديدٍ من فصول مأساتهم الطويلة.
بواسطة سلوى زكزك | أبريل 28, 2020 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
كرّست جائحة فيروس كورونا نمطاً حاداً ومستجداً في شكل الحياة اليومية لأهل الأرض، يوماً بعد يوم تتسع دائرة المواجع الشخصية والعامة، الجسدية والنفسية، لا نجاة من القلق، وزمن تراجع الخوف المشحون بالضعف، زمنٌ ضئيل وضعيف ولا يعوّل عليه.
من مواطن العزاء للبشرية، أنها وقفت معاً في مواجهة تداعيات هذا الفيروس، الذي تحول إلى جائحةٍ عالميةٍ تُسابق الضوء في سرعة انتشارها. لكنّ المواجهة الموحدة لا تعني أبداً وجود أوجهٍ متطابقة من أشكال العنف التي فرضتها هذه الأزمة العالمية، أشكالٍ لا تعدّ ولا تحصى لكنها استحقاقٌ إنسانيٌ وإن تمظهر في حالاتٍ قليلة العدد نسبياً وعلى نطاقٍ ضيقٍ، ثمة مواجع خاصة وخفية، موجعة وتعني أشخاصاً محددين، غير معلنة لأنها خارج سرب المواجع العامة.
ماري سيدة في السبعين من عمرها، أرملة ولم تنجب، تعيش بمفردها في بيتٍ واسعٍ، وهي تتناول طعام إفطارها، سقط جسر الفك العلوي من فمها، باتت بلا أسنان! طبيب الأسنان أغلق عيادته خوفاً على سلامته أولاً ولأنّ المخبر الذي يصنع له الأسنان التركيبية ممنوعٌ من فتح أبوابه، كما أنّ غالبية زبائنه يسكنون في الريف، وإن كان قريباً جغرافياً لكنه مغلق بسبب التوصيف الإداري.
باتت ماري مضطرة لأن تعيش على السوائل، واسطوانة الغاز في ساعاتها الأخيرة، لم تفعل ماري شيئاً، لا أحد يمكنه إعارتها أسنانه! ولا أسنان جاهزة في السوبر ماركت أو في الصيدليات لتطلب إيصالها لها عبر خدمة التوصيل إلى البيوت، اتصلت بطبيبها، قال لها المخبر مغلق وفنيو المخبر يعيشون في الضواحي المغلقة.
لا أحد من المعنيين فكر بعيادةٍ إسعافيةٍ لمعالجة الأسنان مرفقةً بمخبرٍ للتعويضات السنية وجعلها في متناول المحتاجين لخدماتها وخاصةً من كبار السن.
بادرت أغلبية الناس وخاصة من الفئة العمرية الشابة لمدّ يد العون لكبار السن الوحيدين والوحيدات، لكن ثمة مطالب لم تخطر على بال أحد. هيام، سيدة في الثمانين من عمرها، تعيش وحيدةً أيضاً في الطابق الثاني عشر في برجٍ سكني في منطقة راقية، لا تريد شيئاً من الأطعمة أو الأدوية أو المنظفات، فطبيعتها الوسواسية دفعتها ومنذ سماعها لأول خبر عن أول إصابة بالكورونا لملئ خزائنها بالمؤن ولشراء أدويتها الدائمة عن عامٍ كامل. لكنها مشتاقة للحديث مع شخصٍ تعرفه، تثق بأخباره، وتفرح لنبرة صوته ومداعباته اللطيفة، اتصلت بسلمى، ابنة صديقتها، وطلبت منها طلباً عجيباً “أرغب بأن تزوريني اليوم يا سلمى، لكن عبر سماعة الانترفون، فأنا خائفة جدا حتى من استقبالك، فلربما نقلت لي العدوى؟” لبّت سلمى دعوة هيام، استغرقت الزيارة عشرين دقيقة، لكن المصيبة أنّ هيام باتت تطالب سلمى بزيارات مماثلة ومتكررة، وسلمى لا تملك وقتاً كافياً ولا أخباراً مطمئنة.
أشارت بعض الدراسات إلى ارتفاع نسب الإصابة بفيروس الكورونا بين الرجال بنسبة تعادل ضعف نسبة إصابة النساء، وقد اعتبرت بعض النساء الكورونا فرصة لتسخر من اهتزاز ثقة الرجال بقوتهم الجسدية في مواجهة فيروس صغير لا يُرى بالعين المجردة،
قوة يتحكم الرجال عبرها بمصائر النساء وبتفاصيل حيواتهن، ليحققوا الهيمنة بحكم القوة الظاهرة والمنسوبة للرجال حصراً، والسلطة بحكم الغلبة الجسدية والنفسية والمجتمعية، لكن هذه القوة تعرضت لاهتزازاتٍ عديدة، اهتزازاتٍ أظهرت خللا ًفي موازين القوى، مفسحةً المجال أمام تراجع قوة ذكورية تقليدية بظهور نمطٍ معزز ٍمن القوة فرضته كورونا بقوة الخوف وبسطوة الحذر الشديد.
وليد رجل خمسيني، يخافُ على صحته جداً، مهووس بالنظافة الشخصية، يزور الحلاق يوم الثلاثاء فقط، لأنه اليوم الذي يلي عطلة الحلاقين، ويذهب باكراً جداً ليكون أول زبون، ليتنعم بمنشفة تم غسلها في يوم العطلة ولم توضع على رأسٍ غير رأسه أبداً، لكنه في زمن الكورونا التزم الجلوس في المنزل، وطالب زوجته بالتسوق وبشراء الخبز وبالحصول على الأدوية والمواد المعقمة من الصيدلية تحديداً لتثبيت جودتها، وانزوى في غرفته يكاد لا يخرج منها، وكلما عادت زوجته من الخارج يطالبها بتعقيم كل شيء، حتى شعر رأسها، وهي تصرفاتٌ فاقمت من مشكلةٍ قديمة عند وليد، تحملتها زوجته تحت إلحاح الواجب كزوجةٍ مخلصة، رغم رفضه لكل طلباتها بضرورة مراجعته لطبيب نفسي، لكنها الآن باتت ممزقة بين حقها بالحياة الكريمة وبين تطرف مواقفه، مما دفعها للتوقف عن تلبية طلباته وتهديده بالذهاب إلى منزل والدتها المتقدمة في العمر، علّه يخفف من أوهامه المرضية ومن معاملتها بدونية غير مقبولة وكأنه مسموح له التضحية بها من أجل بقائه في حالةٍ من الأنانية والعدوانية لا مبرر لها وغير مقبولة. لكنّ وليد بقي أسير مخاوفه وبات حبيس غرفته وأوهامه وفقد كل إمكانيات التواصل حتى مع زوجته.
في الأزمات الكبرى، تتوجه المبادرات والأفكار والآليات نحو الاحتياجات الأكثر شمولية، نحو الخدمات المركزية ونحو الاحتياجات الأكثر أولوية حسب توصيف مراكز معالجة الأزمات.
يعمل غاندي في بيع الألبسة المستعملة، وله زبائن كثر وخاصة من السيدات، لكن قرار الإغلاق شمله وبات محكوماً بالتوقف عن العمل. أربعون يوماً مرت على إغلاق المحل، وما كان متوفراً من مالٍ نفذ، ولم يتبق منه شيئ. غلاء الأسعار يلتهم كل الموارد، والعائلة بحاجة لطعامٍ وشرابٍ ودواء، وتحت عنوان الحماية والحفاظ على الصحة العامة كان من المبّرر ترك الناس دونما مورد، حتى أصحاب الموارد المتوسطة باتوا بلا أي مدخرات، فحياة الفرد هي الأهم وصاحبة الأولوية المطلقة، لكن كيف وبماذا؟ لا أحد يملك جواباً، لأن السؤال نفسه مؤجل ولا يمتلك الأولوية القصوى.
اتصل غاندي بزبائنه، أبدى استعداده لإيصال قطع الملابس إلى بيوتهن، لكنه كان يحتاج لموافقتهن على الشراء أولاً في ظل شح مالي كبير وواسع وفي ظل المخاوف من رفض الزبائن شراء ألبسة مستعملة ربما يرتع الفيروس على سطوحها وبين طياتها. كما أنّه كان محتاجاً لمبادرةٍ من صديقٍ يملك سيارة خاصة لنقل غاندي مع بضاعته مجاناً إلى بيوت الزبائن، وكان له ما سعى إليه. حمل غاندي معه بضاعة كان قد احتفظ بها في منزله قبل الإغلاق، لكن بعد وصوله إلى أبواب بيوت زبائنه اصطدم بقلة الطلب على بضاعته، قطعة أو قطعتان في أكثر حد، والناس محرجة من المفاصلة، إحراجٌ تلمسه غاندي أيضاً وفرض عليه خفض أسعار بضاعته، لكن الرمد أفضل من العمى كما يقال، وما كسبه غاندي اليوم لن يمكنه من شراء بضاعةٍ جديدةٍ بدلاً من التي باعها، لكنه سيوفر عليه عناء الاستدانة من صديق أو قريب، في زمنٍ بات الاقتراض نادراً بل حتى مستحيلاً.
وكما تُرك العجزة منسيين في دورهم دونما احتسابٍ حتى لأعداد المتوفين منهم، ليشكل موتهم بصمت وإهمالهم وكأنهم أضاحي الفيروس الفتاك وصمة تمييز سلبي ضد فئة من المجتمع، وكما تُركت النساء وحدهن لمتابعة مسلسل المظالم الطويل، وكما تُرك الجوعى غارقين في فاقتهم في محاولاتٍ بائسةٍ منهم لترك الشوارع حيث يعيشون، وكما تُرك اللاجئون والنازحون تائهين في غربةٍ مضاعفةٍ، عُرضة للوعيد والتهديد بالترحيل أو بالموت، وكما سُرّح عشرات الآلاف من العمال، وكما تم ترحيل مخالفي الإقامات من عمالٍ أجانب لكنهم فقراء، كذلك نمت في دائرةٍ ضيقةٍ دائرة متفرعة عنها لكنها غارقة في التجاهل والنسيان وكأنها منفية خارج الزمان والمكان، توضحت في تلك الدوائر الضيقة دروب آلام ٍجديدة، مضفورةٍ بالشوك ومسيجةٍ بالعتمة.
وتجد الإشارة إلى أنّ الأزمات بحدّ ذاتها وفي خضم البحث عن حلولٍ لها أو عن كوابح تقلل من فرط مساوئها ُتنسي أصحاب القرار والمبادرات أو القائمين على حلها مرغمين وتحت وقع الصدمة التوجه نحو فئاتٍ لا تصرخ مطالبةً باحتياجاتها الإنسانية والضرورية، ويقيّم المجتمع ومراكز الخدمات والقرار هذه الاحتياجات على أنها احتياجاتٍ ثانويةٍ، مما يؤجل أو يمنع المساعدات عن أفرادٍ وإمكانية الوصول إليهم، وتتفاقم المشاكل أو مواطن النقص البنيوية لتصبح عنفاً صارخاً لا يمكن إنكاره ولا تجاهله أو الامتناع عن مد يد العون لأصحابه. ربما هنا يبرز دور المبادرات الفردية أو المجتمعية، وربما هنا يتوجب الاهتمام أو لفت النظر للفئات الأكثر هشاشة بالبنية النفسية أو بالفئة العمرية أو بحجم الاحتياج من حيث عدد الأفراد أو طبيعة العمل، أو المكان، خاصة عندما يتحول المكان بحد ذاته كمكان السكن أو العمل إلى مصدرٍ للعنف يساهم في تكثيف تغييب الخدمات أو يفاقم من صعوبات الوصول إلى الاحتياجات مهما بدت ثانوية أو قابلة للتأجيل.
وربما هنا تصبح الأزمات الكبرى مجالاً رحباً للإبداع الإنساني الفريد من نوعه والمتميز في أشكاله، في محاولة نوعية لتلبية المسكوت عنه، المخفي أو غير المعلن، لكنه احتياجٌ صارخٌ ولابدّ من تلبيته.
بواسطة Alia Ahmad | أبريل 25, 2020 | Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
بعد انتشار فيروس كوفيد-19 (كورونا)، امتد الحظر الصحي ليشمل معظم دول العالم، مخلّفاً آثاراً اجتماعية واقتصادية ونفسية يجهد الأخصائيون للبحث فيها، والعمل على تخفيف التداعيات الناتجة عنها قدر الامكان. ففي ألمانيا التي يبلغ عدد سكانها حوالى 83 مليون نسمة، تستمر القيود المفروضة للحد من انتقال العدوى، إذ بلغ عدد الإصابات وفق البيانات الرسمية المسجّلة حتى يوم 15 نيسان/أبريل 133.154 حالة، تماثل أكثر من نصفهم للشفاء فيما توفّي نحو 3600 شخص، مع ملاحظة تراجع عدد الإصابات المسجّلة يوميا، مما يؤكّد جدوى هذه القيود ودورها في تقليل عدد الإصابات.
يعدّ إغلاق المؤسسات التعليمية المستمرّ في ألمانيا منذ 16 آذار/ مارس إحدى أكبر الخطوات لدرء خطر انتشار الفيروس، باعتبار أن المدارس والجامعات أماكن تجمعات يومية لأعداد كبيرة قد تنتشر فيها العدوى كالنار في الهشيم. لكن لا بد من تبعات لهذا الإجراء، فالأرقام تشير إلى تضرّر ما لايقلّ عن 11 مليون تلميذ وتلميذة في المدارس العامة والمهنية، عدا عن طلاب الجامعات. ويخشى طلاب السنوات الدراسية الأخيرة أن يتسبب إغلاق المدارس في حرمانهم فرص النجاح في امتحاناتهم النهائية. ورغم اللجوء إلى خطة طوارئ عاجلة عملت الكوادر التدريسية عليها بجهد ملفت للنظر، إلا أن اعتمادها على التكنولوجيا والتعليم الرقمي، جعل عيوبها واضحةً للعيان بعد أسابيع قليلة من الحظر، وظهرت تحدّيات كبيرة خلال تنفيذ الخطة التي لم تخضع من قبل للتجربة. فإضافةً لضعف شبكة الإنترنت في مناطق عديدة من ألمانيا، لايتقن كثير من المعلمين آليات التعليم الرقمي، فهم لم يتدربوا عليها وفق ما صرح مختصون بالتعلم الرقمي، عدا أن المواقع التعليمية التابعة لوزارة التعليم تعرّضت لضغط كبير على الشبكة مما أثّر على جودة أدائها المتواضع أصلاً.
في الوقت نفسه يفتقر طلاب كثيرون إلى الأدوات اللازمة لإتمام العملية في المنزل. فإن امتلك غالبية الطلاب- وليس جميعهم – هواتف ذكية، لكنّهاغير كافية ولابد من كمبيوتر لاستخدام برنامج التعلّم الرقمي بالشكل الأمثل، وهو غير متوفر عند الجميع. كما أن كثيراً من أوراق العمل المرسلة بالبريد الالكتروني تحتاج للطباعة من أجل حلّها ثمّ مسحها ضوئياً عبر (سكانر) وإعادة إرسالها للمعلم/ة، ولا يمتلك الجميع كل هذه المعدات في المنزل. المشكلة الأُخرى تسببها الواجبات غير الواضحة التي يجهد الأهل في محاولة فهمها من المعلمين كي يساعدوا أطفالهم فيها، وصعوبات غيرها لاتنتهي، كعدم رغبة الأطفال بالقيام بهذا الكمّ من الواجبات المملة والمكرّرة لمراجعة ما تعلّموه سابقاً، أو تلك الجديدة الصعبة التي ليس من السهل على الأهل شرحها لهم.
الأطفال اللاجئون ونتائج الحجر الصحي:
ماسبق مشكلات يعاني منها الطلاب جميعاً، لكنّها تتضاعف عند الأطفال اللاجئين في نواحٍ مختلفة لعدة أسباب، مسفرةً عن نتائج تزداد سوءاً مع تمديد فترة الحجر الصحي. فالأطفال الذين وصلوا ألمانيا قبل سنوات قليلة ولم تزل ذاكرتهم غضة تغصّ بمعاناة الهروب من الخطر عبر طريق الموت، بدؤوا يعيشون مجتمعاً جديداً مختلفاً بقيمه ومعاييره، ودخلوا المدارس وأجادوا اللغة الألمانية بسرعة قياسية فبدؤوا يفكرون بها ويتواصلون مع محيطهم من خلالها حتى كادت تزيح اللغة الأم من عقولهم تدريجياً، رغم محاولات الأهل الحثيثة التحدث معهم بها. غالبية هؤلاء غدوا الآن مراهقين، واتسعت الفجوة بين الأهالي وأبنائهم، ففقدوا دورهم في العملية التعليمية والتربوية التي تفترض شراكة ثلاثية الأبعاد ما بين الطفل والمدرسة والأهل.
يعمد المهتمون من الأهل للبحث عن وساطة لغوية للاطلاع على أوضاع أطفالهم المدرسية، لكنّ صعوبة وتكلفة ذلك جعلت كثيرين ينكفئون عنه، منصرفين لحل التعقيدات البيروقراطية التي تواجه حياتهم اليومية، في بلد يعتمد على الورقيات المعقدة التي يعجز الألمان أنفسهم أحياناً عن فهمها ومتابعتها، كما يتغيبون حتى عن حضور اجتماعات أولياء الأمور لعدم توفّر الترجمة دوماً، ويبقى الطفل وحيداً مع مدرسته.
في الوضع الراهن تعيّن على الأهل التواصل مع المدرسة من جديد، ومع الفجوة اللغوية القائمة عجز معظمهم عن متابعة العملية التعليمية عن بعد، والتي تحمل صعوباتٍ حتى بالنسبة للأطفال الالمان كما ذكرنا. بينهم من لا يملك حتى بريداً الكترونياً لتلقّي أوراق العمل وتعليمات المعلمين ونصائحهم، فضلاً عن التسجيل في المواقع التعليمية التي تبدو أشبه بالأحجية عند عدد لايستهان به منهم. البرامج التوضيحية والفيديوهات على اليوتيوب ليست كافية لأن غالبيتها تقدم باللغة الألمانية، وبالتالي لايستطيع الأهل فهم الواجب المطلوب وشرحه للطفل. قد يتمكن بعض الأطفال من تدبر أمرهم دون الاستعانة بالأهل، لكن هذا لاينطبق على جميع الأطفال ولا على المراحل التعليمية جميعها، وهكذا يخسر أبناء اللاجئين وقتاً ومعلومات وفرصاً كثيرة، وتُلقى على عاتقهم أعباء وتحديات سيتحتم عليهم مواجهتها والتعامل معها بعد العودة إلى المدارس.
آثار الحجر الصحي لاتقتصر على الجانب التعليمي عند الأطفال اللاجئين، بل تمتد إلى قضية أكثر تعقيداً وعمقاً هي حجرهم مع أسرهم التي أصبحت تمثل لغالبية الأبناء، وخاصة المراهقين، مجتمعاً موازياً مختلفاً عن مجتمع الأقران والمدرسة، فالهوية متعددة الألوان بدأت تتشكل عندهم، وبعض ألوانها لا يلقى القبول نفسه في كلا المجتمعين، مما يؤدّي لاختلال التوازن وفقدان كثير من عناصر استقرارها أثناء الحجر.
البقاء في البيت مع العائلة ضمن مساحات صغيرة معظم أوقات اليوم، ليس سهلاً على أطفال اعتادوا تمضية نحو سبع ساعات وسطياً كل يوم، تتضمّن برنامجاً منظمّا وأنشطة متنوّعة لا تتوفر في الظروف الحالية، مما يشكّل ضغطاً جديداً تسبّبه مقارنات لا تنتهي: فهم مركز مقارنة في المدارس لاختلافهم، كما يقارنون حياتهم مع حياة أقرانهم وقيمهم وعاداتهم، بدءا بالمأكل والمشرب والملبس، وليس انتهاءً بعلاقات السيطرة والعنف بأشكاله وتعارضها مع ما تعلّموه من حقوق. لذا فإن بعض الأطفال والمراهقين/ات، وقد عرفوا جيداً حقوقهم القانونية وأبعادهم في المجتمع الجديد، لا يتردّدون في اللجوء إلى الشرطة أو مكتب الشباب، وهو ما قد يعرضهم لمزيد من العنف يزيد الطين بلة، في عائلات تسعى بكل السبل لحماية صورتها وتقاليدها وهويتها.
إنها حقاً مفارقة كشفت فترة الحجر عن اتساع نطاقها في أوساط اللاجئين. آلاف العائلات اضطرّت إلى هجر موطنها وسلكت طريق اللجوء لتحمي أطفالها، والآن يضطر الأطفال أنفسهم للهجرة عن ذويهم نفسياً نتيجة ضياع اللغة وفقدان التواصل بينهم، ليقضي كثيرون منهم أثناء الحجر حجراً مضاعفاً من نوع خاصّ، لحماية أنفسهم لا من كورونا بل من آثار اغتراب وتصدع نفسي.
بواسطة Safi Khattar | أبريل 21, 2020 | Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
تنتشر بعض العبارات التي نسمعها بكثرة هذه الأيام حول “وصفات سحرية تشفي من الأمراض” أو “علاج طبيعي دون دواء” وغيرها الكثير، وخصوصاً في ظل انتشار وباء كورونا الذي اجتاح العالم وما رافقه من حالات الإحباط والخوف التي سيطرت على الجميع، بالإضافة إلى كشف هشاشة الكثير من الأنظمة الصحية وعجزها حيال الوباء، مما ساعد في انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة حول وصفات طبية وخلطات أعشاب وغيرها فيما يسميه البعض بالطب البديل.
علاجات بالطاقة أو باليوغا
في أغلب المدن يوجد نوادي ومراكز للعلاج باليوغا، الأمر الذي يُعد إيجابياً وله نتائج جيدة في أغلب الأحيان في تخفيف الضغط والتوتر من خلال ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل التي تساعد كثيراً في علاج الاضطرابات النفسية وتحسن المزاج العام؛ إلا أن الموضوع لم يقف عند حدود كونه رياضة فقط لها تعاليمها وأصولها بل تعدى ذلك للدخول بما يسميه البعض علوم الطاقة والروح وقدرات الجذب والبرمجة اللغوية العصبية وغيرها من المسميات التي تُصنف ضمن ما يعرف بالعلم الزائف حيث لا يوجد أي أدلة علمية تُثبته. الخطورة هنا هو عندما يتم التعامل مع هكذا نظريات بوصفها علوماً حقيقية وتصديقها بشكل كامل ورفض كل ما عداها وتفسير كل ما يحصل في حياة الفرد والمجتمع وفق تصوراتها فقط، فالفشل والحظ السيئ والمرض والفقر وكل ما يمكن أن يحدث من إشكاليات في الحياة يكون سببها فقط خلل في نظم الطاقة داخل الجسد على حد تعبيرهم. وكثيراً ما نرى هؤلاء وقد اقتنعوا بأن كل ما يحدث من ظواهر ومشكلات مردها إلى نظرية المؤامرة دون أخذ الأسباب الموضوعية والعلمية الكامنة وراءها.
(سليمان 41 عاماً، مهندس) أحد هؤلاء المقتنعين بهذه النظرية وقد حاول جاهداً إقناعي بصحة أفكاره دون أن يسمح لي بالرد عليه ومناقشته “بحجة جهلي لهذه العلوم وبأن طاقتي سلبية تجلب لي المشاكل دوما”. سليمان مقتنع تماماً بأن فيروس كورونا هو لعبة دولية وتضخيم إعلامي للتغطية على مشاكل أخرى وأن سبب المرض ليس بفيروس بل هو الموجات ذات التردد العالي لشبكات الجيل الخامس للإنترنيت، ولم تفلح معه كل الحجج التي قدمتها له وبقي مصراً على رأيه، وما أدهشني حقاً وأغضبني بنفس الوقت هو قراره بالامتناع عن تقديم اللقاحات لابنته الصغيرة بحجة أنها من ضمن ممارسات المؤامرة الكونية على البشرية وبأن الموضوع ليس أكثر من كذبة كبيرة لخداعنا، ما دفعني بالنهاية لان ألجأ لتهديده بالشكوى عنه إذا لم يتراجع عن قراره.
انتشار الشائعات بهذه الطريقة له أسبابه المعروفة والمفهومة أيضا وخصوصا عند الفئات الأقل تعليماً في المجتمع، لكن ما يثير الاستغراب حقا هو انتشار هذه الشائعات بين الأوساط المتعلمة والحاصلة على شهادات عالية، فكم كانت دهشتي كبيرة عندما سمعت طبيب الأسنان الذي أتعالج عنده وهو يفسر جائحة كورونا على أنها خدعة ومؤامرة بين الدول وأن الفيروس سلاح حربي مصنّع في المختبرات في الوقت الذي لا يعير أي اهتمام للتقارير الطبية والعلمية والإحصاءات الدولية التي تتكلم عن الوباء، كذلك الأمر مع جاري الصيدلاني الذي أصر على البقاء في المنزل ريثما ينتهي تأثير غاز السارين وتنتهي التجارب الكيمائية التي تنفذها الدول، مصدقا ما يشاع عن ذلك وبأن الفيروس لا وجود له من الأساس.
طب الأعشاب
ينتشر استخدام الأعشاب العطرية والطبية وخلطات الزهورات بشكل واسع لدى غالبية السوريين إما بتناولها كمشروبات ساخنة أو بإضافتها للطعام، لكن الأمر تعدى ذلك إلى اعتبارها أدوية تستطيع شفاء جميع الأمراض. وعن مخاطر هذه الادعاءات يقول (مازن، طبيب مخبري، 55 عاماً): “إن التعامل مع الأعشاب الطبية بوصفها علاجاً فيه الكثير من المغالطات والأخطار أيضاً، وخصوصاً عند اعتبارها بديلاً للأدوية، فالبعض يقوم أحيانا بإيقاف الأدوية واللجوء لخلطات الأعشاب مما يشكل خطراً حقيقيا قد يصل للموت أحياناً، إن العلاج بالأعشاب موجود منذ القديم وحتى اليوم وهناك شركات أدوية متخصصة في ذلك في أغلب الدول المتقدمة تُقدم خلطات أعشاب طبية بناء على تجارب ودراسات علمية تُحدد فاعليتها وآثارها، لكن للأسف لا يوجد لدينا شركات أو معاهد مماثلة، وفي أفضل الأحوال تبقى في حدود الخبرة الشخصية لبعض الأفراد.”
وتنتشر العديد من البرامج في محطات التلفزيون لأشخاص يُقدمون خلطات عشبية تُداوي أي مرض على حد زعمهم بما فيها الأمراض المستعصية كالسرطان مثلاً، وكذلك الأمر بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي حيث نرى الكثير من المواقع والصفحات تقوم بتقديم وتسويق الأمر ذاته. وبحسب رأي الدكتور مازن أيضاً فإن “المعلومة المتداولة بين الجميع عن أن الأدوية الطبيعية أو خلطات الأعشاب هي آمنة وبأنها في أسوأ حالاتها إذا لم تنفع فهي لا تضر هي معلومة خاطئة بالمطلق وتشكل خطراً حقيقياً على كثير من المرضى، فهناك العديد من الأعشاب التي لها تأثيرات قد تفاقم المشكلة الصحية دون أن ينتبه المريض، لذا أنصح الجميع بعدم استعمال أي خلطات عشبية على أنها أدوية فعالة والاكتفاء بتناول بعض الأعشاب كالنعناع والبابونج وغيرها من المشروبات التي يتناولها الجميع عادة دون أي ضرر وبكميات محدودة.”
كثيراً ما نسمع عن حالات تعرض فيها البعض لأخطار كبيرة نتيجة الجهل بالموضوع وتطبيق وصفات للتخلص من أوجاعهم بحيث تنتهي بهم القصة لمشكلة أكبر في أغلب الأحيان كما حدث مع أحد أقاربي عندما وصف له أحد المعالجين بالأعشاب بأن يضع نبات القريص مع مهروس الثوم على ظهره ليلة كاملة ليتخلص من آلام الفقرات، فكانت النتيجة حرقاً شديداً وحساسية كبيرة في الجلد بقي قرابة الشهر يُعالجها.
المعالجة بالغذاء
تعتبر نوعية الغذاء وتوازنه عاملاً حاسماً في الحفاظ على صحة جيدة، وكثيراً ما نسمع الأطباء يرددون بأن المعدة هي بيت الداء والدواء، لذلك فإن تطبيق حميات معينة في بعض الأمراض يكون أمراً ضرورياً و إلزامياً وخصوصاً فيما يتعلق بأمراض كالحساسية أو الهضم أو السكري أو ارتفاع الضغط وغيرها، لكن بشرط أن تكون هذه الحميات مترافقة مع العلاج الطبي ومتممة له.
(غادة، 41 عاماً، خبيرة تغذية) قُمت بزيارة عيادتها بسبب فضولي الكبير حول الموضوع من جهة وشهرتها وسمعتها الجيدة في هذا المجال من جهة أخرى، لم تبخل علي بالإجابات رغم كثرة أسئلتي وبدا لي لأول مرة أن الإجابات المقدمة منها مُقنعة وعلمية على عكس الكثير ممن يدعون الخبرة في هذا المجال خصوصاً وأن لي تجربة شخصية مع العلاج بالغذاء والحميات. تقول غادة: “إن عبارة غذاؤك دواؤك التي نسمعها كثيراً هي صحيحة بالعموم، فتنوع الطعام وتحديد كميته ووقته له الأثر الأكبر على الصحة، وما أراه اليوم من سوء التغذية الشديد لدى الكثيرين يُشعرني بالعجز والحزن، ويصبح الكلام عن تحقيق تغذية متوازنة أو علاج بالغذاء كمن يطلب المستحيل ويقابله الناس عادة بالكثير من التهكم والسخرية، فلتحقيق تغذية جيدة وصحية لأسرة من 5 أشخاص نحتاج لـ 300 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى وهو رقم يُعتبر أعلى كثيراً من دخل أغلب الأسر السورية.”
وتُضيف غادة: “يتم التعاطي مع العلاج بالغذاء بصورة خاطئة وخاصة اليوم في ظل انتشار الكورونا، فلا يوجد أي غذاء أو حمية قادرة على الشفاء من الأمراض أو أن تكون بديلاً لأي دواء، مجمل الموضوع أن النظام الغذائي الصحي والمتوازن يجب أن يتحول إلى نمط حياة متكامل بالنسبة للجميع حينها يكون له الدور الأكبر في تقوية المناعة وبناء نظام صحي فعال.” وبالنهاية تبقى هذه الوصفات والعلاجات تكميلية لها فوائدها في تخفيف بعض الأعراض والمساعدة على الشفاء، إلا أنها تتحول إلى مشكلة حقيقية إذا أسيئ استخدامها أو تم اعتبارها بديلاً عن الطب.
.Photo by Content Pixie on Unsplash*
بواسطة Ghassan Nasser | أبريل 14, 2020 | Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
وسط القلق العالمي المتزايد على وقع تفشي جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد 19) وما رافقها من آثار وتهديدات على مستويات عدة؛ أعلنت حكومة النظام السوري في 23 آذار/ مارس الماضي عن وصول فيروس (كوفيد 19) إلى سورية رسميًا، لتكشف وزارة الصحة في دمشق السبت 11 من الشهر الجاري، عن ست إصابات جديدة بالفيروس ليرتفع عدد المصابين المعلن عنهم حتى الآن إلى 25 إصابة، إضافة لـوفيتين. رغم أنّ تقارير صحفية نشرتها مواقع إعلامية معارضة تحدثت عن إصابات أخرى سعى النظام للتكتم عليها.
مع مطالبة حكومة عماد خميس، قبل أسبوع، تشديد تطبيق إجراءات الحظر المفروض في جميع المناطق لتقييد الحركة والحد من التجمعات التي من شأنها التأثير سلبًا على السلامة العامة. وعزل بلدة السيدة زينب في ريف دمشق، غير البعيدة عن مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين (السيدة زينب، والحسينية، وسبينة)، تزايدت مخاوف نحو 280 ألف لاجئ فلسطيني ممن بقوا في سورية بعدما دفعت حرب “الأخوة والحلفاء” على مدار السنوات التسع العجاف قرابة الـ 190 ألف لاجئ للهجرة خارج سورية. ومجددًا بات يشعر هؤلاء اللاجئون أنّهم يواجهون محنة جديدة وحدهم، وهم يعيشون أوضاعًا صعبة بسبب تدهور الاقتصاد السوري والتهجير وقلة مواردهم المالية وضعف المساعدات والرعاية الصحية والاجتماعية والخدمية المقدمة لهم من قِبل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل الفلسطينيّين (الأونروا).
- صورة قاتمة لحياة نحو 280 ألف لاجئ فلسطيني..
في ندائها الطارئ لعام 2020 بشأن الأزمة السورية أعلنت وكالة (الأونروا) أنّ “91% من أسر اللاجئين الفلسطينيين في سورية تعيش في فقر مطلق، وأنّهم يعتمدون على المساعدات المقدمة لهم”. مبينة أنّ “النزوح والخسائر في الأرواح وفقدان سبل كسب العيش وارتفاع معدلات التضخم وتناقص قيمة الليرة السورية _ (سجّلت الليرة السورية خلال الأيام الماضية أمام الدولار الأمريكي الواحد في سوق دمشق الموازي (السوداء) سعر 1285 ليرة للمبيع، و1275 للشراء) _، وكذلك تقلبات أسعار السلع الأساسية وتدمير المنازل والبنى التحتية والقيود المفروضة على الحركة في بعض المناطق من بين العوامل العديدة التي فاقمت مجالات الضعف القائمة لدى اللاجئين الفلسطينيين الذين ظلوا في البلد”.
وبحسب هيئات ومنظمات حقوقية فلسطينية، فإنّ تجمعات ومخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الخاضعة للنظام السوري تضم حاليًا، نحو 280 ألف لاجئ السواد الأعظم منهم يعيشون ظروفًا اقتصادية، وصحية سيئة مع نقص حاد في جميع متطلبات الحياة الأساسية.
اللاجئون الفلسطينيون في مدينة دمشق وريفها يشتكون، بحسب ما ذكر الناشط الفلسطيني الميداني (ن. ص) من أبناء مخيّم اليرموك لـ”صالون سوريا”، إنّه “في ظل جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية المتخذة من قبل حكومة النظام، التي تحظر التجول لساعات طويلة في اليوم منذ أكثر من أسبوعين وتحث على البقاء في البيت للوقاية من الفيروس القاتل، دون أن تقدم لهم الدولة السورية أو وكالة الغوث أو منظمة التحرير (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) والسلطة الفلسطينية في رام الله، أو القوى والفصائل الموجودة في دمشق أو في رام الله أو في قطاع غزة، أيّ مساعدات مالية أو غذائية أو طبية ما يزيد من تفاقم أزماتهم المعيشية”.
فيما قال الناشط (أبو أحمد منصور) من أبناء مخيّم خان الشيح بريف دمشق، إنّ مجتمع اللاجئين من النازحين عن بيوتهم في المخيّمات التي تضررت جراء الحرب، يشتكون من ارتفاع إيجارات المنازل في أماكن نزوحهم في مختلف المخيّمات والمناطق بدمشق وريفها، ومن عدم قدرتهم على دفع المستحقات المترتبة عليهم للدولة من فواتير كهرباء وماء وهاتف، وذلك جراء توقف عدد كبير من أبنائهم وبناتهم عن أعمالهم/ن، وانتشار البطالة بينهم/ن، وعدم وجود مورد مالي ثابت، حيث أنّ غالبية العاملات والعاملين منهم كانوا يعتمدون على ما يحصلون عليه من أجر يومي من أرباب العمل أو من أعمالهم الخاصة ومشاريعهم الصغرى”.
من جهته، قال مراسل (مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية) في محافظة حماة، إنّ “أهالي مخيّم العائدين للاجئين الفلسطينيين في حماة تزداد مخاوفهم، مع ازدياد فترة الحجر الصحي المفروض مما يزيد من الأعباء المادية خاصة لدى أصحاب العائلات الكبيرة محدودة الدخل، عداك عن تأخر مساعدات (الأونروا) وازدياد سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، حيث تعتمد الأغلبية الساحقة من أبناء المخيّم، على المساعدات الإغاثية والمادية، التي تقدمها وكالة الغوث بشكل خاص كما يعتمد البعض على الأعمال الخاصة والحوالات المالية من ذويهم خارج البلاد”.
هذا ويشار إلى أنّ مخيّم حماة يحوي قرابة الـ 7 آلاف من اللاجئين الفلسطينيين، وحوالي 2000 مهجر فلسطيني من عدة مناطق، ويفتقر للعديد من مقومات الحياة الأساسية، والبنى التحتية.
- نداءات استغاثة ومبادرات شعبية..
أمام هذا الوضع المعيشي المأساوي الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سورية، والذي لا يختلف عن ما يعيشه المواطن السوري عمومًا، أطلقت هيئات إغاثية وحقوقية وناشطون ميدانيون من أبناء المخيّمات، بيانات ونداءات استغاثة خلال الأسابيع القليلة الماضية، يشتكون فيها من التهميش والحرمان والاستثناء من المساعدات المالية والغذائية والطبية التي تقدمها الدولة السورية ومنظمات دولية، محملين مسؤولية التقصير تجاه أوضاعهم إلى وكالة (الأونروا) بالدرجة الأولى وإلى منظمة التحرير، بصفتها (الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني)، وكذلك إلى كافة القوى والفصائل الفلسطينية التي أغلقت آذانها عن سماع النداءات المتكررة، التي يطلقها الناشطون والهيئات لمد يد العون والمساعدة لهم.
بدورها أطلقت “لجنة متابعة شؤون المهجرين الفلسطينيين في البقاع الأوسط والغربي” في لبنان، الخميس الماضي، نداء استغاثة طالبت فيه (الأونروا) والهيئات الدولية والفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية والمؤسسات المحلية بالدعم الاقتصادي والصحي للاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان.
وقالت “اللجنة” حول أوضاع الفلسطينيين في سورية، إنّها “تزداد صعوبة على المستوى الاقتصادي”، مشيرة أنّ “(الأونروا) وحتى هذه اللحظة، لم تتمكن من مواكبة الاحتياجات المتزايدة الناتجة عن التداعيات السلبية لوباء كورونا وما شكلته من تحد جديد أمام اللاجئين”. وطالب النداء وكالة الغوث أن “ترفع صوتها باتجاه الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية المختلفة للمطالبة بمد يد المساعدة.
النداء دعا إلى المبادرة لفتح مسارات دعم جديدة وتوسيع قاعدة المانحين، محذرًا من بقاء الواقع الاقتصادي الراهن لفلسطينيي سورية على حاله لجهة زيادة حالة الإفقار”. كما طالب “لجنة متابعة شؤون المهجرين الفلسطينيين في البقاع الأوسط والغربي، بـ “التعاطي مع تداعيات وباء كورونا بشكل جدي ورفع درجة الجهوزية على مستوى جميع أقسام (الأونروا) في سورية، سواء ما له علاقة بتجهيز وتأهيل مراكزها الصحية البالغ (26) مركزًا وتجهيز مراكز خاصة بالحجر الصحي تراعي المعايير الصحية المعتمدة، أو على المستوى الاقتصادي برفع قيمة المبالغ المقرة، خاصة في ظل إجراءات العزل المنزلي في إطار عمليات الوقاية”.
فضائية “فلسطين اليوم” من جهتها، أطلقت بعد منتصف نهار يوم الخميس، بالتعاون مع “الهيئة الخيرية لإغاثة الشعب الفلسطيني” التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، حملة “تكافلوا” لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في سورية، للتخفيف من معاناتهم بسبب جائحة “كورونا المستجد” وآثاره السلبية على الحياة المعيشية لمجتمع اللاجئين. ودعت “الهيئة الخيرية” المؤسسات والهيئات الإغاثية والإنسانية والميسورين وكل من هو قادر للمساهمة والمشاركة في هذه الحملة.
كما طالب ناشطون فلسطينيون في سورية ولبنان وتركيا بإحداث “صندوق دعم للإغاثة العاجلة” تحوّل إليه أموال من الميسورين من أبناء المخيّمات الفلسطينية في سورية وغيرهم من المحسنين الفلسطينيين لدعم المحتاجين المتعففين في المخيمات أو في أماكن تواجدهم في دمشق وريفها وفي كافة المحافظات وفي مخيّمات النازحين في الشمال السوري وفي المخيمات الفلسطينيّة في لبنان خاصة قُبيل شهر رمضان المبارك.
وكالة (الأونروا) أعلنت الأربعاء الثامن من الشهر الجاري، على لسان الناطق باسمها سامي مشعشع، أنّها حصلت على أقل من 4 مليون دولار من أصل مبلغ قيمته 14مليون دولار كانت قد طلبته لتغطية احتياجات اللاجئين في مواجهة جائحة كورونا، كما قامت بتدوير المبالغ الموجودة لديها، لسد احتياج المخيّمات الأساسية، من معقمات ومواد تنظيف وسلل غذائية، وأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة، في عدد من مخيّمات لبنان وسورية وقطاع غزة.
وأوضح مشعشع، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للوكالة الأممية، أنّ “(الاونروا) بصدد عقد اجتماع يوم 15 نيسان/أبريل الجاري، بالتنسيق بين الأردن، والسويد لحث الدول على دعم الوكالة لمواجهة فيروس (كوفيد-19)، مبينًا حجم الأوضاع الكارثية التي لا يثيرها الإعلام وتعيشها مخيّمات سورية أصلًا قبل الجائحة.
وكانت (الأونروا) أطلقت نداء سابق مع بداية جائحة كورونا، بينت فيه حاجتها لمبلغ 270 مليون دولار لإدارة خدماتها الطارئة في سورية.
من جهته قال مدير “جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني” في سورية، عاطف إبراهيم، الجمعة، إنّ “الهلال الأحمر قام بعدة تدابير احترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد، كان أبرزها محاضرات طبية تخصصية للكادر الطبي ودورات توعية لعدد من الأشخاص الفاعلين بالمخيّمات والتجمعات الفلسطينية. بالإضافة لطباعة منشورات وملصقات توضح طرق الوقاية، وأعراض الفيروس، تم توزيعها على الأهالي في المخيّمات والتجمعات الفلسطينية، وتجهيز المراكز الطبية والمستشفيات التابعة للهلال بالمستلزمات الطبية ومواد التعقيم بكميات تكفي لمدة ستة أشهر”. وحدد إبراهيم مراكز الهلال الأحمر الفلسطيني التي تقدم خدمات للاجئين الفلسطينيين مجانًا وهي: “مخيّمي اليرموك وخان دنون، وبلدة يلدا، ومحافظتي حماة واللاذقية”، إضافة إلى مستشفيي بيسان في حمص، ويافا بدمشق.
- وما يزال (تعفيش) مخيّم اليرموك مستمراً..
جائحة كورونا وما ستجره من ويلات على السوريين والفلسطينيين في سورية في حال انتشر الوباء في البلاد -كما تتوقع منظمة الصحة العالمية- غيّر من كل شيء في مؤسسات الدولة وبنى المجتمع المنهك من ويلات الحرب التي لم تنته فصولها بعد، إلّا أنّه لم يغير من سلوك عناصر أمن النظام الذين عرف عنهم سلب ونهب بيوت المهجرين قسرًا وبقوة السلاح من مناطقهم ومدنهم.
ناشطون ميدانيون فلسطينيون في مخيّم اليرموك، نقلت عنهم “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سورية”، مقرها لندن، السبت، قولهم إنّ ظاهرة ما تسمى “بالتعفيش” وسرقة منازل وممتلكات المدنيين في مخيّم اليرموك لا تزال مستمرة، من قبل عناصر الأمن السوري وبعض المدنيين من المناطق والبلدات المتاخمة للمخيّم. وأضاف هؤلاء بشكل تهكمي: أنّ “كورونا أوقف وشل حركة العالم بأسره إلّا السرقة (التعفيش) في مخيّم اليرموك”، مشيرين إلى أنّ “أحد سكان المخيّم رأى أول أمس (الخميس) أثناء محاولته الدخول لرؤية منزله سيارات كبيرة تخرج من بوابة المخيّم الرئيسية محملة بأنواع مختلفة من المسروقات من بيوت الأهالي”.
وكان ناشطون، وفقًا للمجموعة، أكدوا في وقت سابق أن عناصر الأمن السوري لا زالوا حتى اليوم يقومون بـ(تعفيش) بيوت المخيّم، في ظل منع سكانه من العودة إليه رغم صدور قرار حكومي يقضي بذلك.
بدورهم طالب سكان مخيّم اليرموك السلطات السورية والجهات المعنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ووكالة (الأونروا) بالعمل على إعادتهم إلى منازلهم وممتلكاتهم، للتحفيف من أوضاعهم المعيشية القاسية التي يشتكون منها، نتيجة وباء كورونا وغلاء الأسعار وارتفاع آجار المنازل الذي أنهكهم من الناحية الاقتصادية وزاد من معاناتهم.
بواسطة عامر فياض | أبريل 8, 2020 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
This article is published as part of the Salon Syria Roundtable: War on Corona: A New Fateful Battle for the Syrians
Despite procedures taken by the government to tackle the Corona virus outbreak like closure of schools and universities; suspension of work for most official employees; cessation of public transport; closure of restaurants, cafés, and commercial shops; nighttime curfew; and a ban on transportation between governorates, and despite a statement by the United Nations saying that the situation in Syria could be catastrophic and the increase of infected cases to ten, including two deaths, many people in Damascus do not care about all of that, as streets in the daytime are full of pedestrians, honking cars, and calls of street vendors.
When I looked out of my balcony and saw all these people moving about in the streets, I asked myself “aren’t these people afraid for their lives? Doesn’t the Corona virus scare them? Why don’t they quarantine themselves in their homes just like most of the people around the world?” The answer then came to me from their exhausted faces and weary footsteps. Simply put, they are like no other people in the world. They resemble no one except for their country, which has suffered from the epidemic of war, besieging them for nine years and forcing them to experience countless forms of death.
The Poor Do Not Even Have the Option to Be Afraid of Corona
At seven in the morning, Abu Abdullah sweeps the street in front of a few grocery stores, which were exempt from the closure decision, he then carries the trash to a cart using his hands. He does not use a mask or gloves, for he does not give attention to the epidemic. “We have been playing with death for nine years. We escaped it more than once. I do not think God Almighty will kill us with an invisible virus,” he said.
Abu Abdullah is not an employee of the municipality. He performs these tasks in exchange for some money from the owners of these shops, in addition to vegetable and fruit leftovers and dry bread, which they give him for free.
Not far from Abu Ahmad and in front of a kiosk that sells government subsidized bread, dozens of people gather in a gruesome crowd. A quick glance reveals that most of them are poor and destitute. I stopped a woman who has just come out of the crowd as she angerly removed her scarf off her faces, which she was using as an alternative for a mask and asked her if she feared being present in crowded places. “If I could buy normal [unsubsidized] bread, I wouldn’t come here. The price of a bundle of that bread is seven hundred Syrian pounds, which is enough to cover the cost of an entire meal for me and my family. We, the poor, are prohibited from being afraid of the epidemic,” she replied.
Adnan, a child working as a delivery boy for a supermarket, is also fearless of the Corona virus. He wears his mask and carries on with his work with a smile on his face. He climbs the stairs of dozens of buildings carrying the orders of customers who chose to stay at home for fear of their safety. This is a choice that Adnan and his brother, who works in a similar job, cannot have because they are the only breadwinners of their displaced family suffering from grave living conditions.
Behind a small cart selling strawberries and green almonds stands Abu Ghassan wearing a mask and gloves and shouting out for his few goods. He is convinced of the importance and necessity of the quarantine, but he cannot do it himself. “I wish I could stay at home and relax from the epidemic nightmare that daunts upon me while I am working. I must deal with dozens of customers every day. However, if I stay at home, I might survive the Corona virus, but I will not survive the hunger,” he said.
With the start of the Stay at Home campaign and the nighttime curfew a few days ago, and in a dramatic scene, most roasteries I passed by were packed with customers buying enough supplies of nuts and salty treats to last them for days or even weeks in preparation for the home quarantine. Outside one of these roasteries stood an old man begging pedestrians and customers walking out with their bags, “help me, may God keep Corona away from you,” he was saying. A few meters away, a child was lying on the sidewalk wearing worn-out clothes with no care in the world about this epidemic.
Corona Threatens the Livelihood of the Poor
In one of the squares in the city of Jaramana, Abu Shaker, a taxi driver, waits for more than two hours for passengers, who have become almost non-existent, to get into his car, which he sterilizes a number of times every day. “Our work suffered after the decision to close restaurants, markets, and commercial shops. People’s movement was paralyzed to a great extent. Fear also found its way to their hearts and they are now afraid to take a taxi because they are concerned of getting infected with the virus,” said Abu Shaker. “I have to pay a monthly installment for the owner of the taxi in exchange for using it. Because of the nighttime curfew, my work hours decreased, and I am unable to pay the installment,” he added.
Several men, working as porters of furniture and construction material, gather in another square. Their eyes, filled with sorrow and pain, stare in all directions in search of someone who might require their work.
One of these men, Abu Yaser, tells me about their work during the Corona crisis, “a couple of days ago, I carried four sandbags and two cement bags to an apartment on the fifth floor for three thousand Syrian pounds. This was the last job I did. I was lucky compared to other porters who have not done much work for several days.” He then went on to say, “our work provides for our livelihood day by day. We are now at risk of losing our jobs, as people will no longer need our service in such conditions.”
At noon, a popcorn trolley is blaring a famous folklore popcorn song but there are no kids gathering around it as its owner was accustomed to. “In the past I used to sell a lot. Especially when children came out of schools. After the Corona crisis, my sales have dropped seventy per cent because children are no longer going out of their homes as much as they used to. I fear that the situation might get worse, then I would have to stop this work, which is my only source of income,” said the trolly’s owner.
Only the Poor Are Paying the Price for the Preventative Measures
Due to the closure decisions and the cessation of public transport, thousands of people lost their jobs and are now threatened by a daunting and frightening future, especially those who do not have any other source of income or some form of support they can resort to.
Shadi did not get the chance to celebrate his new café as he had to close it one week after opening it. “I spent two months preparing for the opening. I prepared the place and put a lot of effort in the decorations. I had to borrow a million Syrian pounds. Most of the equipment I got for the café have not been paid for yet,” Shadi said. “What can I do now to make up for my loss? How can I pay the rent? I fear the closure and curfew will go on for a long time because in that case I might die of sorrow rather than Corona,” he added.
Abu Omar, a bus driver, told me about the implications of his stopping work, “the bus used to provide work for three drivers, thus, three families were being supported. During the past few days, our income decreased by more than a half. The decision to stop all public transportation deprived our families from income and we are now threatened with necessity. Had it been not for the financial aid my siblings have provided, I would have actually starved.”
Mohannad, who used to work as a waiter in a restaurant, is also suffering. “I understand the importance of the closure decision in preserving public safety. However, will the restaurant owner give me any compensation to help me secure my daily livelihood? Will my landlord relieve me of paying rent? Will I find someone who can provide medicine for my sick mother who suffers from hypertension and diabetes?”
Preventative Measures Cost a Lot
An ounce of preventions is worth a pound of cure. Despite the importance of this adage, it is not suitable for many people in Syria. Prevention requires a lot of money. Due to the greed of the crisis dealers, the price of a mask reached seven hundred Syrian pounds, which is also the price for a small bottle of rubbing alcohol. The outrageous increase in prices also affected soap and cleaning materials, adding an additional burden on people who barely can provide their daily bread. In a saddening paradox, Abu Ghassan (the strawberry and green almond seller) paid his full daily labor to buy the mask, gloves, and a small bottle of rubbing alcohol.
Reinforcing the immune system requires various healthy foods, in addition to psychological comfort and avoiding stress. However, most people cannot enjoy these luxuries as the prices of fruits and vegetable skyrocketed. For example, the price of bananas, apples, and onions reached one thousand Syrian pounds for one kilogram, and the price of a kilogram of lemon or green pepper, which are high in vitamin C, surpassed one thousand six hundred Syrian pounds. Buying meat has turned into an unattainable dream.
Perhaps the man I met at the grocery store says it best. After he was intent on buying two kilograms of lemons and onions, he angrily stopped when he learned their prices. He eventually bought two onions and two lemons and sarcastically said, “they give advice to strengthen our immunity system! Do we strengthen it by eating bread, lentil, and bulgur? The poverty, pain, and deprivation we are experiencing will surely destroy all parts of our bodies. It seems that there is no savior for us other than Divine Providence.”
When I asked a butcher about how his business fairing, he answered with a sigh, “most customers are just buying one or two hundred grams of meat. Some people are buying the bones and putting them with the soup to give it the flavor of meat. People are barely able to buy bread and cheap vegetables.”
As the time for the night curfew sets, a sudden silence prevails. People then experience another form of suffering inside their homes that lack most entertainment gadgets and the most basic necessities of life as a result of previous crises, for example, the shortage in cooking gas, long hours of electric blackouts, and deteriorating internet services which hinders electronic communications, the only outlet available for people.
I stare at the dark windows of the houses and I think about their residents. What are they doing? What does the future hold for them? Will they be able to sleep with all these nightmares they are experiencing while they are asleep or awake?