بواسطة Abdullah Al Hassan | مايو 8, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
في دراسة عن التجارة البينية داخل سوريا في زمن الحرب، أَعدّها سمير عيطة وشاركتُه التقصّي عن بعض جوانبها، كان من الواضح حجم التبادل التجاري والنقل البيني بين مناطق النفوذ والسيطرة في الداخل السوري، بالإضافة إلى الواردات التركية الضخمة التي أغرقت الشمال السوري عبر معبر “باب الهوى” الحدودي، سواء تلك التي تدخل بقصد التجارة، أو عبر طريق المنظمات الإغاثية التي تتخذ من تركيا مقراً لها، حتى أن المنتجات التركية تصل بيسر وسهولة إلى كافة مناطق سيطرة النظام السوري كما لاحظنا في مدن حلب وحماه وحمص ودمشق والساحل. كما تصل هذه الواردات إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بينما تأتي مواد البنزين والمازوت، وأسطوانات الغاز، بوفرة ودون انقطاع من مناطق النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة “قسد” أيضاً، بالإضافة إلى بعض المواد التموينية والملابس، وفي المقابل يتم نقل القمح والكثير من المنتجات الزراعية بالإضافة إلى اللحوم والحليب من مناطق المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام بكل سلاسة.
هذه التجارة البينية، تتم عبر “معابِر” معروفة، يشرف عليها من كلا الجانبين، خصوم الحرب، يأخذون عليها “أتاوة” العبور بما يضمن بقاؤُهم مع استمرار الحرب. ولكي نستوضح الأمر أكثر، يكفي أن نعلم بأن معبراً صغيراً في بلدة “مورك” الواقعة في ريف حماة الشمالي، يدرّ على القائمين عليه ما قيمته ٣٠ – ٥٠ ألف دولار يومياً، فما بالك بمعبر “باب الهوى” الحدودي مع الدولة التركية، إذا علمنا بأن صادرات تركيا إلى سوريا بلغت عام ٢٠١٧ أعلى معدلاتها مقارنة بما قبل عام ٢٠١١.
منذ بداية تشكيلها، سعت أغلب فصائل المعارضة السورية المسلحة للبحث عن مصدر تمويلٍ خاص بها بعيداً عن إرادة الممول، فمن بيع السلاح المُستولَى عليه من المعارك ومن ثكنات الجيش السوري، إلى سرقة الآثار والإتجار بها، وطلب فديةٍ مقابل إطلاق سراح بعض المختطفين، إلى الاستيلاء على آبار النفط (داعش وقوات قسد) وتوزيعه بعد تكريره بشكل بدائي، ليصل إلى كافة المناطق السورية بما فيها مناطق النظام، وأخيراً المعابر التجارية، التي تبيّن بأنّ دخلها المادي جيّد ومُستدام، وخاصّة بعد اتفاقيات “خفض التصعيد الأخيرة”، مع حرص أربابها – من كلا الجانبين – على إبقاء الوضع على ما هو عليه.
إنّ وصول بعض الجهات الراديكالية إلى التمويل الذاتي يُشكّل خطراً أكبر على مستقبل سوريا والمنطقة، من تحرّرها عن أجندة المُموّل الخارجي، لأنّ ذلك يُمكّنها من العمل لأجل تحقيق مشروعها الخاص، كما لاحظنا عند تنظيم داعش (الدولة الإسلامية)، فما إن تمكّن هذا التنظيم المتطرف من السيطرة على مدينة الموصل في العراق في العاشر من حزيران ٢٠١٤، ووضع يده على الأموال المُودَعة في فروع مصارفها، ليستولي بعدها بأيام قليلة على أكبر حقول النفط في العراق وسوريا (٧ حقول للنفط ومصفاتين في شمال العراق، و٦ حقول نفط، من أصل ١٠ في سوريا متواجدة جميعها في محافظتي الحسكة ودير الزور)، حتى أعلن في ٢٩ حزيران ٢٠١٤ عن قيام دولة خلافته “دولة الإسلام في العراق والشام” وعاصمتها مدينة الرقة السورية. ليبدأ محطة جديدة من الإرهاب المحلي والعالمي، وما تبعه من تدخل عسكري خارجي لا زال يهدد وحدة الأراضي السورية حتى الآن، على الرغم من القضاء على التنظيم الإرهابي عسكرياً.
أما تنظيم “جبهة النصرة” فلم يَنعَم بالنفط السوري كثيراً سواء من محافظة الحسكة، حيث استطاعت وحدات “حماية الشعب الكردي” إخراجه من هناك في نهاية عام ٢٠١٣، أو من محافظة دير الزور، حين أخرجه تنظيم داعش منها قُبَيل أيام من إعلان دولة خلافته. وبالتالي تقهقرت جبهة النصرة باتجاه محافظة إدلب وبقي تمويلها كغيرها من باقي الفصائل المعارضة مع ميزاتٍ إضافية تتعلق بخبرة التنظيم والقتال بسبب وجود قادة متمرسين من تنظيم القاعدة الأم وعدد منتسبين وحلفاء جعلت منها القوة الأكبر في محافظة إدلب ومحيطها، ناهيك عن ارتباطها المشبوه بالأموال والمخابرات القطرية ومن هم في حلفها منذ بداية نشأتها.
حالياً، وبعد أن وصل تنظيم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) إلى هذه المرحلة المتقدمة في الوضع السوري بعد غربلة الكثير من الفصائل المعارضة ومع وجود اتفاقيات “خفض التصعيد” التي أدّت إلى تثبيت الجبهات خاصة في محافظة إدلب ومحيطها، تفرّغت هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل للتناحر فيما بينها من أجل السيطرة على المعابر التجارية والصراع على مصدر الدخل الأكبر المتاح حالياً. ويكفي تسليط الضوء على بعض ما جرى مؤخراً في محافظة إدلب وريف حلب الغربي للوقوف على أهمية المعابر كمصدرٍ لاقتصاد الحرب.
في ١٨ تموز ٢٠١٧ قامت “هيئة تحرير الشام” ومن معها بمحاصرة معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، وذلك بعد سيطرتها منفردةً على مدينة إدلب ومعظم بلدات الشمال السوري في المحافظة (أكثر من ٣٠ بلدة وقرية كانت تحت سيطرة أحرار الشام)، لتحاصر من بداخله من قيادات الصف الأول ومقاتلي “حركة أحرار الشام الإسلامية”. وبعد ثلاثة أيام من القتال والحصار، ومع قيام السلطات التركية بإغلاق المعبر من جهتها، اضطر قادة الحركة للجلوس والتفاوض مع الهيئة التي أصرّت على تَسَلُّم السلاح الثقيل والذخيرة مقابل وقف إطلاق النار، ثم إطلاق سراح المعتقلين لدى الطرفين، وانسحاب قادة وعناصر الحركة من المعبر وتسليمه إلى إدارة مدنية، بحسب ما جاء في بيان للحركة.
وهكذا أصبح معبر باب الهوى الحدودي – بتوافق مع الإدارة التركية – تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الفعلية، ولكن من خلف ستار إدارة مدنية. طبعاً لم يكتف زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني ومن معه بالسيطرة على معبر باب الهوى بعد إضعاف أحرار الشام وإبعادهم نحو الجنوب، بل سار إلى معبر أطمة وخربة الجوز، وزحف على مناطق ومستودعات الأحرار في ريف إدلب الشمالي تباعاً، ليصبح وحلفاؤه في الهيئة الجهة الأقوى في الشمال السوري، وبالتالي تفرّغ تماماً للسيطرة على المؤسسات المدنية وفرض “إدارته المدنية” ثم “حكومة الإنقاذ” مؤخراً.
في ١٢ تشرين الثاني ٢٠١٧ جرى الاتفاق بين هيئة تحرير الشام والنظام السوري لفتح “معبر بلدة مورِك” على طريق دمشق – حلب الدولي المقطوع منذ منتصف ٢٠١٤، ليصبح بعد ذلك أهم معبر تجاري (مخصص للحركة التجارية فقط) بين مناطق النظام والمعارضة. وجاءت عملية فتح الأوتوستراد من جهة بلدة مورِك عقب سيطرة “هيئة تحرير الشام” مطلع تشرين الأول ٢٠١٧ على قرية “أبو دالي” شمال شرقي حماة والتي كانت بمثابة معبر بين النظام والمعارضة وخط تهريب رئيسي بيد عشائر موالية للنظام، كما جاءت بعد إغلاق النظام لمعبر “باب المضيق” إثر استهداف فصائل المعارضة لمدينة السقيلبية (شمال غربي مدينة حماة) ونزوح أكثر من ٣٥ ألف نسمة منها.
خلال الأسابيع الأولى من بداية عام ٢٠١٨ قام الجيش السوري بحملة عسكرية ضخمة تستهدف المناطق الشرقية لمحافظة إدلب، استعاد خلالها عدداً كبيراً من البلدات والقرى التي كانت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وحلفائها. وعند محاولته التقدم غرباً باتجاه مدينتي سراقب ومعرة النعمان في وسط إدلب، بعد عمليات قصفٍ شديدة، تدخّل الجانب التركي بسرعة وزرع نقطة مراقبة (كما هو مقرر في اتفاقية خفض التصعيد الخاصة بمحافظة إدلب) في منطقة “تل العيس” ثم نقطة أخرى جنوباً في منطقة “تل طوقان” بالقرب من مطار “أبو الضهور” العسكري الذي أصبح تحت سيطرة الجيش السوري. ومع إنشاء نقاط المراقبة التركية توقفت المعارك فجأة، وبعدها بأيامٍ غادرت قوات العقيد سهيل الحسن محافظة إدلب إلى تخوم الغوطة الشرقية، حيث كانت المعارك على أشدها بين فصائل المعارضة والنظام السوري على جبهة حرستا. أثناء ذلك اندمجت حركة أحرار الشام الإسلامية وحركة نور الدين الزنكي في فصيلٍ واحد تحت مسمى “جبهة تحرير سوريا”، وبعد أيام من الاندماج، تحديداً في ٢٠ شباط، شنّ الفصيل الجديد هجمات متفرقة على مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” في وسط وجنوب إدلب، كان نتيجتها سيطرة الجبهة على مواقع الهيئة في بلدة “ترملا” في ريف إدلب الجنوبي، وعلى مدينة “أريحا” وعدة بلدات صغيرة بعد انسحاب مقاتلي الهيئة منها. الأهم كانت سيطرة “جبهة تحرير سوريا” مع فصيل “جيش العزة” على إدارة معبر بلدة مورِك التجاري الهام، وبعد أقل من أسبوعين توقفت المعارك فجأة في محافظة إدلب، لتنقل الهيئة معركتها مباشرة إلى مناطق سيطرة الزنكي في ريف حلب الغربي مستهدفةً معبر قرية “العزاوية” الذي يصل ريف حلب الغربي مع مدينة عفرين، والتي أصبحت لاحقاً تحت سيطرة قوات “غصن الزيتون” المدعومة تركياً، مما يعني فتح الطريق بين ريف حلب الشمالي وإدلب دون المرور في الأراضي التركية.
استمرت المعارك الشرسة هناك في بلدة ”بسرطون“ ومحيطها شمال الأتارب لأكثر من شهرين، وخسرت فيها الهيئة الكثير من عناصرها وعتادها الثقيل، ويعود ذلك إلى تصدي الأهالي والكتائب المحلية لأرتال الهيئة، وتحصّن الزنكي في مناطقه المرتفعة في عنجارة وقبتان الجبل وجبل الشيخ بركات، ومن غير المستبعد أن يكون حصل على دعم ومؤازرة من قوات غصن الزيتون التي سيطرت على مدينة عفرين من خلفه.
في السابع من نيسان أُعلن عن التوصل الى هدنة بين “هيئة تحرير الشام“ و”جبهة تحرير سوريا“، على أن يستمر وقف إطلاق النار بين الطرفين بحسب الهدنة الموقعة أسبوعاً كاملاً ليتم بحث الملفات العالقة بين الطرفين. ولكن في منتصف نيسان وبعد انقضاء هدنة الأسبوع، سارعت الهيئة للانقضاض على مناطق سيطرة أحرار الشام في محافظة إدلب واندلعت الاشتباكات بين الطرفين على طول الطريق الدولي من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، حتى بلدة مورِك شمال محافظة حماة، مما أدى إلى قطع الطريق الدولي. واستطاعت هيئة تحرير الشام السيطرة على بلدة مورِك ومعبرها التجاري، وعلى مدينة خان شيخون والكثير من البلدات والقرى الواقعة جنوب إدلب، ومنها ”تلة العِيس“ التي يُتوقّع أن تكون معبراً تجارباً جديداً بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في محافظة إدلب. أثناء ذلك، استعادت حركة أحرار الشام القرى الواقعة على طول الأوتوستراد بين مدينة إدلب ومعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ربما في محاولة منها لاستعادة المعبر من سيطرة الهيئة.
لكن في ٢٤ نيسان توصلت “هيئة تحرير الشام” و”جبهة تحرير سوريا” بالاشتراك مع “ألوية صقور الشام” (حلفاء الجبهة في معاركها ضد الهيئة)، إلى اتفاقٍ يقضي بوقف إطلاق نار دائم بين الطرفين، وإطلاق سراح المعتقلين خلال جدول زمني، وفتح الطرقات، ورفع الحواجز، وتشكيل ”لجنة” من كليهما إلى جانب “لجنة الوساطة” لمتابعة تنفيذ الاتفاق، والعمل على بدء مشاورات موسعة ومستمرة للوصول إلى حل شامل على الصعيد ”العسكري، والسياسي، والإداري، والقضائي.”
لم يكن هذا الاتفاق هو الأول من نوعه بين الهيئة والأحرار، وربما لن يكون الأخير، فكم من الاتفاقات بينهما تم خرقها، وكم من المعارك تم خوضها. في حين تبقى محافظة إدلب والشمال السوري عموماً رهناً لسياسات دولية وإقليمية وتوازن قوى بين جيوش أمريكية، تركية وروسية في الداخل السوري. ومؤخراً دعت فرنسا – العائدة بقوة إلى التدخل المباشر في الملف السوري – على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان إلى ” تقرير مصير إدلب من خلال عملية سياسية تتضمّن نزع سلاح الميليشيات” وذلك تجنباً لوقوع كارثة إنسانية في مدينة إدلب، والتي قد تكون الهدف التالي للنظام، كما جاء في كلامه.
يُذكر بأن محافظة إدلب تعتبر سجناً كبيراً، يقطنها حوالي مليوني نسمة، بينهم عشرات الآلاف من السوريين الذين تمّ إجلاؤهم من مناطق استعادها النظام السوري، وهي مغلقة تماماً أمام عبور المواطنين السوريين من خلال أبراج مراقبة ودوريات لقوات حدودية تركية، وجدار اسمنتي أنهت بناؤه الحكومة التركية في نهاية عام ٢٠١٧ ويمتد على طول الحدود بين تركيا وسوريا، ويُعَد ثالث أطول جدار حدودي في العالم بطول ٦٨٨ كم، بعد سور الصين العظيم والجدار الفاصل بين المكسيك وأمريكا. بالإضافة إلى معارك الفصائل وقتالها فيما بينها، ما زال قصف طيران النظام السوري وبراميله المتفجرة مستمراً – رغم اتفاقية خفض التصعيد – بحجة تواجد عناصر جبهة النصرة هناك.
بواسطة Safwan Dawood | مايو 8, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
في سنغافورة التي بلغت نسبة الأمية فيها أكثر من 60 بالمئة سبعينيات القرن الماضي أصبحت الآن تضاهي في تقدمها العلمي والاجتماعي نظيراتها في العالم الغربي. لقد تنبهت حكوماتها المتعاقبة لحقيقة أن التعليم عامل حاسم في تطوير الإنسان. ولعبت الحاجات الاقتصادية في سنغافورة دورًا هاماً في تحديد مسارات سياسات التعليم. وأطلقت مبادرة “مدارس التفكير، تعلُّم الأمة” قائمة على أربعة مبادئ: إعادة النظر في أجور المعلمين, إعطاء مدراء المدارس مزيداً من الاستقلالية، استحداث التميز المدرسي، إشراف موجهين مختصون في استحداث برامج جديدة. حالياً سنغافورة حاضرة معروفة على مستوى العالم, واحتلت المركز الأول في مؤشر جودة التعليم العالمي للعام الدراسي الحالي.
شمل مؤشر جودة التعليم العالمي الذي صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) لعام الدراسي 2017-2018، حوالي 140 دولة. يرتب هذا المؤشر دول العالم وفق 12 معياراً رئيسياً وحوالي 40 معياراً فرعياً. هذه المعايير معايير دقيقة ومحددة بأسس علمية وتربوية وتعليمية رصينة، وهي ذات أهمية كبيرة، إذ أنها تُقدم معلومات تفصيلية ودقيقة عن واقع سير العملية التعليمية في البلدان التي يغطيها المؤشر، وتشمل: المؤسسات، البنية التحتية، الصحة والتعليم الأساسي، التعليم الجامعي والتدريب، بيئة الاقتصاد الكلي، كفاءة سوق العمل، تطوير سوق المال، الجاهزية التكنولوجية، حجم السوق، الابتكار، تطور الأعمال، كفاءة أسواق السلع.
أظهرت بيانات هذا المؤشر للعام الدراسي الحالي نتائج صادمة، وطبعاً نتائج هذا المؤشر ليست الوحيدة، إذ إن هناك العديد من المؤشرات العالمية والدراسات التي تبين وللأسف أن الواقع التعليمي المحلي السوري غارق في المشاكل، لذلك من السخرية أن ننسب هذه الدراسات والمؤشرات ومنها مؤشر دافوس إلى نظرية المؤامرة التي عودنا عليها المطبلون في الإعلام السوري الرسمي. هذا واقع أليم وعلينا أن نكون جريئين في الاعتراف بحقيقة تدني مستوى التعليم في سوريا فالأرقام لاتكذب، ولا تتموه. وهناك من الدلائل الواضحة التي نراها في حياتنا اليومية يمكن أن تؤكد صحة هذه المؤشرات، مثلاً أعداد الطلاب الهائلة في الصف الواحد، التسيب المدرسي، الغش الممنهج في الامتحانات، سوية الحالة المادية والمعنوية المتدنية للمعلمين، الضعف التكنولوجي وغيرها الكثير من المسائل. ومن نتيجة هذا التردي قامت معظم الأسر السورية على حساب قوتها ورفاهيتها بمحاولة سد التراجع التعليمي في المدارس، بطرق متعددة أوسعها انتشاراً الاعتماد على الدروس الخصوصية التي أصبحت حالياً ثقافة أسروية سورية عامة وهذا مكمن خطرها.
وفيما تسعى دول العالم بكل طاقاتها لتحقيق أفضل عملية تعليمية، لم نرى من المؤسسات التعليمية التشريعية أو التنفيذية في سوريا سوى الطابع الاستعراضي من قبيل شعارات التطوير والتحديث، والتقوقع في ايديولوجيات متصحرة مازالت تهيمن على البرامج والخطط وفق نظرية الرأي الواحد، يقودها مختصون من لون سياسي واحد معظمهم من منظومة إدارية شديدة الفساد والبيروقراطية. إن الهدف ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻰ للتعليم ﻫﻮ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ وتقدمه، وليس ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺃﻭ تطبيق الإيديولوجيا سواء كانت سياسية ام دينية، أو بناء المناهج وإنجازها وفق رؤية السلطة التي هي في سوريا تتبع حزب البعث، فالسلطة فانية أما الوطن فباق. النظام السياسي للاتحاد السوفياتي ذهب بينما المنهج التعليمي والعلمي لمؤسساته بقيت وحافظت من خلالها روسيا الحالية على تفوقها العسكري والفضائي ومجالات أخرى عديدة، أما في سوريا فالواقع مزري ولم يتم النظر يوماً إلى التعليم كمحور من محاور التنمية. وفي الوقت الذي تُعتَبر دولة (عدوة) لسوريا كإسرائيل وزارة التعليم فيها على أنها واحدة من الوزارات الأربع السيادية، لم تنظر الحكومات البعثية المتعاقبة لأهمية هذه الوزارة، حتى أخصائيو التربية والتعليم المنوط بهم معالجة هذه المهمات، لم ينظروا بشكل جدي للمشاكل المتعددة الموجودة في النظام التعليمي المحلي.
والحقيقة أن المواطن السوري لم ير سوى أكذوبات التطوير والتحديث، إذ مازالت العملية التعليمية قائمة على الحفظ والتلقين لا على التفاعل والإبداع. فالعلم هو “طريقة وأسلوب للتفكير أكثر من مجرد كمية من المعلومات” على ما يقول المفكر كارل ساغان. والعلم حيادي ولا يمكن أدلجته، لكن في سوريا بدت المناهج مقيدة بالمنظور الإيديولوجي البعثي من جهة وبمفاهيم إخوانية إسلامية من جهة أخرى، فقد أدخلت وزارة التربية هذا العام ولأول مرة في تاريخ سوريا مادة “التربية الدينية” لطلاب الصف الأول الابتدائي، مع ملاحظة أن صورة الأم المحجبة تطغى على مناهج المرحلة الإبتدائية. حتى الكتب التعليمية العلمية لم تنج من هذه التأثيرات. مثلا في مادة العلوم للصف الثالث الثانوي العالمي نجد عبارة “سقطت نظرية داروين بينما ثبتت نظرية محمد.” وفي مادة الفيزياء للصف الثاني الإعدادي نجد عبارة “تمت التجربة بإذن الله.” ويطبع التأثير الديني سير الحياة المدرسية بشكل قوي، مثلاً نلاحظ على الأقل خلال العشر سنوات الماضية شلل المدارس في اليوم الذي يسبق والذي يلي عيد الأضحى، كما يُختصر الدوام المدرسي خلال شهر رمضان.
ويبدو أن النظام السوري قد أدرك أهمية التربية والتعليم في تكريس سلطته فقط، حيث ومنذ بداية الألفية الجديدة وسحقْ ماسمي وقتها “ربيع دمشق”، لاحظنا استمرارية في سياسة القمع لكل ماهو يساري أو قومي علماني في مقابل تسهيل تمدد الفكر الديني. لاحقاً وخلال الأزمة السورية تعرض النظام لضغوط كبيرة فأصبح مجبراً على تلبية مطالب الإسلام الرسمي (المعتدل) لأنه يحارب الإسلام المتطرف المُمَثل بشكل رئيسي في “تنظيم الدولة الإسلامية” والتنظيمات المقربة من “تنظيم القاعدة” في سوريا. ويعتقد النظام أن استعداء الإسلام المعتدل لايصب في الوقت الحالي في مصلحته، لذلك ارتأى الدعم الكبير له، وهذا يفسر لماذا ميزانية وزارة الأوقاف كبيرة جداً وهي تعادل أقل بقليل مجموع ميزانيتي وزارة الصحة والتعليم العالي! ولماذا هذا التدخل الكبير لهذه الوزارة في إقرار المناهج. في المقابل طالما استخدم النظام الذي يُعد فيه حزب البعث واقعيا قائداً للدولة والمجتمع، الخطاب الثقافي واحتكار التعليم لخدمة قضيته الايديولوجية العربية عبر تضخيم الدلائل التاريخية، لابل تزييفها أحياناً، فمثلا نجد في مادة الثقافة للسنة الأولى في كلية الترجمة الصياغة (البعثية) للتاريخ العربي. تتحدث الفصول الأولى عن سيرة نبي الإسلام، بينما يتحدث الفصل الثاني عن التخلف الذي كان يعيشه الغرب وفساد الكنائس في العصور الوسطى وكيف ساهم الإسلام في نهضة الغرب وإنقاذه من الظلمات. في الفصل الثالث نقرأ كيف أخذ الغرب العلم والفلسفة من الدولة العربية الإسلامية. وفي القسم الأخير نجد ماقيل عن محمد من أقوال لكتاب وعلماء من الغرب. مثال آخر نجده في كتاب التاريخ للخامس الابتدائي -وهو تزوير صريح للتاريخ- عبارة: “أقبلت القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية على شكل موجات واستقرت في بلاد الشام والعراق وأنشأوا الحضارات الأكادية والبابلية والآشورية.” وبالرغم من محاولات وزارة التربية في سوريا خلال الفترة الأخيرة إبراز النزعة الوطنية في المناهج بتوليفة عربية إسلامية وإخفاء النزعة القومية البعثية التقليدية التي كانت سائدة سابقاً، إلا أن تأثير هذه المحاولات بقيت محدودة ولم تستطع أن تلامس الرموز القهرية للنظام والحاكمة للمجتمع السوري.
لقد أكملت الحرب على مستقبل العملية التعليمية في سوريا، إذ بينت المذكرة الإخبارية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” أن عام 2016 هو الأسوأ لأطفال سوريا، وقالت إن نحو 2.7 مليون طفل بين سن الخامسة والسابعة عشر لايذهبون إلى المدارس، بينهم 600 ألف طفل لاجئ، وأن 1.3 مليون طفل آخرين معرضون لخطر التسرب. وقالت منظمة “أنقذوا الطفولة” أن أضرار قطاع المباني المدرسية لوحده تُقدر بنحو 3 مليارات دولار، وأدت الى انخفاض معدل التعليم في سوريا بمقدار 50% عن مستوياته قبل اندلاع الحرب السورية عام 2011. وبينت تقارير محلية لعام 2017 تعرض المرافق التعليمية على مستوى سوريا إلى نحو 4000 هجوم أدت إلى أضرار جزئية أو كلية لـ 2445 مدرسة. وأكثر المنشآت التعليمية ضرراً كانت المدارس الثانوية بنسبة 14.7% من مجمل المرافق التعليمية المتضررة كلياً، تليها المعاهد المهنية بنسبة 14.5%. كما أدت الحرب الى تحويل العديد من المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين أو مراكز عسكرية. وبحسب معلومات صادرة عن وزارة التربية السورية تحولت حوالي 243 مدرسة من أصل 21 ألف مدرسة حكومية في أرجاء البلاد إلى مراكز إيواء، فيما قدرت وزارة التربية تكلفة الخسائر المادية لقطاع التعليم في سورية حتى عام 2015 بحوالي 50 مليار ليرة (حوالي 105 مليون دولار). وحيث أن التعليم هو استثمار مستقبلي قُدرت الخسارة المستقبلية بـنحو 5.4% من الناتج المحلي نتيجة حرمان الأطفال السوريين من التعليم. ويذكر تقرير “جيل سوريا الضائع” أنه: “وبالنظر إلى تجارب الدول الأخرى التي تأثرت بالنزاعات يمكننا التنبؤ بأن النزاع الحالي قد يؤدي إلى انخفاض معدل سنوات الدراسة بنصف عام على المدى الطويل. وعندما يطبق على امتداد التعداد السكاني فإنه يزيد من التكلفة السنوية على الاقتصاد السوري الى مافوق 1.26 مليار دولار أمريكي, أي 3.1% من إجمالي الناتج المحلي.”
من منتصف الثمانينات حتى بداية التسعينات، لعبت سوريا دوراً يعادل عشرة أضعاف حجمها على الساحة الدولية بحسب صحيفة دير شبيغل الألمانية عام 1985، وسميت بأنها أكبر دولة صغيرة في العالم كما قال أحد الدبلوماسيين الكبار في البيت الأبيض. من أسس لهذا الدور؟ طبعاً هي مجموعة من العوامل لكن أهمها كان الاهتمام بالعملية التعليمية والتدريب وتأهيل الكوادر. للأسف الشديد سوريا والعراق ومصر التي قادت التعليم عربياً منذ خمسينات القرن الماضي وحتى بداية الألفية الجديدة نجدها قد سقطت. مصر جاءت بالمركز قبل الأخير في مؤشر دافوس لعام2017، في حين لم تدخل سوريا والعراق في الترتيب أصلاً وذلك لافتقارهما بحسب التقرير: (لأبسط معايير الجودة في التعليم).
مرة أخرى لنكن جريئين ونقرأ مؤشر دافوس بواقعية بدلاً من الاستهزاء به، وإلهاء المواطنين بنظرية المؤامرة، وأن نقول صراحة أن هناك ضرورة قصوى ولا تقبل التأجيل لمراجعة السياسات الحكومية في سوريا في مجال التعليم, ووضع أسس اكثر انفتاحاً على العالم الذي بات يسبقنا كل يوم بخطوة. فالتعليم والعلم بالنسبة للمجتمعات هو أساس التقدم الحضاري وهذه بديهية. ولا يأتي العلم بدون التعليم الذي هو المحرّك الأساسي لتطور أي أمة. لذلك نرى بوضوح أن أحد أهم الفوارق بين المجتمعات المتقدمة والمتأخرة هو نسبة التعليم وجودته، ولا تبتعد القوة الاقتصادية والعسكرية وقوة العدالة وقوة النسيج المجتمعي كثيراً عن هذه المقارنة. وفيما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته الأخيرة للشعب الروسي قبيل انتخابه للمرة الرابعة أن “التخلف العلمي يحمل مخاطر فقدان السيادة” نجد أن صور حليفه في دمشق قد تصدرت قاعات الجامعات الحكومية وجدران المدارس وبوابات المعاهد وقاعات التعليم وأروقة المختبرات في وقت أصبحت سوريا متخمة بالقواعد العسكرية الأجنبية الحليفة والعدوة.
بواسطة Syria in a Week Editors | مايو 7, 2018 | Media Roundups, Syria in a Week, غير مصنف
السلاح الثقيل… ثقيل
٦ أيار / مايو
بدأت الأحد فصائل المعارضة السورية المسلحة في ريف حمص وسط سوريا تسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة للقوات الحكومية السورية تنفيذاً للاتفاق مع القوات الروسية.
وقال مصدر عسكري سوري لوكالة الانباء الألمانية: “سلمت عدد من الفصائل في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي حوالي 7 دبابات إضافة الى عشرات القطع من الاسلحة المتوسطة والثقيلة وعشرات الصناديق من الذخيرة للجيش السوري الأحد”. وأكد المصدر أن “المجموعات المسلحة تحرق مقراتها قبل مغادرة بلدات الحولة والطيبة وعدد من القرى في ريف حمص الشمالي.” ويسمح الاتفاق لقوات الحكومة بالسيطرة علـى ريف حمص بعدما سيطرت سابقاً على احياء معارضة في المدينة.
تهجير وسيطرة
٥ أيار/ مايو
غادرت السبت الدفعة الثالثة من مسلحي بلدات جنوب دمشق وعائلاتهم إلى مدينة جرابلس في ريف حلب الشرقي مساء اليوم السبت.
وقال مصدر أمني في دمشق إن ” ٦٣ حافلة تقل مسلحين من بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم غادرت عند منتصف الليل مدينة دمشق واتجهت إلى مدينة جرابلس في ريف حلب الشرقي بعد انتهاء التفتيش وتدقيق جميع الأسماء”. وأضاف المصدر أن ” سبب تأخر خروج الدفعة الثالثة هو العدد الكبير من المسلحين وعائلاتهم.”
وخلال اليومين الماضيين، غادرت ٤٦ حافلة تقل مسلحين وعائلاتهم من بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، في إطار تنفيذ الاتفاق الذي أعلن عنه الأحد الماضي والقاضي بإخراج من يرغب من المسلحين مع عائلاتهم من البلدات الثلاث وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء بعد تسليم أسلحتهم.
تزامن ذلك مع استمرار قصف قوات الحكومة لمخيم اليرموك للفلسطينيين جنوب دمشق وتقدم هذه القوات في منطقة الحجر الأسود.
وسمح اتفاق بين “هيئة تحرير الشام” التي تضم “فتح الشام” (النصرة سابقا) ودمشق بمقايضة تضمنت اخراج عناصر “الهيئة” الــي ريف ادلب وإخراج شيعة موالين لإيران ودمشق من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما فصائل إسلامية في إدلب. هذا الاتفاق ترك المعارك في مخيم اليرموك مقتصرة بين قوات الحكومة و “داعش”.
“داعش”… النفس الأخير؟
٦ أيار/ مايو
وجه سلاح الجو العراقي الأحد، للمرة الثانية خلال أسبوعين، ضربة جوية ضد موقع “داعش” شرق سوريا، بحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي. وأعلن البيان أنه “بأمر رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة” وجهت “القوة الجوية العراقية ضربة موجعة ضد موقع لقيادات الإرهاب الداعشية جنوب الدشيشة داخل الأراضي السورية.” ونفذت الضربة طائرات أف-16 أميركية.
وتقع الدشيشة في منطقة صحراوية من محافظة الحسكة، حيث تشن “قوات سوريا الديموقراطية” الكردية – العربية عملية عسكرية ضد التنظيم.
بدوره، أكد المستشار العسكري في وزارة الدفاع العراقية الفريق الركن محمد العسكري إن الضربة نفذت “بالتعاون مع الحكومة السورية والتنسيق مع قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.”
وكانت الحكومة العراقية أعلنت نهاية 2017 انتهاء الحرب ضد مسلحي تنظيم الدولة بعد إعلان “النصر” عقب استعادة آخر مدينة كانوا يحتلونها. لكن بحسب خبراء، لا يزال مسلحون اسلاميون متطرفون كامنين على طول الحدود المعرضة للاختراق بين العراق وسوريا وفي مخابئ داخل مناطق واسعة من الصحراء العراقية.
واستعجلت إدارة الرئيس دونالد ترامب هزم “داعش” تمهيدا لسحب الفين جندي أميركي من شرق سوريا.
اقتتال حلفاء واشنطن
٥ أيار/ مايو
تدخل المبعوث الأميركي الى التحالف الدولي لقتال “داعش” بريت ماغورك توسط لوقت اقتتال بين “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية – العربية و “قوات النخبة العربية” في مناطق سيطرة حلفاء واشنطن شرق سوريا.
هذا الاقتتال كشف مخاطر المرحلة المقبلة في حال نفذت ادارة الرئيس دونالد ترمب قرارها سحب الفي جندي من شرق نهر الفرات. وكانت وحدة مسلحة من ٥٠ عنصراً من “قوات سوريا الديمقراطية”، الكردية – العربية التي تضم ٦٠ آلفاً تقدمت قبل يومين إلى بلدة أبو حمام، شرق دير الزور، وطلبت من “أبو عماد”، القيادي في “قوات النخبة” التي تضم ثلاثة آلاف مقاتل، تسليم السلاح، علماً بأن الأخير ساهم في المعارك ضد “داعش”، وفي تحرير الرقة.
واوضحت المصادر ان قوة اخرى من “سوريا الديمقراطية” من ٤٠٠ عنصر تقدمت ليل امس الى بلدة ابو حمام لتجريد “ابو عماد” من سلاحه ما استدعى تدخل ماغورك بين الطرفين لإخماد نار المواجهة بعد تبلغه “مخاطر اندلاع فتنة عربية – كردية” في مناطق نفوذ واشنطن. ويتوقع ان يكون الوجود الأميركي ضمن محادثات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في واشنطن غداً.
عفرين ومابعد عفرين
٦ أيار/ مايو
قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأحد إن تركيا ستشن عمليات عسكرية جديدة على حدودها بعد هجوميها السابقين في سوريا.
وتشن تركيا حاليا هجوما في منطقة عفرين شمال سوريا ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية مرتبطة بالمسلحين في “حزب العمال الكردستاني” الذين يشنون تمردا مسلحا في الأراضي التركية.
وتعد حملة عفرين ثاني عملية تقوم بها تركيا عبر الحدود في سوريا. واستهدفت العملية الأولى التي أُطلق عليها اسم “درع الفرات” تنظيم “داعش” والمقاتلين الأكراد على مسافة أبعد نحو الشرق من عفرين وتم استكمالها في بداية 2017.
وقال إردوغان أمام آلاف من أنصاره في اسطنبول حيث أعلن برنامجه الانتخابي قبل اقتراع رئاسي وبرلماني مبكر الشهر المقبل إن العمليات التركية على حدودها الجنوبية تستمر “إلى الوقت الذي لايبقى فيه إرهابي واحد.”
وأضاف إردوغان “لن نتوقف عن تضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية. تركيا ستضيف في المرحلة الجديدة عمليات جديدة لعمليتي درع الفرات وغصن الزيتون من أجل تطهير حدودنا.”
وتعتبر تركيا “وحدات الحماية” امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور وقد أثار غضبها الدعم الأميركي لهذا الفصيل. لكن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قال إن أنقرة وواشنطن توصلتا لتفاهم بشأن خريطة طريق في منبج يغادر بموجبها المسلحون الاكراد المنطقة. وأضاف أنه تجري مناقشة التفاصيل مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو.
دمشق تغير “الهوية”!
٢ أيار/ مايو
أعلن وزير الداخلية السوري محمد الشعار أن وزارته تعمل الآن على مشروع تغيير البطاقات الشخصية للسوريين “لتكون غير قابلة للتزوير”، وأنه سيتم “تغيير بطاقات السوق والسلاح، ما يمكن الوزارة من مكافحة وتجاوز كل حالات وعمليات التزوير.”
وانتشرت إشاعة منتصف العام الماضي عن إقرار البرلمان قانوناً لتغيير شكل “البطاقة الشخصية” للمواطنين المقيمين داخل البلاد فقط. ورافق ذلك إشاعات حول سحب الجنسية من المواطنين الذين لا يقومون بتجديد بطاقاتهم بشكل شخصي، ما أثار مخاوف ملايين اللاجئين خارج سوريا.
وأثارت تصريحات وزير الداخلية مخاوف السوريين المعارضين الذين فرّوا إلى الخارج وباتوا في عداد المطلوبين للأجهزة الأمنية الذين يقدر عددهم بنحو ١.٥ مليون مطلوب لأن الهوية الجديدة التي تحدث عنها الشعار “ستحتوي على شريحة إلكترونية تتطلب بصمة وحضور الشخص بنفسه لاستخراجها.”
وربطت مصادر معارضة بين هذه التصريحات وإصدار القانون ١٠ للعام ٢٠١٨ الذي يعني عملياً مصادرة ممتلكات المهجرين واللاجئين٫ باعتبار أن تغيير الهويات إن حصل على النحو الذي أعلن عنه وزير الداخلية “سيسهل انتزاع ملكيات المهجرين واللاجئين والمفقودين بموجب قرار رقم عشرة للعام ٢٠١٨، للمناطق التنظيمية.”
بواسطة سلوى زكزك | مايو 5, 2018 | Reports, غير مصنف
يوميات سورية
عندما تجاوز عدد العمالة السورية في الخليج وخاصة في السعودية أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات عشرات الآلاف كعمالٍ وافدين ومئات الآلاف كعائلات، بدأت العباءة السعودية تعود مع العائلات عند كل إجازةٍ صيفيةٍ لتصبح مظهراً اجتماعياً لافتاً إلى أن سادت تدريجياً وأزاحت كل ما سبقها من أنماط اللباس المحلية كالمانطو، والطقم بجاكيت طويل وتنورة طويلة “تصل لتحت الركبة بشبر” كما كانت تصفها النساء اللاتي درجن على ارتدائها. كان الطقم يومها ينتمي للحجاب “المديني”، فأي سيدةٍ محجبة وترتدي طقماً يعني أنها حكماً مدينية وليست ابنة ريفٍ أو حيٍ شعبيٍ، حيث ترتدي نساء تلك المناطق مانطو يتبدل صيفاً وشتاءً ليغطي كل ما تحته من ملابس بسيطة أو رقيقة، وغالباً ما ترتدي السيدات وخاصة المتقدمات بالعمر قمصان النوم تحت المانطو للتمتع براحة كاملة.
خلال الحرب السورية ارتدت بعض السيدات الحجاب في بعض المناطق ذات الصبغة الدينية تحت ذريعة الخوف، سيداتٌ يبدو جلياً أنهن غير محجبات أصلاً لابل يرفضنه كنمطٍ للباسهن، يبدو ذلك من طريقة ربطه، من المكياج الظاهر، من الضيق الظاهر بالتعامل مع زائرٍ جديدٍ وثقيلٍ وقسريٍ حسب توصيف بعضهن.
إلا أنّ المظهر الغالب هو تحرّر الكثير من الفتيات من حجابهن بعد الانتقال من أماكن سكنهن جراء التهجير والنزوح، فتياتٌ انقلبت أحوالهن بصورةٍ جذريةٍ وإن كان يصح القول بأنّ الانتقال كان عاصفاً ومتطرفاً لدرجةٍ لحظنا التحول من وضعية المحجبة إلى المغامرة، بأقراطٍ عديدة في الأذنين وقصة شعر صبيانية أو غريبة، بملابس ضيقة وبلا أكمام.
يبدو التغير أو الانعطاف الجذري في المضمون والشكل حالةً طبيعيةً في الحروب، حالةً مبررةً لكنها تحتاج وقتاً للقبول. السمة الأساسية في الانقلابات الجذرية في عمر المجتمعات هي حرق الوقت، أي تقبّل التغيرات بزمنِ قياسيِ يكاد أن يكون غير ملحوظ أو غير جدير بالتوقف عنده أصلاً.
***
سهى شابة بعمر الخامسة والعشرين، كانت تسكن في زملكا، لم تقتنع يوما بالحجاب، لكن أمها قدّمت لها كل التنازلات الممكنة لتقبل بالحجاب، وافقت معها على ارتداء الجينز لكن مع كنزة طويلة، ومع الوقت تحايلت سهى حتى على الكنزة الطويلة بكنزة داخلية قصيرة ومفصلة تغطيها بجاكيتٍ طويلٍ وواسعٍ.
في شوارع دمشق الآن صبايا بأحجبة ملونة ٍوصاخبةٍ، وبات للأحجبة موديلات وفي كل وقت نجد موجةً جديدةً كاسحةً تعمم موديلاً محدداً للحجاب. ثمة محال خاصة ببيع الحجاب وبإمكانك هناك الاطلاع على موديلاتٍ متعددةٍ بألبوماتٍ موجودةٍ خصيصاً لتجربي ،لتشتري، لتقرري أيهما الأنسب لوجهك ولونك، وطبعاً يدخل عامل التسويق والمبالغة في خضم عملية البيع المربحة.
في شوارع دمشق صبايا محجباتٍ وفي أقدامهن أحذية رياضية خفيفة وملونة وبعضها مذهب أو مألمس كلونٍ وليس كحجر ثمين طبعاً، أربطةٌ ملونة ٌوصاخبةٌ ولكلّ فردة حذاءٍ رباطٌ بلونٍ مختلفٍ. في شوارع دمشق فتياتٌ محجباتٌ بحواجب مصقولة بحرفة التاتو الدارجة بقوة رغم قسوة الحرب، بمكياجٍ ثقيلٍ أو خفيفٍ، لكنّ الكحل شرطٌ أساسيٌ، بخواتم معدنية كبيرة وبستراس لامع على الأنف، بزيركونة لامعة على الأسنان و بعقودٍ حجريةٍ ضخمةٍ تهتز مع خطوات الصبايا المفعمات بالحيوية والشوق للجنس الآخر.
في شوارع دمشق أيضاً نساءٌ ببزاتٍ عسكريةٍ ليلاً ونهاراً، أي لا وقت محدد لعملهن، فهنّ واقفاتٍ على الحواجز ويفتشن حقائب النساء في الأماكن العامة. مظهرٌ عسكريٌ جديدٌ شمل عامة النساء، أي أنهن لسن خريجات الكلية العسكرية للبنات، يعكس باب عملٍ جديداً انخرطت فيه النساء بصورة واضحة للعيان، نساءٌ من أهل الحي أو معروفات في الأماكن حيت يعملن.
كما أنّ موضة الملابس العسكرية أو على وجه الدقة الزي المبرقع قد غزت صناعة الملابس الجاهزة، حيث تنتشر السراويل والبيجامات والكنزات والجواكيت المبرقعة وهي مطلوبة خاصة لدى الشابات المتموضات. يحاول البعض تعميم فرضية أنّ الحجاب قد تكاثر أيضاً، لكنّ هذا التعميم غير دقيق بحسب مشاهداتي اليومية. صحيحٌ أنّ حفلات التحجيب والهدايا باتت ظاهرةً ومعلنةً وخاصة للفتيات الصغيرات لكنها قليلة، وقد تناقل السوريون مؤخراً تسجيلاً مصوراً لحفلةٍ باذخة تجاوزت كلفتها الملايين بمناسبة ارتداء ابنة رجل أعمالٍ كبير للحجاب، حفلة ارتدت فيها حتى قطع الشوكولا والحلويات الحجاب في استعراضٍ استهلاكي لا يمت للإيمان بصلة.
تخففّت بعض السوريات من ثقل المانطو في زمن الحرب لأسبابٍ مختلفة، فبعضهن تخففن منه لارتفاع أثمانه أولاً ولأنه بات علامةً فارقة توصم صاحبته بالتطرف في أمكنة بات فيها رهاب التطرف رعباً خالصاً وباتت كل محجبة أو مجلببة أو ترتدي المانطو متهمة بأنها داعشية. لم يعد ممنوعاً أن تتجرأ سيدة أو فتاة على الجلوس ملاصقة ً لرجلٍ على مقعدٍ حديديٍ جانبيٍ في السرفيس وذلك تدبيراً لأزمة النقل الخانقة، لابل قد تجلس زركاً ملاصقةً لرجل في مقعدٍ يتسع بالكاد لثلاثة ركاب لكنها تكون الرابعة وربما الخامسة أيضاً فلا ضير في ذلك.
تقول رجاء: “أصعب شيء هو انتظار المانطو ليجف على حافة الكرسي لأننا نعيش في غرفةٍ بلا شرفةٍ أو حبل غسيلٍ، وحياتنا بهدلة ولا يمكن الركون إلى المانطو كزيٍ، وحياتنا لا تؤمن أدنى شروط النظافة، وأقل مانطو بديل يتجاوز سعره العشرة آلاف ليرة وهو مبلغٌ صعب التحصيل والتوفر.”
سيداتٌ أيضاً خلعن الحجاب بقناعةِ، تقول أسماء: “لم أقتنع به يوماً واليوم بات يشكل ضغطاً على حضوري في الأماكن العامة وخاصة في العمل نظراً لأني مهندسة ومطلوب تواجدي في اجتماعات عملٍ ومراكز إشراف” وتكمل “لقد تغيّر تعامل الناس معي بعد تبدل هويتي، وكأني أصبحت امرأةً أخرى! أجل إنّ خلع الحجاب أو ارتداءه بمثابة هوية تعريفٍ جديدة فرضتها الحرب والخوف من علامات التطرف وجراء تعميمٍ ظالمٍ وموجهٍ ومقصودٍ يصنّف كل المحجبات على أساس الشكل وليس المضمون مع أن القوانين تكفل حرية الممارسات والمظاهر الدينية والإيمانية.”
على الحواجز ثمة تصنيفٌ نمطي للمرأة حسب مظهرها العام، تصنيفٌ مضللٌ لكنّه شبه معممٍ يصل لدرجة أنّ عنصر الحاجز قد يقول للمرأة السافرة بأنك “من جماعتنا!” ويا للويل من معنى هذه الكلمة ومدلولها المنافي للمواطنة والشراكة في بلدٍ واحدٍ تمزق الحرب أبناءه جميعاً بغض النظر عن الطائفة والجماعة.
على المقلب الآخر ثمة من تبالغ بالتخفف من الملابس معتبرةً هذا التخفف وكأنّه تحدٍ للمتعصب والمتطرف، تصحو هويتها ما-قبل الوطنية والمغرقة في طائفيتها لتعلن أنها باقية هنا وأنّ حضورها هكذا يقلع عين كل متطرفٍ وكل معتدٍ ومتخلفٍ! هنا الوجه الآخر للتطرف! أجل إنه تطرّف أجوف وعدائي، ثبتته قوى الهيمنة والتمييز المقصود تحت ذريعة التوصيف الشكلاني الأجوف، فكلّ محجبة داعشية وكل مجلببة قنبلة موقوتة! يا للحيف ويا للتسطيح الذي سيدفعنا بعيداً في مهاوي الشقاق والحقد.
سميرة فتاة جميلة الوجه، ممشوقة الجسد ترعى أخوتها الصغار بعد غياب أمها وأبيها، الأم تزوجت والأب مات. نزحت هي وخمسة أخوة مع جدتهم من دير الزور ويعيشون في غرفةٍ على الهيكل، وباتت مضطرة للعمل عند أحد أصحاب محال صناعة الحلوى. كان شرط الجدة هو ارتداء الحجاب وبنطال وبلوزة طويلة وفضفاضة، تبدو سميرة بزيها هذا وظهرها المنحني من شقاء العمل وقوفاً وهي تدهن قطع البريوش بالبيض. سميرة ابنة الخمسة عشر عاماً تبدو من الخلف وكأنها عجوزٌ، لدرجةٍ قد تناديها بـ”يا خالة” قبل أن ترى وجهها الطفولي البريء!
في السلم كما في الحرب اللباس هو صورة مجتمعية وليس شكلية فقط، لكن الحرب تطحن الأجساد والعقول وتصبح الألبسة مجرد أغطية من ورق، لا تحمي ولا ترد الانتهاكات، لا هوية للباس إلا بعين الحرب، حيث تصبح الحرب هي الهوية وهي الشكل والمضمون وهي اللغة الناطقة السائرة على أقدام النساء.
بواسطة David L. Suber and Roshan De Stone | مايو 4, 2018 | غير مصنف
Syrian refugees in northern Lebanon draft peace proposal to create safe return zones in Syria
As the sun sets over the sea, Abu Mohammed looks northwards to the Syrian border. We are on the mountains of Akkar, Lebanon’s most northern region; fifty kilometres away from the village where Abu Mohammed lived every day of his life until he was forced to flee in 2012. Driving down the mountain towards his new home, a huddle of tents in the middle of Akkar’s strawberry fields, Abu Mohammed sighs. “I miss Syria.”
Lebanon currently hosts the highest number of refugees per capita in the world. With refugees accounting for over twenty-five percent of its population, social, economic and political tensions are at a breaking point. Unlike in Jordan or Turkey, the construction of formal refugee camps is prohibited and most Syrian refugees and Palestinians refugees from Syria (PRS) live in substandard conditions; renting land in informal settlements, garages, unfinished buildings, sheds and even animal shelters. According to the 2017 data collected by the UN, more than seventy-five percent of Syrian refugees live below the poverty line, with the same proportion of refugees also unregistered. Unregistered refugees are unable to legally access the labour market and have little choice but to survive on exploitative labour and humanitarian aid. The constant threat of arrest and hostility from host communities exacerbates conditions.
However, refugees are not the only ones to suffer from the current situation. Most Syrian refugees and PRSs have settled in Lebanon’s most marginalised regions, placing them in direct competition for access to work, public services and resources with vulnerable Lebanese communities. Consequently, the influx of refugees is often cited as a reason for Lebanon’s stagnating economy. Equally, Lebanon’s socio-political stability rests on a precarious sectarian balance, one that could be threatened by the predominantly Sunni refugee population. Haunted by past memories of Palestinian refugees’ involvement in the country’s fifteen year long civil war, the fear that the presence of Syrian refugees could be a catalyst for instability and conflict within Lebanon is widely felt.
Speaking to representatives from the Arab League, the UN Security Council, and the EU in September 2017, Lebanon’s president Michel Aoun stated that Lebanon could not sustain the presence of Syrian refugees for much longer. “My country cannot handle it anymore”, he said, suggesting that Syrians should start returning to “calmer areas” in Syria. His words were echoed by Prime Minister Hariri a few months later. And while such words were caveated with the guarantee that Lebanon would never force returns, human rights advocates fear the possibility of indirect refoulement, whereby government-promoted hostile policies towards refugees could make living conditions for refugees so unbearable that they would be indirectly pushed to leave the country.
When a deal between Hezbollah and militant groups in Syria repatriated over three thousand Syrians last year, reports of refugees facing bombing, torture, and imprisonment provided insight into how dangerous pushing for returns can be if carried out without proper safety checks.
To Stay or to Go
As conditions deteriorate for Syrian in Lebanon, refugees increasingly face the difficult choice of whether to stay, despite growing hostility and hardship, or to leave. “I would love to return home.” Yara, a single mother of sixteen from Aleppo living in an informal camp in Akkar tells us. “We had a house and land and we would grow food. I love Syria. But we cannot go back, it is too dangerous now. There is no other place for me to go to.”
Reports of Jordan deporting refugees back to Syria and Turkey shooting refugees at the border are well known amongst the refugees in Akkar, meaning few desire to relocate to these places. And the chances of being resettled to Europe gets slimmer by the day. Yara’s husband tried to reach Europe via sea, but she has not heard from him since he left on a blow up dinghy in 2013. And it is not only Syrians disaffected with the regime who are caught in this conundrum. Yussef, who has served in the Syrian military, also feels that he cannot return: “I do not have any personal problems with the regime, but returning to Syria would be too risky just because of the address on my ID. I come from a certain area of Homs…that is all it would take to get me arrested.”
Nonetheless, despite the continued violence in Syria, many refugees advocate for return. “We cannot stay here forever” says Abu Mohammed, a Syrian teacher living in Akkar, “Returns need to be voluntary and carried out in areas that are truly safe. But in order to ensure that, we need to start organising ourselves now, so that when the times comes to return, we will be ready.”
Abu Mohammed worked in a school in Homs before coming to Lebanon in 2012. Today he is a key spokesperson for a proposal for peace in Syria, written by an informal network of Syrian refugees. The proposal is the product of a rare process, where Syrian refugees have found the strength and resilience to create a platform upon which they can speak for themselves about the conditions needed for return to Syria to occur in a safe and dignified manner.
The catalyst for the creation of the peace proposal was the new legislation passed by the Lebanese government in 2015, which made it harder for Syrians to renew their papers, exposing many to unemployment, arrest and detention. “It was not always like this” Khaled, a long-term intermediary for the UN, told us during an interview in Tripoli. “Before the border was open. When my first daughter was born, we had no problem registering her. But when my second girl was born last year, I had to pay thirteen hundred dollars to get someone to register her in Syria so she did not become stateless.” With eighty-three percent of Syrian children born in Lebanon since the beginning of the crisis lacking birth registration, Khaled’s story resonates with many.
“I do not blame the Lebanese authorities when they say that the situation has reached its limit and Lebanon cannot do more than this”, said Abu Mohammed. “But Lebanon will not help us more than it is now, so we must seek alternatives.”
The network behind the proposal is made up of Syrian refugees from different confessional communities, often represented by the shawish (leaders) of camps in Akkar and the Beqaa. “The people who wrote the proposal have very diverse backgrounds and come from different places in Syria, there are teachers and farmers, mostly from Homs, but also from Damascus, Aleppo, Raqqa” Abu Mohammed told us. “It was written here in Akkar and has been slowly gathering support. We also keep in touch with people in Syria, as well as with refugee communities in Turkey and Jordan. Many call us by phone or Skype to ask what is the progress.”
The strength of Abu Mohammed’s conviction stretches well beyond his words. When he was offered the chance to travel to Europe with a humanitarian corridor he turned it down to stay with his wider family in Lebanon and to continue to run the school he had helped set up. Five hundred children from over twenty-two different refugee camps come to his school every day. “My work in the school goes hand in hand with the peace proposal. It is crucial we help ourselves over here, but this cannot be a long-term plan, we want to return to Syria as soon as we can.”
The Proposal
The peace proposal advocates for the establishment of safe demilitarised zones in Syria, based on Articles 14 and 15 of the IV Geneva Convention for the Protection for Civilian Persons, which sets the conditions for the establishment of neutral zones in areas of warfare. Such zones would allow for the return of refugees and displaced people.
One such zone has already been identified south of Homs, between Qusayr and Yabroud, stretching between the Lebanese border and the Homs-Damascus highway. This area is currently under the control of Hezbollah and the Syrian regime. Home to more than twenty percent of Syrian refugees in Lebanon, this region has been chosen for its proximity to the Lebanese border and its agricultural resources. The proposal for safe return areas is “beneficial for all parties” explains Abu Mohammed, “as Lebanon would guarantee its border to be open for voluntary returns to this region, and Syrians would be allowed to attempt a first return to their country.”
“One of the main reasons Syrians do not want to be in Syria today is out of fear of vengeance and of our children being arrested or drafted in the army. This fear involves everyone, even regime supporters. The strength of the proposal is one: that it speaks to all Syrian refugees”.
In a UN survey carried out in 2017, seventy percent of Syrian refugees expressed the desire to return to Syria if they felt there was somewhere safe for them to return to. “We fled from our homes in Syria because we did not want to kill or be killed. We have paid an enormous price for our freedom. We want to live with freedom and dignity, and we want to make a peaceful return to our homeland,” said Abu Rabia, a former resident of a refugee camp in Akkar, today resettled in Italy.
The Role of Operazione Colomba
Looking for a way to promote the proposal and gain support amongst the international community, Abu Mohammed met with Operazione Colomba, the only humanitarian organisation with a permanent presence in the camps of northern Lebanon since 2014. Strong from its protection and peace-building experience in the Peace Community of San José de Apartadó in Columbia, and in demilitarised nonviolent communities such as the village of At-Tuwan in Palestine, Operazione Colomba has gained international experience in promoting safe zones in places of protracted violence. Seeing the importance of the proposal and understanding the dangers faced by refugees who get publicly involved with politics, Operazione Colomba helped to circulate, translate and promote the proposal. Most recently, a Syrian delegation from the refugee camps has been presenting the proposal to EU officials such as the EU Vice-President and the EU High Representative of the Union for Foreign Affairs and Security Policy, Federica Mogherini.
Critiques of the Proposal
However, not everybody is in favour of the idea. Interviewing a number of refugees living in Lebanon’s northern city of Tripoli, the proposal was met with many doubts; many fearing for their safety and livelihood were they to return to safe zones without a political settlement taking place first. “Without weapons?” One women laughed. “Impossible. All it takes is one rocket. And how would we live? The land is covered in mines, my home is destroyed. What would I do?” Many refugees in Lebanon see safety and security as the first conditions to return, with access to basic services and employment opportunities also as key.
Abu Mohammed is no novice to such questions and having been previously detained in Syria, he is aware of the risks that return to Syria could entail. “We know that such a solution today seems too far-fetched and unrealistic. With the recent sieges and bombings continuing in Syria, it is difficult for anyone to speak of return. For today the proposal is impossible, but one day the violence will lessen.”
Most refugees feel trapped in a stalemate between a country that does not want them and a country to which they cannot return. To Abu Mohammed’s eyes, the proposal is a starting point to begin opening up routes to move on from such impasse, working on finding alternatives between degrading treatment abroad and war at home. “Return is key to any solution,” he insists, “and it will happen eventually.”
“This war has been long, but it will not last forever. The day it will be over, we want to be ready to return in a safe manner no matter who wins the war. Even if we will simply move in other provisional camps at first, it will be better to live in a camp in our own country than here.”
Other Opinions
Lorenzo Trombetta, a Middle East expert based in Beirut, was consulted when the proposal was at its embryonic stages. “The first time Operazione Colomba told me about the proposal I was very skeptical. But after learning more about their work they do in Akkar, I took a more listening attitude.” Trombetta does not see the feasibility of truly safe zones being established in the near future. “For most of the actors in Syria, the idea of safe zones is more a strategy to further political and military goals rather than a method of civilian protection.” With the failure of past de-escalation zones all too present, Trombetta warns of the difficulty of disconnecting zones of safety with zones of influence and the future demarcations of post-war Syria. “No safe zone can be established without first reaching a political settlement with the government and its allies. You may find statements of solidarity amongst EU institutions, but they are unlikely to act unless they believe it to benefit their diplomacy in Lebanon.” As demonstrated at the international conference recently held in Rome, international diplomacy in Lebanon is mostly concerned with anti-terrorism securitization and stability. “The Western consensus towards Lebanon is to keep it as the bench outside the football pitch, make sure Syrian refugees can survive and wait without spilling over towards European borders.”
Those behind the proposal are only too used to the hollow promises of politicians, but they also hope that with support from EU countries, local players would be more likely to take the proposal seriously. Alex, a member of Operazione Colomba who has lived in the camp for over two years, acknowledges the risk that regional actors might try to use the idea of humanitarian zones to further their own political ends. “There is a lot that will have to be negotiated and that will depend on what happens in the near future. But on the core tenants of the proposal we cannot negotiate: on the need of security, food, healthcare, and the request of dignity Syrian people want back.”
Whilst Trombetta believes that any true safe zone could not exist in the near future, he does not deny the possibility completely. “Operazione Colomba and the Syrians who wrote the proposal are working at the forefront of what the current situation allows.” He concedes that while keeping nuance against misinterpretations of the proposal advocating for an unsafe return, there is a need to start working on the idea of safe return zones in advance and to start from social inclusion. “Remember to look beyond the national borders on maps.” He points out how the triangle formed by the cities of Homs, Tartus, and Tripoli is a very resourceful and interconnected socio-economic area, gravitating the north of Lebanon closer to Syria than to the more politically and economically distant Beirut. Roots of support for the proposal could grow from the re-establishment of local economic activities through projects of social inclusion and cohesion between Syrians in Akkar and their communities of reference in Syria. “We need to aid the construction of a socio-economic context that can precede the physical return of refugees in the foreseeable future.”
International aid organisations have expressed concerns that such a proposal is premature and that establishing safe zones would risk supporting efforts of forced returns from Lebanon where basic security conditions are far from being met. When asked to comment, the International Red Cross replied stating that any return should be done in a safe, dignified, and informed manner in accordance to international humanitarian law, and that such conditions have been currently met on the ground.
Many points remain unclear in the safe zones proposal, such as issues of governance, mobility, and access. When facing such questions Alex replies that the Syrians involved in the proposal, alongside Operazione Colomba, are constantly evaluating details in accordance with the evolving situation. “When we are asked about the details of the proposal, we often say that it is like asking a child who they want to be when they grow up. We cannot know now how safe zones will form, it is too early and it will always depend on which interlocutor we will face the day we will sit down and discuss. But it is still important to ask the question, to spur imagination and the will to change this situation.”
For the millions of Syrian refugees surviving in rapidly deteriorating conditions, there are not many alternatives. This is why for those behind the proposal, working for the establishment of safe return zones is not more unrealistic than a scenario in which millions of refugees stay endlessly in a foreign land.
Conclusion
Caught between the growing hardships of displacement and premature conditions for return, Syrian refugees in Lebanon have to walk the fine line between advocating for safe and dignified return whilst careful not to fuel excuses for coerced refoulement.
“Why are the representatives of the forces destroying our country the only ones sitting at the negotiating table?” asks Abu Mohammed, as he mends a leak in his tent. “Refugees are treated as if their only role is to run away from war, becoming powerless victims begging for help. We want to show you how far is this from reality.”
In the midst of growing escalation in Syria, the peace proposal, coming from civilian refugees, provides an example of what wars too often leave out: the voices of those who refuse violence. Against all odds, a group of Syrians are trying to launch a message of peace, taking concrete steps towards a proactive involvement in negotiations. Notwithstanding the necessity of a political settlement to be found in Syria to bring war and violence to a halt, refugees want to part-take in the process. They are asking for the ear of the international community not to fall deaf to their call.
بواسطة Ammar Diob | مايو 4, 2018 | Roundtables, غير مصنف
سيطرت السلطة ورئيساها “الأب والابن” بالتحديد لزمنٍ طويلٍ على كافة مفاصل الدولة، فلم تكن الدولة ممثِّلة للمجتمع بقدر ما كانت ممثلة للسلطة. لم يشعر أفراد سورية بأنّهم مواطنون ولهم حقوق وواجبات، ولم يمارسوها أيضاً. ممارساتهم كانت وفق المرسوم لهم مسبقاً. إذ كان الناس يعيشون بالأوهام والأحلام، وليس بنشاطاتٍ يساهمون من خلالها بصناعة واقعهم. في ذلك كتب المفكر السوري طيب تيزيني وعشرات من المثقفين السوريين: إن سورية محكومة من قبل الدولة الأمنية.
سورية التي رأت في الثورات العربية عام 2011 دوراً الشعوب في تقرير مصيرها، كما حال تونس ومصر، قرّرت أنه بمقدورها أيضاً إسقاط النظام. المشكلة هنا، أن السوريين مُنعوا من تشكيل أيّة خبراتٍ في أشكال الاحتجاج والتظاهر ورفع الشعارات المتوافقة مع تطور هذه الأشكال، وكانت نقاباتهم واتحاداتهم مُسيطَراً عليها من قبل السلطة. هذا الوضع دفع السوريين لرفع شعار الحرية والكرامة عالياً والاستخفاف بأيّة شعارات أخرى أكانت وطنية أم اقتصادية، وكذلك سُخِّفت أيّة توجهات للانشغال بالبرامج السياسية والرؤية الفكرية والاستراتيجية! واشتُقَّ من الشعار السابق مئات الشعارات والأفكار؛ فهو شعار تعبوي ويعكس أحلاماً كبيرةً، ويشحذ الهمم، وبالتالي كان الشعار هذا طوباوياً بامتياز، وقابلاً لإيصال مطلقيه أنفسهم إلى أسوأ مصير أو أفضله؛ وتغلَّبَ الأسوأ بامتياز، كما تمّ لاحقاً، وكما وصلت الأوضاع إلى التهجير والتدمير والاحتلال. طبعاً السلطة تتحمل المسؤولية الأساسية عن مآلات سورية.
الخيار الأمني والملائكة
السلطة الأمنية واجهت الشعب فوراً بخيارها الأمني، أي لم تعترف له بأي دور للمشاركة السياسية رغم مطالبته في الأشهر الأولى للثورة بالإصلاح وليس بإسقاط النظام، ورغم كل محاولات الدول الإقليمية، وتحديداً تركيا وقطر والسعودية، لدفعه للقيام بإصلاحات سياسية أولية واستيعاب التدفق الشعبي الذي راح يهدر في كل المدن السورية بما فيها حماه؛ وتأكيدي لحماه لأنّها دُمرت في الثمانينات، وكانت مظاهراتها السلمية الأكبر عدداً في تموز 2011.
قبالة رفض الاعتراف للشعب بأي حقوق، ورفض الوساطات الإقليمية للتغيير، اشتد الخيار الأمني من اعتقال وقتل ومجازر وتهجير؛ هنا فقط الملائكة يمكن ألّا تحمل السلاح، فجاء تشكيل الكتائب المسلحة لحماية المظاهرات الضخمة في أغلبية المدن السورية؛ وعي هذه الكتائب عكس الوعي الشعبي المكرّس، أي هو وعي ليس فيه مفاهيم للحقوق وللواجبات، ولنقل لديه تصورات مشوشة إزاء ذلك، ولكنه في بنيته الأساسية محمل بالوعي العائلي والمناطقي والديني والطائفي والسلفي، وهناك الوطني الملتبس بما ذكرت. ظهر إشكال حقيقي، ويتعلق بتدخل إقليمي لمنع تشكيل جيش وطني معارض، وسُلّم المقدم حسين الهرموش الذي رفض مشروع الإخوان المسلمين بالأسلمة والتسليح، وحاول تنظيم عمل العسكريين المنشقين للنظام عبر تركيا. الأغلبية الساحقة للضباط المنشقين وُضعوا قيد الإقامة الجبرية في تركيا أو الأردن، وسواها. قلّة من الضباط بقيت في سورية، إمّا لأنّها رفضت مغادرة سورية أو لأنّها ارتبطت بمشاريع كالإخوان المسلمين أو تركيا وسواها، ولاحقاً ومع تتالي سنوات الثورة، واستدعاء حزب الله وإيران والميليشيات الطائفية التابعة لها لمواجهة فشل النظام ولاحقاً روسيا، اضطرت الكتائب المعارضة لتلقي الدعم بكل أشكاله من الخارج؛ النظام وجيشه أصبحا يأتمران من إيران وروسيا والفصائل كذلك، وبالتالي يمكن نزع الصفة الوطنية عن أغلبية التشكيلات المسلحة في سورية. الإشكال هنا أن هذه التشكيلات أصبحت تعمل لصالح مشاريع إقليمية ودولية، ومن هنا نرى ترابط هذه التشكيلات مع أمريكا وروسيا وإيران وتركيا وقطر والسعودية وسواها.
يمكن القول هنا، أن النظام فشل في أن يكون وطنياً، وهذا يسري على جيشه وأجهزته الأمنية واستدعى الخارج لحماية نفسه، وكذلك المعارضة والتشكيلات المسلحة. الوطنية السورية لم تتشكل يوماً، أي قبل الاستقلال وبعده وبعد الحركة التصحيحية، وبالتالي ظلّ الوعي “الوطني” ملتبساً بالتصورات الدينية والمذهبية، وفي هذا هناك كلام كثيرعن مشكلات تعتور الهوية السورية، وشكّلَ تغييب الشعب لعقود متتالية عن المشاركة السياسية في قضايا الحياة كافة سبباً كافياً للانطواء والتقوقع ضمن إطار التصورات ما قبل الوطنية وأصبحت الأخيرة مجرد غطاء للتكاذب “الوطني”؛ طبعاً الكلام يدور حول الشكل المسيطر للوعي وليس على كافة الأفراد.
التدخل الإقليمي
مع العام الثالث للثورة برزت عوامل ساهمت في تراجع الثورة الشعبية وأهمها التدخل الإقليمي والدولي بشكل كبير؛ ففي الداخل ظهرت الكتائب السلفية والجهادية لأسبابٍ تتعلق بسياسات النظام والخارج الإقليمي وتعقيدات الثورة ذاتها! وتأسلمت أغلبية الفصائل المحلية، وأصبحت تابعة للدول التي استجدتِ النظام ليقبل بالإصلاح من قبل؛ تدخُّل هذه الدول جاء بسياقٍ واحدٍ، وهو تخميد الثورة وتحويلها إلى إصلاحات وإعادة إنتاج النظام “بتطعيمه” بالمعارضة الإسلامية والليبرالية. مع رفض النظام للإصلاح، بدأت عملية تخريب الثورة، وحجزها في سورية. تمّت عملية الاحتجاز بتتبيع المعارضة وكتائب الجيش الحر وخلق كتائب سلفية وجهادية وتسليح الثورة بشكل فوضوي، وبذلك تراجع طابعها الشعبي والاحتجاجي والمدني وتقدم العسكري. وربما من أخطر ما افتقدته الثورة غياب نظرية لها ورؤية المعارضة القاصرة لها، ولكيفية توجيهها والسيطرة عليها وقيادتها في كل سورية. ما سُقتُه أدى إلى تخريب الثورة وإخضاع أغلبية المجموعات السياسية والعسكرية للخارج.
الإشكالية الكبرى كانت في ظهور كل من جبهة النصرة وداعش وقبلهما جيش الإسلام وأحرار الشام. أغلبية الروايات عن هذه المجموعات تفيد، بأنّها صُنعت لتخريب الثورة، ولخدمة رؤية النظام لها “ثورة طائفية وإمارات سلفية ومؤامرة خارجية” ووجِدت لاحتجازها في سورية وتعليم السوريين والشعوب الدرس المؤلم للثورات، أي تحويلها إلى مجازر متنقلة، والتهجير والتدمير.
إذاً مفهوم الجيش الحر المشتق من مفهوم الحرية، ورغم دلالاته في رفض الاستبداد والقطيعة معه، لم يفد في تعزيز ممارسات ثورية وعسكرية تنطلق منه. هنا لا يمكن تجاهل دور المعارضة في تشويه رؤية أهداف الثورة لدى الثائرين على النظام؛ إن دور المعارضة في أي ثورة أو احتجاج واسع هو صياغة المطالب العامة ونظرية الثورة والسيطرة على الثورة وقيادتها، ورفض التعدد في تمثيلها ليسهل للمعارضة خوض الصراع الوطني العام ضد النظام.
جيش الإسلام وأحرار الشام
المعارضة السياسية الفاشلة والانتهازية خسرت أهم ما يبرر وجودها وهو ما ذكرت. هذا فتح المجال لتصبح القوى الإسلامية هي المتصدرة للمشهد العسكري. جهادية داعش والنصرة أخرجتهما من القوى المحسوبة على الثورة، أما جيش الإسلام وحركة الأحرار فقد كانت سلفيتهما هي الغالبة، وتطورت في خطابها لتصبح “مقبولة” إقليمياً ودولياً، وبالتالي اشتغلت على مفاهيم الشعب والعدالة والديموقراطية التي تتساوى بصندوق الاقتراع، وقبالة ذلك خففت من خطابها الديني والطائفي. الحركتان الكبيرتان هاتان، كان مشروعهما العسكري هو الأساس، ولاحقاً اشتركتا بالسياسة باعتبارهما ممثلتين عن الشارع والثورة. هنا يجب ملاحظة أن جيش الإسلام رفض الإنخراط بالهيئات السياسية المُشكلة، وكذلك الأحرار، وكان اشتراكهما تقنياً ولغايات المفاوضات النهائية أو ما يتعلق بالشؤون العسكرية كما تمّ في الأستانة وجنيف.
الحركتان المذكورتان، وبعد التخفيف من الحمولة الأيديولوجية السلفية لهما، وتبني خطاب براغماتي، وبسبب إطالة أمد الصراع، والحاجة للأموال، خضعتا لمصادر التمويل، وكذلك بسبب سياسات فاشلة لديهما لإدخار قواتهما للمعارك النهائية؛ جيش الإسلام خضع للمملكة السعودية والأحرار للدولة التركية بشكل خاص. طبعاً هناك مصادر تمويل متعددة أخرى يحصلان عليها، وهذا لن يُعرف بشكل كامل إلا بعد زمن طويل. على كل حال، وبتطور الواقع كما ذكرت وبتحول سورية إلى ساحةٍ للصراع الإقليمي والدولي، خضعت أكبر الحركات لسياسات الخارج. إضافة لذلك ارتهنت فصائل كثيرة لكل من غرفة الموك في الأردن وغرفة الموم في تركيا، وأُعلن عن فصائل ممولة ومدعومة أمريكياً بصفة خاصة، والتي لم تقبل أغلبيتها محاربة داعش فقط واشترطت محاربة النظام وداعش معاً، فكان مصيرها التهميش؛ لعبت أمريكا وتركيا والأردن على إبقاء الفصائل متشرذمة وبدون قيادة موحدة، وكانت كل عمليات التوحيد هامشية ورغبوية بامتياز، وبالتالي استتبع ذلك هامشيتها وخسارتها كل المعارك التي خاضتها مع داعش أو النصرة أو جيش الإسلام، وبالنتيجة تلاشت الفصائل وظلت الحركات السلفية المدعومة خارجياً.
وما ظل من فصائلٍ غير محسوبة على الإسلامية ولا سيما فصائل درعا تم تدجينها في إطار اتفاقيات الأستانة، وتعد مشاركتها في الأستانة، أو تلقي الدعم الأمريكي سبباً كافياً لعدم استقلاليتها ولضمور الوطنية في قراراتها، وتفسر صمتها عن المساهمة في معارك كثيرة، وبدءاً من رفضها مؤازرة بلدة داريا، والاستفراد لاحقاً بكل الغوطة الغربية والشرقية. حتى هذه الانسحابية لم تشفع لها، فكوفئت بخلق داعش لها في وادي اليرموك؛ فجيش خالد الداعشي وُجد لتهديد تلك الفصائل بالتحديد، وتكبيل يديها عن المساهمة في معارك الغوطة أو حلب وكذلك لضبطها في إطار الاتفاقيات الدولية والاقليمية، وربما للتأثير عليها لتتقبل أية شروط تخص إبقاء الحدود آمنة مع إسرائيل وعدم رفع أية مطالب مناهضة للأخيرة.
قسد وغصن الزيتون
إذاً لم تعد صراعات الفصائل ضد النظام تنطلق من قضايا الصراع ضده، بل أصبحت خاضعة كما النظام لسياسات الخارج بشكل أساسي. بعد 2013 و2015 ودخول روسيا، وكذلك بعد خسارة حلب ونشوء التحالف التركي الروسي، جيرت تركيا الفصائل المدعومة من قبلها لصالح هذا التحالف. التحالف هذا فرض سياسات جديدة على كل من تركيا وروسيا وإيران وأمريكا، وبالتالي خضعت كل صراعات الفصائل لهذه التحالفات. فصائل درع الفرات أو غصن الزيتون أو قسد كلها أصبحت صراعاتها مع بعض أو ضد داعش خاضعة لهذه الاعتبارات بالتحديد، وبالتالي هناك سؤال كما في نص الطاولة المستديرة لصالون سوريا والتي نناقش فكرتها الأساسية في هذا المقال:
أين الوطنية في كل هذه الصراعات، وأين مصلحة الشعب السوري في تعزيز الاحتلالات لأراضيه؟
إضافة لما أشرت له سلفاً، وهناك ما هو أسوأ، وهو التوافق بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي “البايادي دي” والذي بدأ مع بداية الثورة، وبنتيجة الصفقة بينهما تم تخلي النظام له عن مناطق واسعة في القامشلي والحسكة وعفرين ليتم فرض سلطته عليها. هذا الاتفاق تم بالتأكيد ضد الثورة وفصائلها وعانى منه الكرد والعرب. هذه لحظة تأسيسية للفهم، وليتم توضيح أصل العدائية الكبيرة بين هذا الحزب والفصائل السورية بكل أشكالها. الإشكالية هنا أن تطوّر الصراع وديمومته لسنوات وسنوات غيّر من تحالفات هذه الفصائل “الكردية والعربية” وبالتالي جعل منها خاضعة للخارج كما النظام ذاته.
لهذا لا يمكن مناقشة معركة غصن الزيتون دون توضيح الأسباب التي دفعت بعض الفصائل للمشاركة في معاركٍ تحت السيطرة التركية، وكذلك يجب فهم تحالف الاتحاد الديمقراطي “البايادي” مع الأمريكان. معركة عفرين كانت نتيجة ما ذكرت، ولكنها مكنت تركيا من احتلال أقسام واسعة من سورية كما معركة درع الفرات. أيضاً تحالفات قسد مكنت أمريكا من فرض سلطتها على مناطق واسعة في شرق سورية وشمالها.
من يتحمل المسؤولية
يمكن القول إن جيش النظام لم يكن وطنياً كما أشار الكاتب علي العايد في مداخلته “الجيش السوري الحر لم يكن موجوداً أبداً” بهذا الملف في تصديه للثورة الشعبية ولم يقف على الحياد لحماية الدولة كحال تونس مثلاً، وهي وظيفته الأساسية. وكذلك الفصائل حينما لم تلتزم بمرجعية ثورية، وتحدد عملها بحماية الثورة وتطويرها ورفض كل تبعية للخارج أو ميول سلفية وجهادية تبنتها جماعات لا علاقة لها بالثورة وأهدافها. نعم تتحمل السلطة السياسية المسؤولية الكبرى عن مآلات سورية وعن إدخال الجيش لقمع الشعب بمرحلة ثورته السلمية والعسكرية، وكذلك تتحمل المعارضة المسؤولية في الفوضى التي هي سمة الفصائل وتشرذمها وتفتتها وتبعيتها للخارج.