الابتزاز الالكتروني.. محرّك حالات طلاق وانتحار وجرائم القتل

الابتزاز الالكتروني.. محرّك حالات طلاق وانتحار وجرائم القتل

تواجه النساء في شمال غرب سوريا جرائم الابتزاز الالكترونية بمفردهن، وسط غياب القوانين الرادعة وأساليب التوعية، وندرة الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها النساء في مجتمع ذكوري يضع اللوم دائماً على المرأة، ويحملها مسؤولية كل مايحدث لها من جرائم وممارسات وتجاوزات.

لم تتوقع حنان الصطوف (٢٢ عاماً) أن تواجه أختها ريما (١٨ عاماً) تهديد أحدهم بنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي بالانتحار. قتلت ريما نفسها بتناول حبة غاز” فوستوكسين“ بتاريخ ٢٤ يوليو/تموز ٢٠٢١، ووضعت نهاية لحياتها بعد أن حاصرها هاجس ”الفضيحة والعار“ الذي ممكن أن تجلبه لأهلها إن نفذ الرجل تهديده لها.

” لن يصدقني أحد، رغم أنني لست مذنبة، ولا علم لي كيف وصل ذاك الشخص لصوري الشخصية” كلمات رددتها ريما خفية لأختها حنان قبل أن تقتل نفسها على غفلة من الجميع. 

تقول حنان متأثرة بما حدث مع أختها “المجتمع لا يرحم عندما يتعلق الأمر بالنساء، والجانب الذي يروى لصالح الضحية غالباً لا يتم تصديقه“، وعما دفعها للانتحار تشرح بأن أختها كانت خائفة من إمكانية تنفيذ المتحرش لتهديده، وعبثاً كانت تحاول الوصول إلى مساعدة، ورغم أن حنان نصحتها بالهدوء من أجل البحث عن حل ما، غير أنها سارعت بوضع حد لحياتها بهذه الطريقة المأساوية.

قبل ذلك بشهر واحد، أنهى فايز السرحان حياة ابنة عمه تيماء السرحان (٢٢ عاماً) مع والدتها في مخيم إحساس الحدودي في ريف إدلب الشمالي بحجة ”الشرف“، وذلك في تاريخ ١٢ حزيران/يونيو ٢٠٢١ حين أطلق الرصاص عليهما، على خلفية نشر صورة لتيماء من دون حجاب، على مواقع التواصل الاجتماعي قيل إنها “مسروقة”.

ولأن فايز، هو الرجل الأكثر قرباً من العائلة، كان عليه ارتكاب جريمته لـ”غسل عار العائلة والوصم الذي سيرافقهم مدى الحياة”، وفق ما أكدته عمة الضحية سميرة السرحان.

سميرة استنكرت الجريمة وتنفيذها على مرأى من ساكني المخيم، الذين لم يفاجئوا بفعلة المجرم، واعتبروها ردة فعلٍ طبيعية، وأمر “متوقع لفورة دم شاب على عرض ابنة عمه”.

من جهتها صدمت شيماء المحمد (٢٧ عاماً) بطلاق زوجها لها بعد محاولة ابتزازها من قبل أحد الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي إثر رفضها إقامة علاقة عاطفية معه، فما كان منه إلا أن تواصل مع زوجها عبر صفحته الشخصية مهدداً إياه بنشر صور زوجته، وهو ما دفع الزوج لتطليق زوجته, رافضاً تصديق عدم إقامتها لعلاقة جنسية معه.

تقول شيماء وهي من ريف إدلب الجنوبي وأم لطفلين أن قصتها بدأت حين قبلت صداقة أحد الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي والذي راح يستدرجها في الأحاديث العادية، حتى وصل لتفاصيل حياتها وحساب زوجها، ليستخدم كل تلك التفاصيل ضدها حين رفضت الانصياع لتهديداته، عندها خيرها بين الفضيحة وإقامة علاقة حميمية معه.

تقول شيماء ”دفعت ثمن قبولي لصداقة ذاك الشخص بطلاقي وخراب بيتي وحرماني من أطفالي وتشويه سمعتي، فقط لأنني رفضت تهديدات وابتزاز ذاك الشخص الذي تمكن من تخريب حياتي ودمرها“، مضيفة “أياً كان موقف الفتاة سواء مذنبة أو لا، الكل هنا يضع اللوم عليها ويحملها كامل المسؤولية في حال تعرضها لأي تحرش أو مضايقات إلكترونية، بدعوى أنها أقامت علاقات عاطفية مع أشخاص وأرسلت لهم صورها ومعلوماتها الشخصية“.

وتوضح شيماء أن الأمر أبسط مما يتوقعون، ويمكن للكثيرين الوصول إلى تلك المعلومات عبر بروفايل الملف الشخصي أو عبر عمليات القرصنة والاختراق للأجهزة الإلكترونية، أو عبر أحاديث الصداقة العادية كما حدث معها.

خبيرة الأمن الرقمي علا حاج حسن (٣٦ عاماً) قالت إنه آن الأوان لنشر التوعية الرقمية ونشر ثقافة الحفاظ على أمن المعلومات وكيفية التعامل مع الجرائم والابتزاز الالكتروني، وخاصة بعد استفحاله في المنطقة من جهة، وجهل الكثيرات بكيفية التصرف ومواجهة تلك التهديدات من جهة أخرى.

مشيرة إلى أن الخوف من طلب المساعدة من قبل ضحايا الابتزاز الإلكتروني ومحاولاتهن لحل مشكلتهن بأنفسهن عادة ما يزيد الأمر سوءاً، ويعطي المبّتز ”فرصاً أكبر للتمكن من فريسته، وخاصة مع عدم معرفة هؤلاء بآليات الحماية، وخوفهم من ردة فعل المجتمع حولهم مما يفاقم من مستوى تورطهم“ بحسب قولها.

ويعتبر اللجوء للقضاء في مثل تلك الحالات أمر بالغ الصعوبة، وخاصة حين لايمكن الوصول للاسم الحقيقي للمبتز أو عنوانه لاسيما وأن معظم هؤلاء يستخدمون حسابات وأسماء وهمية، كما يكون مكان إقامتهم خارج المنطقة، ولذا يصعب مقاضاة هؤلاء ومحاكمتهم.

المحامي عادل الويس (٤٠ عاماً) يرى أنه على الفتاة سواء أكنت قاصرة أو بالغة، أن تستشير من هو قريب إليها وخاصة أحد والديها حتى يحاولان إيجاد حل للمشكلة قبل أن تتفاقم ويصبح حلها معقّدًا، وعدم التكتم على التهديد وتقديم شكوى وتنظيم الضبط وستعمد الجهات المختصة للتواصل مع الجاني وإيقاعه في كمين.

وينصح الويس بعدم الرضوخ و دفع أي مال للمبتز لأن ذلك لن يجعله يتوقف عن الابتزاز، وأن تحاول الفتاة قدر الإمكان التعرف على أي تفاصيل عن المبتز مثل الهوية، والحساب، الموقع، وأي دليل يدعم جريمة الابتزاز.

مشيراً إلى أنه وفي حال كان الابتزاز الالكتروني نتيجة عملية اختراق، فيتوجب الاستعانة بأحد المختصين لتوثيق عملية الاختراق تلك، لدعم موقف الضحية أمام ذويها ومجتمعها على الأقل.

وينصح الويس باتباع أعلى درجات الوقاية وحماية المعلومات الرقمية والوثائق والصور الشخصية، عبر تتبع دورات وتدريبات الأمن الرقمي سواء كان ذلك عبر دورات فيزيولوجية تقيمها بعض المراكز والمنظمات أو تكون أونلاين غبر شبكة الإنترنت، وبالتالي تجنب الوقوع في شرك عمليات التحرش والابتزاز والجرائم الالكترونية، التي راحت تنتشر بشكل كبير مؤخراً مودية بمستقبل وأحلام الكثيرات.

”الأمير الأبيض“ يهجر موائد الجزيرة السورية

”الأمير الأبيض“ يهجر موائد الجزيرة السورية

لعقود خلت، لم تخلو وجبات فطور أهل الجزيرة السورية من القيمر (الگيمر) باللهجة المحلية، كما يعرف أيضاً بـ“الأمير الأبيض“، فهو طبق رئيسي وتقليدي على مائدة الفطور.

 والقيمر هو قشدة حليب الثيران الدسمة ويعد وجبة غذائية دسمة ولذيذة، وغالباً ماكان يقدم مع العسل، قبل أن ترتفع أسعاره لينضم إلى قائمة الأطعمة المحرمة على أغلب السوريين، أذ أصبحت هذه الوجبة التقليدية حلمًا لمحبيها، وأصبح بعضهم يأكلها في المناسبات السعيدة فقط.

يقول الحاج عمران وهو أحد باعة القيمر في مدينة “الحسكة” لـ”صالون سوريا“ أنه ورث المهنة عن والده منذ طفولته، وهو لازال يعمل بها لكنه يتخوف من اندثارها ”بسبب ارتفاع أسعارها، إذ وصل ثمن الكيلو الواحد منه إلى الثلاثين ألف ليرة سورية” بحسب قوله.

والقيمر هو طبق ترحيب أهالي الجزيرة السورية بضيوفهم القادمين من المحافظات الأخرى، وبه تتزين مائدة العرسان صباحاً، كما اعتاد الأهالي تقدميه مع بعض الحلويات مثل “الكنافة” و”البقلاوة”.

التكلفة تفوق المكسب

الجدة “أم لؤي” تبلغ من العمر٦٦ عاماً وهي تعمل في صناعة القيمر وبيعه للمحلات في سوق الحسكة منذ سنوات، تشارك الحاج عمران تخوفه من اندثار مهنة الأجداد، بعد رفع مالكي الجواميس أسعار الحليب الذي يصنع منه المادة.

تقول أم لؤي إن العديد من النساء تركن لقمة عيشهن من صناعة وبيع القيمر، لأن التكلفة صارت أكثر من المكسب مضيفةً ”;كل شهر يرفع باعة حليب الجواميس أسعارهم، ونحن الصانعات نضطر لرفع أسعارنا لتجار السوق الذين يشتكون من قلة الطلب، وفوق هذا، يضطر الكثير من أصحاب الجواميس لبيع مواشيهم لعجزهم عن تحمل نفقة تربيتهم بسبب ارتفاع أسعار العلف“.

كانت أم لؤي تحضر للمحلات التي تتعامل معها، أكثر من عشرين كيلو من القيمر يومياً قبل عدّة سنوات، أما الآن فيعتبر بيعها لأربع كيلو من القيمر ”إنجازا عظيماً“ كما تقول. ويبلغ سعر هذه الكمية من القيمر بسعر الجملة خمسة وعشرين ألف ليرة، ” ولو خصمنا ثمن الحليب مع تكلفة الغاز المنزلي، وأجرة المواصلات فإني أكسب من كيلو (القيمر) خمسة آلاف ليرة سورية، أي بمعدل عشرين ألف ليرة وهي لا توفر لي ولأحفادي ثمن كيلو لحمة” تختم أم لؤي.

ومن جانبه يشير لطفي سعيد، وهو تاجر قيمر قديم في سوق الحسكة لـ”صالون سوريا، إلى أنه كان يبيع في اليوم أكثر من 200 كيلو قيمر لمحلات صناعة الحلويات والعائلات، مضيفاً “أحيانا كنا نطلب كميات إضافية لنسد حاجة السوق بسبب زيادة الطلب، لكن الحالة الاقتصادية المزرية وارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية أمام الليرة السورية ساهم في خفض الطلب على المادة اليوم“.

ويبلغ سعر كيلو القيمر اليوم حوالي ثلاثين ألف ليرة سورية، وعزا إبراهيم السعدي، وهو تاجر مواد غذائية في السوق الشعبية بمدينة القامشلي، تراجع بيع القيمر وغيابه عن موائد يوم الجمعة والمناسبات السعيدة إلى غلاء أسعاره، معللاً أسباب تراجع المهنة إلى تأثرها بالأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود والأعلاف والتسويق، وندرة المياه التي تحتاجها تربية الجواميس بسبب موجات الجفاف وقطع مياه الأنهار من قبل الحكومة التركية.

ذكريات الماضي 

تستذكر الجدة عنود طقوس تصنيع القيمر وتجهيزه مع جاراتها في حي الطي بمدينة القامشلي قبل انطلاقهن للسوق وبيعها لتجار المادة.

وتقول الجدة السبعينية أنها كانت تحلب جواميسها قبيل غروب الشمس، لتبدأ بعدها صناعة القمير، وعن طريقة صناعته تشرح ”تغلي الحليب الدسم في أواني كبيرة وعريضة ترفع على نار هادئة، ويحرك بمعلقة خشبية تحريكًا مستمراً، ثم تغطى أواني الحليب المغلية بقطعة قماش نظيفة مخصصة للعملية ، ويغطى جيداً بغطاء سميك ويترك حتى صباح اليوم التالي“.

وتتابع: “بعد رفع الغطاء نجد أن الطبقة الدسمة الدهنية قد ارتفعت على سطح الحليب وتحولت إلى القيمر، فنقطعها بالسكين بخطوط متساوية ونجمعها بانتظام، أما الحليب الذي بقي في أسفل الأواني، فنصنع منه اللبن والجبنة بعد إعادة غليه من جديد”.

بعد الإنتهاء من صناعة القيمر منزليا، اعتادت عنود على الانطلاق مع ساعات الصباح الأولى باتجاه السوق مشياً على الأقدام، مصطحبة كميات كبيرة مما صنعته يديها من ”فطور الملوك“ على حد وصفها.

عودة النساء إلى الأسواق الدمشقية

عودة النساء إلى الأسواق الدمشقية

تعتبر حركة الأسواق دليلًا مهمًا على تعافي الاقتصاد أو تراجعه. وغالبًا ما يتم رصد عمليات التسوق في الأسواق المركزية والأسواق الشعبية المشهورة أو المتخصصة ببيع مواد وسلع محددة، لقراءة حركة السوق الحقيقية واستنتاج القيمة التبادلية النقدية الفعلية، وحركة السلع حسب الطلب عليها وحسب نوعها، وعمليات البيع والشراء بصورة دقيقة وقابلة للتحليل والاستنتاج.

تماهى السوريون والسوريات مع الأسواق حتى باتت جزءًا من ثقافتهم اليومية، فأكسبوها أهمية وجدانية استشرافية وتقييمية خاصة، وأطلقوا عليها صفات بشرية مثل: “السوق ميت، السوق بارد، السوق شاعل نار، السوق مكسور، السوق حلو، السوق مليان حياة، السوق عم يغلي غلي، السوق بيبكي..”

يمتدح غالبية الناس ميزة الرغبة في ارتياد الأسواق وحب التسوق التي تتمتع بها غالبية النساء وخاصة المدينيات. بعض الباعة يكره عملية المفاصلة التي تقوم بها النساء لشراء حاجياتها، وغالبية التجار وخاصة في محال بيع الجملة وفي الأسواق الشعبية المشهورة بدمشق مثل العصرونية وسوق الحميدية وسوق تفضلي يا خانم، يمزجون ما بين الكلام اللطيف لترغيب النساء بالشراء وما بين تقديم النصائح بجدية محترفة تساهم في إقناع النساء بشراء مادة محددة من بائع محدد، وربما يصير عنوان المحل المذكور وجهة شبه دائمة لتلك السيدات.

في سوق العصرونية الدمشقي الشهير والواقع خلف قلعة دمشق مباشرة، ازدحام كبير، شاحنات صغيرة تنقل البضاعة من وإلى السوق والحركة الأبرز هي إفراغها في داخل السوق. تختلط خطوات الزبائن وخاصة من النساء مع إطارات الشاحنات وبأصوات سائقي عربات التحميل اليدوية، ازدحام يبدل الصورة العامة لحركة الأسواق خلال الأعوام الماضية التي اتسمت بإغلاق المحال باكرًا، وضعف حركة المتسوقين والمتسوقات. لقد لجم الخوف وواقع النزاع كل الفعاليات اليومية المعتادة، حتى التسوق تحول لمخاطرة كبيرة ألزمت الناس على التزام بيوتهم، أو الاكتفاء بشراء الضروريات فقط من أقرب منافذ للبيع. عدا عن تأثر بضائع كثيرة بالكساد والتوقف شبه التام عن شرائها مثل مواد البناء وأطقم الزجاج والقماش وخاصة أقمشة الأعراس والمناسبات العائلية والحفلات والاحتفالات بالأعياد وسواها.

لكن رغم الازدحام الظاهر فقد تبدل المشهد جليًا، في عمقه ودوافعه وفي مجرياته اليومية، والأهم أن انخفاض نسبة الأرباح ساهمت بفرض سعر شبه رائج محدد للبضاعة في غالبية المناطق التي كانت تشهد تباينًا كبيرًا في الأسعار.

على اسفلت الرصيف يفرد عدد من الباعة بضاعتهم، تقترب النسوة لتشتري، ثمة نظرية متعددة الأركان تبرز هنا: أولها أن البيع على البسطات يتم بسعر أقل، بذريعة أن البائع لا يدفع إيجارًا أو نفقات لمحله ولا أجور عمال مساعدين؛ وثانيها أن من يفترش الأرض الآن هو تاجر سابق خسر محله أو تجارته واضطر للبيع هنا، وبالتالي فإن الشراء منه قد يكون جبرًا لخواطره المكسورة أو دعمًا له على خساراته المتتالية والمؤلمة؛ وثالثهما أن المفاصلة هنا أسهل وربما أكثر قابلية للنجاح.

اعتاد السوريون والسوريات على شراء أطقم كاملة متسلسلة الحجم حتى للمصافي والأدوات البلاستيكية، لكن كل شيء قد تغير، وخلو البيوت من الأساسيات غير قابل للترميم أو التعويض، حتى البائع يسهل حركة البيع ليكسب أكثر وليضمن بيعه لعدد أكثر من القطع التي يتركز الطلب عليها، حيث يفرد الطقم كاملًا، لكنه يعرض فرصًا لبيعه بالمفرق ولكل قياس سعر. اللافت هنا هو قلة الطلب على الأحجام الكبيرة، تراجع بيعها بشدة والتزم المتسوقون /ات بشراء عدد أقل ومقاسات أصغر حتى من الأطباق وكؤوس الماء والطناجر والمقالي والمماسح وأدوات التنظيف.

ترتبط عملية شراء قطع محدودة وبأحجام صغيرة بقلة السيولة المالية أولاً، وبتفتت العائلات ثانياً، لدرجة غابت تقاليد اجتماع العائلة كاملة حتى على سفرة شهر رمضان بصورة شبه نهائية. تفرقت العائلات، صغرت البيوت وضاقت المساحات القابلة لاحتواء أثاث المطبخ، تعبت الأمهات من الحزن والقهر ومن الأمراض المزمنة ووجع الرحيل وفقدان البيوت والسكن المشترك وبدلات الإيجار المرتفعة. كل شيء بلغ أقصى حدوده من الهشاشة ومن القسوة في نفس الوقت، وعندما تجتمع الهشاشة مع القسوة تغيب غالبية التفاصيل الجامعة والمرضية والمريحة حتى لو كانت دزينة كاملة من الأطباق المقتناة برضا واكتفاء.

ثمة مقولة شبه عامة تقول: أن النساء يذهبن للتسوق ويعدن بخفي حنين، تسوق مغلف بهدف آخر وهو الخروج من المنزل، للترفيه عن الأطفال أو مرافقتهم للسوق وكأنه مشوار، يطول وقته بسبب السير الطويل وأزمة المواصلات، قد يفوز الأطفال بالبوظة أو بسندويشة شاورما أو فلافل أو بطاطا مقلية، لكن الأم تعود راضية رغم تعبها لتقول: “يا حرام الأطفال محبوسين بالبيوت، يرجعوا من السوق على النوم مباشرة لأرتاح من نقهم وطلباتهم غير قابلة للتحقيق.”

عادت النساء إلى الأسواق لكن الأسواق لم ولن تعود! في سوق الصالحية عدد كبير من المحال المغلقة، قرر أصحابها إغلاقها واختزلوا العملية بعبارة: الإغلاق أوفر، يكفي خسارات!

بائع الملابس الداخلية القطنية في شارع الحمراء وهو سوق مشهور، يقول مشبعاً بالغصات: “بالأمس فتحت المحل من التاسعة صباحاً، ولم تأت الرزقة حتى الساعة الثامنة إلا ربعاً، عندما جاءتني سيدة تعيش خارج سورية واشترت كمية من الألبسة الداخلية أمنت لي قوت يومي وطلبات المحل ليوم واحد، اليوم.” تحاول سيدة مفاصلته، يغضب ويقول لها شبه صارخ: “الساعة الثانية بعد الظهر! لم أسترزق بليرة واحدة، وأنت تفاصليني بأسعار ألبسة إن عدت لطلبها وترميم غيابها سأدفع أكثر من نقودك التي ستدفعينها اليوم.”

في حركة الأسواق ملامح غادرة وغير دقيقة، الازدحام لا يعني التسوق ولا البيع، والأيدي الفارغة من الأكياس لا تعبر إلا عن عجز واضح، حتى الأكياس المحمولة والممتلئة بسقط المتاع والاحتياجات اليومية هي مرآة للواقع الحقيقي، لا بد من استبدال ما انتهى عمره وأصبح خارج الخدمة، إنها الضرورة فقط.

يتفق الجيران في ثلاثة مبان متجاورة على التسوق من سوق الهال الواقع في حي الزبلطاني الواقع في قلب مدينة دمشق متوسطاً ساحة باب توما وساحة العباسيين، يتفقون على تسوق يومي ولكن بالجملة ويتبادلون الخضار والمعلبات واللحوم على قلتها والطحينة والأجبان والألبان كل حسب حاجته. الفرق كبير جدًا بين أسعار سوق الهال وبين أسعار المواد ذاتها في الدكاكين القريبة، الحكم على باعة الدكاكين بالطمع والتجبر بات أمرًا غير دقيق أبدًا. يُعاني باعة المفرق من كلفة المواصلات والتخزين وخاصة في البرادات بعد أن باتت الكهرباء بحد ذاتها مجلبًا للخسارات الكبيرة وغير القابلة للتعويض ومن الضرائب المتصاعدة بأشكال متعددة.

في سوق الطبالة، يغير محمود من ترتيب محله، يدير ظهر البراد الكبير إلى واجهة المحل ويعلق عليه لافتة للبيع، يصير المحل ومحتوياته مجرد واجهة ضيقة، فبعد امتناعه عن بيع الأجبان والألبان بسبب تلفها لمرات عديدة، تضاءلت بضاعة المحل، واقتصرت على المواد الجافة، ونظرًا لأنه يسكن بعيدًا عن محله فقد وضع فراش اسفنجي في المنطقة المفرغة منه والتي أصبحت خالية بشكل موجع ومخيب ولا شيء متوفر لملئها، وقال أنه نام هنا لمرتين بسبب انقطاع المواصلات.

تتغير حركة الأسواق في مواسم الأعياد، يتزايد الشراء والبيع، غالبية الأموال هي دعم من الخارج، والخارج هنا العائلة، بعض الأصدقاء والصديقات الراغبين أو القادرين على المساهمة، إضافة إلى بعض “أهل الخير”! وعبارة “أهل الخير” هي عبارة موجعة جداً، أي خير هذا الذي أصبح غير متاح إلا على نفقة الآخر وربما الغريب. تتسع حركة البيع والشراء وحركة ارتياد الأسواق، لكن ثمة إجماع على أن هامش الربح لا يكفي لصمود أحد لا الباعة ولا المشترين، وإن كانت العائلات تصر على شراء سراويل جينز لأنها عملية ويمكن مرافقتها بأية بلوزة أو قميص، لكن تبقى قضية الأحذية هي مفتاح العجز الواضح على تفاقم الحاج وتعقيدات تحديد ملامحها أو إمكانيات النفاذ منها نحو حلول أكثر وفرة وأكثر عدلاً. 

نعم باتت الأحذية قضية، ثمة بضائع كبيرة وكثيرة منها، لكنها رديئة بالعموم، والجيد منه سعره غالٍ جداً، بضائع تستوطن بسطات عملاقة تكفي لملء محال بكاملها، لكنها مفروشة على البسطات وعلى العربات، في البرامكة وفي الصالحية وفي باب توما، أينما سرت تصدمك وفرة الكميات من كل شيء، تبدو الأحذية جميلة ومرتبة وتلائم الموضة الدارجة، لكن في الوقت نفسه تتزايد الأقدام الحافية والأقدام التي تخرج أصابعها من مقدمات أحذيتها والكعوب الذائبة وشحاطات البلاستيك.

ما بعد الحروب، تتحول الوفرة في الأسواق بحد ذاتها إلى أداة نزاع، من يستحق ومن هو قادر على الشراء! لكن سؤال الجودة والجدوى مفقودان، لأنه وبكل بساطة لا يمكن تحققيهما في ظل مداخيل كذرات الغبار وفي ظل احتياجات تتضاعف كل يوم.

سؤال الجودة لا يليق بالحرب، ولا بأسواق بالغة الهشاشة وعلى شفا الانهيار، وجيوب عاجزة رغماً عنها وعن أصحابها. 

وإن عادت الأسواق فمن يعيد الاكتفاء، وإن عاد المتسوقون والمتسوقات فمن يعيد جدوى البيع والشراء كتفصيل حيوي ومتوازن في تفاصيل الحياة!

من يعيد للسوق حيويته وتفاعله وصفاته الإنسانية التي تربطه بأهله وناسه وصناعه والفاعلين فيه! 

هذه المادة منشورة في جدلية

النبّاشون.. ضحايا حرب

النبّاشون.. ضحايا حرب

كنت أجمع البلاستيك التي تستغني عنه أمي، وكابلات الكهرباء التي أجدها في طريق عودتي من المدرسة، واراكمها في زاوية فوق سطح منزلنا حتى تصير كميتها جيدة، فأبيعها لـ “أبو عرّوف”، الذي كان يدفع عربته ثلاثية العجلات وهو ينادي على سكان الحارات التي يمر بها، علهم يخرجون ما يملكونه من مواد قابلة للبيع، فيشتريها، فنداء “يلي عندو بلاستيك، نحاس، المنيوم، للبيع” مع مد الكلمة الأخيرة، كان مسموعا في كل سورية. لاحقاً صرت أجد في الشوارع أطفالا من عمري يحملون أكياساً لينبشوا حاويات القمامة بحثا عما يُباع، وكنت أحسب أنهم مثلي يبحثون عن مبلغ ٢٥ ليرة سورية في نهاية المطاف، لكن الفارق أنهم كانوا يجمعون في يوم واحد ضعف ما أجمعه في أسبوع، والحقيقة أن فكرة تقليدهم بالمهنة لم تكن تغريني، وكانت تجارتي الصغيرة والبطيئة تلك، سببا لتوبيخ دائم من والدي الذي كان يعتبر أن تكديس البلاستيك فوق السطح ينتقص من قيمة الأسرة، ثم إني بدأت اكتشف الأمر أكثر بمجرد قدرتي على مغادرة الحي نحو السوق منفرداً، شبان ونساء يحملن أكياساً ليجمعوا ما يقدروا عليه من المواد القابلة للبيع، وآخرين يجمعون “الكرتون”، الفارغ من الأسواق ما إن تغلق المحال أبوابها، فسعر كيلو الكرتون كان بـ ٤ ليرات، وسعر كيلو البلاستيك كان بـ ١.٥ ليرة، وذلك كان في تسعينات القرن الماضي وحسب.

الحرب.. أثر دائم

على يمين الجسر الكائن بالطرف الشرقي من مدينة الكسوة، وتحديدا على كتف اتستراد درعا الجديد، ثمة مخيم يقطنه ما يقارب ٧٠ عائلة نازحة من محافظة الحسكة تحديداً، هو مخيم خارج من حسابات كل المنظمات الإنسانية بما في ذلك “الهلال الأحمر”، والاقتراب من هذا المخيم يحتاج لحذر شديد، فسكانه يخشون النظرة الدونية التي قد يقابلون بها من الغريب، فهم من ابناء عشائر الحسكة الذين تقطعت بهم سبل النزوح إلى خيام مبنية مما تيسر من أقمشة و “شوادر معونة”، اشتروها من حر مالهم بعد أن حصل عليها من لا يستحق.

المهنة الأساسية التي يعمل بها سكان هذا المخيم هي “نبش القمامة”، بحثا عما يباع من “بلاستيك – ألمنيوم – عبوات زجاجية غير مكسورة – كرتون”، وهي المهنة الوحيدة التي قبلت بهم بعد نزوحهم من قراهم بفعل الحرب، حيث تركوا اراض زراعية كانت تستثمر في انتاج القمح والشعير، لكنها اليوم تخضع لسيطرة القوات التركية.

يقول ”حواس” وهو أحد سكان المخيم لـ ”صالون سوريا“: ”اتمنى العودة، على الأقل هناك لدي منزل مبني من طوب لا من خيمة لا ترد برد الشتاء أو خر الصيف، وهناك سيكون لدي القدرة على زراعة أرضي بدلا من أن تتحول لحقول ألغام، هجرت قريتي المبروكة، منذ أن دخلت خارطة الحرب، لدي أطفال أردت لهم العيش خارج المناطق المشتعلة، وهنا بالقرب من الكسوة سكنت مع عائلات أخرى هذا المكان الذي تمر من أمامه قوافل الإغاثة وسيارات المنظمات نحو درعا دون أن تكترث لوجودنا”.

مرافقة حواس إلى مكبات القمامة ستجعل من اليوم يبدو غريباً، يمتلك أدوات للعمل منها القفازات السميكة التي تحميه من الخدوش أو الجروح، وخلال تقليبه للقمامة ونبش أكياسها، يقول: ”من الصعب أن تجد في المكبات ما هو مهم، غالبا ما يكون نباشين آخرين قد مروا بالحاويات في الأحياء، لكن فرصة كسب تبقى قائمة“.

ويستغرب سمير وهو من سكان هذا المخيم أيضاً من الحديث عن وجود زعامات أو تقسيمات لعملية النبش بين المشتغلين فيها، ويقول لـ ”صالون سوريا“: الرزق على الله ونحن نعمل بهذه القاعدة، لا يعرف كل النباشين بعضهم بشكل وثيق، لا يوجد تقسيمات ولا زعامات لهذه المهنة كما يتحدثون عنا في التلفزيون والاعلام، نحن أناس على باب الله وفقط”.

ويسخر سمير من ذكر احتمال تعرضه للمخالفة لأنه يعمل في مهنة غير مرخصة، ويقول: “إذا بدي ارخص نبش القمامة فيجب أن يكون لدي نقابة، وسيكون اسمها نقابة النباشين، وبالتالي حين نتقاعد سيكون لدينا تعويض من صندوق النباشين التعاوني، وربما نستطيع ترخيص جمعية سكنية تحت اسم جمعية النباشين“.

ثم يضيف “كنا نمر بالإحياء فنرى الشفقة في عيون الناس، الأمر مزعج لكنه بات أكثر ازعاجا ونحن نسمع كلام الناس عن ثرواتنا المهولة التي نراكمها من عملية نبش القمامة التي قد لا تصل في النهاية إلى مبلغ يسد الاحتياجات اليومية، ولو كان لدينا الثروات التي يتخيلها بعض الناس، لسكنا في منازل بدلا من خيامنا التي تنهار من ثقل مياه المطر”.

تنميط.. وتهم معلبة 

يخاف سكان الاحياء المجاورة من المخيم، يعتقدون أن سكانه من اللصوص وعصابات الخطف، ويعاني أطفال المخيم من التنميط والتمر، فمن يذهب منهم للمدرسة يعامل على إنه كيس أمراض متنقلة لأن ذويه يعلمون في نبش القمامة، حتى إن سكان الأحياء يمنعون أطفالهم من اللعب مع أطفال المخيم. وتعاني النسوة منهن بشكل دائم من التحرش من قبل اصحاب المحال التجارية القريبة من المخيم باعتبار أنهن “سهلات المنال”، أو يعملن بـ ”الدعارة“.

عن هذا تقول أم مصطفى: ”كلما دخلت لأحد المحال التجارية يبدأ مسلسل التلطيش وتسميع الحكي، الكل يعتقد أن الفقر سيدفعنا للقبول بما يعرض علينا، أو إن مجرد سكننا في الخيام يعني أن النساء منا سيكن جاهزات للعمل في الدعارة، أنهي فعل التحرش بلساني السليط، وإن تمادى المتحرش، صوتي العالي هو سلاحي الوحيد“.

وتخشى النساء من التبليغ عن حالات التحرش أو التعنيف، فمخيمهم الذي يعيشون به غير قانوني وغير مرخص، وكونهم ”الحلقة الأضعف“ بحسب أم مصطفى، سيكون من السهل اتهامهم بالسرقة أو أية جريمة أخرى لإسكاتهن. 

”لهذا نستمر بممارسة حياتنا وعملنا بصمت“ تقول أم مصطفى.

معاناة مرضى السرطان…ألم وتكاليف باهظة

معاناة مرضى السرطان…ألم وتكاليف باهظة

توفيت والدة خورشيد بعد صراع مع مرض سرطان الرئة في أحد فنادق دمشق  ذات الـ 3 نجمات، فالسيدة الستينية اضطرت للانتقال من مدينتها القامشلي إلى العاصمة لتلقي العلاج اللازم، يقول  ابنها:” في بداية الاشتباه بالورم قصدنا أطباء منطقتنا لكننا واجهنا مشكلة نقص عددهم إضافة لعدم توفر التحاليل المناعية والهرمونية اللازمة، لذلك جئنا إلى الشام“.

وعن هذه الرحلة يقول خورشيد “هي رحلة المعاناة بدءا من ساعات السفر البري الطويلة التي وصلت لعشرين ساعة، مما انهك جسد أمي وزاد من أوجاعها،  ثم مشقة تأمين سكن، حيث اضطررت إلى حجز غرفة في فندق لضمان عدم انقطاع الكهرباء، ووصلت أجرة اليوم الواحد إلى أكثر من 33 ألف ، أي قرابة مليون ليرة سورية شهريا للمنامة فقط، يُضاف إليها تكاليف الطعام والشراب، أما عن تأمين الدواء فكان مكلفا وصعبا للغاية، خاصة أنني قررت علاج والدتي على نفقتي الخاصة“.

هافال جاء من الحسكة برفقة شقيقته الصغرى قاصداً أحد أطباء الأورام الذي ذاع صيت في العاصمة، يشرح عن معاناة أخته للوصول لدمشق قائلاً :” تشعر شقيقتي بالوهن الشديد لمدة يومين بعد كل جرعة، ولأنني لا أستطيع تكبد نفقات العلاج، قصدت مستشفى البيروني، فالعلاج هناك مجانا”، لكن تكاليف السكن المرتفعة في العاصمة والتي تصل لـ300 ألف ليرة في العشوائيات، تمنعه من البقاء في دمشق، ولأن رحلة الطائرة تصل لـ400 ألف ليرة للراكب الواحد، لا يبقى أمام هافال وشقيقته من خيار سوا النقل البري الشاق.

ارتفاع كبير بحالات السرطان 

الدكتور دانيس محمود حاج إبراهيم، دراسات عليا في أمراض الدم والأورام في مدينة القامشلي، يشرح لـ“صالون سوريا“ أسباب ارتفاع حصيلة المرضى بأمراض السرطان في المنطقة، ويقول :”السبب البيئي هو المتهم الأول بازدياد الإصابات، فرغم أن لعامل الوراثي دور كبير، لكنه ثابت، أما حالات الانتشار الكبيرة فبدات منذ عام 2014، والعامل البيئي هو المتغير والدخيل، ما يفسر ازدياد حالات الإصابات بأمراض السرطان“.

ويضيف الدكتور إبراهيم “الاستخدام المتزايد للمولدات الكهربائية وتسرب مادة المازوت إلى مياه الشرب، تعد سبباً مباشراً لانتشار الأورام السرطانية“، ويشير إبراهيم إلى أن سرطان الثدي يعد من السرطانات الشائعة لدى النساء في المنطقة، بينما سرطان الرئة منتشر بين الذكور بالدرجة الأولى.

و ازدادت نسبة السرطانات بحسب الإحصائيات الحكومية بنحو 3% منذ عام 2014. في الوقت الذي تواجه فيه سوريا نقصاً حاداً في أعداد الأطباء المتخصصين في أمراض الدم والأورام، إذ لا تتجاوز عدد هؤلاء الأطباء في المنطقة الشمالية الشرقية العشرة، بحسب الدكتور ابراهيم.

مراكز العلاج المجانية السورية

يوجد في سورية عدة وحدات داخل مستشفيات حكومية تعنى بعلاج مرضى السرطان، وعن ذلك يقول  طبيب الأورام في مشفى ابن النفيس طارق العبد لـ”صالون سوريا“: ” تعد البيروني المستشفى الوحيد المخصص بالكامل لأمراض السرطان بكافة أنواعها، وهو مجهز بكافة أدوات التشخيص والعلاجات الكيماوية والشعاعية والأدوية، بينما تضم المستشفيات الأخرى وحدات وشعب مخصصة لعلاج بعض أنواع السرطان كأمراض الدم، مثل مشفى ابن النفيس  التي تحتوي شعبة للأورام، إلى جانب شعب  في مشفى تشرين و المجتهد والمواساة والأسد الجامعي في العاصمة دمشق“.

و يوجد أقسام للأورام وأمراض الدم في مشفى زيد الشريطي في السويداء، ومشفى حمص الوطني والباسل في طرطوس، وتشرين الجامعي في اللاذقية، وابن رشد والرازي في حلب.

ووفق كلام العبد أن “هذه المشافي لا تقتصر فقط على تحديد مصدر الورم و تغطية أكثر من 80% من الخدمات العلاجية، بل تصل إلى التشخيص في حالات الاشتباه بوجود كتلة معينة واستشارة فريق الأطباء ثم تحضيرهم والبدء بالخطة العلاجية في حال التأكد من وجود ورم”.

ويشير طبيب الأورام إلى “الصعوبة والجهود الكبيرة المبذولة في سبيل تأمين أدوية علاج السرطان سواء شعاعيا أو مناعياً أو كيماوياً  أو هرمونياً“.

ويلفت العبد إلى تسجيل حوالي 17 ألف حالة إصابة سرطان تشخص سنويا في سورية.

قاصرات أمهات ومطلقات في إدلب

قاصرات أمهات ومطلقات في إدلب

“لا تذهبي إلى العمل ولا تزوري صديقاتك، لا تخرجي بمفردك ولا تستخدمي الهاتف الجوال، أنت مطلقة وصغيرة، ولقمة سائغة لدى ضعاف النفوس” هذه عبارة من قائمة طويلة من اللاءات، التي تتردد باستمرار على مسامع الطفلة هنادي المصطفى (15 عاماً) وهي من بلدة حربنوش شمال إدلب.

هنادي عادت إلى منزل أهلها مكسورة القلب والخاطر، بعد أن وقعت ضحية الزواج المبكر بسن الثالثة عشرة، لينتهي زواجها بالطلاق بعد فترة وجيزة، وتجد نفسها مُدانة من المجتمع، ومُراقبة من قبل الأعراف والعادات التي تظلم المطلقة وتتحكم بتحركاتها وجميع تفاصيل حياتها .

قصة هنادي لا تختلف عن كثير من القاصرات اللواتي أجبرن على الزواج بأعمار مبكرة نتيجة فقر الحال وسوء المعيشة وانعدام الأمن إلى جانب هيمنة الأعراف المجتمعية، لينتهي بهن الحال غالباً إلى الطلاق بسبب قلة خبراتهن الحياتية، وانعدام الاستقرار العاطفي، وغياب الوعي بمسؤوليات الحياة الزوجية .

تتحدث هنادي لصالون سوريا عن زواجها المبكر بالقول: “كنت عائدة من مدرستي حين طلب مني والدي التوقف عن ارتياد المدرسة للزواج من شاب تقدم لخطبتي يكبرني بأكثر من 12 عاماً .”

غادرت هنادي مدرستها وطفولتها، واعتقدت أن “طاقة الفرج” فتحت أمامها، لأنها لم تكن تعرف عن الزواج سوى حفلة الزفاف وشراء الحلي وارتداء الفستان الأبيض، لكن الصدمة كانت بأن زواجها لم يستمر سوى شهرين فقط، وعن معاناتها تقول: “لم أستطع تحمل زواج لست مستعدة له؛ ووجدت نفسي أمام مسؤوليات تفوق عمري بكثير، ولم أتمكن من تحمل عصبية زوجي ومزاجيته، وانتقادات أهله المتكررة لتصرفاتي، فعدت إلى منزل أهلي وطلبت الطلاق .”

وتتمنى هنادي أن تتعافى من هذه التجربة وأن تعود إلى مقاعد الدراسة لتستعيد تحقيق أحلامها. 

تشترك بهذه المعاناة لينا السماحي (18 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم في مدينة أطمة الحدودية مع تركيا، التي تزوجت بعمر الرابعة عشرة، ولا تزال قضية طلاقها متعثرة وعالقة في المحاكم الشرعية، وعن ذلك تقول: “بعد وفاة والدي ونزوحنا من مدينتنا اضطررت للإقامة مع أمي وأخوتي الستة في مخيم عشوائي يفتقد مقومات الحياة، لذلك قررت أمي تزويجي لشاب تقدم لخطبتي ظناً أنه سيخلصني من حياة النزوح والتشريد، ولكن سرعان ما خرجت من هذا الزواج بلقب مطلقة، باعتبار زواجي استمر سنة واحدة فقط، ثم طلبت الطلاق من زوجي الذي كان يضربني ويعنفني باستمرار، مستغلاً صغر سني وفقر حال أسرتي .”

تمردت لينا على الضرب والإهانة وطلبت الانفصال، لكن زوجها اشترط عليها التخلي عن جميع حقوقها مقابل الطلاق، وعندما رفضت أمها ذلك، قررت أن تحصل حق ابنتها عن طريق المحاكم.

تعود الكثير من القاصرات لبيوت ذويهن كمطلقات ومعهن أولادهن، الأمر الذي يزيد من أعباء الحالة الاقتصادية ويزيد الوضع سوءاً.

كعبير العبيدان (17 عاماً) من مدينة إدلب، والتي تخلت عن مهرها مقابل حضانة ابنتها، وعن ذلك تقول: “تزوجت بسن الرابعة عشرة، وبعد إنجاب طفلتي الأولى اكتشف زوجي أنني لست الفتاة التي كان يحلم بها وقرر الزواج من فتاة أخرى، ما أدى لنشوب خلافات كثيرة بيننا، وحين طلبت الطلاق اشترط علي التخلي عن المهر مقابل حضانة ابنتي، فوافقت على ذلك، لكن أهلي قرروا إعادة الطفلة إلى أبيها لتزويجي من رجل آخر، لأنني لا أزال في مقتبل العمر والفتاة من وجهة نظرهم ليس لها سوى منزل زوجها، فرفضت الزواج الثاني وهددت بالانتحار في حال حرماني من ابنتي.”

وتضيف عبير بكآبة ارتسمت على وجهها: “حين أحمل طفلتي بين ذراعي أحن لطفولة لم أكملها، وأتمنى أن أربيها أفضل تربية وأحيطها بالرعاية والحنان.”

وبلغ عدد حالات الطلاق المسجلة في شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة حكومة الإنقاذ خلال شهر أيار الماضي 279 حالة طلاق، بينما زادت حالات الزواج عن ثلاثة آلاف حالة بحسب وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية.

المختصة بالإرشاد النفسي نور السبيعي (32 عاماً) من مدينة سرمدا تتحدث لـ“صالون سوريا” عن أثر الطلاق على القاصرات بالقول: “ساهمت ظروف الحرب بانتشار ظاهرة زواج القاصرات، وخاصة في بيئات النزوح، حيث يضطر الكثير من الآباء إلى تزويج بناتهم في سن مبكّرة تحت وقع الظروف الصعبة.”

وتضيف السبيعي: “تترتب على زواج القاصرات الكثير من المآسي الاجتماعية والنفسية، حيث يعد زواج الفتاة القاصر بمثابة تعدٍ على طفولتها، وتدمير كامل لمستقبلها، لأنها لم تكتسب المعارف الحياتية بعد، فتكون غير قادرة على حل مشاكلها والتعامل السليم مع زوجها، وكيفية العناية بالأسرة والزوج والأطفال، والتعامل مع محيطها الاجتماعي، الأمر الذي يعرضها لمشكلات كثيرة تنتهي بالطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج.”

وتشير أن القاصر التي تعيش تجربة الطلاق تمرّ باضطرابات نفسية عميقة، خاصة أنها تكون في مرحلة بناء الشخصية، الأمر الذي يؤثر سلباً على نفسية الفتاة، ويقلل الشعور لديها بأهمية الحياة ويساهم بانخفاض تقديرها لذاتها، وفقدان الثقة بالنفس.

وتلفت أن المجتمع لا يدعم الفتاة المطلقة، بل يلومها على وصولها إلى هذه المرحلة، مما يولد لديها الشعور بالعزلة والاضطراب والتوتر والقلق، ويخلّ بمهارات التواصل مع الآخرين .

وتشدد السبيعي على ضرورة تشجيع الفتيات على إكمال تعليمهن فضلاً عن فرض قوانين صارمة وتوعية الأهالي بمخاطر الزواج المبكر الذي يعد “جريمة بحق الطفولة“ بحسب قولها.