تداعيات انهيار الليرة السورية –السويداء نموذجاً

تداعيات انهيار الليرة السورية –السويداء نموذجاً

بقيتُ في سوريا ولم أغادرها خلال السنوات الحرب، وكان عليّ أن أتحمل نتائج خياري هذا على كافة الصعد. غادرتُ دمشق بعد سنوات من الحياة والاستقرار فيها وعدتُ إلى قريتي في ريف السويداء عندما أصبح البقاء في دمشق مستحيلاً.

بُعد السويداء عن العمليات العسكرية المباشرة أكسبني ميزة جيدة لأعيد ترتيب حياتي من جديد وخاصة أنني ابن هذا المكان. غير أن انعكاسات الحرب كانت حاضرة وبقوة في مدينة محدودة الإنتاج والخيارات. الأعداد الكبيرة  للوافدين إليها من باقي مناطق سوريا والأوضاع الاقتصادية السيئة بالإضافة لأزمات المحروقات والكهرباء والانهيارات المتلاحقة لليرة السورية زاد من معاناة الناس وبات توفير الحد الأدنى للمعيشة همّاً يسيطر على الجميع.

وسط هذه الأجواء لم يكن لدي إلا خيار العمل في الأعمال البسيطة والمتاحة في البناء أو الأعمال الزراعية، حالي حال أغلبية الناس هنا على أمل أن تكون الحلول قريبة رغم كل المؤشرات المحبطة.

 تحايلنا على كل شيء محاولين إيجاد حلول مناسبة كل حسب عمله وظروفه، حيث أصبح من الضروري على كثيرين إيجاد عمل إضافي وتقليص نفقاتهم ليستطيعوا الصمود، فتجد الموظف مثلاً سائقاً لتكسي أجرة بعد دوامه أو عاملاً في أحد المحال التجارية في السوق. و بات الفلاح ينجز أغلب أعماله بيده ليوفر أجرة العمالة والآلات عائداً إلى نمط الزراعة البدائي والبسيط. أيضا كانت المشاريع المنزلية الصغيرة حلولاً ناجحة لفئات كثيرة في تأمين بعض الدخل والحاجات الأساسية كمشاريع الحياكة والتطريز وتجفيف الفواكه والزراعات المنزلية الصغيرة وغيرها الكثير.

بدوري نجحتُ في إنشاء مشروع صغير بالشراكة مع أحد أقاربي لتصنيع طوب البناء (البلوك) مستفيداً من قرض صغير استطعتُ الحصول عليه بالإضافة لبيعي قطعة أرض واستثمار ثمنها في المشروع. بدا المشروع ناجحاً في البداية نتيجة الحركة العمرانية التي كانت جيدة في السويداء والتي مرت في مرحلة ازدهار سريعة في بداية الحرب كانت لها أسبابها الكثيرة التي يعتبر خوف الناس من انهيار العملة والاستثمار المضمون بالعقارات أهمها، بالإضافة للأعداد الكبيرة من الوافدين وحاجتهم إلى السكن والخدمات.

واجهتُ الكثير من المشاكل في أثناء عملي كقلة العمالة وتذبذب الأسعار إضافة إلى انقطاع المواد الأولية (التي كانت تأتي من دمشق) نتيجة العمليات الحربية وإغلاق الطرقات والانقطاع المتكرر والطويل للكهرباء وغيرها من المشاكل الصغيرة المتعلقة بطبيعة المهنة والعمل. إلا أني كنتُ دائماً أجد الحلول لها، فعندما أجد نقصاً في اليد العاملة مثلاً كنتُ أنجز أغلب الأعمال بيدي أو أقدم عروضاً مغرية للعمال مقلصاً أرباحي للحد الأدنى، وكذلك الأمر بالنسبة للمواد الأولية كنتُ أستعيض بالمواد المحلية حتى لو كانت أقل جودة. كانت مشكلة انقطاع الكهرباء الأقسى فقد كنا نعمل حسب برنامج التقنين سواء في الليل أو النهار، ولكن عندما ساءت الأمور أكثر اضطررتُ لشراء مولدة كهربائية وإضافة تكاليف جديدة على الإنتاج قلصت هامش الربح أكثر فأكثر، إلا أن استمرارية العمل كانت الهاجس الأكبر، ورغم كل المعوقات كان المعمل الصغير يؤمن لي دخلاً حماني خلال كل تلك السنوات من الجوع والحاجة.

ما يحدث اليوم في عموم سوريا شيء مختلف كلياً عن كل السنوات التي مرت. وما يحدث هنا في السويداء يمكن تعميمه على باقي المناطق بكل تأكيد، فالانهيار الأخير للعملة كان كارثياً بكل المقاييس، فقد تضاعف سعر صرف الدولار في فترة قياسية ليصل اليوم إلى حدود 1000 ليرة. وربما لن يقف عند هذا الحد في ظل كل الأزمات الموجودة لبلد أنهكتها الحرب ودمرت كل مفاصل اقتصادها. ما يخيف اليوم أن قدرة الناس على تحمل ما يجري أو التحايل عليه باتت معدومة بالمطلق ما يهدد بكوارث قادمة ستطال الجميع.

في استعراض سريع لما يحدث اليوم سأبدأ من وضعي الشخصي، فشل معملي الصغير في تحمل الأوضاع الجديدة، كانت البداية منذ شهور مضت حيث توقف الطلب تقريباً على مواد البناء وأصاب سوقَ العقارات كسادٌ كبيرٌ انعكس بشدة على كامل الحركة الاقتصادية في السويداء. هذا أدى إلى توقف المعمل بالكامل واضطررتُ بدايةً لبيع ما كان موجوداً من بضاعة قليلة وبعض المواد الأولية والتي يفترض أنها رأس مال متحرك لأستطيع تأمين حاجاتي اليومية الضرورية، وما تبقى من أدوات وعدة بعتها لقريبي بالتقسيط وفضضت الشراكة معه لأجد نفسي اليوم وقد خسرت كل شيء؛ فقيمة العدة لا تساوي شيئاً في ظل الارتفاع الكبير للدولار (فبحسبة بسيطة كانت تساوي في بداية الحرب مليون ليرة أي ما يعادل 10 آلاف دولار أما اليوم تعادل ألف دولار لا أكثر).

خلال جولة صغيرة في أسواق المدينة نستطيع أن نلمس حجم المشكلة بسهولة، فالكثير من المحلات قد أغلقت وامتنع غيرها عن البيع بحجة عدم ثبات الأسعار، عدا عن أن الكثيرين يبيعون بأسعار عشوائية حسب مزاجهم، ما أدى إلى ارتفاع جنوني لأسعار السلع والبضائع.

 أعرف عادل (55 عاماً، صاحب متجر للمواد الغذائية) منذ سنوات، وقد أخبرني أنه أقفل محله في السوق ريثما تستقر الأسعار ويقول: “هامش الربح في المواد الغذائية والسمانة قليل جداً، حيث نعتمد على حجم المبيعات وحاجة الناس اليومية لها، لكن تفاوت الأسعار بين يوم وآخر سبب لنا خسارات كبيرة، فمثلاً: علبة المحارم الورقية اشتريتها بـ550 ليرة بالجملة وبعتها بـ575 ليرة وعندما عاودت شرائها من جديد كانت بـ600 ليرة واليوم سعرها 700 ليرة، أقفلتُ محلي لأحافظ على رأس مالي فقط فلم أعد أريد شيئاً من الربح، هذا عدا عن فقدان بعض المواد من المصدر الرئيسي لها أو امتناع بعض التجار الكبار عن البيع واحتكار البضاعة”.

معاناة أصحاب المحلات في السوق لم تتوقف عند هذا الحد، فرغم خسائرهم الكبيرة تلاحقهم دوريات التموين وضبط الأسعار بالمخالفات المرهقة طالبةً منهم البيع بأسعار لا تمت لواقع السوق بصلة، في ظل صمت الحكومة وعجزها عن تقديم أي حلول حقيقية لضبط المشكلة. ويبدو هذه المرة بأن محاولات الحكومة تختلف كلياً عن محاولات الإنعاش التي كانت تقوم بها في السنوات السابقة، واقتصرت على تصريحات خجولة لتبرير الانهيار الحاصل لليرة معللة الأسباب بقلة القطع الأجنبي الوارد للبلاد جراء الأزمة الموجودة في لبنان، بالإضافة لجشع التجار والمتحكمين بمفاصل السوق. هذه التبريرات لا صحة لها على حد تعبير(محمود 47 عاماً، وهو محاسب مالي في شركة تجارية) حيث يقول: “لم تعد تنطلي حجج الحكومة على أحد، وعامة الناس باتت تدرك بوضوح ما هو حال اقتصاد البلد وما هي الأسباب الحقيقية للأزمات الحالية، من تدمير للبنى التحتية وفقدان عائدات النفط من حقول الجزيرة والعقوبات الاقتصادية وغيرها الكثير من الأسباب، لكن ما يثير حفيظة الناس هو الفساد المنتشر بكل شيء وسيطرة قلة قليلة على ما تبقى من ثروات البلاد بالإضافة لنكران الواقع بشكل كامل وبقاء سعر الصرف في البنك المركزي على حاله (434 ليرة)، و مطالبة الناس باحتمال ما لا طاقة لهم على احتماله، بحيث أصبح الفرق بين الدخل الشهري للأسر والأسعار الحالية كبيراً جداً”.

وبالتزامن مع واقع الحال السيء وكمحاولة لتهدئة الأوضاع، قامت الحكومة بزيادة على رواتب الموظفين تتراوح مابين 16 إلى 20 ألف ليرة ليصبح متوسط دخل الموظف بعد حسم الضرائب بحدود 50 إلى 70 ألف ليرة حسب المرتبة والقدم الوظيفي (ما يعادل على سعر الصرف الحالي بين 50 إلى 70 دولار فقط بينما كان قبل بضعة أشهر ما بين 60 إلى 100 دولار بسعر صرف 500 للدولار الواحد)، بمعنى أن الزيادة في الرواتب كانت وهمية وأصبحت القوة الشرائية أقل من السابق.

باتت انعكاسات الأزمة الحالية واضحة على الجميع بمختلف شرائحهم، إلا أنها كانت شديدة الوضوح على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، ما أثار حالة من الاحتقان والاستياء غير مسبوقة وسط دعوات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطعة الأسواق والإضراب العام بل وحتى الخروج في مظاهرات ضد الحكومة التي تصم آذانها عن ما يجري متجاهلة أوجاع الناس وهمومهم.

في تعقيدات الوضع السوري بات واضحاً للجميع أن الحل للأزمة الاقتصادية لا يمكن أن يكون مجتزئاً وبعيداً عن الحل السياسي الشامل. وهذا بالضبط ما يثير مخاوف الجميع ويشعرهم بالإحباط وعدم الجدوى، فمن دون حل شامل للأزمة السورية ستسير الأوضاع الاقتصادية نحو المزيد من الانهيار والتدهور ولن تكون الحلول التي إن قامت الدولة بإيجادها حالياً سوى مخدر بسيط لبعض الوقت. لذا أصبح لزاماً على الجميع محاولة إيجاد حلول فردية بسيطة للتأقلم مع الأوضاع الحالية علها تساهم في تخفيف حدة الأزمة في انتظار حل شامل قد لا يكون قريباً في ظل ارتباطه بتوازنات وتعقيدات تجاوزت الجغرافية السورية. ومن هنا بدأت الدعوات من نشطاء وجمعيات خيرية ومدنية في السويداء لتشجيع الناس على إيجاد اقتصاد بديل يعتمد على الزراعات المنزلية الصغيرة لتأمين الخضار حتى لو كانت بصناديق على شرفات وأسطح البيوت، وعدم بيع المحاصيل خارج السويداء واعتماد مبدأ المقايضة، والتخفيف ما أمكن من استهلاك الوقود والاعتماد على المشي أو الدراجات الهوائية، وإنشاء مشاريع الطاقة البديلة على المستوى الشخصي أو التعاوني ضمن الأحياء أو القرى لتوفير الكهرباء والتدفئة، عدا عن إنشاء صناديق خيرية لجمع التبرعات ومساعدة المحتاجين وتشجيع الصناعات المنزلية الصغيرة. هذه الدعوات وعلى بساطتها قد تلعب دوراً هاماً في تخفيف الأعباء عن الناس ومساعدتهم، لكن تطبيقها بشكل جماعي ومنظم مرهون بشروط كثيرة قد لا تتوفر في مجتمع السويداء القلق أصلاً والذي تزداد فيه أعمال العنف بشكل كبير من قتل وسرقة وخطف، وهنا بالضبط ما يثير مخاوف الجميع بأن يؤدي الوضع الاقتصادي السيء إلى مزيد من موجات العنف والإجرام في الأيام القادمة.

The reordering of power relations and the Syrian political economy

The reordering of power relations and the Syrian political economy

During the past seven odd years, the war economy has produced its own drivers of wealth, numerous mogul warlords, and a new layer of business entrepreneurs that will become part of, or perhaps the crown of, any new upper class. The Arab Gulf countries, former economic backers of the regime, have been fully replaced by Iran and Russia.

Power relations at the local and regional levels have also been re-ordered, with a growing perception that the biggest regional winner is Iran. New forces have emerged: the paramilitary units that fought alongside the regime, local leaders in non-regime controlled territories, and others.

While support for armed rebels was significant, supporters saw the conflict in strategic terms. In contrast, most regime allies saw the conflict in existential terms, and acted accordingly. Meanwhile ordinary Syrians became invisible to both sides and their original uprising against dictatorship was rendered unimportant. For ordinary Syrians, Syria has been almost wholly destroyed, and after decades of regime repression, they found themselves and their aspirations marginal to leading rebel groups with whom they have little in common. They were extras in a theatre of continuous power plays. We must centre the interests of the majority of Syrians as we address reconstruction, governance, transition, and development. This does throw a wrench into the plans of most states and international organizations who have descended and will descend on Syria for profit andpower.

With the passage of time, the fault lines are becoming clearer. If you prioritised the fall of the Syrian regime, your interests were not served, and you just move on, or better yet, move away from Syria. But if you prioritised the triumph of a revolution that is antithetical to dictatorship, you suffered a visceral loss, a loss you cannot move away from. The distinction is crucial and consequential in the case of Syria, considering the active supporters of all sides in the developing proxy war. Still, this distinction has been missed by many well-meaning observers and supporters of the Syrian revolution.

As individuals, groups, or states, we must understand the motives of those who want to help with reconstruction. Regime supporters are by definition interested in its survival, which clearly does not involve socioeconomically equitable or politically democratic development. Supporters of armed rebels generally wanted to replace the regime with a more compliant one, whether for domestic or regional purposes, and were unconcerned with whether it would serve or represent its citizens. International financial institutions just want a piece of the pie. The people who matter or are concerned with the interests of an equitable and free Syria have long been marginalized, and find themselves yet again on the margins of any reconstruction process.

As to the domestic setting, the last thing on the minds of Syria’s strongmen is any form of compromise, let alone a political transition in which they share any modicum of real power. Where others see the calamity of almost half a million Syrians dead, and more than  half of the population of Syria displaced, the regime views what transpired as an affirmation of its power and reach, as well as being a lesson to others should they seek to re-ignite an uprising.

The regime sees itself as an embattled victor, making diplomatic efforts towards political transition a foregone failure. It sees itself in control of what it calls Sourya al-Mufida, or useful Syria, despite some areas being controlled by others. Rebuilding, reconstruction, or what are called “good governance” programs are therefore an extreme uphill battle, in the best case.

I am aware that this leaves very few and less lucrative options. But this is precisely what we have to work with if we are genuinely concerned about a Syria for all Syrians. It is the starting point from which trade-offs can be made, rather than an ideal to be discarded or held onto at all cost. Good intentions about equity and justice alone will not rebuild Syria, but there are practical and acceptable degrees of departure from principled positions that operate as necessary trade-offs. If either the regime or the values of the dominant global political economic order have their way, unfettered, we are likely to see the reproduction of power relations, cronyism, and subsequent inequitable and/or exploitative outcomes that will reproduce the conditions that spurred the Syrian uprising in the first place.

Thus, we are not allowed to say in the future that “there was no other way but to submit to the regime or to international forces with capital.” Thereare paths that can be supported and have been. The task is to maximize this support while pointing out and affirming based on historical record the potential calamity of power-driven alternatives that will replace people-driven ones.

Business classes

The question of business classes that can be relied on to invest in a post-war Syria has been looming for some time. Divisions along several axes –within regime circles and between it and other political actors – shattered the unity of the national economy by 2012, and the rentier business class, which existed and flourished in the pre- 2011 era, along with it. Larger independent businesses have suffocated under the weight of insecurityand/or war, leading to massive capital flight. Small and medium-sized businesses stumble along out of necessity and have seen their fortunes shrink or disappear. Driven by new sources  of wealth, the war economy has created its own business moguls in a variety of sectors.

The state and the business community

The regime wanted to build a business community, or parts of it, in its own image, from the early 1970s. The process of capital accumulation and its correlate neoliberal-like policies in the 1990s and 2000s was about to create an Egypt-like situation, where the market begins to compete with the state as a means for upward social mobility and the attainment of power. However, this competition did not seem threatening given that much of the new big capital was controlled by or directly owned by economic actors beholden to the regime. In the 2000s, it had an inflated sense of security domestically, causing it to overplay its hand in unravelling the state-centred economy. This process started after 1986 and culminated in the vague notion of the social market economy in 2005, which reflected the increased power of capital in Syria.

The Syrian uprising interrupted this process of capital accumulation and the regime is now far more insecure in its dealings with the business community. New state- business relations will be even more tightly controlled by the state. As it did with its allies, it will reward the business community via rebuilding and reconstruction schemes. This will be at the expense of most Syrians as well as of the worn-down state, which will be denied any benefits from the privileges that will be accrued by the new moguls. The regime will also see this process of rewarding the new economic actors as part of its political reconsolidation and will not compromise it for more rational or equitable notions of rebuilding and governance. It will instead do its best to limit, by law or by force, the empowerment of most societal segments in the process.

The regime as formidable obstacle

Today, and at least for the past two years, the regime has deployed a legal and financial framework to achieve political, economic and demographic goals. Examples include zoning and rezoning, reclamation, possession, and transfer of ownership of private property. Without local and grassroots organisation, such schemes will continue to proceed at a significant rate, creating new realities that support regime reconsolidation in the short run but exacerbate the same sources of discontent and dissent that initially propelled protests.

False assumptions, untenable policies, and detached reconstruction programs

The idea that effective reconstruction programs and sound governance go hand in hand is logical and desirable. But many pay scant regard to the dominant realities on the ground or to the dominant new rules of the game.

The challenge has been one of agency and authority, with both being a function of existing power relations that are hopelessly skewed in favor of the regime. What authority is expected to approve the myriad reconstruction programs that are incessantly being hatched outside Syria? What agency will oversee and implement such programs?

If the Syrian regime is the answer, then much of the rebuilding and good governance discourse any institution, scholar, activist or politician can muster will not see the light of day, unless it creates a largely dissent-less Syria, with laws and regulations that control the public.

The regime’s view of the role of reconstruction is key to understanding the realm of the possible, if not the probable. And to understand its view, we must look more closely into how the regime views the process, nature, and outcome of the last seven or eight years. In short, the regime is now in what I call fortification mode, which will certainly block efforts that benefit any other party and may even cause friction with its own allies when hostilities are over.

Domestic challenges

  • Political transition is unlikely without pressure from the regime’s most significant.
  • Identity politics is not going This would be a challenge for virtually any program, even if the regime were to disappear tomorrow.
  • Disciplining a new crop of warlords, moguls, and those who benefit from and facilitate their operations is a challenge even for the regime, and certainly for the local populations that suffer under them.
  • Most of the Syrian populace consists of children and youth, who will grow up in relative destitution, absent sufficient education and health provision institutions and with few economic opportunities. With most children having skipped many years of schooling and a vast number of breadwinners within families having perished, this problem is significantly exacerbated and is not much discussed in highbrow discourses about the future of Syria.

Regional/international challenges

  • The regime will provide geostrategic, economic, and security payback for allies before considering any rational analysis or reconstruction.
  • When the semblance of stability seems more permanent, internally displaced refugees and those in other countries will be under more pressure to With measures such as law 10 in place, where will they return to? And there are many other obstacles.
  • After the question of Idlib and other areas are resolved, and all hostilities have been settled, there will potentially be divergences between the Syrian regime and some of its allies, particularly Russia. This will hinge on various factors dealing with the policies and tensions surrounding involved states, not least Turkey, the USA and Iran.

 

*Published in Partnership with the LSE’s Conflict Research Programme.

This paper was presented at the Political Economy and Governance in Syria conference organised at LSE in December 2018.

ما طرأ على الحياة اليومية للطبقة الوسطى في دمشق

ما طرأ على الحياة اليومية للطبقة الوسطى في دمشق

لا يجمع بين أفراد الطبقة الوسطى في دمشق مستوى الدخل الشهري ولا أنماط الحياة العامة واليومية فقط، بل يتعدى الأمر إلى تشابه فعلي بنوع المواد المستهلكة وبأسمائها، لابل وبأسماء المحال التجارية والمخازن والمتاجر التي يشترون حاجياتهم منها، وأحيانا تتشابك المصالح ويحتدم التشابه لتتقاسم بعض العائلات مساعدة منزلية واحدة تقسم أيام عملها ما بين تلك العائلات أو سائق خدمة واحد يقود سيارة العائلة أثناء غياب الزوج أو مرضه.

منذ شهور خلت ومن منتصف شهر آب لعام 2019 قررت أميمة التوقف عن شراء القهوة من ماركة خلدون الشهيرة، والتي تعرف بأنها الماركة صاحبة السعر الأعلى للقهوة في دمشق، وتدرجت الأسعار من سبعة آلاف إلى تسعة، لتصل إلى أحد عشر ألفاً في شهر آب، فقررت أميمة التوقف عن شرائها. ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة فقد أخفت هذا الخبر عن صديقاتها اللواتي اكتشفن تبدل نوع القهوة في بيت أميمة، إلى أن تجرأت وفي شهر تشرين الأول على إعلان خبر هذا التبدل ولكن بعد أن سبقتها إلى إعلانه صديقات مقربات لم يترددن أبداً بالتوقف عن الشراء وبالإعلان عن ذلك أيضاً. سعر كيلة القهوة من ماركة خلدون اليوم بخمسة عشر ألفاً، لم يعد الموضوع طرفة للتندر ولا مناسبة للتذمر من الغلاء المستفحل، بل بات كل تفصيل يومي مدعاة لتأكيد العجز المتحصل من ضعف قيمة الدخل الشرائية وارتفاع قيمة المشتريات والمواد الأساسية.

في بيت هند مشكلة أخرى، أخيراً قررت اللجوء إلى مستوصف المواساة الخيري لمتابعة العلاج الدائم لوالدتها المصابة بالقدم السكرية والتي تحتاج عناية ومتابعة لصيقتين، لم تعد العائلة قادرة على دفع قيمتها لدى الطبيب المختص في عيادته الخاصة لارتفاع قيمة المعاينة وأدوات الجراحة الصغرى التي يجريها لأصابع والدتها بشكل شبه دوري، عدا عن كلفة العناية المنزلية المرتفعة من شاش ومراهم ومحاليل خاصة بالمغاطس الطبية اللازمة.

والحقيقة أن مستوصف المواساة يقدم خدماته مأجورة ولكن بهامش رمزي، عدا عن تخفيضات تشمل كل تفاصيل العلاج من تصوير شعاعي وتحاليل ومداخلات جراحية صغرى ومتابعة دورية مثل قياس الضغط وزرق الحقن والتبديل على الجروح ومعالجة الكسور والرضوض وسواها.

هند أستاذة جامعية، وقد افتتحت منذ عشرة أعوام معهداً للتدريب والتأهيل ولمساعدة الأطفال الذين يواجهون صعوبات في التعلم، مضطرة لخسارة وقتها في المعهد لمرافقة أمها المريضة لمستوصف الجمعية، لأن الانتظار طويل لكثافة عدد المرضى المحتاجين للمراجعة، هذا عدا عن عجزها عن تأمين ممرض إسعاف من المركز القريب لارتفاع كلفة نفقات العلاج فيه، رغم ارتفاع واردها الشهري من التدريس بالجامعة ومن وارد المعهد الخاص بها، تقول هند الحال ضاقت جداً وبات كل تدبير ولو كان حبة دواء إضافية فوق طاقتنا على تحمله.

كل شيء قد تبدل، حتى حجم كيس الخضار، كل مادة  تشترى حسب الحاجة المحددة لها، البصل بالكيلو والفليفلة بالوقية والخبيزة بالجرزة وكذلك الشمندر واللفت أو البطاطا. أما الفواكه فهي إن توفرت وبكميات أقل من المعتاد، لكنها تقبع بعيداً عن أعين الزوار، حبات قليلة لأفراد العائلة فقط، تؤكل بالتناوب اليومي لكل نوع. التفاح بستمائة ليرة والبرتقال بثلاثمائة ليرة والكريفون كذلك والبوملي بثلاثمائة وخمسون والبندورة تتراوح أسعارها ما بين الخمسمائة والستمائة ليرة. أما الموز وخاصة البلدي والذي انخفض سعره نسبياً وصل فيها إلى ستمائة وخمسون ليرة، فقد بات يشترى أسبوعياً ولمرة واحدة بواقع كيلو غرام واحد لا أكثر، بينما كان حاضراً يومياً على مائدة العائلة وعلى مرمى نظر الجميع بمن فيهم الضيوف.

رنا مهندسة وزوجة طبيب، اختصرت حجم مشترياتها من اللحوم بعد وصول سعر كيلو لحم العجل إلى عشرة آلاف ليرة، عائلتها مكونة من ستة أفراد، ولديها ولدان شابان بعمر العشرين، وهو عمر يستهلك الشباب فيه ويرغبون بتناول اللحوم ويفضلونها على كافة أنواع الطعام خاصة الطبخ التقليدي، لكنها الآن استبدلت وجبات اللحوم الحمراء بوجبة واحدة أسبوعياً ومن لحم الدجاج. كما أنها طلبت من ابنها التوقف بصورة نهائية عن تناول الطن مرتين أسبوعياً بعد التدريب الرياضي حسب نصيحة المدرب، لأن علبة الطن الواحدة تضاعف ثمنها إلى ما يقارب الضعف ونصف والضعفين لبعض الأنواع المخزنة بالماء بدلاً من الزيت والتي توصف للرياضيين أو للذين يتبعون برامج حمية خاصة.

بالأمس صادفت جارتي في السرفيس!! لم أتردد في سؤالها عن سبب وجودها فيه، فأجابت: “مشواري قريب ولا داعٍ لتشغيل السيارة وهدر البنزين”، ودخلت وأدخلتني معها في زحمة الشكوى من عدم كفاية البنزين على السعر الرسمي واستحالة توفر سيولة لتغطية كلفة البنزين الحر وعن الارتفاع المهول لأسعار قطع التبديل وكلفة التصليحات والرسوم والضرائب. شعرتُ وكأنها تزيح عن صدرها جبلاً هائل الحجم فقط لتجيب عن سؤال صغير جداً وطبيعي جداً، لكن يبدو أن الأحوال غير طبيعية وأن القهر يتفاقم ويحتاج مجرد سؤال ليسيل كقيح تخزن في كتلة صغيرة على طرف الخد، لكنها خدرت كامل الوجه والرأس وسرى الخدر  بالأطراف وصولاً إلى الأعصاب والعقل.

يمكن القول أن الطبقة الوسطى هي الأسر التي لها أكثر من دخلين شهريين ثابتين وأحد هذه المداخيل حكماً هو لدخل خارج وظائف الدولة، هو إما عمل خاص مثل عيادة أو ترجمة أو لوحات فنية أو معمل صغير أو ورشة موزاييك أو فضة أو ورشة إصلاح سيارات أو دكتور جامعة ويعطي دروساً إضافية أو خاصة أو لصيدلانية أو لخياط ماهر أو صاحب محل لبيع الملابس أو لبيع أو تصليح المشغولات اليدوية. الطبقة الوسطى التي تحتاج اليوم وبصورة وسطية لمبلغ يفوق الستمائة الف ليرة لتعيش في حدودها الدنيا، وليس كما كانت تعيش منذ فترة قريبة جداً لا تتجاوز الشهور الستة. هذا عدا عن كلفة السيارات وأقساط الجامعات وبالتحديد الخاصة منها وكلفة المداواة والعلاج وكلفة المسؤوليات العائلية تجاه الأهل. وهذا طبعاً لا يعني تشغيل الشوفاجات التي بات وجودها في البيوت مجرد ديكور يوحي بالصقيع ويستجلب الحسرة والشعور بالعجز لعدم إمكانية تشغيلها ولو بربع طاقتها التي كانت سابقاً، خاصة مع وصول سعر ليتر المازوت الحر إلى أربعمائة ليرة عدا عن حالات الغش الكثيرة التي يتناقلها السوريون يومياً. مع الإشارة إلى أن كمية الوقود الذي تحتاجه عملية التدفئة بواسطة الشوفاج ضمن البيوت السكنية هي أربعة ليترات في الساعة، أي بكلفة ألف وستمائة ليرة للساعة الواحدة قيمة المازوت فقط .

تراجع نمط إنفاق الطبقة المتوسطة ليتعدى الإنفاق الغذائي ليصل إلى المظهر المجتمعي، فقد تقلصت الدعوات العائلية على الغداء أو العشاء أيام العطل والأعياد وإن تمت وبقيت على تواترها القديم لكن مكونات الدعوة تقلصت وتضاءلت جداً أنواع الوجبات وعددها وقلت مكوناتها من اللحوم والفواكه والحلويات، كما خفت درجة التزاور بدرجة كبيرة جداً ولم تعد الزيارات الأسبوعية طقساً تفصيلياً من حياة أفراد الطبقة المتوسطة. ويبدو من اللافت ذكره هو الاستنكاف الطوعي في مظهره العام تعذراً بضيق الوقت أو سوء الأحوال العامة والقسري في مضمونه الفعلي عن قضاء العطل في الأماكن السياحية مثل البحر والقرى الجبلية، لارتفاع كلفتها وارتفاع كلفة النقل للوصول إليها وغياب أي واقع ادخاري يسمح بإنفاق السيولة الموجودة للضرورة كما يعلنون، والذي يتحول كل إنفاق خارج نطاق الضرورة إلى هدر يهدد بالعجز، لأنه يتجاوز فعلاً القدرة الحقيقة للأفراد بسبب غياب السيولة وضغط الحاجات اليومية الملّحة.

وكما هي التراتبية مثبتة واقعياً لأسماء المحال والمخازن التي تتوافق مع كل طبقة وكأنها جزء من كينونتها، يتخلى أفراد الطبقة الوسطى مكرهين عن خياراتهم الأم، نحو خيارات كانوا ينعتونها بالشعبية، كأن يلجؤوا لشراء القهوة ذات الآلاف التسعة للكيلو الواحد أو يوسعوا مروحة التخفيضات فتصير قهوتهم المفضلة هي المشتراة من سوق الحميدية أو من البزورية أو من الأحياء الشعبية مثل العمارة وسوق العتيق والمزة جبل. وفي عبارات مهدئة يعلنون: كم كانوا مبذرين عندما اعتادوا على قهوة فلان باهظة الثمن، بينما حان الوقت لاكتشاف أن النكهة والجودة ليستا حكرا على اسم الماركة أو المحل أو مخزن البيع، وكمن يُداري خيبته بالنكران.

عصف الغلاء بحيوات السوريين وبمقدرات عيشهم، وتهاوت الطبقات أو ربما هوت بفعل فاعل ليأخذ مكانها أشخاص جدد يتعثرون في اكتساب صفات الطبقة الوسطى ودرجات أفرادها العلمية العالية وأنماط سلوكهم الحضارية. أفراد اغتنوا بغمضة عين وامتلكوا ما كانوا لا يتخيلون امتلاكه، فأثروا على حساب الجميع وبدأوا بإزاحة الجميع عن طريق سطوتهم وتسلطهم وتفردهم بالمال وبالسوق وبالقانون وبالمجتمع، ركبوا الحرب كسفينة تجميع لغلال لم يجمعوها ولم يتعبوا بصنعها أصلاُ، ولكن الحقيقة أن الحيتان ليسوا وحدهم المسؤولين عن انحسار الطبقة الوسطى، بل تحضر عوامل إضافية بنيوية واقتصادية وإدارية ترتبط بنمو مضطرد للفساد وبعجز مضطرد عن إدارة الأزمة المستفحلة الناتجة عن هشاشة اقتصادية بالغة وعن انسحاب إجرائي عن بذل أية جهود ترمم ما يمكن ترميمه وتحافظ على ما زال الحفاظ عليه ممكناُ.

كل شيء بات عرضة للاهتراء. كل شيء ضاق حتى ضاع.

The reordering of the Syrian political economy

The reordering of the Syrian political economy

The current state of the Syrian conflict has turned our collective attention to questions of reconstruction, despite the absence of a formalised peace process or political negotiations. The Syrian post-war order is not being shaped by a liberal peace imposed from the outside by multilateral powers, nor a negotiated peace that emerged from within the country through negotiations between various factions. Instead, what is emerging in Syria – drawing from the work of David Lewis – is an “authoritarian peace” in which perpetual violence, the persistence of enmity, and forms of social and political erasure underpin the post-war order.

It is through this interpretative framework, and its materialisation on the ground, that I believe we need to think about Syria’s current and future political economy.

This article is intended to show a specific trajectory in relation to the conflict and to demonstrate how the policies of the 2000s laid the groundwork for a sliver of the reconstruction approach that is manifest in Syria today. As far as anyone can tell, in the absence of a blueprint or a masterplan for reconstruction, the main approach to reconstruction in Syria is not based on specific policies, or on institutional development, or even on relying on privileging some sectors over others. Rather it is an approach that centralises public-private partnerships (PPPs) as the core mechanism through which to attract capital and to achieve reconstruction ends. The groundwork for such an approach was laid prior to the conflict. As I claim through this article, the PPP strategy allows for the transition of a new stratum of the business community that emerged after 2011 to transition away from being intermediaries in a conflict economy to playing more productive roles. So, while I trace this shift from the Social Market Economy to the National Partnership, I am simultaneously tracing the ways in which a conflict elite has emerged in relation to violence, and how it is being integrated into the emerging reconstruction strategies of the regime.

I will first briefly take us through the two economic strategies, then discuss the processes that have given rise to a new conflict elite whose central role emerged out of the need for distributive and financial intermediation. I conclude by bringing these discussions together.

I want to stress that when I talk about the Social Market Economy and the National Partnership, I am not taking them as a coherent set of policies but as a kind of political rationality; as a way of talking about and thinking about the economy.

The Social Market Economy was a strategy promulgated at the 10th al-Ba’ath Party Regional Conference in 2005. It gave a name to liberalising measures that had begun much earlier, in the 1986 and the 1990s, and were accelerated in the early 2000s. The Syrian approach to liberalisation and privatisation, however, was not premised on the transfer of assets from the public to the private sector, but, rather, throughthe expansion of markets to facilitate the entry of private capital into the economy. Thus, for example, banks were not sold off, but rules were relaxed so that private banks could operate in the country. The same could besaid in most areas of the economy, from insurance to higher education, that were effectively marketised rather than privatised. In theory, the public sector would continue to operate alongside an expanding private sector made up of diasporic and national Syrians as well as regional private actors. The strategy sought to link Syria to theflowing circuits of Gulf and Eastern capital that were being invested in growing numbers during the 2000s. The state was imagined as a protector of society from the negative costs of marketisation, hence the marshalling of the social label.

The policies of the 2000s created new elements within the business class and provided new opportunities for the expansion and wealth accumulation of the networks Dr Bassam Haddad talks about in Business Networks in Syria. Of interest are the developments in the latter part of the decade, when two holding companies were created, Cham and Souria. Like the Chambers, they represented an institutionalisation of a certain kind of business interest, an amalgamation of interests, assets and power. Many people believed that these companies were politically relevant but economically irrelevant; that is that they were small at that time and were not doing very much. Today, I believe that the situation has changed and that they are relevant in both ways.

Interestingly, when the holding companies were started they were limited in their activities but soon, prior to the outbreak of conflict, they were swallowing up major government contracts, including within large infrastructure projects. This led to the creation of a new PPP law to facilitate and legalise the procurement system and to privilege these new partnerships within an evolving economic strategy. Within a few short years, power plant projects, major national highways covering the entirety of Syrian territory, anurban metro network in Damascus, and new airports were all projects that were to be realised through PPPs. The passing of PPP laws coincided with laws passed throughout Syria’s various ministries eliminating public sector monopolies on major projects, including electricity and transportation, thus displacing the central role of the public sector in major national works. Within this framework, the role of the public sector was not merely as a partner to private capital but also as a facilitator of land transfer, tax exemptions, and so on.

Thus, there were many changes happening with the business networks and within the business community as a whole prior to the outbreak of conflict. There are three broad changes that have accelerated the transformation of the Syrian business community in the context of the conflict and the emergence of a conflict elite after 2011: economic contraction, international sanctions, and capital flight.

It is in this broader context that Syria’s war economies emerged, providing the conditions for the emergence of what I refer to as the “conflict elite”, specifically distinguishable from other profiteers and war beneficiaries. Generally speaking, the conflict elite are individuals or small networks that operated predominantly in regime areas and who have been central to the regime’s shifting modes of economic governance during the conflict, especially concerning attempts to evade sanctions. These elites are not necessarily linked to the regime through familial or social linkages but instead through a system of mutual benefit and interdependency in which the regime has been forced to cultivate and rely on them to stimulate economic activity. Their importance emerged in so far as they linked their activity – such as procurement from the outside or transportation – to the needs of the battlefield. In some cases, they have taken up leadership positions in various chambers (such as the Damascus Chambers of Commerce and the Damascus Chamber of Industry) and other bodies. To stress, as the conflict dragged on, the dual impact of sanctions and capital flight meant that many people on the boards of these Chambers either resigned or fled the country. In 2012, every single member of Cham Holding’s board was under US sanctions, so they resigned and were replaced by an entirely new crop of people outside of the sanctions regime. This the crux of what I am talking about – the process of how the sanctions created this need to have a new kind of elite. Years later, internal rules within the Chambers led to the dismissal of chamber members who had fled the country, and their replacement by some of these new elite.

Unlike the upper strata of the pre-conflict business class, who are primarily involved in the formal economy such as in production, services, and trade, the conflict elites function as intermediaries and facilitators to ensure that goods can be brought to regime areas.

This role is a function both of the conflict elites’ lack of investment capital and of the specific opportunities afforded them during the conflict. And while they may have lacked the wealth and investment capacity of other elites, their presence in the country and their access to the political and security apparatus have made them important actors.

They generally come from varied social and economic backgrounds and have not displayed any tendencies toward autonomous collective representation. In other words, they remain fragmented and lack the cohesion or interest to act in a unified autonomous way. Rather, they have sought to integrate within existing modes of representation or within new bodies such as the Syrian Metals and Steel Council, which was formed during the conflict. They tend to have emerged from two different situations: first, those who owned small or medium- sized enterprises prior to the conflict and chose not to divest of their assets and leave the country, and second, private- or public-sector managers who had established enterprises during the conflict. One of the key factors driving their formation is their relationship with regime officials, especially from within the security apparatus. Their central role began as one of intermediation.

I stress intermediation here in contrast to the extractive role that we may think of other actors as playing. I would consider, for example, activities such as kidnapping, looting, taxation, and so on, as extractive, short-term, and unsustainable activity that is underpinned by violence. In contrast, intermediaries were implicated in violent economies but not directly guiding them. As such, they were well positioned to facilitate transactions, evade sanctions, serve as fronts for the existing elites, and so on.

How, then, is the emergence of the conflict elite relevant to the discussion of the National Partnership and to the question of PPPs more broadly?

The National Partnership was promulgated in 2016 and with it came the end of the Social Market Economy.

Far from being a policy blueprint for reconstruction, the National Partnership represents an approach to reconstruction that builds on some of the main marketising and privatising elements of pre-conflict economic policy through the centralisation of PPPs as the core approach to reconstruction. Again, to stress, this is an idea and an approach, not a coherent set of policies. But as an idea it indicates the central role that private capital will play in Syria’s reconstruction. This is not simply because of the government’s obvious fiscal problems, but part of a trend in Syria state formation since the 2000s to shift and open up spaces for capital accumulation within the business community. The final frontier, so to speak, was always large-scale public works, and the conflict’s transformations have shattered that border and opened all areas of the economy to private investment. Through this framework, the state commits itself to a transfer of wealth and assets under the guise of reconstruction. I should say parenthetically that there is no specific model for PPP. It could be public or private capital, but in theSyrian case I believe that the state’s role as a partner is to facilitate these kinds of transfers.

For the conflict elite, the PPPs give them a way to connect with existing capital networks and to shift from the role of intermediation to deeper roles in the economy. In many ways, the conflict elite became so because of their ability to intermediate in conditions of violence. Now, the National Partnership is a way to bring them into existing capital networks.

To conclude, the National Partnership reflects both contemporary processes of state formation and the social transformations wrought by the conflict. Syria’s authoritarian peace leaves long-term questions of reconstruction largely peripheral and the possibility of a comprehensive, socially-grounded reconstruction programme virtually nil. In other words, the kind of comprehensive liberal peace that is imagined in many of the discussions about Syria will not happen. Indeed, when I was in contact with a Syrian economist recently and asked him about all of the policy documents being produced in the West about Syrian reconstruction his response was blunt but very informative: “nobody in Damascus is talking about this”. Instead, what has emerged is a strategic approach to reconstruction that is premised on attracting and circulating capital into the economy through PPPs, a strategy that both extends processes of state formation prior to the conflict and incorporates new sources of power in the form of the conflict elite.

*Published in Partnership with the LSE’s Conflict Research Programme.

This paper was presented at the Political Economy and Governance in Syria conference organised at LSE in December 2018.

نزيف الليرة وارتفاع الأسعار في إدلب

نزيف الليرة وارتفاع الأسعار في إدلب

لا تعلم المعلمة جميلة كشتو (32عاماً) ما الذي يمكن أن يؤمنه لها راتبها الشهري من حاجيات بعد الغلاء الكبير الذي تشهده مناطق الشمال الخاضع لسيطرة المعارضة، فهي لا زالت تتقاضى راتبها من النظام بالليرة السورية وهو راتب لا يكفيها لتغطية أدنى متطلبات الحياة .

تقول جميلة شارحة معاناتها مع دخلها المحدود “أعمل في المجال التعليمي وأتقاضى راتبي من مدينة حماة بعد أن أضطر لدفع نصفه أجور مواصلات ليتبقى منه في النهاية ما لا يكفي لأكثر من عشرة أيام رغم كل محاولاتي للتقنين”. وتوضح بأن راتبها يبلغ 45 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 60 دولاراً أمريكياً شهرياً وهو مبلغ زهيد قياساً بما يجتاح المنطقة من غلاء فاحش.

يشهد الوضع المعيشي في منطقة إدلب تراجعاً يوماً بعد يوم في ظل استمرار القصف وارتفاع الأسعار وتراجع حاد بسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي فضلاً عن قلة المساعدات الإغاثية المقدمة وانتشار البطالة.

“بسرعة بلشو يتضربو بتنين” هكذا أبدت الحاجة الخمسينية مريم استغرابها مما وجدت من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية المفاجئ وتقول” البارحة فقط كانت الأسعار مختلفة ما الذي حدث اليوم مع ارتفاع الدولار، لما كل هذا الغلاء” وتنتقد إجابات الباعة الذين أرجعوا الأمر لارتفاع الدولار وأن بضائعهم يشترونها بالدولار وليس بالعملة السورية وتقول “متى كنا نشتري ونبيع بالدولار ، طوال عمرنا لانتعامل إلا بالليرة السورية ماالذي حدث اليوم”.

معظم الأهالي في محافظة إدلب أبدوا استياءهم من تلك الأوضاع لا سيما ارتفاع الأسعار بشكل يومي، وعدم توفر المحروقات، وقلة فرص العمل، وهو ما انعكس سلباً على حياة المواطن الذي يعاني أساساً من وضع اقتصادي متردٍ .

السائق هيثم طعمة اضطر لإيقاف سيارته عن العمل  التي تعد مصدر رزقه الوحيد بعد أن ارتفعت أسعار المحروقات أضعاف مضاعفة يقول مؤكداً ”أعمل بنقل الأثاث والحاجيات والبضائع، أسعار نقلاتي كانت ملائمة وتناسب دخل الزبائن، أما اليوم فأنا مضطر لرفع أجرة الطلب ضعفي الأجرة القديمة بسبب الغلاء وهو ما أدى لعزوف الكثيرين عن استدعائي والاستعانة بسيارتي بنقل حاجياتهم .

أما بالنسبة للأرملة سهام دندوش فلها حكاية أخرى مع ارتفاع الأسعار فهي تضطر للتوجه لحاويات القمامة ومكبات النفايات لجمع ما يمكن جمعه من أحذية مهترئة وأكياس نايلون للاستفادة منها في تدفئة أبنائها الثلاثة من برد الشتاء القارس، تقول سهام ”بعد وفاة زوجي استطعت تأمين عمل كمستخدمة في إحدى المشافي، غير أن الراتب الذي أحصل عليه لا يكفي لتغطية حاجيات الشهر وخاصة مع ارتفاع الأسعار الجنوني” وتتابع متسائلة “إن كنت بالكاد أستطيع تأمين قوت يومي فكيف لي بتأمين وسائل التدفئة وقد وصل سعر برميل المازوت لمئة وخمسة وعشرين ألف ليرة سورية أي ما يعادل راتبي لشهرين متتاليين، أما الحطب فوصل سعر الطن ل100 ألف ليرة سورية وكذلك البيرين والفحم”.

ومع الارتفاع الجديد في سعر الصرف للدولار الذي سجل840 ليرة سورية عند إغلاقه صباح الأربعاء 11كانون الأول 2019 فقد توالى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق المحلية، ولم ينعكس التحسن السابق في قيمة الليرة السورية الأسبوع الماضي بأي شكل على انخفاض أسعار السلع ومن أهمها الغذائية، وهي ظاهرة سورية باتت معروفة لمواكبة الأسعار للارتفاع الفوري وامتناعها عن الهبوط مع تحسن سعر الصرف، ما يجعل من ارتفاعات السعر المتكررة بعد كل إرتفاع تفوق نسبتها المحسوبة على سعر الصرف.

في أسواق مدينة إدلب أغلقت بعض محلات الصرافة والصياغة بانتظار ما ستؤول إليه الليرة إذا توقفوا عن العمل بها ، كما رفضوا تسليم الحوالات المالية القادمة من الخارج نتيجة انهيار الليرة وهو ما أحدث حالة عجز في أسواق المدينة مع ارتفاع كبير جداً في الأسعار وصلت حتى الضعف .

أبو محمد مالك أحد محال الصياغة يقول”نحن نمتلك أموالاً بالليرة السورية وتصريفها الآن يعني خسارة مضاعفة وحتى بيع الدولار الآن هو خسارة أخرى بالنسبة لنا نظرا لترنح سعر الصرف وعدم استقراره لذلك اخترت إغلاق محلي وانتظار ما سيؤول إليه وضع الصرف”.

انهيار الليرة السورية دفع بالبعض لتقاضي أجرته بالدولار كما فعل بعض الأطباء الذين سعروا معاينة المرضى بالدولار، الأمر الذي أثار موجة غضب واستياء لدى السوريين على مواقع التواصل الإجتماعي معتبرين أن هؤلاء الأطباء لا يراعون أحوال الناس في إدلب التي يعيش فيها حوالى خمسة ملايين شخص نصفهم نازحون ومهجرون قصرياً وسط قصف مستمر للنظام وحليفه الروسي.

يعتبر أكثر المتضررين من ارتفاع الدولار هم أصحاب الدخول الثابتة التي لا تتغير بمقدار انخفاض قيمة العملة، أما أكثر المستفيدين من ذلك فهم التجار وأصحاب المعامل والمطاعم وكل من هو قادر على تغيير سعر منتجاته بمقدار التضخم وأحياناً أكثر، وأيضاً يستفيد من ارتفاع أسعار السلع المخزنة لديه في محله وهذه الفئة عادة ما تكون قادرة على امتصاص زيادة الرواتب لصالحها وحرمان أصحابها منها، بعد أن عمد النظام لزيادة رواتب موظفيه بمقدار عشرين ألف ليرة سورية لمواكبة ارتفاع الدولار وانخفاض قيمة العملة السورية ،هذا الإجراء رأى فيه محللون بأنه سيعمل على تعميق الأزمة في انهيار الليرة السورية وسيؤدي أيضا لرفع نسبة التضخم النقدي وانخفاض أكبر في قيمتها.

تصل تكاليف معيشة أسرة وسطية مكونه من خمسة أشخاص في إدلب إلى نحو 350ألف ليرة سورية عدا نفقات أجور السكن للنازحين، في حين ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا في تقرير له أن 83 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر إضافة لأن 33بالمئة من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

بين إرتفاع الدولار وتهاوي قيمة صرف الليرة السورية، وبين صمت مريب للمسؤولين عن الأمر، يزداد إرهاق الأهالي في الشمال الواقع تحت سيطرة المعارضة الذين أتعبهم الفقر والنزوح والقصف والبطالة والتشريد.

كل شيء في سوريا خط أحمر

كل شيء في سوريا خط أحمر

في بداية هذا الشهر، اشتريتُ كيلوغراماً من اللحم من عند لحام أشتري من عنده منذ سنوات بـ 14 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ صعقني لأن الأسعار لكل المنتجات الغذائية وغير الغذائية ترتفع بسرعة جنونية ولامنطقية.عدتُ إلى البيت بشعور بالخجل أنني قادرة على شراء كيلو اللحم بـ 14 ألف ليرة سورية، أي بما يعادل نصف أو على الأكثر ثلث راتب موظف جامعي في الدولة السورية. وأحسستُ بغضب وأنا أعي هول الذل الذي يتحمله الشعب السوري الجائع والمروع من الخوف والصامت. ووجدتني أضع كيلو اللحم في صحن وأستف بجانبها أوراقاً من العملة السورية، من فئة ألفين ليرة، ووضعت الصورة على صفحتي على الفيس وكتبتُ بأنني (وكوني طبيبة) أحب أن ألفت نظر الناس أن ثمة ثمانية بروتينات رئيسية في اللحم غير موجودة في الخضار والبقول والفاكهة، وهذه البروتينات الثمانية في اللحم ضرورية جداً لبناء العضلات والعظام والدماغ. وكتبتُ أيضاً: بما أن سوريا شعب فتي وأكثر من 70 بالمئة من سكانه أعمارهم تحت 23 سنة لذا يجب أن يتغذى هذا الجيل جيداً لأن العقل السليم في الجسم السليم، ولأن هؤلاء الأطفال والشبان الذين نعلق عليهم الآمال لبناء سوريا يجب أن يتغذوا جيداً. بعد أقل من ربع ساعة على نشري الصورة إياها ( صورة اللحم مع أوراق العملة السورية ) أتاني إنذار قوي اللهجة وصلني كرسالة على الفيس بوك بأن علي أن أمحو الصورة فوراً، ووجدتني أسكن الذهول، وأظن كل الشعب السوري يسكن الذهول، وفيما أنا أفكر من عساه بتلك السرعة الخيالية أن ينتبه لهذا المنشور ويسارع ليطلب مني بلهجة تهديدية أن أمحوها. وأنا في ذهولي وصلتني رسالة ثانية تضمنت المرسوم 3 والمرسوم 4 حول الليرة السورية والعقوبات الفظيعة التي يتعرض لها المواطن الذي يمس هيبة الليرة السورية والتي قد تصل إلى السجن لسنوات. فما كان مني إلا أن استشرت محامياً مشهوراً فقال لي موبخاً: “امحيها فوراً”. ومحوتُ الصورة.

فكرتُ أي عيش ذليل نتحمله، وتعجبتُ من السرعة العجيبة لإنذاري بمحو الصورة، يبدو أن ثمة طاقم محترف يراقب كل ما نكتبه أو ما يكتبه البعض. لقد رجعتُ إلى اللاذقية تاركة أمان العيش في باريس وتاركة أسرتي عارفة سلفاً أيه صعوبات فظيعة سوف أتعرض لها في حياتي هنا في اللاذقية، كوني امرأة وحيدة وكاتبة قرفت من الخوف وقررت أن تكون صوت الصامتين وأن أنقل وجعهم وآلامهم وأكتبها عارفة أنني أجازف بكل أمان زائف في حياتنا، هذا الأمان الأشبه تماماً بأمان الدجاجات في القفص. وعرفتُ أنني كمن يضع نفسه في قارورة ويرميها في البحر تاركاً مصيره للموج، لكنني قد وصلت إلى مرحلة القرف من الخوف. ونظراً لأن الموت صار سهلاً جداً وعادياً جداً في سوريا، فإنني صرت أشعر بصداقة مع الموت فكل النشاطات الإجتماعية في سوريا تنحصر في التعازي. وصرت أشعر أن روحي ليست أغلى ولا أكثر قيمة من أرواح السوريين الذين ماتوا غرقاً أو في المعتقلات أو على يد الجماعات الإسلامية المتطرفة.

 تحولت سوريا لمسرح كبير يقدم كل يوم تنويعات للموت، حتى أن بعض الأطفال في سوريا ماتوا بسبب توتر عالي للكهرباء التي صعقتهم بعد انقطاع خمس ساعات، يعني عندنا شهداء الكهرباء، وشهداء الغاز لأن الحصول على جرة غاز يتطلب انتظاراً لأيام في البرد والليل والصقيع والذل. واقع يزيده ألماً وقاحة التلفزيون السوري الذي يعرض حواراً بين مواطن ومذيعة تسأله: “هل وصلتك رسالة على الأنترنيت أو هاتفك الخليوي عن موعد استلامك جرة الغاز”، فيرد المواطن:”طبعاً ” (ووجهه يعكس أسى يمزق القلب)؛ وتسأله: “وهل مركز توزيع جرات الغاز قرب بيتك”، فيشير بإصبعه إلى مبنى لا يبعد عنه أمتاراً ويقول” “قريب جداً ها هو”!!! لا أعرف إن كان أحد في سوريا يصدق هذه التمثيلية، فحتى الموالون للنظام أخذوا يتذمرون بشكل صارخ من نفاق تلك الرسائل التي تصلهم على هاتفهم الخليوي عن موعد استلام جرة الغاز، وسرعان ما يتبعوها برسالة أخرى بأن الموعد تأجل شهر، ثم برسالة ثالثة بأن الموعد تأجل إلى أمد غير محدد. ويلهث الناس وراء الغاز كما يلهثون وراء رغيف الخبز وكما يلهثون للحصول على راتب الاحتقار عند الصرافات، وتتحول الحياة إلى لهاث.

وقد وصل سعر جرة الغاز في السوق السوداء 40 ألف ليرة سورية وأنا شاهدة على صديق اشتراها بهذا المبلغ. وحين كتبتُ مقالاً بأن سقف الحرية في سوريا هو فقط انتقاد وزارة الكهرباء لأننا بتنا نعيش في ظلام، وصلتني رسائل كثيرة من أصدقاء كثيرين إضطروا أن يتركوا سوريا بعد أن اعتقل معظمهم لاشتراكهم بمظاهرات أول الثورة السورية، كتبوا لي انتبهي أنت تتجاوزين الخطوط الحمراء، وكانوا يطلبون مني أن أمحو المحادثة بيني وبينهم حال انتهاء الكتابة على تطبيقات الواتس آب أو إيمو، وكنت أتساءل ببراءة جاهل: “ما هي الخطوط الحمر”!! صدقاً كنت أتساءل طويلاً وأعصر دماغي لأحدد ما هي الخطوط الحمر في سوريا، ويأتيني الجواب من عقلي الذي يتابع باهتمام كل ما يجري في وطني بأن كل شيء خط أحمر، حتى وجودنا نفسه خط أحمر.

لا يجرؤ سوري ممن يعيش داخل سوريا أن يُلمح أو يذكر أنه حضر فيلم سما مثلاً، الذي شاهده العالم كله، ففيلم سما خط أحمر، وأحدهم يدعي أنه فنان وهو شبيح قذر كتب على صفحته وقدم شكوى لفرع أمني بأنني يجب أن أحاكم لأنني لست وطنية ولأنني كتبت ذات يوم عن فيلم علي الأتاسي (بلدنا الرهيب) الذي حضرته في معهد العالم العربي في باريس، ولأنني كتبتُ عن الخوذ البيضاء، ولأنني.. لا أعرف بماذا خونني أيضاً. ومن المهم أن أذكر أن هذا الشبيح القذر من الطائفة المسيحية ولا يتطاول إلا على المثقفين والناشطين المسيحيين كي يثبت للنظام أنه مُخلص أكثر من إخلاص الكلب لصاحبه. وجاءت حادثة الصورة إياها (صورة اللحم مع كومة الأوراق النقدية السورية) لتبرهن لي أنه فعلاً في سوريا كل شيء هو خط أحمر، وأن الوطن كله صار أحمر بلون دماء الشعب السوري. وكم أحسستُ بالخزي حين أطلقوا شعار (ليرتنا عزتنا) ولم يجرؤ أحد على الاعتراض على هذا التعبير، أيه عزة هذه وقد انهارت تماماً ليرتنا وصار لفظ كلمة دولار خط أحمر فسماه الناس “الشو اسمو”. وتعجبتُ من كم الذل والخوف حين قرأتُ على صفحات سوريين هُجروا من حلب وإدلب وغيرها من المناطق الملتهبة في سوريا ويشكون من الفقر والغلاء الفاحش لأجارات البيوت في اللاذقية ووجعهم الكبير لترك مدنهم وبيوتهم التي دمر معظمها، هؤلاء الخاسرون المروعون كلهم كتبوا على صفحاتهم (ليرتنا عزتنا) وتمنيت لو أكتب: “ليرتنا عرّتْنا”، لكنني لم أجرؤ وكنتُ أعاني من وجع كتم الحقيقة وهو أقسى وجع يمكن أن يواجهه إنسان وأتحدى كل ما درسته في كلية الطب عن أن أقسى الآلام هي ألم حصاة في الكلية أو آلام الأسنان وأقدم براءة اختراع عشتها بأن أقسى ألم هو ألم كتم الحقيقة لأنني لم أجرؤ على كتابة ما أتوق إليه وأؤمن به بأن “ليرتنا عرّتْنا”، وصرنا عراة بالمعنى المجازي والحقيقي للكلمة، على أي عيش سأشهد!!

حين كتبتُ عن الجوع في سوريا تلقيت رسالة من مُدرسة في الرمل الفلسطيني والسكنتوري وهي من الأحياء الشعبية الفقيرة، وطلبت أن نلتقي وحكت لي كيف يأتي طلاب الابتدائي إلى المدرسة وهم بحالة دوار من الجوع، يترنحون من الجوع ولا يحملون حتى مجرد رغيف خبز، وتقوم المدرسة بالتعاون مع إدارة المدرسة بشراء الخبز والحلاوة أو اللبنة لأطفال سوريا الجياع، كيف سيفهمون الدرس وهم جياع!! كيف ستنمو عضلاتهم وعظامهم ودماغهم وهم جياع، ويبدو أن الكلام عن الجوع خط أحمر أيضاً، والدليل التهديد الذي وصلني لمجرد نشري صورة اللحم مع العملة السورية. كل شيء في سوريا خط أحمر. لكنني أؤمن بشرف الكلمة كما قال ألبير كامو وأجد أن من الخيانه والعار أن أكون شاهدة زور أو أن أكون يهوذا وأخون شعبي وهذا ما فعله الكثير من المثقفين للأسف. لقد عدت من باريس لأشهد. وقد كتبت هذه الشهادة والكهرباء مقطوعة منذ أربع ساعات ودرجة الحرارة 3 مئوية.