في الحادي والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) عام 2019، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قانون سيزر – قيصر، الذي بدأ تطبيقه اعتباراً من يوم أمس في السابع عشر من حزيران) يونيو)، القانون يحمل اسماً يُنسب لشخص ما يزال مجهول الهوية، يُقال إنه خرج من سوريا، ولاحقاً، سرب آلاف الصور التي قيل عنها إنها صور لــ “ضحايا تعذيب” في سوريا.
بنود القانون تخبر عن قسوتها، وعن إجراءات ضمن حزمة عقوبات أشد من كل سابقاتها، فهذه المرة يعتبر القانون أن مصرف سوريا المركزي هو مؤسسة مالية رسمية هدفها غسل الأموال، وكذلك فإن هذه العقوبات ستطال كل دولة أو شخص يقدم أي من أنواع الدعم المالي أو التقني أو اللوجستي أو سواهم، للحكومة السورية، أو أي شخصية سياسية سورية. وتتضمن هذه العقوبات توفير القروض الخارجية وخطوط ائتمان التصدير، ما يجعل من سورية في عزلة من الناحية النظرية، إذا ما وجدت، كما وجدت خلال كل أعوام الحرب طرقاً عدة للالتفاف على العقوبات المقررة. ولكن يبدو أن العقوبات هذه المرة ستحاصر الحكومة أكثر من أي مرة سابقة؛ وسيحاصر القانون المدنيين أيضاً، فهو يمنع أي أحد من توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا للسوريين، ومعه منع تقديم أي دعم يهدف لتوسيع الإنتاج المحلي سواء في الغاز الطبيعي أو النفط وسواهما.
لا شك، إذن، أن حزمة العقوبات هذه ستحاصر البلد، أكثر مما هي محاصرة، ولكن هذه المرة لن تكون على الحكومة لاعتبارات سياسية فقط، إنما ستحقق تجويعاً إضافياً لسوريي الداخل، على ما يقوله خبراء اقتصاديون ومطلعون على بنود الملف وتأثيراته، فهذه المرة ستطال العقوبات كامل الاقتصاد السوري المنهك أساساً، والذي بات، حتى، قبل تطبيق هذا القانون، غير قادر على تلبية احتياجات السوق المحلية.. أما سياسياً فيبدو الأمر أنه تعزيز لمحاصرة الموقف الحكومي السوري، الذي حاولت روسيا دعمه في الأسابيع الماضية، عبر تفعيل البروتوكول رقم /1/ الذي يتيح لها توسيع استثماراتها في سورية.
قيصر دخل حيز التنفيذ
في لقاء مع وزيرة الاقتصاد والتجارة السابقة في الحكومة السورية، “لمياء عاصي” أكدت أن هدف الولايات المتحدة من إصدار قانون قيصر، هو تشديد الضغط على سورية في محاولة لتغيير موقفها وتحالفاتها: “العقوبات الأمريكية على سورية ليست جديدة بل تعود لعام 1979، وبعد 2011 شددت واشنطن عقوباتها واستهدفت مؤسسات عامة وخاصة وشخصيات من المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال بتهمة أنهم يقومون بمساعدة الحكومة السورية من خلال أعمالهم”. وتضيف: “قانون سيزر يحتوي على بند جديد وهو استهداف الأشخاص والشركات الأجنبية ممن يساعدون سورية سواء في تأمين احتياجاتها التقنية في مجالات النفط والغاز والطاقة أو الشركات التي تبرم عقود لإنجاز أي مشروع متعلق بإعادة الإعمار”.
عاصي تعتقد أن الالتفاف على العقوبات ما زال ممكنا ومتاحاً، وذلك عبر الاعتماد على الحلقات الوسيطة في ملفي الاستيراد والتصدير، مشيرةً أن الكلفة ستكون عالية على الشعب السوري أولاً.
ورغم أن القانون رافقه ما رافقه من تهويل إعلامي، ولكن الأمر قد يكون بمثابة فرصة ذهبية لسورية في إطار العودة إلى الاعتماد على الذات، سيما في مجال المنتجات الزراعية والصناعية. وتشير “عاصي” هنا إلي ضرورة التركيز على نقطتين أساسيتين: تتعلق النقطة الأولى باعتماد السياسات “الحمائية”، كبديل عن الانفتاح التجاري، مقابل الحرب والعداء الذي تفرضه أطراف دولية على سورية، مضيفة: “لا يمكن إكمال مشروع الإصلاح الاقتصادي وما سمي بــ “اقتصاد السوق الاجتماعي”، وبالتالي فإن الاعتماد الأساسي سيكون على الإنتاج المحلي في الزراعة والصناعة، وهذان القطاعان يمثلان (الاقتصاد الحقيقي)، وهذا ما سيرفع الناتج الإجمالي المحلي ويحسن دخل الفرد”. أما النقطة الثانية بحسب عاصي، فهي تتطلب الانضمام إلى اتفاقيات تبادل تجاري مع دول حليفة للموقف الرسمي السوري، وتشير إلى أن: “كثيراً من الدول بدأت بالخروج من سيطرة الدولار كعملة للتجارة الدولية مثل الصين التي أنشأت صندوقاً للتبادل التجاري بالعملات المحلية مع دول آسيا”، وتردف عاصي أن كثيراً من الدول مثل كوبا وغيرها تمكنت من التعامل مع العقوبات لتقليل آثارها.
انهيار العملة ما قبل قانون قيصر بأسابيع
قبل تنفيذ قانون سيزر انهارت الليرة السورية بنسبة ٢٠٠% منذ بداية ٢٠٢٠، قبل أن تعود للتحسن مؤخراً. وبما أنها ليست المرة الأولى التي تعاقب سوريا، ، توضح الوزيرة السابقة “لمياء عاصي” الأسباب العديدة التي تجعل تطبيق سيزر مختلفاً، أهمها التهويل الذي صاحب القانون، وكذلك الأزمة المالية/المصرفية في لبنان، ويضاف لذلك المضاربة من قبل عدد غير قليل من التجار، الذين راحوا باتجاه تحويل أموالهم إلى دولار، وتقول عاصي: “بالطبع هذه الرغبة، مصدرها الخوف من القانون، وبناء عليه تم طرح كميات كبيرة من العملة السورية مما أدى إلى هبوط قيمتها بشكل كبير، وتفاقم الأثر السلبي والنفسي لتدني سعر الصرف بدخول مضاربين في محافظة إدلب والشمال السوري (قسد) وغيرها، وبالتالي فإن انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية كان له انعكاس سلبي قوي على أسعار كل السلع ولاسيما الغذائية والأساسية والدوائية للمواطنين وأدى إلى ارتفاعها بشكل منفلت إلى حد كبير”.
حلم إعادة الإعمار بعد قيصر
لا شك أن التحديات التي تواجه السوريين اليوم غير قليلة، وربما أهمها ما يتعلق بالحياة المعيشية، المتأرجحة بين الأسعار من جهة، وتدني الدخل من جهة ثانية، وما يلحقهما من فوارق جوهرية تتعلق برؤية كل منهم للمستقبل ومعه (إن أمكن) الاتفاق على أجندة موحدة لأولوياتهم، وتالياً البحث في كيفية إدارة مواردهم المحلية بكفاءة عالية، على الأقل، لتناسب الضغوط التي تواجههم، وتقول عاصي في الإطار: “هذا يتطلب منهم محاربة الكثير من الظواهر المستشرية في المجتمع، مثل التهريب والاحتكار والفساد وغيرها، تلك القضايا تعيث خراباً بالاقتصاد السوري أكثر من العقوبات أيا كان شكلها”، وتكمل: “إن الهدف الأساسي من قانون قيصر وقبله العقوبات الأمريكية والأوروبية هو تكبيل إرادة الشعب السوري وبالطبع هذه العقوبات سيكون لها تأثير على مشاريع ومرحلة إعادة الإعمار، ولكن الشعب السوري الذي عانى كثيراً من العقوبات الغربية لا يمنعه قانون قيصر وغيره من الاستمرار في عملية إعادة إعمار بلده”.
أثرياء الحرب والتفاوت الطبقي
أفرزت ظروف الاقتصاد والعمل غير الشرعية في الحرب، طبقة من أثرياء الحرب الجدد، هؤلاء الذين اكتنزوا ثروات طائلة، ولا شك أنهم – قانونياً- متورطون بالكسب غير المشروع، وذلك كله في ظل غياب فعلي للمحاسبة، وفي أفضل الأحوال محاسبة صورية، أو دفعهم لمد السوق بمبالغ مالية، عسى أن تفعل شيئاً في دعم الاقتصاد، خارج مكتسبات اشتعال الحرب وسيطرة الفساد.
وفي العودة إلى بداية الملف، تحديداً قبل 14 عاماً، توضح عاصي: “بدأت الفجوة بين الأكثر غنى والأقل دخلاً تزداد بشكل كبير وملحوظ بعد البدء بتطبيق ما سمي باقتصاد السوق الاجتماعي عام 2006 مع بداية الخطة الخمسية العاشرة التي احتوت على الكثير من الأمور الاقتصادية التي تهدف إلى رفع كفاءة الاقتصاد الوطني”، وتكمل: “ولكن ما طبق من برنامج التحول كان الجزء المتعلق بالتحرير التجاري، وكان في مصلحة التجار والمستوردين المتنفذين بينما شرائح واسعة من صغار المنتجين وأصحاب الورش الصغيرة أغلقوا ورشاتهم وتحولوا إلى مستوردين بينما العمال تحولوا إلى متعطلين عن العمل، كما عانى الفلاحون وقاطنو الأرياف بشكل عام من قلة الفرص التنموية وبؤس الحياة المعيشية”.
تالياً، ساهمت الحرب بتكديس الثروات في أيدي فئة معينة سواء من الأثرياء التقليديين أو الجدد، ليزداد عمق الهوة بين قلة غنية وغالبية فقيرة ازدادت بؤساً بعد سنوات، “حيث أدت العمليات العسكرية والإرهابية والتخريبية إلى تدمير البنى التحتية والأحياء السكنية والتجارية في كثير من المناطق والى استنزاف الموارد وشحها، إضافة إلى نهب الثروات الباطنية (النفط) الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا واستهداف المحاصيل الأساسية مثل القمح الذي يتم إحراقه للسنة الثانية”، بحسب عاصي.
إذن، فإن كل ما سبق أدى إلى ارتفاع معدل الفقر والبؤس بين السوريين، ثم جاءت العقوبات ومنها سيزر لتزيد الطين بلة وتجعل حياة الناس أكثر صعوبة وبؤساً سواء بزيادة تكلفة المواد التي يستهلكونها أو بفقدان الكثير منها من أسواقهم في ظل دخولهم الثابتة التي باتت لا تلبي معظم احتياجاتهم الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
وتختصر جملة “البقاء على قيد الحياة” سقف حلم السوريين الذي تجاوزوا بنسبة 83% تحت خط الفقر، بحسب احصائيات دولية، هؤلاء الناس تعبوا، وملوا، وما عادوا يريدون تحليلات اقتصادية، واجتهادات سياسية، جل ما يريدون، حياةٌ كريمة، أكبر أحلامها، ألا يناموا فيها جائعين.
طغا التخبط الاقتصادي الذي يعيشه السوريون في هذه الفترة على كل ما عاشوه خلال سنوات الحرب التسع الماضية. ولاسيما مع الإجراءات الحكومية المتخذة لتفادي انتشار جائحة كورونا، ومما فاقم الأمر سوءاً انهيار قيمة الليرة السورية وتصاعد سعر صرف الدولار إلى عتبة 2700 ليرة سورية؛ فأصبحوا تائهين فيما سيؤول إليه الحال بعد كل هذا التدهور المعيشي. ترافق تصاعد صرف الدولار مع إغلاق عشرات المحلات التجارية لعدم ثبات أسعار المواد، وعزوف الموظفين عن الذهاب إلى العمل الذي لا يسمن أو يغني عن جوع.
تقول (هادية 38 عاماً، موظفة في وزارة التربية ولديها طفلان): “كيف لمواطن يتقاضى متوسط دخل 50 ألف ليرة سورية ما يعادل (19 دولار) أن يتمكن من تغطية نفقاته المعيشية، ونفقات أطفاله وفواتيره وأجرة منزله، ألغينا الكماليات ونسعى لتأمين الأساسيات ولكن الوضع المعيشي لم يعد يحتمل، ولم نعد نستطيع تأمين أدنى احتياجاتنا كأسرة، الإجراءات الحكومية تمعن في إفقار المواطن والتأطير في المواد المدعومة عن طريق البطاقة الذكية التي فتحت باب جديد للفساد ولإذلال المواطن.” وتضيف: “منذ حوالي الشهرين لا أذهب إلى عملي لأنني سوف أدفع مواصلات أكثر مما سأتقاضى، بدنا فعل ما عاد بدنا حكي بدنا حل ولادنا ماتت من الجوع”.
ويرى الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي ابراهيم العدي أن الموظفين هم الفئة الأكثر تضرراً في الأزمة الاقتصادية، وبما أن الحكومة عاجزة عن ضبط والتحكم بالأسواق والأسعار فيجب عليها زيادة ما تتحكم به وهو الكتلة النقدية (الرواتب). وأضاف التجار بيدهم السلع والخدمات، والحكومة بيدها الكتلة النقدية، وطالما أنها لا تستطيع التأثير في سعر السلع والخدمات، فهي حتماً تستطيع التأثير في الكتلة النقدية، يجب زيادة الرواتب حتى 500% على أقل تقدير وهذا أمر لن يغطي كامل نفقات المواطن، فالهدف ليس تغطية كامل نفقات وانما تحسين الوضع قليلاً، زيادة الرواتب من الممكن أن تدعم فئة محددة في المجتمع وليست حلاً كاملاً للوضع المعيشي وإنما دعم جزئي للموظفين، فالحكومة تتحكم في الكتلة النقدية ومن واجبها زيادة الرواتب.
زيادة الرواتب والتضخم المحتمل
دخلت الأسواق السورية مرحلة التضخم الجامح والبلاد تذهب إلى مرحلة صعبة ولا يمكن التكهن بمدى هبوط الليرة ومتى سيكون الاستقرار، فقد فقدت الليرة السورية أكثر من 10 مرات من قيمتها من 2011 لغاية منتصف عام 2019، و40 مرة إضافية من منتصف 2019 لغاية الآن. وبالتالي فإن معدل التضخم كان لغاية منتصف 2019 بحدود 1000%، وتجاوز في الظروف الراهنة 3000%. بينما يذهب خبراء اقتصاديون إلى أن أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر، وحسب د. العدي: “التضخم هو حالة موجودة وحدثت، زيادة الرواتب يجب أن تحدث لو حدث التضخم، التضخم ليس سببه زيادة الرواتب فقط، وإنما مجموعة عوامل كالعرض والطلب، ونمط الاستهلاك، وسعر الصرف. إن زيادة رواتب هي واحدة من عشرة عوامل، في سوريا يعتبرون التضخم عدواً افتراضياً لا يمكن القضاء عليه، إذا فرضنا زاد الراتب بمعدل 100% التضخم ممكن يبتلع 20 إلى 25 بالمائة وعلى مدى زمني.”
يضيف مستغرباً: “لا أعرف ماذا يقدم المستشارون الاقتصاديون من نصائح للدولة! كل دول العالم التي تحدث فيها حروب تتأثر العملة ولكن عملياً كل دول العالم عندما تزيد الأسعار تزيد الرواتب.” ويكمل: “تجارب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ميؤوس منها، ليس لها دور، لم يكن لها دور في الماضي ليكون لها دور في الحاضر، بعز قوة الدولة الاقتصادية لم تضف شيئاً كانت شكلية لا أكثر، فإذا كانت دولة عاجزة عن التحكم في السوق فيجب أن لا تعجز عن زيادة الرواتب كحد أدنى لدعم المواطن في هذه الأوضاع الكارثية التي يمر بها الشعب..”
الاستغلال أصبح حالة عامة
ارتفاع الأسعار ليس من قبل التجار فقط، وإنما طال جميع المهن الأخرى والمدارس والجامعات والمشافي الخاصة. يقول د. ابراهيم العدي: “فالوضع الطبيعي للعامل في الدولة إن لم يكن فاسداً وصل لمرحلة اللامعقول مع مثل هذه الرواتب وتلك الأسعار، وإذا أردنا النظر حولنا في الحياة اليومية العملية نجد جنون الأسعار طال كل مجالات الحياة من سيارة الأجرة أو عامل صحية أو حتى الأطباء جميعها رفعت أجورها كما التجار، المهن الطبية والتي تعتبر ضرورة للمواطن كمثال بسيط طبيب الأسنان أصبح يتقاضى أجر معالجة السن الواحد 100 ألف ليرة بما يعادل راتب موظف لشهرين كاملين، والمعاينة بلغت عند بعض الأطباء خمسة عشرة ألفاً والتي لا تحتاج أكثر من عشر دقائق، المهن الطبية ومن في حكمهم تجاوزت حدود المعقول”. وحسب تعبير دكتور العدي: “من غير المنطقي أن يتقاضى طبيب ثمن زيارة مريض لعدة دقائق بضعة آلاف في الوقت الذي يتهرب الأطباء من الضريبة بأساليب عدة، لذلك الضبط يجب أن يكون بما يتناسب مع دخل المواطن ليس بما يحصل عليه الأطباء في الدول المجاورة”.
من جانبها “ليلى جمعة” تحدثت عن معاناتها مع أقساط مدارس أولادها التي أصبحت غير معقولة: “هل يعقل قسط إحدى المدارس الخاصة كان في العام الماضي 310 ألف وفي هذه السنة ارتفع 500 ألف ومن عشرة أيام ارتفع إلى 700 ألف، واليوم اتصلوا بنا من الإدارة ليتم إعلامنا أن القسط أصبح مليون ومئة ألف، متسائلة أين الرقابة ووزارة التربية، لم يعد أحد يستطيع دفع كل هذه المبالغ.”
أما الخبيرة الاقتصادية الدكتورة “رشا سيروب” فدعت عبر صفحتها على الفيسبوك لتطبيق المادة /5/ من الدستور السوري التي تنص على: “تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة”، وأضافت ” الوضع لم يعد يحتمل شد وجذب ومسلسلات فيسبوكية”.
الاقتصاد المغلق
يرى الصناعي “عاطف طيفور” أن الاقتصاد المغلق هو الحل فقد اقترح أن يتم إغلاق جميع منافذ التصدير والتهريب، وإغلاق جميع منافذ الاستيراد للكماليات، وعبر بالقول: “كل من يظن أن الوطن بحاجة لقطع أجنبي فهو على خطأ، نحن بحاجة لمنتجات زراعية وصناعية وبحاجة لليرات السورية وبحاجة للذهب والعالم مقبل على جفاف اقتصادي والعملة الوطنية لكل دولة هي الأساس مع اكتفائها الذاتي واقتصادها المغلق، وليس هناك حاجة للتصدير ولكننا بحاجة لاكتفاء ذاتي، وأن يكون التصدير بيد الدولة للمواد الاستراتيجية فقط، وأن يكون القطع التصديري بيد الدولة فقط”، ويضيف: “تتضاعف الاستيرادات كلما ارتفعت نسبة إعادة التصدير والتهريب، كما أن الأسعار تتضاعف كلما ارتفعت نسبة التصدير لأي مادة على حساب الفائض الداخلي، فالوطن بحاجة لفائض من خيراته ومنتجاته.” ويختم “طيفور”: “بدل أن يكون تقشفاً على المواطن، ليكن تقشفاً بالتصدير يفتح ويغلق حسب دراسة أسبوعية وشهرية لكل مادة على أساس توفرها والفائض والسعر المحلي. لا يمكن فرض تقشف وشد أحزمة على فئة بشكل غير مباشر وفتح الأبواب على مصراعيها لباقي الفئات بشكل مباشر.”
مهما كانت الحلول المقترحة لحل الكارثة المعيشية التي يعيشها المواطن السوري، يبقى أثرياء الحرب والفاسدون بقوتهم وجبروتهم وتزايد ثرواتهم بالمليارات التي جنوها من لقمة عيش الفقير، ويبقى الفقير ينتظر بضع آلاف ليرة في نهاية كل شهر والذي لا يستطيع من خلالها أن يمضي يومه إلا بشق الأنفس غير آبه لا بانتشار مرض ولا غيره، فهو الخاسر الوحيد الذي يطبق أسنانه على الحديد راجياً من الله أن يكفيه حاجة العوز.
توقفت وسائل الإعلام السائدة، وإلى حد كبير، عن تغطية الأحداث في سوريا. ولاحظنا هذا في” جدلية“ من خلال انحسار المواد والفقرات في تقريرنا الإعلامي الشهري الذي يغطي التطورات في البلاد. ونجم هذا التغير عن عدة عوامل، أبرزها الفرص المتضائلة، كما يبدو، لسقوط النظام أو هزيمته بعد كانون الأول 2016، بعد أن ساعد التدخل الروسي المباشر النظام في هجومه لبسط سيطرته على مدينة حلب. ونشبتْ معارك ثانوية بعد ذلك التاريخ، وخاصة الهجمات التي قامت بها القوات الأميركية وقوات قسد لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. لكن، عند هذه النقطة، بدأ الحلفاء الخارجيون لعدد من المجموعات المسلحة المعارضة، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر، بالانسحاب من الصراع، واختاروا بدلاً من ذلك الانخراط في حرب إعلامية متكررة على نحو غريب حول الصراع السوري وبعض القضايا الإقليمية الفرعية في الخليج العربي. وفي الوقت نفسه، تهاوتْ على جانب الطريق التحالفات التي كانت مصدر مساعدة معتبرة لمجموعات المعارضة المسلحة. على صعيد آخر، توسّع دور تركيا، بسبب “التنسيق” مع روسيا وإيران، الذي مكّنتْهُ مفاوضات آستانة والعمليات العسكرية المباشرة في شمال حلب وإدلب والرقة والحسكة (درع الفرات وغصن الزيتون وربيع السلام.) ومن خلال هذه الوسائل وغيرها، نجحت تركيا في فرض سيطرتها المباشرة على ما يُدعى بمناطق “المعارضة المدعومة من تركيا”. وفي الاشتباكات الأخير المباشرة مع جيش النظام السوري في إدلب، بدا كأن العمليات العسكرية التركية قد وصلت إلى أوجها. وبعد أن حظيتْ كلٌّ من تركيا والنظام بسيطرة أكبر على المناطق الخاصة بهما، تراجع اهتمام قطاعات الأمن ومراكز الأبحاث في أميركا بالشأن السوري عما كان عليه أثناء ظهور الجماعات ”الجهادية” المتورطة في الحرب داخل سوريا. وبعد الاستيلاء على الرقة انحسرت هذه الاهتمامات الأمنية أكثر، وانحسرت معها تغطية سوريا في وسائل الإعلام السائدة في كل من الولايات المتحدة وبشكل أكثر عموماً. وبعد أن تراجعتْ حدة المعارك صار واضحاً أن السلطات السورية فشلتْ في معالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور. وما زال السوريون يعانون من بؤس شديد وأوضاع أمنية متدهورة. ومؤخراً، أضاف وباء كوفيد 19 عبئاً جديداً على كاهل الشعب والمؤسسات. وفيما تحترق البلاد ببطء وسط تغطية إعلامية منحسرة، يدعو المحررون في صفحة «سوريا» على” جدلية“ (والذين انضم إليهم الآن عضوان جديدان) إلى انخراط نقدي جديد لتناول الأوضاع الحالية في سوريا. وعلى ضوء التطورات الأخيرة، نهدف إلى دراسة مظاهر معينة من مأزق سوريا الحالي، آملين تشجيع المزيد من الحوار والتحليل على صفحتنا. إن ما نطرحه فيما يلي لا يشكل قائمة شاملة “تقيّم” كل شيء حدث مؤخراً في سوريا، ولا يهدف إلى استبعاد مجالات أخرى من البحث، بل يهدف إلى إطلاق حوار مستمر، في محاولة لتسليط الضوء على بعض المواضيع التي نعتقد أنه لا يمكن تجاهلها. تنتهي بعض العناوين بأسئلة، وهناك أخرى فيها أسئلة متضمنة فيها، بعضها أكثر تصريحاً، فيما بعضها الآخر مفتوح. وهي تعكس تعدد وجهات النظر والأساليب التي تجدونها في «جدلية»، وتشكل جميعها مقدمة لتحفيز وإنتاج بحث قائم على الأدلة والتحليل. نطلب ممن يهمه الأمر من المؤلفين أن يشاركونا أفكارهم وموادهم على العنوان التالي: syria@Jadaliyya.com.
روسيا وسوريا
تخلو النقاشات الأخيرة حول تأمين الشركات الروسية لعقود مدرة، أو الاستئجار الروسي طويل الأمد لمرفأ طرطوس، من العمق. ربما كان صحيحاً أن روسيا تسعى إلى عائد اقتصادي لاستثماراتها، لكن أهدافها الأساسية في سوريا جغرا-سياسية، وتنسجم مع اهتمامها بالسيطرة والاستقرار والحصول على موطئ قدم استراتيجي تمارس نفوذها في المنطقة انطلاقاً منه. ويتمتع النظام الروسي بمرونة نسبية في كيفية تحقيق هذه الأهداف، ويمارس قوته من أجل الهيمنة من خلال مقاربة تجمع بين القوة الوحشية والدبلوماسية. فعلى سبيل المثال، بدأ الروس منذ تدخلهم المباشر محادثات مع معظم الفاعلين والقوى في البلاد مبدين رغبة بالتحاور معهم، وحافظوا أيضاً على العلاقات مع جميع البلدان المجاورة لسوريا، ويتميّز هذا عما قام به أي طرف آخر في الصراع السوري. ذلك أن الاستقرار وإنهاء الصراع العسكري يخدمان مصالح النظام الروسي. لكن النظام السوري تعامل بتردد مع هذا الموقف الروسي وقاوم التسوية لإنهاء الصراع. ويرى الجانب الروسي أن هذه التسويات ضرورية لوضع سوريا على مسار إعادة البناء، الذي يفسح المجال للاستقرار والنمو، وفي النهاية، للأرباح. إن البصمة الروسية على الصراع السوري واضحة على المستوى الكلي وأنهت جوهرياً التحديات العسكرية المختلفة ضد النظام، لكنها تقوم أيضاً بالتدريج بإعادة صياغة عدد متنوع من البنى الأمنية والسياسية والاقتصادية في البلاد. لكن هذه العملية ليست متناغمة ولا خطية، بالطبع، ولن تكون بالضرورة ناجحة. ونذكر هنا بعض الاتجاهات والعوامل المعقدة:
١- يمتلك الموقف الروسي سمتين: الدفاع والدولة. ليس سراً أن الافتقار للشفافية في السياسة الروسية الداخلية، كما في أمكنة أخرى، يجعل من الصعب تمييز التفاصيل ومن الصعب إيراد الدليل. ويكفينا القول أنه لدى معالجة مسألة النوايا والنفوذ الروسي، من الضروري أن نضع في أذهاننا الدفع والجذب بين السياسة الداخلية المحافظة والأمن ونزعة المغامرة الخارجية.
٢-إن محاولة روسيا لإعادة صياغة الدولة السورية، وخاصة على مستوى الجهاز الأمني، عنتْ الصراع مع عوامل وقوى جديدة تفضل مواصلة حصاد الفرص والثروات من الحرب على مواجهة لايقين السلام وتسوية الخلافات. ذلك أن الخسائر الجسدية والمادية الفادحة التي منيَ بها النظام السوري أثناء الصراع زادت من ضرورة استتباب الأمن بشكل كامل. وهنا يمكن التعويل على طبقة جديدة من أمراء الحرب وأقطاب الأعمال السوريين والروس من قبل نظام ضعيف، يحاول حماية مصالحه.
٣- على روسيا أن تصارع أيضاً صندوق أدوات الدبلوماسية المحدود للنظام والقيود المؤسساتية، وكلاهما خُرِّبَ بسبب الرفض الطويل للنظام في التعامل سلمياً مع المنشقين. هذا هو الجانب الآخر من جنون الارتياب المستوطن في القمة، رغم قبضة النظام شبه المطلقة على السلطة في المنطقة التي يسيطر عليها. كان جنون العظمة هذا جوهرياً لعمليات النظام منذ أواخر الستينيات، وتوسع في السبعينيات وأوائل الثمانينيات حين واجه التهديد الأكثر خطراً لحكمه قبل انتفاضة 2011.
٤- تثير تعقيدات التحالف الذي يفرضه الأمر الواقع بين روسيا وإيران وحزب الله في الحرب ضد المعارضة تحدياً آخر، وخاصة في امتزاجها مع الحاجة للحفاظ على علاقات قوية مع تركيا وإسرائيل. تمتلك إيران وحزب الله حصصاً استراتيجية في سوريا أكبر من التي تمتلكها روسيا، مما يجعلهما ينفران من مخاطرة الضغط على النظام بما أنهما سيدفعان الثمن الفوري لتغيير النظام أو أي إزعاج مهم له. إن الشاغل الأمني الرئيسي لإسرائيل حالياً هو وجود قوات إيران وحزب الله قرب حدودها. وتزداد قدرة روسيا على تحقيق أهدافها في البلاد من خلال تعقيد المقايضات المطلوبة.
٥- إن التحدي الرئيسي للنجاح الروسي هو الحضور الأميركي في سوريا، كما دلت عليه رغبة الولايات المتحدة للدخول في تسوية مع تركيا. وكان تشكيل منصات سياسية مثل سوتشي يهدف إلى الحد من التأثير الأميركي المباشر على “الصفقة النهائية” في سوريا.
إن التعقيدات والتحديات التي تواجه روسيا في سوريا هي بعض المواضيع القليلة الممكنة للبحث والتحليل في هذا المجال. وتتضمن مسائل أخرى التغيرات الصغيرة على المستوى الجزئي التي تحصل على المستوى الاجتماعي فيما توسع روسيا موطئ قدمها الأمني والسياسي وحتى الثقافي، كما تتضمن أدوار لاعبين آخرين إقليميين ودوليين تتصاعد في الخلفية، وكيف يجب أن تتعامل روسيا وأميركا مع السياسات الخارجية الأكثر عدوانية التي نشهدها لدى قوى إقليمية صاعدة مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وبالطبع إسرائيل التي تواصل اعتداءاتها.
صراع النخبة: قضية رامي مخلوف
في 30 نيسان 2020 نشر ابن خال الرئيس بشار الأسد رامي مخلوف أول فيديو من عدد من الفيديوهات عبر (فيسبوك) كاشفاً عن خلاف داخل الدائرة الداخلية للعائلة الحاكمة في سوريا. لا بد أن شيئاً ما حفز الرئيس السوري كي يمارس ضغطاً كبيراً على ابن خاله البليونير رغم أنه ليس من الواضح لماذا والتخمينات تتكاثر. يقول البعض إن الرئيس يحاول أن يعزز صورته ويعاود تعزيز سلطته من خلال تهميش أحد أعضاء النظام الأكثر فساداً. ويرى آخرون بأن هناك صراعاً على النفوذ بين عائلة مخلوف وعائلة السيدة الأولى، تهدف من ورائه السيدة الأولى إلى الاستيلاء على شركة الاتصالات المدرة التي أغنت مخلوف. ويسلط آخرون الضوء على دور روسيا في إعادة صياغة بنية سلطة النظام، لكن المصالح والبواعث غير واضحة هنا. فالاتهامات في الفيديو الثالث ضد طبقة محدثي النعمة وأثرياء الحرب توحي بأن التنافس بين النظام ونخبة جديدة قد يكون وثيق الصلة أيضاً. لكن آخرين يوردون عوامل اقتصادية أوسع كسبب للتغير، بما أن النظام يحتاج إلى ثروة رامي مخلوف الكبيرة كي ينعش من جديد اقتصاداً دمرته الحرب. ليست هذه التفسيرات والاقتراحات نهائية، بالطبع، ومهما كان الأمر، فإن سياسة هذا التطور المفاجئ واقتصاده السياسي (تم في 19 أيار “الحجز الاحتياطي“ لأرصدة رامي مخلوف) يقتضيان المزيد من الشرح. يستدعيان أسئلة: لماذا رامي مخلوف بالتحديد، وليس “فاسدين” آخرين؟ وما الذي تشير إليه قضية مخلوف بشكل محدد لرعاة سوريين مختلفين وأتباعهم حول مناصبهم ونقاط ضعفهم؟ تحتوي فيديوهات مخلوف على آيات قرآنية، مما أدى إلى موجة تعليقات كثيرة على الإنترنت سخرتْ من تدينه المعلن حديثاً وتصويره لنفسه كضحية. إن شكواه من” التعامل غير الإنساني” معه من قبل أجهزة الأمن التي ساعد في تمويلها، وضغطها عليه واعتقالها لموظفيه، هي إحدى مفارقات كثيرة في الوضع الحالي. وسواء قوربت بشكل ساخر أو في محاولة لفهم ما يشير إليه مخلوف (هل كومة الحطب في خلفية الفيديو تشدد على الطبيعة النارية لفيديوهاته؟)، يستدعي الصراع تأويل سياسات النظام الناشئة في التمثيل. ويثير أيضاً أسئلة حول من الذين يخاطبهم مخلوف؟ وما الذي يفهمه ابن خاله بشار الأسد من هذه الفيديوهات. ينبغي ألا تفوتنا الإشارة أيضاً إلى الأبعاد الدولية لتهميش مخلوف، فيما يتم التنافس بين إيران وروسيا حول أيهما تكون له اليد العليا التي يمكن أنها تلعب دوراً في هذه القضية. و يعتقد البعض أن فصائل داخل بنية السلطة في روسيا تدعم مخلوف ضد الأسد، أو على الأقل تحتاط على رهاناتها. بينما تشك قلة بأن الروس منحازون لبشار مثل نظرائهم الإيرانيين. فضلاً عن ذلك، إن رامي وأفراد عائلته وكثير من مساعديه مستهدفون بالعقوبات الأوربية أو الأمريكية بسبب دورهم في الصراع السوري. في ضوء هذا، فهل من المحتمل أن الخلاف الحالي ناجم عن قانون قيصر لحماية المدنيين الخاص بسوريا؟ إن المظاهر الإقليمية والدولية للانقسام داخل العائلة، وما يعنيه من ناحية المصالح الجيوستراتيجية، وما يمكن أن ينبئ به على صعيد الاستقرار المحلي، وما يقوله لنا عن توزيع غنائم الحرب أو خلق أشكال جديدة من القوة الإمبريالية، موضوعات تتكشف وبحاجة لتحليل. ولهذا ندعو لكتابة مقالات تستقصي صراع النظام مع مخلوف وسط الأبعاد الأوسع السياسية والاقتصادية والسيميوطيقية والإقليمية والدولية التي يضيئها. ندعو الكتاب إلى معالجة موضوع أو أكثر مما هو مذكور أعلاه.
الوضع في إدلب: مسارات مختلفة
لفتت إدلب والمناطق المحيطة بها الانتباه منذ بداية الانتفاضة السورية والصراع اللاحق. وقد أوصلت اللافتات الإبداعية والرسوم الكاريكاتيرية المبتكرة لكفرنبل وعلى جدران سراقب رسائل عن المقاومة والأمل واليأس من خلال الفكاهة والفن. ومؤخراً، وفي أعقاب جريمة قتل جيمس فلويد على يد ضابط شرطة أبيض في مينيابوليس، ظهر فن تضامني ضد التمييز العنصري الممنهج ووحشية رجال الشرطة في المنطقة مع شعار “لا نستطيع التنفس” متحدثاً عن مسائل الاستبداد والقمع وضعف المواطنين عالمياً.
انتشرت مئات المشاغل والمنظمات غير الحكومية ومراكز التدريب لـ”المواطنين الصحفيين”، والشبكات الاجتماعية في المنطقة قبل إغلاق الحدود في منتصف 2015 بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية. ومر ملايين السوريين عبر إدلب هاربين من القصف العشوائي للنظام السوري و(بعد 2015) من القصف الروسي. وإما عثروا على الملاذ في تركيا أو واصلوا رحلتهم المحفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط آملين الحصول على اللجوء في أوربا. ومن المعروف جيداً للسوريين ودارسو السياسة السورية أن قرب المنطقة من الحدود التركية سهّل حركة الجنود والضباط المنشقين الذي شكلوا حركة الجيش الحر في 9 حزيران 2011 وفيما بعد الجيش السوري الحر في 29 تموز 2011. ومنذ 2015 حين وقعت المحافظة تحت سيطرة المعارضة، حكم إدلب عدد من الفصائل المتنازعة، التي حُل كثير منها فيما بعد، لكن اثنتين استمرتا هما هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة (المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة) وأحرار الشام. ومرت المنطقة بتغيرات اجتماعية اقتصادية جذرية سيكون لها تأثير مستمر. ويواصل العنف الإثني والطائفي، والهجرة القسرية، والتغيرات الديموغرافية إعادة تشكيل الملامح الاجتماعية للمنطقة، كما بين اتفاق المدن الأربع في نيسان 2017، الذي قاد إلى تبادل المواطنين (السنة) من مضايا والزبداني في ريف دمشق مع سكان (شيعة) من كفريا والفوعة في ريف إدلب. وحدث التغير الديموغرافي القسري أيضاً في منطقة عفرين الكردية في ريف شمال حلب (على حدود ناحية الدانا قرب مدينة حارم في إدلب في الجنوب)، والتي سيطرت عليها القوات التركية والقوات السورية المتحالفة معها (الجيش السوري الحر)، في 18 آذار 2018. ومنذ ذلك الوقت صارت عفرين الوجهة الرئيسية لقوات المعارضة التي أُجْبرت على مغادرة الغوطة الشرقية، واستقرت مع عائلات سورية أخرى (من العرب والتركمان) في منازل أُخْلي منها سكان مدنيون أكراد. ومنذ أيار 2017 كانت إدلب موضوعاً لاتفاق “خفض التصعيد” بين تركيا وروسيا وإيران. لكن هذه الاتفاقية انتُهكت من قبل أطراف كثيرة، ونجم عن ذلك غارات جوية من النظام والمزيد من تشريد المواطنين. وشُن الهجوم الأحدث، “فجر إدلب 2″، في 19 كانون الأول 2019 وشرد حوالى مليون مدني إلى الحدود التركية قبل أن تفرض اتفاقية جديدة (تم التوصل إليها بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين) وقفاً جديداً لإطلاق النار بدأ في السادس من آذار 2020. وسيطر النظام وحلفاؤه على مدينتين رئيسيتين (خان شيخون ومعرة النعمان) في إدلب مما قلص الرقعة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وجماعات مسلحة أخرى بشكل كبير. ومن المفارقات أن الانتشار العالمي لوباء كوفيد 19 خفف مؤقتاً من ضغط الهجمات الجوية على الناس العاديين الذين كانوا يهربون بشكل جماعي. وبسبب الدور المهم الذي لعبته إدلب أثناء الانتفاضة، بما أن مناطق المحافظة كانت بين “المتظاهرين الأوائل” وكذلك دورها في الحرب واللايقين حول مستقبل المحافظة، ندعو إلى كتابة مقالات تحليلية ونقدية حول واحد أو أكثر من الأسئلة التالية:
1-حول الوباء الكوني: ما هو تأثير كوفيد 19 على السكان المحليين والنازحين في إدلب؟ كيف يتعامل سكان إدلب مع احتمالات تفشي كوفيد 19 في مناطقهم؟ ما هو الوضع الحالي للبنية التحتية والمنشآت في محافظة إدلب؟ كيف تستطيع المنظمات المحلية التعامل مع حالات الطوارئ الصحية في هذه الفترة؟ أية أنواع من الخطابات الدينية والعلمية والكوميدية والقائمة على نظرية المؤامرة تبزع في السياق؟
2-حول الصراع القائم: ما احتمالات صمود وقف إطلاق النار الحالي؟ ما دور تركيا في إدلب وكيف يمكن أن يتغير هذا مع مرور الوقت؟ تاريخياً، لماذا كانت إدلب مركز الجماعات الجهادية والإسلامية المسلحة في 2011-2013 ولماذا فشلت الجهود الأولى لتشكيل جيش حر سوري أكثر علمانية؟
3-حول المساعدة الدولية: ما هو دور المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية في إدلب؟ ما هي إسهاماتها الرئيسية وعيوبها؟ ما الذي نستطيع تعلمه من سياسات المعونة والممارسات على الأرض في السنوات التسع الأخيرة؟
4-حول الاقتصاد السياسي للحرب: ما أهمية إدلب للاقتصاد السياسي للحرب (مثلاً أنشطة المهربين والاتجار بالبشر ولوردات الحرب وأهمية الضرائب والرسوم الجمركية، أهمية باب الهوى ومعابر حدودية أخرى، دور مصادرة الملكية؟ بأية طرق أصبحت الاقتصادات المحلية أكثر اندماجاً في الاقتصاد التركي، في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المدعومة من تركيا، أو المناطق التي يسيطر عليها النظام؟
الإنتاج الثقافي السوري
انتشار الأفلام الوثائقية السورية والاحتفاء العالمي بها، الاقتصاد السياسي الناشئ والمحتوى الاجتماعي للدراما الرمضانية السورية، استمرار الكوميديا التهكميّة في أوقات الاضطرابات، الأنواع المختلفة من التضامن التي تمكّنها الموسيقا، أشكال التجريب الفني في (الأدب والفن المعاصر والأفلام، مثلاً) التي تنتج في المنفى، هذه بعض الموضوعات التي برزت في دراسة الثقافة الشعبية السورية. إن مسائل التمثيل والاستجابة، من يمثل سوريا وكيف يتقاطع السياسي والجمالي، ومنطق الإنتاج الثقافي الحالي يمكن أن تساعدنا على التفكير بشكل أكثر عمقاً بمسائل مثل الذاتية والوجدان والارتباط السياسي. كما أن المجادلات حول تصوير المعاناة البشرية، وحول الديناميات الجندرية للحرب، والطرق التي تتسع فيها الأجناس الفنيّة في مواقف التهجير وإعادة ترسيخ الاستبداد، كل هذه تستحق انتباهاً مجدداً. ويمكن أن نضيف أيضاً استقصاءات صناعة العالم بعد أن أصبحت الأزمة جزءاً من الحياة العادية ولم تعد لغة الهيمنة والمقاومة تبدو ملائمة لهذه اللحظة وللتعبير عن الديناميات التعاطفية والبنيوية لرأس المال أو إغواءات الاستبداد، أو مؤخراً، الحياة في ظل الوباء العالمي وغير المجرب بشكل متكافىء. وهناك مسائل أخرى يشير إليها مفهوم “ثقافة” ولكنها لا تتعلق مباشرة بالتعبير الفني الشعبي تتضمن ما يلي: كيف أعاد الصراع إعادة بناء الأعراف الاجتماعية، وعبر عن الأمزجة وممارسات التفكير الأخلاقي؟ كيف تمت إعادة صياغة أشكال مختلفة من سياسة الهوية (كتلك التي حول الطائفة أو المنطقة أو الهوية السوريّة) في سياق التدخل الإقليمي وتدخل الدول العظمى المستمر؟
عدم الاستقرار
إن أعوام الصراع المحلي والتهجير والبؤس جعلت عدم الاستقرار وغياب الأمن من الوقائع اليومية للسوريين. ويواصل تداخل العنف مع عدم استقرار المعيشة وعواقب وباء كوفيد 19 فرض قيود نفسية ومادية على حيوات الناس اليومية. وبقي الوضع القانوني للسوريين في الوطن وفي البلدان المجاورة غير محلول، وما يزالون خاضعين لحملات الطرد والاعتداء وسوء المعاملة بما أنهم يفتقرون إلى الحقوق التي تضمن لهم الحماية. إن عدم استقرار السوريين ناجم عن تفاعلاتهم مع سلسلة من الفاعلين، من النظام السوري أو المجموعات المسلحة، إلى التدخلات الإنسانية الدولية، وهذه لها تأثيراتها المؤذية. لكن السوريين لا يلعبون دوراً سلبياً في إنتاج عدم الاستقرار هذا. فقد عثروا على طرق كي يتنظموا ضد الأوضاع داخل وخارج البلاد. ويتزامن طلب الأمن والأمان مع بيئة قانونية متغيرة دوماً تهدف إلى الحد من الحقوق والموارد المتوفرة للاجئين وطالبي اللجوء السياسي. وتعني هذه التغيرات المتواصلة أن السوريين يفتقرون إلى المعلومات والتكنولوجيا الضرورية لمعالجة عدم استقرارهم، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى أشكال من التنظيم قادرة على تلبية المطالب الفردية والجماعية الملحة. فضلاً عن ذلك، إن الإنتاج الثقافي السوري يتناول موضوع عدم الاستقرار بطرق حاذقة وغير حاذقة مبيناً كيف يستجيب السوريون لأوضاعهم غير الآمنة ويحاولون فهمها. ويتطلب فهم غياب الأمان وعدم الاستقرار لدى السوريين اليوم فهماً للكيفية التي تؤثر بها الأشكال المتداخلة للسلطة والقوة على حياتهم وكيف يفهمون ويقاومون ويحاولون تخفيف عدم الاستقرار بدورهم. إن بعض الأسئلة التي يمكن معالجتها في هذا السياق تشمل:
1-كيف مرّ السوريون بحالات اللاأمان الجديدة؟ كيف تم العبير عن الصمود؟ ماذا عن الأشكال الجديدة من الاغتراب داخل وخارج البلاد؟ ما هي معانيها الضمنية للسياسة؟
2-إلى أي درجة انخرط السوريون في اقتصاد الصراع، وصاروا أكثر اعتماداً على المعونات والتهريب والأسواق غير الرسمية، إلخ؟
3-كيف تكيفت النساء بخاصة مع التهجير وأوضاع اللاجئين وظروف الحرب في سوريا، وأوضاع أخرى متواصلة من اللاأمان؟ كيف أعيد تصور أدوار الجندر في أوضاع الدمار والصعوبات اليومية؟
إعادة البناء
سرّعتْ التغيرات العسكرية الأخيرة في الصراع السوري لصالح النظام الجدل حول إعادة البناء في فترة ما بعد الصراع. وفي غياب عملية سلام مفروضة عالمياً، رفض المتدخلون الدوليون والدول الغربية تقديم الموارد لانتعاش سوريا وهو ضروري جداً. وقدمتْ روسيا والصين مقترحات متواضعة حول إمكانية الإسهام في عمليات البناء المستقبلية. ولم يطرحْ النظام رؤية بنيوية لإعادة البناء، بصرف النظر عن سلسلة القوانين والسياسات التي تهدف إلى جذب رأس المال الأجنبي إلى البلاد. في غضون ذلك، فإن احتياجات إعادة البناء طويلة الأمد للشعب السوري لم تُعالج حتى في التخطيط للمستقبل، مما فاقم عدم الاستقرار وغياب الأمن والأمان.
لم ينته الصراع بعد، ويواصل لاعبون رئيسيون اتباع استراتيجيات أمنية وعسكرية لكسب القوة والنفوذ. وفشلتْ محاولات الأمم المتحدة (محادثات جنيف واللجنة الدستورية) في تمهيد طريق لإنهاء الحرب. وستتحدى الأولويات المتصارعة للفاعلين الداخليين والخارجيين، والقوى السياسية القمعية المنخرطة في الصراع، ومظالم اقتصادية اجتماعية متفاقمة، ستتحدى أية عملية إعادة بناء شاملة. لقد أنتج الفاعلون الدوليون تقارير سميكة حول ما الذي يجب أن يُفْعل في سوريا على صعيد إعادة البناء، وكيفية القيام به وكيفية تجنب تمكين النظام السوري في الإسهام في عملية إعادة البناء. ونشرتْ مؤسسات مثل البنك الدولي وهيئات مختلفة تابعة للأمم المتحدة، طرقاً جديدة من إنتاج المعرفة مثل التكنولوجيا الجوية والإعلام الاجتماعي، وهي المواقع التي يتم فيها إنتاج المعرفة حول احتياجات إعادة البناء في سوريا. وتنشط بعض الوكالات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي داخل سوريا لكنها محدودة من ناحية العمل الجيلي والبنيوي الذي تستطيع أن تُحدثه. فضلاً عن ذلك، تميل المؤسسات في التعبير عن مشكلات سوريا وحلولها، إلى استخدام مفاهيم مرتبطة بلغة التدخل الدولي، واضعين سوريا في تيارات عالمية، أو ما بعد كولونيالية كما يقول البعض، رائجة حالياً في إعادة البناء بعد الصراع. وبينما تفكر الأسرة الدولية في الكيفية التي تتدخل بها في إعادة البناء في سوريا بصورة مستقلة عن عملية سلام، أصدر النظام السوري سلسلة من القوانين باسم إعادة البناء، بما فيها إجراءات لإعادة تنظيم الملكية، وجذب رأس المال الخاص، وتوليد شراكات عامة خاصة. بتعبير آخر توجد خطة لإعادة البناء، لكن النقاد يقولون إنها معرقلة سلطوياً، وتواجه تحديات إدارية هائلة، وتعتمد على ميزانية كبيرة تفتقر إلى تمويل فعلي. وركزت معظم الجهود حتى الآن على مناطق بقيت تحت سيطرة الحكومة. ويوحي الطور الحالي من الصراع بأن المعارك الداخلية والخارجية ستُخاض على موارد إعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع، وخاصة فيما يواصل النظام السوري ممارساته الإقصائية في فترة ما بعد الصراع من خلال حرف الموارد بعيداً عن بعض المناطق، مانحاً معظم عقود إعادة الإعمار للمنتصرين في الحرب. وفي هذه الأوضاع، ستكون إعادة الإعمار عملية غير متكافئة تخدم كي تعزز قوة الدولة بدلاً من فتح ممر نحو المصالحة. وتتضمن بعض الأسئلة المتعلقة بهذا الموقف ما يلي:
١-ما هي النقاشات الداخلية حول إعادة البناء التي تدور داخل سوريا الآن؟
٢-كيف نصّبَ المتدخلون الدوليون أنفسهم كمنتجي معرفة أساسيين حول إعادة البناء في سوريا؟ وأي نوع من المعرفة يتم إنتاجه في هذا السياق؟
٣-كيف يتم نقاش إعادة البناء في سوريا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
٤-كيف تتسق خيارات إعادة البناء مع محاولات النظام للتقارب مع الدول الإقليمية؟
٥-كيف من المحتمل أن تفتح إعادة الإعمار فرص تضامن بديل، وتتوسع وراء اقتصاد الصراع الحالي؟
٦-أية أنماط من إعادة البناء والانتعاش سيتم توقعها إذا بقي النظام في السلطة؟
إن المواضيع المناقشة أعلاه هي فقط بعض المجالات الممكنة للبحث في سوريا اليوم. وفيما نتطلع لزيادة التغطية المتعلقة بسوريا على صفحاتنا في الأسابيع والشهور القادمة، نود أيضاً أن نلفت انتباهكم إلى عمل ممتاز قامت به شبكة من المتعاونين معنا. فقد نشر المركز السوري لبحوث السياسات (وهو مؤسسة شريكة) مؤخراً تقريراً اقتصادياً اجتماعياً بعنوان” العدالة لتجاوز النزاع في سوريا“. يستند التقرير إلى بحث ميداني مكثف ودقيق تم أثناء السنوات العديدة السابقة وانتظره طويلاً المراقبون والمؤسسات الدولية التي تعتمد على مركز أبحاث السياسة كي تقدم معطيات وتحليلاً دقيقاً عن سوريا. سيتوفر ملخص عن هذا التقرير الشامل ومتعدد الأوجه على «جدلية» قريباً وستنشره مؤسستنا الشقيقة ”تدوين للنشر“. ويمكن أن تترقبوا إطلاق التقرير في العربية والإنجليزية، هنا و هنا.
ونشرنا بالتعاون مع موقعنا الشقيق، ”صالون سوريا“ تقريراً ثنائي اللغة تحت عنوان “سوريا في أسبوع” كي نواجه انحسار الانتباه من خلال معالجة تطورات مهمة في البلاد. نشرنا التقرير أسبوعياً منذ كانون الثاني 2018 حتى آذار 2020، حين توقف عن النشر. نتطلع إلى دعمكم المتواصل وانخراطكم من خلال القراءة، إرسال المقالات أو الاقتراحات لمجالات تحتاج إلى التغطية. راسلونا على هذا العنوان: syria@Jadaliyya.com
تتشابه الأوبئة مع الحروب من ناحية النتائج، إذ سرعان ما تلقي بظلالها على الفرد فتترك بصماتها الاجتماعية العاجلة وندوبها النفسية الآجلة، تقتلع عادات بعينها لترسخ محلها سلوكيات أخرى جديدة مرهونة بكينونة الوباء، لتبقى تغيراتها الاجتماعية والنفسية التي خلفتها محفورة في وجدان وبنية المجتمع الموبوء لأجيال طويلة. يعود الإنسان في هذه الفترة إلى النكوص والعودة إلى غريزته القبلية، مهما بلغ من الحضارة مبلغاً كبيراً، فيلجأ إلى أساليب دفاعية تدل في مجملها على الأنانية الفردية وتغليب المصلحة الخاصة على العامة، يصاحبها سلوكيات مبالغة في التمادي في حماية النفس من أي خطر وجودي وتتجلى في حمى الشراء والعنصرية والأخذ بنظريات المؤامرة لتتطور إلى سقوط العقلانية والتقوقع خلف الخرافات لتنتهي إلى التعصب الديني وتبني فكرة الانتقام الإلهي وغيرها.
عدوى الخوف الجماعي
تولد الأوبئة حالة من الخوف الجماعي تنتقل كالعدوى وهو عادة ما يظهر بقوة عند حلول الأزمات، وهذا الشعور المبرر يخضع لما يسمى بـ “غريزة القطيع”. وحسب ما توضح دكتورة في علم الاجتماع هناء برقاوي: “يشعر الفرد بالخوف لمجرد التماسه خوف الآخرين، ملتقطاً هذه العدوى حتى لو كان متأكداً أنه بخير وبمأمن عن الوباء، فيمتثل لسلوك الجماعة، ويتماهى معهم دون أي تفكير أو تخطيط ، فيذوب معهم، محيداً تفكيره الفردي، إذ ينجم عنها غالباً سلوكيات متناقضة تؤثر سلباً على منظومة القيم كتكريس للأنانية الفردية دون التفكير بالآخر، وتغليب المصلحة الخاصة على العامة، وهو ما شاهدناه في سورية، فمثلاً أصيب العديد من الأشخاص بهرع الشراء، فبدأوا باقتناء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه من سلع غذائية ومعقمات وشراء الفائض عنهم في حمى هستيرية ولهاث وراء التخزين والتكديس، دون أن يفكروا بحصول غيرهم على حاجياتهم، ما يفسح المجال لصعود قيم في غاية الأنانية والرغبة بالاستحواذ وحب الذات على حساب قيم أخرى كالافتداء والشعور بالآخر”.
تصاعد المنحى الديني
يشهد الفرد أثناء تفشي الأوبئة تغيراً ملحوظاً في نمط السلوك الديني، ما يشبه الارتكاسة الدينية حيث يبدأ تدريجياً بالتخلي عن بعض معتقداته والتشكيك في قدرتها على حمايته من الأمراض والطعن في كونها تمائم تصونه من الأشرار، لأنها خذلته في مكان ما. في المقابل، يربط العديد بين عبادة الله وطاعته وبين الوباء، فيجدون أن غضبه تجسد على هيئة وباء سوف يفتك بالبشرية جمعاء، ما لم يعود العبد إلى ربه وتقوية أواصره الدينية، فنرى مثلاً أفراداً يتضرعون إلى الله ويعودون إلى ممارسة شعائرهم الدينية التي انقطعوا عنها كثيراً، بالرغم من كونهم أصلاً أناساً غير متدينين، إلا أن شدة الوباء وحصده للأرواح توقظ فيهم النزعة الدينية وتخلق شعوراً ضمنياً بالحاجة الملحة إلى التمترس خلف تعاليمه، إذ أنهم يلجؤون إليه (للدين) بصفته طوق النجاة الوحيد والمخلص النهائي من الوباء. وتشرح ذلك الدكتورة في علم الاجتماع هناء برقاوي: “تزداد الرغبة عند الأشخاص اللا متدينين في ظل تفشي الأوبئة بممارسة الطقوس الدينية، فيميلون إلى التقرب إلى الله إيماناً منهم أنه من أرسل لهم هذا الوباء وبلجوئهم إليه يستطيعون رفعه وأن ما من طريقة أخرى قادرة على دحره، كما أنهم يرون في الطقوس الدينية وسيلة معنوية للنجاة تمنحهم شعور بالطمأنينة وتخفف من معاناتهم، فمن كان لا يصلي يتحول في هذه الفترة إلى متدين دؤوب يجد في الدين طريقة للتخفيف من عبء الخوف والتوتر، وهو يعد من أهم التغيرات الاجتماعية التي تُحدثها الأوبئة وتزرعها في تربة المجتمع”.
عادات اجتماعية إيجابية زرعتها كورونا سهواً
أدخلت جائحة “كورونا” عن غير قصد عادة جديدة طارئة على المجتمع السوري، قد تفتح الباب أمام إعادة صياغة العديد من العادات الاجتماعية المتجذرة فيه. وتصف برقاوي هذه العادة بـ “الإيجابية” وهي إقامة حفلات الزفاف على نحو ضيق كبديل للأعراس الضخمة وأقل كلفة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين سيضطرون إلى إلغاء موعد الزفاف والوقوع فريسة الانتظار. وتعقب الباحثة: “فضل العديد من هم على أهبة الزواج إحياء زفافهم على الضيق بدلاً من التأجيل والانتظار مطولاً حتى انحسار الوباء الذي لا يعرف له موعد، وحصرها فقط بدائرة المقربين، ما قد يرسخ لاحقاً عادة جديدة لم نعتد عليها من قبل، والتخلي تدريجياً عن مواصفات العرس الضخم دون مغالاة وبذخ، والأمر ذاته ينسحب على مجالس العزاء، لتقتصرالتعازي على الهاتف والرسائل النصية والالكترونية”.
هذا وقد يخلق فيروس كورونا أثراً عفوياً للأفراد السوريين، بحيث يدفعهم لا شعورياً لتبني فكرة التباعد الاجتماعي واتخاذها كسلوك دائم حتى بعد تقهقر الفيروس، وذلك ما سماه الدكتور في علم النفس جميل ركاب بـ “الفقاعة الحيوية” ويقصد به “بالمجال الذي يشعر به الفرد بعدم الأمان بعد اختراق الآخر له، وهو ما يتجلى في وسائط النقل العامة وعدم ترك مسافة أمان بين الأشخاص تحفظ سلامتهم الصحية لتفادي العدوى وانتقال الأمراض كالإنفلونزا مثلاً، ما يغير من الطقوس الاجتماعية”.
تأثيرات كورونا على السوريين… لا جديد تحت الشمس
بالرغم من أن السوريين استقبلوا الزائر الجديد (كوفيد 19) بكهول مرهقين وطاقة مستنفدة بعد 9 سنوات حرب منهكة واجهوا خلالها شتى أنواع الموت والويلات والحصارات، واختبروا خلالها حظراً اقتصادياً لا يختلف كثيرا ً في مضمونه عن الحظر الذي عايشوه في ظل “كورونا”، إلا أن الأخير تمكن من بسط هيمنته وفرض آثاره النفسية والاجتماعية على خصوصية المجتمع السوري حال جميع الدول الموبوءة، فاستطاع كوفيد 19 من كسر روتين حياة السوريين حسب كلام ركاب: “تعود السوريون في حياتهم السير وفق نظام يومي بوتيرة محددة بصورة روتينية صعب اختراقها، كالاستيقاظ في ساعة معينة، ثم الذهاب إلى العمل، والزيارات الاجتماعية الكثيرة يليها قضاء بعض الأمور، فجاء الفيروس ليضرب النظام اليومي”. هذا ولم تتوقف مهمة كوفيد 19 بحصد أرواح السوريين، بل امتد ليحصد أرزاق العديد منهم وإلزامهم منازلهم، ما رفع من مؤشر الفقر والبطالة، وذلك حسب ركاب.
“كلما قل الوعي برزت الحاجة إلى فرض القوانين”، هذه العبارة تنطبق على المجتمع السوري بحسب رأي الدكتور ركاب، إذ أن الأولوية كانت للقانون وكلمة الفصل، لا سيما في ظل الأزمات، لكن هذا لا ينفي وجود وعي لدى بعض الشرائح السورية والتي يقل عندهم سلوك عدم الاستجابة لقوانين الحجر الصحي وتكون أكثر التزاماً وتقيداً بإجراءات السلامة.
الانجرار بسهولة وراء الشائعات
تبدو مقولة أن “الكذب والشائعات يمكن أن يدوروا حول العالم قبل أن تنطلق الحقيقة وتصل إلى الباب” مناسبة جداً في أوقات الأزمات والأوبئة، إذ كثيراً ما يصاحب الأوبئة وقلة المعلومات عنها، موجة عنيفة من الإشاعات التي يطلقها البعض وينجرف خلفها العديد من الناس ممن يتملكهم الخوف فيتلقون الإشاعة ثم بدورهم يقومون بنشرها دون التأكد من دقتها، ما يفسح المجال لصعود نظرية المؤامرة والاعتقاد بوجود مكائد تُحاك ضد شعب بعينه، أو دولة ولعل الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية من جهة وبينها وبين إيران من جهة وبينها وبين بعض اللبنانيين، خير مثال على ذلك.
في كتاب “الأوبئة والمجتمع” لـ”فرانك سنودين”، يُشير الكاتب إلى أنه حينما انتشر وباء الكوليرا ظهرت في فرنسا نظرية مؤامرة بأن الوباء من صنع الإنسان، إذ انتشرت إشاعة مفادها أن حكومة الملك “لويس فيليب” تضع مادة الزرنيخ في آبار المياه، ومع انتشار الوباء وموت حوالى 20 ألف فرنسي اندلعت موجة عنف ضد الحكومة من قبل الشعب. هذا المثال التاريخي يُنبئ بأن آثار الكورنا على سوريا قد تتطور وتتفاقم أكثر وأكثر خلال الأسابيع والأشهر القادمة.
بدأ الناس في سوريا يحادثون أنفسهم بصوت عال في الطرقات من الأزمات التي تتوالى على رؤوسهم يوماً بعد يوم، وآخرها انقطاع المادة الدوائية التي لا يمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف. بالقرب من الصيدلية المركزية في شارع بغداد خرجت سيدة في الخمسينات من العمر تصرخ: “معقول ما في دوا بالبلد! الله لا يوفقهم ولا يجبرهم! ابني عمره 9 سنوات مريض ربوّ، صرلي قريب الأسبوعين عم بفتل من صيدلية لصيدلية ما عم لاقي علبة دوا”.
بينما وقفت سيدة في ستينات من العمر مع ابنتها التي تحمل الوصفة الطبية الممتلئة بأسماء الأدوية وعند سؤالها أجابت: “معي القلب والضغط والسكري ولم أستطع الحصول على أي منها حتى المسكنات مقطوعة وأغلب الصيدليات مسكرة”. أما أسماء التي قطعت مسافة طويلة من الغوطة الشرقية بسبب إغلاق جميع الصيدليات هناك ظنّاً منها أن دوائها متوفر في دمشق، فقد عادت أدراجها خائبة ولم تحظ بأي علبة دواء.
جاءت تصريحات وزير الصحة “بشر يازجي” منفصلة عن الواقع فقد صرح أن: “المواد الدوائية لم تنقطع من الأسواق وأن المعامل ما تزال تعمل وليس هناك ما يبرر توقفها”. وهذا مناف تماماً لما يحدث على أرض الواقع .معظم الصيدليات في دمشق مغلقة وعدد قليل مازال يفتح أبوابه لكن دون فائدة؛ فخلال جولة على عدد من الصيادلة كان يدخل المرضى من مختلف الأعمار وأغلبهم كبار في السن ويسألون عن أدوية الضغط والقلب والربو وغيرها لتكون الإجابة واحدة عند الجميع: “لا يوجد”.
ووفقاً للدكتورة هبة في صيدلية “الداوود” في منطقة الصالحية فإن المستودعات قد توقفت عن تزويدهم بالأدوية منذ ثلاثة أسابيع، والآن الكميات الموجودة لديهم تُقارب على النفاذ، فأدوية الأمراض المزمنة مقطوعة بشكل كامل كأدوية الغدة، الضغط، القلب، السكري، الربو، وأدوية الأمراض النفسية والكولسترول وحتى السيتامول والمسكنات. وتقول دكتورة هبة أنهم يحاولوا إعطاء المرضى علبة واحدة من الأدوية المتوفرة ليخدموا أكبر عدد من المرضى، لكنها تتساءل لماذا لا تقوم الدولة بدعم المواد الأولية لينخفض سعر الدواء بدل رفعه. وتضيف: “القدرة الشرائية للمواطن لا تسمح برفع أسعار الأدوية وسوف يحدث كساد” وأضافت عن إغلاق الصيدليات: “يومين وينفذ لدينا الدواء ونغلق صيدلياتنا نحن أيضاً.”
كانت وزارة الصحة عدلت قبل العيد العديد من المستحضرات الدوائية التي استفاد منها حوالي 12 معملاً من أصل 80 معملاً في سوريا، مع العلم أن معظم هذه التعديلات اعتمدت على سعر تصريف الدولار بـ435 ليرة بالتسعير، علماً أنه تم اعتماد سعر دولار تفضيلي 706 ليرة للمعامل التي استوردت المواد الأولية بعد آذار من العام الجاري.
بينما الصيدلاني فادي يرى أن هناك صيدليات لديها أدوية ولا تريد بيعها ريثما يتم تعديل تسعيرة الدواء، وأضاف: “نحن لم نغلق الصيدلية ومازلنا نبيع المريض الأدوية المتوفرة لدينا، حتى أن هناك مستودعات لديها كميات كبيرة من الدواء ولا تريد بيعها منتظرة رفع الأسعار. والبعض الآخر يقوم بتوزيع علبة أو علبتين دواء في الأسبوع.”
أدوية الأمراض المزمنة مفقودة من السوق
وحسب د. زينة فإن المصانع والمعامل والمستودعات تمتنع عن إعطاء الأدوية بشكل نهائي، وجميع المواد المخزنة لدينا انتهت، والأدوية المزمنة مفقودة نهائياً من الأسواق بمختلف أنواعها: كدواء حمض البول، وأدوية القلب والغدة والضغط وهي أدوية أساسية لذلك الطلب عليها زاد بشكل مضاعف بسبب الأزمة الحاصلة. و تبرر المعامل أن ليس لديها مواد أولية والإنتاج متوقف، و لو لم تصل لمرحلة العجز والخسارة لم تغلق الصيدليات أبوابها.
أسماء مريضة قصور بالغدة اتجهت لشراء الأدوية المستوردة لأن الأمر لا يحتمل تأجيل وقد يؤثر على حياتها، ولكن مع ذلك لم تسلم من جشع بعض الصيادلة حسب تعبيرها، وأضافت: اشتريت ثلاث عبوات من نفس الدواء من صيدليات مختلفة بثلاثة أسعار 6000، 10000، 12000 وأضافت القطاع الصحي لا يحتمل المتاجرة والاحتكار والاستغلال. من جانبه، يعلق هادي حوراني أن “ارتفاع الأسعار ليس بالأمر الجديد، الرقابة مفقودة منذ زمن على أسعار الأدوية، و لا يوجد صيدلية تبيع مثل الأخرى.”
توقف المعامل عن تزويد السوق بالأدوية
و يوضح محمد حجازي مندوب شركة “ميرسيفارما” لصناعات الدوائية: “تتمسك وزارة الصحة بسياسة تسعير غير منطقية بزعم أن الدواء خط أحمر، و تُلزم مصنعي الأدوية بأسعار قليلة تتناسب مع القدرة الشرائية للسوريين في حين تزداد تكاليف استيراد المواد الأولية وتكاليف الإنتاج بشكل مضاعف، بدءاً من المواد الأولية التي تُستورد عن طريق دول وسيطة بسبب العقوبات، ومروراً بأجور الشحن وارتفاع أجور الأيدي العاملة، وليس انتهاءً بأجور المستودعات، وأجور الصيدليات في الوقت الذي تلزم وزارة الصحة الصيدليات بأسعار شبه رمزية لغالبية الأدوية مع تقليص هامش الربح للصيدلاني أيضاً الذي لا يتجاوز 16%، هناك أدوية بسعر 200 و300 ليرة، علماً بأن كلفة العبوة والتغليف والحفظ أكثر من هذا المبلغ، فالدولار الأميركي الواحد تجاوز 2700 ليرة سورية”، ويكمل: “الأدوية الإيرانية الموجودة في الأسواق أسعارها عشرة أضعاف سعر المحلي و لا تتجاوز جودتها 50% بالنسبة للأدوية السورية. الكمية التي لدينا نفذت، طلبنا من الدولة تزويدنا بالمواد الأولية لكي ننتج فلم تقبل، طلبنا رفع سعر الدواء لكن وزارة الصحة رفضت، التصدير ممنوع إلا في حال تغطية السوق المحلية، وزير الصحة صرح الدواء خط أحمر ولن يتم رفع سعره ولكن دون أي إجراءات أو تجاوب.”
تراجع عدد المعامل السورية المنتجة للدواء منذ بداية الحرب السورية عام 2011 من 63 إلى 42 معملاً، حيث توقفت العديد منها عن الإنتاج، بسبب الخسارة الشديدة مع بداية الأزمة، لكنها عادت إلى العمل حالياً وارتفعت أعدادها لتبلغ 96 معملاً وفقاً لوزير الصحة السوري الدكتور نزار يازجي في تصريح لسبوتينك في عام 2019.
ووصل عدد معامل الأدوية في سوريا إلى نحو 70 معملاً عام 2011 تنتج أكثر من 8000 صنف، تغطي 93% من احتياج السوق المحلية مع فائض يصدر إلى أكثر 44 دولة. فحسب إحصائيات اتحاد منتجي الدواء العرب حتى عام 2011 كانت سوريا تحتل المرتبة الثانية عربياً، من حيث تصدير الدواء، بقيمة تبلغ 210 ملايين دولار، بعد الأردن التي سجلت 370 مليون دولار، ثم مصر والإمارات.
وحسب الأرقام الرسمية، فإن هذه الصناعة تضررت في الحرب كباقي القطاعات الأخرى، وكان نصيبها خروج أكثر من 19 معملاً من الخدمة، وتراجع الإنتاج بنسبة 75%، مع توقف عشرات المعامل وما استمر منها عمل بربع طاقته الإنتاجية. وخلال العامين الماضيين ومع عودة الاستقرار إلى محيط العاصمة دمشق ومدينة حلب بدأت بعض المعامل بالعودة تدريجياً إلى الإنتاج، كما منحت الحكومة نحو 92 ترخيصاً لإنشاء معامل جديدة، وما زال السوريون يعانون من نقص حاد تتجاوز نسبته 70% من حاجة السوق من الأدوية والمنتجات الصيدلانية، إضافةً إلى مشكلة تدني فعالية الدواء المحلي.
فعالية الدواء المحلي لا تتعدى 10 بالمائة عن جودتها قبل الحرب
تراجعت فاعلية الأدوية المحلية وأصبحت شبه معدومة حسب الصيدلانية “مها الخطيب”: “فاعلية الأدوية اذا أردنا مقارنتها مع ما قبل 2011 أصحب شبه معدومة ولا تتعدى 10 % عما كانت عليه قبل الحرب، ومما أثر على ذلك مصدر المادة الفاعلة كانت أوربية والآن المصدر الهند، وضعف الرقابة، كما أن المعامل تخفض كمية المادة الفعالة في الدواء لكي تعوض خسارتها.” وأضافت: “أن الشركات تلتف على قرارات وزارة الصحة التي لا تسمح برفع سعر الدواء كونه “خطاً أحمر” وتتحاشى الخسارة، وتقوم بإيقاف إنتاج أصناف دوائية علاجية كفيتامين الأعصاب وغيرها على أهميتها الصحية، واستبدالها بمتممات غذائية لأنّ أسعارها أغلى، إذ لا يجوز تحويل منتج دوائي علاجي إلى متمم غذائي بحسب تعليمات الوزارة، التي توفر إمكانية تعويض خسارة الشركة من خلال التصدير للخارج. مثال فيتامين الأعصاب كان يباع 190 ل.س وبعد أن غير ترخيصه لمتم غذائي أصبح سعره 2200 ل.س.”
وأضافت “الخطيب” أن “شركة “تاميكو” التابعة للدولة مفقود لديها السيتامول والأدوية المزمنة الأخرى، وتجبرك بعض المستودعات على أخذ دواء منتهي الصلاحية وكاسد لكي تعطيك دواء آخر. لدينا أكثر من 80 معملاً ولا يوجد مواد أولية فلماذا لا تقوم الدولة بتوفير المواد الأولية وتبقى الأسعار على حالها، يوجد أدوية مقطوعة منذ سنتين لم يتم إنتاجها الا عندما تم رفع سعرها، يوجد أدوية ارتفعت 500% مثل أدوية الأمراض النفسية”، وختمت حديثها: “كل واحد بديرة المعامل والوزارة والنقابة والصيادلة والمواطن والبنك المركزي، لا يوجد تنسيق لكي نصل الى نتيجة”.
In a webinar dated 12 May 2020, Villanova University Scholar and Jadaliyya Syria Page Co-Editor Samer Abboud examined the emergent “illiberal peace” in Syria. The absence of an internationally mandated or internally negotiated peace process, he argued, has allowed the Syrian regime to craft an illiberal peace as an outcome to the nearly decade-long conflict. This illiberal peace is shaped through a politics of exclusion in which Syrian society is bifurcated into the loyal and disloyal through processes of reconciliation, settlement, and new legal regimes of citizenship. Click below to watch the recording of the talk.