صاروخ «ذكي» أميركي في سوريا يحمل رسالة الى روسيا

صاروخ «ذكي» أميركي في سوريا يحمل رسالة الى روسيا

الصاروخ «الذكي» الذي وجهته طائرة «درون» أميركية إلى «أبو القسام الأردني» أحد قياديي تنظيم «حراس الدين» المحسوب على «القاعدة» في شمال غربي سوريا، تزامن مع خلاف أميركي – روسي في مجلس الأمن إزاء تصنيف «حراس الدين» في قوائم مجلس الأمن الدولي للتنظيمات الإرهابية، كما هو الحال مع «جبهة النصرة» وتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، ما اعتبر أنه بمثابة «رسالة» من واشنطن إلى موسكو حول كيفية اغتيال الإرهابيين.

وأبلغ مسؤول غربي «الشرق الأوسط» أن مداولات أولية في مجلس الأمن، أظهرت خلافاً في رأي بين دبلوماسيي البلدين، إذ إن الجانب الروسي يريد استعجال إدراج «حراس الدين» في قوائم مجلس الأمن، مقابل حذر دبلوماسيين أميركيين من أن يكون ذلك «ذريعة لشن عمل عسكري من قوات الحكومة السورية بدعم روسي ضد بعض الجيوب في ريف إدلب لقتال فصائل المعارضة بدل الإرهابيين». وأضاف أن المقاربة الأميركية تقوم على ضرورة التوصل إلى «تصور شامل لمحاربة الإرهاب والإجراءات المسموحة ذلك، وأن يكون التصنيف الدولي أحدها وليس الوحيد».

 «حراس الدين»

تأسس تنظيم «حراس الدين» في فبراير (شباط) 2018 من القياديين المهاجرين الذين اختلفوا مع زعيم تنظيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني بعد فك ارتباطه بـ«القاعدة» في 2016، وكان بين القياديين في التنظيم الجديد خالد العاروري (أبو القاسم الأردني) وأعضاء مجلس الشورى سمير حجازي (أبو همام الشامي أو فاروق السوري) وسامي العريدي (أبو محمود الشامي) وبلال خريسات (أبو خديجة الأردني). وتلبية لدعوتهم (الفصائل المتناحرة في الشام لوقف القتال بين بعضها البعض)، انضمّ 16 فصيلاً على الأقل إلى «حراس الدين».

وفي أبريل (نيسان) 2018 شكّل «حراس الدين» مع «أنصار التوحيد» تكتل «نصرة الإسلام» اتسع إلى غرفة «عمليات وحرض المؤمنين» في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، في سياق سعيها لمقارعة اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا حول إدلب.

وفي نهاية العام الماضي، صنفت الخارجية الأميركية «حراس الدين» كمنظمة إرهابية أجنبية وأدرجت «أبو همام الشامي» القائد العسكري السابق لـ«جبهة النصرة» ضمن القوائم السوداء. وعرض برنامج «المكافآت من أجل العدالة» التابع لوزارة الخارجية، 5 ملايين دولار لقاء معلومات تقود لثلاثة من قادة التنظيم، وهم: «سامي العريدي، وسمير حجازي، وأبو محمد المصري».

 منع الصدام

قبل أسابيع، بادر دبلوماسيون روس في نيويورك إلى طرح إدراج «حراس الدين» في قوائم مجلس الأمن للتنظيمات الإرهابية. الموقف الأميركي كان مفاجئاً لدى رفض ذلك قبل التوافق على آلية محاربة. لكن اللافت، أن واشنطن أرادت إعطاء «درس» حول كيفية اغتيال المطلوبين من «القاعدة». هي تصنف «حراس الدين» في قوائها، واعتبرت «هيئة تحرير الشام» ذاتها «جبهة النصرة».

معروف أن هناك اتفاقا بين روسيا وأميركا لـ«منع الصدام» منذ منتصف 2017 بين الجيشين: شرق الفرات لحلفاء واشنطن وغرب النهر لحلفاء موسكو. وحاولت أميركا في بداية 2018، ملاحقة إرهابيين في شمال غربي سوريا واستهدفت عشرات من قادة «تنظيم خراسان» وقياديين آخرين. لكن ذلك قوبل برفض روسي. وكانت هناك استثناءات قليلة بينها لدى اغتيال «أبو بكر البغدادي» في أكتوبر الماضي في باريشا بريف إدلب، بعد إبلاغ الجانب الروسي بوجود عملية عسكرية خاصة في «منطقة النفوذ الروسية» من دون مزيد من التفاصيل.

 شفرات قاتلة

حسب المعلومات، فإن هذا تكرر في 14 يونيو (حزيران)، لدى قيام «درون» أميركية متطورة باستهداف خالد العاروري المعروف بـ«أبو القسام الأردني»، للتخلص منه وأيضاً «رسالة» إلى روسيا عبر استعمال صاروخ «هيل فاير» المتطور المخصص لعمليات الاغتيال المستهدف بعيداً من أي خسائر بين المدنيين. و«أبو القسام» هو رفيق وصهر «أبو مصعب الزرقاوي» الذي كان متزعماً «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» قبل اغتياله في 2006. وفي عام 2015، كان خالد العاروري واحداً من 5 شخصيات بارزة من «القاعدة» الذين أفرجت السلطات الإيرانية عنهم في صفقة.

وأفادت وسائل إعلام أميركية، بأن الصاروخ «الذكي» تضمن رأسا حربيا خاملا من 100 رطل من المواد المعدنية أحدث فجوة كبيرة في سيارة كان فيها «أبو القسام» قبل قذف ست شفرات حادة (بمثابة سيوف) من داخل المقذوف لتقطيع أي شيء يعترض طريقها. وهذا ما يفسر أن «حراس الدين» أعلن عن مقتل «أبو القسام» أول من أمس بعد حوالي عشرة أيام من إصابته.

جرى تطوير صاروخ «هيل فاير»، المعروف عسكريا بـ«آر 9 إكس»، قبل عقد إثر ضغوط الرئيس السابق باراك أوباما بهدف الإقلال قدر الإمكان من الخسائر التي تقع في صفوف المدنيين والحد من تدمير الممتلكات المدنية في الحرب ضد الإرهاب. والسلاح، الذي جرى توصيفه بالكامل للمرة الأولى خلال العام الماضي، تم استخدامه أكثر من ست مرات في السنوات الأخيرة. ونقلت صحف أميركية عن مسؤولين أميركيين استخدام «آر 9 إكس» في حالتين محددتين، إحداهما كانت من وكالة الاستخبارات المركزية، والحالة الأخرى من قيادة العمليات الخاصة المشتركة السرية في الجيش. إذ نجحت غارة جوية في اليمن في يناير (كانون الثاني) العام 2019 في اغتيال جمال البدوي، وهو أحد الرجال المشتبه في ضلوعهم في التخطيط لعملية تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» حال رسوها في اليمن عام 2000. وقتل «أبو الخير المصري»، وهو الرجل الثاني في «القاعدة» وكان صهرا لزعيم التنظيم أسامة بن لادن، من الاستخبارات المركزية، في غارة في إدلب في فبراير عام 2017. وكان التشابه واضحا بين عمليتي اغتيال «أبو الخير» و«أبو القسام».

و«الرسالة الأميركية لروسيا، هي أنه هكذا يتم اغتيال قادة إرهابيين وليس على طريقة الأرض المحروقة التي تتضمن دمارا كبيرا بالممتلكات المدنية والبنية التحتية»، حسب مسؤول غربي. وأضاف: «كان لافتا تزامن هذا مع اتهامات تقرير أممي لروسيا بأنها لم تساهم بحماية مستشفيات ومنشآت طبية في إدلب رغم أنه جرى تقديم معطيات وجودها للجانب الروسي». وأعلنت روسيا انسحابها من ترتيب طوعي تقوده الأمم المتحدة لحماية المستشفيات وشحنات المساعدات الإنسانية في سوريا من استهداف الأطراف المتحاربة لها. وجاء هذا بعد أن خلص تحقيق داخلي أجرته الأمم المتحدة في أبريل إلى أن من «المحتمل للغاية» أن تكون الحكومة السورية أو حلفاؤها قد نفذوا هجمات على ثلاث منشآت للرعاية الصحية ومدرسة وملجأ للأطفال في شمال غربي البلاد العام الماضي.

 تفاهم روسي – تركي

ينتشر «حراس الدين»، الذي يعتقد أنه يضم حوالي 1800 عنصر معظمهم غير سوريين، في شمال غربي سوريا الخاضعة لتفاهمات روسية – تركية. وفي 5 مارس (آذار) الماضي، توصل الرئيسيان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان لبروتوكول إضافي لاتفاق سوتشي بينهما، تضمن «عزمهما مكافحة جميع أشكال الإرهاب والقضاء على كل التنظيمات الإرهابية التي اعترف بتصنيفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومتفقتين مع ذلك على أن تهديد المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره بأي ذرائع». وإلى وقف النار، اتفقا على تسيير دوريات مشتركة على طريق رئيسي بين حلب واللاذقية.

قابل «حراس الدين» ذلك بأنه أعلن في 12 الشهر الحالي، تشكيل «تنسيقية مشتركة» غرفة عمليات عسكرية باسم «فاثبتوا»، من 5 فصائل، هي: «تنسيقية الجهاد»، و«لواء المقاتلين الأنصار»، و«جماعة أنصار الدين»، و«أنصار الإسلام». وكان هذا التكتل توسيعاً لحلف سابق، أعلنته تنظيمات «أنصار الدين» و«أنصار الإسلام» و«حراس الدين» في 2018، بتشكيل غرفة «وحرض المؤمنين». وكما رفض الحلف السابق اتفاق سوتشي، فإن التكتل الجديد رفض اتفاق موسكو، وشن هجمات على قوات النظام في سهل الغاب غرب حماة، كما أنه استهدف جنودا أتراكا ودوريات روسية – تركية على طريق حلب – اللاذقية.

 ابتلاع الإخوة

حسب المعلومات، تعهدت تركيا بـ«تفكيك» التنظيمات المتشددة من الداخل، بل إن مسؤوليها بدأوا لأول مرة يتحدثون عن «تنظيمات إرهابية» في إدلب. لكن اللافت، أن «هيئة تحرير الشام» هي التي تقود المواجهة الميدانية ضد المتشددين الآخرين. إذ إنها اعتقلت، القيادي السابق فيها، جمال زينية المعروف بـ«أبو مالك التلي» في ريف إدلب بتهمة «التحريض على شق الصف والتمرد وإثارة البلبلة» بعد أيام من اعتقال سراج الدين مختاروف، المعروف بـ«أبو صلاح الأوزبكي»، المنضوي في صفوف تنظيم «جبهة أنصار الدين» والمطلوب للإنتربول الدولي.

تطور ذلك إلى اشتباكات ومواجهات بين الطرفين خصوصاً في سهل الروج غرب إدلب وقرب سهل الغاب مناطق انتشار قوات النظام. واستطاعت «هيئة تحرير الشام» فرض اتفاق هدنة أول من أمس على «حراس الدين»، لكن سرعان ما انهارت وتبادل الطرفان التهديدات.

وأعلن الجناح العسكري في «هيئة تحرير الشام» مساء الجمعة «منع إنشاء أي غرفة عمليات أخرى أو تشكيل أي فصيل جديد تحت طائلة المحاسبة» في إشارة إلى غرفة «فاثبتوا». وحصرت «الهيئة» في بيانها «جميع النشاطات العسكرية بإدارة غرفة عمليات الفتح المبين»، وذلك بعد إعلان التكتل الآخر أنه «بعد الاتفاق الذي وقع في بلدة عرب سعيد غرب إدلب بيننا وبين هيئة تحرير الشام، قامت الأخيرة بمداهمة مقرات فاثبتوا في بلدة سرمدا بريف إدلب الشمالي شمال إدلب ومواقع في ريف اللاذقية». واعتبرت هذا «الغدر المُبيت يعود على الاتفاق القائم في عرب سعيد بالنقض في حال استمراره، وعدم التزام الطرف الآخر بما وعد به».

وإذ يقول قيادي ميداني إن «هيئة تحرير الشام اتخذت قرارها بالقضاء على حراس الدين بموافقة تركية لتقديم نفسها كتنظيم يجب التحاور معه»، أشار آخر إلى أن «ابتلاع الإخوة سيصل إلى أن الدور سيأتي على هيئة تحرير الشام لاحقا».

**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».

سوريا على حافة المجاعة

سوريا على حافة المجاعة

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات:”

أدى دخول “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين 2019” حيّز التنفيذ، الأربعاء 17 من الشهر الحالي إلى تداعيات اقتصادية عدة أبرزها الانهيار غير المسبوق تاريخياً لليرة السورية أمام العملات الأجنبية، حيث فقدت حوالي 70% من قيمتها منذ الشهر الرابع من العام الحالي، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنوني بالأسعار وغياب العديد من السلع والأدوية من الأسواق المحلية. وتزامن هذا الوضع مع تصاعد الأزمة بين بشار الأسد وزوجته أسماء، وابن خاله، رجل الأعمال، رامي مخلوف، وتعرض “العائلة الحاكمة” لهجوم هو الأوّل من نوعه من قِبل موسكو -الحليف الأقوى للنظام- ومؤسّساتها الإعلامية المقربة من الرئيس بوتين.

 وتتعمق المعاناة التي يعيشوها السوريون أكثر في ظلّ ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. الجائحة التي خلفت حتّى الآن نحو 456 وفاة وأكثر من ثمانية ملايين إصابة مؤكدة في 210 دولة وإقليم حول العالم، بحسب موقع “ورلد ميتر” المختصّ برصد ضحايا الفيروس القاتل، حاول النظام الالتفاف عليها بنشر أنباء مفادها أنّ “سوريا ناجية من الوباء”، ليعلن تدريجياً عن وجود إصابات زعم أنّ جميعها لمواطنين قادمين من الخارج أو ممن خالطوهم.

تصاعد الأرقام المفزعة وما سببته من هلع حول العالم، وما رافقها من تصريحات لكبار المسؤولين الأمميين وقادة العالم، لم يكن دافعاً ليغير نظام الأسد من سلوكه في التعامل مع السوريين في ظلّ هذا التحدي الصحي المباغت، حيث تسجّل سوريا يومياً تصاعداً في أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس القاتل. حيث أعلنت وزارة الصحة مؤخراً عن تسجيل 9 إصابات جديدة في قرية واحدة فقط بمحافظة القنيطرة جنوب سوريا. وبينما بلغت الإصابات على الأقل 248 حالة، توفي منها سبع حالات على الأقل؛ إلّا أنّ كثيرين من الموالين والمعارضين السوريين ومنظمات صحية وحقوقية عربية ودولية، يشككون في صحة هذه البيانات بسبب غياب الشفافية وتكتّم النظام على الأعداد الحقيقية للإصابات في مناطق سيطرته، حيث أشارت العديد من التقارير إلى أنّ هناك مئات الإصابات وحالات وفيات في معظم المناطق والمدن والمحافظات التي يسيطر عليها النظام، والتي يتمّ تسجيلها على أنّها “فشل كلوي”، أو “ذات رئة”.

وفي حين تدعو حكومة النظام للالتزام بالإجراءات الصحية الوقائية من جائحة كورونا، وعلى رأسها التباعد الاجتماعي، ينظم حزب البعث (الحزب الحاكم) وجهات أمنية، مسيرات “قسرية” موالية في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ليتبعها مسيرات ومهرجانات خطابية في دمشق وطرطوس وحمص وغيرها من المناطق الخاضعة لقوّات الأسد، كرد على الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والغلاء وسوء المعيشة، والتي بدأت في السويداء، لتمتد إلى محافظة درعا وعدد من المناطق في العاصمة دمشق.

الوضع الصحي الكارثي في كافة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ترافق مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتراجع القدرة الشرائية لدى عموم السوريين. الفيروس القاتل، الذي يؤكد الأطباء وخبراء الصحة أنّ البشر بحاجة ماسة إلى تعزيز مناعتهم الذاتية لمقاومته، من خلال تأمين قوتهم من الخضار والفواكه واللحوم إلى جانب الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية والأدوية، يجعل من معظم السوريين فريسة سهلة لوحشيته. كيف لا والحال أنّ كيلو البندورة وصل سعره منذ قرابة الشهر إلى 700 ليرة، فيما وصل سعر كيلو البصل إلى 500 ليرة، وسعر كيلو البطاطا ما بين 500 و600 ليرة، في حين تجاوز سعر كيلو الليمون الـ 4000 ليرة، والبرتقال قرابة الألف ليرة، والتفاح 1700 ليرة.

أما كيلو اللحم الضاني فقد وصل إلى 18000 ليرة، ما جعل منه حلمًا من أحلام السوريين من البسطاء وذوي الدخل المحدود. وكذلك الأمر بالنسبة للحم العجل الذي تراوح سعره بين 13000 و14000 ليرة. ليصبح لحم الدجاج ملاذ السواد الأعظم من عامّة الناس رغم ارتفاع السعر عن غير المعتاد حيث وصل الكيلو من الفروج النيء حوالي الألفي ليرة.

كما ارتفع سعر الذهب ليصل ثمن الغرام الواحد، قبل دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ بأيّام، إلى أكثر من 110000 ل.س، فأغلقت معظم محلات الصاغة، بينما شنّت قوّات النظام حملة اعتقالات لمنع الإغلاق، ومنع البيع بغير السعر الرسمي.
حجم الكارثة هنا يكمن إذا ما علمنا أنّ متوسط أجر السوريين الشهري يتراوح بين 40 و60 ألف ليرة سورية (الدولار حوالي 3000 ليرة في السوق الموازي)، في حين يقدر «مركز قاسيون» مقره دمشق، متوسط إنفاق الأسرة بأكثر من 350 ألف ليرة ما زاد نسبة الفقر عن 83%.

وتضاعفت أسعار الدواء والغذاء والمواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت خلال عام واحد في سوريا على خلفية العقوبات الأمريكية على النظام، والصراع الجاري داخل الدائرة الضيقة للحكم، أي بشار الأسد وزوجته أسماء و(شقيقه اللواء ماهر الأسد) من جهة، ورامي مخلوف ووالده (خال الرئيس بشار) اللواء محمد مخلوف، المقيم حاليًا في روسيا من جهة ثانية، للهيمنة على الاقتصاد السوري والاستيلاء على ما تبقى منه. ناهيك عن شح الدعم الإيراني، وتداعيات الأزمة المالية الحادّة في لبنان، وليس وانتهاءً بتفشي فيروس كورونا في سوريا.

  • خطر المجاعة يطرق أبواب السوريين..

المبعوث الأممي الخاصّ إلى سوريا، “غير بيدرسون”، حذّر قبل أيّام، من حدوث مجاعة في سوريا مع بدء تطبيق “قانون قيصر”، الذي يتضمن عقوبات أميركية تهدف إلى حجب إيرادات للنظام السوري، تزامناً مع انخفاض قياسي لليرة وانهيار شبه تام للاقتصاد السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد.

وخلال جلسة عبر الفيديو بمجلس الأمن الدولي، قال “بيدرسون”: إنّ “الوضع في سوريا يزداد سوءًا، حيث يعاني 9 ملايين و300 ألف سوري من انعدام الأمن الغذائي، وهناك أكثر من مليونين آخرين مهددون بذلك، وإذا تفاقم الوضع فقد تحدث مجاعة”.

وكان «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة حذّر، منتصف الشهر الحالي، من أن تطرق المجاعة أبواب سوريا بسبب استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي.

وقال المدير التنفيذي في «البرنامج العالمي»، “ديفيد بيسلي”، في حديث لصحيفة “ذا ناشيونال”، التي تصدر باللغة الإنكليزية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، إنّ “استمرار تدهور الأوضاع في سوريا قد يجعل خطر المجاعة يطرق الأبواب”، مضيفًا أنّه “لا فائدة من إرسال الأموال للسوريين في الوقت الحالي”.

وأضاف “بيسلي”: إذا أرسلنا مبالغ نقدية للسوريين فلن يستطيعوا شراء أي شيء بها، لذا علينا إرسال مساعدات غذائية، خاصّة وأنّ الأرقام تشير إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار هناك”. مشيرًا إلى أنّ سعر السلة الغذائية التي يقدّمها «البرنامج العالمي» ارتفعت بنسبة 16% منذ آخر إحصاء شهري، مضيفًا أنّ التوقعات تشير إلى أن الأوضاع “ستزداد سوءًا”.

المسؤول الأممي، شدّد على أنّه “إذا استمر الوضع في سوريا بالتدهور، فإن إمدادات الغذاء ستتعطل، في البلد الذي دمرته 10 سنوات من الحرب، والمجاعة يمكن أن تطرق بابه”، داعيًا إلى “استبدال الأموال المرسلة بالمواد الغذائية”.

ووفقا لتصريحات أممية سابقة، فإنّ 83% من السوريين يرزحون تحت خط الفقر، في حين من المتوقع أن ترتفع النسبة مع دخول قانون “قيصر” حيّز التنفيذ.

القانون الأمريكي، الذي شبهه مقال في صحيفة “ليبراسيون”، نشر في الثامن من الشهر الحالي، بـ “حبل يلتف حول عنق الاقتصاد السوري، الذي يعاني أصلًا من مشكلات جمّة”.

ومما جاء في مقال الصحيفة الفرنسية، أنّه “بين العقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية والخلافات داخل الحاشية التي تحكم البلاد، ووسط انتقادات موسكو وطهران والتظاهرات الشعبية، يراكم النظام السوري المصائب”.

فيما بيّنت مجلة “بوليتيكو” الأميركية، في الوقت نفسه، أنّ “قرار الأسد بإقالة رئيس وزرائه عماد خميس الخميس 11 حزيران/ يونيو، مؤشر واضح على أنّ الانهيار الاقتصادي والمعارضة الصريحة الجديدة تشكل تحدّياً حقيقياً لشرعيته”.

وكان المتحدث باسم الأمين العامّ للأمم المتحدة، “ستيفان دوغريك” أكّد، في وقت سابق، أنّ “11 مليون طفل وامرأة ورجل في سوريا بحاجة لمساعدة إنسانية عاجلة.”

وأشارت تقديرات «البرنامج العالمي»، مؤخراً، إلى أنّ “إجراءات العزل العامّ المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، ستؤثر على نحو ثمانية ملايين سوري، الأمر الذي يجعلهم يعانون من نقص الأمن الغذائي”.

  • تنبؤات دولية بتداعيات كارثية..

منذ مطلع العام الحالي، تتوالى تحذيرات المنظومة الأممية وفي مقدّمتها «منظمة الصحة العالمية»، والمنظمات الدولية ومنها منظمة «أطباء بلا حدود»، من خطورة الوضع الصحي في سوريا، والتنبؤ بتداعيات كارثية حيث إجراءات حكومة النظام ليست على قدر المسؤولية، ناهيك عن عدم وقف إطلاق النار واستمرار العمليات العسكرية لقوّات النظام والطيران الروسي في الشمال السوري، وخروج مظاهرات احتجاجية ضدّ فساد نظام الأسد وارتفاع الأسعار الغير مسبوق في تاريخ السوريين المعاصر.

لا يخفى على أحد أنّ النظام الصحي في سوريا أصبح اليوم منهاراً تماماً بسبب استنزاف موارده البشرية مع موجات اللجوء باتجاه البلدان الأوروبية والاسكندنافية، ومن ثمّ استهدافه عسكريًا في العديد من المدن من قبل النظام وخاصّة المدن التي خارج سيطرته العسكرية، والتي تقسم الآن إلى مناطق الشمال السوري، التي تشمل إدلب وريف حلب وتخضع لسيطرة قوّات المعارضة السورية المسلّحة، وتعتمد على الدعم التركي بشكل رئيسي. ومنطقة “الإدارة الذاتية الكردية” في شمال شرقي سوريا، والتي تسيطر عليها “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد) بدعم من الولايات المتحدة، والتي أكّد تقرير لـ«مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا» (OCHA) و«الصحة العالمية» وفاة أوّل مصاب بفيروس كورونا في مدينة القامشلي بريف الحسكة، في 18 نيسان/ أبريل الماضي.

وتمّ تسجيل أوّل إصابة بالفيروس في مناطق سيطرة النظام في الثاني والعشرين من شهر آذار/ مارس الماضي لشخص قادم من خارج البلاد، فيما تمّ تسجيل أوّل حالة وفاة في التاسع والعشرين من الشهر ذاته.

  • عجز هائل في القطاع الصحي السوري..

صنفت «منظمة الصحة العالمية» عقب تفشي جائحة كورونا عالمياً، سوريا على أنّها من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في إقليم شرق المتوسط​​، “نتيجة للتحدّيات في النظام الصحي الناتجة عن أكثر من 9 سنوات من الحرب في البلاد”. بحسب تصريح لممثل المنظمة الأممية في سوريا، نعمة سعيد عبد، أعلنه في 03/04 الماضي.

ووفقاً لـ «لجنة الأمم المتحدة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن سوريا»، فإنّه “لا تعمل في سوريا الآن سوى 64% من المستشفيات و52% من مراكز الرعاية الصحية، كما فرّ 70% من العاملين الصحيين من البلاد”.

وكشفت دراسة مفصلة عن الاستعدادات الصحية السورية للتعامل مع وباء فيروس كورونا، أعدّتها “كلية لندن للاقتصاد” London School of Economics، ونشرت في 25 آذار/ مارس 2020، أنّ “عدد المشافي الحكومية الإجمالي 111 منها 58 فقط تعمل بشكل كامل و27 تعمل بشكل جزئي و26 مدمرة بالكامل”.

فيما بيّن تقرير للأمم المتحدة، نشر في مطلع الشهر الثالث من العام الجاري، أنّ “70% من العاملين في القطاع الصحي قد غادروا سوريا”.

الدراسة البريطانية، التي اعتمدت على التقارير السورية وتقارير «الصحة العالمية» وكذلك بيانات الأمم المتحدة، أوضحت أنّه “باستثناء محافظة إدلب يوجد 465 سريرًا للعناية المركزة في مشافي حكومة النظام و650 سريراً في القطاعين الحكومي والخاصّ”. مقدّرة أنّ 53% من هذه الطاقة مستخدمة (حتّى نهاية الأسبوع الثالث من شهر آذار/ مارس الماضي، مما يترك حوالي 305 سريرًا للعناية المركزة (مع أجهزة مساعدة على التنفس، يضاف لهذا الرقم 20 سريراً في محافظة إدلب، مما يجعل إجمالي المتوفر 325 سريراً مع أجهزة مساعدة على التنفس”.

كما بيّنت الدراسة أنّ “القدرة القصوى للقطاع الصحي السوري، العامّ والخاصّ، على التعامل مع مصابي وباء فيروس كورونا المستجد هي استيعاب 6500 مصاب فقط، منهم 325 في العناية المركزة”. مشيرة إلى أنّ “هناك تفاوت كبير في قدرة المحافظات السورية على استيعاب مرضى هذا الفيروس القاتل، القدرة الأعلى هي في دمشق حيث يمكن استيعاب حوالي 1920 مصاب بينما تنخفض القدرة في حلب إلى 100 فقط وفي دير الزور إلى صفر”.

دراسة “كلية لندن للاقتصاد” شدّدت على أنّه “سيكون من الصعب تطبيق الحجر الصحي مع وجود 83% من السوريين تحت خط الفقر”. محذّرة من أنّ “انتشار الوباء في بلدان مثل سورية واليمن والصومال وليبيا يمكن أن يقود إلى استمرار انتشار وباء فيروس كورونا عالمياً لفترة أطول”.

ورغم الخوف المتزايد من تفشي فيروس كورونا المستجد في الشارع السوري، في ظلّ غياب الثقة بين الحكومة وعموم السوريين حول مدى انتشار الوباء، ونقص الإمكانيات الطبية جراء الفساد في كلّ مفاصل الدولة الرئيسية، وكذلك التقصير من قِبل المنظمات والجمعيات الإغاثية، تغيب المبادرات المجتمعية ودعوات التكافل الاجتماعي لسدّ الحاجات والمستلزمات الضرورية لمنع انتشار الفيروس، خاصّة تجاه النازحين داخلياً من المناطق التي تعرضت لدمار كبير.

الفن السوري: قصة خسارة المجد

الفن السوري: قصة خسارة المجد

للمسرح والفن تأثيرٌ مباشرٌ على بناء ثقافة الأمم، فكما يُقال “أعطني مسرحاً أعطك شعباً”. وفي الحالة السورية قد لا يعرف كثيرون أن سوريا أطلقت أول مسارحها على يد رائد المسرح العربي، أبو خليل القباني السوري، في عام 1871، وهو صاحب الفضل الأول في سقاية بذرة الحركة المسرحية انطلاقاً من سوريا، لتصل إلى كل بلدان العرب لاحقاً.

قوبل القباني بالرفض حيناً والتكفير أحياناً أخرى، لكنه في النهاية انتصر وصار رواد مسرحه بالمئات لكل عرض حسب ما تخبرنا به الوثائق المحلية، وليس المجال هنا متاحاً للخوض في تفاصيل مسرح القباني، ولكن الإشارة إليه واجبةً لنقول أين وكيف تأسس المسرح السوري، الذي غاب لسنوات بعد وفاة رائده ومؤسسه، حتى شهدت الشام لاحقاً تأسيس أكثر من 30 فرقة مسرحية وموسيقية، أبرزها المسرح القومي في عام 1959 والذي نقل المسرحيين من الهواية إلى الاحتراف، وصولاً إلى مسرح الشوك الستيني.

مسرح الشوك

في ستينيات القرن الماضي أسس الفنان عمر حجو مسرح الشوك، ليضم لاحقاً خيرة فناني المسرح، في محاولة منهم لتصحيح ما يمكن من التردي الذي وصل إليه حال المجتمع، مؤمنين أن الفن طريق للخلاص، ومن بين أعضاء هذه الفرقة كان: “دريد لحام، رفيق السبيعي، ياسين بقوش، طلحت حمدي، ناجي جبر، مظهر الحكيم، هدى شعراوي وغيرهم كثر”.

جميعهم حاولوا ترميم آفات المجتمع، قد يكون الظرف الزماني وقتها لعب دوراً إيجابياً في مساعدتهم، وقد حالفهم النجاح أحياناً، ولكن العبرة في الاستمرار، وهذا المسرح قُتل لصالح الدراما التلفزيونية وثورة الشاشة الصغيرة، الشاشة التي دخلت بيوتنا عنوةً، وقولبت أفكارنا من حيث ندري ولا ندري، حتى صرنا عبيداً في طور النمو لثورة التكنولوجية التي وصلت ذروتها النسبية/المؤقتة بعيد عملية استمرار لتطوير ملامحها الهجومية والتي لم تتوقف، حتى اليوم.

الدراما السورية – صعوداً

تعتبر الدراما السورية سباقةً عربياً في دخولها على خط الإنتاج شبه المنظم، فالبداية كانت مع عام 1960، ومع انطلاق التلفزيون السوري انتقل إليه رواد المسرح، ولعلّ أول ظهور كان مع الممثل “نهاد قلعي”، يرافقه “دريد لحام، رفيق السبيعي”، إذ كان “قلعي” يقدم برنامجاً كوميدياً باسم “سهرة دمشق”.

أما العمل الدرامي الحقيقي فكان في ذات عام البداية، تحت اسم “تمثيلية الغريب”، يتحدث عن الثورة الجزائرية وأبطالها ومجرياتها، من بطولة “ثراء الدبسي، وياسر أبو الجبين، وبسام لطفي”، ومن إخراج “سليم قطايا”.

وكذا أخذت الدراما طريقها في الصعود بلا توقف، فكانت شخصية “غوار” لصاحبها “دريد لحام”، هي بذرة ما قد جاء بعدها، الشخصية التي شكلت مكوناً للذاكرة العربية في أعمال “كصح النوم” و”حمام الهنا”، وهكذا انهمرت الأعمال السورية بعد السبعينات دون توقف، وأبرزها في تلك الحقبة كان “الحب والشتاء”، “عطر البحر”، “القيد”، “طرائف أبي دلامة”، “الدولاب”، وغيرهم؛ ولعل عراب تلك المرحلة بإجماع معاصريها كان المخرج “غسان جبري”.

المرحلة الثانية – صعوداً

في هذه المرحلة نظمت الدراما نفسها أكثر، وامتلكت مفاتيح تأسيس النجاح المستديم، معتمدة على شخصيات بإمكانها رفع سوية الصنعة، كمثل شخصية غوار ومعه مرايا ياسر العظمة، السلسلة التي استمرت حتى منتصف الحرب السورية تقريباً.

المرحلة الثالثة – بطولة نجدة أنزور

في تسعينيات القرن الماضي، دخل الشاب نجدة اسماعيل أنزور إلى ساحة العمل الفني الحقيقي، المخرج الذي يقول عنه النقاد أنه صنع نقلةً تاريخية في تاريخ المهنة، تجلى ذلك في عمله “نهاية رجل شجاع” عام 1994، حيث قام الرجل المستند على خبرة عملياتية بإدخال سمة جديدة لنوعية الإخراج التقني والبصري والصوري، ومع العمل المذكور وبعده “إخوة التراب” و”الموت القادم إلى الشرق”، اخترق المخرج أبواب المنازل العربية ودخلها بالجمال الفني.

وإلى جانبه كان للمخرجان بسام الملا وهاني الروماني رغبتهما في منافسة الدراما المصرية، والتي أخذت تتفوق عربياً، لأسباب عدة، لا مكان لذكرها هنا، فالملا تخصص بالبيئة الشامية، والروماني أخرج العمل الخالد “حمام القيشاني”، وكلاهما ترك بصمة، لكن الدراما المصرية ظلت متفوقة لناحية الانتشار في زمن ذاك العمل وظروفه.

الكوميديا والدراما السورية – المرحلة الذهبية

في أواسط التسعينات لمع نجم الفنان “أيمن زيدان”، كعراب للكوميديا خاصة ً في عمله “يوميات مدير عام” سنة 1995. وشهدت هذه الفترة نجاحات لم تتوقف كخالدة ياسر العظمة سلسلة “مرايا”. وبعد بداية الألفية الجديدة، تربع الفن السوري على العرش؛ فصارت الصنعة أقرب لحرفة يجيدها السوريون، ويملكون تكتيك تحريك كرتها في الملعب؛ فالموسم الرمضاني في كل عام، أصبح الشغل الشاغل لأقلام النقاد، فما يصنعه أهل الاختصاص صار مدرسة تُدرس وقطعاً نادراً من عملة صعبة اكتشفها المحليون بالاجتهاد.

الغرور الدرامي

“الفن ابن بيئته، ومحيطه، ومعاناته”، هذه المقولة لا تنطبق على النجم السوري الذي انسلخ عن مجتمعه، وصار جليس برجه العاجي؛ فالشهرة إلى جانب الثراء وفيض النجومية، جعل منه آفة فكرية متعالية على مواطنيه، أكثر منه مرشداً وعارفاً وناصحاً.

كيف لا يكون ذلك، وقد صار النجم بحكم التبدلات تاجراً، لم يعد النص يهم الكثيرين، صار الأجر هو المهم، وبالمحصلة فإن أي عمل كان يصنع سيضيف لرصيدهم آلاف المعجبين، الغرور هنا قضى على المعايير؛ فالفنان السوري صار يعتبر نفسه هو المجتمع، لا المجتمع هو، وتالياً هو معصوم وصاحب إنجاز مهما بلغ سوؤه. لذا كان الأمر عاملاً أدى لتراجع السوية الفنية، لقدرات الفنان أولاً، وللنص ثانياً، وللعمل ثالثاً.

الاستثناء قائم هنا، وبشدة، فالبعض حافظ على سويته الأخلاقية والفنية، لكن الجمع يلغي الاستثناء، ولو كان ظلماً.

الانحدار الفني، خسارة المجد

الدراما التي وصلت قمتها، انهارت اليوم، فهاجرت رؤوس الأموال الممولة، وهاجر معها كثير من الفنانين السوريين،؛ فضعف التسويق والمردود عاملان جوهريان في التراجع، ولكن المشكلة هنا أن الدراما التي لطالما تحايلت على الممنوعات سائرة على حد الخطر، باتت اليوم تتمتع بهامش حرية واسع لم تحاول استثماره بمهنية، فسقطت معه إلى هاوية قد يصعب انتشالها منها.

الحرب فعلاً قد فعلت فعلتها، ولكن التحدي القائم هو ألا تعيد هذه الدراما إنتاج المشهد الإخباري السوري، مع العمل على ألا تنفصم عن الواقع المعاش، أكان اقتصادياً أم سياسياً، كأن تحاول مثلاً أن تقدم عملاً اجتماعياً كهدنة منظمة بين العقل الإنتاجي والعقل الاستنتاجي، ففي مؤلف “دراما النار والقلق” وهو بحث أكاديمي أصدره الناقد الصحفي “ماهر منصور”، يرى أن أقل من ربع الإنتاج السوري جاء محاكياً للحرب الحالية، وكذا في سنوات الحرب الأولى، كان هناك سنوياً 4 إلى 5 أعمال بيئة شامية، وهو أمر مطلوب للتسويق العربي.

كما أن الاصطدام السياسي والعسكري مع كثير من الدول العربية، جعل حصارهم للدراما السورية أمراً واقعاً، فتوقفت الكثير من الشركات المنتجة عن العمل، على حساب ولادة شركات أخرى هربت باتجاه أعمال عربية مشتركة، وهي عملياً لا تقدم مادةً فنيةً خالصةً أكثر منها ترفيهيةً مبهرةً بصريةً ببذخٍ إنتاجي مبالغ به.

الدولة السورية عملت ربما على ألا تحارب الصنعة في بعض الزوايا، فسمحت بإنتاج أعمال تُحاكي مواقف حساسةً في جسد الملف السوري، كالتظاهرات مثلاً، ولكنها في زاوية أخرى، جعلت من مؤسسة عريقة كمؤسسة السينما، وقفاً على مخرجين متنفذين، يحق لهم ما لا، ولن، يحق لغيرهم، في سابقةٍ، نسفت معها مدرسة لحام والماغوط، أصحاب المنجز السينمائي الخالد، “الحدود”.

Announcing the Syria Quarterly Report (January / February / March 2019) Issue

Announcing the Syria Quarterly Report (January / February / March 2019) Issue

Tadween Publishing is excited to announce the newest issue of its project: the Syria Quarterly Report Issue 5 (July/August/September 2019)!

The Syria Quarterly Report is a collection of articles, summaries, and links curated by Salon Syria and Jadaliyya. This report is a collaboration that includes Salon Syria’s series entitled “Syria in a Week” and Jadaliyya’s weekly media roundups that address the main events of that week, as well as articles about them, in relation to the Syrian conflict. The Syria Quarterly Report aims to assist in creating a selective but foundational archive of materials from 2018 onwards.

إن هـذا التقريـر الفصلـي عـن سـوريا هـو مجموعـة مـن المقـالات والملخصـات والروابـط التـي اختارهـا كل مـن موقـع صالـون سـوريا و جدليـة. وهـذا التقريـر عبـارة عـن تعـاون يشـمل الملخصـات الأسـبوعية لصالـون سـوريا والتقاريـر الأخباريـة الأسـبوعية لجدليـة التـي تعالـج الأحـداث الرئيسـية التـي تجـري أسـبوعيًا، بمـا فيـه المقـالات المكتوبـة عنهـا والتـي تتنـاول الصـراع فـي سـوريا. ويهـدف التقريـر الفصلـي السـوري إلـى المسـاعدة فـي بنـاء أرشـيف انتقائـي وتأسيسـي للمـواد بـدءًا مـن ٢٠١8 فصاعـداً.

You can order your copy here

مظاهرات السويداء: شعارات واسعة وخيارات ضيقة

مظاهرات السويداء: شعارات واسعة وخيارات ضيقة

لم يفاجأ أحد بخروج الناس إلى الشارع في مدينة السويداء وخصوصاً بعد الانهيار الأخير الذي أصاب الليرة السورية والارتفاع الجنوني في الأسعار، سيما وأنّ مظاهراتٍ سابقة اندلعت في شهر كانون الثاني (يناير) تحت شعار “بدنا نعيش.” لكن أحداً لم يتوقع أن تكون هذه المرة الاحتجاجات سياسية ومباشرة وبهذه الصيغة الواضحة، حيث لم توارب كما في المرات السابقة بل أشارت صراحة إلى أصل المشكلة والمتمثل بالسلطة الحاكمة مناديةً علانيةً بإسقاط النظام وتنحي الرئيس السوري عن الحكم وإنهاء الاحتلالات والتدخلات الخارجية.

المظاهرات التي انطلقت في وسط المدينة ومقابل مبنى المحافظة كانت سلمية بالمطلق ولم تتعرض لأي مضايقات من أحد كما لم ينجم عنها أي أعمال شغب أو عنف، وكانت بشعاراتها الصريحة والمفاجئة قد لفتت أنظار الجميع مع إحساسٍ عام بالريبة والحذر، وسرعان ما بدأت ردود الأفعال تجاهها من كل الأطراف سواء من الداخل أو الخارج، من دائرة السلطة أو من دائرة المعارضة، وخصوصاً بعد أن تصدرت أحداثها نشرات الأخبار.

وكالعادة تجاهلت السلطة بدايةً هذه المظاهرات ثم أعلنت تخوينها وربطها بأجندات خارجية فتهمة الأصولية والتكفير لا تنفع في السويداء، إلا أنّ اتهاماتٍ أخرى تزعم وجود ارتباطات بين المتظاهرين ووليد جنبلاط وجهاتٍ خارجية أخرى تبقى جاهزة وحاضرة لتخوين المتظاهرين. أرسلت السلطة تعزيزاتٍ أمنية مشددة للمراكز الحكومية والأمنية وهددت بقمع المظاهرات بالعنف والقوة والترهيب، ثم سيّرت مسيراتٍ مؤيدة للسلطة، باتت أشبه بمسرحيات لا تنطلي على أحد، حيث أجُبر الموظفون والحزبيون وطلاب المدارس والجامعات على الخروج في مسيرات تحت الضغط والتهديد بالفصل من العمل، بدليل ما تسرب من تسجيلات صوتية لإحدى المسؤولات في حزب البعث تهدد وتتوعد بعقوباتٍ لكل من يتخلف عن المسيرة، وانتهاء بالصدام المباشر والاعتقالات وهو ما حدث فعلاً في اليومين الماضيين وأدى إلى فض المظاهرات بالقوة واعتقال عدد من المتظاهرين أيضاً.

تطرح الاحتجاجات الأخيرة في السويداء أسئلة كثيرة حول ما يمكن أن تحمله هذه الحركات وإلى أي مدى يمكن أن تؤدي إلى نتائج واضحة؟ كيف ستستمر؟ وما هي ردود الأفعال حولها ومنها؟ وكيف يمكن أن تقرأ بشكل عام؟

بدايةً كان من المحبط ما لاقته هذه الاحتجاجات من انتقادات وردود أفعال حولها وخصوصاً من جهات المعارضة وممن لا يزالون يحسبون أنفسهم أوصياء على العمل الثوري ومتعهديه الوحيدين وخصوصاً تلك الأصوات الموجودة في الخارج والتي تباينت ردود أفعالها بين الترحيب والحماس المبالغ فيه كما لو أن المظاهرات حدث كسر محرمات الصورة النمطية عن السويداء ومجتمعات الأقليات وأنها أخيراً التحقت بـ”ثورة الحرية والكرامة” على حد تعبيرهم وأنها ستقلب الموازين على الساحة السورية وغيرها من التهليلات السطحية التي اتسم بها هؤلاء في تعاملهم مع الحدث السوري منذ 10 سنوات حتى اليوم. والمقلق في هذا التأطير، أنّه أنتج حالة من التماهي مع هذه الفكرة عند العديد من السوريين سواء من الشباب المشاركين في الاحتجاجات أو من البعض في الخارج وكأنّ السويداء مطالبة بصك غفران واعتذار لا بدّ أن تقدمه عن موقفها المحايد سابقاً من الصراع المسلح لتنال شرف المشاركة في “الثورة السورية”، بدايةً من الهتافات ورفع “علم الثورة”، الذي رُفع لمرة واحدة، وليس انتهاءاً بأغنية سميح شقير ( قامت حقا قامت).

وعلى الرغم من أنّ الاحتجاجات والشعارات تكاد تتطابق من ناحية الشكل والمضمون مع تلك التي رُفعت عام 2011 في إشارةً غير ملتبسة وصريحة لغاياتها السياسية والمطلبية، إلا أنّ الكثير من الآراء اعتبرت الحراك متأخراً وعديم النفع وقابلته بالاستهتار والتشكيك وبردود فعل شامتة ومتعصبة مثل ( يطعمكم الحج والناس راجعة، هلق لتذكرتوا وجعنا وحسيتوا فيه، هذه ثورة جوع وما بترقى لثورة الكرامة) وغيرها من العبارات التي قللّت من أهميتها وشككت بها.

المقهورون لا سند لهم ولم يجدوا سوى الشارع للتعبير عما يريدون، شارع له خصوصية واضحة وفريدة في السويداء، فما يمكن تحقيقه في وسط المدينة وقبالة المربع الأمني فيها مباشرة من وقفات واعتصامات وحتى احتجاجات سياسية لا يمكن أن يتحقق في أي حي بضاحية أي مدينة أخرى، فوجود الميلشيات المحلية من جهة والتي يمكن أن تتدخل فيما لو حدث صدام مباشر وخصوصية المجتمع في السويداء من عصبية واضحة إزاء مواقف الأزمات من جهة ثانية شكلا فرصة لانطلاق المظاهرات فيها دون أن يتم قمعها مباشرة. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الحماس الواضح لجيل من الشباب الذي وعي وكبر في سنوات الحرب الماضية ويعاني ما يعانيه من فقدان هويته وانسداد الأفق أمامه كان طاغياً، فحضور هذه الفئة العمرية ضمن المحتجين والتي ليست لديها خبرة أو برامج واضحة ومدفوعة بحماس قد يبدو متهوراً في المشهد السوري بعد كل هذه السنوات الدامية، إلا أنه يبقى الأصدق تعبيراً عن ألم وبؤس حال جيلٍ محطمٍ ومهدور دفع وسيدفع فاتورة الحرب الكارثية.

تردّد الكثير من التبريرات السائدة اليوم بأنّ السويداء “قالت كلمتها ووقفت بشجاعة عندما تريد”، فهل يصح هذا القول فعلاً للاختباء والإفلات من سؤال وماذا بعد؟

تتجه الآراء اليوم في المدينة لانتقاد شعارات الاحتجاجات التي رفعت سقفها كثيراً وإن كانت محقة بكل ما قالته من جهة التدليل على أصل المشكلة والحل إلا أنها لم تقارب الصواب في طريقة انتشارها واستقطاب الناس لها أو في مدى تأثيرها على الأرض بشكل فعال ومباشر يؤدي إلى نتائج ويبني مواقف يمكن الاستناد إليها لاحقاً، فلو بقيت الاحتجاجات مطلبية ومعيشية واستفادت من الظروف الحالية لكانت حظيت بتأييد ومشاركة واسعة داخل السويداء وخارجها.

ما أزال أقف عند رأي بائع البسطة في الشارع الذي سمعته يقول: “بات من البديهي والواضح أن المسؤول عما نحن فيه هو النظام الحاكم والسلطة المستبدة بكل رموزها، لكن حتماً الهتاف ضدهم علانية في الشارع لن يفضي إلّا إلى العنف والعنف المضاد ولن يؤدي إلى أي نتيجة.”

قد يكون كلام البائع البسيط صحيحاً لكن لشباب الحراك المتحمس والبائس وفاقدي الأمل رأي آخر تماماً، فبحسب معتصم، أحد المتظاهرين: “لا جدوى من أي محاولة للإصلاح وإن كان الثمن هو الخراب فليأتي، فلم يعد هناك ما نخسره أكثر من ذلك على أي حال.”

يمكن تصنيف المواقف في السويداء اليوم حيال الحراك الاجتماعي إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى تضم الراغبين بضرب الناطور فقط دون تحصيل أي شيء لقناعتهم بأنه هو من يسرق العنب، ولا يكترثون لما يمكن أن تؤدي إليه خياراتهم من احتمالاتٍ ونتائج، ودون أن يخبرونا بكيفية ضرب الناطور أو إزاحته من المشهد! وهناك فئة أخرى أكثر عقلانية تريد العنب فقط، وهي فئة أكثر براغماتية إن صح التعبير تعتبر مسك العصا من الوسط هو الحل أو ما بات يعرف في المصطلح الشعبي “قدم في البور وقدم في الفلاحة،” وفي انتظار حدوث تغييرٍ من الخارج لقناعة مترسخة بعد كل هذه السنوات بأنّ المسالة السورية خرجت من أيدي أبنائها. أما الفئة ثالثة فمغلوب على أمرها وعانت وصبرت على ما قاسته لأنها تريد النجاة فقط من حرب عبثية تدمر ماتبقى أو كما يقال “تريد سلتها بلا عنب”. ما يجمع هذه الفئات الثلاث هو عدم قدرة أي منهم على شق أي طريق أو وضع أي خطة أو برنامج يضمن الوصول لأي هدف كان. هو مشهد عصيّ على النتائج ولا ينحصر بما يحدث اليوم في السويداء فقط بل يمكن أن يُعمّم على كافة المناطق ولعله المشهد الذي بات يسم المسألة السورية برمتها منذ استعصاء الحل فيها خلال السنوات الماضية إثر التدويل والعسكرة.

قوة اللحظة والمشهد في الاحتجاجات والتي فرضتها خصوصية المدينة بدت وكأنها تلاشت بعد حادثة فض الاحتجاج بالقوة واعتقال عدد من المشاركين فيه، فالتعويل الضمني والإحساس بالحماية التي وفرته الميليشيات والتوازنات التي أقيمت في المدينة بعد اغتيال وحيد البلعوس لم تعد موجودة اليوم أو هكذا بدا الواقع، وما تشير إليه المعطيات حتى الآن، فلم تتدخل أي من الفصائل المحلية والتي رفعت فيما مضى شعارات حماية شباب المدينة من الملاحقة والاعتقال وتعهدت بالحفاظ على السلم الأهلي وحماية الجميع وعلى رأسهم رجال الكرامة. بل على العكس فالمشهد ذهب إلى أبعد من ذلك، فالبيان الذي أصدرته الهيئة الدينية في السويداء (في 12 حزيران)، والذي أثار حفيظة “شباب الحراك السلمي،” كان موارباً في مضمونه بحيث يبدو أنه إدانة للعصابات والمنفلتين من القانون والذي قد تستغله السلطة كتفويض لاعتقال المتظاهرين وربما تصفيتهم بحجة أنهم مارقون وخارج القانون ويسعون لزعزعة أمن السويداء، وهذا ما يؤكده زج أتباع السلطة من أبناء المدينة لفض الاحتجاجات والاعتداء على المتظاهرين ما يجعل المدينة ممزقة بين موقفين يحدثان شرخاً في المجتمع وهو ما يسعى إليه الحل الأمني، المجرّب سابقاً بنجاح في عدة مناطق. فلو قررت هذه الفصائل مساندة الاحتجاجات والوقوف ضد السلطة بشكل مباشر لكانت أعطت النظام الفرصة الذهبية التي ينتظرها لتصفيه هذه الميليشيات، وهو بالضبط ما يفسر صمت هذه الفصائل إزاء ما يجري وخصوصاً أن ثمن المواجهة سيكون كارثياً ودموياً على الجميع ابتداءً بالتصفيات الفردية والاقتتال الداخلي ووصولاً إلى العقاب الجماعي للمنطقة على غرار باقي المناطق السورية، وخصوصاً في هذه الأوقات الحرجة التي يتم فيها الحديث عن تسويات سياسية قادمة للمنطقة بالإضافة لتقارير جديدة تُفيد بعودة نشاط خلايا داعش في بادية السويداء القريبة ما يخلط الأوراق ويجعل المشهد أكثر تعقيداً في السويداء مما يبدو عليه.

لا أحد يمتلك الإجابة عما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام القادمة والى أين ستصل تطورات وتداعيات هذه الاحتجاجات، لكن تبقى الترجيحات المطروحة بقوة والتي يهمس بها الجميع، بأنّ السلطة لن تقدم أي تنازلات إزاء ما يحدث حتماً وخصوصاً وأنها ستستخدم فرض عقوبات “قانون قيصر” هذه المرة أيضاً كشماعة للهروب من تقديم أي حل هي بالأساس عاجزة عن إيجاده، ولا تريد إنجازه بالأحرى كما تجلى منذ 2011، وعليه فإنّ الشباب الذي خرجوا إلى الشارع لايمتلكون خيارات كثيرة، وربما يمكن اختصارها بخيارين لا ثالث لهما، إما فهم المعادلة الداخلية وربطها بتوازنات القوى العظمى في سوريا وعليه سيكون عليهم الانسحاب من الشارع، أو تحويل الشعارات لما يخدم تحقيق نتائج مباشرة على الأرض تلامس حاجات الناس وتخفف من قسوة الواقع المفروض عليهم، أو بحسب تعبير ريّان، وهو أحد المتظاهرين: “الشعب يريد تركيب ميكرفون” في دلالة ساخرة لحلقة “الشعب يريد”، من مسلسل الخربة الشهير، الذي تدور أحداثه في إحدى قرى السويداء، حين تحولت المطالب من إقالة مدير الناحية إلى المطالبة بتركيب ميكرفون للقرية. ويؤكد ريّان على ضرورة: “العمل على جعل ما حدث رابطاً يجمع الناس بدلاً من أن يفرقهم،” فأي نتيجة إيجابية في زمن الحرب تنقذ شخصاً من الجوع والحاجة أهم بما لا يقاس من أي نتيجة أخرى… وعلى رأي أحد شيوخ الدين الذي أعلنها في أكثر من مناسبة بأننا “لا نستطيع ولا نملك إلا خياراً واحداً ألا وهو ’مسك العصا من الوسط فقط‘؛ فالسويداء ليست على قلب واحد في ما يحدث، ولا كرامة لجائع في النهاية.”

الخيار الآخر المتاح سيقود إلى مواجهة مفتوحة ولن تبقى الاحتجاجات ذات طابع سلمي وقد تجر المنطقة للعنف والدمار والمزيد من الدماء وخصوصاً وأنّ كل مقومات النزاع متوافرة على الأرض بدءاً من انتشار السلاح والاحتقان والواقع الأمني والاقتصادي المتردي في المدينة، ووصولاً إلى من ينتظر تلك الفرصة من الخارج لتحقيق حسابات كثيرة، فمن يستثمر في الدمار لابدّ وأنه سيفرح حتماً إذا ما اتسعت دائرة استثماره في منطقة جديدة.

سوريا في أسبوع 15- 22 حزيران/ يونيو 2020

سوريا في أسبوع 15- 22 حزيران/ يونيو 2020

كورونا” يعزل بلدة جديدة

20 حزيران/ يونيو

أعلنت وزارة الصحة السورية مساء السبت فرض حجر صحي على بلدة جديدة عرطوز الفضل جنوب غرب العاصمة دمشق، ذلك على خلفية تسجيل 20 إصابة بفيروس كورونا المستجد(كوفيد19-).

وقالت وزارة الصحة السورية في بيان لها تلقت وكالة الأنباء الألمانية نسخة منه، إنه تم “إخضاع بلدة جديدة عرطوز الفضل بمحافظة القنيطرة للحجر الصحي بعد تسجيل عدة إصابات بفيروس كورونا فيها وذلك منعاً لانتشار الفيروس وحفاظاً على الصحة العامة وسلامة المواطنين “.

وسجلت وزارة الصحة 20 إصابة في بلدة جديدة عرطوز الفضل، ووفاة سيدة يوم الأربعاء الماضي.

وتعتبر بلدة جديدة عرطوز الفضل هي البلدة الرابعة في ريف دمشق يفرض عليها الحجر الصحي بعد تسجيل إصابات بفيروس كورونا .

وبلغت حصيلة الإصابات المسجلة بفيروس كورونا في سورية حتى اليوم 198، شفيت منها 78 حالة، وتوفيت 7 حالات.

استهداف لروسيا بدرعا

20 حزيران/ يونيو

قتل أمس 12 وجرح 25 آخرون من عناصر «الفيلق الخامس» التابع للقوات الروسية في سوريا، في تفجير استهدف حافلة في محافظة درعا جنوب البلاد.

وقال مصدر في محافظة درعا لوكالة الأنباء الألمانية، إن «العبوة انفجرت خلال مرور حافلة تقل عناصر من اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس قرب بلدة كحيل في ريف درعا الجنوبي الشرقي».

وتم تشكيل «اللواء الثامن» التابع لـ«الفيلق الخامس» من قبل الروس بالتنسيق مع أحمد العودة قائد قوات «شباب السنة» التابع لـ«الجيش السوري الحر» في مدينة بصرى الشام، في عام 2018 بعد تدخل القوات الروسية وقيادتها لـ«المصالحات» في محافظة درعا. ويضم الفيلق أكثر من 1500 عنصر، ولا يزال عناصره موجودين في بصرى الشام بالتنسيق مع قاعدة حميميم الروسية.

من جهته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن محافظة درعا «تشهد تصاعداً في الصراع الخفي بين الفيلق الخامس الذي أنشأته روسيا، من جانب، والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري من جانب آخر».

الأسد وزوجته على حاجز

20 حزيران/ يونيو

نشر موالون في دمشق، صوراً للرئيس بشار الأسد وعائلته، خلال زيارتهم لحاجز عسكري في ريف دمشق، بعد أيام من إدراجه وزوجته أسماء على قائمة العقوبات الأميركية بموجب «قانون قيصر».

ومع تواصل الموقف الحكومي المندد بالقانون، كان لافتاً «السيران» العائلي الذي قام به الأسد وعقيلته وأبناؤهما إلى مدينة بلودان السياحية في ريف العاصمة، على طريق دمشق بيروت، حيث تناقل موالون، على صفحات «فيسبوك»، صوراً للأسد وعائلته مع عناصر للجيش النظامي على أحد الحواجز في منطقة الزبداني، في رسالة بأن العقوبات لا تعني له شيئاً، وأن ما لم تستطع واشنطن أخذه بالقوة العسكرية لن تأخذه بالعقوبات.

وتواصلت، أمس، في الأسواق، حالة الترقب لوضع الليرة، وأبلغ صرافون ومتعاملون في سوق الصرف، «الشرق الأوسط»، أن الهامش ما بين سعري المبيع والشراء للدولار أمام الليرة انخفض من 200 ليرة، مع البدء بتنفيذ «قانون قيصر»، الأربعاء الماضي، و100 ليرة، أمس، الذي ظهرت في ساعات المساء منه حركة جني أرباح، إذ ارتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة من 2600 إلى 2725 ليرة.

وذكرت المصادر، أن السوق في انتظار معرفة توجه الحكومة، (الأحد)، مع عودة الدوام الرسمي، وإذا ما كانت بصدد اتخاذ إجراءات جديدة أم لا، علماً أن الصيارفة والمتعاملين حدوا من عرض الدولار مؤخراً، واكتفوا بالشراء من المضطرين، نظراً لاعتقادهم أن السعر الحالي لليرة «وهمي»، وأنه قد يكون قابلاً للتراجع في أي وقت. لكن مصادر مقربة من الحكومة، أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن سعر الدولار قد لا يرتفع نتيجة إحكام الحكومة سيطرتها على حركة الليرة.

قلق عربي من تركيا

19 حزيران/يونيو

أعربت مصادر عربية عن القلق من خطط تركية لإقامة وجود عسكري دائم في إدلب بشمال غربي سوريا بالتزامن مع زيادة تدخل أنقرة في ليبيا والعراق.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن بلاده «تسعى إلى تحويل إدلب لمنطقة آمنة، وإنه قد يتم إجراء ترتيبات جديدة وإعادة تمركز القوات التركية والاستخبارات الموجودة في نقاط المراقبة بإدلب».

ورداً على سؤال، في مقابلة تلفزيونية ليل الخميس – الجمعة، حول ما إذا كانت أنقرة ستزيل نقاط المراقبة من محافظة إدلب، قال جاويش أوغلو «نسعى الآن إلى تحويل منطقة إدلب إلى منطقة آمنة، ونناقش هذا الموضوع حالياً. عندما نحوّل إدلب إلى منطقة آمنة سيفكّر جيشنا بطريقة استراتيجية، وسيتمركز بشكل مختلف في المنطقة حسب الحاجة إلى المراقبة. الجيش التركي ووزارة الدفاع وأجهزة الأمن المعنية هم من سيقررون أين ستتمركز نقاط المراقبة، وكيف وأين سيعمل الجنود الأتراك والاستخبارات في المنطقة بعد بسط الأمن، لكن حالياً يواصلون عملهم في أماكن تمركزهم». وأضاف «من الممكن أن تجري ترتيبات جديدة حسب الوضع الجديد في المنطقة، أي بعد إقامة المنطقة الآمنة هناك».

ارتباك بعد “قيصر”

18 حزيران/يونيو

بدت شوارع دمشق جامدة أمس، غداة تطبيق «قانون قيصر»، إذ أغلقت نسبة كبيرة من المحلات التجارية أبوابها، وخلت الأرصفة من زحمة المارة، في وقت كانت سيارات الأجرة تسير في الشوارع فارغة بحثاً عن ركاب. أما حافلات النقل العام، فبدت أنها تطبق قواعد الحجر الصحي من «كورونا».

وتحدثت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن خروج مواطنين في حمص بـ«وقفة تضامنية في ساحة الشهداء» وسط المدينة أمس، وأعلنوا «رفضهم واستنكارهم للإجراءات القسرية أحادية الجانب وتنديدهم بـ(قانون قيصر)».

لكن ردود فعل الحكومة أثقلت الشارع بأجواء الترقب والخوف وانعدام الثقة، إذ ترافقت مع الإمعان بالتشدد في مراقبة الأسواق والتضييق على الباعة وفرض الغرامات وجباية الإتاوات، وسط تراجع حاد في الإقبال على الشراء.

وإذ وصل سعر صرف الليرة السورية إلى نحو 2900 للدولار الأميركي، عاد سعر الذهب إلى الارتفاع، فأغلقت معظم محلات الصاغة، بينما شنّ النظام حملة اعتقالات الخميس لمنع الإغلاق، ومنع البيع بغير السعر الرسمي.

وفي ردّ فعل داعم لدمشق، اتهمت موسكو واشنطن بتعمد استهداف المدنيين تحت ذريعة «حمايتهم من النظام»، فيما اتصل مسؤولون إيرانيون بنظرائهم السوريين لـ«تعزيز التنسيق والالتفاف على العقوبات»، حسب مصادر دمشق.

إلى ذلك، كشف تقرير جديد لـ«البنك الدولي» أن الصراع في سوريا تسبب بتداعيات وآثار اقتصادية واجتماعية على دول الجوار في العراق والأردن ولبنان، وزيادة معدلات الفقر في هذه الدول.

قيصر” يعاقب الأسد وزوجته

17 حزيران/يونيو

دشّنت واشنطن أمس تطبيق «قانون قيصر» بفرض عقوبات على عشرات المؤسسات والأشخاص التابعين للنظام السوري، بينهم الرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء وشقيقته بشرى وشقيقه ماهر؛ الأمر الذي عدّه محللون عقاباً أميركياً لعائلة الأسد، مشيرين إلى أن هذه العقوبات تُرجئ أي خطط لإعمار سوريا.

ولم تشمل العقوبات رجل الأعمال رامي مخلوف الذي دخل في نزاع مع ابن خاله بشار الأسد. وتزامنت الإجراءات مع قرار محكمة في باريس أمس، بسجن رفعت الأسد، عم الرئيس السوري، 4 سنوات بعد إدانته بـ«تبييض أموال واختلاس المال العام» في سوريا.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو صباح أمس بدء تنفيذ «قانون قيصر» بفرض عقوبات على 39 فرداً وكياناً، ثم أعلنت وزارة الخزانة إدراج 24 كياناً واسماً، بينهم رجال أعمال ومؤسسات بنية تحتية. وأعلن البيت الأبيض، أنه بـ«توجيه من الرئيس دونالد ترمب، تم إدراج على لوائح العقوبات، شخصيات وكيانات تدعم نظام الأسد القاتل والبربري في سوريا». وزاد «أهداف العقوبات المفروضة تشمل موالين للنظام وممولين سوريين يدعمون جهود إعادة البناء الفاسدة والأفراد المتورطين بشكل نشط في عرقلة التوصل إلى وقف إطلاق النار في شمال سوريا».

وبمجرد إعلان الإدارة الأميركية فرض العقوبات، تهافت المشرعون ترحيباً بهذه الخطوة التي انتظروها لأعوام طويلة. وقال النائب الجمهوري مايك مكول، إن العقوبات «ستقطع الموارد التي تسمح لبشار الأسد وعائلته ووكلائه بترهيب السوريين والاستفادة من تدمير بلادهم».

في المقابل، أكد عضو مجلس الاتحاد الروسي، فلاديمير غباروف استمرار موسكو بـ«الدعم العسكري» لدمشق، قائلاً «سنواصل توسيع وتعزيز قاعدتينا في حميميم وطرطوس».

من جانبها، أعلنت الخارجية السورية، أن «الحزمة الأولى من الإجراءات الأميركية ضد بلاده تنفيذاً لما يسمى بقانون قيصر تكشف تجاوز واشنطن كافة القوانين والأعراف الدولية»، في وقت أعلن «مصرف سوريا المركزي» إجراءات لوقف تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي بعد ملامسته حاجز ثلاثة آلاف ليرة للدولار.

قيصر” يبدأ

17 حزيران/يونيو

يبدأ اليوم سريان «قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019» الأميركي، المعروف بـ«قانون قيصر»، ما يزيد من عزلة الرئيس السوري بشار الأسد، والضغوطات على حليفيه، روسيا وإيران.

ومن المقرر أن تجري فعاليات عدة في واشنطن اليوم، لإعلان بدء تنفيذ القانون الذي وقّعه الرئيس دونالد ترمب نهاية العام الماضي. ويمنح «قانون قيصر» ترمب سلطات لتجميد أرصدة أي فرد أو طرف يتعامل مع سوريا، بغضّ النظر عن جنسيته. كما يستهدف قانون العقوبات، للمرة الأولى، مَن يتعاملون مع كيانات روسية وإيرانية في سوريا.

وإذ حذّر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، خلال اجتماع في مجلس الأمن، أمس، من أن «المجاعة تدق الأبواب» في ظل انهيار اقتصادي واسع و«التأثير الكبير» للأزمة المصرفية في لبنان، خيّرت المندوبة الأميركية كيلي كرافت، نظام الأسد بين متابعة المسار الدولي للعملية السياسية، أو استمرار حجب التمويل عن إعادة الإعمار وفرض العقوبات على النظام وداعميه الماليين.

في المقابل، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، محادثات وصفها بأنها «بنّاءة ومفيدة» مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، ركّزت في جزء كبير منها على الوضع في سوريا، وترتيبات المرحلة المقبلة، خصوصاً على صعيد الجهود الممكنة لمواجهة تداعيات «قانون قيصر». وأعلن الطرفان عن اتفاق على ترتيب قمة افتراضية، تجمع رؤساء روسيا وإيران وتركيا خلال الأسابيع المقبلة، في إطار تنسيق الجهود المشتركة في سوريا.

وعشية دخول القانون حيز التنفيذ، شهد سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي تراجعاً بعدما تحسن نوعاً ما مؤخراً، وسط تفاقم الأزمة المعيشية في دمشق ومناطق عدة في البلاد، وتزايد مخاوف الأهالي من أن يزيد تنفيذ «قانون قيصر» من تدهور أوضاعهم المعيشية.

هجوم على تظاهرة السويداء

16 حزيران/يونيو

هاجم عدد من «البعثيين» وقوات الأمن وحفظ النظام، متظاهرين خرجوا في السويداء، جنوب سوريا، طالبوا برحيل الرئيس بشار الأسد، وجرى اعتقال عدد منهم.

وبثت صفحة «السويداء 24» على «فيسبوك»، يوم الاثنين، مقطع فيديو وصوراً، قالت إنها «توثق» لحظة هجوم عناصر من «كتائب البعث» المؤيدين وعناصر من الأمن، على المتظاهرين السلميين.

جاء ذلك تزامناً مع توجيه الأسد، رسالة داخلية إلى «البعثيين» المرشحين لخوض انتخابات مجلس الشعب، الشهر المقبل، قُوبلت بانتقاد من «البعثيين»، في سابقة هي الأولى من نوعها داخل الحزب. وعدّ الأسد ما سماه «تجربة الاستئناس»، التي يخوضها الحزب لاختيار المرشحين للمرة الأولى، «دليلاً دامغاً على ديناميكية البعث، وتطوره».

في شأن آخر، أكدت تركيا وإيران اتفاقهما على تحقيق الاستقرار وتفعيل مسار آستانة، وتشكيل اللجنة الدستورية، لإتمام العملية السياسية في سوريا. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في مؤتمر صحافي عقب مباحثاتهما في أنقرة، أمس (الاثنين)، إن قمة ثلاثية تركية – إيرانية – روسية ستعقد قريباً في طهران حول «مسار آستانة» وسبل تفعيله.