بواسطة Abdullah Al Hassan | فبراير 27, 2018 | Cost of War, News, Reports, غير مصنف
[fusion_builder_container hundred_percent=”no” equal_height_columns=”no” menu_anchor=”” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” class=”” id=”” background_color=”” background_image=”” background_position=”center center” background_repeat=”no-repeat” fade=”no” background_parallax=”none” parallax_speed=”0.3″ video_mp4=”” video_webm=”” video_ogv=”” video_url=”” video_aspect_ratio=”16:9″ video_loop=”yes” video_mute=”yes” overlay_color=”” video_preview_image=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” padding_top=”” padding_bottom=”” padding_left=”” padding_right=””][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ layout=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” border_position=”all” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” center_content=”no” last=”no” min_height=”” hover_type=”none” link=””][fusion_text]
مع اشتداد الحملة العسكرية التي يقودها الجيش السوري وحليفه الروسي على الغوطة الشرقية وأهلها المحاصرين، تعود إلى الواجهة فكرة “مناطق خفض التصعيد” واتفاقياته الموقّعة بين الجانب الروسي وفصائل المعارضة المتمركزة هناك، فما معنى ”خفض التصعيد“ مع كل هذه الوحشية في القصف، والذي يطال المدنيين في منطقة محاصرة تماماً منذ أكثر من خمس سنوات.
لا يملك المدنيون في الغوطة الشرقية – يبلغ تعدادهم حوالي ٣٥٠ ألف – ملاجئ سوى بعض أقبية الأبنية، يحاولون الابتعاد قدر المستطاع عن الإصابة المباشرة بالشظايا والصواريخ المتعددة أسماؤُها وراجماتها، وتلك الأقبية – إن وُجِدت – ليست بآمنة كليّاً، فكثير من الأبنية تهاوت فوق رؤوس قاطنيها ودفنت من كان في الأقبية وهم أحياء.
ممنوعٌ عليهم الخروج من مناطق حصارهم، وممنوعٌ عليهم دخول الغذاء والدواء، ينزحون من بلدةٍ لأخرى، في محاولة منهم لتجنب القذائف والصواريخ، رغم أن القصف يطال جميع المدن والبلدات بلا استثناء، لم يعد أهالي الغوطة يراهنون على أحد، فوسائل الإعلام ملّت من شكواهم، والمنظمات الإنسانية الدولية أغمضت أعينها واقتصرت على إصدار بعض الكلمات، ومواقف الدول المتبجّحة بـ ”حقوق الإنسان“ أصبحت باهتة، حتى أنها أسقطت التنديد والقلق من خطابها.
لِمَ يُكلّف أحدهم نفسه في الكلام والدفاع عن المدنيين في منطقة محاصرة في وسط سوريا؟ ما الفائدة المرجوّة من رفع الصوت بالتنديد والشجب وإقلاق مجلس الأمن؟ هي منطقة أصبحت خارج حسابات الدول المتصارعة في سوريا، فهي ليست كالشمال حيث تتصادم مصالح تركيا وأمريكا، وليست كالجنوب حيث تتصادم مصالح إيران وإسرائيل.
بدأت معاناة المدنيين في الغوطة الشرقية عندما حاصرها الجيش السوري في ٢٠١٢م بعد أن أصبحت معقلاً للمعارضة المسلحة، مما تسبب في أزمة إنسانية شديدة، زادت من حدّتها بعد سيطرة الجيش السوري على أحياء برزة والقابون في منتصف أيار٢٠١٧ والذي أدى إلى كشف أنفاق التهريب وإنهاء عملها تماماً، وبالتالي لم يتبق للمحاصرين في الغوطة الشرقية سوى ”معبر الوافدين“ الذي يشرِف عليه النظام السوري ويديره ضباطه بالتعاون مع تجار مقرّبين، طبعاً لم يُسمح للدواء بالعبور نهائياً، بينما المواد الغذائية تدخل بالقطارة ولأصناف محدّدة وقليلة جداً، ما رفع الأسعار في المنطقة إلى أرقام قياسية.
أما بالنسبة للفصائل المتواجدة داخل أسوار الحصار، فلقد عملت على بسط نفوذها وتحديد مناطق سيطرتها، مرّة عبر ابتلاع الفصائل الأصغر وتصفيتها عسكرياً (كما فعل جيش الإسلام بجيش الأمة)، وأخرى بالتحالف بغاية الحماية (كما في تحالف خلايا جبهة النصرة مع أحرار الشام وتشكيل جيش الفسطاط، ثم انضمام فجر الأمة إليه لاحقاً)، ونتيجة لاختلافها الايديولوجي، معزَّزاً بخلاف الدول الداعمة كان اقتتال ”جيش الاسلام“ مع ”فيلق الرحمن“ و“جيش الفسطاط“ في منتصف أيار ٢٠١٦، والذي أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى بينهم مدنيون، وما مكّن أيضاً الجيش السوري لأول مرة منذ خمس سنوات من اختراق القطاع الجنوبي للغوطة والسيطرة على ١٠ بلدات، ونزوح مئات العائلات من سكانها، وهي دير العصافير وزبدين وحوش الدوير والبياض والركابية ونولة وحوش بزينة وحوش الحمصي وحرستا القنطرة وبالا. لكن كان من أهم نتائج هذا الإقتتال الداخلي تقسيم الغوطة إدارياً على أساس السيطرة العسكرية، قطّاع أوسط تحت سيطرة “فيلق الرحمن“ وقطّاع دوما وما حولها تحت سيطرة “جيش الإسلام“.
وفي ٢٨ نيسان ٢٠١٧ تجددت الاشتباكات من جديد بين الفصائل بعد محاولة ”جيش الإسلام“ القضاء على عناصر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وفعلاً سيطر جيش الإسلام خلال الاشتباكات التي جرت طوال اليوم على أهم معاقل “هيئة تحرير الشام” في منطقتي عربين والأشعري، بالإضافة إلى مراكز القيادة الرئيسية والمكاتب الإدارية، لكن فيلق الرحمن الذي بقي متفرجاً منذ الصباح، تدخل مساءً لنصرة حلفائه في هيئة تحرير الشام بعد ان استشعر نوايا مُبيّتة لدى جيش الإسلام بغرض الهيمنة على بعض مناطق نفوذه وسيطرته، في حين بقي أحرار الشام على الحياد، وكانت حصيلة المناوشات أكثر من ٤٥ شخصاً بينهم العديد من المدنيين.
بعد ذلك بشهرين، في ٢٢ تموز ٢٠١٧ وقّع جيش الاسلام مع الجانب الروسي اتفاقية ”خفض تصعيد“، وتلاها فيلق الرحمن بعد أقل من شهر في ١٨ ٢٠١٧ باتفاقية أخرى وبرعاية مصرية كما حدث مع جيش الإسلام، وبذلك ضمن كلا الفصيلين – المشاركين في لقاء أستانة – بأنهما خارج الفصائل المصنّفة إرهابية بحسب التصنيف الروسي للفصائل المعارضة، كون الاتفاق والتوقيع كان بشكل مباشر مع كلا الفصيلين وليس مع الدول الراعية.
من الواضح بأن فكرة روسيا من اتفاقية خفض التصعيد في الغوطة، تأمين محيط العاصمة دمشق من قذائف الفصائل، وتأمين خاصرة العاصمة من أكبر فصيلين في المعارضة لتتفرّغ بعدها لقتال داعش في البادية السورية ودير الزور، والأهم عزل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) ونقل كامل عناصرها إلى محافظة إدلب، رغم أن الأخيرة حاولت عدة مرات كسر المخطط الروسي لعزلها، وكان آخرها تخريب فكرة ”مناطق خفض التصعيد“ الناتجة عن لقاء أستانة في معركتي ”يا عباد الله أثبتوا“، جرت الأولى في محيط دمشق بالقرب من كراج العباسيين بالتعاون مع فيلق الرحمن وأحرار الشام في ١٩ آذار ٢٠١٧، والثانية في ريف حماه الشمالي الشرقي بالتعاون مع ”الحزب الإسلامي التركستاني“ ومجموعات أخرى كجيش العزة وجيش النصر في ١٩ أيلول ٢٠١٧، لكن يبدو أن المخطط الروسي أدى في النهاية فعلاً إلى عزل ”هيئة تحرير الشام“ ونقل عناصرها إلى محافظة إدلب من مناطق جنوب العاصمة دمشق، ومن عرسال لبنان وجبال القلمون غربي دمشق، وأخيراً من درعا، ولكن فشلت كل المساعي لإخراج عناصر الهيئة – لا يتجاوز عددهم الـ ١٢٠٠ مقاتل – من الغوطة الشرقية بعد رفض قادتها تماماً لفكرة الترحيل التي دعا وسهّل إليها كلّ من جيش الإسلام وفيلق الرحمن بموجب اتفاقهما الأخير مع الروس.
ومؤخراً، في ١٤ تشرين الثاني ٢٠١٧، قامت ” حركة أحرار الشام الإسلامية“ بالتعاون مع عناصر ”هيئة تحرير الشام“ بفتح معركة ”بأنّهم ظُلِموا“ إنطلاقاً من الغوطة الشرقية، وشنّت هجوماً مباغتاً على إدارة المُركّبات التابعة للجيش السوري في حرستا، صحيح بأن الغاية المُعلنة من المعركة جاءت على خلفية تفاقم الوضع الإنساني في الغوطة الشرقية إثر الحصار الشديد المطبق عليها، بالإضافة إلى تكرار استهداف قوات النظام لمدن وبلدات الغوطة الشرقية من داخل إدارة الُمركّبات، رغم اتفاقية خفض التصعيد الموقعة، لكن يبدو أن الغاية الحقيقية أبعد من ذلك، فالقصف العشوائي على الغوطة لا يأتي فقط من داخل إدارة المُركّبات، وكسر الحصار لن يتحقق بالسيطرة على إدارة المركبات وما خلفها، لكن كما يبدو أن حركة أحرار الشام تُعيد السيناريو نفسه الذي اتّبعه فصيل ”فيلق الرحمن“ قبل أن يُوقّع معهم الروس اتفاقية التهدئة، وأحرار الشام – وهم المشاركون المتأخرون في اتفاق أستانة – يرون بأنهم يملكون مواصفات الفصيل المعتدل، وخاصة بعد تخلّص الحركة من المتشدّدين داخلها إثر انقسامها وانضمام المتشدد منها إلى هيئة تحرير الشام، ثم قتالها المتكرر ضد ”هيئة تحرير الشام“ في كثير من مناطق الريف الإدلبي الواسع. وبالتالي، يبدو أن الحركة تحاول لفت أنظار الجانب الروسي إليها، بغية توقيع اتفاقية مباشرة معها تؤهلها للعبور إلى المرحلة القادمة في التسوية السورية، وما يزيد من ترجيح هذا الرأي أنها – أي الحركة – لم تُحرّك ساكناً إثر دخول الجيش السوري في ريف إدلب وتصعيده ضد المدنيين هناك، بل اكتفت بموقف المتفرج والمتابع.
من غير الواضح ما ستؤول إليه أوضاع الغوطة الشرقية وفصائلها، فمغامرة أحرار الشام في حرستا، ثم مساندة فيلق الرحمن الخلفية لها، ورفض خروج عناصر هيئة تحرير الشام من الغوطة، أعطت الروس والنظام السوري مُسوِّغاً – وهم الذين لا ينتظرون ذلك – لحشد القوات بشكل كبير على تخوم الغوطة، مع قصف هو الأشد والأعنف عليها منذ بداية حصارها.
يبدو أن الغوطة الشرقية وفصائلها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما استمرار العملية العسكرية حتى دخول الجيش السوري إلى حرستا أو غيرها مثل منطقة حزرما الاستراتيجية في منطقة المرج، مما يعني تهديداً مباشراً لجيش الإسلام في دوما، ولفيلق الرحمن في زملكا، أو نجاح المساعي التي يعمل عليها جيش الإسلام بوساطة مصرية لإقناع الجانب الروسي بوقف المعارك مقابل إخراج عناصر هيئة تحرير الشام من الغوطة الشرقية. وكما رَشَح إعلامياً على لسان الوزير سيرغي لافروف بأن هناك رفض من قِبَل الفصائل للتسوية بإخراج مقاتلي هيئة تحرير الشام من الغوطة على غرار ما حدث في حلب، في حين وجود تأكيدات من داخل جيش الإسلام بأن الفيلق بدأ يستشعر خطر مواقفه، وبالتالي أصبح هناك إجماع لدى الفصائل على خروج عناصر الهيئة من الغوطة، وفعلاً تم تسليم قوائم الأسماء إلى تركيا منذ عدة أيام.
وهكذا تجري المفاوضات، بينما لا زالت تتهاوي القذائف بوحشية على مناطق الغوطة الشرقية، مقابل تساقطها بحماقة على أحياء ومساكن دمشق، في لحظة لا يمكن أن تفهم فيها عقلية السلاح وكيف يحسب القائمون عليه انتصاراتهم، لكن كما هو واضح، لقد أصبحت أرواح المدنيين سلعة رخيصة ووسيلة للضغط على الطرف الآخر.
من جانبٍ آخر، استطاع مجلس الأمن تمرير هدنة انسانية لمدة ٣٠ يوماً على كامل الأراضي السورية، ولكن كما أوضح الجانب الروسي فإن هذا القرار لا يشمل تنظيم داعش ولا هيئة تحرير الشام، مما يُعيدنا من جديد إلى عيوب اتفاقيات ”خفض التصعيد“ التي لم ترحم المدنيين في مناطقها بحجّة محاربة التنظيمات الإرهابية فيها. وفعلاً مع صبيحة تطبيق قرار مجلس الأمن عادت الاشتباكات في محيط الغوطة الشرقية إثر محاولات اقتحامها من جانب النظام السوري في مناطق حرستا وجسرين وحزرما، مترافقاً ذلك مع القصف وتحليق الطيران الذي لم يتوقف حتى الآن.
[/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
بواسطة سلوى زكزك | فبراير 27, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
دمشق، سوريا
يمكن وبكل بساطة وشفافية اعتبار مشكلة النقل والمواصلات في مدينة دمشق مشكلة عميقة تُطيح بالقوة النقدية لسكان المدينة. بات لهذه المشكلة ظل ثقيل يُقيد الحركة والتنقل بدءاً من ارتفاع تكاليفها وطول مدة الوقت المهدور بانتظار وسائل النقل إلى سوئها البالغ وتردي نوعية الخدمات التي تصل إلى شروط التنفس داخلها. إنها أزمة خانقة بكل ما في الكلمة من معنى.
أم عبدو سيدة خمسينية تسكن في منطقة الديابية، جنوب شرقي دمشق، والتي تبعد عن منطقة الست زينب حوالي سبعة كيلومترات، وتعمل كمستخدمة في ضاحية مشروع دمر. لا سرافيس (باصات صغيرة) تنقل أم عبدو من مكان سكنها بعد الساعة السادسة صباحاً لأن عدد السرافيس قليلٌ جداً والمنطقة مزدحمة بالسكان الذين لا يملكون سيارة خاصة.
تستفيق أم عبدو في الرابعة صباحاً لتفوز بسرفيس ينقلها من مكان بيتها وحتى كراجات الست زينب وبعدها تستقل سرفيساً آخر حتى جسر الرئيس، ومن هناك تستقل ُسرفيساً ثالثاً نحو مشروع دمر. الراتب الشهري الذي تتقاضاه أم عبدو يبلغ نحو سبع وعشرين ألف ليرة سورية (مايعادل ٥٧ دولاراً)، أما أيام الدوام الفعلية فهي واحدٌ وعشرون يوماً في حين تبلغ الكلفة اليومية للنقل ما بين ٥٠٠-٦٠٠ ليرة سورية يومياً. لذلك بالنسبة لحياة أي شخصٍ ذي إمكانيات مادية محدودة كأم عبدو فإنّ أي يوم غيابٍ وخاصة بإجازةٍ مرضيةٍ يعتبر بمثابة توفيٍر لمواردها الشحيحة قبل أن يكون يوم راحةٍ طبيعياً تستحقه وتحتاجه بشدة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض المناطق مثل الحسينية والديابية والغزلانية والبحدلية وغيرها، تعتمد بشكلٍ أساسي على الهوندايات كواسطة النقل الوحيدة. والهوندايات مكلفة جداً حيث يتقاضى السائقون مبلغ مائتي ليرة سورية عن الراكب الواحد عدا عن أنها مجهزة بمقاعد حديدية ضيقة ارتجلت على عجل لتعويض النقص الحاد في عدد الحافلات (السرافيس) على خطوط تللك المناطق. والمضحك المبكي أنّ أصحاب الهوندايات قد ارتجلوا أيضا أغلاقاً بلاستيكية وباباً للدخول منه درءاً للغبار والمطر والشمس. ولابدّ من ذكر أنّ الحواجز أجبرت السائقين على تركيب لِدات (نوع من الإضاءة التوفيرية) لإنارة صندوق الهونداي كي يتمكنوا من التعرف على وجوه الركاب وهوياتهم. صندوقٌ تحوّل الى حافلةٍ رغماً عنه، وبات يشبه غرفةً أو خيمةً وكأنه ينقص السوريين خيمة وشادر وغلق جديد مضاف إلى عتمة حياتهم التي لا تشبه الحياة.
جاد طالبٌ في كلية الهندسة المدنية ويسكن في ضاحية قدسيا التي نزح إليها مع أهله من مخيم اليرموك، ويضطر عند عودته إلى بيته مساءً إلى ركوب سرفيس من ساحة الأمويين وحتى جسر الرئيس لا لكسلٍ منه فالمسافة بين الساحة والجسر قريبة والمشي الطويل بات سلوكاً يومياً قسريًا وبالغ القبول، ولكنّ جاد مضطرٌ لحجز مكانٍ له في السرفيس المتجه نحو الضاحية مما يجبره على دفع أجرةٍ إضافية. وبالتالي يصبح ما يدفعه جاد يومياً في طبيعة الحال مائتي ليرة سورية، فكيف يتدبر أهله مصروف أبنائهم في ظل كل هذا السعير عدا عن أجرة البيت المرهقة وغير المنطقية أبداً!
ولابد من الإشارة هنا إلى أن غالبية السائقين يرفعون من أجور النقل وقد يضاعفونها بعد الساعة السادسة مساء. مثلاً تصبح أجرة سرافيس مساكن الحرس مائة ليرة بدلا من خمس وخمسين ليرة، وتصبح أجرة سرفيس ضاحية قدسيا مائة وخمسين ليرة بدلاً من خمسٍ وسبعين ليرة. أما سائقو سرافيس مهاجرين صناعة فيرفعون الأجرة إلى مائة ليرةٍ بدلاً من خمسين ليرة وهلمّ جراً، وطبعاً لكل سائقٍ تبريره والكلمة المتعارف عليها: “ إذا موعاجبك نزول!”
ثمة من يقول بأن نصف عدد السرافيس المرخصة قد خرج عن الخدمة بسبب بقائها في المناطق المهجورة كالريف الدمشقي والخاوية من سكانها الذين تركوها بملابسهم وحسب سيرًا على الأقدام. كما أنّ الكثير من الحافلات توقفت عن العمل بفعل الإصابة بالقذائف أو المصادرة أو بفعل غياب أو موت أصحابها. كما نشأت ظاهرة جديدة لسد الفراغ وهي ذات هدفٍ ربحيٍ وحسب، ألا هي ظاهرة التكسي-سرفيس.
غالبًا ما تكون التكسي-سرفيس عبارة عن سياراتٍ خاصةٍ لكنها مرتفعة الكلفة، فمثلاً تبلغ الأجرة من جسر الرئيس وحتى ساحة الرئيس في جرمانا خمسمائة ليرة للراكب، أما التكسي-سرفيس باتجاه الضاحية ومساكن الحرس ومهاجرين صناعة يتقاضى أجراً مقداره ثلاثمائة ليرة للراكب. رغم أنّ هذه الظاهرة قد عوّضت بعض الشيء عن النقص الحاد في المواصلات إلا أنها وسيلة نقل لا قدرة للجميع على الاعتماد عليها، فعدا عن الاختناق المروري الذي يحدث نتيجة توقف عددٍ كبيرٍ منها في أمكنة تضيق على المشاة فكيف بكل هؤلاء الراغبين بربحٍ سريعٍ على حساب جيوب السكان الغارقين في شظف العيش وقلة الخدمات؟
وإن بدا من اللافت إدراج عددٍ لابأس به من الباصات الكبيرة على خطوط النقل العام إلا أنّ عددها لا يكفي ومقاعدها قليلة العدد وحركتها بطيئة عدا عن أن نظام تشغيلها يخضع لأسلوب التعهيد بحسب النسبة، أي نسبة عدد البطاقات المباعة وليس وفق أجرٍ يومي أو شهري محدّد، الأمر الذي يحفّز السائقين على تكديس الركاب فوق بعضهم لتحقيق نسبة أعلى من المدخول العام، وغالبا ما تسمع عباراتٍ آمرة كـ “خود عليك وفوت عالصدر،” أو “ بَعِّد عن الباب،” أو “بَعِّد عن المراية،” أو “إنتو يللي بالنص فوتوا لجوا خلوا هالنسوان تطلع.” أصبحت هذه العبارات طقساً عاماً تسمعها في السرفيس وفي التكسي-سرفيس وعلى المواقف حتى داخل الهونداية حيث يُرتب السائق النساء على جهة والرجال على جهة ليتمكن من زيادة أعدادهم منعاً لاحتكاك جسدي ممنوع شرعاً ومرغوب به تجاريًا كمصدرٍ لربحٍ أكبر.
أما سيارات الأجرة أي التكسي النظامية فهي مشكلة موغلة في تعقيدها لارتفاع كلفتها وتملّصها من أي شكل من أشكال الرقابة، فرغم توقف عدّاداتها عن العمل بإرادة السائق، لا وجود لأية جهة رسمية تُسائل أو تُحاسب المخالفين. ونظرا ً لبعد المسافات وشدة الازدحام يضطر البعض كالنساءٍ والرجالٍ الوحيدين والمسنينّ وأولئك الذين يعانون من ظروفٍ صحية صعبة لاستعمال التكسي حصراً. أما عن أحوال السرافيس والباصات وحتى التكسي من الداخل فهي إهانة يومية بالغة مسكوتٌ عنها في مواجهة الأهم وهو الركوب بهدف الوصول وحسب. فمعظم المقاعد تبرز نوابضها الحديدية لتخز اللحم وتمزق الملابس، النوافذ مغلقة أو من النايلون السميك، بطارية السيارة ملاصقة للأقدام والدواليب ملاصقة لجذع الركاب، مقاعد حديدية ضيقة لمزيد من الركاب، بطانيات الإعانة الرمادية بدلاً من تنجيد المقاعد وتجديدها لدرجةٍ تشعر وكأنك في قبرٍ رمادي لا شيء يميزه سوى شعار المنظمة الدولية للهجرة، هجرة ترافقنا حتى النخاع داخل البلاد وخارجها.
غلاء أسعار المازوت وقلة الكمية الممنوحة للسائقين بالسعر النظامي، الأغاني الهابطة والشتائم، القذارة والروائح القاتلة نتيجة الازدحام وتراجع شروط النظافة الشخصية، توهان الركاب وأسئلتهم المتكررة عن وجهتهم وطلبهم للمساعدة في الهبوط والصعود، أطفال مكدّسون مع أمهم لتوفير ما يمكن من أجرة مقعدٍ بات الجلوس عليه بطراً وامتيازاً لا قدرة للبشر على ممارسته. إنها أزمة يومية خانقة حتى حدود المهانة، ولا شيء يشي بانفراجٍ نسبي يُزيح عن السكان مرارة الانتقال. معاركٌ يومية بأدوات غير عسكرية، لكنها مهينة وقاتلة.
مصدر صورة الهونداي: صفحة هوندايات ركن الدين والصالحية على الفايسوك
بواسطة ختام غبش | فبراير 26, 2018 | Cost of War, Culture, News, Reports, غير مصنف
ضمن ثقافة الحرب وعرفها، لم تكن سياسات إخضاع المناطق وغزوها، وجرائم التطهير العرقي يوماً بالكافية. الحرب لا ترض بما هو أقل من تدمير الهوية التاريخية، شرعنة الأفعال الشنيعة وهدم المجتمعات على رؤوس أبنائها مختزلةً كل ذاك بعاملٍ واحدٍ يقوم على اجتثاث الجذر الأساسي للشعوب وفصلها عن النسيج الأصلي الذي قامت ونبتت فيه.
فالتاريخ الآن عبارة عن كتالوغ مرصوف بتصنيفات تُبنى تبعاً لاندلاع الحروب وسطوتها. قاموسٌ ضخمٌ تتوسع صفحاته باستمرار، يمكن لنا أن نزخرفه وأن نخفف من بشاعته بتنويط الأحرف داخله بموسيقا الطائرات والمجنزرات التي فتكت بأعداد من الضحايا كافية لأن توجد بشرية تبني كوكباً جديداً، هذا القاموس علينا فتحه بين الآونة والأخرى كي نقطع دابر طريقها إلينا.
الحالة السورية لوحدها وخلال السنوات السبع الأخيرة فقط يمكنها أن تُخرج مؤلفاً ضخماً، يحوي أحداثاً يمكن معايرتها وقياس زمن حدوثها بالنانو متر، فليس هناك زمنٌ فاصل بين الحدث والآخر.
بالنسبة لهذا البحث ليس من وظيفته تحليل الأسباب التي جعلت منا شعوباً تصنع أحداثها المفجعة على مدار الساعة. إلا أنني أومن وبشكل مطلق بأن الشعوب لا تتحمل عبء كل ما يجري. “تضييع الهوية التاريخية وتشتيتها جنباً إلى جنب مع تغييب المنهجية العلمية في التعامل مع الحياة والقضايا المصيرية قاد البشر نحو العودة والاستناد إلى الميثولوجيا،”(1) كعامل أساسي يستطيع أن يجيب عن أسئلتها تجاه كل هذه الاستباحة والتهميش الحاصل بحقها. وهذا بدوره سيقودنا إلى نتائج كارثية على كافة المستويات، والتي من شأنها أن تفتك بمقدرات البلد وبتاريخه وارثه الحضاري. اليوم نحن لسنا على تخوم المجزرة، نحن الآن في جوفها، القتل والتدمير هما رواد المرحلة وسياسات التخوين والطعن بالآخر كل ما لدينا. غير آبهين بكل هذه الخسائر والجرائم الحاصلة بحقنا وبحق هويتنا البشرية بكافة تصنيفاتها. لم تنجُ الرقعة الأثرية من فصول الدمار وأعمال السرقة والنهب أيضاً، فبات لها أرشيفها الخاص الذي تطول قائمة التدنيس والتخريب المرتكب بحقها. ويبدو بأننا على موعد مع توسيع لهذه الرقعة حتى تغدو ممسدة المساحة لا يشخص منها حجر واحد.
لم يكن تدمير معبد عين دارة أول خساراتنا وللأسف لن تكون الأخيرة. فبحسب التقرير(2) الذي صدر عن (ASOR) حُدد تاريخ استهداف المعبد بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير (الصورة رقم(1. إلا إن الصور والفيديوهات التي شاهدناها وظهرت للعلن انتشرت بعد هذا التاريخ وبشكل أدق بعد التقرير الذي أعدّته وسيلة الاعلام الكردية (ANHA) التي نقلت الحدث من قلب الموقع المدمر في يوم 27 كانون الثاني/ يناير بعد تعرّض المعبد لغارة من قبل الطيران التركي في خضم عملية أطلق عليها “غصن الزيتون” التي بدأت في تاريخ 20 كانون الثاني/ يناير.
الصورة رقم 1: صور جوية للموقع قبل وبعد الاستهداف حيث يحدد المربع الأحمر المنطقة التي تعرضت للضرر (مصدر الصور: ASOR)
تُذكرنا هذه العملية والترويج لها بالحملات العسكرية في العصور التاريخية القديمة، حيث العمل الدؤوب لإضفاء صفة الشرعية على الحملة التي سيقوم الملك بشنها على الممالك أو المدن الأخرى. فقد لبى (90) ألف مسجدٍ طلب الدعاء لأردوغان في حملته الاخيرة في عفرين وكأننا نرى كهنة معبد إله الحرب (ننجرسو) تبارك المقتلة القادمة وتقدسها. الأهم من ذلك خاصية تأليه الملك التي لا زالت متفشية وجذورها الأولى لازالت متفرّعة وبتوسع كبير. فالتاريخ يجلب لنا الكثير من التفاصيل التي نراها اليوم وكأنها شريط يُعاد ولكن بأدوات جديدة وبنسبٍ تتناسب طرداً مع تطور وسائل القمع والقتل، وعكسياً مع الإرادة الحرة للشعوب.
بالعودة إلى عين دارة فهو موقعٌ جديد يضاف إلى قائمة المواقع التي شهدت الأيام الأخيرة مجزرة بحق الحجارة والقدسية التي وسمت المكان. أحاول في هذا المقال توثيق آثار المعبد ووصف أهميتها التي لن يتسنى للأجيال القادمة للأسف رؤية بعض أجزائه الفريدة التي دُمرت إثر الحملة العسكرية التركية على عفرين والحرب السورية التي أتت على عددٍ كبير من آثار هذه البلاد المنكوبة. كما سأحاول تسليط الضوء على الأجزاء التي تعرّضت للتدمير إثر الضربة الجوية مع التأكيد على عدم كفاية هذا التحليل دون المعاينة المباشرة من قبل آثاريين لتقييم الضرر وتوثيقه ودراسة إمكانيات الصيانة والترميم. وأختتم المقال بالتحدث قليلاً عن زيارة قصيرة للمعبد، لكنها مكثفة في الذاكرة.
موقع عين دارة
يقع في وادي عفرين، الوادي الذي ينحدر في مجراه العلوي من الشمال إلى الجنوب قادماً من دوليشا (عينتاب) ليجتاز موقع تل عين دارة ثم ينحرف نحو الغرب نحو بحيرة أنطاكية. يعتبر هذا الوادي ممراً هاماً يصل سهل أنطاكية بمنطقة عينتاب وبمنطقة حرّان عبر الفرات في البرجيك. وعلى مقربة من عين دارة تقع ممرات متعددة تتجه نحو الغرب وتؤدي إلى ممر بيلان، منفذ سوريا من جهة وإلى الإصلاحية وسنجرلي على سفوح الأمانوس من جهة أخرى، وتعتبر ذات أهمية استراتيجية كبرى حيث كانت تسمح للقادمين من أنطاكية الوصول إلى تل رفعت Arpad)) قديماً وإلى حلب دون المرور من الطريق الجنوبية التي كانت أكثر تعرضأ للهجمات. لذلك فقد جهز هذا الممر بما يحتاج إليه من منشآت دفاعية فنجد أنّ موقع الباسوطة القريب مثلاً كانت محمياً بقلعة محصنة ترجع إلى القرون الوسطى. من المرجح بأن تل عين دارة المرتفع كان محاطاً بسورٍ يرجع إلى العهود البيزنطية أو ربما الهلنستية، وأنّ سوراً كبيراً آخر كان يحميه في العهود القديمة التي سبقت ذينك العهدين(3). و يقع هذا التل على بعد (40)كم شمال-غرب حلب و(7)كم جنوب مدينة عفرين.(1) على الضفة الشرقية لنهر عفرين، أحد روافد نهر العاصي، نبعُ عفرين الذي أعطى اسمه للمكان ويبعد عنه مسافة (800) م شرقاً. تتميز هذه المنطقة الهضبيّة بوفرة مياهها وبأراضيها الخصبة التي شكلت المقومات الأساسية للبنة الاستيطان البشرية الأولى. يحتل موقع عين دارة موقعاً استراتيجياً هاماً حيث يبعد عن موقع عزازا (A-za-za) الأثري (عزاز حديثاً) مسافة (25) كم شمال شرق، وعلى مسافة (30)كم شرقاً من موقع أرفاد (Arpad)(تل رفعت حديثاً)، عاصمة مملكة “بيت أغوشي” الآرامية (4).
لم يكن الموقع معروفاً حتى اكتشاف تمثال ” الأسد البازلتي الكبير” في العام 1955، حيث تم العثور عليه مرتمياً على جانبه المنقوش في الجزء الغربي من التل (الصورة رقم 2). أسطحه تخلو من الكتابات على خلاف الأسد الذي تم اكتشافه في موقع تل أحمر (تل بارسيب قديماً). الذي كُشف لاحقاً عن تل عين دارة الأثري والذي عُدّ من التلال الكبيرة في المنطقة (5).
الصورة رقم 2 : الوضعية التي وجد عليها الأسد
(مصدر الصورة: الحوليات الاثرية السورية، علي أبو عساف).
تبلغ أبعاد التل (125) م باتجاه (شمال- جنوب) و(60) م باتجاه (شرق- غرب) وهو يقع بالقرب من النهر. بينما حددت مساحة المنطقة المنخفضة بـ (270) و(170) م وهي متاخمة للقلعة من جهتي الشمال والشرق. حُدد تاريخ استيطان المنطقة المنخفضة بدءاً من عصر البرونز المتأخر حتى عصر الحديد (II) ( 1200-740)ق.م, أما بالنسبة للتل فلقد حددت سوياته بسبع سويات أثرية بدءاً من عصر البرونز المتأخر حتى الفترة السلوقية (6).
بدأت أعمال التنقيب في الموقع بإدارة المديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق خلال الأعوام (1964-1962-1956) بإشراف فيصل الصيرفي والباحث الفرنسي موريس دونان (Maurice Dunand) (الصورة رقم 3). وبعد فترة انقطاعٍ طويلة عادت التنقيبات خلال الأعوام ( 1981- 1980-1978-1976) تحت اشراف علي أبو عساف، في حين جرى مسح المنطقة المنخفضة بين عامي 1984-1982)) من قبل فريقٍ امريكي بإشراف اليزابيث ستون وبول زيمانسكي.
تمثلت أهم الاكتشافات التي قدمها الموقع باكتشاف المعبد الذي ظهر للعلن خلال سلسة التنقيبات التي قام بها علي أبو عساف خلال الأعوام ( 1985-1980).
المعبد
يشغل المعبد الربع الشمالي من التل ممتداً باتجاه جنوب شرق – شمال غرب. دلّت الدراسات الأثرية بأن المعبد قد بني على ثلاث مراحل استمرت على مدار (550) سنة (الصورة رقم 3 ).
الصورة 3: مخطط معبد عين دارة مع مراحل بنائه الثلاث
(مصدر الصورة: Mirko Novak –2010 ).
في المرحلة الأولى تم تشيد المعبد فوق المصطبة الأكثر قدماً، وشهدت المرحلة الثانية إنشاء مصطبة المعبد الحديثة ومجسم المعبد. أما الرواق (Gallery)الذي وجد خلال أعمال التوسعة الخاصة بالمصطبة فقد أُضيف خلال المرحلة المعمارية الثالثة والأخيرة. وتشير الدلائل بأن المعبد بُني في بادئ الأمر مفتوحاً على الخارج، وهذا الطراز من العمارة يشترك بهذه الخاصية مع عمارة المعابد الإغريقية المعروفة بالبِريبتِروس((Peripteros ذات الأعمدة، لكن في المرحلة الأخيرة تم احاطة المعبد وجرى تسيجه بسورٍ خارجي.
ينتمي مخطط المعبد إلى نماذج المعابد المعروفة بـ (( Ante-temple وهي معابد ذات قاعة أمامية سابقة للمصلى، وتُعرف أيضاً بالمعبد البيت. تنتشر أمثلة مشابهة لهذا النموذج في مواقع المشرق الشمالية و بلاد الرافدين الشمالية أيضاً كتل خويرة وتل حلاوة، وإيبلا (تل مرديخ) من عصر برونز وسيط ، و إيمار، وإيكلتا (ممباقة) من عصر البرونز الحديث، وكركميش من عصر الحديد. استمر هذا الطراز المعماري كأسلوب مميز في العمارة “اللوفية ـ الآرامية” خلال عصر الحديد. يختلف نموذج معابد (Ante-temple) بشكل كبير عن نماذج المعابد الآشورية والبابلية من جهة، وعن نماذج المعابد الحثية من جهة ثانية، فهذه المعابد تتميز ببناء داخلي معقد ذو باحة مركزية وعدة غرف إضافية بجانب المصلى.
بني المعبد فوق مصطبة ذات ارتفاع (1.80) م غطيت واجهاتها بلوحات بازلتية حفرت بزخارف لأبي الهول والسباع الرابضة. يبدو بأن هذه المصطبة كانت في الأصل جزء من ساحة مقدسة واسعة تمتد باتجاه الجنوب والجنوب الشرقي. رُصفت هذه الباحة بشكل متناوب بألواح البازلت والحجر الكلسي، وُجد فيها حوض حجري محفوظ بشكل جيد على بعد (14)م جنوباً من زاوية المعبد الشرقية، يُعتقد بأنه قد استُخدم للتقدمات الخاصة بالسوائل. يتم الدخول إلى مصطبة المعبد عبر مدرج حجري عرضه (11)م مؤلف من أربع إلى خمس درجات من الحجر البازلتي المزنرة بالضفائر. تُظهر الصور الحديثة للموقع والملتقطة بين 27 و 29 من شهر كانون الثاني 2018 بعد استهدافه بغارة جوية تركية، بأنّ الدرجات لاتزال قائمة في مكانها ويبدو بأنها تحتفظ بملامحها الأساسية التي وجدت عليها مع بعض التخريب والانكسارات التي لا يمكن تحديدها بشكلٍ دقيق دون معاينة مباشرة من قبل أخصائيين. بينما بيّن تحليل الصور الفضائية للموقع تعرّض الجزء الجنوبي والجنوبي الشرقي من الواجهة للدمار، ونتج عن الاستهداف تهشم وتحطم التماثيل التي كانت تشكل واجهة المعبد في الجهات الخارجية المذكورة.
بالنسبة لمدخل المعبد فيتألف من كوة واسعة في الجهة الجنوبية الشرقية ذات دعامتين، يدل وجود قاعدتين دائرتين بازلتيتين على احتمالية وجود أعمدة خشبية بين الكوة والسقف مغطيةً بذلك الكوة. ومن هذه الكوة ننتقل إلى أجزاء المعبد الداخلية حيث القاعة السابقة لقدس الأقداس (غرفة ماقبل المصلى أو Antecella) مستطيلة الشكل وبعمق ((6.55 م. ننتقل منها إلى القاعة الرئيسة قاعة قدس الأقداس “المصلى” ( (Cella مربعة الشكل بأبعاد ( (16.70 x16.80 م (الصورة رقم 4).
الصورة رقم 4: مشهد للمعبد من الجهة الجنوبية
(مصدر الصورة: Mirko Novak –2010 ).
لقاعتان مرصوفتان بألواحٍ من الحجر الكلسي. يُشير التقرير الذي نشره مؤخراً مرقاب التراث الثقافي الصادر عن المدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية (ASOR)إلى تعرض كل من القاعة الأمامية والقاعة الرئيسة للدمار (الصورة رقم 5).
الصورة رقم 5: المعبد محدد بمربع أحمر يحدد المساحة التي تأثرت جراء الاستهداف
(مصدر الصورة تقرير ASOR – 2018).
أما العتبات فقد شكلت من كتلٍ من الحجر الكلسي، اثنتان منها غطت مدخل قاعة ما قبل قدس الأقداس، وعتبة واحدة غطت مدخل القاعة الرئيسة. حملت الأولى طبعات قدمين كبيرتين متوازيتين وأبعادها ((97×35 سم، في حين غطت الثانية طبعة لقدم اليسار وبنفس القياس تقريباً، العتبة الثالثة حملت طبعة للقدم اليمنى. تعتبر طبعات الأقدام من التصاوير الفنية النادرة في منطقة الشرق الأدنى القديم. بالنسبة لهذه الطبعات في الوقت الحالي تشير المعلومات والمعاينة النظرية للصور الملتقطة للموقع إلى تعرّض هذه الأرضيات للتخريب بشكلٍ شبه كامل، يبقى ذلك غير مؤكد قبل إجراء عمليات التقييم المباشرة من قبل الاختصاصين (الصورة رقم 6).
الصورة رقم 6: درجات المعبد قبل وبعد الاستهداف بغارة جوية تركية.
(مصدر الصورة: Hawar News; January 27, 2018 وتقرير ASOR – 2018).
طبعات الأقدام
شغلت طبعات الأقدام (7) المحفورة في معبد عين دارة الباحثين كونها من التصاوير الفنية النادرة في منطقة الشرق الأدنى القديم والأمثلة عليها نادرة جداً (الصورة رقم 7). إلا أنه تم العثور على ما يأتي على ذكرها ويعود تاريخ أقدم هذه الشواهد إلى عصر البرونز حيث تم العثور في موقع تل براك الأثري* على أختام اسطوانية يعود تاريخها إلى (3300-3050) ق.م. تصور هذه الأختام “زوجاً من الأقدام العارية تلتف عليهما أفعى”. قدمت الباحثة إديث بورادا (Edith Porada) تفسيراً بأنّ دلالة التصوير تهدف إلى التنويه والتحذير من ترك القدمين من دون حذاء. في حين رجح بعض الباحثين على أنّ سلوك انتعال القدم أو خلوها من الحذاء مرتبط بالمكانة الاقتصادية والاجتماعية، ووفقاً لهذا التفسير فإن الحذاء يرمز للفروقات الطبقية وقد عثر على ما يشبه ذلك في النصوص المقدسة. وفي روايةٍ أخرى عندما واجه موسى العليقة المشتعلة ناداه صوتٌ عند محاولته الاقتراب منها “لا تدنُ إلى هنا، اخلع نعليك من رجليك، فإن المكان الذي أنت قائم فيه هو أرض مقدسة” (سفر الخروج: 5:3) ويستمر الرب ويعيد طلبه. فُسر هذا الطلب من قبل رجال الدين بأن الأرض ملكٌ للرب، مكرسةٌ له، حيث أنّ ارتداء النعل على أرض معينة يعني في التقاليد العبرية الامتلاك. الضيف عندما يدخل يخلع من قدميه كرمز إلى أنه ضيف سلام. وعلى ما يبدو فإن هذه الروايات مستقاة من نصوص مدينة نوزي (يورغان تيه الواقعة جنوب شرق مدينة كركوك) حيث جاءت بعض النصوص على ذكر ظاهرة الانتعال أو عدمه وربطها بخاصية الاستحواذ والامتلاك أو التنازل.
وإذا ما وسعنا دائرة البحث خارج نطاق منطقة الشرق الأدنى القديم باتجاه ثقافات أخرى، فسنجد بأنّ معبد عين دارة لم يكن المكان الوحيد الذي احتوى هذا النوع من التصاوير. فلقد جسدت طبعات أقدام بوذا في الأحجار تاريخاً طويلاً في حياة الهند ومنطقة جنوب شرق أسيا، وظهرت بأشكال ودرجات متفاوتة في التعقيد. أكثر الأدلة قدماً تلك التي تعود إلى ( القرن الأول ق.م) القادمة من “” Tirat والمحفوظة في متحف ” Swat “. حيث تمثل طبعات نحتت بطريقة قريبة من الطبعات الواقعية التي قُدست بتقديم ممارسات السجود إليها. وفوق قمة آدم في (Samanala) في سيرلانكا طبعة قدم نادرة وهامة وذلك لدلالتها الرمزية والمشتركة ما بين أربع ديانات. فالهندوسية قدستها باعتبارها طبعة قدم شيفا (shiva) آلهة الخلق، في حين نسبها البوذيين إلى بوذا. أما مسيحيو سيرلانكا فنسبوها يجدون بها طبعة قدم القديس توما (St. Thomas) المبشر الذي أدخل المسيحية إلى سيرلانكا، بينما ينسب المسلمون طبعة القدم إلى آدم أثناء وقوفه على قمة الجبل بزمن قدره ألف سنة (كتكفير عن الذنوب).
الصورة رقم 7: العتبات الحجرية في مدخل المعبد وتظهر عليها طبعات أقدام محفورة.
(مصدر الصورة: مايكل دانتي، حزيران 2010)
المنحوتات:
كان عدد منحوتات الواجهة ست منحوتات وهي عبارة عن زوج من أشكال أبي الهول على جانبي الدرج أحدهما ملتفت نحو اليمين والآخر نحو اليسار وخلف كل واحد زوج من السباع متقابلان يلتفان كذلك يمنة ويسرى (الصورة رقم (8-9. لأبي الهول رأس فتاة وجسد أسد ذي جناحين، الشعر طويل ومرفوع نحو الخلف تبدو منه عقيصتان على جانبي العنق، المفاصل بيضوية ليس لها الشكل الحقيقي (الصورة رقم 10). تبرز هنا خاصية الايجاز الشديد في تفصيل العناصر التشريحية. يختلف أبي الهول عن الأسد في كون الأول مجنح بينما الأسد غير مجنح، ومُثل الأسد وهو يزأر. كوّنت هذه المجسمات لوحات الواجهتين الجانبيتين والواجهة الخلفية والمصطبة ومدخل الرواق وعددها (72) منحوتة. يكمن الاختلاف بأنّ منحوتات الواجهة صُورت بحجم أكبر وزيادة بأعداد المخالب لأسبابٍ ربما تتعلق بتكثيف الاحساس بالرهبة والخشوع قبل الدخول إلى المعبد (8).
الصورة رقم 8: تمثل الأسود الرابضة في واجهة المعبد وواجهة المصلى.
(مصدر الصورة: علي أبو عساف- 1990).
الصورة رقم 9: تمثل الأسود الرابضة وأبو الهول في واجهة المعبد
(مصدر الصورة: موقع Archaeology in Syria ).
الصورة رقم 10: نحت لأبي الهول.
(مصدر الصورة: علي أبو عساف- 1990).
حددت منحوتات الرواق فقط في كل من جانبيه ب( (30منحوتة لم يبق منها غير كسرٍ جاثمة فوق قواعدها أو متناثرة فوق الرواق، ويبدو أن هذا التشابه يقصد به عدم اظهار الاختلاف بشكل جلي. زين محراب المنصة بمجموعة من القطع البازلتية سماكتها أكبر من سماكة الألواح الأخرى عددها سبعة، احتوت خمس منها على عنصرٍ نقشي مشترك ُيصور إله الجبل بلحيةٍ طويلة ويرتدي تاجاً ذي قرون، في حين تنوّع مرافقيه بين مخلوقات مركبة وتجسيد الثور (الصورة رقم 11).
الصورة رقم 11: منحوتات تصور إله الجبل ومرافقيه
( مصدر الصور: علي أبو عساف، 1990)
تمثلت درّة المنحوتات بلوحةٍ من البازلت مشوهة في بعض أجزائها، عُثر عليها في الحافة الجنوبية الغربية للجدار الواقع بين القاعة الرئيسة والقاعة الأمامية السابقة لها. يجسد النحت صورة لامرأة (تمثل عشتار) ملتفتة باتجاه اليمين، ترتدي معطفاً طويلاً ذي حزام وفتحة في جزئه السفلي. الساق اليمنى جرى تغطيتها بينما اليسرى صُورت دون غطاء إلى جانب تجسيد العضو الأنثوي الذي صور فوق الغطاء. رأسها وكتفيها (الكتف الأيمن) غير محفوظين بشكل جيد. تبرز السهام من كتفها الأيسر، الجعبة خلف ظهرها وهي تمسك سلاحاً بيدها اليمنى في حين تمسك باليسرى عصىً ظاهرها مزوق بصفوف من الدوائر والخطوط المنكسرة وداخلها مقسم إلى حقول (الصورة رقم 12). ومن المنحوتات الهامة ايضاً منحوتة تجسد رأس امرأة ترتدي تاجاً يطغى على الوجه له قرنان وعروة خماسية يزينه شريط من الورود (الصورة رقم 14).
الصورة رقم 12: منحوتة عشتار
مصدر الصورة: دراسة ميركو نوفاك نقلاً عن اورتمان، (1993)
الصورة رقم 13: نحت لرأس امرأة
( مصدر الصور: علي أبو عساف، 1990)
تُظهر الصور الواردة من الموقع بعد استهدافه أنّ قاعدة مسلة عشتار الموجودة في صدر المعبد (في الجهة الشمالية منه) قد نجت من التدمير. لكنّ السطح الخارجي للمسلة متضرر بفعل العوامل الجوية عبر الزمن.
المواضيع الأخرى المنقوشة
بالإضافة إلى النقوش السابقة تضمنت المنحوتات النافرة تمثيلاتٍ متنوعة كضفائر زخرفية، الشجرة المقدسة، الانسان الجالس على كرسي وهو يمثل بلا ريب إلهاً يستعد لاستقبال القرابين والهبات، عملاقاً وهو يروض ثوراً إلى جانب الكثير من المواضيع. ويبدو بأنّ المعبد كان يجمع في مواضيعه النحتية والتشكيلية بين أمرين: أولهما يكمن في تكريس صفة الالوهية ورمزيتها المشتركة بين أغلب مناطق الشرق الأدنى القديم من تصوير الأسود التي رأيناها مسبقاً في ملاحم بلاد الرافدين والأناضول إلى جانب وادي النيل، وبين استنباط العديد من المواضيع الزخرفية من البيئة المحلية التي وجدت ورسخت من الطابع القدسي للمنطقة. من الأمثلة على هذه المواضيع: الإله الموجود في أنصاب عين دارة حيث جُسد كإله الشمس الذي يظهر من وراء الجبل أو على الأرجح بأنه إله الجبال. ويؤيد ذلك ما نجده في أختام بلاد الرافدين حيث نرى قرص الشمس يظهر خلف الجبال بعد أن يفتح له تابعوه باب الليل على مصراعيه الكبيرين. ويوجد ما يشبه هؤلاء الجن الذين يساعدون إله الشمس في اللوحتين المكتشفتين في تل حلف مثلاً، حيث مُثل عليهما جنيان ملتحيان بجسد ثور ويحملان قرص الشمس المجنح كما في اللوح الجميل المحفوظ في متحف حلب. أما الجنيين المجنحين هنا فلهما شكل انسان وغير ثابتين بل يتحركان ويركضان ليرافقا الشمس في حركتها. سواء تم الأخذ بتحديد الإله بأنه إله الجبال (تيشوب) الذي يقوم هو وتابعوه بمساعدة إله الشمس وهو غير ظاهر فإنه يمكننا ربط فكرة التابعين في أنصاب عين دارة وفي نصبي تل حلف جميعها بفكرة دينية .
كما تميزت هذه المنحوتات أيضاً بتشاركها مع منحوتات بوغازكوي (حاتوشا) عاصمة الإمبراطورية الحثية الواقعة في شمالي وسط الأناضول التي لا تبعد عنها كثيراً، وتمثالها من حيث أسلوب دمجها كعنصر معماري وفني بالإضافة إلى طريقة النحت بشكل نافر وهذا ما أدى إلى سهولة تفتتها وانفصال أجزائها عبر الزمن. ويُعبتر هذ الأسلوب النحتي والمعماري من الأساليب الشائعة ومن المميزات الأساسية للفن الحثي إلى جانب استدارة المخالب الذي سمح بالتأريخ رغم عدم العثور على أية كتابات في مواقع عين دارة. فقد جرى تقريب تأريخ هذه المجموعات بالمقارنة مع مكتشفات المواقع المجاورة في تل طعنات، سنجرلي، كركميش، والباب الكبير في ملاطية. ولا بد من الإشارة بأنّ اكتشاف معبد إله الطقس حدد في قلعة حلب على يد البعثة السورية -الألمانية المشتركة بين عامي (1996 -2004) قد لعب دوراً كبيراً في تحديد الفترة التي تم خلالها تشييد المعبد نظراً للتشابه الكبير من حيث المواضيع وأساليب النحت، إضافة إلى التشابه الكبير بين قاعة قدس الأقداس في عين دارة ومعبد حدد في قلعة حلب.
نهايةً لا بد من التذكير بأنّ خاصية وجود حرم كبير يقوم على مصطبة تحيط به وتتجاوز أطرافه كان نمطاً معمارياً شائعاً في معابد بلاد الرافدين وشمالي سوريا في فترة الألف الرابع والثالث قبل الميلاد، وفي هذا الخصوص يمكننا العودة لدراسات عالم الآثار العراقي نائل حنون ((9. كان لهذه المصطبة في معبد عين دارة وظيفتان الأولى معمارية والثانية مبنية لتحمي الحرم وتزوده بالحراسة اللازمة عن طريق الأسود والسباع.
أخيراً أود أن أشير بأنّ أعمال التنقيب في موقع جنديرس القريب من معبد عين دارة التي كان لها الفضل بتعريفي على المعبد. كان ذاك في صيف العام 2008 خلال رحلة التنقيب بإدارة الدكتور عمار عبد الرحمن.
زيارة معبد عين دارة
مجرد زيارةٍ قصيرة للمكان كانت كفيلةَ باستباحة التفكير والسيطرة عليه من قبل تلك المجسمات والتماثيل الشاخصة التي كانت تتشبث به وتحمي ما تبقى منه. للوهلة الأولى شعرت أن وظيفة هذه المنحوتات مازالت تعطي نتائجها حتى ولو بعد ثلاثة آلاف عام.
لأول مرة أجد في نفسي رغبةّ عميقة للصلاة، فلهالة الأنصاب الضخمة وروعة المنحوتات ما يوحي بالقداسة، وذلك على الرغم من تلاشي العديد من تفاصيلها وزخارفها التي غاب أغلبها، إلى جانب أن بعض المنحوتات كانت مهشمة الرؤوس والأطراف السفلية.
بالنسبة لنا خسارة اليوم لم تكن وليدة اللحظة وإن كانت أفدحها. فعند الدخول والمرور في حرم المعبد والتمعن بالوضع الذي آل إليه آنذاك جرّاء الإهمال أدركتُ حجم الانكسار والفاجعة التي حلت بمنحوتاتٍ لا تقل شأناً عن أهالي هذه البلاد. أما كانت هذه الآثار الفريدة لتستحق أن تُحفظ وتقوم في متاحف تُقدر قيمتها؟ للأسف باتت ذاكرة هذه البلاد عرضة للاستباحة والتدمير والتجارة من كل حدبٍ وصوب. إلا أنّ هذه البلاد لا تنسى ولا تُمحى ملامحها قطعاً فمازالت تحتضن في سوياتها ما يشهد ويفوق كل هذه الأدوات البشعة والوحشية التي تسعى لاجتثاثها وسلخها عن نسيجها الأصلي.
الهوامش:
1 – اندرسن، بندكت. الجماعات المتخيلة ( تأملات في أصل القومية وانتشارها)- ترجمة ثائر ديب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014.
2 – توثيق الأضرار تم بالاعتماد على الدراسات الحديثة التي قام بها المعهد الأمريكي للدراسات الشرقية (ASOR) : UPDATE: Ain Dara
والتقرير الذي أعدته وكالة أنباء هوار: طائرات الاحتلال التركي دمر تل عين دارة الأثري
والتقرير الذي أعدته شبكة كوردستان 24:
WATCH: Turkish shelling destroys iconic Iron Age temple in Syrian Kurdistan
3 – الصيرفي، فيصل؛ كيريشيان، آغوب؛ ودونان، موريس: الحوليات الأثرية السورية (حفريات أثرية في عين دارة) العدد الخامس عشر 1965.
Novak, Mirko. The Temple of Ain Dara in the Context of Imperial –4
And Neo-Hittite Architecture and Art. “Temple Building and Temple cult.” Proceedings of a Conference on the Occasion of the 50th Anniversary of the Institute of Biblical Archaeology at the University of Tübingen (28 – 30 May 2010), Band 41, (41-50).
5 – الصيرفي، فيصل: الحوليات الأثرية السورية (الموسم الأول في عين دارة) العدد العاشر 1960.
6 – Oxford Encyclopedia of ancient Near East, (Ain Dara) Oxford university 1997-7 Volume 1, (38-37)
7 – لمعرفة أكبر عن الموضوع يمكن الرجوع للمقالة: The Riddle of Ishtar’s Shoes: The Religious Significance of the Footprints at ‘Ain Dara from Comparative Perspective ” THOMAS, Paul brain”.
8 – أبو عساف،علي: فنون الممالك القديمة، دار شمأل، 1993.صـ 185-181-180
9 – حنون، نائل: مهد الحضارة ” خصائص عمارة المعابد في عصر اوروك الأخير وجمدة نصر” المديرية العامة للآثار والمتاحف- العدد (9-8) صـ 26
بواسطة Malik Maatouq | فبراير 26, 2018 | Cost of War, غير مصنف
كان يا ما كان، كان المجتمع السوري مجتمعاً يملؤه فرح خفيف، كان الناس يذهبون ويجيئون حتى تغيرت أحوال البلاد والعباد، ما عادت سورية كما كانت، جاء ألعن الأزمان وأبشع الأزمان وأكثرها قسوة وتوحشاً؛ فأرهق الحزن السوريين ومثَّل بهم واستولى على أجسادهم، فتعودوا امتصاص مدامعهم ومواجعهم حتى أنساهم هذا الزمن الأسود حليب أُمهاتهم الأبيض، صاروا يعيشون ظروفا تجعل الحياة لا الموت هي الأصعب على الاحتمال. أطفال سورية اليوم تحت السكين تترنح طفولتهم بين كافة أنواع البشاعة من اعتقال واغتصاب وقتل وتعذيب. برغم وجود عشرات الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تحميهم في النزاعات المسلحة. أوضاع الأطفال السوريين صعبة ولاتبشر بالخير، فالأمر لا يحتاج إلى بلورة سحرية للتنبؤ بهذه النتيجة المأساوية.
“لا مكان للأطفال”، جملة تختصر تقريرا مطوَّلا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، حول معاناة الأطفال السوريين في ظل الحرب التي تعصف بالبلاد منذ العام 2011 وحتى الآن.
يقول المدير الإقليمي لليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خيرت كابالاري، إن “عمق معاناة أطفال سورية لم يسبق لها مثيل فملايين الأطفال فيها يتعرضون للهجوم بشكل يومي، وقد انقلبت حياتهم رأسا على عقب.”
الأرقام صادمة، والحرب لم تترك مكاناً للأطفال.
في تقريرها الأخير الذي أصدرته في النصف الثاني من العام الماضي، تقول اليونيسيف أن ما يُقارب ٨.٤ مليون طفل سوري تأثروا بسبب النزاع الدائر في بلادهم ما يعني نحو ٨٠ بالمئة من مجموع الأطفال في سورية. وتشير اليونيسيف في تقريرها إلى أن الأطفال يشكلون نصف أعداد اللاجئين في دول الجوار السوري، بينهم أكثر من ١٥ ألفا عبروا الحدود من دون ذويهم. ويلفت التقرير إلى أن هنالك نحو ٢.١ مليون طفل سوري في داخل البلاد و٧٠٠ ألف طفل في الدول المجاورة لم يلتحقوا بالمدارس. كما تكشف أرقام اليونيسيف عن وجود مليون طفل سوري “يتيم” فقدوا أحد والديهما أو كليهما بسبب الصراع الدائر في البلاد منذ بدء الأزمة السورية وحتى الآن. حيث تعتبر سورية بحسب اليونيسيف بؤرة خطر على الأطفال، يلاحقهم الموت فيها فهنالك العديد من الأطفال فقدوا حياتهم في الصراع الدائر في البلاد.
هو الموت عينه الذي لاحق فرح تلك الصغيرة التي يئن قلبها شوقاً إلى والدتها وخربشاتها على جدران بيتها. فرح ذات السنوات الست تخاف أحلامها التي ترى فيها دوما مسلحين يصوبون قذائفهم إلى منزلها.
كان يوماً صيفياً دافئاً لكن المطر لم يعد مقتصراً على فصل الشتاء. في ذلك اليوم رأت فرح تلك الأشياء الغريبة تتساقط من السماء، أزاح صوت القذائف عن السماء أصوات العصافير وضحكات الأطفال. انهمرت قذائف الهاون، رحلت عائلة فرح لكن فرح كانت محظوظة بأن تعيش لموعد آخر. في زمن الموت، فرح ما زالت على قيد الحياة فيا لها من نعمة.
حكاية فرح
فرح طفلةٌ وديعةٌ شُجاعةٌ جميلةٌ ذاتُ ذكاءٍ خارق، وعينينِ من عسَلٍ وغمازة، من شُرفَةِ منزِلِ عمِها في حي المشتَل بدمشق، والذي انتقلت إليه بعد أن حصد الموت جميعَ أفرادِ أُسرَتِها، تُشاهِدُ فرَح القذائِفَ المُنقضَّةَ على الأهالي والمنازِل، فرَح لم تكُن خائفة من هذهِ الصاروخات، هكذا كانت تُسَميها.
تحدثت فرح مرةً كيفَ جاءَتِ الشمسُ كَفراشةٍ ووقفَت على نافِذتِها، أمسكًتْها فرح بِكَفِها الصغيرةِ البيضاء، قالت لها إن “كُنتِ تُحبينني أيتُها الشمس، فاذهبي إلى البحر ونامي طويلاً حتى لا تأتي الصاروخات وتضرِب الأطفال تحتَ ضَوئِكِ.”
إنَهُ زمنُ النارِ والقتل، وزمنُ الأهوال، يُفطِرُ السوريونَ في الصباح القذائِف وفي الظهيرة يتَغذونَ القنابِل وفي المساء يتعشَّون بالسياراتِ المُفخخة.
رَحلَتْ فرح عِندَما اخترقَت قذيفةُ هاوِن شُرفةَ غُرفَتِها، عادَت فرَح إلى الرَحِمِ التي خرَجَت منها. هل راودتها فِكرَةُ الموت؟ هل خطرَت ببالِها؟ تِلكَ الصغيرةُ التي كانت وردَةً لم تتفتَح، مليئةً بالحياة، هل أشاحَ الموت بوجهِهِ عنها وهوَ ذاهِبٌ إليها حتى لا يتألَم وهوَ يقطِفُ روحَها؟
سوريةُ اليوم تنزِفُ أكبدةً وأمعاء، في سورية صارَتِ الشوارِعُ والأرصفةُ حمراء، في سورية ما أكثرَ الواقفين اليوم أمامَ حجرَينِ منَ الرُخام يقرؤونَ الفاتِحَة، يقرؤونَ أبانا الذي في السماء. كم تُشبهينَ الوطنَ يا فرَح وكَم يُشبِهُكِ الوطن، يُقال إنَ الموتَ رفيقُ الجمال وجميلةٌ أنتِ حتى في موتِكِ، فحتى الموت اكتمِلَ بِكِ.
هذي حِكايَةُ فرَح.
وتستمرُ الحكاية فنرى ونسمعُ ونقرأُ كُلَ يومٍ عن فرحٍ جديدةٍ ترحلُ مع الراحلين.
ولكِن لو سُئِلنا يوماً عندما كانت فرَح تحت السكين عندما تشظّى لحمُها الحي، ماذا كُنا نفعل فبماذا سنُجيب ؟ بماذا سنُجيب؟
نيابة عن فرح وعن أطفال سورية وجهت اليونيسف نداء للعالم لتحقيق الآتي:
- حل سياسي وفوري للنزاع.
- وضع حد لجميع الانتهاكات.
- الوصول غير المشروط والمستمر لجميع الأطفال المحتاجين، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون تحت الحصار.
- توفير الدعم المستدام للحكومات والمجتمعات المضيفة للاجئين من أجل الأطفال المعرضين للخطر، بغض النظر عن وضعهم.
- استمرار الدعم المالي لمواصلة تقديم المساعدة للأطفال المحتاجين داخل سورية وفي الدول المجاورة.
نحن لا نكتشف قارة جديدة إذا قلنا إن الأطفال في سورية يعيشون أزهى عصور الانحطاط في هذا الزمن الموحش.. هو قدر سورية ألا تنزف سماؤها عرقا ومطرا بل أكبدة وأمعاء، وقدر بعض المدن ألا تنبت الأرض فيها أشجاراً بل شقائق نعمان حمراء قانية وابتسامات وزهرات جميلة من دم أطفال شهداء، تقول الوثائق بأنهم ميتون، لكن الله يقول هم أحياء عند ربهم يرزقون.. فتوقفوا عن تشبيك أذرعكم والنظر إلى سورية تحترق، فبإمكانكم أن تمدوا إلى أطفالها أيديكم، فالطفل السوري مازال يموت، فلنجعل من حمايته هدفاً عاجلاً لنبقى ويبقى الأطفال السوريون على قيد حياة وقيد أمل، فيبدو أن هؤلاء الأطفال لايملكون خيارا سوى الانتظار.. الأمر ينجح أحياناً.
بواسطة لامار اركندي | فبراير 26, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
القامشلي، سورية
“نَوباتُ الرّبو الحـــادّة يمكن أنْ تُهدد حياتك، هذا ماقالهُ لي طبيب الصدرية المُناوب في مشفى (الرحمة) حين أسعفني زوجي بعد منتصف الليل قبل حوالي الأسبوع وقد كنتُ في حالة يُرثى لها، وفقدتُ الأمل في البقاء على قيد الحياة.” بكلماتٍ مخنوقة بصفير سُعال مُتكرر تسرُد «بتول» ــ سيدة ثلاثينية وأم لأربع بنات ــ معاناتها من هجمات الرّبو المُزمنة بعد تركيب مُولد الكهرباء في حارتها المعروفة بــ ” الآشورية ” قبالة بيتها في مدينة (القامشلي) شمال شرقي سورية قبل خمس سنوات. وتُضيف: “كنتُ أعاني من حساسية الرّبو لكنها تحولت إلى ربو مُزمن بعد تركيب المولدة التي تنفثُ غازات سامة تخنقني إلى درجة الغثيان والإغماء أحيانـــاً.”
الحـالة باتتْ خطراً مَحتوماً على حياة سميرة ادريس المراهقة التي شُخّص مرضها بسرطان الدم، فبحسب دراسة أعدّتها الجامعة الأميركية في بيروت فإن استخدام مولدات الديزل لمدة تصل إلى٣ ساعات يومياً، ترفع من نسب التعرض اليومي للسرطان بنسبة ٣٣ % أمّا في المناطق التي تعمل فيها المولدات لمدة ٨ إلى ١٢ ساعة في اليوم، فيمكن للجرعات المُستنشقة من البنزوبيرين ــ مُركّبات مُسببة للسرطانات محمولة جواً ــ أنْ تُعادل ١٠ سجائر في اليوم.
سميرة واحدة من ٣٠٠ ألف شخص من سكان (القامشلي) ممّن يُعانون من الاضطرابات النفسية والصحية جراء التلوث وضجيج مولدات الديزل “عصب الطاقة” البديلة للكهرباء النظامية التي تمدّ شوارع وبيوت وأسواق المدينة بالكهرباء لثماني ساعات في اليوم، والتي تجاوز عددها ٣٨٠ مولدة بحسب إحصائية بلدية الشعب المركزية في القامشلي بعد انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه نهائي منذ عام٢٠١٢.
١٠ آلاف مُصاب بالسرطان سنوياً
يستقبل مشفى البيروني في العاصمة دمشق سنوياً سبعة آلاف إصابة جديدة بأمراض السرطان كَمُعدل وسطي حسب إحصائيات المشفى، في حين قَدرت مصادر طبية أنه في كل عام هناك نحو ١٠ آلاف إصابة جديدة في البلاد.
وهي أرقام يعتبرها دانيش إبراهيم أخصائي أمراض الدم والأورام الخبيثة مُخيفة وهي تعادل الــ٦٠ إصابة يومياً لأسباب يُرجّح الطبيب إرتفاعها إلى سوء التغذية والأسلحة المحظورة دولياً، والمُبيدات الحشرية والكيماوية التي يعتبرها الإختصاصي إبراهيم من العوامل المؤهلة والمحرضة للإصابة بالمرض، والتي تعمل على تغيير الشفرات الوراثية التي تؤثر بدورها على انتقال الأمراض وراثياً إلى الأجيال القادمة. وأشار إلى انتشار السرطان بنسب كبيرة بين مختلف الفئات العمرية لاسيّما في منطقة الجزيرة محافظة الحسكة بسبب انتشار المولدات الكهربائية والحَرّاقات.
صورة رقم 1: الدكتور «دانيش إبراهيم» أخصائي أمراض الدم والأورام الخبيثة.
أكثر من ٣٥٠٠ حالة جديدة سنوياً بسرطان الثدي في سورية، وحسب تقديرات بلندا عبد الرحمن طبيبة مُشرفة سابقاً في مشفى البيروني والاختصاصية في علم الأورام أنّ أكثر السرطانات النسائية الشائعة في دول العالم الثالث هي سرطان الثدي حيث إن ١ من أصل كل ٧ نساء تُصاب بسرطان الثدي. بينما ١ من كل ١٢٨ امرأة سَتُصاب بسرطان عنق الرحم. وعلى الرغم من قلّة الإصابة بسرطان عنق الرحم إلا أنّ أكثر من نصف النساء المصابات به يَمُتنَ بسببه؛ فهو أخطر من سرطان الثدي وتكون طرق الوقاية منه بإجراء لُطاخة عنق الرحم. وارتفعت مؤخراً معدلات الإصابة بالسرطان بنسب كبيرة بين السوريات لا سيما سرطان الثدي.
صورة رقم 2: الطبيبة «بلندا عبد الرحمن» المُشرفة سابقاً في مشفى (البيروني) والاختصاصية في علم الأورام.
انهيار النظام الصحي
الحرب الدائرة رحاها في سوريا لعامها الثامن تسببت بهجرة ٥٠٪ من الأطباء الاختصاصيين إلى خارج البلاد، وخلّفت أمراضاً كثيرة لاسيّما بين أنقاض المدن المدمرة. فَبسبب تلوث الطعام والمياه وحتى الهواء وتراكم أكوام القمامة الملقاة في كل مكان، وانحلال الجثث التي يصعب انتشالها من تحت الأبنية المُنهارة، عدا عن الجرب وشلل الأطفال والحصبة والتهاب الكبد الوبائي، والكوليرا، وحمّى التيفوئيد.
وتُرجّح الطبيبة «سحر جميل» أخصائية الأمراض الجلدية أسباب تزايد انتشار اللايشمانيا وغيرها من الأمراض الجلدية المُعدية إلى ظروف النزوح وتجمع أعداد كبيرة من المواطنين في أماكن محصورة وغير نظيفة (كمخيمات اللاجئين ومراكز الإيواء) واستخدامهم مرافق الخدمات المشتركة وتداعيات الحرب على البيئة. إضافةً لوجود مواد غذائية وطبية كـ اللقاحات دخلت سوريا بطرق غير شرعية وغير مراقبة طبياً ومجهولة المصدر وتاريخ الصلاحية.
أشار بيان منظمة الصحة العالمية لعام ٢٠١٧ إلى تدهور الخدمات الصحية وتأثر وصول المدنيين إليها، وكشفت إليزابيث هوف مُمثلة المنظمة في سوريا، عن أنّ أكثر من ٥٠٪ من المرافق الصحية بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية لا تعمل. وبالإضافة إلى ذلك فإن ٧٥٪ من المِهنيين في مجال الصحة، بمن فيهم المتخصصون في اختصاصات عالية مثل أطباء البَنْج والجراحين غادروا البلاد. وتؤكد هوف أن سوريا قبل الحرب كانت تتمتع بأفضل مؤشر صحة في منطقة الشرق الأوسط، وما رأيناه الآن يُوضّح أنّ تغطية عمليات التطعيم قد انخفضت من ٩٥٪ إلى أقل من ٦٠٪، وهذا يُؤثر بشكل خاص على المناطق التي يصعب الوصول إليها والمناطق المحاصرة.
الأسلحة الحارقة
تصاعدت الهجمات بالأسلحة الحارقة في سوريا بشكل كبير منذ بدأت روسيا عمليتها العسكرية المشتركة مع الحكومة السورية في٣٠ سبتمبر/أيلول ٢٠١٥ ضد الفصائل المسلحة المعارضة في غوطة دمشق وإدلب وحماة وسراقب وغيرها. ولم تتوانَ الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة السورية والمدعومة من تركيا في استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين في حيّي (الأشرفية وشيخ مقصود) في مدينة حلب وفي مدينة منبج وريفها.
وتوّلد الأسلحة الحارقة الحرارة والنار من خلال تفاعل كيميائي لمادة قابلة للاشتعال، ما يُسبب حروقاً مُؤلمة لا تُطاق ويصعب علاجها.
صورة رقم 3: الصاروخ الذي ضرب بيت «فهد الناصر».
كان بيت عائلة «فهد الناصر» من قرية الدندلية في ريف مدينة منبج في مرمى القنابل الحارقة والصواريخ التي أطلقها مقاتلو درع الفرات الفصيل المسلح التابع للمعارضة السورية على قريته قبل حوالي عامين وتعرض طفله مصطفى ذو ثلاث سنوات وزوجة أخيه وأخته لحروق أدّت إلى تشوّهات خُلقية.
يُؤكد الناصر تعرض أخته وزوجة أخيه وطفله إلى حالة غثيان وسُعال شديدتين نتيجة استنشاقهم لغازات ذات روائح كريهة كما قال، إضافة لمواد سائلة انبعثت من الصاروخ الذي قُصف به منزله أدّت إلى احتراق أقدامهم وتشوّه جلدها.
صور رقم 4 و 5: تُظهر الطفل «فهد الناصر» وتشوه قدميه نتيجة المواد سائلة المنبعثة من الصاروخ الذي قُصف به منزله.
وتُوّلد الأسلحة الحارقة الحرارة والنار من خلال تفاعل كيميائي لمادة قابلة للاشتعال، ما يُسبب حروقا مؤلمة لا تُطاق ويصعب علاجها، وتُشعل الأسلحة أيضاً حرائق يصعب إطفاؤها، وتُدمّر الأحياء المدنية والبنية التحتية.
منظمة هيومن رايتس ووتش سجلت استخدام ٤ أنواع من الأسلحة الحارقة في سوريا منذ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٢، جميعها من نوع “زاب”، وهي قنابل حارقة.
صورة رقم 6: مادة سائلة ناتجة عن الصاروخ الحارق.
السلاح الكيماوي
خلال الحرب السورية وُثّقت عدة حالات تم خلالها استخدام السلاح الكيماوي كان أبرزها الهجوم الكيماوي الذي استهدف منطقة الغوطة (غوطة دمشق) في ٢١ آب ٢٠١٣. فقد اتّهمتْ المعارضة السورية قوات النظام بإلقاء سلاح كيماوي من غاز السّارين على منطقة الغوطة في حادثةٍ أدّت إلى مقتل ما لا يقل عن١٥٠٠ شخص في زملكا وكفربطنا والمعضمية وجوبر وعربين وسقبا وحمورية وحرستا وعين ترما. كان معظم الضحايا من المدنيين بينهم نساء وأطفال وبلغ عدد المصابين أكثر من ٦٠٠٠ حسب إحصاءات المشافي والنقاط الطبية في المنطقة. وكانت بعثة الأمم المتحدة للتحقيق حول استخدام الأسلحة الكميائية في سوريا قد أجرت تحقيقاً في العام ٢٠١٣ لتقصي مزاعم استخدام الأسلحة المحظورة في ٧ من أصل ١٦ حالات: خان العسل، وسراقب، وشيخ مقصود، الغوطة، البحارية، جوبر، وأشرفية صحنايا.
واعترفتْ احدى فصائل “جيش الإسلام” التابعة للمعارضة السورية، في السابع من أبريل/نيسان ٢٠١٦، باستخدامها أسلحة محظورة خلال الإشتباكات مع وحدات حماية الشعب الكردية في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب والتي تسببت بحالات اختناق في صفوف المقاتلين والمدنيين في الحي.
كما اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش قوات النظام السوري باستخدام غاز الأعصاب في ثلاث هجمات على خان شيخون، وتحدثت المنظمة في تقرير نشرته في أيار/ مايو ٢٠١٧ عن “نمط واضح وممنهج” في استخدام الأسلحة الكيماوية قد يصنف في خانة “جرائم ضد الإنسانية”.
ووفقاً لمجلة فورين بوليسي فقد استخدم الجيش الأمريكي الكيماوي رغم تعهده بعدم استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب في ساحات المعارك في العراق وسوريا، إلا أنّ عدداً من المسؤولين أكّدوا أنّ الجيش الأمريكي قد أطلق آلاف القنابل التي تحتوي على هذه المادة خلال غارتين على شاحنات النفط في سوريا في مناطق كان يُسيطر عليها تنظيم داعش في أواخر سنة ٢٠١٥. وتُعتبر هذه الهجمات بمثابة أول استخدام مُؤكُد للجيش الأمريكي لليورانيوم منذ غزو العراق سنة ٢٠٠٣، عندما استُخدمت هذه المادة السامة لمرات عديدة، الأمر الذي أثار موجة غضب داخل المجتمعات المحلية التي زعمت أنّ هذه المواد السامة من شأنها أن تتسبب في أمراض سرطانية فضلاً عن جملة من التشوهات الخُلقية.
تُحذّر عبير حصّاف رئيسة هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في القامشلي من النتائج الكارثية على الصحة البشرية والحيوانية والبيئية جرّاء استخدام الأسلحة الكيماوية وتضيف: “استخدام الأسلحة المحظورة دولياً تُشكل تهديداً خطيراً على الأمن الصحي في سورية، نتيجة شيوع الأمراض السرطانية، وازدياد التشوهات الجينية التي تخلقها الأسلحة والمواد الكيميائية، ممّا يؤدي إلى تعقيد الواقع الصحي بارتفاع عدد المرضى وضرورة توفير الرعاية اللازمة لهم.”
صورة رقم 7: «عبير حصّاف» رئيسة هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية (الكردية) في القامشلي.
ونوّهت حصّاف إلى أضرار استخدامها على الثروة الحيوانية والزراعية، كون الأسلحة الكيميائية تُؤدي إلى تلوث خطير في التربة والنباتات. وقد تتسبب الخضار والمحاصيل الزراعية والفاكهة المصدرة محلياً بين المحافظات والمزروعة في الأماكن التي تعرضت لتلك الأسلحة إلى خطر انتقال أضرارها إلى المدنيين الذين سيتناولون تلك المحاصيل الملوثة ممّا سَيزيد من خطورة الكارثة، وانتقال خطورتها مستقبلاً أيضاً.”
انهيار القطاع الدوائي
تتوزع معامل الأدوية بشكل رئيسي بين ثلاث محافظات هي: حلب فمعاملها تنتج حوالي ٥٥٪ من إنتاج الدواء السوري، ودمشق وريفها ٤٠٪ وحمص ٢٠٪ ، وبحسب تقديرات الصناعات الدوائية، فقد انخفض انتاج الدواء في سوريا إلى ٦٠٪ نتيجة تضرُّر العديد من المعامل.
أرجع الصيدلاني جلال مراد سبب تراجع جودة الدواء المتوافر حالياُ في سوريا إلى انخفاض جودة المواد الأولية المستوردة من الصين والهند وإيران. وأشار إلى أنّ الغياب شبه التام لرقابة المؤسسات المعنية كان سبباً في قيام مُنتجي هذه الأدوية بتخفيض النسبة الدوائية الفعالة فيها. ناهيكَ عن رَواجْ تجارة الأدوية المُهربة والمخدرات والأدوية المُهدئة والتي تحتوي على نسب عالية من المواد المخدرة، وانتشرت بعض الأصناف الدوائية عديمة الفعالية كأدوية الالتهابات وبعض المسكنات.
صورة رقم 8: الصيدلاني «جلال مراد».
وأضاف مراد إنّ انقطاع طرق النقل والمواصلات بين المحافظات تسبب بدوره بصعوبات في نقل وإيصال الأدوية والمستلزمات الطبية إلى الأسواق. ناهيك عن تعامل المنظمات الصحية العالمية فقط مع السلطات المركزية السورية، وهذا بدوره انعكس سلباً على الواقع الصحي في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري.
استمرار الحرب السورية منذ منتصف آذار ٢٠١١ والتي تسببت بمقتل وإصابة الآلاف وتشريد عشرات الآلاف في مخيمات النزوح واللجوء. فاق واقع الصحة في سورية النتائج الكارثية للحرب التي أنهكت كاهل السوريين منذ قرابة الثماني سنوات. هذا الواقع يُحتم على الجهات المعنية الإسراع في إجراء تقييم شامل للقطاع الصحي والرعاية الصحية في البلاد وتأمين الأدوية للمصابين بالأمراض المزمنة. يجب أن يتم هذا تقييم من خلال دراسات تشمل إلى جانب القطاع الصحي الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ومن ثم وضع السياسات اللازمة لتحسينها مع استكمال ترميم المشافي والمراكز الطبية المتضررة وتأمين المعدات الطبية اللازمة لعملها، وذلك بالتعاون مع منظمات الصحة العالمية.
بواسطة Salon Syria Reports | فبراير 23, 2018 | Cost of War, News, غير مصنف
منذ أيام، لم يذق سكان الغوطة الشرقية وأطفالهم المذعورون طعم الأمان، يلازمون الطوابق السفلية والملاجئ خشية قصف الطائرات التي لا تفارق أجواء منطقتهم، فيما خفّت الحركة في بعض أحياء دمشق جراء القذائف التي تطلقها الفصائل المعارضة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من دوما شرق دمشق.
في الغوطة الشرقية القريبة من دمشق والمحاصرة منذ سنوات، قُتل نحو ٤٠٠ مدني منذ الأحد الماضي، ولم تخفف ردّات الفعل المستهجنة من الدول والمنظمات غير الحكومية من حدة هذا القصف الذي دمر ١٣ مستشفى ومركزا طبياً.
وانتقل الخوف أيضاً إلى سكان أحياء دمشق القديمة القريبة من الغوطة، بعد تكرار سقوط قذائف عشوائية تطلقها الفصائل في الغوطة وتسببت في وقوع عشرات القتلى والجرحى.
ويقول أبو محمد العفا (٣٩ عاماً) من أحد الأقبية التي يتخذها ملجأ له في مدينة دوما لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك تخوف كبير من دخول النظام، لم يبقَ أمامنا مخرج ولا بلد نلجأ إليه، لم يبق لدينا سوى الأقبية». ويضيف: «الخوف كله يتجسد هنا في الملجأ أو القبو» حيث يتجمع عشرات الأشخاص بين ٤ جدران، مضيفاً: «الخوف عظيم والعالم كله يتفرج علينا».
ومع أن الغوطة الشرقية تتعرض منذ سيطرة الفصائل المعارضة عليها في عام ٢٠١٢ لقصف عنيف من قوات النظام، ولاحقاً من حليفته روسيا، فإن الوضع أكثر تعقيداً، بعدما استكملت قوات النظام السوري تعزيزاتها العسكرية في محيط المنطقة، ما يُنذر بهجوم بري وشيك عليها.
وتلخص أمل الوهيبي (35 عاماً) من دوما، معاناة السكان، بالقول: «ننزل إلى هذا القبر (في إشارة إلى الملجأ الذي تختبئ فيه) نقبر أنفسنا قبل أن نموت». وتضيف: «ما نذوقه اليوم أصعب من أن يدخلوا (قوات النظام). قد يكون من الأفضل إذا دخلوا (…) فنحن نتساءل: متى سنموت؟».
بعد سنوات من المعاناة، بات أهالي الغوطة الشرقية تواقين إلى الأمان فحسب، وفق ما تقول أم محمد، المدرّسة في دوما. وتوضح الشابة النحيلة التي ترتدي معطفاً أسود اللون وتضع حجاباً فوق رأسها: «يقول بعض الأهالي إنه ليست هناك من مشكلة في دخول النظام، المهم أن يبقى ابني وزوجي بأمان، المهم أن أعيش بأمان».
وتضيف: «يقول آخرون العكس، أيْ حاربنا ٧ سنوات لنسلم الآن الأرض؟ ونسلم الصغير والكبير والشيخ للذبح؟ لا». وتقول: «الناس محتارون»، بعد ورود أنباء عن تعزيزات تُمهد لهجوم بري: «اليوم، من أول طلقة، يهرع الناس إلى الملاجئ، أو المقابر الجماعية أي الملاجئ غير المهيأة».
وتقصف قوات النظام منذ ليل الأحد الماضي، بالطائرات والمدفعية والصواريخ، الغوطة الشرقية التي تحاصرها بشكل محكم منذ ٢٠١٣ ما تسبب بمقتل أكثر من نحو ٤٠٠ مدني بينهم أكثر من عشرات الاطفال.
وتبدو شوارع مدن وبلدات الغوطة الشرقية خالية إلا من الأبنية المدمرة والركام المتناثر في الشوارع، والدخان المتصاعد من القصف والحيوانات المشردة. وبادر سكان لا ملجأ لديهم يؤويهم إلى حفر غرف تحت منازلهم للاحتماء من القصف الذي طال أيضاً مستشفيات عدة، وفق ما شاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
في ملجأ تحت الأرض في دوما، تقول خديجة (٥٣ عاماً) بتوتر شديد: «لا نتجرأ على الخروج، لا نتجرأ على الصعود من هذا الملجأ، الوضع مأساوي جداً». وتضيف المرأة بصوت يرتجف وقد تجمع حولها عدد من الأطفال في غرفة مظلمة: «الطيران من فوقنا والقذائف من حولنا (…) أين نذهب بأطفالنا؟».
وعلى غرار خديجة، انتقل الكثيرون من سكان الغوطة الشرقية إلى الملاجئ والأقبية تحت الأرض لتفادي غارات ومدافع قوات النظام التي تستهدف أحيائهم وأسواقهم ومنازلهم.
وأدان العديد من المنظمات الإنسانية الدولية التصعيد على الغوطة الشرقية، وحذرت الأمم المتحدة من أثره «المدمر»، فيما يبدو المجتمع الدولي عاجزاً عن تبني موقف موحد يضع حداً للقصف، وسط محاولات لتمرير قرار في مجلس الأمن لهدنة انسانية لثلاثين يوماً.
ورغم التصعيد الشديد، يقول صالح أبو دقة (٤٧ عاماً)، أحد سكان دوما: «الناس اعتادوا. والقصف لم يهدأ على الغوطة منذ 6 سنوات، يأتينا موجات خلف موجات».
والى جانب الخسائر البشرية، أدى القصف المكثّف من النظام إلى دمار كبير في الأبنية وممتلكات مواطنين والبنى التحتية، وإلى تفاقم المأساة الإنسانية وتردّي الوضع الصحي والطبي والغذائي الذي بلغ أسوأ حالاته منذ بداية الحصار على الغوطة قبل ٥ سنوات. وأعلن الناشط في الغوطة الشرقية عبد الملك عبود لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع الإنساني مأساوي للغاية». ولفت إلى أن «أغلب المشافي والنقاط الطبية استُهدفت وخرجت من الخدمة نهائياً»، مشيراً إلى أن «الأطباء انتقلوا إلى المنازل والأقبية لإجراء العمليات الجراحية للمصابين، وهم يعانون من نقص حاد في المستلزمات الطبية»، لافتاً إلى أن «المجالس المحلية شكّلت لجان طوارئ في كل المدن والبلدات المنكوبة، لتجهيز الأقبية ونقل المدنيين إليها، في ظل استحالة السكن فوق الأرض».
على بُعد بضعة كيلومترات فقط، يعتري الخوف أيضاً سكان دمشق مع اشتداد وتيرة سقوط القذائف التي تطلقها الفصائل المعارضة المنتشرة في الغوطة الشرقية، وتستهدف بشكل أساسي المدينة القديمة.
وغداة مقتل ١٣ مدنياً أول من أمس (الثلاثاء)، في دمشق، وفق الإعلام السوري الرسمي، فضّل كثيرون التزام منازلهم ومتابعة آخر التطورات على نشرات الأخبار، بينما تُسمع أصوات الطائرات المحلقة فوق الغوطة الشرقية وضرباتها الجوية. وامتنع الكثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس، وأعلنت مدارس في الأحياء التي تستهدفها القذائف إقفال أبوابها.
يقول إبراهيم (٥١ عاماً) في أثناء تفقده الأضرار التي خلّفتها إحدى القذائف في منطقة باب شرقي، لوكالة الصحافة الفرنسية: «نريد من الجيش أن يخلّصنا من هذا الوضع بأي حل يراه مناسباً، لقد مللنا القذائف التي تسقط ليلاً ونهاراً». ويضيف: «لم نعد نتجرأ على إرسال أبنائنا إلى المدارس. بات الخوف هو المسيطر»، موضحاً: «سنتحمّل قليلاً لنرتاح لاحقاً».
وبعد بدء التصعيد، ووسط أنباء عن هجوم وشيك على الغوطة، قال سكان في دمشق إنهم بدأوا التفكير في حلول تبعدهم عن القذائف على غرار «كريم» الذي قرر الانتقال مع عائلته إلى مسقط رأسه على الساحل السوري «حتى عودة الهدوء».
وبدا حي باب توما في دمشق القديمة، حيث تنتشر المقاهي والحانات، شبه خالٍ إلا من بضعة «مُغامرين بحياتهم»، كما وصفهم أحد المارة.
ولم تمنع القذائف فهد بركيل (٥٤ عاماً) من التوجه إلى عمله في ورشة تصليح السيارات في شرق دمشق، ويقول: «سكني وعملي في منطقة مستهدفة بالقذائف، لكن إمكاناتي المادية لا تسمح لي بالذهاب إلى مكان آخر». ويضيف: «ليس لديّ خيار آخر، سأبقى وليساعدنا الله».
نقلا عن “الشرق الآوسط” و فرانس برس ونشطاء