الطيب مات، وعبد الكريم مات، وخليل لا يزال معتقلاً

الطيب مات، وعبد الكريم مات، وخليل لا يزال معتقلاً

ناداني خليل معتوق من داخل مقهى الهافانا، كان برفقة آخرين. خلال الدقائق القليلة التي أمضيتها معهم بدا خليل وكأنه يحتفي باحتمالات جديدة تلوح في الأفق السوري بعد طول يباس. سألني خليل عن توقعاتي، وفهمت منه أننا بدأنا بعبور الجسر نحو دولة القانون والمواطنة. كان خليل يرغب أن يشاركني بهجة تحتل روحه وكيانه: “مانك حاسس إنو الهوا صار مختلف”. غادرت المقهى، لم تكن شوارع الشام كعادتها! غاب الزحام البشري الذي يميز أرصفة الصالحية. بضعة أشخاص ونسمات باردة، نحن في أوائل نيسان 2011 . أتاح لي العدد القليل من المشاة على الأرصفة رؤية  الطيب تيزيني على بعد أمتار أمام ساحة المحافظة، اتجهت إليه وصافحته لأول مرة وهنأته بالخروج من المعتقل بالسلامة، وعبرت عن تعاطفي وأسفي لما حدث له يوم جرجروه على إسفلت الطريق. شكرني بلطف، وبدا وكأنه يحاول أن يتذكر من أكون، انضم إلينا عبد الكريم أبا زيد وكأنه عاصفة صغيرة نبعت من الرصيف، كان عبد الكريم غاضباً وبدأ يحدثنا عن حقيقة ما يجري في درعا، فتح عبد الكريم حقيبة صغيرة سوداء يحملها في يده، وأعطانا بياناً يشرح فيه ما ترتكبه السلطة في درعا من جرائم بحق المتظاهرين، قال عبد الكريم أبا زيد: أريد جريدة تنشر هذا البيان، ألا يصدر رفاقك في الرابطة جريدة؟ سألني الطيب إن كنت من الرابطة، قال عبد الكريم: ظننتكم تعرفون بعضكم، صديقنا جمال أمضى أكثر من نصف عمره في السجون، صححت ضاحكاً: بل الثلث. حدق الطيب في وجهي، صافحني من جديد ، وعانقني وقال: “تشرفت بمعرفتك” ثم بدأ يتحدث بثقة عن ضرورة تفكيك الدولة الأمنية، وتجاوز الاستبداد، وتفكيك الألغام الطائفية. سألني الطيب ما رأيك؟ قلت له إنني لا أختلف معه من حيث الجوهر. بماذا نختلف من حيث الشكل؟ سألني الطيب، قاطعه وقاطعني عبد الكريم وقال: “خلينا نأجل الخلاف على الشكل هالسا [حالياً]… ما عندكن جريدة؟” مازحت عبد الكريم: “لماذا لا تنشره في النور، جريدتكم؟” قال لي:”هظولا [هؤلاء] لا للسيف ولا للضيف..” مازحته من جديد: وقلت بلهجة حورانية:”هظولا متحالفين مع غدرات الزمان” ابتسم الطيب، ولكن عبد الكريم قال بمنتهى الجدية: “والله العظيم صحيح! والله متحالفين مع غدرات الزمان”.

بدا لي الأمر وقتها وكأني في حلم، حديثٌ وتبادل بياناتٍ في مركز مدينة دمشق! خليل يتحدث بصوت عال في المقهى، وعبد الكريم يبدو لوحده مظاهرة. أما كان ينبغي أن أثق وقتها بأن آفاقاً جديدة تلوح في أفق البلاد. دخلت إلى كافتريا المركز الثقافي الروسي في شارع 29 أيار، وقرأت البيان. يحمّل البيان بلغة صريحة وواضحة النظام المسؤولية عن الجرائم التي بدأها فرع المخابرات العسكرية وتلاه فرع الأمن السياسي. ثم يشير إلى جرائم قتل ارتكبها النظام في درعا ويصفها بأنها (ضد الوطن وضد الشعب السوري)، إذا لم تخني الذاكرة، ويفند تلك الجرائم ويذكر أسماء المتظاهرين والمشيعين الذين قضوا برصاص النظام، ويرى أنّ سلامة المجتمع السوري تقتضي التخلص من النظام. عبد الكريم أبا زيد، الصحفي الذي يعمل في صحافة النظام وعضو الحزب الشيوعي (جناح يوسف فيصل) المتحالف مع النظام، يكتب بياناً باسمه ويوزعه في قلب العاصمة، قلت لصديقي إياد شاهين في مساء ذلك اليوم: “بدأت أرى العلامات الصغرى والكبرى لقيام الساعة في سورية!”

في اليوم التالي صادفت الطيب تيزيني أيضاً، قرب فندق الشام، كان برفقة شاب أنيق بعمر أولاده، لوحت بيدي فاستوقفني: “ما رأيك ببيان عبد الكريم؟” أجبت: “مكتوب بماء القلب”. ربت على كتفي بحنان الآباء وقال لي: “إنه يثير الشجن، وعلينا أن نعرف ما الذي ينبغي علينا فعله، أنه بيان قوي ويحدد الملامح العامة لما يجب فعله وعلينا أن نناقش الكيفيات”.

كنت من بين الذين اعتبروا اللقاء التشاوري الذي أقامه النظام (مؤتمر صحارى) مجرد محاولة من السلطة لالتقاط الأنفاس وتدجين تباشير الحراك في سورية. لم أثق بأن الممثلة التي دعت إلى إعادة الاعتبار للدروس العسكرية في المدارس، والشيخ الذي ينتقد بكياسة معهودة سلوك النظام، والشيوعي الذي يؤمن بعمق بدكتاتورية البروليتاريا ويعيد نشر الكتب التي تلمع صورة ستالين، ونائب رئيس الجمهورية المغيب قد اتفقوا فعلاً على تكوين دولة مدنية عصرية وديمقراطية. ولكني توقفت عند ما قاله الطيب تيزيني: “لا بديل عن تفكيك الدولة الأمنية المهيمنة في سورية، لا بد من دولة القانون، لا بد من البدء بإطلاق سراح جميع سجناء سورية”.

أورثنا مسار الأحداث الدامية التي شهدتها البلاد أشياء عديدة من بينها دمعة عزيزة وجليلة ذرفها الطيب بالنيابة عن الكثيرين منا على أطلال بلاد تمضي نحو قاع بعد قاع من قيعان الحضيض، وعبارة عاقلة قاسية تطفو على بحر من المرارة والإحباط قالها الرجل: ” كل ما كتبته في حياتي بحاجة إلى إعادة نظر”. وأرى أن هذه العبارة الأخيرة تصلح لأن تكون وصية لنعيد النظر في كل ما قرأناه وكتبناه.    

سوريا في أسبوع 13-20 أيار/مايو 2019

سوريا في أسبوع 13-20 أيار/مايو 2019

هدنة، قصف، معارك

20 أيار/مايو

نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع قولها الاثنين إنها صدت هجوما بطائرة مسيرة وصاروخ على قاعدتها الجوية الرئيسية في سوريا في مطلع الأسبوع.

واتهمت مقاتلي ما كان يعرف باسم جبهة النصرة بالمسؤولية عن الهجوم. ونسبت الوكالة للوزارة قولها إنها أسقطت ستة صواريخ أطلقت على قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية السورية.

وقتل عشرة مدنيين على الأقل بغارات روسية استهدفت ليلاً شمال غربي سوريا، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان الإثنين، في قصف جاء بعد وقت قصير من إعلان موسكو، حليفة النظام السوري، وقفاً لإطلاق النار من “جانب واحد”.

ودارت منذ فجر الاثنين اشتباكات عنيفة بين قوات النظام من جهة وهيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها من جهة أخرى في ريف حماة الشمالي الذي يخضع مع محافظة إدلب ومناطق محيطة لاتفاق هدنة روسي-تركي. وتتزامن المعارك مع غارات روسية وقصف كثيف لقوات النظام يطال مدناً وبلدات عدة في المنطقة.

وأفاد المرصد عن مقتل عشرة مدنيين، بينهم خمسة أطفال وأربع نساء، جراء غارات روسية ليل الأحد استهدفت بلدة كفرنبل ومحيطها في ريف إدلب الجنوبي الغربي. واستهدفت إحدى الغارات وفق المرصد، محيط مشفى في البلدة، ما تسبّب بخروجه من الخدمة.

وأعلن مركز المصالحة الروسي بين أطراف النزاع في سوريا الأحد أن قوات النظام بدأت منذ منتصف ليل 18 أيار/مايو وقفاً لإطلاق النار “من طرف واحد”.

وشهدت وتيرة الغارات والقصف تراجعاً في الأيام الثلاثة الأخيرة، من دون أن تتوقف كلياً، وفق المرصد وسكان في ريف إدلب الجنوبي، قبل أن تتجدد ليلاً بشكل كثيف.

وحذّرت الأمم المتحدة خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الجمعة من خطر حصول “كارثة إنسانيّة” في إدلب، إذا تواصلت أعمال العنف.

وتتهم دمشق تركيا الداعمة للفصائل المقاتلة بالتلكؤ في تنفيذ اتفاق سوتشي الذي نجح بعد إقراره في أيلول/سبتمبر بإرساء هدوء نسبي في إدلب ومحيطها. إلا أن قوات النظام صعّدت منذ شباط/فبراير وتيرة قصفها قبل أن تنضم الطائرات الروسية اليها لاحقاً.

ومنذ نهاية نيسان/أبريل، بلغت وتيرة القصف حداً غير مسبوق منذ توقيع الاتفاق، وفق المرصد.

وحافظ مسلحو المعارضة السورية على موقع ‬‬‬‬‬‬مهم بسلسلة جبلية في محافظة اللاذقية، موطن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد، وذلك بعدما اضطرت قوات الحكومة للانسحاب.‬‬‬‬‬‬

وقال المسلحون إن محاولة الجيش كانت الأحدث ضمن عدة حملات مكلفة للسيطرة على بلدة كباني بعدما شن هجوما الشهر الماضي بدعم جوي روسي لاستعادة السيطرة على الطرق السريعة الرئيسية والممرات التجارية الخاضعة للمعارضة حول محافظة إدلب وشمال محافظة حماة.

 

تأجير مطار دمشق؟

19 أيار/مايو

نفت الحكومة السورية استثمار مطار دمشق  الدولي أو أي مطار آخر في سورية من قبل روسيا .

وذكرت  وزارة النقل السورية فى بيان على موقعها الإلكتروني “لا يوجد حتى الآن أي مفاوضات حول استثمار المطار وغيره من المطارات السورية، ومطار دمشق الدولي هو أحد المنشآت الحيوية والمشاريع الضخمة التي تعمل الوزارة على تطويرها واستثمارها على نظام الـ(Bot)  مع رؤية إنشاء صالة ركاب جديدة “.

وأضافت الوزارة أنه ضمن بروتوكول اجتماعات الدورة الحادية عشرة للجنة المشتركة السورية- الروسية في كانون أول/ديسمبر 2018 تمت مناقشة تأهيل  مطاري دمشق وحلب بناء على المباحثات الفنية المنعقدة في دمشق في تشرين ثان/نوفمبر 2018 حيث عرض الجانب الروسي إعادة تأهيل المطارين وفق نظام  الـ(Bot).

وأكدت الوزارة “أنه لا يوجد حتى الآن أي مفاوضات حول استثمار مطار دمشق  الدولي أو غيره من المطارات السورية المدنية من قبل أي جهة كانت وما جرى كان في إطار المباحثات والعرض لا أكثر.. وعند حدوث أي مستجدات سيتم عرضها والإعلان عنها في حينه.”.

وكان مجلس الوزراء السوري ناقش في جلسته اليوم مشروع قانون بتصديق العقد الموقع بين الشركة العامة لمرفأ طرطوس وشركة “اس تي جي اينجينيرينج” الروسية لإدارة واستثمار مرفأ طرطوس وذلك عملا ببروتوكول التعاون للجنة السورية الروسية المشتركة بخصوص إدارة القسم المدني للمرفأ.

 

اختبار إسرائيلي لإيران

18 أيار/مايو

استهدفت صواريخ أطلقتها طائرات إسرائيلية ليل السبت مقراً لقوات النظام السوري في محافظة القنيطرة في جنوب البلاد، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في اعتداء تكرر لليوم الثاني على التوالي.

وقال: “أطلقت طائرات إسرائيلية من الجولان المحتل ثلاثة صواريخ على الأقل، استهدف اثنان منها مقر اللواء تسعين، بينما أسقطت الدفاعات السورية صاروخاً ثالثاً”.

واللواء 90 هو أحد أبرز ألوية الجيش السوري ويتولى الإشراف على محافظة القنيطرة، وسبق أن تم استهدافه سابقاً من قبل اسرائيل.

وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” من جهتها “دخول أجسام غريبة من الأراضي المحتلة في أجواء المنطقة الجنوبية والمضادات الأرضية تتعامل معها” من دون أي تفاصيل أخرى.

ويعد هذا الاعتداء الثاني غداة إعلان دمشق ليل الجمعة تصدي دفاعاتها الجوية “لأهداف معادية قادمة من اتجاه القنيطرة”.

واستهدفت الصواريخ الجمعة بحسب المرصد منطقة الكسوة جنوب غرب دمشق، والتي تضم مستودعات أسلحة تابعة للقوات الإيرانية وحزب الله اللبناني، لطالما تعرضت لضربات اسرائيلية.

وكثّفت إسرائيل في الأعوام الأخيرة وتيرة قصفها في سوريا، مستهدفة مواقع للجيش السوري وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله.

 

الطيب تيزيني

18 أيار/مايو

توفي المفكر السوري والباحث القريب من المعارضة السورية طيب تيزيني فجر السبت عن عمر ناهز 85 عاماً، وفق ما أعلن مثقفون ومعارضون سوريون نعوه على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعد تيزيني وهو من مدينة حمص (وسط) من أبرز المفكرين والمثقفين السوريين، وكان على مدى عقود أستاذ الفلسفة العربية في جامعة دمشق، وله مؤلفات فكرية وفلسفية عديدة من أجزاء عدة.

وأوردت صفحة على موقع فيسبوك تحمل اسمه “بكل الأسى والحزن والجلال، ننعي إليكم مفكرنا الكبير د. طيب تيزيني.. وبهذا ينغلق باب من أبواب حمص وتهوي شرفة من شرفات سوريا”.

وكان تيزيني في عداد مجموعة من المثقفين والحقوقيين، ممن اعتصموا مع عشرات من الأهالي في 16 آذار/مارس 2011، أمام وزارة الداخلية في دمشق للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي في سوريا. وتم اعتقاله مع آخرين قبل أن يعاد اطلاق سراحهم بعد يومين.

كما كان مع معارضين آخرين بينهم ميشيل كيلو ولؤي حسين وفايز سارة في عداد معارضين دعتهم السلطات في بداية الحركة الاحتجاجية إلى “خلق نواة حوار” بين السلطة والمعارضة.

وخلال مشاركته في لقاء تشاوري حواري في تموز/يوليو 2011، حضره نائب الرئيس السوري آنذاك فاروق الشرع ونحو 200 شخص آخرين، طالب تيزيني بـ”تفكيك الدولة الأمنية”. وقال “هذا شرط لا بديل عنه، واذا ما بدأنا بمعالجة المسائل، الدولة الأمنية تريد أن تفسد كل شيء”.

وبخلاف كثيرين من المعارضين، لازم مدينته حمص ولم يغادرها خلال سنوات النزاع السوري المستمر منذ العام 2011.

 

تأجيل الطيران العراقي

18 أيار/مايو

أعلنت وزارة النقل السورية السبت تبلغها من بغداد قرار تأجيل رحلة الطائرتين التابعتين للخطوط الجوية العراقية إلى دمشق “حتى إشعار آخر”، بعدما كان من المقرر استئناف الرحلات الجوية بين البلدين للمرة الأولى منذ نهاية العام 2011.

ويأتي هذا التأجيل بعد تأكيد المتحدث باسم الخطوط الجوية العراقية ليث الربيعي الخميس أن “أولى رحلات الخطوط العراقية ستنطلق من بغداد إلى دمشق” اليوم السبت.

وكانت آخر رحلة مباشرة من مطار بغداد الدولي وصلت إلى دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2011.

ويأتي قرار تعليق استئناف الرحلات الجوية في وقت يشكل العراق اليوم مسرحاً لصراع نفوذ بين الخصمين اللدودين، الولايات المتحدة الأميركية وإيران، جارة العراق، على وقع تصاعد حدة التوتر بينهما.

وأرسلت واشنطن مجموعة بحريّة مؤلفة من حاملة الطائرات “يو أس أس لينكولن” وقطع أخرى، إضافة إلى قاذفات بي-52، إلى الخليج، للتصدّي لما وصفتها بتهديدات طهران.

 

اشتباك في نيويورك

17 أيار/مايو

قالت الأمم المتحدة الجمعة إن 18 مركزا طبيا على الأقل تعرضت لهجوم خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة في شمال غرب سوريا، الأمر الذي أدى لتفجر مواجهة بين قوى غربية من ناحية وروسيا وسوريا من ناحية أخرى في مجلس الأمن الدولي بشأن من يتحمل المسؤولية.

ورغم أن المنطقة تخضع شكليا للحماية بموجب اتفاق أبرم بين روسيا وتركيا في سبتمبر/ أيلول لتفادي معركة جديدة، فقد شنت قوات الرئيس السوري بشار الأسد، بدعم من الروس، هجوما على آخر معقل كبير للمعارضة. وقالت الأمم المتحدة إن ثلاثة ملايين شخص يعيشون هناك معرضون للخطر.

وقالت كارين بيرس مندوبة بريطانيا لدى الأمم المتحدة للمجلس المؤلف من 15 دولة عضوا بشأن من يتحمل المسؤولية “بما أننا نعرف أن

روسيا وسوريا هما البلدان الوحيدان اللذان يسيران طائرات في المنطقة فهل الإجابة… القوات الجوية الروسية والسورية؟”.

وقال جوناثان كوهين القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة إن روسيا وسوريا مسؤولتان عن الهجمات على مراكز صحية.

وأضاف أن أكثر ما يبعث على القلق هو أن عددا من المراكز التي تعرضت لهجمات كانت على قائمة وضعتها روسيا والأمم المتحدة في محاولة لحمايتها.

وقالت بيرس إنه سيكون أمرا “مقززا” أن تجد المنشآت الطبية التي كشفت عن أماكنها “نفسها السبب في دمارها بسبب الاستهداف المتعمد من النظام”.

وقال مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن القوات السورية والروسية لا تستهدف المدنيين أو البنية التحتية المدنية. وشكك في المصادر التي تستخدمها الأمم المتحدة للتحقق من هجمات على مراكز طبية. وقال للمجلس “نرفض جملة وتفصيلا الاتهامات بانتهاك القانون الإنساني الدولي. هدفنا هو الإرهابيون”.

 

الجولاني يدعو لفتح جبهات

17 أيار/مايو

دعا القائد العام لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني في لقاء مُصور نُشر الجمعة، الفصائل السورية الموالية لأنقرة لفتح جبهات قتال مع قوات النظام، ودعا السكان لحفر ملاجئ بدلاً من النزوح من المنطقة هربا من قصف النظام.

وقال الجولاني في لقاء جمعه بإعلاميين ونشرته الهيئة على تطبيق “تلغرام”، “بعض الفصائل الموجودة في درع الفرات والمنطقة هناك، بإمكانهم أن يخففوا علينا ويفتحوا عملاً على حلب مثلاً”.

وأضاف “لديهم محاور مع النظام، وتشتيت العدو وفتح أكثر من محور يصب في صالحنا”.

وتسيطر الفصائل الموالية لأنقرة والمعروفة بـ”درع الفرات” على منطقة في ريف حلب الشمالي تمتد من جرابلس في الريف الشمالي الشرقي إلى عفرين في الريف الشمالي الغربي.

ويضم تحالف “درع الفرات” فصائل مثل “الجبهة الشامية” و”فيلق الشام”، ومنها من قاتل قوات النظام في السابق، إلا أن عملها العسكري تركز خلال العامين الماضيين على قتال تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد بدعم مباشر من القوات التركية التي تنتشر اليوم إلى جانبها في شمال حلب.

وتسيطر هيئة تحرير الشام مع فصائل جهادية ومقاتلة أقل نفوذاً على إدلب وأرياف حلب الغربي وحماة الشمالي واللاذقية الشمالي الشرقي.

 

“داعش” مجدداً

16 أيار/مايو

هاجمت عناصر من تنظيم داعش موقعا للقوات  الحكومية السورية غربي مدينة تدمر.

ونقلت وكالة أعماق الإعلامية التابعة للتنظيم أن عناصره اقتحموا ثكنة  عسكرية تابعة للقوات الحكومية قرب واحة الصوانة جنوب غرب تدمر ما أدى الى مقتل ثمانية عناصر وأسر عنصر ، كما أفادت بمقتل 12 عنصراً وحرق ثلاث  آاليات للقوات التي اتجهت لمساندة الكتيبة التي تعرضت للهجوم.

ويشهد ريف حمص الشمالي الشرقي وريف دير الزور الجنوبي الشرقي الذي لا يزال تحت سيطرة تنظيم داعش هجمات متكررة على القوات الحكومية.

 

المضي قدما أميركيا-روسيا

14 أيار/مايو

أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبو الثلاثاء إثر محادثات أجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي الروسي أنّ الولايات المتّحدة وروسيا اتّفقتا على سبل للمضي قدماً نحو حلّ سياسي في سوريا.

وقال بومبيو للصحافيين في مطار سوتشي قبيل مغادرته المنتجع الروسي إنّه أجرى مع بوتين “محادثات بنّاءة للغاية حول السبل الواجب سلوكها في سوريا والأمور التي يمكننا القيام بها معاً حيث لدينا مجموعة من المصالح المشتركة حول كيفية دفع الحلّ السياسي قدماً”.

وأضاف “هناك العملية السياسية المرتبطة بقرار مجلس الأمن الرقم 2254 والتي تمّ تعليقها، وأعتقد أنّنا نستطيع الآن أن نبدأ العمل معاً على طريقة تكسر هذا الجمود”.

والقرار 2254 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 2015 يدعو إلى إجراء مفاوضات برعاية الأمم المتّحدة للتوصّل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا.

ولفت الوزير الأميركي إلى أنّ الملف السوري، الذي يعتبر أحد محاور الخلاف الأساسية بين الولايات المتحدة وروسيا، كان موضوع حوار رئيسي خلال المحادثات التي جرت مساء الثلاثاء في منزل بوتين في المنتجع المطلّ على البحر الأسود.

وقال بومبيو إنّ واشنطن وموسكو دعمتا إنشاء لجنة مكلّفة صياغة دستور جديد لسوريا، وهي خطوة أساسية تعثّرت بسبب خلافات حول تكوين هذه اللجنة.

وأعرب الوزير الأميركي عن أمله في “أن يتمّ على الأقلّ الدفع بهذه العملية قدماً من أجل اتّخاذ الخطوة الأولى بتشكيل هذه اللجنة”.

ويعتبر تشكيل اللجنة الدستورية حجر عثرة بالنسبة إلى مبعوثي الأمم المتحدة المتعاقبين الذين يحاولون إنهاء الحرب.

وقال بومبيو إنّ روسيا والولايات المتحدة ناقشتا أيضاً مجالات أخرى للتعاون في سوريا لم يكشف عنها.

 

لماذا لم يذكر التاريخ الفنانات العظيمات؟

لماذا لم يذكر التاريخ الفنانات العظيمات؟

مرت قرون من كراهية النساء حجبت ذكر أي فضل لهن في بناء التاريخ الإنساني، حيث اقتصر دور المرأة وفقاً للسرديات التاريخية المهيمنة على مساندة الرجل والوقوف إلى جانبه. هذا التغييب لدورها هو انعكاس لرؤية المجتمع الذي أنكر عليها جهودها وفضلها في جوانب الحياة الشتى. فأضحت المرأة نفسها ترضى بما يقسمه لها مجتمعها دون التفكير بالمطالبة بحقها والاعتراف بفضلها في المساهمة في أي عمل كان. باتت المرأة التي تطالب بذكر اسمها والاعتراف بعملها نشازاً.

ما حل بالنساء السوريات مؤخراً جعلني أراجع ليس فقط تاريخ هذه الممارسة فحسب، إنما دفعني لدراسة سلوك النساء فيما حولي بما في ذلك سلوكي الذاتي. كفتاة وفنانة سورية تأثرتُ بما فرضه السلوك العام في مجتمعي، فأجحفتُ بحق نفسي مراراً دون أي إدراكٍ مني أن من حقي أن أطالب بالاعتراف بجهودي وإنجازاتي. أذكر أنني لم أهتم عندما كنت أعمل جاهدة لإنجاز لوحاتٍ من الفن التشكيلي بالتوقيع عليها؛ فلم أكن أعي حينها أهمية التوقيع على أعمالي وأن أعتز بما أنجزت. كنتُ أعمل لمجرد متعة العمل ذاته، حتى أثناء الدراسة ضمن مجموعات من الطلاب لم أكن أمانع بالعمل أكثر من زميلي الشاب رغم تقاسمنا نفس علامة المشروع النهائية. لكن تجربة اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية التي مررت بها والعيش في مجتمع مختلف جعلني أقارن بين سلوك المرأة وتعامل المجتمع معها في كلا المجتمعين الأمريكي والسوري.

أصبحتُ أدرك أن ما اعتدت عليه هو إجحاف بحقي، وبدون أن أطالب بالاعتراف بحقي في عملي لن أستطيع التقدم والعيش في مجتمع جديد، لقد ذقتُ مرارة تجربة اللجوء، لكنها علمتني كيف أنصف نفسي التي غُبنت لعقود. لاحظتُ أن المجتمعات الغربية قد بدأت بتغيير ما درجت عليه سابقاً للخروج من عصور اعتادت على تنحية دور المرأة. حيث تم تبني نظام اقتصادي عالمي جديد فرض طريقة جديدة في التعاملات من خلال ابتكار مفهوم يسمى “the credit” أي مفهوم الائتمان حيث يسعى أفراد هذا المجتمع لتجميع نقاط تدل على إنجازاتهم أو التزامهم بالقوانين ويعطي مؤشراً على مدى أمانتهم لكي يثبتوا من خلال هذا الرصيد من النقاط التي جمعوها في أي مجال كان اقتصادياً أو دراسياً أو في مجال العمل أنهم أهل للثقة أو أصحاب فضل في بناء مشروع ما وذوي خبرة في مجال آخر. هذا المبدأ الجديد في التعامل غيّر من سلوك المرأة في هذه البلاد فبدون أن يملأ الشخص رصيده بنقاط تدل على أهليته وقدراته لا يستطيع أن يعيش في هذا المجتمع. لذا فالمرأة في هذه المجتمعات المتطورة تسعى بشكل طبيعي للمطالبة والاعتراف بفضلها في المساهمة في أي عمل كان، لكن رغم هذا التطور مازالت المرأة وفقاً لبحوث شتى لا تحسب لنفسها الفضل كما يحسبه الرجل، فما زالت المهمة الأصعب لها هي الحصول على الفضل في العمل الذي تقوم به، خاصة عندما تعمل لخدمة الأسرة أو في مجموعات.

في دراسة أجرتها ميشيل هاينز عن مفهوم الائتمان\credit (الفضل في إنجاز العمل) قالت “لقد أعطت النساء الفضل لزملائهن من الرجال أكثر مما أعطين لأنفسهن، فقد أبخسن حقهن من الائتمان\credit (الفضل في إنجاز العمل) فإذا لم يكن دورهن في تحقيق نتائج الأداء أو المهمة التي قام بها الفريق واضحاً بشكل لا يمكن دحضه لا تطالب النساء بأي فضل في العمل”. وفقاً لهذه الدراسة فإن هذه الظاهرة تكون أقل عندما كانت النساء تعملن مع نساء أخريات. وعند مقارنة هذه النتيجة مع مجتمعاتنا العربية نجد أن أمام المرأة العربية طريق أطول لتصل فقط لما وصلت إليه مثيلتها في العالم الغربي. رغم أن المرأة الغربية لم تحقق بعد العدالة الكاملة في المطالبة بحقها، ووفقاً لدراسات متعددة ما زالت متأثرة بشكل أو بآخر بالموروث الذي يحد من شأنها ويشوه نظرة المجتمع إليها ونظرتها لذاتها ويمنعها من المطالبة العادلة بالفضل فيما تساهم به.

لم تتعرف المجتمعات العربية بشكل عام بعد على مفهوم الائتمان\credit (الفضل في إنجاز العمل)، والمرأة بشكل خاص لم تعتد المطالبة بحقها في الفضل في إنجاز الأعمال التي تقوم بها. عمقت المأساة السورية هذا الاجحاف الذي يطال المرأة وزادت من أعبائها، وفي المقابل زاد الظلم الذي يقع على المرأة حيث بات جهدها الجبار خفي لا يعترف به أحد. فنتيجة الظروف الصعبة باتت المرأة في كثير من الأحيان هي المعيل الوحيد للأسرة، لكن كل هذه الجهود التي تقوم بها المرأة تبدو غير مرئية في عين المجتمع حيث لا تطالب المرأة بالاعتراف بأي فضلٍ لها فيما تبذله من جهدٍ، خاصةً ما تبذله في سبيل إنقاذ عائلتها.

لاحظتُ من خلال معايشتي لمجتمع اللجوء أن المرأة أكثر مرونة من الرجل في التأقلم مع الظروف الجديدة؛ فهي قد تفعل المستحيل وتقوم بأي عمل مهما كان صعباً ومردوده قليل بعكس العديد من الرجال الذين لا يرضون بأي عمل مهما كانت ظروف العائلة مريرة. لقد سمعتُ مراراً وتكراراً من كثير من الرجال عبارة (أنا لا أعمل إلا في اختصاصي)، لكني قلما سمعتُ هذا من النساء اللواتي يعملن بصمت لتأمين لقمة العيش لأطفالهن. إن الاجحاف الحقيقي بحق المرأة هو نكران كل ما تفعله وعدم الاعتراف بفضلها في إنقاذ عائلتها، فهي سر الاستمرار في الحياة واليد الخفية التي ما زالت ترسم لوحة الحياة في زمن الموت، علّها تدرك مثلي يوماً ما أن من حقها أن تُدرج توقيعها على تلك اللوحة وهي مرفوعة الرأس.

* يعاد نشر هذا المقال في صالون سوريا ضمن تعاون مع شبكة الصحفيات السوريات

A New Ramadan, or New Values

A New Ramadan, or New Values

Ahmed (a false name) throws his load of tissue paper bags on the sidewalk, and disappears between two vehicles to get into his car, fleeing from the eyes of passersby and his manager at “Ramadan World” because if you smoke openly then some shoppers will stop buying from you, using your cigarette habit as an excuse, according to the store’s owner.

Ahmed’s partner comes close and says: “There’s no need to hide. I saw a woman drinking water openly and another woman eating candies, and another man smoking as well!”

There appears to have been a clear change in the daily behaviors of residents in Damascus with regards to fasting during Ramadan, which is not limited to the fast-breakers themselves—even most stores selling readymade food and juices have not closed their doors during the fasting month.

Unlike Ahmed, Umm Manar has three children who show their fast-breaking openly, but based on her beliefs, insists on paying for their iftars during the fasting month. In the past to expiate their fast breaking, Umm Manar has donating money to poor families through charities or a sheikh.

The legal authority in the Ministry of Religious Endowments sets this fee annually and this year it is between 800 and 1,000 Syrian pounds, which is the price of a meal for a hungry person. Therefore Umm Manar has decided this year to join with her friend in paying for a wheelchair for an amputee child who was a victim of the war—and directly, without an intermediary. Umm Manar’s decision reflects a change which blends humanitarianism with belief and interacts with the new, more urgent needs of wartime.

Her children are not in a unique situation in Damascus. Most employees in official and private departments continue to eat daily in the workplace. Samia says that her colleagues at work do not fast, but that she takes into account the feelings of those fasting by not preparing coffee at work, especially given that it has a strong and appetizing smell. Samia adds that, “the other colleagues don’t eat cucumbers, eggs or falafel in their morning meals during Ramadan because of their strong aroma.” Taking these feelings into account does not really go beyond the act of not eating foods that have strong smells that awakens the hunger of fasters.

With regards to this subject, Article 517 of the Penal Code sets a penalty for all those who openly break the fast in Ramadan at detention of a full month. The provision does explicitly mention displaying fast-breaking or not fasting, but rather not taking into account public morals in Ramadan. This article is essentially defunct now, and no ruling has been issued in accordance with it over the last eight years.

In the absence of any explicit legal items punishing the act of breaking the fast or displaying it, the real social provisions in circulation are more influential.

The change also appears in a new terrifying image that has entered the lives of Syrians. On a women’s group on WhatsApp—the most common form of communication in Syria—Roweida offers her blessings when Ramadan arrives, but her stereotypical blessing, which does not exceed basic social protocol, is met with violent reactions from some members of the group. One of them says: “Ramadan and fasting and hunger are devouring the bodies of Syrians!” Another connects the fasting blessing with celebrating the values of the Islamic State.

In light of the major deterioration in Syrians’ economic situations, a number of new initiatives have been launched in Ramadan, put forward on walls of the streets and on public centers, such as a call to forgive renters their rent during Ramadan, and insistence and repetition on Syrians abroad to send money to families in need during this month to fill the major gap between Syrians’ weak purchasing power and the volume of basic living need—especially medicine, housing and food.

Older phenomenon that are no longer acceptable include some women only wearing jalabiyehs and hijab during Ramadan, as this behavior has become seen as social hypocrisy, even if temporary. It reflects the deep fragility reflecting on a greater mercy inside, and giving more balanced deeds that allow refugees the internal satisfaction and peace they need.

If Ramadan has a special and popular definition, it comes from the rich and varied meals, which were promoted in the media for direct economic gains. However this has changed completely. The negative economic situation that Syrians are enduring and the decline of purchasing power is just one of the reasons. In addition to that is the changing view of basic priorities and the usefulness of drowning in life’s material, physical and morally exhausting details.

Now Ramadan tables have become limited to just one type of food, in addition to plates of salad or soup or another of foul or fatteh, with excessive diversity becoming undesirable.

Even the many invitations for collective iftar meals, which family members had been used to exchanging, have become hated, and are often limited to just one invitation to meet family obligations and confirming a state of disintegration of family traditions that has become acceptable.

While every month includes deepening changes in the lives of Syrians because of the war and its consequences and costs, Ramadan firmly establishes that in terms of the changes in community functions and in the functions of individuals. It seems that they are now defined by less narrow identities, and have become less compulsory, lowering the restriction on individuals in an expanding, albeit still narrow, way.

*This article was translated, edited, and posted by The Syrian Observer. The original version was published  in Arabic at Salon Syria here

خريجو جامعات باريس الاقتصادية يفشلون في امتحان سعر صرف الدولار

خريجو جامعات باريس الاقتصادية يفشلون في امتحان سعر صرف الدولار

لم تكن غالبية السوريين من ذوي الطبقة الوسطى والفقيرة مهتمة بالقطع الأجنبي قبل عام ٢٠١١، إذ كان الاهتمام بالعملات الأجنبية وخاصة الدولار، مقتصراً على الطبقة الغنية من رجال الأعمال وكبار التجار، إضافة للمسؤولين من أصحاب النفوذ والاستثمارات الضخمة، لكن اندلاع الاحتجاجات في بلد لم يمض على انفتاحه الاقتصادي عشر سنوات، أحدث تغيراً في مسار تفكير السوريين تجاه النقد الأجنبي، وأصبح الدولار قاسماً مشتركاً وحّد مصير السوريين ممن تعددت مواقفهم تجاه الاحتجاجات والصراع.

عشية الاحتجاجات بتاريخ ١٥ آذار/مارس عام ٢٠١١ كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار يقارب الـ ٥٠، وهو الرقم الذي حافظت عليه الليرة منذ عام 1990 ولغاية عام 2010.

عشرون عاماً من ثبات سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، تلاشوا خلال عام واحد من بدء الاحتجاجات، حيث سجل تدهورها رقماً قياسياً فسعر صرف الدولار في آذار/مارس عام 2012 بلغ مايقارب الـ 100 ليرة سورية، وبهذا خسر السوريون نصف مدخراتهم و ثرواتهم بعام واحد، إثر  فقدان الليرة لنصف قيمتها فيه.

حكاية الدولار مع السوريين

هكذا بدأت حكاية السوريين وأصبح الدولار حديث الشارع، متحولاً لعامل أساسي من عوامل منغصات عيشهم والمتحكم بأسلوب حياتهم، ولم يعد مستغرباً أن يحسب صاحب بقالية صغيرة في قرية متطرفة سعر باقة البقدونس بحسب تصريف الدولار.

وبينما كانت تحولات الدولار نقمة على السوريين، انتعشت بفضل تقلباته جيوب التجار والمستثمرين ورجال الأعمال وأمراء الحرب، ففي عام ٢٠١٦ بلغ سعر صرف الدولار حوالى 600 ليرة، ليتفاوت السعر خلال الأعوام الفائتة بين 400 ليرة عام 2014 و550 ليرة عام 2017.

مع بداية عام 2018 بدأت مشاهد الصراع العسكري تنحسر في العديد من المناطق السورية، وبدأت الحكومة بإطلاق الوعود والشعارات الاقتصادية البراقة، معلنة بدء تعافي الاقتصاد السوري، لكن تلك الوعود والشعارات لم تلبث أن تبخرت، بسبب وجود حلقة معيبة بالاقتصاد السوري تتعلق بسعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية وتحديداً “الدولار”، والذي بين عجز الفريق الاقتصادي عن ضبط سعر الصرف الذي يعتبر بوصلة الحركة التجارية في الأسواق السورية، وذلك نتيجة ارتفاعه الأخير في السوق السورية إلى 500 ليرة مقابل الدولار بعد أن استقر سعره لمدة قاربت العام تقريبا عند سعر الـ435 ليرة.

وبحسب البنك السوري فقد بلغ سعر الدولار مقابل الليرة بتاريخ 26/11/2017، 494 لينخفض باليوم التالي إلى حدود 435 ليرة، ولتاريخ اليوم لم يغير البنك المركزي السوري نشرة أسعار الصرف، رغم وصول الدولار لأسعار قياسية عند حدود الـ500 ليرة، التبرير الرسمي كان أن استقرار السعر جاء نتيجة التعافي الاقتصادي، لكن كيف يحدث هذا بفترة قصيرة نسبياً في بلد أنهكته الحرب وأضحى بلا اقتصاد ودون موارد بشكل شبه كامل، ودون أن تشهد الأسواق السورية حركة تجارية وصناعية على مستوى واسع.

كذلك لم يسهم افتتاح معبر نصيب الحدودي بتحسين واقع سعر الصرف، بل على العكس زاد الطلب على الدولار الذي يقوم بتأمينه البنك المركزي عبر شركات التحويل المالية، وبهذا كشف الارتفاع الأخير لسعر صرف الدولار في السوق السورية أن الاستقرار الذي دام لمدة عام كان مصطنعاً وغير حقيقي، ومن أهم الأدلة التي تكشف زيف ذلك الاستقرار استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأدوات الالكترونية والكهربائية، والتي تجاوزت أسعارها الحد الذي سجلته حين كان سعر صرف الدولار يعادل 600 ليرة عام 2016 فمثلاً، بلغ سعر كيلو غرام الشاي عام 2016 مايقارب 2300 ليرة في حين سجل سعره عام 2018 3300 ليرة.

التفسير الوحيد لذلك “الاستقرار” هو أن ما حصل كان مجرد عملية مضاربة، لعبت الحكومة الطرف الأساسي فيها، وذلك لدفع المواطنين لبيع مدخراتهم بالقطع الأجنبي واستبدالها بالعملة المحلية، إضافة لاستغلال هذا الانخفاض غير المنطقي في الخطاب السياسي، واعتباره منجزاً من منجزات الحرب في سوريا.  

ولم تكن تقلبات أسعار الصرف مسؤولية الصراع العسكري الذي تعيشه سوريا والعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها فقط، وإنما تأثرت بشكل واضح بالحلول الارتجالية التي اتبعها مصرف سوريا المركزي خلال سنوات الأزمة، فمنذ اليوم الأول لانخفاض سعر الليرة السورية مقابل الدولار انتهج البنك المركزي سياسة نقدية تقليدية، من ضمنها إجبار شركات الصرافة على  تسليم الحوالات الواردة للمواطن السوري بالليرة السورية، كذلك اعتمد البنك المركزي سياسة التدخل، والتي تهدف لضخ كمية من القطع الأجنبي عبر شركات الصرافة.

وابتدع المركزي السوري نظاماً نقدياً فريداً من نوعه حيث بدأ بطرح عدة نشرات لأسعار صرف القطع الأجنبي وهي: نشرة أسعار خاصة بالحوالات، ونشرة خاصة لتمويل المستوردات، ونشرة خاصة بالمصارف، ونشرة خاصة بشركات الصرافة ونشرة لأسعار تذاكر الطيران، ونشرة أسعار تفضيلية، يضاف إليها نشرة البنك المركزي لأسعار الصرف المحلية.

هذه الآلية فتحت الأبواب على مصراعيها لتنشيط السوق غير النظامية، “السوق السوداء”، والتي كانت ومازالت أسعارها أقرب للسعر الحقيقي للدولار الذي وصفه جميع من أداروا سدة الحكم في البنك المركزي السوري بأنه “سعر وهمي وغير حقيقي” من  د.أديب ميالة و د.دريد ضرغام و د.حازم قرفول”، لكن ذلك الأمر لم ينطل على صاغة الذهب، الذين أكدوا طوال سنوات الحرب أنهم يسعرون الذهب وفق سعر صرف الدولار القريب من سعر السوق السوداء وبعلم البنك المركزي، وهذا السعر يعتمده غالبية التجار في صفقاتهم ويعرف تجاريا بدولار الذهب.  

المركزي ودوره في تقلبات أسعار الصرف

تعتبر استقلالية البنك المركزي في أنحاء العالم من أهم المزايا التي تضمن له صحة عمله كمتحكم بالسياسة النقدية، خاصة وأن السياسة النقدية تختلف عن السياسة المالية، لكن يبدو أن الأمر في سوريا مختلف عن هذا المفهوم، إذ كان من الواضح تدخل جهات غير اقتصادية في تخفيض سعر صرف الدولار في أوقات معينة، ومن ثم إعادة رفع سعر الصرف لعدة أسباب منها تبرير أي قرار اقتصادي لرفع أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية، كما ساهم رفع سعر صرف الدولار في تمويل كتلة رواتب الموظفين، أما المكسب الثالث فكان يصب بمصلحة المصارف الخاصة التي جنت أرباحها نتيجة فروقات السعر بين الليرة والدولار، وكان من عوامل استمرارها في سوريا خلال الحرب.

ومن قرارات البنك المركزي التي ساهمت في انفجار أزمة سعر الصرف قرار السماح بمنح المواطن السوري ١٠ آلاف دولار شهرياً أو ما يعادله من العملات العربية والأجنبية الأخرى شهرياً للأغراض غير تجارية، وقد تسبب هذا القرار -قبل أن يتم الغاؤه- باستنزاف القطع الأجنبي في سوريا، حيث أعاد البنك المركزي ملاحقته للأشخاص الذين تجاوزت نسبة شرائهم للدولار الحد المسموح ، وهذا خطأ يقع على عاتق البنك المركزي الذي لم يضع سياسة مصرفية دقيقة تتابع مسار عملية البيع، التي اعتبرها البعض مكسباً للعيش.

إذ كان بعض التجار يستأجرون الأفراد العاديين لشراء حصتهم من القطع الأجنبي مقابل 200 دولار في ذلك الوقت، مما تسبب بإحداث فوضى واستنزاف للقطع الأجنبي، بعدها تم إلغاء هذا القرار، ومطالبة من تجاوز الحد المسموح بشراء الدولار بالإرجاع تحت طائلة المسؤولية القانونية، وهو ما أدى إلى رفع سعر القطع تدريجياً عن طريق شركات الصرافة والمصارف ،إضافة لقرار السماح للمصارف الخاصة ببيع وشراء القطع خارج نشرة أسعار المركزي.  

جميع تلك القرارات التي ترافقت مع قرارات اقتصادية منها ترشيد الاستيراد، وإيقاف تمويل المستوردات، دفعت بالتجار للبحث عن أقنية غير نظامية لتأمين احتياجاتهم من القطع الأجنبي، وبهذا زاد الطلب على الدولار مما ساهم أيضاً برفع سعر صرفه مقابل الليرة السورية التي فشل حكام البنك المركزي في إعادة الثقة إليها كوسيلة نقدية حافظة للقيمة وقابلة للتبادل التجاري.

تغيير الحكام لم يؤثر بالدولار

خلال سنوات الصراع تعاقب على رئاسة البنك المركزي السوري ثلاثة حكام، أولهم أديب ميالة والذي يحمل الجنسية الفرنسية، الحاصل على دكتوراه بالاقتصاد من فرنسا، حيث شغل منصب حاكم بنك سوريا المركزي منذ عام 2005 ولغاية عام 2016، و تعرض مياله لانتقادات شديدة بسبب سياسته النقدية غير الناجعة، والتي اشتهرت بما يعرف “بجلسات التدخل”، التي قيل عنها بشكل ساخر بأنها “جلسات تدخل لتحسين سعر الدولار مقابل الليرة السورية وليس العكس”.

في عام 2016 استلم البنك المركزي د. دريد درغام، وهو أيضاً حاصل على دكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس، وكان قد عمل سابقا مديراً عاماً لمصرف سوريا التجاري قبل أن تتم إقالته نتيجة قضايا فساد تتعلق بمنح قروض بمبالغ طائلة، وخضع لقرار من وزير المالية بالحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة في عام 2011 ليعود إلى الواجهة عام 2016 ويشغل منصب أهم مركز اقتصادي خلفاً لميالة لغاية شهر أيلول 2018، وعرف بتصريحه الشهير الذي أعلن فيه قدرته على تخفيض سعر الدولار إلى 200 ليرة، لكنه لا يريد ذلك، إضافة لقراره الأخير الذي طالب من خلاله التجار مراجعة البنك المركزي لإثبات بيانات ما اشتروه من قطع أجنبي عام 2012 تبين أين تم إنفاقها، واستقر سعر صرف الدولار خلال ولايته عند حدود 430 ليرة وفق السعر النظامي للبنك و 450 ليرة في السوق السوداء، لتنتقل الخلافة بعد ذلك لنائبه الأول الدكتور حازم قرفول الذي تولى القيادة بتاريخ 24 أيلول العام الحالي وهو أيضاَ حاصل على دكتوراه من جامعة بوردو في فرنسا، وكان قد عمل نائباً لحاكم البنك المركزي منذ عام 2014، وتعليقاً على ارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل إلى حدود 503 ليرات في الأسواق، اعتبر قرفول الارتفاع وهمياً وغير حقيقي وكل من اشترى دولاراً بذلك السعر معرضاً للخسارة.

يبدو أن خريجي جامعات فرنسا الاقتصادية الثلاثة لم يمتلكوا الخبرة الاقتصادية الكافية لمواجهة قوة الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية التي تآكلت قدرتها الشرائية بنسبة 90%، وبهذا فقدت الليرة الخصائص الأساسية التي تتمتع بها جميع عملات العالم في  أن تكون قابلة للتداول بين الأفراد مقابل الحصول على أية سلعة أو خدمة، حيث استبدل العديد من التجارة الليرة بالدولار في صفقتهم. الميزة الثانية تتضمن سهولة نقلها إذ يقضي حسن سير المبادلات أن تكون الأداة المستخدمة كوسيط في المبادلات سهلة الحمل وهو ما يساعد على سهولة نقلها من مكان إلى آخر، كذلك سهولة تخزينها، وهذه الخاصية فقدتها الليرة نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضت على القطاع المصرفي وأصبح من غير الممكن تداولها عبر الأقنية المصرفية.

أما الميزة الأهم فهي قابلية الدوام وحفظ للقيمة بمعنى أبسط أن تتحمل كثرة تداولها من يد إلى أخرى، وهذا فقدته الليرة السورية خاصة الفئات الورقية الصغيرة “50- 100-200ليرة” حيث أصبحت تالفة بشكل كبير وإعادة طباعتها يكلف الحكومة مبالغ كبيرة، أما المقصود بأن تكون حافظة للقيمة فهي أن تثبت قيمتها كوسيلة إدخار، وعليه ينبغي أن تكون قيمة النقود بعيدة عن تعرضها للتدهور الشديد أو فقدان القيمة مع مرور الوقت، وهذا ما حدث لليرة السورية.

وإذا كان حكام مصرف سوريا المركزي (خريجو باريس) قد عجزوا عن تحسين مرآة الوضع الاقتصادي “العملة الوطنية” فهل لدى الحكومة السورية مرآة غير الليرة قادرة على أن تعكس حقيقة المستقبل الاقتصادي الذي ينتظره السوريون؟!.

إكرام المعارضة دفنها

إكرام المعارضة دفنها

لم يكن الانفجار الشعبي عام 2011 في سوريا بعيداً عن تنبؤات المعارضة الرسمية ومثقفيها حينها، وإن كان الحراك الشعبي قد دفع برموزها إلى المشهد السياسي من جديد؛ لكنه سرعان ما تجاوزهم وابتعدوا عن المشهد، إما نتيجة بروز صراع بعضهم مع النظام على السلطة لا على تحقيق مطالب الشارع فسارعوا في تشكيل مجالسهم لتكون بديلة عن السلطة الحاكمة، أو نتيجة تأني البعض في مقارعة النظام والدعوة نحو الحوار، وهو ما رآه الشارع موقفاً متأخراً عنه.

في المقابل رفع النظام ومنذ اليوم الأول شعار محاربة الإرهابيين ومثيري الفتنة وعملاء الخارج، ليُشيطن بذلك جزءاً كبيراً من المعارضة والشارع المنتفض، ويُبعد عن المشهد من يدعو للحوار، بحجة وجود إرهاب يتربص بالبلاد ويحتاج إلى التكاتف لمواجهته، وبذلك يسهل على السلطة إغفال أي ملفات مطلبية أخرى.

أي أن تاريخ خروج المطالب إلى الشارع قبل ثماني سنوات هو نفسه تاريخ إهمالها وتنحيتها من قبل النظام، والالتفات إلى محاربة المنادين بها بقمعهم أو جرهم إلى ضفة الإرهاب والتكفير لشرعنة محاربتهم، والتهديد باحتساب أي مُطالِب للتغيير على الضفة المترصِّدة للدولة وأمن الوطن، أي “الخيانة العظمى”.

بات ذلك الخطاب هو الخطاب السائد طيلة السنوات الماضية، وكلَّف السوريين الكثير من العناء والدمار دون القدرة على التحكم في إيقافه، ليتفرقوا لاحقاً بين تجنب الصدام المباشر في الداخل أو الابتعاد عنه كلياً إلى الخارج.

وبدل أن تسعى فرق المعارضة للخروج من ذلك المأزق كانت وكأنها ترمي بنفسها فيه، فتتبنى تفجيرات ليست من صنعها أحياناً كتفجير خلية الأزمة مثلاً، وتتبنى سياسياً جبهة النصرة وغيرها من الفصائل الإسلامية المتشددة وتمدح انتصاراتها وترفض التبرؤ منها كما جاء على لسان رئيس الائتلاف معاذ الخطيب حين شدد على تبني جبهة النصرة كجزء من المعارضة عام 2012، كذلك مجَّدت المعارضة احتلال داعش أو جبهة النصرة للمدن السورية على اعتبار أن لا شر فوق النظام ووقف مع جبهة النصرة الكثير من ممثلي المعارضة، وهاجم الكثيرون منهم لاحقاً من يقوم بمجرد تشجيع فريق كرة القدم السوري، لتظهر المعارضة بذلك وكأنها تعادي الشعب وتقطع معه، وتساعد السلطة في ترسيخ شيطنة صورتها أمام الداخل والخارج على السواء.

وفوق ذلك كان واضحاً تشتت فرق المعارضة الرسمية ورموزها وتبعيتها، وارتباطها بسياسات الدول المحركة لها والتزامها بتوجيهاتها بدل التزامها بتوجُّهات الشارع السوري، بل سارت نحو الانخراط في صراعات فيما بين فرقها أحياناً تماشياً مع صراعات الممولين والمتحكمين فيما بينهم، فشاهدنا صراعاتٍ بين من تدعمهم قطر وبين من تدعمهم السعودية، ليفقدوا بذلك أية استقلالية في قرارهم، في الوقت الذي خرج فيه السوريون إلى الشارع لامتلاك قرارهم، بالإضافة إلى وضع حدٍ للفساد الذي ينخر بلادهم وينهب ثرواتها، وكذلك وضع حدٍ للمنظومة الأمنية التي تقمع حريتهم.

وعليه بات من الضروري تجاوز تلك الثنائية التي تحيل كل مطالبة بأي حق من الحقوق إلى الهجمة الإرهابية المتربصة بالبلاد، وتشيطن أي مطلب باعتباره يهدد تماسك البلاد في معركتها.

تلك الثنائية استغلها النظام أيضاً في تعليق كل فشل لديه على المعارضة، فيغدو قطع الكهرباء مبرراً بهجمات المعارضة المسلحة لخطوط الكهرباء، وندرة المحروقات والمواد الغذائية مبررة بحجة وجود المعارك وقطع الطرق، ليصبح التقصير الحكومي مستوراً بغطاء المعارك والإرهابيين.

وعليه فإن انحسار المعارك مؤخراً، أعاد كشف التقصير الحكومي وتردي مؤسسات الدولة، لتعود معه الإشارة إلى مكامن الفساد ومصادر فشل إدارة الدولة، أي لتعود الكرة إلى ملعب السلطة الحاكمة، والتي وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام فشلها وأمام عدم قدرتها على تبرير نهبها لثروات البلاد من جديد.

بقاء النظام وحيداً في ساحة المعركة بمواجهة لقمة عيش المواطنين أدى إلى ارتفاع الصوت المطلبي مجدداً، وهو ما طرحنا السعي باتجاهه سابقاً لسحب الحجج منه. لكن المعارضة الرسمية لا زالت إلى يومنا هذا على خطابها ذاته، بل وتنظر بعين متعالية إلى مطالب الناس، وبنظرة المتشفية بوضعهم، بدل العمل على إعادة تقييم أدائها.

بالتالي فإن المعارضة لا تنفك تقدم نفسها للنظام كحجة لا زالت سارية المفعول، وبدوره يتمسك بوجودها لكبت الخروج العفوي لمطالبة الناس بالتغيير، مثلما تتمسك النفس بالمظلومية لمقاومة مواجهة الواقع وتغييره في التحليل النفسي.

وإن كان الحراك الشعبي قد كشف الكثير من قمع النظام وفساده، ونفا عنه صواب الخطاب والإدارة وشرعية الحكم والقرار السيادي الوطني، فقد بات من الضروري نفي المعارضة التي أفرزها الحراك لما تخلله عملها من تبعية قرارها أيضاً وغياب الخطاب الاقتصادي الاجتماعي المحاكي لواقع الشعب السوري. ولما غيبته من وضوح التناقض الرئيسي بين السلطة والشعب، وجرِّه نحو تناقضٍ ثانويٍّ بين النظام ومعارضيه الإرهابيين الذين لم تقدم المعارضة نفسها منفصلةً عنهم ولا منفصلة عن برامج النظام الاقتصادية والاجتماعية. أي أن تراجع المعارضة عن المشهد سيعيد التناقض إلى موقعه ووضوحه وهو ما بدأ يظهر جلياً في عودة أصوات الناس.

بذلك أصبحت المعارضة الرسمية من وجهة نظر النظام وكأنها قضية خارجية تحيق بالبلاد مما يستدعي النظام والشعب إلى التماسك والتكاتف بوجهها، وعليه ومع عدم قدرتها على تقديم أية نتيجة إيجابية للشعب السوري خلال ثماني سنوات، وكذلك عدم تجديدها لخطابها، بات من الضروري ترك الصوت المطلبي يعود إلى الساحة وتنحية عقبة المعارضة لما تشكله من عثرة أمام صوت الشارع. فالصوت المطلبي اليوم أقدر على صياغة خطابه السياسي، وأجدر بنقل مطالب التغيير بوضوح وبعيداً عن خطر الانحراف لما تشكله من واقعٍ يرضخ تحت نيره كافة السوريين في الداخل، وبابتعادها عن التبعية وإعادتها لوضوح الانقسام الأفقي بين الشعب والسلطة، ذلك الانقسام الذي غاب طويلاً عن الساحة السياسية ولن ينتهي قبل دفن المعارضة، ولا يعني ذلك دعوة للعفوية من جديد بل دعوة لاستعادة منبر المطالبة من جديد لأصحابه ولجذريته.