مهن تقاوم الاندثار في إدلب

مهن تقاوم الاندثار في إدلب

في زقاق الحمام داخل حارات مدينة إدلب يعمل عبدو دهنين (70 سنة) في محله التقليدي لكي الملابس. صباح كل يوم يسخن مكواته على منقل الفحم أو موقد الغاز، في حال نفاذ الفحم الموجود لديه، ويجلس بانتظار احضار الزبائن لملابسهم، ليقوم بكّيها.

عن عمله، يقول عبدو لـ“صالون سوريا“: ”ابدأ بتغطية الملابس المراد كيها بقطعة قماش، للحفاظ عليها ومنع احتراقها بسبب حرارة المكواة، وحرق الملابس يعد عيب بحق المحترف، و اليوم إذا أحرقت أي ثياب سأخسر ما بقي لدي من زبائن، وأعدادهم تتناقص أصلاً فهم جميعاً من كبار السن الذين لا تستهويهم التكنولوجيا“.

بدأ عبدو العمل بممارسة مهنته منذ كان صغيرا، بعد أن تعلمها على يد والده، لتصبح مصدر دخله الوحيد بعد أن اكتسب فيها خبرة كبيرة، كما قام بتعليمها لعدد من أبنائه وأخوته، إلا أنهم تركوا جميعاً الكي على الفحم، وتوجهوا نحو الكي على البخار والكهرباء، كما فتح بعضهم محلات لصباغة الملابس. بينما بقي عبدو متمسكاً بمكواة الفحم التي ورثها عن والده، والتي يتجاوز عمرها الـ 75 عاماً، حيث تعود تاريخها لفترة جلاء الانتداب الفرنسي عن سوريا. 

أما عن سبب عدم مواكبة عبدو لتقنيات الكي الحديث، فهو حبه لتفاصيل مهنته التي تعود عليها، بالإضافة ”لضعف إمكاناته المادية وعدم قدرته على شراء الأدوات الجديدة الباهظة الثمن“ بحسب قوله.

نول أريحا

ومن إلى أريحا، حيث مهنة تقليدية أخرى على شفا الاندثار، وهي الحياكة على النول. يمضي إبراهيم الحسين (64) السّاعات الطّوال أمام النول الخاص به، وهو يعمل على إنهاء بساط يدوي ينوي هديته لأحد قريباته بمناسبة زفافها. وفي الاستراحة يروي لـ“صالون سوريا“ حكايته مع النول قائلاً ”بدأت العمل مع النول منذ كان عمري 10، حيث بدأت بتدوير دولاب الحياكة وتجهيز الخيوط، و مع التدريب المستمر، تمكنت من الحياكة على النول وهي المهمة الأصعب في المصلحة، وما إن بلغت الـ18 من عمري حتى خضعت لفحص العمل على النول لدى شيخ الكار، وبدأت حينها العمل على النول بشكل رسمي، حتى الآن“.

يتجاوز عمر مصلحة الحياكة على النول مئات السنوات، إلا أن عدد مكنات النول الموجودة في أريحا اليوم لم تعد تتجاوز العشرة، ومعظمها لا يعمل بشكل دائما، بعد أن كانت المدينة تحتضن 100 نول، بحسب ما يقول الحسين.

أما عن السبب فيشير إلى أن ”الحرب ألقت ظللها على المهنة، بعد إن توقفت طرق التصدير، وحتى عند توافرها، تفوق أجور الشحن المربح المتوقع، كذلك الحال مع طرق جلب الخيوط و باقي المستلزمات“.

ورغم ذلك يستمر الحسين بعمله لأنه تراث وإرث من والده وأجداده، ”فمن هذا النول فتحت بيتي، وربيت أولادي ، ورغم كل ما حدث والحمدالله عايشين ومستورين“ يقول الحسين مؤكداً ”شيئان لا يمكن أن أبتعد عنهما: أريحا و النول“.

مكانس القش 

دخلت مهنة صناعة مكانس القش، المعروفة محلياً باسم ”المشباط“ إلى مدينة إدلب قبل مائتي عام، لتتقنها وتتوارثها عائلات خشوف، حربا، خشان، حايك، وزيداني، كما يشير زهير حربا (40سنة) وهو أحد أصحاب ورش صناعة مكانس القش في المدينة.

وعن هذه الصناعة يقول حربا لـ“صالون سوريا“ : ”تمر صناعة القش بعدة مراحل تبدأ بجلب أكوام القش التي تسمى في المصلحة (أبواع القش)، يليها عمليات الفرز لاختيار القش القوي وهو النوع الجيد لصناعة المقشات، ثم نقوم بنقع القش بالماء ليسهل التحكم به، ثم تبدأ بعدها عملية القص وتسويته ضمن حزم متساوية الطول والحجم، وأخيراً يخضع لعملية تبخير ليتخلص من العفن والحشرات في حال وجودها به، كما تكبسه تلك العملية لوناً جميلاً ومميزاً ليجمع بعدها القش في حزم تتم خياطتها“.

تواجه هذه الصناعة التقليدية عدّة تحديات متعلقة بالحصول على القش، فاليوم يجلب القش من منطقة الجزيرة أو يتم استيراده من تركيا، وبالتالي فان سعر القش سيتضاعف، كذلك انعدام طرق التصدير خارج المحافظة ولاسيما لبنان الذي كان المستهلك الأكبر لإنتاجهم، بحسب حربا، لكن انقطاع الكهرباء المستمر، وخسارة العديد من العائلات لمكانسها الكهربائية، نشط سوق المكانس اليدوية بعض الشيء.

وفي الوقت الذي تقضي فيه الحرب على الكثير من معالم سوريا، يصارع حرفيون لإبقاء بعض المهن التراثية حيّة رغم صعوبة العمل وتحدياته الكثيرة، دون أن يتلقوا أية مساعدة أو دعم من الجهات التي تدير هذه المناطق.

بين حلم حمص ودمارها عام واحد

بين حلم حمص ودمارها عام واحد

ينفخ أبو أحمد في يده ويرمي النرد، يصيح بنشوة “شيش بيش” أي ستة وخمسة، يغتاظ أبو رامي الجالس قبالته ويعقد حاجبيه، “يا أخي من وين بتجيب هالحظ أنت؟، والله لولا حظك كنت باخدك خشب وبعمرك ما بتعرف تاخد مني برتية (ثلاثية) وحدة، بس شو بدنا نعمل؟، قال حظ أبو أحمد اعطيني وبالبحر ارميني!”، وتستمر لعبة الطاولة بين الرجلين على هذا النحو، كأنها معركة، رغم أنها يجتمعان يوميا للعبها لساعات طويلة تبدأ أحيانا في السادسة صباحا.

نستأذن الرجلين لالتقاط صورة لهما وهما يلعبان، يقول أبو أحمد مذعوراً “لا،لا، دخيلك بلاها ما بحب الصور”، يضحك صديقه اللدود أبو رامي ويعقب: “أي معلش بيخاف من مرتو بلكي صار عندو معجبات بعد الصورة”، ينهره أبو أحمد، “يا رجل كل شي عندك مسخرة، مو هيك القصة، بس صار عمري ٦٥ سنة وبعمري ما حبيت اتصور، بكره هالقصة، بخجل مدري بتلبك، أنا الموبايل أبو كاميرا كلو ع بعضو بكرهو، مو شايفني حامل موبايل أبو بيل (موبايل صغير لا يحوي كاميرات أو برامج تواصل اجتماعي)”.

هذا جزء من يوميات الرجلين التي تتكرر منذ سنين، فلا يبدو أنهما قادران على صنع اي اختلاف بيومياتهما، فكل تركيزهما منصب على لعبة الطاولة التي تتوسطهما منذ الصباح وحتى المساء، كما يؤكد مازن عامل القهوة، “كل يوم يأتي أبو أحمد وأبو رامي ويلعبان الطاولة، هني أصدقاء مقربين للغاية وكل يوم بيعيطوا وبيجاكروا بعضن“.

أصدقاء من أحياء مُتحاربة

الجانب الخفي في هذا المشهد هو انتماء الصديقين لحارتين وقفتا على جبهتي الحرب وسالت بينهما الدماء، إلا أن الخصوصية ليست في هذه الصداقة التي ظلت حية فحسب، بل في مكان إِحْيَائِها، أي مكان اللقاء اليومي ولعب الطاولة، وسط المدينة، في مقهى هناك كان على خط النار لخمسةِ أعوام.

أبو أحمد الذي عاد من مهجره في ريف حمص إلى منزله في حي جورة الشياح بعد ترميمه، يقول لـ“صالون سوريا“: “ما انقطعت صلتي بأبو رامي ولا يوم، ولو أنو كان مستحيل نلتقي لما كانت الحرب بعزها بحمص، بس كنا كل يوم نحكي ع لتلفون، هي الحرب مجنونة وكانت كفيلة تخلي كل الناس تخسر بعضها، بس كيف يعني أنا أكره أبو رامي واحقد عليه هيك فجأة وهو رفيق عمري، هاد اللي كان مطلوب يصير بهي الحرب، بس دائماً المحبة أقوى، أنا مو بس أبو رامي ما قطعت علاقتي فيه، لأ، أنا حاولت حافظ على علاقتي مع كل رفقاتي بغض النظر عن مكان تواجدهم أو موقفهم السياسي“.

إلا أن أبو أحمد خسر بعض الأشخاص المقربين منه، كما حصل مع صديق له نعته ”بالإرهابي“ بعد أن اشتعلت الحرب، عنه يروي أبو أحمد: “ما بدي أذكر اسمو بس دائما بحاول لاقيلو مبررات، هو خسر ناس من عيلتو بهي الحرب القذرة وعاطفتو غلبت على عقلو.. حز بقلبي كتير أنو قال عني إرهابي، الله يرحمو صار بديار الحق وهو رافض يحكي معي رغم أني حاولت أكتر من مرة”.

من جهته يستذكر أبو ميمون الذي يقيم في حي الزهراء محاولاته في الحفاظ على صدقاته خارج الحي ويقول لـ“صالون سوريا“: “بعز دين الحرب لما شعلت كل حمص واتدمرت المؤسسات انتقلت شعبة التجنيد لحارتنا، ومعروف أنها رأس حربة الأحياء المؤيدة للدولة بمعزل عن التسميات اللي أطلقت عليه، وكان وقتا مخاطرة ومجازفة يدخل حدا من حارة تانية محسوبة ع لطرف التاني عليها، وكان ابن رفيق الي بحاجة ماسة يوصل لشعبة التجنيد، طلعت استلمتو من مدخل الحارة وما خليت حدا يتعرضلو لخلص شغلو بالشعبة“. ويختم بقوله “لم انسلخ عن مجتمع أصدقائي خارج الحي، وتبلورت هذه الصداقة بعد أن انقشع غبار الحرب ورجعت حمص كل مدينة واحدة يلّفها الحب والطيب”.

عاصمة الضحك

كانت حمص في عام 2010 مرشحة لتكون ”عاصمة للضحك“ بحسب مبادرات مجتمعية حينها، وكانت المدينة على أعتاب مشروع ضخم عُرف باسم مشروع “حلم حمص“، وكان ربانه محافظ حمص الجدلي إياد غزال الذي أقيل في بداية الحرب من منصبه، وكان مشروعه حينها يهدف لجعل حمص مدينة أبراج ومسطحات مائية ومترو أنفاق وغيرهم الكثير، ولكن الحرب عاجلت حمص ولم تترك لها فرصة لالتقاط نفسها، فجأة صار ثلثا أحيائها ركاماً، وأكثر من نصف سكانها مهجرين.

“لقد سمعت عن حلم حمص من والدي”، يقول ماهر طيبشو الطالب الجامعي لـ “صالون سوريا”، متسائلا: “هل حقاً كانت هناك إمكانية لتنفيذه؟، لو نفذ لربما كانت صارت حمص مثل دبي”.

أما عن أشهر شوارع المدينة ”الدبلان“ فتقول سما، وهي ربة منزل،”مرقت أيام قلنا فيها مستحيل بعمرنا بقى نشوف السوق، لو تعرف قديه بيعنيلي شارع الدبلان بكل شي فيه، البياعين الحماصنة متل العسل، ما بيخلوك تطلع زعلان من عندن، هي ميزة مو موجودة بكل مكان، بتروحن وأنا ماشية بشوارع هالمدينة بعد ما مرقت سنين كان المشي بقلب حارتي نفسا خطر بسبب القناصين.. الله يرحم اللي راحوا ورح نعمر حمص باللي بقيوا”.

تتعدد الأسماء التي يطلقها السوريون على حمص بحسب موافقهم السياسية وتوجهاتهم، إلا أن المؤكد أن مدينة ديك الجن تنتظر منذ سنين إعادة الإعمار الذي لم يبدأ بعد.

وبانتظاره، يعيش أهل المدينة يومياتهم بملل، تتكرر مشاهده يومياً كما قال معظم من استمع إليهم “صالون سوريا”، فلا وسائل ترفيه ولا منتزهات تذكر ولا مطاعم بالمستوى المطلوب، ويطول الحديث في تعداد ما ينقص المدينة فضلاً عن البطالة المنتشرة، والتي جعلت الكثير من شباب المدينة يحلمون بالسفر.

ساحة الصبارة في دمشق..وحكايات الغائبين

ساحة الصبارة في دمشق..وحكايات الغائبين

في طريقه للذهاب إلى ”ساحة الصبارة“، المجاورة لحي المالكي في العاصمة السورية دمشق، لا يهتم عادل وغيره من قاصدي المكان للتنظيم الراقي للأبنية والسفارات والوزارات والمصارف على جانبي شارع أبو رمانة المتصل بالساحة. تبدو الحارة وكأنها معزولة عن الحرب، نظراً لحالة الهدوء والأمان التي تعيشها المنطقة.

”هي فسحة سماوية“ بهذا يصف عادل الذي يعمل كمهندس برمجيات في إحدى الدوائر الحكومية ساحة الصبارة، التي يرتادها بشكل متكرر هو وأصدقاؤه دون انقطاع.

يقول عادل لـ “صالون سوريا”: “لا مكان أفضل لكي نجتمع أنا ورفاقي في كل الأوقات، ليلاً ونهاراً وبجميع الفصول، في هذا الهواء الطلق نسرد أخبارنا وقصصنا مع صحن من الفول النابت، وكأس مرقة الفول، أو بعض البطاطا الحلوة المشوية على الجمر في الشتاء، أما في الصيف فبالتأكيد صحن من الصبار أو البطيخ كفيل بأن يبرد لهيب حرارة الجو“.

ويقصد عادل وأصدقاؤه الساحة بعيداً عن حالة القلق عن تواتر انقطاع الكهرباء في بيوتهم.

يتوسط ساحة الصبارة دوار مروري، على يمنيه ويساره كشكان متقابلان مع طاولات كثيرة يبيعان الصبار والفول النابت والذرة والكستناء والبطاطا المشوية، حسب الموسم. يبدو كل شيء هنا خارجاً عن المألوف، فقط طاولات وكراسي بلاستيكية وبعض مشاتل الورود ولا غطاء إلا السماء وجنونها في فصل الشتاء الذي يشكل بحد ذاتها حالة مغرية للجلوس تحت أمطاره للكثيرين، كل ذلك بعيداً عن تقاليد وأعراف المطاعم الفاخرة التي لم يعد يرتادها إلا ميسوري الحال وقد أصبحوا قلة قليلة جداً، أما الحصة الأكبر في هذه الأماكن الغالية فهي من نصيب سادة الحرب، “ومن يدري، قد يأتي يوم يلتهمون فيه ساحة الصبارة نفسها”، يقول عبد السلام العكام في معرض حديثه ل “صالون سوريا” عن آخر مرة تمكن فيها من الجلوس بمطعم معروف.

حكايات الساحة

وكما الحكايات التي يتشاركها عادل مع أصدقائه في الساحة، قصص كثيرة يتردد صداها مع ذكريات من مروا/ن في هذه الساحة، وباحوا/ن لها بمكنوناتهم/ن و أسرارهم/ن وأحلامهم/ن قبل أن يغادروها/نها إلى غير رجعة، فقد شهدت الساحة على آلاف الأحاديث لرفاق ورفيقات اجتمعن/وا بها قبل أن يتفرقوا/ن كل منهم/ن إلى دولة ومكان، بعد أن أودت الحرب بالملايين بين قتيل وجريح ومفقود ومهاجر.

ميرنا سالم فنانة تشكيلية تجلس وحيدة على أحد الزوايا بجانب بسطة البائع، وأمامها طاولة عليها صحن فول وكأس مرقة الفول، تشيح بنظرها بعيداً غير مهتمة بحركة المارة أو بالجالسين حولها على الطاولات.

مضيفةً ”خالد خطيبي الذي لم يفارقني لحظة، وهذه الساحة شاهدة على كل ما بيننا من أسرار وأحلام استشهد بقذيفة هاون، أما محمد فلم يستطع تحمل ثقل الأيام وتبعات الحرب التي طالت كل نواحي الحياة، فقرر الرحيل وهاجر مع الكثيرين إلى ألمانيا أملاً ببناء مستقبل أفضل، بالنسبة لسلمى فربما حالفها الحظ هي الأخرى برجل تزوجته وذهبت لتسكن معه في السعودية، فلم يبقى غيري هنا”.

تستذكر ميرنا ليال كثيرة قضتها هنا مع أصدقائها، تشق ضحكاتهم/ن هدوء المنطقة، متجاهلة أصوات القذائف والمدافع التي كانت تكدر صفو المكان، والمسموعة من أرياف دمشق، تتنهد ميرنا وتقول:” يا ليت العمر لم يمض وليت الحال لم يتبدل، فقد فرقت الحرب مجموعتي المكونة من أربعة أشخاص، ولم يتبق غيري أنا أعيش على أطلال الذكريات الجميلة“.

ورغم البعد مازالت ميرنا على تواصل مع محمد وسلمى، ”وأحاديثنا تدور دائماً حول حفلات سمرنا هنا في ساحة الصبارة“ كما تقول.

تعتذر ميرنا عن الظهور في صورة نلتقطها للمادة مبررة ”مو حابة أتصور، بدي أتصور لما نجتمع كلنا هون من جديد”.

رحمة أسعارها

بالإضافة لخصوصية الاجتماعات والذكريات في الساحة، فهي تجذب روادها بمغريات أخرى كانخفاض تكلفة الجلوس فيها.

حامد شماس أستاذ جامعي جاء مع زوجته وولديه إلى الساحة لتناول الذرة والصبار، يروي لـ“صالون سوريا“: “لم يعد بقدورنا دفع فاتورة غداء أو عشاء أو حتى إفطار في مطاعم دمشق، أسعار الوجبات في المطاعم قفزت بشكل غير معقول، والحجة الدائمة صعود الدولار وقلة الموارد وصعوبة الاستيراد“.

كل هذا لم يجعل للأستاذ حامل وعائلته من متنفس إلا في هذه الساحة، فالأسعار هنا ”أرحم“ من أي مكان آخر بحسب تعبيره، ويضيف ” الصحن الواحد لمختلف ما يقدم هنا من الذرة أو الصبار أو الفول لا يتعدى الأربعة آلاف ليرة، وهذا مقبول بالنسبة للراتب الذي أتقاضاه من عملي، شو بدنا أحسن من هيك متل ما بقول المثل: في ومي ووجه حسن”، ينهي كلامه متأملا ضحكة زوجته.

شبح الغربة

كثرة مشاغل الحياة والركض سعياً وراء لقمة العيش، إضافة لعدم تزويد وسائل النقل العامة من مكيروباصات وسرافيس بمادة المازوت يومي الجمعة والسبت، جعلت من ساحة الصبارة تبدو فارغة في هذين اليومين، فبالطبع من لا يملك مالاً كافياً للذهاب إلى المطاعم والمقاهي، فمن أين يأتي به لدفع طلب سيارة أجرة قاصداً الساحة؟

يخيم السكون على البسطة والكراسي والطاولات الفارغة التي تمتد على جنبات الدوار لا يؤنسها إلا سيارات فارهة تمر بجانبها مرور الكرام.

موسم القمح … تراجع في الإنتاج وتأثيرات محتملة على حياة السوريين واقتصادهم

موسم القمح … تراجع في الإنتاج وتأثيرات محتملة على حياة السوريين واقتصادهم

زرع أبو أحمد أرضاً بمساحة عشرة دونمات بالقمح، لكن مع قلة الأمطار هذه العام، فإن الدونم الواحد لا ينتج أكثر من 50 كيلوغراماً قمحاً، “أي أقل من سنوات الخير السابقة“ بحسب قوله، في إشارة إلى سنوات الأمطار الوفيرة.

يقول أبو أحمد، وهو أحد مزارعي القمح في ريف القامشلي شمالي شرق سوريا: “إن الأراضي في غالبيتها بعلية وليست مروية، وتعتمد على الأمطار فقط، وهو ما يؤثر على الإنتاج؛ وفضلاً عن ذلك، فإن صعوبة حفر الآبار، وعدم وجود مصادر الطاقة، وارتفاع أسعار المحروقات كلها عوامل تؤثر على إنتاجية القمح”.

ويبيّن أبو أحمد أن نقص الأمطار هذا العام، وقلة الغطاء النباتي وتراجع إنتاج القمح، سيؤثر على الثروة الحيوانية التي يملكها المربون في المنطقة أيضاً، وربما يضطر بعضهم إلى بيعها بأسعار متدنية نتيجة قلة الأعلاف.

من جهته أوضح أحمد حميدي، رئيس دائرة المحاصيل الحقلية في مديرية الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (سانا) في شباط/فبراير 2022 أنه تمت زراعة 1,161,798 هكتاراً من محصول القمح في الموسم الحالي من إجمالي المخطط البالغ 1,503,068 هكتاراً وبنسبة تنفيذ 77%، منها 547,916 هكتاراً مروياً وبنسبة تنفيذ 91%، ونحو 613,882 هكتاراً بعلاً بنسبة تنفيذ 68%، لافتاً إلى أن المساحات المزروعة توزعت بشكل أساسي على الحسكة أولاً بنحو 324 ألف هكتار، فحلب بأكثر من 264 ألف هكتار.

وتراجعت المساحات المزروعة من القمح في مناطق الزراعة البعلية للعام الحالي بالمقارنة مع العام الفائت، كما أعلن مدير الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة السورية، أحمد حيدر في حديث لإذاعة ”ميلودي إف إم“، المحلية في  آذار/مارس 2022، وذكر حيدر أن المساحة المزروعة لهذا العام بلغت 1,2 مليون هكتار، في حين كانت 1,5 مليون هكتار نتيجة تأثر المناطق البعلية بتأخير الأمطار والإحجام عن الزراعة البعلية في بداية الموسم.

وبّين حيدر أن الاعتماد الأساسي في محصول القمح يكون على المساحات المروية، ولا يوجد فارق كبير في مساحتها المزروعة عن العام الفائت، مشيراً إلى أن تقديرات إنتاج الموسم في العام الماضي بلغت 1,9 مليون طن على مستوى كامل سورية، تسلمت منه المؤسسات الحكومية بحدود 435 ألف طن فقط.

ويذكر زكريا وهو من فلاحي ريف حلب لـ“صالون سوريا أن قلة الأمطار أثرت بشكل سلبي على الزراعة البعلية هذا العام، ولم تنتج أرضه نصف ما جناه في الموسم السابق، ويشتكي زكريا من ارتفاع التكاليف مقارنة بالأرباح المنخفضة، نتيجة غلاء أسعار المحروقات وأجور الزراعة والحصاد.

ويتشابه الأمر في أرياف إدلب ودرعا، كما وصف فلاحون يعتمدون على الزراعة البعلية، ويعتبر القمح من المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، وتعتمد عائلات سورية تمتهن الزراعة عليه في تلبية احتياجاتها السنوية.

وبحسب تقرير خاص لبعثة منظمة الأغذية والزراعة (FAO) -مقرها روما-إلى سوريا لتقييم المحاصيل والإمداد بالأغذية في كانون الأول/ديسمبر 2021، أسفر شح الهطولات المطرية وسوء توزعها في الموسم الزراعي 2020/2021 الذي ترافق مع العديد من موجات الحر وارتفاع تكاليف المستلزمات، ومحدودية توافر المياه اللازمة للري، وكذلك ارتفاع تكاليف الوقود اللازم للضخ، عن تقلص المساحة المخصصة لزراعة الحبوب. أما إنتاج القمح في عام 2021 فقُدر بنحو 1.05 مليون طن، متراجعاً عن كمية 2,8 مليون طن المسجلة عام 2020، ليكون بذلك مجرد ربع المعدل المسجل قبل الأزمة (في المدة من 2002 حتى 2011) والبالغ 4,1 مليون طن. 

وتسعى الحكومة السورية إلى شراء موسم القمح من منطقة الجزيرة، وحددت دمشق سعر شراء كيلو القمح من الفلاحين للموسم الحالي بسعر 1,700 ل.س، بمقابل منح مكافأة 400 ل.س لكل كيلوغرام يُسلّم من مناطق خارج سيطرة الحكومة ليصبح 2,100 ل.س.

وتستهلك سوريا 2,5 مليون طن قمح سنوياً، يؤمن جزء منه من الإنتاج المحلي، في حين يُستورد القسم الأكبر من روسيا، وصرح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر خليل في كانون الثاني/يناير 2022 “أن سورية بحاجة إلى استيراد أكثر من 1,5 مليون طن من القمح سنوياً، يُستورد معظمها من دولة روسيا الاتحادية”؛ بحسب ما نقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية للأنباء.

ويرى أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق، فضل عدم ذكر اسمه، في لقاء مع ”صالون سوريا“ أن الإنتاج المنخفض المتوقع من محصول القمح هذا العام، سيؤدي إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد في ظل تنامي الطلب على مادة الخبز، والمواد الغذائية الأساسية الأخرى المرتبطة بالقمح، كما إن فاتورة الاستيراد مرشحة للزيادة حكماً، وبالتالي فإن قيمة الدعم الحكومي ستزداد في ظل استمرار عملية دعم الخبز؛ ويترتب عليه أثران: أثر نقدي متمثل باستنزاف القطع الأجنبي، وأثر مالي متمثل بزيادة عجز الموازنة العامة للدولة، حسب كلام الأستاذ الجامعي.

وأسهمت الأزمة الاقتصادية المحلية؛ بالإضافة إلى انخفاض إنتاج مواسم القمح، في ارتفاع أسعار مادة الخبز، حيث نقلت وكالة ”سانا“ عن معاونة وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك رشا كركوكي في كانون الثاني 2022 قولها “إن السعر الحر للخبز يبلغ 1300 ل.س، في حين أن كلفته الفعلية التي تتحملها الدولة 1800 ل.س”؛ بينما وصل سعر ربطة الخبز السياحي (الوزن: كيلو غرام) في الأسواق إلى 3500 ل.س بزيادة 1000 ل.س عن آخر سعر لها، وتقنّن الحكومة مادة الخبر المدعوم والمحدد بـ 250 ل.س للربطة الواحدة عبر بيعها بموجب بطاقات ذكية للأسر السورية حسب عدد أفرادها.

ووفق برنامج الأغذية العالمي (WFP) في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بلغ عدد الأشخاص الذي يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا 12,4 مليون نسمة في أواخر عام 2020، أي 55% من السكان، بزيادة قدرها 57% مقارنة بعام 2019. وبحسب التقرير، ارتفعت أسعار الأغذية بنسبة 236% نهاية 2020 بالمقارنة مع السنة السابقة نتيجة تراجع قيمة الليرة السورية.

اربعة تغييرات محتملة في سوريا… من الخارج

اربعة تغييرات محتملة في سوريا… من الخارج

بعد 11 سنة على بدء الاحتجاجات واندلاع النزاع، وبعد أكثر من سنتين على ثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث في البلاد، هل هناك تغيير محتمل؟ هل هو خارجي أم داخلي؟

حصلت تقلبات عسكرية وسياسية كثيرة في العقد الماضي. توسعت مناطق وتقلصت أخرى. ارتفعت توقعات وانخفضت أخرى، إلى أن استقر المشهد السوري على تقسيم البلاد إلى «دويلات» ثلاث: واحدة تحت سيطرة الحكومة بدعم روسي وإيراني، وثانية تحت إدارة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية بدعم التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وثالثة، تحت سيطرة فصائل مقاتلة وإسلامية وجيوب متطرفة بتأييد تركي.

الجمود على خطوط التماس بين «الدويلات» الثلاث، صار له أكثر من 27 شهراً، وهي أطول فترة تستقر فيها السيطرة الجغرافية منذ 11 سنة. وتقوم هذه المناطق على مدن وقرى وأحياء مدمرة، تغييرات ديموغرافية، نازحين ولاجئين. أكثر من 12 مليون شخص تركوا بيوتهم، هم نصف عدد السكان السوريين. أيضًا، هناك أكثر من سبعة ملايين شخص غادروا البلاد، بينهم أكثر من مليون إلى الدول الغربية.

سيل الهجرة، لم يتوقف وإن كانت أسبابه باتت اقتصادية وليست عسكرية أو سياسية. الجامع بين السوريين حيثما كانوا هو المعاناة من الأزمة الاقتصادية، حتى إن التطبيع العربي لم يحل مشكلتهم الاقتصادية، كما أن المدد الذي كان سيأتي به «أنبوب الغاز العربي»، تبدد طالما أن سيف «قانون قيصر» الأميركي والعقوبات الغربية قائمان، إلى حد أن البلاد غرقت قبل ايام في الظلام لساعات. هناك تعاون واتفاقات وتجارة وتفاهمات بين «الدويلات» الثلاث. والفاعلون في كل منها يتصرفون على أن الجمود مستمر إلى فترة طويلة، وأن «الفرج سيأتي من الغير”

هل من تغيير محتمل على هذه الصورة؟

الواضح، أن المعادلات استقرت على توازنات بعد مقايضات خارجية، ولم يعد السوريون قادرين على القيام بأي تغيير جوهري فيها. بالتالي، فإن التغيير الوارد، مصدره خارجي وهناك أربعة احتمالات آتية من أربع قوى عسكرية خارجية:

أولاً، تركيا: يتحدث المسؤولون الأتراك مراراً عن احتمال شن عملية عسكرية في شمال البلاد. هم يعتقدون أن الحرب الأوكرانية والصدام الروسي – الغربي فيها، أديا إلى تقوية أوراقهم التفاوضية في سوريا والإقليم. يحاولون الاستثمار في ذلك، عبر شن توغل يضعف أي كيان كردي محتمل على حدودهم الجنوبية شمال سوريا. هناك تركيز تركي على منبج الخاضعة لسيطرة حلفاء أميركا أو تل رفعت الخاضعة لسيطرة شركاء روسيا، إضافة إلى تصعيد شرق الفرات، الذي تسيطر عليه أميركا في شكل أعمق.

أي توغل تركي من دون تفاهمات من روسيا وشركائها وأميركا وحلفائها، سيؤدي إلى تغيير خطوط التماس، ويفتح الباب إلى تصعيد عسكري جديد. ما حدود التغيير؟ هل ستخلط الأوراق؟

ثانيًا، إيران: أمام انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، واحتمال امتداد تلك الحرب، تحاول إيران وغيرها ملء الفراغ في سوريا. تقابل إسرائيل ذلك بتكثيف عملياتها العسكرية ضد «أهداف استراتيجية إيرانية» في سوريا، وكان آخرها ضرب مطار دمشق الدولي وعزل العاصمة السورية عن العالم.

بالتوازي، مع هذا، فإن «حرب الظل» بين طهران وتل أبيب انتقلت إلى قلب إيران مع حديث إسرائيلي عن استراتيجية «رأس الأخطبوط». إلى أي مدى يبقى التصعيد الإيراني – الإسرائيلي في سوريا، مضبوطاً من روسيا؟ هل تتحول سوريا إلى ساحة لصدام مباشر واحتمال شن إيران هجمات «مسيرات» من الأراضي السورية؟

ثالثًا، روسيا: هناك اتفاق «منع صدام» بين الجيشين الروسي والأميركي منذ منتصف 2017، غرب نهر الفرات لموسكو، شرق الفرات لواشنطن. حصلت بعض المناوشات، لكن استراتيجياً كان هناك التزام بالاتفاق. الجديد، أنه أمام التصعيد بين الطرفين في أوكرانيا، بدأت روسيا تختبر الأميركيين عسكرياً في سوريا سواء فوق قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا أو شمالها. إلى أي حد يبقى التوتر مضبوطاً بينهما؟ هل تتحول سوريا ساحة للانتقام سواء من أميركا أو روسيا؟

رابعاً، أميركا: منذ وصول الرئيس جو بايدن، استقر الوجود العسكري الأميركي في سوريا خصوصاً بعد «الإهانة الأفغانية»، على عكس ما كان عليه الحال زمن إدارة الرئيس دونالد ترمب، عندما كان وجود جيشه وجيوش حلفائه رهن تغريدة. هل يبقى قرار بايدن صامداً أمام مغامرات الرئيس المجروح فلاديمير بوتين؟ هل تتغير الأمور بالانتخابات الرئاسية المقبلة بعد نحو سنتين؟

يعرف السوريون، معظمهم أو بعضهم، أنهم خارج اللعبة والقرار في بلادهم، وأن سوريا تحولت من لاعب إلى ملعب. كل طرف منهم يراهن على مفاجأة يحملها حليفه العسكري الخارجي، وعلى نكسة تضرب خصمه المحلي بأدوات خارجية. بين الضربة والنعمة، يسهر السوريون في قعر المعاناة وينامون في الظلام… بانتظار الفرج.

العنف والضغوطات.. يزيد حالات الانتحار بين النساء في إدلب

العنف والضغوطات.. يزيد حالات الانتحار بين النساء في إدلب

لم تستطع فاطمة حميدان العشرينية أن تحتمل نظرات المجتمع ”الدونية“ لها، ومعاملة أهلها السيئة بعد طلاقها من زوجها، ما دفعها للانتحار بتناول حبة غاز” فوستوكسين” بعد مرورها بأزمة نفسية حادة، وذلك بتاريخ ٢٥ مارس/ آذار ٢٠٢٢.

جارتها سهيلة البيوش (٣٥ عاماً) قالت لـ“صالون سوريا“ أن الشابة فاطمة نازحة من مدينة كفرنبل إلى مخيمات باريشا شمال إدلب، يتيمة الأب والأم وتعيش في منزل أخيها، وكانت تشكو المعاملة السيئة من الأقارب والمجتمع المحيط بعد طلاقها من زوجها، الذي حرمها من كافة حقوقها وطردها من حياته خالية الوفاض.

وتضيف البيوش ” كانت تشعر بالظلم والإهمال والتهميش، وقلما تخرج من خيمتها، ودائمة الشرود والبكاء“، ولكنها لم تكن لتتخيل أن تكون فاطمة عازمة على الانتحار.

حالة فاطمة ليست الوحيدة التي سمع عنها أهالي الشمال السوري مؤخراً، حيث تكررت حوادث الانتحار بين النساء في إدلب وشمال غرب سوريا نتيجة عوامل عدة، أهمها الضغوطات النفسية الناجمة عن حالات التفكك الأسري، الطلاق، انهيار الوضع الاقتصادي وخاصة بعد انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، الذي خلف فوارق كبيرة في أسعار المواد الأساسية وارتفاع نسبة البطالة.

ففي ٢٢ شباط/ فبراير ٢٠٢٢ أقدمت فتاتان مراهقتان على الانتحار في مدينة الفوعة التابعة لمحافظة إدلب، لم يُعرف السبب بشكل محدد، لكن الأحاديث المتناقلة أشارت إلى الظروف المعيشية القاسية، وحالة اليأس التي تمر بها الكثير من الفتيات بعد القضاء على أحلامهن الدراسية وحياة الفقر والنزوح والتشرد التي يواجهنها.

وتتراوح أعمار الفتاتين بين ١٣-١٥ عاماً، وهما نازحتين من مدينة خان شيخون جنوب إدلب، ولقت إحداهما حتفها على الفور بعد تناولها حبة غاز، بينما نقلت الأخرى إلى إحدى المشافي القريبة في محاولة لانقاذها دون جدوى.

صديقة إحدى الفتاتين وتدعى ريم السلوم (١٧ عاماً) قالت إنها كانت على علم بنية صديقتها بالانتحار لكنها لم تصدق في بادئ الأمر، ”اعتبرته كلام وحسب يعكس تمرد صديقي على وضع عائلتها المادي السيئ، وحرمانها من تعليمها، وعدم السماح لها بالخروج من المنزل خوفاً من الأوضاع الأمنية المتدهورة“ بحسب قولها.

ولم تمر ستة أشهر، وتحديداً في تاريخ ٢٤ أيلول/ سبتمبر ٢٠٢١ أقدمت روعة الحسين (١٩ عاماً) على شنق نفسها، وتنحدر روعة من قرية كنصفرة، وهي أم لطفلة وكانت تعيش مع عائلة زوجها بعد نزوحهم إلى إدلب المدينة، وقالت مصادر مقربة من أهل الزوج أن الفتاة كانت تعاني أزمة نفسية حادة، على إثر تكرر المشاكل العائلية مع زوجها وأهله، وهو ما أفضى لانتحارها في نهاية المطاف.

المرشدة الاجتماعية أمل الزعتور (٣٥ عاماً) تقول ”أنه يصعب توثيق جميع حالات الانتحار في المنطقة، وسط إخفاءها من قبل الأهل لتجنب الوصمة الاجتماعية“، بينما تسود توقعات بأن الأعداد الحقيقية تفوق أضعاف ماتم توثيقه.

وترجع المرشدة الزعتور أسباب انتحار فتيات ونساء في إدلب إلى خيبة الأمل والضغوطات النفسية المتراكمة، والحالة المعيشية المزرية التي يعيشها السواد الأعظم من المدنيين، وسط الفقر والنزوح والغلاء وانعدام الفرص وضعف القطاع التعليمي، يضاف إلى ذلك ”المشاكل العائلية، وزيادة وتيرة العنف القائم على النوع الإجتماعي، الذي يضع المرأة دائماً موضع الضعيف ومن عليه تحمل كل تلك التبعات“ كما تقول.

وتضيف الزعتور “لا بد من مد يد المساعدة إلى تلك الحالات التي اصطدمت بواقع مؤلم وشعرت بالعجز عن تحسين واقعها، وتعزيز العامل الديني والأخلاقي في المجتمع، ومحاولة التخطيط للمستقبل وفق الإمكانيات المتاحة وخاصة في مخيمات النزوح، حيث الأوضاع الإنسانية المتدهورة والافتقار لأدنى مقومات الحياة”.

وبهذا الصدد، أطلقت منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” مبادرة توعوية بالتعاون مع منظمة “أنقذوا الأطفال الدولية”، تضمنت ندوات وورشات عمل في مدينة سلقين بريف إدلب.

ورفعت المبادرة شعار “كلمات قليلة تصنع فرقاً.. لنعمل معاً على الحد من الانتحار”، والتي ألقت الضوء على موضوع الانتحار وسعت إلى تقديم أساليب للوقاية منه.

وعن هدف المبادرة قال خالد فتال مسؤول البرامج في المنظمة ”هو إيصال رسالة مفادها أن المجتمع قادرعلى التأثير ومد يد المساعدة للأشخاص اليائسين ولو بكلمات قليلة“.

وتضمت المبادرة التوعوية، التي شارك بها أطباء وأستاذة وقضاة وبعض المختصين والعاملين في الشأن الإغاثي-الإنساني،  تقديم “خدمات نفسية” لجميع المحتاجين لها.

وشددت على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية، باعتبارها لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وقدمت نصائح ومبادئ توجيهية للإسعافات الأولية للانتحار قبل وقوعه بحسب الفتال.

ووثق فريق “منسقو استجابة سوريا ” تسجيل حالات انتحار جديدة في محافظة إدلب وريفها ومناطق من ريف حلب الشمالي، ليصل عدد محاولات الانتحار التي شهدتها هذه المناطق إلى 33 حالة منذ مطلع 2022 الحالي.

وبحسب بيان للفريق، الأحد 5 من يونيو/ حزيران، أدت 26 حالة من محاولات الانتحار إلى الوفاة، كان من بين أصحابها تسعة أطفال وعشر نساء، بينما فشلت سبع محاولات، من بينها حالات لأربع نساء.