هجرة الموسيقيين السوريين ١ من ٢

هجرة الموسيقيين السوريين ١ من ٢

*تم نشر الجزء الثاني من هذه المقالة تحت عنوان “هجرة الموسيقيين السوريين ٢ من ٢ مبدعون في بلاد الاغتراب

موسيقيون هاجروا وفرق اختفت وأصوات لجأت إلى الصمت

الحرب التي طال دمارها وأذاها كل أنواع الثقافة والفنون في سورية، طغى صوتها على صوت الموسيقى فهجّر خيرة موسيقيي البلاد الذين كان لهم الفضل الكبير على موسيقاها التي تركوا في تاريخها بصماتٍ ولمساتٍ فريدة وناصعة، لا يمكن محوها، سواء كعازفين أو مؤلفين أو مدرسين، فكان رحيلهم عن البلاد، التي كانت تتنفس وتنبض من خلالهم، خسارة كبيرة وموجعة لا يمكن تعويضها بأي ثمن.

الهجرات المتعاقبة التي سببتها الحرب غيَّبت الكثير من خبرات ومدرسي المعهد العالي للموسيقى، الذين أغنوا الموسيقى الأكاديمية ونهضوا بواقع تدريسها فخرّجوا أفضل الموسيقيين، هذا إلى جانب كونهم أعضاء مؤسسين في أبرز الفرق الموسيقية الوطنية، من بينهم : مغنية الأوبرا العالمية، مدرّسة الغناء الأوبرالي ورئيسة قسم الغناء الشرقي لبانة القنطار. المؤلف الموسيقي، مدرس آلة العود، رئيس قسم الموسيقى الشرقية وقائد الأوركسترا الوطنية للموسيقى العربية عصام رافع. المغني وأستاذ الغناء والكورال ونظريات الموسيقى باسل الصالح .عازف ومدرس آلة العود ونظريات الموسيقى الشرقية أيمن الجسري، وهو مصنع أعواد، عمل على تطوير تلك الصناعة وأضاف إليها الكثير. عازف ومدرس  آلات الإيقاع الشرقي جمال السقا. عازف ومدرس آلة القانون فراس شهرستان. وعازف ومدرس آلة الناي مسلم رحال، هذا بالإضافة للملحن وعازف الكلارينيت الشهير كنان العظمة، الذي عزف مع أهم الفرق العالمية وحصل على العديد من الجوائز، وغيرهم الكثير.

إلى جانب ذلك خسرت الفرق الموسيقية الوطنية، التابعة للمعهد العالي ودار الأوبرا، خيرة أعضائها، المشهود لهم بخبراتهم ومقدراتهم ومهاراتهم الاحترافية العالية، والذين عَمِل معظمهم أيضاً كمدرسين، في المعهد العالي ومعهد صلحي الوادي وغيرهما، وكعازفين مع أبرز الفرق السورية، إلى جانب عمل بعضهم في مجال التأليف والتوزيع الموسيقي، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر  عازفي القانون توفيق ميرخان، يامن جذبة وعازفي العود ماهر محمود، أنس مراد، مالك وهب، مهند نصر، نبيل هيلانة، جمال بشر ورحاب عازر، عازف الناي محمد فتيان، عازفي الإيقاع  فراس حسن، عامر دهبر وبادي رافع وعازف البزق إياد عثمان (توفي في لبنان قبل نحو عامين). هذا إلى جانب عازفي الوتريات: وليد خطبا، جهاد جذبة، أغيد الصغير (كمان). إيهاب أبو فخر، رامي فيصل ورغد حداد (فيولا). باسيليوس عواد وهديل ميرخان (تشيلو). رائد جذبة وفجر العبدالله (كونتر باص). والمغنيون أيهم أبو عمار، بيان رضا، ميرنا قسيس، همسة منيف، طارق الحمد، أسامة كيوان وغيرهم الكثير.

كما غادر سورية فنانون أثبتوا حضورهم في الساحة الفنية وفي ذاكرة السوريين خلال سنوات ما قبل الحرب، من بينهم: مغنية الأوبرا رشا رزق، وهي مُدرِسة سابقة في المعهد العالي للموسيقى، وغنَّت العديد من شارات برامج الأطفال التي علِقَت بأذهان ملايين الناس، وأصدرت ثلاثة ألبومات غنائية ” إطار شمع ، اللعبة، وملاك”. مغنية الأوبرا  ديما أورشو التي شاركت مع كثير من الفرق  وغنت عدداً من شارات المسلسلات السورية كالمسلسل الشهير “بقعة ضوء”. الملحن والمغني باسل داوود، الذي لحن الكثير من الأغاني وعزف مع فرقة السيدة فيروز وله عدد من المؤلفات من بينها ألبوم “شو قال”. المغنية لينا شاماميان التي دخل صوتها لمعظم بيوت السوريين وأصدرت عدداً من الألبومات الغنائية من بينها “هالأسمر اللون، شامات، غزل البنات”. هذا بالإضافة لأسماء كثيرة أخرى.

الهجرة طالت أيضاً أسماء كبيرة شكلت علامة فارقة في مسيرة الموسيقى السورية كالمؤلف والباحث الموسيقي الكبير نوري اسكندر، وهو من سلط الضوء على جماليات الموسيقى السيريانية ومقاماتها، وله عدد كبير من المؤلفات الآلية والغنائية المميزة من بينها: كونشيرتو العود، كونشيرتو التشيلو، تجليات، والموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات.

 فرق موسيقية لم يعد لها وجود في سورية

“حوار، طويس، إطار شمع، بروكار، مرمر، ارتجال، وجوه، حراراة عالية، طنجرة ضغط، أنس أند فريندس، فرقة باسل رجوب، جين، تشيلي باند، شام mcs  لموسيقى الراب، سوزدلار، أبو خليل القباني، مسام، إنسانيتي. زودياك”،  تلك أسماء لبعض الفرق الموسيقية الكثيرة، المختلفة والمتنوعة الأنماط، والتي كانت تصدح في مسارح البلاد خلال سنوات ما قبل الحرب، فأغنت الذائقة السمعية العامة وأضافت الكثير لواقع الموسيقى السورية، ومع رحيل عازفيها عن البلاد غاب أسماء أغلبها عن سورية، ولم يعد لها أي وجود.

فرقة حوار وتتكون من العازفين: كنان العظمة (كلارينيت)، عصام رافع (عود)، ديمة أورشو (غناء)  خالد عمران (كونترباص)، سيمون مريش (درامز)، بادي رافع (إيقاع). قدمت الفرقة أساليب موسيقية متنوعة وجديدة، دمجت بين أنماط مختلفة من الموسيقى الشرقية والكلاسيكية والجاز والأوبرا، وقدمت أعمالاً تعبيرية تعتمد على الحوار بين الآلات الموسيقية والأصوات الغنائية.  وقد حققت الفرقة حضوراً متميزاً في المشهد الموسيقي السوري، فإلى جانب ما قدمته من الحفلات الكثيرة على مختلف المسارح السورية، العربية والعالمية، أطلقت ألبومين بعنوان “حوار” و ” تسعة أيام من العزلة”. وخلال الحرب تفرق شمل عازفيها ولم يتبقى منهم داخل سورية سوى الأستاذ سيمون مريش.

فرقة رباعي طويس، وهي تخت شرقي تقليدي، تضم: عصام رافع (عود)، فراس شهرستان (قانون)، مسلم رحال (ناي)، راغب جبيل (إيقاع)، وهو العازف الوحيد، من بينهم، الذي بقي داخل سورية. عملت الفرقة على البحث في جذور الموسيقى الشرقية والعربية وقدمت الكثير من الأعمال الموسيقية الآلية الفريدة كالسماعيات واللونغيات والرقصات، إلى جانب بعض الأعمال الشرقية الكلاسيكية، كما أطلقت  ألبوماً موسيقياً بعنوان ” إنسان”.

فرقة “ إطار شمع“، تأسست على يد عازف الغيتار، المؤلف والموزع الموسيقي إبراهيم سليماني، ومغنية الأوبرا رشا رزق، وقد عَمِلا على تأليف معظم الأغاني التي قدمتها الفرقة، والتي عبَّرت عن صوت الشباب وأحلامهم ومشكلاتهم. قدمت الفرقة  شكلاً موسيقياً خاصاً يدمج بين أنماط موسيقية مختلفة ويعتمد على الجاز والروك والموسيقى اللاتينية، وأصدرت عدداً من الأعمال الغنائية من بينها ألبوم “بيتنا“. وتضم الفرقة إلى جانب مؤسسيها: طارق صالحية (غيتار) وأنس أبوقوس (غناء)، عمر حرب (غيتار بيس)، ميلاد حنا (درامز)، عمر المصفي (إيقاع) وغيرهم. وقد غاب اسم الفرقة عن سورية مع سفر مؤسسيها وأغلب عازفيها.

فرقة بروكار وتعنى بتقديم الموسيقى الشرقية والعربية، الغنائية والآلية، بأساليب معاصرة وطرق توزيع جديدة، وتتألف من العازفين: عدنان فتح الله (عود)، توفيق ميرخان (قانون)، عامر دهبر (إيقاع)، مضر سلامة (درامز)، فجر العبدالله (غيتار). سافر جميع أعضاء الفرقة باستثناء الأستاذ عدنان فتح الله وهو حاليا عميد المعهد العالي للموسيقى وقائد أوركسترا الموسيقى العربية.

فرق موسيقية قد لا يكتب لها البقاء

فرق موسيقية كثيرة حاولت أن تستمر رغم خساتها لأفضل عازفيها، ولكنها اليوم قد تعجز عن الاستمرار، من بينها فرقة “رباعي العود السوري“. أسسها أستاذ العود والبزق في المعهد العالي محمد عثمان، وشكلت تجربة هامة لآلة العود. وخلال الحرب تبدل عازفوها أكثر من مرة نتيجة الهجرات المتعاقبة، وكانت تضم في آخر تشكيلٍ لها، إلى جانب الأستاذ محمد عثمان، كلاً من نوار زهرة، أنس العودة، فضول سعد. قدمت الفرقة العديد من القطع الموسيقية الآلية التي أبرزت قدرات آلة العود وجمالياتها، وأحيت عدداً من الحفلات في بعض المسارح السورية والعربية، كما حصلت على منحة “اتجاهات- ثقافة مستقلة” وأصدرت ألبوماً موسيقياً بعنوان “ضياع”، ومع بداية العام الحالي سافر اثنان من أعضائها (فضول سعد، أنس العودة).

فرق موسيقية فريدة وأصيلة

الحرب غيَّبت فرقاً موسيقية فريدة ونوعية، تنبض بالأصالة والتاريخ وتحمل في جعبتها إرثاً فنياً نادراً وغنياً، كفرقة “تهليلة” و”شيوخ سلاطين الطرب” و”نوا”. فرقة “تهليلة” وهي بإدارة وإشراف الأستاذ هشام الخطيب، انبثقت عن مؤسسة تهليلة التي تشكلت عام 2000 على يد المنشد السوري العالمي الشيخ الراحل حمزة شكور. الفرقة حافظت على تراثٍ وتاريخٍ فني نادرٍ ومميز يحاكي صوفيي التكايا والزوايا، وقد عمِلت على تقديم الموسيقى الروحية والصوفية والأندلسية، بالإضافة لفن الموشحات والأغاني الصوفية والتراثية، والإنشاد الديني الذي يبرز جماليات التراث الإسلامي، إلى جانب عروض الرقص المولوي (الدراويش) ورقص السماح، وقد قدمت الكثير من العروض في المسارح السورية، ومسارح البلاد العربية والإسلامية وبعض البلدان العالمية، ومثّلَت سورية في الكثير من المهرجانات. وخلال الحرب بدأ أعضاء الفرقة بمغادرة البلاد، وكانت الخسارة الكبرى في أواخر عام 2015، بعد مشاركتها في مهرجان طرابلس الدولي للموسيقى الصوفية والروحية، في لبنان، حيث سافر قسم من أعضائها، عابرين بحر طرابلس نحو تركيا، من بينهم مديرها هشام الخطيب، وقائدها، آنذاك، الموسيقي يامن جذبة.

فرقة “شيوخ سلاطين الطرب“، تأسست عام 2000 في مدينة حلب وضمت خيرة مطربي ومنشدي وعازفي المدينة، وهي امتداد لفرقة “شيوخ الطرب” التي تأسست عام 1956 بإشراف الفنان الكبير صباح فخري ومحمد خيري ومصطفى ماهر. تعنى الفرقة بإحياء التراث العربي ونقله إلى العالمية، وتقدم فن الموشحات والقدود الحلبية والأدوار والقوالب الغنائية المتوارثة في حلب كالمواويل  والفاصل وكل ألوان الغناء الطربي الأصيل. شاركت الفرقة في العديد من المهرجانات السورية والعربية والعالمية، كمهرجان صفاقس والقيروان، وفي عام 2011 أوقفت نشاطاتها الفنية في مدينة حلب بعد تفككها وتفرق شمل أعضائها، ثم عادت لتتشكل بشكل جزئي، في مراحل مختلفة، في لبنان والأردن وبعض الدول العربية، عبر جمع بعض أعضائها الأساسيين لإحياء بعض الحفلات المتفرقة.

 فرقة “نوا” تشكلت في مدينة حلب على يد الموسيقي وعازف الإيقاع إبراهيم مسلماني، الذي سافر عام 2012 مع أعضاء آخرين إلى تركيا. عَمِلت الفرقة على تقديم الموشحات  والقدود الدينية والغزلية، إلى جانب توثيق وتقديم الكثير من فصول الذكر المتوارثة في حلب، وبعض الألحان والفصول القديمة التي نُسيت أو حُرِفت عبر السنين. الفرقة أغنت الموسيقى السورية بإعادة إحيائها لكثير من الأعمال التراثية التي تعود لعهد الاحتلال العثماني وما بعده، كما نفضت الغبار عن أعمال نادرة وقيِّمة كانت مهددة بالاندثار، فأعادت تجميعها، بعد الإستعانة بكثير من الوثائق، ومن ثم تسجيلها مع الحفاظ على روحها وأصالتها. وقد شاركت الفرقة في كثير من المهرجانات الصوفية والروحية، في بعض المسارح العربية والعالمية، وأصدرت ألبوماً بعنوان “ابتهالات صوفية قديمة وأغاني منسية من حلب”، كان بمثابة كنز نفيس أضاف الكثير لمكتبة الموسيقى العربية.

الفراغ الكبير الذي خلَّفه رحيل الموسيقيين السوريين لا يمكن ملؤه في المستقبل القريب، وقد تحتاج البلاد لسنوات طويلة لتعوِّض ما خسرته برحيلهم الذي سرق معه الكثير من جماليات الموسيقى السورية وإرثها وروحها وغناها وتنوعها، وسيترك آثاره السلبية على هويتها المستقبلية.

أقصى أحلام السوريين مقعد في سرفيس

أقصى أحلام السوريين مقعد في سرفيس

لم تعد أحلامنا التخرج من الجامعة والحصول على فرصة عمل لإكمال الطريق في هذه الحياة الموحشة، بل نبحث عن وسيلة نقل لنصل إلى البيت أو الجامعة، هذه كلمات رامي ابن التاسعة عشر عاماً عندما سألناه عن أحلامه بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا.

يشير رامي إلى أنه يخرج من منزله قبل ساعتين من أي موعد: “حتى إذا ما لقيت سرفيس ما في حل إلا كمل مشي”. وتشهد مناطق الحكومة السورية وخاصة دمشق نقصاً في المحروقات، ما أثر على وسائل النقل وقلص عددها بشكل كبير جداً، لتعيش العاصمة السورية حالة من الشلل.

حلم ركوب سرفيس سوري

قبل أيام تمكنت من ركوب سرفيس بعد انتظار دام أكثر من ساعة، حيث كان عدد الراكبين قليلاً، قبل أن تتهافت الناس على الركوب في الموقف التالي، وعندما تنظر إلى وجه من يفوز بمقعد بعد معركة من التدافع ترى فرحة وكأنه كسب جائزة يانصيب، أو تذكرة سفر إلى جزر المالديف، حيث يمكنك النظر إلى الوجوه لتكتشف كمية الارتياح وكأنها تقول “حلم وتحقق”.

يصعد الركاب ويقول السائق: “الأجرة 400 ليرة ويلي مو عاجبو ينزل”، صمت يملأ السرفيس ويدفع الجميع المبلغ على الرغم من أن الأجرة هي 75 ليرة سورية. تقول راكبة بجواري: “الكل بدو يستغلك من الصغير للكبير.. المواطن حصالة دهب.. نتفوا ريشنا على الآخر.. صار حلم تركب سرفيس”.

وعندما يصل السرفيس إلى الموقف الأخير ستجد في استقبالك حشداً جماهيرياً لن يسمح لك حتى النزول إلا بعد معاناة كبيرة، والتي قد تفقد خلالها أحد أغراضك الشخصية، فالجميع يريد الفوز بمقعد في السرفيس.

وفي حال لم تتمكن من كسب مقعد في السرفيس، سيكون خيارك الثاني سيارات الأجرة الأغلى سعراً، حيث يأخذ السائق أجرة كما يشاء والتي تصل إلى ضعفين أو ثلاثة عن الأيام السابقة دون حسيب أو رقيب.

ومع قلة وسائل النقل العامة لجأ السوريون إلى سيارات الأجرة مرغمين، والتي تعتمد على تجميع الركاب ونقلهم إلى منطقتهم مقابل مبلغ يرتفع بشكل يومي، أما الراكب فبات الحلقة الأضعف فهو لا يريد سوى الوصول إلى منزله بعد يومٍ من “الشنشطة والتعتير”.

حلول منتهية الصلاحية

ذكرت مصادر من محافظة دمشق أنها تقوم بتسيير العديد من باصات النقل الداخلي ليل -نهار بشكل يومي ، وقال مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق وريفها سامر حداد لوسائل إعلام محلية: “أدت مشكلة المحروقات لخروج منظومة السرافيس بشكل شبه دائم، وبدأت تعود تدريجياً، والنقص الحاصل قمنا بتغطيته بباصات النقل الداخلي بنسبة وصلت ما بين 95٪ و96٪”.

وخلال جولة قصيرة في شوارع العاصمة لن تجد على جوانبها إلا أناساً ينتظرون وسيلة نقلٍ، ويركضون كأنهم في سباق ماراتون عندما يظهر سرفيس وسط استقبال يشبه استقبال الفاتحين.

يقول سامر في منطقة البرامكة بدمشق: “صار عمري خمسين سنة ما ضل عندي لا حلم ولاشي.. بدي أوصل على بيتي بعد الشغل وساعة كهربا زيادة وأمن شوية أكل لعيلتي”.

وبالنسبة للحلول الحكومية وتسيير الباصات تشير رؤى (موظفة في شركة خاصة) إلى عدم فائدتها كون عددها قليلاً وتضيف: “إذا في 100 ألف شخص والمحافظة عم تبعت 10 باصات شو الفائدة!.. الزحمة والقتال والتدافع مستمر حتى نركب”.

هذا الوضع دفع الحكومة السورية لتخفيض عدد العاملين في الوزرات والمؤسسات الرسمية، كما تقرر إيقاف الدوام في الجامعات بحدود الأسبوعين بالإضافة إلى بعض الصفوف في المدراس.

انتهت الأحلام

لم يعد هناك أحلام وطموحات في هذا البلد، لا مجال للتفكير سوى بالمواصلات والكهرباء ولقمة العيش، هذا ما يتحدث عنه سمير (25 عاماً)، ويضيف “تخرجت من كلية العلوم ودورت على شغل وما لقيت إلا مطعم فلافل أشتغل فيه ب80 ألف ما بتكفي مواصلات”.

أما رويدة (طالبة جامعية) تذكر أنها من ستة أشهر تركت كلية السياحة واتجهت للعمل في مشغل خياطة حتى تساعد أهلها في المصروف، وتقول: “تخليت عن حلمي بالتخرج والسفر خارج سوريا، لأن المصاريف أصبحت كبيرة على أهلي”، وتذكر أنها تضطر كل يوم للوقوف على دور الخبز كون والديها كباراً بالسن، ثم تذهب إلى العمل مشياً لعدم توفر المواصلات.

في محال بيع المواد الغذائية ستجد أحلاماً صغيرة كبرت ولم يعد الأطفال قادرين على اللحاق بها، يدخل طفل صغير وبيده 200 ليرة يأخذ قطعة حلوى صغيرة يخبره البائع بأنها أصبحت بـ 500 لترتسم على وجهه معالم الحزن والاستغراب، ويبحث عن شيء آخر بالمبلغ الذي يحمله دون أن يجد ليخرج من المحل على الفور.

ولا يمر يوم دون أن تشهد الأسواق السورية ارتفاعاً في أسعارها بالتزامن مع صعود سعر صرف الدولار، وعندما ينخفض تبقى الأسعار كما هي دون أي تراجع وسط غياب أي رقابة حكومية.

أحلام سورية خالصة

عندما تسأل الشعوب عن أحلامها لابد أن تكون الأجوبة تتعلق بالسفر والسياحة أو شراء سيارة أو منزل أو الزواج في الأحوال الطبيعية وغير ذلك من أحلام الإنسان، لكن في سوريا هذه الأحلام تبخرت واختفت من القاموس السوري منذ سنوات.

يقول جاد: “عمري 30 سنة ما بملك أي شي، لا بدي زواج ولا سفر، بدي حس بالاستقرار والأمان، كل يوم بالبلد عذاب، راكضين ورا الكهربا والخبز والمواصلات.. الناس وصلت على القمر ونحن خارج التغطية”.

أما أحمد (26 عاماً) فيتحدث عن أحلامه عندما كان صغيراً وكيف اختلفت بالكامل: “كان الأستاذ بالمدرسة يسأل الطلاب عن أحلامهم، وكنت جاوب بأني أحب أن أصبح مهندساً”، ويضيف: “لقد تخرجت من الجامعة ولم يتمكن أهلي من مساعدتي بسبب ظروف البلاد، وحالياً أعمل في سوق الهال وأنهي عملي مساء، على أمل أن أعود إلى بيتي وأجد وسيلة نقل بشكل سريع وكهرباء في المنزل لأتمكن من الاستحمام”، ويؤكد أحمد أن هذه أقصى طموحاته حالياً.

يبدو أن الأحلام الاعتيادية الخاصة بالحياة والتي يحلم بها أي شخص بالعالم، قد تلاشت وتبخرت في سوريا لتحل مكانها أحلام حياتية تتعلق بالأكل والمواصلات والكهرباء والتي تطغى على أي شيء عندما تظهر، وكما يقول جرير:”نظرت الى الحياة فلم أجدها سوى حلم يمر ولا يعود”.

Picture Source: Ali A Suliman*

ما الغائب عن السفرة الرمضانية في سوريا!

ما الغائب عن السفرة الرمضانية في سوريا!

ثلاثون دقيقة فقط، كانت كفيلة بأن يحصل السؤال الذي يدور حوله هذا التقرير الصحفي على 100 إجابة، من خلال تعليقات على المنشور الذي وضع في مجموعة مغلقة خاصة بالسيدات فيها آلاف السوريات، والسؤال هو: عن ماذا سوف تستغني الأسرة السورية في رمضان هذا العام؟

بعض التعليقات أتت جدية جداً، رافقتها إشارة وجه تسقط منه دمعة حزينة؛ وبعضها أتت متهكمة مع وجه يضحك وتنزل دموعه من شدة الضحك، في كلا الوجهين كانت الدمعة حاضرة، مرةً أسى، ومرة أخرى أن شر البلية هو ما يضحك.

تعلق دانا (صيدلانية 25عاماً) بـ”سوف نستغني عن الصيام بأكمله!”. بينما تشير نور (صحفية 35عاماً) أنها سوف تستغني عن الحلويات، اللحم الأحمر والدجاج. وتضيف أم وليد (ربة منزل) أنها سوف تستغني أيضاً عن التمر، العصائر الخاصة برمضان، الحليب، والفواكه وتكتفي مع أسرتها بصنف واحد فقط على الإفطار. بينما تقترح غنوة وهي (معلمة 27عاماً) بأن يكون الصيام فقط عن الكلام والشتائم.

زيارة صعبة!

يزور شهر رمضان السوريين وهم بأصعب حال مادية منذ عشرة أعوام. يطل شهر الخير عليهم، بزمن وصل فيه سعر لتر الزيت النباتي إلى 8 آلاف ليرة سورية أي ما يعادل 2$. بينما وصل سعر كيلو لحمة الغنم حوالي 25 ألف ليرة سورية في الحد الأعلى ضمن العاصمة، أي مايقارب 6$، وهو يساوي نصف راتب موظف حديث التعيين. أما التمر الذي كان يعد من حلويات الفقير والغني، فسيكون هذا العام للأغنياء فقط بعد أن وصل سعر الممتاز منه إلى 10 آلاف ليرة سورية. وحول هذا الوضع تقول أم محمد: “ماذا سأحضر لأسرتي هذا العام؟ عن ماذا سوف أستغني؟ هذا سؤال أطرحه على نفسي منذ بداية الشهر، وكلما ذهبت لشراء حاجيات المنزل كلما فكرت برمضان وسفرته”. أما عمر (صحفي 35عاماً) فقد حسم أمره بعكس أم محمد وسوف يستغني عن كل شيء يحضر مقلياً، وأي شيء فيه لحومات أو دجاج، وسيستغني عن عزيمة أي شخص لأنها مكلفة كثيراً، أما الحلويات ستغيب عن مائدة العيد وتحلاية الإفطار والسحور، وتكفي “بونبونة أطفال” على رأيه. وقد أشار خبير اقتصادي في تصريح خاص لنا أن الأسعار ارتفعت عن العام الفائت بين 250 إلى 500%، على الرغم من أن أمر ارتفاع الأسعار في رمضان اعتادت عليه الأسواق السورية على حد تعبير الخبير، لكن لأول مرة تصل إلى هذه الدرجة، بشكل يفوق قدرة أصحاب الدخل المحدود على شراء حتى كيلو “حُمص”.

منذ عام!

بقيت التعليقات على مضمون المادة الصحفية تتواصل، حيث تحاول زينة (40عاماً ربة منزل)، أن تطلب من الجميع دعماً لرأيها، فهي تريد أن تصوم يوماً بيوم، بمعنى ألا تأكل يوماً كاملاً وبالتالي تأخذ أجر يومين، وتتبعه” منيح إذا بيكون في مي”، بينما أم حيدرة (50 عاماً ربة منزل)، فتقول إن رمضان شهر الخير يأتي وتأتي معه الأرزاق.

منذ عام تماماً أتى رمضان وأتت معه موجة “كورونا”، وعاش الناس موجة غلاء عنيفة رغم أن سعر الصرف كان حوالي “2000 ليرة سورية” للدولار الواحد، ورغم ذلك كانت الأسواق تشهد ازدحاماً كبيراً، هل يا ترى ستشهد الأسواق ازدحاماً هذا العام! وهنا يعقب الخبير الاقتصادي (الذي فضل عدم ذكر اسمه) أن دخل الأسرة هو الذي يحدد نشاط أو ركود الأسواق حتى إن غصت بالناس، الكثير منهم يذهب لإلقاء نظرة ويعود بدون تسوق. وهناك من يذهب لقضاء الوقت ومنهم مايتحين فرصة إيجاد حاجة تناسب ما لديه من أموال، وحتى لا تبقى الأسعار ودخول أصحاب الدخل المحدود خاصة يسيران في خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، يجب أن تزيد الرواتب على الأقل 100% كي يأكل الناس قوت يومهم دون تكلف أو استعراض للوجبات الرمضانية وغير الرمضانية.

بولترز لأقل مائدة!

كان عام 2009 أحد الأمثلة الرئيسية في مادة التحرير الصحفي، بكلية الإعلام في جامعة دمشق عن المادة الصحفية التي نالت جائزة بولترز، وتحدثت عن غلاء الأسعار في أحد دول أوروبا بمشاركة مثال عن تكلفة “صحن السلطة” حينها والذي كان يصل لحوالي دولار ونصف تقريباً. قالب الهرم المعتدل الذي بدأت به المادة الصحفية حينها، جعل الجهات المعنية في البلاد تعمل لتضغط على الأسواق لأجل جعل “صحن سلطة” أرخص؛ لكن اليوم في سوريا هل ستأخذ المواد الصحفية التي تحدثت عن سعر لتر الزيت النباتي، وذرات الذهب الأبيض “السكر”، وطابور الخبز، وحتى “صحن سلطة الملفوف” أي جائزة وإن كانت للصبر! خصوصاً أن جسم الإنسان حسب إحدى اختصاصيات التغذية (التي رفضت مشاركة اسمها) يجب أن يتزود بمصادر الطاقة الرئيسية التي تعينه على تحمل ساعات الصيام الطويلة ومنها “النشويات، القمح، الذرة، الأرز، البروتين، البيض، الحليب، الدجاج، والخضروات.” وبحسبة بسيطة لطبق شبه يومي على موائد السوريين فإن تكلفة طبخة الأرز لعائلة مكونة من 5 أشخاص حوالي 4000 ليرة سورية، وهي سعر كيلو الغرام الواحد من الأرز ذي النوعية المتوسطة. وتشير اختصاصية التغذية أن هناك بدائل مثلاً عن البروتين الحيواني، ” الفول، الحمص، العدس، الفاصوليا”، لكن وصل سعر كيلو الحمص المطحون في العاصمة إلى 5000 ليرة سورية، وسعر صحن البيض ما بين 6000 و8000 ليرة سورية حسب سعر الصرف. ووفقاً لهذا الظرف الصعب فحتى البدائل ربما أصبحت للأغنياء فقط، وربما يجب أن يبحث الصحفيون عن أقل مائدة طعام تكلفةً في رمضان السوريين عام 2021، ليحصلوا على “بولترز”!

ماذا بعد!

ويتساءل المر ماذا بعد! فالسؤال المفتوح  اليومي الذي يسأله السوريون منذ ارتفاع سعر الصرف فوق 4000 ليرة سورية “لوين رايحين”، خاصةً مع عدم قدرة الجهات المعنية على ضبط الأسعار. ويجيب الخبير الاقتصادي أنه لا حل في الأفق إلا إذا،  تم تحديد سعر الصرف أولاً، وتوفير المواد المستوردة بما بكفل حاجة الأسواق، وعدم ازدواجية الضرائب ومضاعفتها، ووضع سعر موحد للسلع يحقق الربح للبائع ويناسب دخل المستهلك، بهذه المعايير تستطيع الجهات المختصة ضبط الأسواق والتجار، وغير ذلك فإن الوضع يتجه للأسوأ.

هل سيبقى الوضع على حاله عند بداية شهر الخير “رمضان”، أم سيزداد الطين بلةً، فإذا استغنى السوريون عن الزيوت النباتية وعاشوا على المسلوق من الخضروات، هل تستطيع الجهات المعنية ضبط أسعار الخضروات! هذه بعض الأسئلة المفتوحة التي يصعب الإجابة عليها حالياً ضمن الظروف الصعبة التي تجاوزت عشر سنوات من الحرب.

مريضات السرطان في إدلب: بين فكي ضعف الخدمات وصعوبة العلاج

مريضات السرطان في إدلب: بين فكي ضعف الخدمات وصعوبة العلاج

تقف الأرملة روعة السلمان (٤٠ عاماً) عاجزة أمام حالة ابنتها سلمى (٩ سنوات) والمصابة “بالساركوما العظمية” وهي نوع من أنواع مرض السرطان الذي يصيب العظام والأنسجة الرخوة، المرض يمتد بجسد ابنتها ولا سبيل لعلاجها بعد أن أغلقت كل السبل في وجه الأم البسيطة.

تقول السلمان بيأس: “الأعمار بيد الله، وقد فعلت ما بوسعي لأساعد ابنتي في الحصول على العلاج لكنني لم أفلح.” وتضيف أنها اكتشفت مرض ابنتها بعد أن راحت تشكو من ألم في قدمها، وبعد فحصها من قبل الطبيب المعالج وتحليل خزعة تبين أنها تعاني من مرض السرطان، وهي بحاجة لعلاج في تركيا، ولكن الأمر لم يكن “بتلك البساطة”، إذ تتطلب آلية تحويل المريض إلى تركيا مراجعة العيادات الخارجية لمشفى باب الهوى ثم الحصول على موافقة الطبيب بعد فحص المريض مع امتلاك المكتب الطبي حق رفض الإحالة التي لا يرغب بدخولها. وقد تكررت محاولات الأم وابنتها لدخول الأراضي التركية للحصول على العلاج المجاني وغير المتوفر في منطقتها إدلب لكنها لم تستطع ذلك بعد رفض إدارة معبر باب الهوى “المزاجية” السماح لها بالعبور.

حال الطفلة سلمى يشبه حال الكثيرات من مريضات السرطان شمال غرب سوريا اللواتي لا يجدن سبيلاً للعلاج من أخطر الأمراض على الإطلاق نتيجة نقص التجهيزات والأخصائيين والأدوية في الوقت الذي تفرض فيه تركيا قيوداً على دخول المرضى لأراضيها، إذ تم تخفيض عدد الحالات المقبولة يومياً من عشر إلى خمس حالات فقط من مختلف الأمراض المزمنة والحروق والحالات الطارئة المستعجلة.

تلعثمت كلمات صفاء الكشتو (٣٥عاماً) وهي تحدثنا عن مرضها حين قالت إن بداية مرضها كانت منذ أكثر من عام حين لاحظت ظهور كتلة تحت إبطها الأيمن، هذه الكتلة تبين بعد التحليل أنها ورم سرطاني وعلى الرغم من إجرائها لعملية استئصال للكتلة فهي عادت للانتشار في أماكن أخرى من جسدها بعد مدة بسيطة من إجرائها العمل الجراحي. حاولت الكشتو إيجاد وسائل للعلاج لكن عدم توفر العلاج الشعاعي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة جعل أمر شفائها “مستحيلاً “، بينما لم تتمكن من دخول الأراضي التركية حالها حال الكثيرات من مريضات السرطان ولا حتى تأمين الأدوية المرتفعة الثمن وفق تعبيرها. تعي الكشتو أن تأخر علاجها سيؤدي بها لمصير مؤلم لكنها لا تعلم سبيلاً لتلقي العلاج بعد أن يأست من الشفاء مع انعدام الحلول المتاحة. وهي تحاول نسيان مرضها لتتمكن من متابعة حياتها، فهي لا تشعر بالألم إلا في لحظات الصباح حين تحاول النهوض من فراشها لتمضي يومها بعد ذلك بشكل طبيعي.

ورغم أن افتتاح مركز معالجة أمراض السرطان في إدلب من قبل الجمعية السورية الأمريكية (سامز) بالتعاون مع مديرية صحة إدلب شكل بارقة أمل لعدد كبير من مرضى السرطان شمال غرب سوريا غير أنه لا يوفر كافة أنواع العلاج لمريضات السرطان.

وعن المركز وعدد الحالات التي تراجعه شهرياً يحدثنا الطبيب ملهم خليل (٣٣عاماً) الأخصائي بأمراض الدم والأورام فيقول إن المركز يستقبل شهرياً أكثر من ٤٠ مريضة سرطان، ٢٠٪ منهن مريضات سرطان ثدي، والبقية تتنوع بين سرطانات الرحم والمبيض والكولون والليمفوما والدم. وأشار الطبيب الخليل لوجود نسب شفاء تام من مرض السرطان بعد الاستفادة الكبيرة من الجرعات الكيميائية والعلاج الهرموني والجراحة التي يقدمها المركز لمريضات السرطان. ويرجع الطبيب الخليل أمر الشفاء لدرجة المرض إن كان درجة أولى أم ثانية أم ثالثة، فكلما كانت مرحلة الكشف عن المرض أبكر كلما كانت الاستفادة أكبر، ويؤكد الطبيب الخليل أن الدرجة الرابعة من المرض قد تكون خطيرة جداً ولا يتوفر لدى المركز العلاج المتمثل بتقديم العلاج الإشعاعي والمناعي أو العلاج الإشعاعي المناعي وهو علاج “مكلف جدا”.

ويرى الطبيب الخليل أنه ليس هناك زيادة في نسبة مرض السرطان وإنما هناك زيادة بنسبة التشخيص لاكتشاف المرض وذلك لسببين غالباً؛ الأول زيادة الوعي لدى الأهالي نتيجة النشاطات التي تعتمدها منظمات المجتمع المدني بضرورة الكشف المبكر عن السرطان من خلال إطلاق حملات توعوية وتوزيع بروشورات وندوات وبرامج إعلامية في الصحف والإذاعات؛ والسبب الثاني هو وجود مركز متخصص ومجاني في إدلب ما دفع المرضى لزيارته والاطمئنان على صحتهم لدى شكهم في وجود أي كتلة أو ورم إذ لم يعد هناك إهمال لموضوع الكشف المبكر عن المرض لدى معظم الناس.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية يعد سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطانات شيوعاً بين النساء في جميع أنحاء العالم وأن نسبة ٪٥ لـ ٪١٠ فقط من حالات الإصابة تكون بسبب الوراثة. بينما يشكل العيوب الجينية إحدى الأسباب أيضاً، وحذرت الأخيرة من أن معدلات الإصابة بالسرطان في العالم قد ترتفع بنسبة 60% على مدار العشرين عاماً القادمة ما لم يتم تعزيز العناية بالسرطان في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وقالت وكالة الصحة الأممية إن أقل من 15% من هذه الدول تقدم خدمات شاملة لعلاج السرطان من خلال أنظمتها الصحية العامة، مقارنة بأكثر من 90% من نظرائها الأكثر ثراء.

سارة السعيد (٤٥عاماً) كانت ممن حالفهن الحظ لدخول الأراضي التركية والعلاج في مشافيها بعد إصابتها بسرطان الثدي منذ ثلاث سنوات، تقول السعيد أن الاهتمام بمرضى السرطان تراجع في تركيا في السنوات الأخيرة ولم يعد المريض يلقى الاهتمام والعناية بذات السوية السابقة: “فالمواعيد أصبحت بعيدة تحت حجة كورونا تارة والازدحام تارة أخرى إلى جانب منع دخول مرافقين مع المريض لمن هم فوق الثمان سنوات، الأمر الذي يزيد معاناة المرضى وخاصة كبار السن الذين يحتاجون لوجود أشخاص بالقرب منهم.” ودعت السعيد إلى دعم المشافي والمراكز الطبية في الشمال السوري ورفدها بالمعدات والأجهزة والأخصائين ومراكز التحليل والكشف المبكر عن السرطان لضمان إبقاء مرضى السرطان هناك وعدم تحملهم مشقة السفر والأعباء المالية الكبيرة للدخول إلى تركيا والعلاج فيها بعيداً عن عوائلهم وذويهم.

لعلني محظوظة: ذكرياتي مع الخوف السوري والحدود

لعلني محظوظة: ذكرياتي مع الخوف السوري والحدود

ثمة مواقف لا يمكن نسيانها وقد تبقى مطمورة في الذاكرة لسنوات لكنك تشعر أنها تزداد ثقلاً وضغطاً على أعصابك وترغب أن (تبق البحصة) كما يقولون.

عندما كنت أعيش في سوريا، كنتُ أسافر كثيراً إلى بيروت لأنني أطبع كتبي فيها ولأنني أعشق بيروت ولدي صداقات كثيرة هناك. وكنتُ أسافر من حدود العريضة (الحدود السورية اللبنانية بين اللاذقية وطرطوس أي الساحل السوري والحدود اللبنانية). وذات يوم كنت مسافرة إلى بيروت حيث كان لدي موعد مع السفارة الفرنسية لتقديم طلب فيزا إلى فرنسا لزيارة أهلي (كلهم في باريس)، وبصعوبة بالغة حصلت على الموعد (كان قد رُفض لي طلب سابقاً)، وككل سوري كنت أشعر بالرعب ما أن يصل التاكسي السوري الذي يضم الركاب إلى حاجز الأمن السياسي قبل الحدود بأمتار قليلة، كان الحاجز يسمى حاجز أبو (ع)، وكان السيد (ع) يُروع السوريين السائقين والركاب، وكل فترة يتحفنا بقرار لا نعلم سببه وهل هو قرار أصدرته الحكومة أن للسيد (ع) مطلق الصلاحيات لإصدار القرارات التي يريد دون أية محاسبة أو حتى محاولة للفهم. كان يوماً شتائياً من عام 2013 وكنت وحدي مع السائق (في ظروف المأساة السورية لم يكن أحد يسافر إلى لبنان إلا لموعد مع طبيب أو موعد مع سفارة، ولكن السائق اللطيف لم يقبل أن يأخذ مني مبلغاً كبيراً ارتضى أن أدفع أجرة راكبين فقط، وأخذ يشكو بأن سفرياته إلى بيروت قليلة جداً، ووصلنا حاجز الأمن السياسي المُرعب ورغم إيهام نفسي أنني متماسكة ولا مبالية ولست خائفة؛ فما أن طلب السائق هويتي وأعطيته إياها واتجه إلى المبنى شديد البؤس للأمن السياسي، حيث يحتشد باقي السائقين وهم يحملون هويات الركاب، ويدخل كل بدوره إلى المبنى حيث يستقبله عدة عناصر أحدهم جالس على كرسي وأمامه طاولة عتيقة ودفتر كبير جداً يسجل فيه اسم صاحب الهوية وكل المعلومات في الهوية. وجدتني أسحب سيجارة من علبة دخان السائق وأبدأ التدخين (وأنا لا أطيق التدخين). لجمت عقلي الذي سخر وأشفق علي ليثبت لي كم أنا خائفة. فالخوف السوري هو خوفٌ خام نرضعه مع حليب أمهاتنا. نُروع أطفالنا بقصص معتقلي الرأي الذين قضى بعضهم سنوات طويلة في السجون وبعضهم قُتل.

غاب السائق طويلاً في مبنى الأمن العسكري وبدأت دقات قلبي تتسارع ونزلت من السيارة وأردت دخول المبنى فمنعني عنصر موظف أن أدخل. وأطل السائق بوجه مكفهر مذعور وقال لي: “آسف دكتورة ممنوع تسافري إلى بيروت.” صُعقت وسألته: “لماذا؟” اعتقدت أن أحد كتبة التقارير كتب بي تقريراً، لكن السائق أخبرني أن كل السيارات التي ستسافر عن طريق العريضة ممنوعة من عبور الحدود وأن ثمة قراراً أصدره السيد (ع) بأن عليهم العودة من حيث أتوا وإن لم يعجبهم القرار يمكنهم السفر عن طريق معبر الدبوسية (أي المعبر الحدودي بين حمص ولبنان)! وتساءلت لماذا إذلال الناس بهذه الطريقة وهم من سكان الساحل، ولم عليهم إضاعة ساعات من وقتهم ومالهم حتى يصلوا إلى حمص ومعبر الدبوسية! لا يمكنك أن تسأل أبداً في سوريا خاصة المسؤول عن الأمن السياسي، ولا أعرف كيف امتلكت شجاعة التهور وخطفت هويتي من يد السائق وقلت له سأقابل السيد (ع)، فرجاني ألا أفعل وأن هذا خطر علي، لكنني كنت كالصاروخ مندفعة تجاهه. ورغم أن عدة عناصر من الأمن حاولوا منعي إلا أنني أصريت أن أقابله واقتحمت غرفته شديدة البؤس المؤلفة من أريكة عتيقة ومكتب صغير. كان لدى السيد (ع) عدد من الزوار الرجال، وكان منهمكاً في سحق عدة بيضات مسلوقات في رغيف خبز ووضع شرائح البندورة فوقها، وخلف مكتبه كانت صورة الرئيس تحتل الحائط. جلست قبل أن يقول لي “اجلسي”، ونظر إلي بدهشة وقال غاضباً: “خير!” شرحتُ له أن لدي موعداً مهماً في السفارة الفرنسية. فقال: “ألم يقل لك السائق ممنوع السفر ألم تفهمي الكلام هل أعيده ثانية!” وجدتني بحالة من الارتباك والتشوش الذهني ولا أدري ما الذي دفعني لأخرج بطاقتي بأنني اختصاصية في طب العيون ووضعتها على مكتبه دون أن أنطق كلمة واحدة. وفيما هو يمضغ سندويشة البيض، أمعن النظر في بطاقتي وأجفلت حين انتفض واقفاً وقال وهو يبتسم لي: “عيني ربك، عيني ربك أنت طبيبة عيون مثل السيد الرئيس.” ومسح يده اليمنى بقميصه ومزق قصاصة ورق من دفتر أمامه وكتب أنه مسموح لي بالسفر إلى لبنان وأعطاني القصاصة، لكنه أصر أن أشرب فنجان قهوة، وخفت أن يتراجع عن رأيه فقبلت دعوته تحت الإصرار. كنتُ أمسك فنجان القهوة بيد مرتعشة رغماً عني وباليد الأخرى أطبق بكل عزيمة وقوة على قصاصة الورق التي تسمح لي بالسفر إلى لبنان، وأثناء حديثنا اكتشفتُ أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة رائعة، وأخبرني أنه قضى سنوات في فرنسا وأنه أحب فرنسية لكنها ماتت بالسرطان ويفكر أن يكتب قصة حبه العظيمة.

لم يصدق السائق أنني نجحتُ بإقناع من تتقصف الفرائص رعباً لمجرد ذكر اسمه السيد (ع) بالسماح بسفري لبيروت. وسألني: “شو عملتي دكتورة، كل السيارات لم تمر وكلها عادت من حيث أتت، فماذا فعلت؟”. أخبرته: “لم أفعل شيء لكن أنا محظوظة.” أصر السائق وسأل: “كيف يعني محظوظة؟” قلت له: “لا تكثر من الأسئلة لنعبر الحدود بسرعة لو سمحت.” ولاحظتُ أن السائق صار ينظر إلى بارتياب وحذر ولم يعد ينطق حرفاً. ورغم أني أسافر معه دوماً إلا أن السائق صار يخشاني، ربما لاعتقاده أنني أعمل مع أجهزة الأمن ومع السيد (ع).

هذه الحادثة التي أردت التقليل من قيمتها ودفنها عميقاً في ذاكرتي لطالما أيقظتني ليلاً لأسترد تلك اللقطة اللامعقولة (عيني ربك أنت طبيبة عيون مثل السيد الرئيس). وكنتُ أحس بألم وخزي وأنا أستعيدها وأتساءل أين العدالة! صحيح أنني فرحتُ عندما سمح لي السيد (ع) بالعبور إلى لبنان، لكن كان فرحي مجللاً بالخزي وأنا أرى العديد من السيارات ممنوعة من العبور وتعود أدراجها. السيد (ع) الذي يعرف الجميع أنه بقي لأشهر يمنع كل سوري من إدلب من دخول لبنان لأن أخاه استشهد في إدلب. السيد (ع) الذي كان يتلقى أفخم الهدايا من السائقين.

فرحنا نحن السوريين له طعم الحزن والقهر. الخوف السوري حالة تستحق الدراسة النفسية العميقة. أظن أنني محظوظة لأنني كنت محتارة بين اختصاصين، الطب النفسي وطب العيون، ولم أعلم أن اختياري لطب العيون سيكون كخاتم سليمان.

نصف حوالات السوريين إلى الخزينة الحكومية

نصف حوالات السوريين إلى الخزينة الحكومية

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

تُشكل الحوالات المالية مصدراً أساسياً للدخل الشهري لكثير من الأسر السورية التي تعتمد عليها لتأمين احتياجاتها المعيشية في ظل انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، إلا أن المعاناة تلاحق المواطن السوري حتى في استلام الحوالة المساندة التي يتلقاها من أقربائه في الخارج اذا أراد استلامها من خلال شركات الصرافة والتحويل المرخصة رسمياً أو حسب سعر الصرف الرسمي في ظل الإجراءات المتخذة لتقيد التحويل.

تُعد الحوالة المورد المادي الوحيد التي يحمي صاحبه من العوز بالنسبة لأشخاص كُثر داخل سوريا، كحال ماريا (41 عاماً) التي تسكن هي وشقيقتها في منزل مستأجر، وتشكل الحوالة المالية التي تتلقاها من أخيها المتواجد في ألمانيا السند الحقيقي في الفترة الراهنة حسب تعبيرها. تتحدث ماريا عن وضعها: “أعتمد بشكل كلي في تغطية نفقاتي على المبلغ الذي أتلقاه في بداية كل شهر من أخي الذي هاجر بسبب ظروف الحرب لأن المورد أصبح شبه معدوم، ليس لدي أي نوع من المدخول و لو أن الحوالة غير موجودة لا أعرف ماذا كنا سنفعل، أحاول الاقتصاد قدر الإمكان في النفقات وتدبير الأمور بحكمة لكي يكفي المبلغ لنهاية الشهر”.

وتوضح ماريا طريقة حصولها على الحوالة: “نتعامل مع أشخاص حيث يتم تحويل المبلغ بصورة غير رسمية وإرساله باليورو واستلامه بالليرة السورية، ويُحتسب المبلغ حسب سعر السوق السوداء مع أجور تحويل بين 3-5 في مائة، وهذه هي الطريقة الأنسب حتى لا أخسر جزءاً كبيراً من المبلغ بسبب القرارات العبثية التي يضعها أصحاب القرار لسلب مساعدات الناس من أقاربهم”.

من جانبها دانيا (26 عاماً) وهي خريجة كلية الحقوق تقول: “مجال دراستي يتطلب إذا دخلت المحاماة التدريب لمدة سنتين بشكل غير مأجور لذلك ليس هناك وارد مادي بشكل نهائي، أحصل على حوالة شهرية 400 ألف ليرة أحاول من خلالها تغطية المصاريف الشخصية، في الفترة الراهنة من له شخص خارج سوريا قادر على دعمه مادياً هو الشخص الذي يستطيع الشراء وتحريك السوق.”

وأضافت دانيا: “وضع الحوالات حساس في الفترة الراهنة فإما ارسال الحوالة بالطرق الرسمية وهذا يعني خسارة نصفها، فاستلام الحوالة يكون إما في الشركات الخاصة التي تسلم المبلغ على سعر 2200 ليرة سورية للدولار الواحد في حين السعر الحقيقي يصل لحد 4400 ليرة سورية بمعزل عن أجور التحويل التي تقارب 10 بالمائة من المبلغ الإجمالي، أو الاعتماد على أشخاص تعمل في هذا المجال وأجدها خطيرة لأني لا أعرفهم بصورة شخصية، لذلك نعتمد على استلام الحوالة المالية عن طريق الأقارب لاعتبارهم أضمن،  فترسل كأمانة مع شخص يكون في زيارة إلى دمشق”.

السعر الرسمي يبدد موارد مهمة للعملة الأجنبية

المسؤولية تقع على عاتق المصرف المركزي لإيجاد آلية يوحد من خلالها السعر مع السوق السوداء لتعود الثقة ويتم التحويل بالطرق الرسمية حسب ما أوضحت الدكتورة منال شياح وهي دكتورة في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق وأضافت: “لاشك أن الحوالات المالية تشكل دعامة وإفادة للبلد ولكن ما يحدث على أرض الواقع أنه عندما يتم التحويل المالي إلى سوريا يتم التحويل بالسعر الرسمي ويصل إلى الناس بصورة أقل بكثير من السوق السوداء، لذلك معظم الحوالات لا تدخل بصورة رسمية وإنما بالطرق غير المباشرة أو التهريب، لذا يجب إيجاد آلية لرفع سعر الصرف الرسمي أو إحداث مقاربة في سعر الصرف بالنسبة للحوالة، لكي لا تهرب الناس من التحويل الرسمي، وبالتالي يبدد موارد هامة من العملة الأجنبية”.

تشير الشياح إلى الفوارق الكبيرة في أسعار الصرف: “سعر المصرف المركزي لدولار الواحد 1250 ليرة، السعر الذي يصل للمواطن عن طريق شركات الحوالات الخاصة 2200 ليرة سورية، والسعر في السوق السوداء ما بين 4400 و 3700 ليرة للدولار الواحد مما يجعل الفوارق كبيرة جداً، لذلك يعتمد المواطن على طرق مختلفة مثل التحويل عن طريق المبادلة بين الأقارب في خارج وداخل سوريا، أو عن طريق أشخاص تمتهن تحويل الأموال بين البلدان حيث يتم دفع المبلغ بالعملة الأجنبية في الخارج ويصل بالليرة السورية حسب سعر الصرف في السوق السوداء، وفي كلتا الطريقتين القطع الأجنبي لا يدخل سوريا ولا يستفيد منه البلد بصورة نهائية، ويتم اللجوء لها لتفادي السعر الرسمي القليل والخسارة الناتجة عنها.”

قرارات المصرف المركزي غير صائبة

وعند الاستفسار عن أسباب عدم اتخاذ أي إجراء برفع سعر الصرف المركزي لتتمكن الناس من الإرسال عبر الشركات الرسمية، أشارت الدكتورة الشياح إلى أن: “ارتفاع سعر المصرف المركزي إقرار بانهيار الليرة السورية، وفي الحقيقة الانهيار الاقتصادي حاصل ولكن الكثير من المسؤولين وأصحاب القرار ليس لهم مصلحة برفع سعر الصرف لأنهم مستفيدون بشكل كبير. حالة الشلل الاقتصادية مرتبطة بالفساد المنتشر، سنبقى نعاني إلى أن نتخلص من الفساد، كل يوم نسمع بقضية فساد بمليارات، عندما نتخلص من الفساد ستكون القرارات الصادرة عن البنك المركزي صائبة وفي مصلحة البلاد”.

كما تشير الشياح إلى ضرورة رفع إجازات الاستيراد لـ 2500 ليرة وتوضح: “بين سعر المركزي وسعر السوق يوجد فرق 3500 ليرة فهؤلاء الأشخاص مستفيدون كثيراً لذلك يتم وضع عراقيل لكي لا تذهب الأرباح الطائلة التي يحصلون عليها. الفساد والاحتكار هما المعياران للحصول على إجازات الاستيراد لسلع أو مواد معينة في  سوريا، فالاستيراد يكون على سعر الصرف 1250 ليرة والبيع على سعر 4500 ل.س وبالتالي تحقيق أرباح هائلة ليس من مصلحة المستفيدين من رفع سعر المصرف المركزي، فجميعهم أصحاب سلطة وبمكان صنع قرار.”

تجاوزت نسبة الفقر في سوريا 90 في المائة وحالة الشلل في الأسواق كبيرة، فالدعم عن طريق الحوالات يشكل طوق النجاة لكثر، نسبة الأشخاص التي تعتمد على الحوالات في نفقاتها تُقدر بحوالي 30 في المائة من السكان. يجب اتخاذ قرار برفع سعر التحويل في مجال الحوالات، وخاصة أنها مصدر موثوق بالنسبة للمواطن تفادياً لحالات النصب التي تحدث وللاستفادة منها في اقتصاد البلاد، وكذلك تعديل تسعيرة إجازات الاستيراد وخاصة أن الاستيراد للتجار يتم بسعر المركزي ويحصل عليه المواطن بسعر السوق السوداء، على عكس الحوالات التي ترسل له بالعملة الأجنبية ويستلمها على سعر الرسمي و يبقى المواطن الفقير هو الخاسر دائماً.