لشو بتشتاق “رزق الله عسنة الـ٢٠١٠”

لشو بتشتاق “رزق الله عسنة الـ٢٠١٠”

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟

“مشتاقة لشارع النهر بدير الزور، لمدرستي، لبيتي، لرفقاتي، مشتاقة لمجتمعي أنا اليوم بلا مجتمع. مناسباتنا صارت مأتم منتذكر فيها إننا بحالة نزوح دائمة، بشتاق لأتسوق من الدير.” هذا حال آلاء ابنة دير الزور التي أجبرتها الحرب على ترك مدينتها والاستقرار بدمشق، دمشق التي كانت تحبها، لكنها لا تعني لها اليوم أكثر من مجتمع أجبرت على الاستقرار به.

“مشتاقة لأيام زمان، مشتاقة ارجع ربة منزل، مشتاقة لأيام زمان.” هذا حال رشا 35( عاماً) والتي تعمل في تنظيف البيوت منذ أن هُجِرت من منزلها المنظم في ريف دمشق، لغرب العاصمة حيث العشوائيات.

تنهدت رشا بنفس خرج من منتصف الصدر، تلته ابتسامة خفيفة مع دمعة سقطت سهواً، لتعقب ماذا ينفع الحنين غير القهر!

منذ أول سنوات الحرب في سوريا، يتردد على لسان أبناء المجتمع كلمة: “اسئالله، اسقالله، رزق الله”، تختلف اللكنة المحكية، لكن المعنى واحد والمضمون رغبة من القلب للعودة إلى ماقبل2011، في هذا التقرير أقدم تقريراً حول بعض مايشتاقه السوريون اليوم.

 مصيبة الذاكرة الواعية!

عاشَ السوريون مرحلتين من الحياة في البلاد، وخصوصاً جيل الثمانينات على حد تعبير بعضهم، الجيل الذي ذاق ويلات “أحداث الإخوان المسلمين”، وعندما بدأ الشباب يلوح له بأفق الحياة عاشوا ويلات الحرب الحالية. في لقائي مع عدد من السوريين في دمشق ومدن وأرياف أخرى، اختلفت الإجابات عند سؤالهم إلى ماذا يشتاقون؟ ومن مصباح علاء الدين كلٌ منهم طلب مكنوناته الداخلية، أبو محمد تاجر خضار و فواكه يعيش بمنطقة العشوائيات “المزة 86″، اشتاق لأن يعود كيلو البندورة بـ 5 ليرات سورية، والموز بأغلى أثمانه عام 2010 بـ 250 ليرة سورية. بينما تشتاق مها وهي صحفية من ريف دمشق: “للخير اللي كان بالناس قبل 10 سنين”. ولو خرج لها مصباح علاء الدين يوماً، فستطلب منه أن يزيل العشر سنوات السابقة من حياتها.

بينما تعقب لما صحفية من مدينة طرطوس على حديث مها قائلةً: “بشتاق لـ2010 لوقت كنا نقول فيه أنا الصحفية الفلانية وفوراً يقولوا تفضلوا”! وتتشابه معها في طلبها من المارد السحري.

مع كل سنة تعارك سورية حرباً جديدة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، وتزيد حالة الحنين إلى الماضي (النوستالجيا)، كمدخل للهرب من الواقع، ذلك تماماً الذي شبهه محمود درويش بأنه استرجاع الفصل الأجمل في الحكاية، تشير الاختصاصية النفسية الدكتورة رندة رزق الله:  “أن البشر مسكونون بالماضي، هي حقيقة لا يمكن إنكارها، فالإنسان يتميز عن باقي المخلوقات بالذاكرة الواعية، والذاكرة الانفعالية، أي تلك الذاكرة التي تسترجع الأحداث كصور وإحساس، فكل حدث يعيشه الإنسان يترافق مع حالة انفعالية، ويخزنه في مراكز الذاكرة الواعية، التي تتذكر تسلسل الأحداث والأسماء والأماكن والأشكال. مركز الذاكرة الانفعالية مسؤول عن مشاعر كالفرح والحزن والغضب والقرف وغيرها، لذلك عندما يشعر الناس بالحنين إلى الماضي
أي إلى العواطف والحالة الانفعالية التي رافقت أجزاء من ذلك الماضي كأماكن محددة، وصور، وأشخاص، وروائح وطعام وجلسات معينة، والإحساس بالفرح والراحة والأمان في الماضي. لذلك عند استرجاع الذكريات يشعر الفرد بمزيج من المشاعر بين الحزن لفقدانها والفرح لتذكرها، ووفق بنية الشخص النفسية يتم التفاعل مع هذه الذكريات؛ فالمكتئب يستدعي الذكريات ويحن للماضي حزيناً على فقدانه ومبرراً كآبته الحالية.”

ربما هذا مايبرر سبب شعور الكآبة التي تعيشه أم فادي وهي من ريف حمص، حيث هاجر كل أبنائها إلى أوروبا، وبقيت مع زوجها في منزل فيه 4 غرف. ومع ضحكة مصطنعة تقول إنه لو لديها مصباح علاء الدين فستطلب منه أن يعودَ كل أبنائها وتعود لتطبخ بأكبر طنجرة لديها.

يُردد كثير من الناس في سوريا خلال أحاديثهم اليومية عبارات تحسد من فقد الذاكرة من مثل: “أحسنلوا ماعد تذكر شي،” كمؤشر على رغبة الناس على الهروب من الحاضر.

رزق الله ع العربيات!

“يالطيف وين صرنا”! جملة تسمعها صباحاً أمام طابور للحصول على إحدى الحاجيات الأساسية كالخبز، أو خلال ساعات الانتظار لوسيلة نقل ما، وفي هذا السياق يشتاق فجر ابن مدينة السويداء وخريج الفنون الجميلة، لأن يجلس في “السرفيس بكرامة” كما قبل 2011، ويشتاق لأن يدفع 100 ليرة أجرة التكسي، ويضيف: “رزق الله ع العربيات”. بينما اشتاقت صفاء من الحسكة لطفولتها الهنية يوم كانت أقصى الهموم شراء لعبة أطفال جميلة. أما آية ابنة ريف جبلة فتشتاق لجمعات العائلة والحنان الموجود سابقاً في بيوت الأجداد، وتشتاق لأقرباء شباب توفى الله بعضهم والآخرون هاجروا. هنا لا يمضي يوم على المواطن السوري دون ذكر قبل الحرب، والشوق، الغالبية يشتاق لبيت هجره، وأخٍ فقده، وأصدقاء هاجروا، لحب سببت الحرب بانتهائه بالانفصال عنوةً بسبب تطرف المواقف أو تطرف القدر الذي أفقد أحد الطرفين حياته، وهذا شعور المهندسة هلا (33 عاماً) والتي تشتاق لحبيبها السابق الذي أخذه القدر منها في معارك إدلب، وبالطبع في الضفة الأخرى صبية تستذكر حبيباً كان ضحية ذات الجبهة العسكرية.

ما بشتاق!

يهرب البعض من التفكير بالماضي القريب رغم ندرتهم، تشير فرح (27 عاماً) وهي مدرسة لغة إنجليزية، أن فترة قبل الحرب هي مرحلة زمنية بعيدة جداً، لا تستطيع أن تعود بذاكرتها لها، لأنها ستمر على مرحلة القذائف والمفخخات في العاصمة وغيرها. بينما لا تحن آية (25 عاماً) من مدينة حلب لشيء أبداً قبل الحرب، لذلك تحاول أن تفكر بيومها فقط. وهنا تنوه الاختصاصية النفسية رندة رزق الله أن في الحروب يعيش الإنسان حالة مؤلمة لا يرغب بشيء سوى الخلاص منها، وخصوصاً الشباب والشابات الذي يكون ماضيهم مكوناً من سلسلة أحداث مؤلمة ومخيفة ومقلقة لن يفكروا بالعودة إليها يوماً، وستبقى بقعة سوداء مظلمة يسعون كل باقي حياتهم للتخلص من آثارها. وتنوه رزق الله إلى أن للحرب أيضاً دورها في حالة عدم الشوق الذي يعيشه بعض الناس عبر حالة انفصال عن الماضي وكأنه صدمة متطاولة، غير معروفة النهاية، وهذا تماماً ما كانت تعانيه رشا (40 عاماً) وهي تعمل كربة منزل وتؤكد أنها لا تشتاق لشيء فلم يكن هناك شيء جميل سابقاً ولا اليوم سوى ابنها التي تربيه “كل شبر بندر”.

شبيك لبيك!

في قصة مصباح علاء الدين يصيح المارد من شاشات التلفزيون “شبيك لبيك أنا بين إيديك”، ليأخذ المشاهدين بالخيال لمشهد محبب، لكن جلّ طلبات من التقيناهم لو صادفوا مارد مصباح علاء الدين في حياتهم الواقعية اقتصرت على أمنية الاستقرار الاجتماعي، والعودة لبيت دمرته الحرب، والعودة لزمن فيه قيمة شرائية للخمسين والعشرين ليرة . وفي هذا السياق تُشير الاختصاصية الاجتماعية سمر أيوب أنه في حالات الحرب والفقدان تكون العودة للماضي مريحة للتكيف الاجتماعي بالحاضر، وخصوصاً إن شاهد المرء أو صادف عزيزاً على قلبه، لكن أحياناً تحتاج هذه المرحلة الشوق والحنين للماضي “النستولوجيا” لتدخل الاختصاصي النفسي.

منذ عشر سنوات، كان الحنين في سورية يقتصر على الاشتياق لطبخة تراثية في قرية أو مدينة سورية، نسيتها النساء حديثات العهد بسبب تطور الثقافات واختلاطها. في ذلك الزمن كان حنين العشاق يقتصر على جلسة سمر مع أم كلثوم وحبر رسالة على ورقةٍ بيضاء دون مسنجر وماشابه ذلك من طقوس رومانسية. أما منذ سنة 2011 وحتى الآن فتغير الحنين مع رياح البلاد السياسية وأصبح لأشياء تبدو بعيدة المنال لكنها كانت اعتيادية عقداً مضى من الزمن.

الفقد: كلمة لن نجدَ غيرَها

الفقد: كلمة لن نجدَ غيرَها

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟

إذا كنّا نحن الذين دخلنا عقدنا الثالث أو الرابع أو الخامس من عمرنا مع بداية العقد الثاني من الألفية المتزامن مع عقد الثورة والحرب وتداعياتهما، إذا كنا نشتاق إلى أيام كانت الحياة فيها أكثر هدوءاً وأكثر أملاً ورغبة في غد أفضل؛ فإن الشباب الذين بدؤوا حياتهم مع هذا العقد، وعاشوا الحرب إلى ماذا يشتاقون؟
وإذا كان الحنين أو الاشتياق يمتلك في طبيعته مفعولاً رجعياً ماضوياً، فإن اشتياق هذا الجيل سيتضمن مفعولاً مستقبلياً، عندها تتحول الصيغة اللفظية إلى تطلّع، أو إذا جاز التعبيرإلى حنين مستقبليّ، إلى حلم.

ولأنها لا تعطي أجوبة، ربما لأنها هي جوابٌ يحملُ إبهامه الواضح، وعبثيته المنظَّمة، فإنها في كل لحظة، تطرح الحرب أسئلتها المؤتمتة بخيارات مفتوحة، صعبة، مرهِقة وعصية على الحل.
غالباً ما تكون الحرب جواباً لانغلاق الرؤى، لوهم القوة، لاستبداد الطاغية، لغياب الديموقراطية، لاحتشاء فكريّ وعدم احترام الاختلاف. وقد تأتي استجابة لقهر تسلطيّ، لنعي المدنية وانعدام الأفق.
ولأنها جوابٌ ناقص، تطرح نفسها كأسئلة محايثة وضاغطة على أعصاب تشعر أنها تفقد القدرة على التحمل في كل لحظة، أعصاب ليست من قش لكنها مهدَّدة بالاحتراق في كل لحظة أيضاً.
من بين الأسئلة الكثيرة التي تطرحها الحرب تبرز على السطح أسئلة: الهوية، المواطنة، المصير، الذات والآخر، التعددية، العدالة والكرامة الإنسانيتين. ورغم أن هذه المصطلحات، تبدو لأول نظرة وكأنها صياغات لغوية أو فكرية تأطيرية، إلا أنها في الواقع ستأخذ معنى: القتل، التهجير، تدمير المنازل، الاعتقال، عدم الاحترام، الطرد من العمل، غياب الفعل الثقافي، أزمات مستدامة، أزمة وقود، أزمة مياه، والعيش على خط الصفر الحياتيّ دون ضامن، والمستقبل في حكم ضمير غائب.

إن الحرب جريمة عقلانية! بمعنى أن فعل القتل يتم أخذ القرار به وصوغه وتنفيذه بشكل إراديّ وعن سابق إصرار وتصميم، هذا يجعل منها رغم عبثيتها عقلانيةً، وسنرى قَتَلة بثياب أنيقة وأيدٍ بيضاء وبكامل قواهم العقلية، لذلك فإن الحرب لا تُحيل إلى ذلك المعنى التقليدي المتضمن فريقين متحاربين أو أكثر فقط، بل تحيل إلى كلمة أشد عمقاً وأعنف تأثيراً: الفقد. إنها تجعل منه فقداً نهائياً، إنها الكلمة التي لن نجد غيرها.

أرقام باردة..حياة حارة

تقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف مليون شخص قتلوا في سوريا منذ آذار2011.

وتقدر منظمة هيومان رايتس ووتش العدد بـ 400 ألف قتيل، بينما يوثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 384ألف شخص منهم أكثر من 116 ألف مدني من بينهم 22 ألف طفل و 13 ألف امرأة، ومقتل 129 ألف جندي سوري و1637 عنصر من “حزب الله”، و 57 ألف من مقاتلي المعارضة، و 13 ألف من قوات سوريا الديمقراطية. ووثق المصدر مقتل 67 ألف من مقاتلي داعش وجبهة النصرة والفصائل الأخرى و421  شخصاً مجهول الهوية.
وحسب تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة في 2020 هناك 6.6 مليون نازح داخلي، و 5.6مليون لاجئ. بينما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال 129973 شخصاً منذ بداية الثورة، و13983 شخصاً قتلوا جراء التعذيب.
في 6 آذار 2019 نشر معهد البحوث والتدريب التابع للأمم المتحدة(VNITAR) أطلساً للدمار في سوريا معتمداً على الوقائع وصور الأقمار الصناعية، مفصلاً حجم الدمار الذي تعرضت له المباني في المدن السورية. تصدرت حلب القائمة بـ 35722 مبنى مدمر بين دمار كليّ أو بالغ أو جزئي: غوطة دمشق34136  مبنى، حمص 13778 مبنى، الرقة 12781 مبنى، حماه 10529 مبنى، دير الزور    6405 مبنى، المخيم والحجر الأسود 5489 مبنى، الزبداني 3364 مبنى، عين العرب 3247 مبنى، درعا 1503 مبنى، ادلب 1415 مبنى، تدمر 651 مبنى.
بالإضافة إلى دمار القرى والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات، حيث قدرت الأمم المتحدة حجم الدمار بما قيمته 400مليار دولار.

إلى ماذا نشتاق؟

سؤال حاد تطرحه الأرقام والوقائع والحياة المعاشة. كل بيت فيه فقد، كل عائلة عانت. إننا نفتقد من فقدناهم، نفتقد البيوت ورائحتها. ونتطلع إلى هدوء له ملامح سياسية يأخذ شكل دولة تعددية ديمقراطية، وملامح اقتصادية تأخذ شكل دخول جيدة وفرص متكافئة واقتصاد تعددي بلا استغلال وحياة بلا أزمات، نتطلع إلى دولة تقوم على المواطنة والاحترام والقانون.

إن الكتابة عن الكارثة، لا يمكن أن تعادل الكارثة، إنها نسق متتابع لفظي تكراري يحاول وصف، شرح ، تشريح الحدث المأساوي، الكتابة موازاة، الكارثة شيء متفرد وخارج حدود الكتابة. يمكن أن تكون الكتابة شكل من أشكال الاعتذار من الضوء، من الفجر، من الأرض، من الدم. يمكن أن تكون ندماً دائماً أو إيذاناً ببدء الحداد، لكنها لن تكون بمستوى الجريمة. يمكنها أن تأخذ شكلاً ارتدادياً للصراخ، يمكن أن تأخذ الشكل المعقوف لعلامة استفهام كبرى في “زمن القَتَلة”، لكنها لن تعادل ألم أصوات القتْلى والمفقودين والمهجَّرين.

شلل في دمشق بانتظار “الزيت” الإيراني

شلل في دمشق بانتظار “الزيت” الإيراني

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

انشغل العالم لعدة أيام بتعطل حركة الملاحة الدولية في قناة السويس نتيجة جنوح سفينة الحاويات العملاقة “إيفر جيفن”، ورغم تمكن إدارة القناة من تحرير السفينة أخيراً، إلا أن سورية كانت تئن تحت وقع أزمة صامتة بتأثير ما يحصل في مصر.

منذ أكثر من أسبوع تعاني البلاد واحدة من أسوأ أزمات النقل بين المحافظات نتيجة شح شديد في المشتقات النفطية وخاصة مادتي المازوت والبنزين، حيث تقطعت السبل بآلاف المسافرين يومياً مع ارتفاع كبير في أجور النقل سواء باستخدام التكاسي في المحافظة نفسها أو بالسيارات الخاصة المخصصة لنقل المسافرين بين المحافظات، ويتزامن ذلك مع بلوغ موجة انتشار فايروس كورونا ذروتها وإشغال مشافي العاصمة بشكل كلي تقريباً، بحسب وزارة الصحة.

بانتظار ناقلات النفط

قال رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس مؤخراً “كان من المتوقع أن تصل 4 ناقلات نفط في 25 الشهر الفائت لكن بسبب جنوح السفينة في قناة السويس تأخر وصول هذه الناقلات، ومن المتوقع أن نصل إلى انفراج خلال الأسبوع القادم. وبين عرنوس أن تكلفة ليتر البنزين على الحكومة 2100 ل.س و”نقوم ببيعه للمواطن بـ 750 ل.س” على حد تعبيره.

ومع شبه توقف لحركة البولمانات المخصصة لنقل الركاب، لجأ بعض المسافرين إلى استخدام سيارات خاصة وتختلف من محافظة إلى أخرى أجرة النقل فيها عن كل فرد، إذ تتراوح بين دمشق وحلب، على سبيل المثال، ما بين 30 و40 ألف ل.س.

ويشتكي أحد السائقين من صعوبة تأمين البنزين مع تخفيض المخصصات واضطراره للانتظار في طوابير مكتظة لساعات طويلة أمام عدد محدد من محطات التزود بالوقود. وذكر عامر (سائق سيارة خاصة) ، طالباً عدم ذكر اسمه الحقيقي، بأنه اعتاد على تعبئة البنزين المهرّب والذي يباع على الطرقات الدولية خاصة بين حمص وطرطوس، لكن سعر الليتر الواحد، قفز فجأة منذ أيام إلى أكثر من 2200 ل.س بالتزامن مع تعطل حركة قناة السويس.

وأعلنت “الشركة الأهلية للنقل” في إفصاح طارئ نشره موقع “سوق دمشق للأوراق المالية” أنها أوقفت نشاطها في نقل الركاب بين المحافظات بنسبة 95%، اعتباراً من 3 نيسان لحين استلام مخصصات مادة المازوت اللازمة للتشغيل، وحذّرت أن هذا الإجراء سيوقف الدخل الأساسي للشركة، الأمر الذي يترتب عليه خسائر مادية كبيرة، نتيجة عدم قدرتها على تغطية النفقات اليومية الثابتة والمقدرة بمبلغ 3 ملايين ل.س يومياً.

تخفيض مخصصات السيارات من المحروقات

أما في العاصمة في دمشق، فتعاني مواقف النقل العامة من ازدحام شديد لتوقف أغلب الميكروباصات ووسائل النقل العامة التي تعمل على خطوط دمشق وريف دمشق لتبقى التكاسي ووسائل شخصية أخرى الحل الوحيد المتبقي أمام الناس، يقول عمر “إن أجور التاكسي من البرامكة من قلب العاصمة إلى منطقة جديدة عرطوز بريف دمشق تضاعفت خلال أيام قليلة من 5 آلاف حتى 8 آلاف ليرة”. يضيف عمر “ليس بمقدور الكثير دفع هذا المبلغ، لذلك نعمد إلى استئجار تاكسي تتسع لأربعة ركاب مقابل 2000 إلى 2500 ل.س عن كل فرد”.

وكانت نشرت “وزارة النفط والثروة المعدنية” بياناً في 27 آذار الماضي، ألمحت فيه إلى أن تعطل حركة الملاحة في قناة السويس بسبب جنوح سفينة حاويات عملاقة وسدها للممر المائي الأهم في العالم، انعكس على توريدات النفط الى سورية وتأخر وصول ناقلة كانت تحمل نفط ومشتقات نفطية للبلد”.

 وذكرت الوزارة في بيانها “ضماناً لاستمرار تأمين الخدمات الأساسية للسوريين من (أفران ومشافي ومحطات مياه ومراكز اتصالات ومؤسسات حيوية أخرى) فإن وزارة النفط تقوم حالياً بترشيد توزيع الكميات المتوفرة من المشتقات النفطية (مازوت – بنزين) بما يضمن توفرها حيوياً لأطول زمن ممكن”.

وأعلنت “محافظة دمشق” في 29 آذار/مارس الماضي خفض كميات البنزين للسيارات بنسبة 50% لتصبح 20 ليتراً كل 7 أيام.  وأوضحت “محافظة دمشق” أن لجنة المحروقات فيها قررت خفض كميات تعبئة مادة البنزين للسيارات السياحية الخاصة والعامة (سيارات الأجرة) “نظراً لانخفاض عدد طلبات المحروقات الواردة إلى المحافظة”. وأصبحت الحصص المسموح للسيارات الخاصة تعبئتها هي 20 ليتراً كل 7 أيام بعد أن كانت 40 ليتراً، بينما يسمح للسيارات العامة بالتعبئة كل 4 أيام. ونقل المكتب الإعلامي للمحافظة عن نائب رئيس المكتب التنفيذي فيها أحمد نابلسي أنه سيتم إيقاف تزويد “الميكروباصات” (السرافيس) بكميات المازوت المخصصة لها كل يوم جمعة حتى إشعار آخر، والاكتفاء بعمل باصات الشركة العامة للنقل الداخلي وشركات النقل الداخلي الخاصة.

وأصدر رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس بداية نيسان (أبريل) الحالي بلاغاً يقضي بتخفيض مخصصات السيارات الحكومية من مادة البنزين لشهر نيسان الحالي بالنسبة للمجموعة الأولى الواردة في القرار رقم 16م. وتاريخ 7-3-2013 م بمقدار 100 ليتر للسيارة الأولى و25 ليتراً للسيارة الثانية و15 ليتراً للسيارة الثالثة حسب الحال.  وبحسب البلاغ المنشور على صفحة رئاسة مجلس الوزراء على فيسبوك، تخفض مخصصات شهر نيسان الحالي من مادة البنزين بالنسبة لباقي السيارات الحكومية العاملة على البنزين بمقدار 15 ليتراً. وطبقاً للبلاغ فإن هذا التخفيض “يأتي في إطار استجابة الحكومة للظروف التي يشهدها سوق المشتقات النفطية بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على البلد وبسبب الظروف الفنية والتقنية الطارئة التي أخرت وصول توريدات النفط والمشتقات النفطية ولاحقاً للتخفيضات المسبقة على مخصصات الآليات الحكومية من المشتقات النفطية”.

تعبئة البنزين عبر رسائل نصية فقط

وأعلنت “وزارة النفط والثروة المعدنية” في 5 نيسان عن بدء تطبيق الآلية الجديدة لتوزيع مادة البنزين وفق نظام الرسائل النصية القصيرة اعتباراً من يوم الثلاثاء الموافق ٦ نيسان ٢٠٢١، تعتمد الآلية الجديدة على إرسال رسالة نصية قصيرة تتضمن تفاصيل المحطة التي يتوجب التوجه إليها مع مدة صلاحية الرسالة.

إيقاف مؤقت للدوام في المؤسسات التعليمية والحكومية

وقرر “مجلس الوزراء” في4 نيسان توقيف العمل أو تخفيض نسبة العاملين في الوزارات والجهات العامة التي لا يؤثر إيقاف العمل فيها على النشاط الاقتصادي والإنتاجي بشكل مؤقت حتى تاريخ 15 نيسان 2021 وفق أسس محددة.

وأعلنت “وزارة التربية” في 3 نيسان الحالي إنهاء دوام مرحلة رياض الأطفال وصفوف مرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول حتى الرابع الأساسي بدءاً من يوم الإثنين، مع اعتماد نتائج الفصل الدراسي الأول مع أعمال الفصل الدراسي الثاني (مذاكرات + الشفهي) معياراً للنجاح أو الرسوب. كما أعلنت تعليق دوام صفوف مرحلة التعليم الأساسي من الصف الخامس حتى الثامن الأساسي على أن تجرى امتحاناتهم خلال الفترة من 25 حتى 29 نيسان /إبريل 2021.

وفيما بخص الصفوف الأخرى قررت الوزارة استمرار دوام طلاب الصف التاسع الأساسي والمرحلة الثانوية بصفوفها كاملة في جميع فروعها وفق الخطة الدراسية على أن تجرى الامتحانات الانتقالية لصفي الأول والثاني الثانوي بمختلف الفروع خلال الفترة من 25 حتى 29 نيسان 2021م.

وعلقت “وزارة التعليم العالي” الدوام في الجامعات لأسبوعين بدءاً من يوم الاثنين، 5 نيسان ولغاية السبت 17 من الشهر ذاته. وأوضحت الوزارة أن القرار يشمل جميع الجامعات، حكومية وخاصة، إضافة إلى المعاهد.

كما علقت “وزارة التربية” دوام المعاهد التابعة لها (الصناعية والتجارية والاقتصاد المنزلي وتقنيات الحاسوب والرياضة والتربية الفنية والموسيقية) لمدة أسبوعين اعتباراً من يوم الاثنين 5 نيسان م ولغاية يوم السبت 17 نيسان عملاً بتعليمات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. بحسب مما نشرته الصفحة الرسمية لوزارة التربية على فيسبوك.

وأثّرت أزمة النقل على القطاع التعليمي، إذ كشف مدير التربية في اللاذقية عمران أبو خليل لتلفزيون الخبر المحلي في 29 آذار الماضي عن “إعفاء مدير مدرسة في البسيط لإيقافه الدوام الرسمي إثر عدم وصول المدرسين بسبب أزمة المواصلات “. وكان مدير مدرسة الدفلة التابعة لمنطقة البسيط في ريف اللاذقية أمر بعودة الطلاب من المدرسة بسبب أزمة المواصلات وصعوبة وصول المعلمين إلى مدرستهم. ورجحت مصادر إعلامية لـ”صالون سورية” أن صدور القرارات الحكومية الأخيرة مرتبط بشكل أكبر بواحدة من أسوأ أزمة نقل تمر بها البلاد وليس بسبب تفشي فايروس كورونا.

وتحدث مدير المشافي في “وزارة الصحة” أحمد ضميرية مؤخراً عن نقل عدد من الحالات المصابة بالفيروس وبحاجة إلى عناية مشددة من دمشق إلى حمص الشهر الماضي “بسبب إشغال أسرة العناية المشددة الخاصة بمرضى كوفيد-١٩ مئة بالمئة”. بحسب ما نقل عنه المكتب الإعلامي في وزارة الصحة على صفحة فيسبوك.

طاولة مستديرة: في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟

طاولة مستديرة: في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟

انقلبت حياة أغلب السوريين على اختلاف توجهاتهم وطبقاتهم، في العقد الماضي، وتخللها العديد من المآسي كالقتل، والتهجير والنزوح والهجرة والخسارات التي لم تترك جانباً في حياتهم إلا وأصابته.

يكتب المهاجرون قصائد نوستالجيا عن الوطن، ويرد عليهم من بقوا فيه بأن ما يشتاقون إليه لم يعد موجوداً، فالقهر احتل الشوارع بدل طاولات المقاهي الصغيرة، وافترشت عائلات نازحة حدائق العشاق، وعبق الموت غطى على رائحة الياسمين وأزهار الليمون.

ولا نبالغ إذا قلنا إنه لا توجد عائلة سورية واحدة بقيت حياتها كما كانت قبل عشر سنوات، سواء كانت تعيش تحت سيطرة الحكومة أو الإدارة الذاتية أو المعارضة المسلحة.

فبحسب برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة فإن ١٢.٤ مليون سوري وسورية يكافحون للحصول على وجبة رئيسية، أي ما يقارب ٦٠٪ من السكان.

وعدا عن الاحتياجات الرئيسية، هل يوجد أية عائلة لم تعاني من الوحدة والغربة وهي تحضر عزاء أحبتها أو أفراحهم خلف الشاشات الباردة؟ هل تستطيع أية عائلة أن تجتمع كاملة في الأعياد على مائدة كبيرة، دون تخطيط استراتيجي يتضمن آلاف الدولارات وتأشيرات دخول وبطاقات طيران وإذن سفر وإقامات وعشرات المعاملات الورقية؟

لتسليط الضوء على ما يشتاق له السوريون بعد عشرة أعوام قلبت بلدهم رأساً على عقب، يعد “صالون سوريا” طاولة مستديرة لمناقشة ذلك، ويدعو الكتاب والخبراء، إلى مناقشة المواضيع والقضايا التالية:

١- كيف ينظر السوريون في الداخل والخارج لحياتهم قبل عشر سنوات؟ وكيف تغيرت هذه النظرة بعد ما مروا به؟

٢- ما هي التغيرات التي لم يتوقع السوريون حدوثها على الإطلاق قبل عشر سنوات واضطروا لعيشها؟

٣- هل كان للسوريين هوية جامعة قبل عشر سنوات؟ ما الذي كان يجمعهم؟ وماذا حصل لهذه السرديات الجامعة الآن؟

٤- هل يمكن أن يتعايش السوريون في المستقبل؟

٥- ما أكثر ما يشتاق إليه السوريون في حياتهم السابقة؟

٦- ”كنا عايشين“ عبارة خلافية بين أطراف النزاع السوري، فبينما يؤمن بها البعض، يراها آخرون مهادنة للندم على طلب الحقوق والانتفاضة، فهل ”كنا عايشين“ حقاً؟

٧- هل كان النسيج الاجتماعي متماسكاً فعلاً قبل عشر سنوات أم مجرد مظاهر سطحية للعيش المشترك؟

يتطلع فريق ”صالون سوريا“ لاستقبال المواد لمناقشة هذه الأسئلة.

ستنشر المواد الواردة تباعاً وتفعل روابطها:

الفقد: كلمة لن نجدَ غيرَها

لشو بتشتاق “رزق الله عسنة الـ٢٠١٠”

كيف سيتعايش السوريون: هوية جامعة أم هويات متعددة؟

الجيل الجديد في سوريا ومفهوم الانتماء إلى الوطن

نصف حوالات السوريين إلى الخزينة الحكومية

نصف حوالات السوريين إلى الخزينة الحكومية

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

تُشكل الحوالات المالية مصدراً أساسياً للدخل الشهري لكثير من الأسر السورية التي تعتمد عليها لتأمين احتياجاتها المعيشية في ظل انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، إلا أن المعاناة تلاحق المواطن السوري حتى في استلام الحوالة المساندة التي يتلقاها من أقربائه في الخارج اذا أراد استلامها من خلال شركات الصرافة والتحويل المرخصة رسمياً أو حسب سعر الصرف الرسمي في ظل الإجراءات المتخذة لتقيد التحويل.

تُعد الحوالة المورد المادي الوحيد التي يحمي صاحبه من العوز بالنسبة لأشخاص كُثر داخل سوريا، كحال ماريا (41 عاماً) التي تسكن هي وشقيقتها في منزل مستأجر، وتشكل الحوالة المالية التي تتلقاها من أخيها المتواجد في ألمانيا السند الحقيقي في الفترة الراهنة حسب تعبيرها. تتحدث ماريا عن وضعها: “أعتمد بشكل كلي في تغطية نفقاتي على المبلغ الذي أتلقاه في بداية كل شهر من أخي الذي هاجر بسبب ظروف الحرب لأن المورد أصبح شبه معدوم، ليس لدي أي نوع من المدخول و لو أن الحوالة غير موجودة لا أعرف ماذا كنا سنفعل، أحاول الاقتصاد قدر الإمكان في النفقات وتدبير الأمور بحكمة لكي يكفي المبلغ لنهاية الشهر”.

وتوضح ماريا طريقة حصولها على الحوالة: “نتعامل مع أشخاص حيث يتم تحويل المبلغ بصورة غير رسمية وإرساله باليورو واستلامه بالليرة السورية، ويُحتسب المبلغ حسب سعر السوق السوداء مع أجور تحويل بين 3-5 في مائة، وهذه هي الطريقة الأنسب حتى لا أخسر جزءاً كبيراً من المبلغ بسبب القرارات العبثية التي يضعها أصحاب القرار لسلب مساعدات الناس من أقاربهم”.

من جانبها دانيا (26 عاماً) وهي خريجة كلية الحقوق تقول: “مجال دراستي يتطلب إذا دخلت المحاماة التدريب لمدة سنتين بشكل غير مأجور لذلك ليس هناك وارد مادي بشكل نهائي، أحصل على حوالة شهرية 400 ألف ليرة أحاول من خلالها تغطية المصاريف الشخصية، في الفترة الراهنة من له شخص خارج سوريا قادر على دعمه مادياً هو الشخص الذي يستطيع الشراء وتحريك السوق.”

وأضافت دانيا: “وضع الحوالات حساس في الفترة الراهنة فإما ارسال الحوالة بالطرق الرسمية وهذا يعني خسارة نصفها، فاستلام الحوالة يكون إما في الشركات الخاصة التي تسلم المبلغ على سعر 2200 ليرة سورية للدولار الواحد في حين السعر الحقيقي يصل لحد 4400 ليرة سورية بمعزل عن أجور التحويل التي تقارب 10 بالمائة من المبلغ الإجمالي، أو الاعتماد على أشخاص تعمل في هذا المجال وأجدها خطيرة لأني لا أعرفهم بصورة شخصية، لذلك نعتمد على استلام الحوالة المالية عن طريق الأقارب لاعتبارهم أضمن،  فترسل كأمانة مع شخص يكون في زيارة إلى دمشق”.

السعر الرسمي يبدد موارد مهمة للعملة الأجنبية

المسؤولية تقع على عاتق المصرف المركزي لإيجاد آلية يوحد من خلالها السعر مع السوق السوداء لتعود الثقة ويتم التحويل بالطرق الرسمية حسب ما أوضحت الدكتورة منال شياح وهي دكتورة في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق وأضافت: “لاشك أن الحوالات المالية تشكل دعامة وإفادة للبلد ولكن ما يحدث على أرض الواقع أنه عندما يتم التحويل المالي إلى سوريا يتم التحويل بالسعر الرسمي ويصل إلى الناس بصورة أقل بكثير من السوق السوداء، لذلك معظم الحوالات لا تدخل بصورة رسمية وإنما بالطرق غير المباشرة أو التهريب، لذا يجب إيجاد آلية لرفع سعر الصرف الرسمي أو إحداث مقاربة في سعر الصرف بالنسبة للحوالة، لكي لا تهرب الناس من التحويل الرسمي، وبالتالي يبدد موارد هامة من العملة الأجنبية”.

تشير الشياح إلى الفوارق الكبيرة في أسعار الصرف: “سعر المصرف المركزي لدولار الواحد 1250 ليرة، السعر الذي يصل للمواطن عن طريق شركات الحوالات الخاصة 2200 ليرة سورية، والسعر في السوق السوداء ما بين 4400 و 3700 ليرة للدولار الواحد مما يجعل الفوارق كبيرة جداً، لذلك يعتمد المواطن على طرق مختلفة مثل التحويل عن طريق المبادلة بين الأقارب في خارج وداخل سوريا، أو عن طريق أشخاص تمتهن تحويل الأموال بين البلدان حيث يتم دفع المبلغ بالعملة الأجنبية في الخارج ويصل بالليرة السورية حسب سعر الصرف في السوق السوداء، وفي كلتا الطريقتين القطع الأجنبي لا يدخل سوريا ولا يستفيد منه البلد بصورة نهائية، ويتم اللجوء لها لتفادي السعر الرسمي القليل والخسارة الناتجة عنها.”

قرارات المصرف المركزي غير صائبة

وعند الاستفسار عن أسباب عدم اتخاذ أي إجراء برفع سعر الصرف المركزي لتتمكن الناس من الإرسال عبر الشركات الرسمية، أشارت الدكتورة الشياح إلى أن: “ارتفاع سعر المصرف المركزي إقرار بانهيار الليرة السورية، وفي الحقيقة الانهيار الاقتصادي حاصل ولكن الكثير من المسؤولين وأصحاب القرار ليس لهم مصلحة برفع سعر الصرف لأنهم مستفيدون بشكل كبير. حالة الشلل الاقتصادية مرتبطة بالفساد المنتشر، سنبقى نعاني إلى أن نتخلص من الفساد، كل يوم نسمع بقضية فساد بمليارات، عندما نتخلص من الفساد ستكون القرارات الصادرة عن البنك المركزي صائبة وفي مصلحة البلاد”.

كما تشير الشياح إلى ضرورة رفع إجازات الاستيراد لـ 2500 ليرة وتوضح: “بين سعر المركزي وسعر السوق يوجد فرق 3500 ليرة فهؤلاء الأشخاص مستفيدون كثيراً لذلك يتم وضع عراقيل لكي لا تذهب الأرباح الطائلة التي يحصلون عليها. الفساد والاحتكار هما المعياران للحصول على إجازات الاستيراد لسلع أو مواد معينة في  سوريا، فالاستيراد يكون على سعر الصرف 1250 ليرة والبيع على سعر 4500 ل.س وبالتالي تحقيق أرباح هائلة ليس من مصلحة المستفيدين من رفع سعر المصرف المركزي، فجميعهم أصحاب سلطة وبمكان صنع قرار.”

تجاوزت نسبة الفقر في سوريا 90 في المائة وحالة الشلل في الأسواق كبيرة، فالدعم عن طريق الحوالات يشكل طوق النجاة لكثر، نسبة الأشخاص التي تعتمد على الحوالات في نفقاتها تُقدر بحوالي 30 في المائة من السكان. يجب اتخاذ قرار برفع سعر التحويل في مجال الحوالات، وخاصة أنها مصدر موثوق بالنسبة للمواطن تفادياً لحالات النصب التي تحدث وللاستفادة منها في اقتصاد البلاد، وكذلك تعديل تسعيرة إجازات الاستيراد وخاصة أن الاستيراد للتجار يتم بسعر المركزي ويحصل عليه المواطن بسعر السوق السوداء، على عكس الحوالات التي ترسل له بالعملة الأجنبية ويستلمها على سعر الرسمي و يبقى المواطن الفقير هو الخاسر دائماً.

جولة بانورامية على أزمات معيشة السوريين

جولة بانورامية على أزمات معيشة السوريين

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

يتصدر الحصول على ربطة خبز بشق الأنفس عبر البطاقة “الغبية” وفق ما يسميها السوريون، طليعة أزماتهم اليومية وأشدها إيلاماً. حالة ازدحام خانقة تشهدها الأفران حتى ساعات الليل المتأخرة. نادراً ما تقع عيناك على وجه يرتدي كمامة أو أن ترى أحداً يتبع أدنى الإجراءات الوقائية من فيروس “كورونا” في نسخته الجديدة انطلاقاً من مبدأ المساومة بين الموت جوعاً أو بالفيروس، لتمتد ساعات الانتظار إلى أكثر من أربع ساعات متواصلة، إلا أنه في حالات استثنائية وعند ووجود “واسطة جوا الفرن” يمكن للمرء تجاوز الأدوار والمرور متخطياً العناقيد البشرية الملتحمة فوق بعضها، فهنا لكل شيء ثمن، لكن هناك من يعجز عن رشوة الانتظار، تراه يضبط جهازه الخليوي عند الساعة الرابعة فجراً لينهض منذ ساعات الشقاء الأولى لحجز مكان له في طابور الخبز الذي لا ينتهي، كي يفوز ببضعة أرغفة ساخنة تسد بطون أطفاله الخاوية بعد انتظار ذليل، لأنه لا يملك ترفي الاختيار والتململ.  يقول أحدهم: “ببساطة، إذا ما نطرت، بناموا ولادي جوعانين وبيبكوا من الجوع “.

تقف أم عمر إلى جانب محل بزورية بانتظار خروج ابنتها ظافرة بزجاجة عرق سوس تحضيراً لقدوم شهر رمضان الذي يبدو أنه سيكون غير كريم هذا العام على خلاف السنوات الماضية. تستقبلها بشهقة طويلة لدى سماعها سعر العبوة الذي تضاعف ثلاث مرات، فيما لائحة الاحتياجات الأساسية تطول وتتمدد، تقول السيدة الخمسينية بحسرة: “أنفقت اليوم مبلغ ستين ألف ليرة على حاجيات صغيرة، منها ليتر زيت  نباتي بـ 7 آلاف ليرة، بت أقنن استعماله وأستخدمه عند الضرورة القصوى، قلصت وجبات المقالي، لأستبدلها بالمشوي، كما اشتريت كيلو تفاح وآخر برتقال، بعد أن ألح أحفادي على شرائه بعد طول اشتهاء، ابني أيضاً لديه امتحانات ويجب أن يتناول بعض الفواكه”.

قاطعت السيدة مجبرة صنف البيض منذ أكثر من 15 يوماً لارتفاع سعره، ليوبخها الطبيب على فعلتها المشينة بحق صحتها، وتعقب: “أعاني من مرض هشاشة العظام، قاطعت الحليب والبيض، وبخني الطبيب على ذلك، لا أستطيع شرائهما، فسعر صحن البيض يصل إلى 6500 ليرة”. تختصر حديثها بالقول: “صرتي تخافي تطلعي برا البيت من كتر الغلا، كل يوم سعر جديد”.

أسعار اللحومات والخضار تحلق عاليا ًعلى إيقاع “الدولار” الذي يعتبر التعامل معه في العلن تهمة تقودك إلى السجن، بينما راتب الموظف الهزيل مازال على الليرة السورية،

فسعر كيلو لحم الغنم يصل إلى 28 ألف ليرة، وكيلو الدجاج 6 آلاف ليرة. هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار دفع العديد من الأسر السورية إلى إتباع سياسة التقتير وإزاحة الكماليات لصالح الضروريات القصوى، كحال أحلام التي اعتمدت على المأكولات الغنية بالخضار والإكثار منها في برنامج أسرتها الغذائي اليومي وتوضح: “لم أعد أذكر آخر مرة دخلت اللحمة منزلنا، أما الدجاج فمرة بالأسبوع، احتفظ بفروج في الثلاجة منذ 20 يوماً تحسباً لأي دعوة غداء مفاجأة”.

 غير أن هذا الغلاء الفاحش لا يمكن أن تجد له أثراً على شاشات الإعلام المحلي، بل يختفي ويتلاشى تماماً عبر حركة خُلبية  بـ”الكاميرا السحرية” التي تتجول في صالات البيع المباشر بحثاً عن لائحة أسعار غير منطقية لتبدلها بأخرى منطقية يتقبلها عقل وجيب المواطن، وما إن ترحل “الكاميرا السحرية” يُعاد تعليق لائحة الأسعار الحقيقة.

تتلقف سمر خبر ارتفاع سعر ليتر الزيت النباتي الذي وصل إلى 8 آلاف ليرة بالسخرية والتهكم قائلة: “أفكر جدياً بتعبئة الزيت في عبوة الكحول ورش الطعام بقطرات معدودة، الغلاء لا يصدقه عقل”.

أخذت التوابل والبهارات والمكسرات حصة الأسد من موجة الغلاء، إذ تفوق الصنوبرعلى الذهب، فوصل سعر الكيلو الواحد إلى 240 ألف ليرة، أي ما يقارب غرام وربع من الذهب. أصيبت أم عبدو بالدهشة لدى سماعها بسعر الوقية الذي وصل إلى 80 ألف، تقول والذهول يغزو معالم وجهها: “حتماَ، سيكون الدخل الشهري للشخص الذي سيشتري الصنوبر بالملايين، بالنسبة لي نسيته منذ دهر، واستبدلته بحبات فستق العبيد”.

أُلحقت أزمة الوقود بأخواتها، إذ أصدرت اللجنة المتخصصة بالمحروقات منذ عدة أيام قراراً بتخفيض حجم الكمية من المواد البترولية بالنسبة للسيارات بمعدل ما يقارب 50% في العاصمة دمشق، حيث خصصت للسيارات الخاصة والسياحية 20 لتر بنزين كل 7 أيام، أما بالنسبة للسيارات العمومية (تاكسي) فقد تم تخفيض الكمية إلى 20 لتراً وتعبئتها كل 4 أيام.

فيما شمل القرار السرافيس العاملة على الخطوط داخل العاصمة وإيقاف إمدادها بمادة المازوت أيام الجمعة. ويقول إبراهيم الذي يعمل سائق سيارة أجرة ظهراً وموظفاً صباحاً: “رفعوا سعر البنزين وماعادت توفي معنا، العالم ماعم تركب تكاسي، عدا عن نوعية البنزين السيئة، مخلوطة مع زيت وكلها شوائب”.

يعزو المحلل الاقتصادي شادي أحمد سبب تردي الأوضاع الاقتصادية في سوريا إلى “اختلال قوى الإنتاج نتيجة الحرب أولاً، والعقوبات الاقتصادية ثانياً، وخروج معظم الإمدادات كالقطن والنفط من سيطرة الحكومة السورية ثالثاً، الأمر الذي حول الاقتصاد السوري من اقتصاد يستورد كل شيء بعد أن كان يصدر معظم ما ينتج”. يوضح المحلل “أن الأسرة السورية وفق سلم النفقات باتت تحتاج إلى 3 منتجين لتتمكن من العيش، أي تشكل حوالي 80% من الدخل ينفق على الطعام والشراب وبعض الدواء بسبب غلاء الأسعار، بمعنى آخر لا تستطيع العيش بدخل واحد”.

وكانت صحيفة الوطن المحلية نشرت تقريراً صادراً عن “نقابات العمال” في بداية العام يوضح ارتفاع تكاليف المعيشة في سوريا بشكل غير مسبوق، حيث ذكر التقرير أن الأسرة المكونة من 5 أشخاص أصبحت تحتاج إلى 600 ألف ليرة سورية لسد نفقات المعيشة في الشهر، ليشير التقرير إلى تراجع القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة 90% نتيجة الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الأساسية التي وصلت إلى مستويات تجاوزت 1000%. في الوقت الذي أصبح هناك فجوة كبيرة بين الأسر السورية فهناك عائلات لا يتجاوز متوسط دخلها الشهري  حاجز50 ألف ليرة سورية.