واقع التعليم في الجزيرة

واقع التعليم في الجزيرة

تعرضت كناز، ٢٩ عاماً، للاستجواب والمضايقات الأمنية التي استمرت لثلاثة أشهر من قبل المخابرات السورية في دمشق، إثر تقرير أمني بامتلاكها كتب كردية لتعليم اللغة، وكادت هذه التهمة أن تؤدي لفصلها من الجامعة وحرمانها من إكمال تعليمها العالي. كانت كناز آنذاك طالبة جامعية في سنتها الأولى تدرس الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق، ولأن لغتها الأم محظورة كانت مضطرة لدراستها سراً.

تروي كناز: “اكتفت المخابرات بفصلي من المدينة الجامعية، وهددوني إذا ورد تقرير ثاني بنفس السياق سيتم فصلي نهائياً”، اليوم بعد عشرة أعوام من هذه الحادثة تعمل كناز مدرّسة للغة الكردية في مدرسة صقر قريش بمدينة القامشلي، فهي تدرس طلاب المرحلة الأساسية بلغتهم الكردية الأم. ويمتد دوام كناز من الساعة ٨ صباحاً حتى ١ ظهراً، عدا أيام الجمعة والسبت والتي حددتها الإدارة الذاتية الكردية عطلة رسمية في جميع المدارس والدوائر التابعة لها.

تقول عن هذا “شعوري لا يوصف! أن أدرس الكردية للتلاميذ وأعلمهم لغتنا الأم، التي كنا محرومين منها طوال حياتنا وكان حلماً صعباً، لكنه اليوم قد تحقق أخيراً”. مشيرة لقلة الكوادر والمختصين نتيجة عقود “القهر والكبت الثقافي، التي مارستها الأنظمة المتعاقبة وحزب البعث الحاكم” بحسب تعبيرها.

حُرم أكراد سوريا على مدى عقود طويلة من القراءة والكتابة بلغتهم الأم وبلغت سياساته العنصرية ذروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ عندما منع قرار أصدره وزير الإدارة المحلية في النظام السوري الأكراد السوريين من التحدث باللغة الكردية في المدارس والدوائر الحكومية.

ومنح انسحاب قوات النظام من أنحاء كثيرة من سوريا بداية العام ٢٠١٤، الأكراد فرصة لتشكيل إدارات ذاتية في ثلاث مناطق يشكلون فيها غالبية سكانية، وهي إقليم الجزيرة في محافظة الحسكة وإقليم كوباني (عين العرب) التابعة لريف حلب الشرقي، وإقليم عفرين ويقع في ريف حلب الشمالي، هذا قبل أن يسيطر عليها الجيش التركي بالتعاون مع فصائل سورية موالية له، وذلك منتصف مارس/آذار من العام الجاري.

وفرضت الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة -وتضم مدينتي الحسكة والقامشلي وبلداتها وريفها- تدريس المنهاج الكردي إلى جانب المناهج العربية والسريانية في جميع المدارس والمجمعات التربوية في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

ومنعت الإدارة الذاتية أيضاً تدريس المنهاج الحكومي وتوزيع الكتاب الرسمي في المدارس الخاضعة لنفوذها، ومنذ ربيع ٢٠١٤ تقوم لجنة تتبع لها بتأليف منهاج دراسي جديد لمكونات الإقليم يشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية إلى جانب العاشر الثانوي، وطبعت لهذا الغرض نحو ٢٢٥ طناً من الكتب المدرسية، تم توزيعها على التلاميذ هذا العام.

افتتحت هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة خلال العام الدراسي الجديد ٢٠١٨/ ٢٠١٩ قرابة ٢٤٠٠ مدرسة لاستقبال الطلاب، وتقول رئيسة اللجنة سميرة الحاج علي  لصالون سورية إن المدارس “تبدأ من مرحلة رياض الأطفال، والتعليم الأساسي من الصف الأول للسادس الابتدائي،إلى جانب مرحلة التعليم الإعدادي من السابع للصف التاسع، وهذا العام قمنا بضم الصف العاشر الثانوي لمنهاجنا.”

وأشارت إلى أن “الصف العاشر سيدرسون بذات المدارس الحكومية، وما تبقى صفوف الحادي والثاني عشر الثانوي، سيكملون تعليمهم وفق المنهاج الحكومي، كونهم درسوه منذ البداية، وحرصاً منا لإكمال تعليمهم العالي.”

وتم فصل العملية التربوية في مناطق الإدارة الذاتية عن وزارة التربية والتعليم في حكومة النظام، بحسب الحاج علي، وبالتالي فإن الشهادة الصادرة من الإدارة غير معترف بها من قبل دائرة الامتحانات السورية. عن الحل لهذه المشكلة تقول الحاج علي: “نعمل على ربط حلقات التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية بالمرحلة الجامعية والمعاهد المتوسطة ضمن مناطقنا، حالياً لدينا جامعتان في الجزيرة، وجامعة ثالثة في كوباني، إضافةً لمعاهد متوسطة تشمل معظم التخصصات.”

وعن التعاون المحتمل مع الحكومة السورية بالمجال التعليمي كشفت رئيسة لجنة التربية والتربية والتعليم بأن الاجتماع الذي عقده ممثلون من مجلس سورية الديمقراطية مع النظام السوري في شهر يوليو/تموز الماضي لم يتطرق الى عملية التربية والتعليم أو المنهاج المدرس في شرق الفرات، وشددت قائلة: “أي اتفاق مستقبلي يجب أن يعترف بالمناهج والخطة الدراسية التي نعمل عليها، وعلى الحكومة أن تصادق على الجامعات التي افتتحت في مدينتي القامشلي وكوباني والمعاهد المتوسطة التابعة للإدارة.”

وعن أبرز التحديات والمصاعب التي تواجه العملية التربوية خلال الأعوام الماضية، لفتت الحاج علي: “كان هناك نقص في المقاعد الدراسية العام الماضي وهذا العام، حتى أن قسماً من الطلاب أجبروا على الجلوس على الأرض، كما واجهتنا مشكلة طباعة الكتاب المدرسي، لكن هذه السنة تجاوزنا أغلب المشاكل.”

ويرتاد نحو ربع مليون طالب وطالبة مدارس الإدارة الذاتية، وبلغ عدد الكادر التدريسي للعام الدراسي الجاري قرابة ٢٥ ألف مدرس ومدرسة، خضعوا لدروس ودورات تعليمية في أكاديمية تأهيل الكوادر الدراسية التابعة للإدارة وتشمل جميع المراحل التعليمية. وبلغ عدد طلاب مدرسة صقر قريش لهذا العام نحو ألف تلميذ، يدرس نصفهم في الفوج الصباحي، والنصف الآخر في المسائي.

لورين (١١ سنة) تدرس في الصف الخامس الابتدائي، وقد باشرت دوامها بشكل رسمي منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بابتسامة عريضة تقول “أنا سعيدة لأنني أدرس لغتي الأم، في البيت أبي وأمي يتحدثون الكردية، ونحن هنا نتعلم الدروس بالكردية، أنا سعيدة للغاية.”

إلا أن معلمة لورين وتدعى هولير (٢٧ سنة) لم تخفِ تدني مستوى اللغة عند الأهالي؛ الأمر الذي دفع الكادر التدريسي والهيئة الإدارية إلى استخدام أدوات ووسائل حديثة لتعليمها للطلاب، وتشرح: “يأتي التلميذ للمدرسة ونعلمه كل شيء، كون والديه لا يجيدان الكتابة والقراءة بالكردية بشكل سليم، نضطر إلى إعادة ومراجعة اللغة بشكل دوري حتى يتعلموا كل شيء لخلق جيل جديد.”

وأثارت خطوة الإدارة الذاتية في تطبيق المنهاج الكردي انتقادات وجدلاً واسعاً، وقد رفض ريزان (٤٢ سنة) وينحدر من مدينة القامشلي إرسال ابنه الناجح للصف التاسع الإعدادي إلى مدارس الإدارة، ويعزو السبب الى: “لا أريد أن يكون مستقبل ابني مجهولا، فالشهادة غير معترف بها، والكادر التدريسي غير مؤهل.” بدلاً من ذلك يرسل ريزان أبناءه الى مدرسة حكومية داخل سيطرة القوات الحكومية، إذ يحتفظ النظام السوري بمربع أمني في مدينتي الحسكة والقامشلي تدرس المنهاج الحكومي.

فهو يرى أن تعلم  الكردية دون اعتراف دولي بها ليس له قيمة، ويقول : “لكردية غير معترف بها بالجامعات السورية، ولا في أي دولة ثانية، أخشى أن هذا الجيل الذي أجبر على ارتياد المدارس الكردية قد دمر مستقبله وحُرم من إكمال تعليمه العالي.”

و يستخدم أكراد سوريا الأحرف اللاتينية في الكتابة والقراءة، إذ تندرج اللغة الكردية ضمن مجموعة اللغات الهندو- أوروبية، ووضع قواعدها الأمير الكردي جلادت بدرخان المنحدر من جنوب تركيا، ونشر كتابه “الأبجدية الكُردية وأسس القواعد الكُردمانجية” الذي صدر سنة ١٩٣٢ بدمشق، ولا يزال يعد من أمهات الكتب والمراجع الكردية.

انتقادات وتحذير من الأدلجة

تتبع “مؤسسة تأليف المناهج” لهيئة التربية والتعليم لدى الإدارة الذاتية، وهي مركزية على مستوى المدن والبلدات الخاضعة لـقوات سورية الديمقراطية، ويتم تدريس المنهاج المقرر بثلاث لغات وهي اللغات الرسمية لدى الإدارة: “الكردية والعربية والسريانية”، فالطالب يدرس لغته الأم، وطالب العربية يدرس مادة لغة كردية ومادة ثانية سريانية، ومثله الطالب الكردي والسرياني يتعلم لغة المكون الآخر.

والكتاب المدرسي موحد في جميع المدارس الخاضعة لنفوذها، و قالت إدارة مؤسسة المناهج في رد خطي لموقع صالون سورية: “تضم المؤسسة ثلاث لجان كردية وعربية وسريانية وهي المكونات الرئيسية لشعوب الإدارة، يتم تأليف الكتب وفق مفهوم التعايش وتقبل الآخر وترسيخ القيم.”

وذكرت المؤسسة بأنهم ألفوا مناهج خاصة للمرحلة الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي، “لكن الخطة لتدريس هذا المنهاج اقتصرت على الصف العاشر الثانوي، وهي في طور تصحيح الأخطاء للمكونين العربي والكردي، أما المكون السرياني فقد شرع هذا العام بتأليف المرحلة الثانوية.”

من جهة أخرى نشر الكاتب واللغوي إبراهيم خليل كراساً نقدياً عرض فيه جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية التي وردت في الكتب المدرسية لدورة العام ٢٠١٥-٢٠١٦، وعن هذا الكراس قال لصالون سورية: “ركزت فيه على ضرورة إزالة الإشارات الإيديولوجية الحزبية التي لا تتناسب مع التعليم المدرسي العام، وأعتقد أنه كان حرياً بالقائمين على العملية التربوية الحفاظ على تدريس مادة واحدة باللغة الكردية في جميع الصفوف والمراحل، ومحاولة انتزاع اعتراف رسمي من وزارة التربية السورية، ومنح المادة علامة مخصصة في الجلاء المدرسي.”

وقدم العديد من الأهالي شكاوى لوجود أخطاء لغوية ونحوية في المناهج الدراسية، اعترفت بها إدارة مؤسسة المناهج وردت: “نحترم ملاحظات الأهالي ونأخذها على محمل الجد، نعم نعترف بوجود أخطاء في المنهاج ونجتهد لتلافيها، ولكن علينا ألا ننسى بأن الظروف التي يتم التأليف فيها صعبة والفترة الزمنية قصيرة.”

كما انتقد أكاديميون ومختصون تربويون “أدلجة” مناهج الإدارة الذاتية وانحيازها لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” ،وهو أحد أبرز الأحزاب المهيمنة على الإدارة الكردية، وبخاصة فيما يتعلق بنشر صور زعيمه الروحي عبد الله أوجلان، ومقاتلين يظهرون باللباس العسكري الموالي للحزب.

ويرى الدكتور فريد سعدون أنّ هذه الإدارة تغامر بمستقبل الطلاب، وقال “إن مسؤولي الإدارة لم يقدموا أية ضمانات لتحصيل الطلاب تعليمهم العالي أو ضمانات قانونية للاعتراف بشهادتهم، وبذلك تخلق مشكلة تهدد المجتمع بأكمله، كما أننا لا نعلم من هي الجهة التي تضع هذه المناهج، ولا الجهة التي تشرف عليها.”

وفي ردها على وجود الاشارات الأيديولوجية وصور مقاتلين عسكريين، تضيف المؤسسة في ردها: “نعم هناك صور ذات مدلول فكري معين لم تأت بشكل متعمد أو ترويج لفكر بعينه، سنعيد ترتيب المنهاج وتصويبه وحذف كل دلالة تشير لهذا الفكر أو ذاك، غايتنا العلم والعلم فقط.”

لكن الدكتور فريد سعدون وفي ختام حديثه شدد بأن: “سلطة الإدارة الذاتية هي سلطة أمر واقع مؤقتة وغير معترف بها سورياً أو دولياً”، منوهاً: “إذا تغيرت موازين القوى على الأرض فإن جميع هؤلاء الطلاب الذين التحقوا بمدارس الإدارة سيفقدون مستقبلهم التعليمي.”

التعليم في “غيبوبة” الجنوب

التعليم في “غيبوبة” الجنوب

بدأ العام الدراسي الجديد في جنوب سوريا، بعد سيطرة النظام السوري عليه، ووعوده بتقديم الخدمات الأساسية للأهالي وعودة مؤسسات الدولة إليه بما فيها التعليمية، كما وعد النظام بتحسين الخدمات المقدمة في قطاع التعليم، الذي يعاني نقصاً حاداً في المستلزمات والوسائل التعليمية، وخاصة إثر تعرض العديد من المدارس للتدمير الكامل أو الجزئي.

يقول أحد الموجهين التربويين الذي فضّل عدم ذكر اسمه “تحول الواقع التعليمي هنا إلى مسألة ثانوية خلال الصراع، و لم يتم التعاطي معه كقطاع جوهري، فلم يتم ترميم أية مدرسة تعرضت للقصف أو التدمير حتى الآن، ولم يشهد القطاع التعليمي أي تحسن ملحوظ رغم بدء العام الدراسي الجديد”، ويعدد بعضاً من التحديات التي تواجه القطاع التعليمي “كغياب اللوازم اللوجستية في المؤسسات التربوية، ونقص المدارس والمراكز التعليمية، مما يولّد ضغطاً كبيراً في أعداد الطلاب بالمدرسة الواحدة، ويؤدي لاكتظاظ الأقسام الدراسية وعدم استيعاب الشعبة الدراسية (الصف الواحد) لأعداد التلاميذ فيها، حيث يتواجد في الصف الواحد ما يقارب ٥٠ طالباً، هذا عدا عن نقص الكوادر المختصة.”

وتشهد الكوادر التعليمية نقصاً حاداً نتيجة النزوح والأوضاع الاقتصادية والأمنية إضافة نتيجة لفصل عدد كبير من الموظفين الأساتذة، بسبب تخلفهم عن “الخدمة الاحتياطية” في الجيش السوري.

وإضافة للتحديات التي ذكرها الموجه التربوي، يعتبر التسرب التعليمي من أبرز المشكلات التي تواجه القطاع التعليمي في الجنوب، فقد أدت الأعمال العسكرية إلى نزوح  مستمر للأهالي متسببة بانقطاع التلاميذ عن مدارسهم، ولم تنجح محاولة بعض المنظمات الدولية لإنشاء مراكز تعليمية في استيعاب كافة الطلاب المتخلفين عن مدارسهم، والحد من ظاهرة التسرب. كما ساهم سوء الأوضاع الاقتصادية بتفاقم المشكلة، إذ تعاني العديد من العائلات لتأمين اللباس المدرسيّ الموحّد، أو القرطاسيّة والكتب.

ويقول أحد سكان ريف درعا إن الأهالي توقعوا هبوط أسعار اللباس المدرسي ولوازم القرطاسية وغيرها من أدوات المدرسة بعد تطبيق اتفاق تسليم المحافظة للنظام، إلا أن “الوضع بقي على حاله ولم تتم محاسبة المخالفين للأسعار والتجار الذين يبيعونها بضعف سعرها الحقيقي عن أسواق العاصمة دمشق.” واضطر العديد من الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدرسة  باللوازم المدرسية القديمة المتوفرة سابقاً كاللباس أو القرطاسية.

وكانت الحكومة السورية قد طرحت قروضاً بقيمة ٥٠ ألف ليرة سورية، لمساعدة العائلات لشراء اللوازم المدرسية كافة من صالات “السوق السورية للتجارة”، إلا أن أعداد المستفيدين منه في مناطق جنوب سوريا كان قليلاً بسبب اقبال الناس الكبير، والخوف من عدم قدرتهم على دفع القسط الشهري نتيجة استمرار الركود الاقتصادي وندرة فرص العمل في المنطقة.

عن التحديات أيضاً يشرح أحد المدرسين المفصولين من عمله في القنيطرة “اضطرت كثير من العائلات لنقل أولادها بشكل يومي إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المدارس و التدريس حرصاً على مستقبل أبنائهم، أما البعض الآخر فقد اضطر إلى التعلم في مدارس لا تتوفر فيها أدنى الاحتياجات والمقومات التعليمية، نتيجة لضعف الحالة المادية” مضيفاً أن “رغم استمرار الطلاب بالحضور للمدرسة فإن العملية التعليمية ما تزال سيئة، وهذا يؤدي إلى تراجع مستوى التعليم والإقبال عليه، ويزيد من انتشار الجهل، وتسرب طلاب مرحلة التعليم الأساسي هو الأخطر.”

قبل أن يستعيد النظام سيطرته على المناطق الجنوبية كانت المراكز التعليمية والروضات تعمل مع مراكز للدعم النفسي في المدارس التي رممتها ونظفتها بنفسها. وبعد سيطرته بقيت حال المدارس المدمرة على حالها، وحظيت بعضها بدعم  لوجستي بسيط كترميم الواجهات التعليمية في الصف، وتوفير لوازم القرطاسية الخاصة بالمدرسة لا الطلاب، وطلاء الجدران.

وماتزال الحكومة تعد بتزويد المدارس بمقاعد جديدة، وبمادة الديزل في فصل الشتاء للتدفئة، كما تم رفع كتاب إلى الوزارة المختصة بعدد المدارس المدمَّرة والتي تحتاج إلى إعادة إعمار وتأهيل.

الجامعيون في الجنوب أيضاً دفعوا الثمن

نال طلاب الجامعة أيضاً نصيبهم من آثار الحرب، يقول ضرار- أحد طلاب جامعة دمشق المفصولين- “أنا مع أعداد كبيرة من الطلاب هنا توقفنا عن الذهاب إلى الجامعات فأغلبنا كان يتعرض لمضايقات أثناء السفر لدمشق لأننا من درعا حيث انطلقت الاحتجاجات، وكان طلاب درعا أول المستهدفين  في أي تحرك في الجامعات يناصر الاحتجاجات، مما أرغم العديد منا على الانصراف عن الدراسة والالتحاق بأعمال تساعدهم في تدبير تكاليف المعيشة.”

كما عمد بعض الطلاب لتحويل دراستهم إلى جامعات أقرب كفرع جامعة دمشق في درعا أو القنيطرة، والتحويل من فروع عملية إلى نظرية، باعتبار الأفرع العلمية تحتاج إلى لوازم لوجستية أسعارها مرتفعة، كما أنها تتطلب الحضور اليومي في الكلية وبالتالي توفير السكن والقدرة المادية على المعيشة و التنقل اليومي.

ويصل متوسط حاجة الطالب الشهرية لتكلفة الدراسة بالجامعات إلى ٥٠  ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ يكفي لتغطية الاحتياجات الضرورية فقط كالتنقل وشراء الكتب وملخصات المواد والقرطاسية، في حين لا يصل متوسط دخل الموظف السوري لهذا المبلغ.

كما تعرض عدد كبير من طلاب الجامعة في الجنوب للفصل بعد انتهاء المدة المحددة من الرسوب وفق قانون التعليم العالي للجامعات ، حيث يحدد القانون سنتين رسوب للطالب في السنة الدراسية الواحدة، وإذا تجاوزها الطالب يعتبر في حكم المفصول. وقد اضطر الكثير من الطلاب للانقطاع وفُصلوا نتيجة  خوفهم من الذهاب إلى مناطق النظام، لأنه أو أحد ذويه في المعارضة. ويتسبب الفصل من الجامعة بإلغاء إذن الحصول على تأجيل الخدمة الإلزامية للطلاب الشباب مما يحول الطلاب المفصولين جميعاً لمتخلفين عن الخدمة الإلزامية.

وأصدر مجلس التعليم في الشهر السادس من هذا العام قراراً يقضي بتسوية أوضاع طلاب الجامعات والمعاهد المقيمين في المناطق التي سيطر عليها النظام السوري حديثاً، واعتبر المجلس في قراره فترة انقطاع الطالب المسجل في الجامعات والمعاهد منذ العام ٢٠١٠-٢٠١١ وحتى العام الدراسي ٢٠١٦-٢٠١٧، كما عد العام الدراسي الحالي إيقاف تسجيل لمن يرغب.

ويعني هذا القرار أن السنوات السابقة لا تعتبر سنوات رسوب للطالب، فقد اعتبرها القرار بحكم إيقاف التسجيل في الجامعة، ودفع هذا القرار عدداً  كبيراً من الطلاب المفصولين في جنوب سوريا للعودة إلى جامعاتهم واستكمال عملية إعادة التسجيل، والحصول على إثبات تسجيل في الجامعة للحصول على تأجيل دراسي عن الخدمة الإلزامية مدته عام كامل.

إلا أن العديد منهم فوجئوا برفض شعبة التجنيد إعطاءهم التأجيل الدراسي لأن “معظم الطلاب الذين تم تسوية وضعهم في الجامعات قد تجاوزوا السن المحدد في قانون خدمة العلم السورية للحصول على تأجيل دراسي” بحسب قولهم وبهذا وجد الطلاب أنفسهم مجدداً أمام مشكلة جديدة تمنع استمرار تحصيلهم العلمي.

الحياة تعود لمدارس “درع الفرات” بعد جمود سنوات

الحياة تعود لمدارس “درع الفرات” بعد جمود سنوات

يواجه المعلم رجب الملاح (٢٧عاما) صعوبة بالغة في تلقين طلابه المعلومات، فهو يرى “أطفالا فقدوا طفولتهم، وتركز تفكيرهم على الحياة العسكرية متناسين الفكر والعلم بعد سنوات، فالحرب في مناطقنا انتهت لكنها مازالت حاضرة في نفوس طلبتنا” كما يقول إلا أنه مع ذلك مازال عازماً على تغيير سلوكهم وغرس حب التعلم والمعرفة داخل كل واحد منهم صغيرا كان أم كبيرا.

بعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي تمكنت وحدات من الجيش السوري الحر مدعومة من القوات التركية من السيطرة عليها بعمليات أطلق عليها اسم “درع الفرات” بتاريخ ٢٩ مارس/ آذار ٢٠١٧.

خرج التنظيم الإسلامي المتطرف من تلك المناطق إلا أن آثاره السلبية ماتزال راسخة فيها، وخاصة على صعيد إضعاف العملية التعليمية، إذ  حارب التنظيم المعلمين والمثقفين الذين رفضوا الإنضمام لصفوفه مادفعهم للنزوح خارج مناطق سيطرته، مما ساعده على فرض وجوده فكرياً لا عسكرياً فقط. فالعديد من الأطفال في هذه المناطق لا يعرفون اللباس المدرسي، ولم يرتدوا بحياتهم إلا  لباس التنظيم الأسود.

ومع انتهاء عملية “درع الفرات” وطرد التنظيمات الإرهابية، أخذت الحكومة التركية على عاتقها إعادة تأهيل المؤسسات الاجتماعية والأمنية والعسكرية وعلى الأخص التعليمية المتعثرة أو المتوقفة تماماً منذ سبع سنوات.

وشكل بدء العملية التربوية التعليمية هذا العام انطلاقة للتعليم “نحو الأفضل” بحسب العديد من المدرسين في المنطقة وذلك بسبب الدعم التركي الذي تبنى دفع رواتب المعلمين وتلقينهم دورات مكثفة في التأهيل التربوي سيما وأن معظم المعلمين كانوا من المنقطعين عن التدريس لمدة طويلة، ولذا قامت السلطات المحلية بإعادة تأهيلهم ورفع مستواهم التعليمي.

عن التدريبات يقول المعلم الملاح لصالون سوريا “تركزت على طرائق التدريس وأهم مبادئ العملية التربوية، وامتدت لعشرة أيام متتالية، دربنا فيها محاضرين سوريين مقيمين في تركيا.”

وقد خضع أكثر من  ٦٠٠٠ معلم ومعلمة لتلك الدورات في مناطق درع الفرات كافة، وبإشراف التربية التركية، حيث تم وضع منهاج مخصص للدورة، وأقيم اختبار للمعلمين في نهايتها ليتم منحهم على إثره شهادة تمكنهم من ممارسة عملهم التربوي في مدارس منطقة درع الفرات، كما تم تسجيل المعلمين في سجلات التربية التركية.

وتولت وزارة التربية التركية مسؤولية ترميم المدارس المهدمة وإنشاء أخرى جديدة في كل من جرابلس والباب ومارع وإعزاز وقباسين، لتلبي احتياجات الطلاب الذين ازدادت أعدادهم، واعتمدت على معايير التعليم في تركيا، ليبلغ عددها ١٨٠ من أصل ٥٠٠ مدرسة، وتركز الدعم على تقديم المستلزمات والتجهيزات الدراسية من كتب و قرطاسية ومقاعد، إضافة لتجهيز البناء الخارجي والداخلي للمدارس.

لغة وتعديلات تركية على المناهج السورية

فرضت التربية التركية على المكاتب التعليمية في مجلس “محافظة حلب الحرة “ومختلف المجالس المحلية الأخرى إدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداء من المرحلة الإبتدائية وحتى المرحلة الثانوية وذلك اعتباراً من العام الدراسي الحالي ٢٠١٧/٢٠١٨.

وتم الإبلاغ عن هذا القرار  خلال اجتماع عقده ممثلون عن الحكومة التركية في كل من مجمع إخترين، إعزاز، مجمع الباب، جرابلس، بزاغة، الراعي، وكافة المدارس بالقرى التابعة لهذه المجمعات بريفي حلب الشمالي والشرقي والممتدة من مدينة إعزاز شمال حلب إلى مدينتي جرابلس والباب شرقي حلب بالإضافة إلى مدينة عفرين.

يوضح المعلم مصطفى النابلسي (٣٥عاما) بأن لتلاميذ المرحلة الابتدائية حصتين لغة تركية أسبوعيا، بينما يحضر طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية ثلاث حصص دراسية للغة التركية.

ويقول النابلسي “يقوم معلمون سوريون بتدريس اللغة التركية وهم من المعينين ضمن الكادر التعليمي من حملة الشهادة الثانوية الذين خضعوا لامتحان اللغة، ومن حملة الشهادة التركية التي تخولهم تعليم المادة في المنطقة”، كذلك أدخلت التربية تعديلات على المناهج كافة تراوحت بين الحذف والإضافة والتنقيح والاستبدال مع الحفاظ على المحتوى العلمي بشكل كامل مثل الفيزياء، الرياضيات، العلوم ،الكيمياء ، واللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وتركزت التعديلات على مواد التاريخ والجغرافية والقومية، إذا ألغيت المادة الأخيرة بشكل كامل، وتم تنقيح منهاج التاريخ “بما يبلور الصورة التركية” فقد تمت  إزالة كل الكلمات التي تشير إلى معنى الاحتلال العثماني واستبدالها بالحكم العثماني.

إضافة إلى ذلك يؤكد النابلسي بأن خرائط سوريا الموجودة في كتب المعارضة لم تعد تحتوي على لواء اسكندرون الذي ضمته تركيا في ثلاثينات القرن الماضي، ويعزو النابلسي هذا التوجه لكون تركيا هي المقر الأساسي للحكومة المؤقتة ومكان طباعة المناهج المدرسية المرتبطة بها، كما يتم تدريس مناهج الحكومة المؤقته في بعض المدارس السورية ضمن تركيا.

يقول أحد الطلاب في المرحلة الإعدادية ويدعى سليم الرشيد (١٤عاما) بأنه يرغب بتعلم اللغة التركية منذ زمن وبأن إدخالها للمنهاج من شأنه أن يساعده على تحقيق ذلك، ويضيف “ربما أستطيع في المستقبل إكمال دراستي في الجامعات التركية كما يفعل الكثيرون من الطلاب السوريين، وتعلم اللغة التركية هنا من الآن سيسهل علي الأمر.”

يوافق الطالب بهاء البيطار (١٦عاما) على رأي زميله سليم ويقول “اكتساب لغة إضافية مع اللغات العربية، الإنجليزية والفرنسية سيمنحنا مزيدا من المعارف والخبرات، فتعلم لغات جديدة يمكن الفرد من التحدث بأكثر من لغة في وقت واحد، لتصبح اللغات عنوان ثقافة وتنور للشخص وانفتاحه على العالم.”

ويتابع  بهاء ممتدحا اللغة التركية “اللغة التركية بحروفها اللاتينية الـ٢٩ لغة تحمل في طياتها معانٍ لم نألفها في بلدنا، لغة لم يسبق أن درسناها في مدارسنا ولم يخطر ببالنا يوما أن تكون اللغة التركية قدرنا القادم.”

من جهتها تشجع معلمة اللغة التركية هبا العدنان (٢٨عاما) على تعلم اللغة الجديدة قائلة “ما المانع من تعلم لغة جديدة، سيكون بالإمكان التعرف على ثقافة أخرى، وعادات ممتعة وغريبة لم تسمع عنها، اللغة ليست مجرد حروف مصفوفة بل هي تاريخ بذاته، وجغرافية منوعة.”

العام الدراسي في عفرين

عاد أطفال مدينة عفرين شمال سوريا أيضا إلى مقاعدهم الدراسية بدعم تركي،  وذلك بعد أن سيطرت عليها قوات المعارضة بدعم تركي بعملية “غصن الزيتون” في ١٨ مارس/ آذار ٢٠١٨، وقد أوكلت منطقة عفرين إداريا إلى ولاية هاتاي التركية، بينما تعود مرجعية مدن وبلدات ريف حلب “درع الفرات” إلى ولاية غازي عينتاب التركية.

وبدأت المجالس المحلية التابعة لتركيا، استعدادتها لإستقبال العام الدراسي الجديد في مدارس عفرين الشهر الماضي، حيث تم تطبيق مناهج تعليمية أقرتها حكومة الإئتلاف في غازي عنتاب على طلاب المدارس، وهي مواد دراسية تطبع تحت إشراف وزارة التربية والتعليم التركية ،وتبرز فيها دور تركيا وثقافتها كدولة عظمى وتمجد فترة الحكم العثماني للمنطقة. وكما مدارس “درع الفرات” يتم تخصيص دروس باللغة التركية ضمن هذه المدارس مع وجود مادة واحدة للغة الكردية.

نائب رئيس المجلس المحلي في منطقة شيا أحمد خليل قال “إن اللجان التابعة للمجالس تجري جولات على مدارس المنطقة لتفقدها، وتقدير الأضرار التي لحقت بها تمهيدا لإصلاحها، علما أن الكثير منها تم تحويلها إلى مقرات عسكرية أو مراكز إعتقال سابقاً.”

وأضاف خليل بأن بقية المدارس غير المستولى عليها من قبل الفصائل السورية والقوات التركية باتت جاهزة لاستقبال الطلاب وتم تأمين كافة متطلبات التعليم واللوازم الدراسية التي تحتاجها.  وقد بدأت أربع مدارس جديدة بالعام الدراسي الحالي إلى جانب ١١ مدرسة أخرى، بتطبيق ما درج على تسميته “بالتعليم العاجل” لغرض إعداد الطلاب.

مدير التربية والتعليم في مدينة بزاغة صالح عقيل يقول “إن الكوادر التعليمية تنقسم إلى مدرسين ومجازين وطلاب معاهد، وتقوم مديرية التربية بإجراء دورات متتالية لهم بهدف رفع السوية التعليمية من الناحيتين التعليمية والتربوية وصقل مهاراتهم بشكل عام تحت إشراف أساتذة مختصين.”

من جهته أوضح فوزي السايح مسؤول التعليم في مدينة الباب أنهم يقومون باستقبال الطلاب المنقطعين عن المدارس بعد إخضاعهم لفحص من أجل تحديد مستواهم التعليمي، ليتم وضع الطالب بالصف المناسب بحسب النتائج ليكمل تعليمه. كما تم في الباب أيضاً افتتاح مراكز لمحو الأمية لكل مدرسة تحوي صفوفاً فارغة.

وقامت بلدية كتشي أوزان التابعة لبلدية العاصمة التركية أنقرة بترميم مدارس قرية شوارغة الجوز التي تقع على بعد ٥ كيلومترات عن مركز ناحية عفرين، حيث عادت تلك المدارس لاستقبال التلاميذ ووفر فريق بلدية كتشي أوزان القرطاسية واللباس للطلاب.

أحمد القاوقجي (٤٠عاما ) وهو والد أحد الطلاب يروي لصالون سوريا “لم يتمكن أبنائي من الدراسة سابقاً إذ عمد تنظيم البي كي كي لفرض تعليم اللغة الكردية بدلا من العربية، علماً بأن معظم أهالي المنطقة هم من العرب، ولذا أنا ممتن للحكومة التركية التي كانت سببا بعودتهم للدراسة.”

ولحل أزمة البطالة في المنطقة افتتحت التربية التركية مراكز للتعليم الشعبي في مناطق درع الفرات والتي قدمت تعليما خاصا وجديدا من نوعه في المنطقة، يهتم بالمهن الشعبية المتنوعة كالخياطة وصناعة المعجنات والحلويات وعدد من المهن الأخرى التي من شأنها فتح المجال للشباب لإيجاد فرص عمل جديدة.

وفيما استحسن العديد من أهالي المنطقة الإجراءات التركية لكونها أعادت لهم الأمن والاستقرار ونشطت الحياة العامة إلا أن البعض الآخر رأى في الإجراءات التي تتخذها فرضاً للهيمنة والاحتلال التركي لمناطق سورية عديدة.

فقد انتقد الحقوقي علي الرشيد (٣٩عاما) الممارسات التركية قائلاً “إنها تسعى لتتريك المنطقة في محاولة لفصلها عن سوريا الأم وضمها للأراضي التركية على غرار لواء اسكندرون، فهي تتحكم بشكل كامل بالعملية التعليمية في مناطق نفوذها المباشر في الشمال السوري، وعلى الرغم من تدريس مناهج الحكومة المؤقته ذاتها في مدارس هذه المناطق إلا أنها تغيرت فيها بعض المضامين والإشارات السياسية.”

ويرد المدرس علاء المحسن (٣٠عاما ) أحد المدرسين في ثانوية جرابلس، على ذلك قائلاً “إن العملية التعليمية في المناطق الواقعة تحت السيطرة التركية شهدت افتتاح العديد من المدارس لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الطلاب، إضافة إلى محاولات لإعادة الطلاب المنقطعين عن الدراسة، و افتتاح مراكز لمحو الأمية، فتركيا ساهمت بإنعاش المنطقة وبعثت الحياة فيها، على الأقل على صعيد عودة أبنائها للدراسة.”

التعليم في  الرقة بعد طرد “داعش” منها

التعليم في الرقة بعد طرد “داعش” منها

في مدرسة عمر بن عبد العزيز بشارع النور غربي مدينة الرقة، يجلس تلاميذ تتراوح أعمارهم بين ٧ سنوات و١٥ سنة في الفصل الدراسي نفسه، بعد أن فتحت مدرستهم أبوابها أخيراً الشهر الجاري بجهود محلية من قبل متطوعي منظمة شباب أوكسجين. وأطلقت المنظمة مبادرة “التعليم لا يؤجل” بالمشاركة مع منظمات مدنية محلية، وبتنسيق مع لجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المدني لتحول بناءً مهجوراً تتكدس داخله أكوام من الأنقاض والركام خلال شهرين لمدرسة تستقبل طلاب المرحلة الأساسية.

وبعد تنظيفها وإصلاحها بمساعدة أهالي الحي، عاد التلاميذ إليها مجدداً يجلسون على مقاعد قديمة وصف دراسي لا باب فيه أو شباك إلا أن بناء المدرسة كان بحالة جيدة.  والتحق ٥٠٠ طالب بدوامهم المدرسي في السادس عشر من الشهر الجاري، عند إعلان لجنة التربية والتعليم بداية العام الدراسي الجديد، وذلك بعد أن حُرم أطفال الرقة من إكمال تحصيلهم العلمي أثناء سيطرة مقاتلي تنظيم داعش على مدينتهم بين يناير/كانون الأول ٢٠١٤ وأكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٧حيث تم طردهم من قبل قوات سورية الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.  

تلاميذ يتحدون ظروف الحرب

يدخل الطفل سليمان – ١٠ أعوام- لأول مرة في حياته للفصل المدرسي ويجلس على المقعد الدراسي مبتسماً، ويقول سليمان المتحدر من مدينة الرقة “كنت أحلم بأن أجلس قرب تلميذ على مقعد، وأحمل كتبي المدرسية وأكتب اسمي عليها.”

أما الطفلة سعاد- ١٢ عاماً-  والتي حُرمت من التعليم طوال السنوات الماضية، فجلست في المقعد الأمامي قرب طالبتين، ورغم ضيق المكان بدت علامات السعادة على وجهها لتقول: “هذا بيتي الثاني، فالحرب حرمتنا منه، وأنا أرغب بأن أصبح طبيبة في المستقبل لمعالجة المرضى.”

ولم يخفِ والد سليمان، محمود (٤٢ سنة)، خشيته على مستقبل ابنه بعدما دخلت الحرب عامها الثامن، ووصف حماسه للعودة للمدرسة قائلاً: “عادةً كان ابني يسهر معنا لوقت متأخر، لكن ما إن عرف بافتتاح المدرسة حتى نام الساعة ٩ مساء، واستيقظ مع بزوغ الفجر بنشاط وحماس.”

بينما أعربت والدة الطفلة سعاد وتدعى جواهر (٣٨ سنة) عن فرحتها بعودة ابنتها لإكمال تحصيلها العليمي قائلة: “أشعر بفرحة كبيرة كنت محرومة منها لسنوات، مشاهدة ابنتي تلبس زي المدرسة وتذهب برفقة صديقاتها إلى المدرسة لا تقدر بثمن.”

وحول داعش -خلال سيطرته على المدينة- المدارس والمجمعات التربوية الى مقرات عسكرية أو سجون سرية، من بينها مدرسة عمر بن عبد العزيز والتي تعرضت لشظايا غارة جوية أدت الى تدمير جزئي في بناء المدرسة بحسب ما يروي سكان الرقة.

ولإعادة المدارس لسابق عهدها قامت منظمة شباب أوكسجين بترميم المدرسة وتنظيفها بدعم مادي من برنامج “إنجاز” الممول من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن المدارس ليست جاهزة تماماً فهي مازالت تعاني من نقص في اللوازم التعليمية، وغياب دورات المياه ونقص في المقاعد الدراسية، إلا أن الطلاب يتحدون هذه الصعوبات ويلتزمون بالذهاب للمدرسة يومياً.

وعن تعويض سنوات الدراسة الفائتة للطلاب المتأخرين عن المدرسة يقول مدير المدرسة عيد المحمد (٥٤ سنة) “إن لجنة التربية والتعليم المؤلفة من أخصائيين تربويين، تقوم بإجراء سبر معلومات للطالب، ويتم تحديد المستوى بحسب هذه الاختبارات، ليوضع في الصف المناسب لعمره، نظراً لتوقف العملية التربوية لأربع دورات متتالية”، منوهاً الى توافد الأهالي لتسجيل أبنائهم وسط فرحة وسعادة. ويضيف: “المدرسة افتتحت بعد انقطاع طويل، ولم يتمكن بعد عدد من الأهالي العائدين حديثاً من تسجيل أبنائهم.”

وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبلغ مساحتها نحو ٢٧ ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها قبل ٢٠١١ نحو ١٠٠ ألف نسمة، ومنذ بداية الشهر الجاري وبعد عودة ثلث سكان المدينة هناك ١٢٥ ألف طالب مسجلون في قيود لجنة التربية والتعليم في الرقة؛ ارتاد نحو ١٠٠ ألف طالب منهم الصفوف الدراسية وجلسوا على مقاعدهم في ثاني أسبوع من العام الدراسي الجديد.

وأعربت جواهر (٤٣ سنة) من سكان حي الرميلة، عن سعادتها لرؤية ابنها أحمد البالغ من العمر (١٣ سنة) وهو يحمل حقيبته الدراسية مرة ثانية، ويذهب مع أصدقائه الى مدرسة عمر البحتري كل صباح، وتقول: “أحمد وأصدقاؤه كانوا يمضون معظم الوقت في ألعاب الحرب وتشكيل مجموعات مسلحة ويصنعون الحواجز العسكرية من أعواد الخشب”، مضيفةً: “كانت هذه الألعاب شغلهم الشاغل سابقاً، أما اليوم فيواظب أحمد على المدرسة وعند المساء يقوم بمراجعة وظائفه وينام مبكراً.”

الدمار، أبرز التحديات

“وافتتحت اللجنة ٢٨١ مدرسة في الرقة وبلداتها، منها ١٨ داخل المدينة يداوم فيها اليوم حوالي ٣٠ ألف طالب في ثاني أسبوع من العام الدراسي” كما يقول التربوي علي الشنان رئيس لجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني. ومجلس الرقة المدني هو المجلس المحلي المعني بإدارة شؤون المدينة بالتنسيق مع قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي.

وكانت مديرية التربية والتعليم في الحكومة السورية قد رفضت الاعتراف بالمدارس في الرقة بعد سيطرة قوات سورية الديمقراطية على مدينة الرقة في أكتوبر/تشرين الثاني العام الفائت، كما ترفض الاعتراف بالمدارس الخارجة عن سيطرة القوات النظامية الموالية للأسد وبذلك لم ترسل إليها أية لوازم تعليمية،

كما امتنعت عن إرسال الكتب والمناهج المقررة، إلا أن منظمة “اليونيسيف” التابعة للأمم المتحدة، ساعدت في فتح عدد من المدارس وقدمت الكتب والمقررات المدرسية، كما دعمت بعض المنظمات المدنية مالياً لتقوم بأعمال الصيانة والتنظيف.

وعن المنهاج المعتمد في مدارس الرقة، ذكر الشنان إنه المنهاج الحكومي الصادر عن مديرية التربية في دمشق، مشدداً: “قمنا بحذف كل الدروس التي تمجد الأشخاص والأحزاب، والتي تدعو إلى التطرف الديني”، في إشارة إلى دروس مادة القومية والتاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي تمجد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد وحزب البعث الحاكم.

وأكد الشنان عدم حصول لجنة التربية والتعليم ومجلس الرقة المدني على أي دعم من الحكومة السورية لإعادة افتتاح المدارس وعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، قائلاً: “لا يوجد أي تنسيق بيننا وبين وزارة التربية في حكومة النظام، مجلس الرقة وبالتنسيق مع مجلس سورية الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي تولى مهمة إعادة طلاب الرقة لمقاعدهم الدراسية.”

وبحسب رئيس لجنة التربية والتعليم، تم تفعيل جميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي من الأول للصف الخامس، إلى جانب تفعيل مرحلة التعليم الإعدادية والتي ستبدأ بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني . وانتهت اللجنة من ترميم وتنظيف ست مدارس ثانوية بالتعاون مع منظمات مدنية، لكن العمل مايزال جارياً لاستقبال الطلاب وتسجيلهم في المرحلة الثانوية.

وعن أبرز التحديات التي تواجه العملية التربوية في الرقة، ذكر الشنان بأنها تنحصر في حجم الدمار الذي تعرضت له المدارس جراء العمليات القتالية الدائرة في محيطها، وقال: “يضاف لها نقص تجهيزات المدارس وغياب دورات المياه، ونقص الأبواب والنوافذ كل هذه الأمور تشكل معوقات وتحديات نحاول جاهدين إصلاحها وتجاوزها.”

“التعليم لا يؤجل”

أطلقت منظمة “شباب أوكسجين” بالتعاون مع منظمات مدنية محلية، مبادرة “التعليم لا يؤجل”، للمساهمة في عمليات ترميم وتنظيف مدارس الرقة وريفها، وقال بشار الكراف مدير المنظمة: “بعد الإعلان عن العام الدراسي الجديد، وجدنا إقبالاً كبيراً من الأهالي لتسجيل أبنائهم، وبما أننا نعلم أن معظم المدارس نالها الخراب والدمار، قررنا المبادرة للمساهمة في عمليات التنظيف.” وقد تضررت معظم مدراس الرقة إما جزئياً أو تدمرت تدميراً كاملاً  لتخرج من الخدمة نهائياً، كما انتشرت فيها الألغام ومخلفات الحرب التي لم تنفجر.

وأشار الكراف إلى تعاون إدارة المدرسة والكادر التدريسي والأهالي الذين شكلوا فرق تنظيف للمساعدة في أعمال النظافة والترميم، وقد بلغ عدد الطلاب المستفيدين من مبادرة “التعليم لا يؤجل” سبعة آلاف طالب بحسب الكراف، وتضع المنظمات المدنية العاملة في المبادرة خطة ليصل العدد إلى عشرة آلاف طالب.

وإلى جانب منظمة “شباب أوكسجين”؛ تلقت منظمة “وفاق” الدعم من برنامج “إنجاز”، وافتتحت مدرسة في مخيم عين عيسى للنازحين، و مدرسة مزرعة حطين والأسدية بريف الرقة، كما تولت منظمة “نما لتشجيع ودعم التطور الديمقراطي” مهمة تنظيف مدرستي السلام والكواكبي للتعليم الأساسي داخل الرقة بجهود فردية من قبل متطوعي المنظمة. وكذلك شاركت منظمة “رؤية” وجمعية “نساء للسلام،” ومنظمة “نداء”، ومنظمة “وقاية”، وجهات مدينة محلية أخرى من الرقة في المبادرة، في تنظيف ١٢ مدرسة موزعة في داخل أحياء الرقة وإزالة الأنقاض والركام منها.

وفي المناطق التي دُمّرت مدارسها بالكامل تم تحويل بعض المنازل لمدارس كما يروي سعدون (٤٥ سنة) الذي يسكن في حي الدرعية غربي مدينة الرقة، “لم يبق من مدرسة المنطقة سوى الأطلال، لذا قام مجلس الرقة ولجنة التربية باستئجار ثلاثة منازل، وحولوها لمدرسة أخذت تستقبل الطلاب في ثلاثة أفواج، دوام صباحي وثاني عند فترة الظهر وآخر مسائي نظراً لكثرة الأعداد.”

وتقول هند محمد مديرة جمعية نساء للسلام في حديث لـصالون سورية أن عدد المستفيدين “بلغ ١٢٠٠ تلميذ والحملة تتم بالتعاون والتنسيق مع منظمات مدنية من جهة، ولجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني من جهة ثانية.”

وبدأت حملة “التعليم لا يؤجل” مع بداية العام الدراسي الجديد، وأطلقت المنظمات المدنية هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم #بمشاركتنا-مدارسنا- أجمل .

مدارس بألوان الفرات

بدورها، أكدت ميادة الشيخ إبراهيم الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المحلي، أن اللجنة نجحت في افتتاح ١٨ مدرسة من أصل ٣٢ داخل أحياء الرقة، وقالت في حديثها لـ”صالون سورية” بأن: “أعمال النظافة تمت بالتنسيق مع فرق إزالة الألغام، نجحنا بافتتاح المدارس بعد تأمينها وترميمها وتنظيفها، وعادت للخدمة وتستقبل الطلاب من جديد.”

ولفتت الشيخ إبراهيم إلى أن لجنة التربية قامت بافتتاح ١٢ مركزاً تدريبياً لتأهيل الكادر التدريسي، “الكادر خضع لدورات تأهيل للتعرف على كيفية تدريس الوسائل والطرائق الحديثة في العملية التربوية، ومواجهة التحديات والعقبات بعد ٣ سنوات من حكم تنظيم داعش” كما تقول.

وتروي المدرسة وفاء (٣٧ سنة) كيف قام عناصر داعش بتغيير ألوان المدارس وكسوها بالسواد، وقالت: “أول خطوة يجب إعادة طلاء المدارس بألوان فاتحة وزاهية تعكس روح أهالي الرقّة الحقيقيّة.” و بقيت المعلمة وفاء المتحدرة من الرقة، تدرّس في مدارس المدينة قرابة ١٠ سنوات، قبل نزوحها صيف العام الماضي وعودتها بعد انتهاء العمليات القتالية.

واليوم بدأت وفاء دوامها في مدرسة البحتري في حي الرميلة، كما تعمل إلى جانب الكادر التدريسي على تهيئة نفسها لكيفية التعامل مع الطلاّب الذين عاشوا في ظلّ حكم (داعش)، وتقول “التوحّش والإجرام كانا سمتي حكم داعش وأثرا على جيل الأطفال، سأعمل بكلّ طاقاتي لاستيعاب هذا الجيل، وتغيير سلوكه نحو الأفضل، لأن أفكارهم هدامة.”

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

واقع التعليم في سوريا مُزْرٍ ومأساوي، فقد دُمرت البنية التحتية للتعليم وشُرِّد الطلاب أو تسربوا، وهاجر من هاجر وبقيت آلاف المدارس المدمرة والتي لم تُرمَّم بعد شاهداً على حجم المأساة التي حلت بالتعليم.

فرض تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نصوصه المدرسية وأخضع المدرسين لدورات تدريبية حين كان يحتل الرقة، وفرضت تركيا لغتها في مناطق درع الفرات، في خطوة اعتبرها البعض تمهيداً للتتريك والضم فيما اعتبرها البعض الآخر حلاً أنعش التعليم.

كما أُدخلت اللغة الروسية في التعليم في المناطق الحكومية وصارت الكردية لغة المناهج في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. ورأى البعض في هذا رسائل سياسية واضحة تعكس الواقع القائم في سوريا. وفي جنوب سوريا، توصل الأهالي إلى حلول تتماشى مع الواقع المرير فيما انتقل الميسورون إلى مناطق أخرى من أجل أولادهم.

وكي نلقي الضوء على التعليم وما حدث له نتيجة للحرب المدمرة التي دارت رحاها في سوريا، قمنا في صالون سوريا بإعداد طاولة مستديرة حول واقع التعليم في جميع المناطق السورية، كي نقدم صورة عن واقع التعليم والحلول التي لجأ إليها السوريون والسياسات التي تتحكم بالعملية التعليمية وكل ما يتعلق بهذا الموضوع.

كما يدعو صالون سوريا الكتاب والباحثين والصحفيين السوريين إلى المساهمة في مناقشة هذا الموضوع وطرح التصورات والآراء حول كيفية النهوض بالتعليم في ظل الواقع المتردي الناجم عن الحرب، وأن يدلوا برأيهم في ما يجب فعله في هذا المفصل التاريخي الخطير في تاريخ سوريا الحديث من أجل إنقاذ التعليم والذي يعني إنقاذ المجتمع السوري من السقوط في هاوية التخلف والجهل.

سينشر صالون سوريا المساهمات التي تصله تباعاً ويقوم بتفعيل الروابط.

التعليم في مدينة الرقة السورية بعد طرد داعش منها
كمال شيخو

الحياة تعود لمدارس درع الفرات بعد جمودها لسنوات
هادية المنصور

واقع التعليم في الجزيرة السورية
كمال شيخو

التعليم مازال في غيبوبة في الجنوب السوري
رياض الزين

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية
حمد المحاميد

تدهور قطاع التعليم في مخيمات الشمال السوري
سونيا العلي

تأثير الحرب على التعليم الحكومي
عامر فياض

Six turning points on the Syrian uprising

Six turning points on the Syrian uprising

A chronological examination of developments during the seven years of the Syrian uprising denotes several turning points. Each of them has crucial role in the unfolding Syrian drama, and more importantly each one of them seems to lead to the other and henceforth direct the conflict.

As we all know, the Syrian uprising has its roots in a peaceful movement that demanded social justice, and yet, it rapidly morphed into armed struggle for power between various actors. The uprising is characterized by deep divisions between all anti-Assad factions such as: rural / urban, secular / Islamist, and new generation / old generation. More importantly, there are deep divisions among regional and international powers which seem to overlap all turning points and add complexity to an already complicated picture.

In this context, there are six turning points that can be counted as critical in defining todays’ Syria:

The first one is the militarization of the uprising by late July 2011, which turned a civil movement into an armed struggle for power between various actors. This was mainly due to the regime rhetoric in utilizing hard power (al-hal al-‘amny ; al-hal al ‘askary—security and military solutions) to eliminate its opponents. However, unsurprisingly, state and non-state actors found a golden opportunity in supplying funds and arms to different militias that eventually would serve their interests. Saudi Arabia and Qatar were among the first states which funded militias. Turkey and the United States were to follow.

This indeed has led to the second turning point, which is the sectarianization of the uprising. The Syrian regime played with sectarian fire by pitting Alawite-dominated forces against Sunni-dominated rebels, and thus, portrayed the conflict as sectarian fight, and sectarian actions by the regime forces and the security dilemma certainly played vital roles in this. Moreover, non-state actors, Shi‘a militias on the ground, and the Sunni political entrepreneurs in some Gulf States manipulated sectarian identities for their ends.

Consequently, this polarization of sectarian identities triggered the third turning point which is the radicalization of the conflict with the establishment of Jabhaet al-Nusraal-Nusra Front (NF) in January 2012. Since NF is a paramilitary organization with links to al-Qa‘ida, it forced the West and some Syrians to perceive the uprising as a fight against “terrorism.” In the truth, there are myriads of actors and factors responsible for the creation of NF: violence, sectarian manipulation by state and non-state actors, and the hesitant policies by the West in how to address the uprising–which had now turned into a bloody conflict. In addition, Turkey, while aiming to contain the Kurdish threat, empowered NF by turning a blind eye to jihadists infiltrating through its southern borders.

The strategy of no strategy by Western officials added chaos to an already chaotic conflict leading to the forth turning point, which is the chemical attack on eastern Ghouta. On 21 August 2013 Syrian forces launched sarin gasa deadly chemical weaponinto the Damascus suburb of eastern Ghouta killing more than 1400 including civilians. Since the early days of the uprising, President Barak Obama declared chemical weapons as a “red line” and warned of a military retaliation if they were used by the Syrian regime. Well, the retaliation was limited to condemnation in a press release. No military response took place. The red line was crossed, and the rules of the game were tested.  Several chemical attacks were reported later.

As a result, many rebels were provoked to join radical groups and, furthermore, it created a lethal vacuum which President Vladimir Putin has happily filled, and has been able to draw the rules of the game. This is the fifth turning point. In late September 2015 Russian forces intervened on the ground in Syrian changing the political and military equation as it radically swung the pendulum towards the Assad regime. Throughout the three years of his intervention, President Putin proved himself as de facto most powerful actor in today’s Syria, and moreover, in the future Syria.

The sixth and last turning pointfor the meantimeis the Sochi Deal that prevented a looming deadly assault on Idlibthe last standing haven for rebels. On 17 September 2018 President Erdogan and his new good friend President Putin signed an agreement to create a fifteen-to-twenty-kilometer demilitarized zone in the province of Idlib which would see the removal of heavy weapons and the Jihadists of Tahrir al-Sham (formerly known as NF). The deal prevented a military hegemony by the Assad regime and more importantly guaranteed the deployment of Turkish forces in northern Syria. The Sochi deal demonstrated that Russian interests do not parallel those of Assad, and that alliances shift with the structure of power. The Sochi deal draws the borders of the so-called zones of influence, and empowers the actors who will draw the road to a post-conflict Syria. Whether this deal is going to catalyze a seventh turning point is yet to be seen.

As explained in the above account, these six turning points played critical role in the fate of the uprising. Each one seems to catalyze another. Nevertheless, the most critical turning point in Syria and the life of Syrians was on 15 March 2011, when dozens of brave youth protested in the heart of Damascus chanting for freedom. It might take too many turning points in order to get back to this very first one.

[Other roundtable submissions can be found here]