تشكل الهجرة مقصداً لشريحة واسعة من أبناء جنوب سوريا قبل الحرب، ولكن بعدها ارتفعت نسبة المهاجرين بشكل كبير مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة جملة أسباب تتعلق بالضائقة المعيشة، وقلة فرص العمل، والأزمات الأمنية والسياسية وانسداد أفق الحل للوضع العام في البلاد. في الآونة الأخيرة هناك موجة سفر جديدة بدأت تظهر ملامحها منذ عامين. ورغم عدم وجود أرقام حكومية رسمية لأعداد المسافرين، لكن إحصائيات محلية في درعا والسويداء قالت أن كل شهر منذ الصيف الماضي يغادر حوالى 2000 شخص من السويداء ودرعا.
الاسباب بحسب أحمد، وهو مهندس مدني في الأربعين من العمر من مدينة درعا، فان أي شاب في جنوب سوريا تتهيأ له وسائل السفر من تأجيل عن الخدمة العسكرية والمبالغ المالية، يختار السفر من سوريا سواء كان جامعيا أو أميا، لأن سوريا تعاني ضائقة اقتصادية ومعيشية وفسادا إداريا، حيث لا يحصل العامل سواء في القطاع الخاص أو العام على حقة أو يعامل حسب قدرته ومعرفته وهذا الشي منذ أكثر من عشر سنوات أي قبل الحرب في سوريا، لكن الحرب زادت وضاعفت هذه المشكلات التي تدفع الشباب للسفر. ويضيف ان ما دفعه مؤخرا لقرار السفر والوصول إلى دولة الإمارات هو الفقر حيث أن العمل الخاص بات معدوما في درعا والمرتب الشهري الذي يتقاضاه هو مصروف اسبوع واحد فقط في أحسن الحالات. واعتبر أن البقاء في سوريا بنسبة له هو انتحار بطيء وتعب نفسي وفكري وجسدي دون جدوة أو منفعة. ويحاول أن يستغل ما بقي في عمره للعمل خارج سوريا لتحصيل دخل مادي جيد يعود بالنفع الوفير على عائلته فلديه 3 أولاد وابنته تدرس في الجامعة، يريد لهم حياه كريمة وتعليم جيد دون منغصات أو نواقص مادية بحسب تعبيره. اما جهاد، فهو شاب في العشرينات من عمره من السويداء حصل على إجازة جامعية مؤخراً، وقرر السفر إلى أوروبا لانه لو بقي في سوريا “سيكون المستقبل مجهولا باعتبار البلد كله ومصيره مجهول”، وأنه فضل السفر إلى أوروبا لاعتبارات كثيرة ذكرها منها أن دول الخليج لم تعد تستقبل العمالة الأجنبية بدون خبرات إضافية للإجازة الجامعية وهو خريج جديد لا يملك سنوات خبرة، إضافة أن المرتبات الشهرية في دولة الامارات التي يصلها السوريون بكثرة مؤخراً، تعتبر متدنية للعمل العادي في بداية السنة الأولى أو الثانية للعمل. وذكر أن أخاه سافر إلى دولة الإمارات قبل 5 أشهر، ويعمل هناك في مطعم ومرتبه الشهري لا يتجاوز 600$ أميركي لا يكفيه إلا الاستمرار على قيد الحياة في بلد مثل الإمارات وسائل الرفاهية والحياة فيها كثيرة وجميلة، ويرى أن بمجرد وصوله إلى أوروبا يستطيع بعد تعلم اللغة أن يصبح حتى ولو عامل عادي بدون إجازة جامعية أن يكون معيل فعلي لعائلته التي تركها في سوريا تعاني ضنك العيش.
الوطن؟ “لم يعد هذا الوطن موجودا في ذهني وما تبقي منه لا اريده”، بهذه الكلمات بدأ محمد، وهو في الثلاثين من العمر، حديثه. ويقول أنه تعرض للاعتقال في عام 2013، بعد تخرجه من الجامعة بأيام في العاصمة دمشق، رغم أنه كان طالبا ومدنيا ولم يكن يزور منطقته التي خرجت في ريف درعا الغربي عن سيطرة النظام السوري في بداية عام 2013. وبعد خروجه من المعتقل والتخرج من الجامعة بات مطلوبا للالتحاق بالخدمة العسكرية. فضل البقاء في مدينته على الذهاب إلى الخدمة، وبعد عام ٢٠١٨ والتسويات حصل على تأجيل بموجب التسوية لم يؤهله للسفر فقط كان تأجيل ضمن القطر السوري لمدة 6 أشهر، لكن صدر القرار الأخير الخاص بأبناء محافظة درعا ومنحهم تأجيل عن الخدمة العسكرية والسماح لهم بالسفر. سارع مثل الكثيرين من الشباب لاستخراج جواز سفر ووصل إلى دولة الإمارات، فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي تقبل دخول السورين منذ 3 سنوات، وبات السفر إليها غير مكلف مقارنة مع باقي الدول. يقول: “أعمل الأن في مدرسة خاصة ومرتبه فيها يعادل 450 دولارا تقريباً تكفيني أجرة سرير في غرفة مشتركة وطعام وشراب واتصالات”، لكنه يأمل مع مرور الوقت أن يحصل على امتيازات وزيادات في مرتبه أو فرص عمل أفضل، كانت بنسبة له معدومة في سوريا، وفق ما قال، فإن مصيره لو أنه لم يسافر واستغل فرصة التأجيل الإداري الذي منح لأبناء درعا لكان مصيره بعد انتهاء فتره التأجيل الالتحاق بالخدمة العسكرية أو البقاء فارا من الذهاب إلى الخدمة.
جامعيون قال ريان معروف مسؤول تحرير “شبكة السويداء24” لـ «صالون سوريا»: “لا ينحصر السفر في السويداء بحملة الشهادات العلمية بل يشمل كافة الشرائح. لكن نسبة كبيرة من بين المسافرين فعلاً يحملون شهادات علمية وخصوصاً الطب والهندسة، نتيجة لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى. المهندسون على سبيل المثال، سافر منهم خارج البلاد أكثر من 800 مهندس من أصل 3000 مهندس مسجلين في نقابة المهندسين بالسويداء بين 2011 و2019. ومن 2021 حتى 2022 غادر حوالي 150 مهندساً. وهنا مؤشر واضح على تزايد الإقبال على السفر مؤخراً. المشكلة الأخطر تتعلق بسفر الأطباء بحثاً عن فرص عمل خارج سوريا، مما ساهم بنقص حاد في الكادر الطبي. المشافي الحكومية في السويداء باتت تعتمد على بعض الأطباء المقيمين الذين تتناقص أعدادهم إلى درجة أصبحت بعص الأقسام خالية من طبيب مقيم ويتم الاستعاضة عنه بطبيب من قسم أخر أحياناً”. وبحسب ناشطين من مناطق جنوب سوريا في درعا والسويداء، فإن المنطقة تشهد أيضاً هجرة عدد كبير من أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع في المنطقة إلى خارج البلاد، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة، حيث تعرض عدد من هؤلاء لعمليات ابتزاز من قبل أشخاص مسلحين، وطلب مبالغ مالية كبيرة مقابل عدم التعرض لهم، ما دفعهم إلى الهروب، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية السيئة.
بيدين ترتجفان من البرد القارس وكنزة بالية وحذاء مهترئ، يتجول الفتى عامر (11عاما) في شوارع مدينة الدانا المزدحمة، ليبيع أكياس المحارم للمارة، سعياً منه للحصول على ثمن لقمة العيش له وأسرته، بسبب الظروف المعيشية المتردية التي دفعته ومئات الأطفال للنزول إلى الشوارع والأسواق والأماكن التي تشهد إزدحاماً، بحثاً منهم عن فرصة عمل في هذا المجال، لسد رمقهم وتأمين لقمة عيشهم وذويهم. بعد مقتل والده منذ خمسة أعوام، بقصف جوي على مدينة حلب، يعيش عامر مع أمه وأخواه الصغيران في قرية الحنان النموذجية للاجئين بريف مدينة الدانا شمال إدلب، ظروفاً إنسانية صعبة، لايجدون في كثير من الأوقات ما يسد رمقهم ولقمة عيشهم، ما دفعه مؤخراً للنزول إلى الشارع والعمل في بيع المحارم والبسكويت للمارة و وسط الأماكن المزدحمة في مدينة الدانا، وعرضها على المارة ويطرق نوافذ السيارات بهدوء مطالباً أصحابها بطريقة الإستعطاف شراء علبة محارم، كل ذلك مقابل كسب المال، وسد جزءً من متطلبات أسرته اليومية.
ديسك يقول عامر، إن “والدته ذات الـ 31 عاماً، لم تعد قادرة على العمل، بعد إصابتها بمرض الديسك في الظهر نتيجة العمل المجهد في تنظيف البيوت تارة، وتارة أخرى في تخريط أوراق الملوخية والنعناع بالأجرة لأحد الباعة في فصل الصيف وجلوسها الطويل أثناء العمل، ليجد نفسه في النهاية، وصياً على العائلة، وتتطلب منه توفير المال لسد حاجة عائلته من غذاء ودواء ومستلزمات حياتية أخرى”. ويضيف، أنه إستطاع “كثب ثقة أحد أصحاب محلات بيع الجملة”، ويحصل منه يومياً في الصباح على طرد من أكياس المحارم وكرتونة بسكويت، ويمضي بعد ذلك متجولاً في الأسواق والطرق المزدحمة لبيعها للمارة وأصحاب المحال التجارية وسائقي السيارات في مدينة الدانا. وفي نهاية اليوم يذهب إلى صاحب محل الجملة بعد بيع ما أخذه من أشياء صباحاً، لسداد ثمنها، محتفظاً بالأرباح وتصل تقريباً إلى 20 ليرة تركية يومياً، ويعود بعد ذلك إلى المنزل وتقديم ما كسبه من نقود لأمه لإعانتها على سد حاجة أسرتها اليومية من طعام وشراب”. وأضاف، أنه “أثناء تجواله لبيع المحارم والبسكويت في الشوارع والأسواق يشاهد الأطفال من عمره وهم في طريقهم إلى المدارس، وفي نفسه رغبة بمتابعة التعليم، إلا أن ظروف عائلته الصعبة وفقرها، لا تسمح له بذلك”. ولفت، أنه “فضل العمل في البرد والصقيع، على أن يتسول المارة من أجل كسب النقود، وأنه يتعرض في كثير من الأحيان للتهكم والطرد من قبل البعض والصراخ عليه، إلا أن ذلك لا يثنيه عن متابعة البيع”.
تسول بغطاء البيع يخرج من المخيمات العشوائية المحيطة بمدينة سرمدا كل صباح، عشرات الأطفال، بقصد التسول، وكل منهم يحمل كرتونة صغيرة من البسكويت ذو الجودة الرديئة، ويجوبون الشوارع ويحاولون إستعطاف المارة بإلحاح شديد، لشراء البسكويت. فالبعض يعطيهم النقود دون أن يأخذ البسكوتة، وأخرون يحاولون إبعادهم أو الصراخ عليهم، حتى أصبحت ظاهرة إجتماعية تنتشر في كل مدينة أو منطقة تشهد إزدحاماً سكانياً أو تجارياً أو صناعياً في شمال غربي سوريا، تسبب بها الفقر والغلاء وتراجع حجم المساعدات الإنسانية، وعدم توفر جهات إنسانية ترعى شؤون الأطفال، وتحافظ عليهم من الإنزلاق نحو مشاكل أخطر من التسول، بينما عدد من الأطفال يخرجون للتسول بدفع من الأهل لكسب المزيد من المال. وقال أحمد (10 أعوام)، وهو نازح من ريف أدلب الشرقي في مخيم قريب من مدينة سرمدا، أنه “أبن عائلة مهجرة منذ 3 أعوام، في مخيم يفتقر لأبسط مقومات الحياة، بينما المساعدات الإنسانية التي تقدمها إحدى المنظمات الإنسانية شهرياً، وما يحصل الأب عليه من أجور عمله في معمل لتسوية الحديد، لا يكفيهم سوى بضعة أيام من الشهر، نظراً لعدد أفراد الأسرة (9) أشخاص وحاجتهم للغذاء الكثير يومياً، ما دفعه للنزول إلى الشارع والتسول تحت غطاء بيع البسكويت للمارة، وإن “ما يجنيه من التسول من نقود بحجة بيع البسكويت للناس يومياً، ساهم بتحسين الوضع المعيشي لعائلته”. اما حسين (13عاما)، وهو نازح من ريف حماة الشرقي، فيقول: “بداخلي شعور بعدم الرضى بأن أكون متسولاً في الشوارع، ولكن هذه رغبة أبي وأمي، من أجل الحصول على المال يومياً من خلال تسول الناس، والعودة إلى المخيم بمبلغ يُمكن والدي من سد حاجة العائلة، وغالباً ما أعود بمبلغ يتراوح ما بين 20 إلى 30 ليرة تركية يومياً، بينما علبة البسكويت تبقى كاملة في كثير من الأيام”. ويضيف، “بالرغم من أنه صدمتني سيارة مجهولة قبل نحو 6 أشهر وكسرت قدمي ويدي، إلا أنه بعدها شفيت ودفعني والدي مجدداً للعودة إلى التسول”.
تزاحم الأطفال عند دوار سرمدا والطرق المؤدية له، يترقب عشرات الأطفال السيارات المارة، وما أن تتوقف سيارة أو تبطء سيرها يتهافت عليها عدد من الأطفال، سعياً منهم إقناع السائق لشراء بسكوتة، وغالباً ما يكون سعرها أقل من نصف ليرة تركية، فالبعض يعطي ثمنها للطفل ليرة تركية، وأحياناً 5 ليرات، وهنا تصيب الطفل فرحة كبيرة لا توصف، وتشجعه على الإستمرار بالتسول تحت غطاء البيع، بينما بعض السائقين ما أن يتجمع الأطفال حول سياراتهم، يمضون مسرعين، وغالباً ما يتعرض بعض الأطفال لحوادث سير خطيرة. ويرى الناشط سائر السيد علي في إدلب، أن “ظاهرة التسول من أخطر الظواهر التي تصيب الشعوب والمجتمعات، وغالباً ما تكون دوافعها الفقر والحاجة في تأمين أبسط المستلزمات المعيشية، وأيضاً دوافع اخرى لكسب المال بشكل وفير دون عناء أو جهد بالعمل، وهذا ما تشهده محافظة إدلب خلال الأونة الأخيرة، وإنتشار ظاهرة التسول بشكل كبير في الشوارع، ونسبتها الأكبر بين الفئات العمرية هم الأطفال ما دون العاشرة من العمر”. ويضيف، “تكمن خطورة ظاهرة التسول للأطفال، في التخلي عن كرامتهم الإنسانية، منذ الصغر، فضلاً عن فقدانهم بشعور القيمة والأهمية كطفل من حقه التعلم والعيش بأمان من الفقر والعوز” ويأتي ذلك من خلال إتباع الأطفال أساليب في التسول غالباً ما تكون ملتوية وغير أخلاقية، من أشخاص لايحسنون التعامل مع هذه الظاهرة، فغالباً ما يكون الرد بالزجر أو الضرب والإبعاد بالقوة، مما يهدد ذلك حياة الأطفال المتسولين ومستقبلهم للخطر وانحرافهم أخلاقياً. وقال الحقوقي أكرم جنيد، إن “الحرب خلفت أعداداً كبيرة من الأيتام، وشردت آلاف الأطفال، فضلاً عن إرتفاع نسبة الفقر، في ظل النزوح والتشرد، ما دفع بالأطفال للنزول إلى الشوارع والتسول”.
عام 2009، نظمت مجموعة من الشباب السوريين حملة لمقاطعة شركتي الخليوي «سيريتل» و«ام تي ان» الوحيدتين في البلد، لإجبارهما على تخفيض الأسعار والرسوم الشهرية العالية رغم خدماتهما السيئة. انطلقت الحملة آنذاك عبر البريد الإلكتروني بسبب حظر «فايسبوك» و«تويتر» في سوريا، وكان الهدف منها الضغط لرفع الاحتكار عن هذا القطاع، وإدخال «مشغل ثالث» والسماح بالتنافس الحر، ووقف احتساب الدقيقة من الثانية الأولى. كما طالبت الحملة بوقف التنسيق بين الشركتين على صعيد الأسعار والعروض والخدمات، حيث باتت الشركتان «نسخة طبق الأصل» عن بعضهما البعض، ولا اختلاف بينهما إلا في الأسماء.
المشغل الثالث فجأة ضجت وسائل الإعلام عام 2010 بخبر إمكانية دخول «المشغل الثالث» إلى سوريا، لإنهاء الاحتكار في سوق الخلوي. تلقت وزارة الاتصالات آنذاك سبع عروض من شركات اتصالات عربية وأجنبية للحصول على رخصة للعمل على الأراضي السورية وهي: شركة «اتصالات» الإماراتية، والاتصالات السعودية «أس تي سي»، و«كيو تل» القطرية، وشركة «زين» الكويتية، و«تركسل» التركية، و«فرانس تيليكوم» الفرنسية، و«تي إي أم كو» الإيرانية. كانت الشركات الخليجية خصوصاً تتطلع للدخول إلى سوريا في تلك الفترة للحفاظ على استقرارها وحجم إيراداتها في ظل التباطؤ الاقتصادي بعد الأزمة المالية وتراجع عدد السكان، وخاصة أن سورية تعد من الدول الأخيرة في المنطقة التي ما زالت قادرة على استيعاب مشغلين جدد. لكن رغم نجاحها في الدول التي تعمل بها، لم تنجح أي من هذه الشركات في اختراق السوق السورية، وبقي المشغل الثالث حبراً على ورق.
«خمسة بالمئة» لأكثر من عشرين عاماً استحوذت شركتا «سيريتل» و«MTN» على السوق السورية بعقود طويلة الأجل قابلة للتمديد، بالشراكة مع المؤسسة العامة للاتصالات وفق نظام الـ «B.O.T». وطالما وجهت انتقادات لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف الذي اتهم باحتكار الخليوي وكل قطاع الأعمال في سوريا، ومنع دخول أي شركة منافسة لشركاته إلا إذا حصل على نسبة معينة، ومن هذه الشركات «سيريتل» التي تهيمن على قطاع الاتصالات النقالة في سوريا. هذا في الماضي، أما اليوم فإن الرجل «خمسة بالمئة» كما كان يلقب انتهى في سوريا عملياً وتحوّل إلى داعية إسلامي محاصر وممنوع من السفر، بعد سيطرة الدولة على شركاته وجمعياته، بحجة تخلفه عن دفع مئات المليارات لخزينة الدولة. أما شركة «ام تي ان» فهي تسير على الطريق ذاته، بعد انسحاب الشركة الأم جنوب الأفريقية، وكلام رئيسها بأن «العمل في سوريا أصبح غير محتمل». وفا في هذه الأجواء عاد الحديث عن المشغل الثالث، الذي سيدخل قريباً تحت اسم شركة «وفا» حسب المتداول، وكما صرح وزير الإتصالات والتقانة إياد الخطيب فإن دخول الشركة الجديدة على الشبكة السورية بات قريباً يدخل المشغل الثالث بعد عشر سنوات من حرب طاحنة أتت على الأخضر واليابس، في ظل رداءة الخدمة وانقطاعها في مناطق كثيرة وتأثرها بـ تقنين الكهرباء ودمار الكثير من أبراج التغطية والمحطات. وهنا يقول وزير الاتصالات “أملنا كبير بمشغل وفا “الوطني” لتحسين الخدمات وواقع التغطية الخليوية في جميع أنحاء البلد”. وأطلق وزير الاتصالات تصريحاً عجيباً حد السخرية يقول فيه إن “شركات الاتصالات السورية في منافسة شديدة وليست جهة واحدة كما يظن الكثيرون”.
ما الفائدة؟ بغض النظر عمن يملك الشركة الجديدة ومن يقف وراءها من أشخاص أو دول، والأسئلة الكثيرة التي تدور حول طبقة الأثرياء التي تشكلت خلال الحرب وطبيعة الصراع بين أمراء الحرب والسلام. لكن ما الذي يمكن أن تضيفه هذه الشركة للمواطن السوري من خدمات جديدة، وما هي الفائدة المباشرة لوجود مشغل ثالث، ولم يلمسها المواطن خلال 20 عاماً من تعامله مع شركتين لا ثالث لهما؟. ربما ترفد هذه الشركة سوق العمل بمئات الوظائف، وهي ميزة كان رامي مخلوف يحققها ويتباهي بتوفير آلاف الوظائف للسوريين برواتب عالية، فما هي الميزة الجديدة للشركة؟. رفعت شركتا الخليوي الأسعار بنحو 40 إلى 50 بالمئة خلال الأشهر الماضية، مبررة ذلك بالظروف والأوضاع الاقتصادية التي تمر بها سوريا، من حصار و”قانون قيصر”، وصعوبة الحصول على المعدات اللازمة لصيانة الشبكة، وكلفة ترميم المحطات التي تعرضت للتدمير. ولكن خلافاً لهذه المبررات حققت شركتا الخليوي أرباحاً كبيرة تصل إلى 400 مليار ليرة خلال السنوات الخمس الماضية فقط، وهو ما يدحض فكرة أن الشركتين تعانيان من الخسارة. من يصدق أن هذا القطاع يخسر في بلد تكلف فيه جمركة الهواتف الخلوية 30% من قيمة الجهاز، وبلد تدخل إليه آخر إصدارات الآيفون قبل دخولها إلى دول الخليج؟.
“تلاتة بواحد” لعل السؤال الذي يدور في ذهن المواطن السوري اليوم، هل يمكن أن يقدم المشغل الثالث أسعاراً أقل وخدمات أفضل من الحالية؟، مع أن الشركة حسب المتداول سوف تستخدم أبراج الشركتين القديمتين. تتنافس الشركات العالمية في تقديم الخدمات المختلفة للمشتركين بأسعار منافسة، ولكن في سوريا الأمر مختلف، رغم صدور قانون المنافسة ومنع الاحتكار عام 2008، والذي يفترض أن يطبق على كل الأنشطة التجارية والانتاجية والخدمات ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية، لكن هذا القانون لم يطبق في الكثير من القطاعات ومنها قطاع الخليوي خلال أكثر من عشرين عاماً، فهل يطبق اليوم بعد دخول شركة وفا على الخط؟. ربما نكون أمام ثلاث شركات مشغلة للخليوي في سوريا، تشبه الصحف الحكومية، تلاتة بواحد!.
عند الساعة 8 مساء من يوم الخميس الماضي بـ 20 الشهر الحالي، تمكنت خلية موالية لتنظيم “داعش” مؤلفة من 100 عنصر من اقتحام سجن الصناعة بحي الغويران جنوبي مدينة الحسكة. يوم الاثنين، تم استسلام ٣٠٠ سجين، فيما تحصن اخرون بـ “أشبال الخلافة” في احد مهاجع السجن. وبين هذين اليومين، حصلت اشتباكات وغارات… ولاتزال قصة “تمرد داعش” غير مكتملة.
ساعة الصفر بدأ الهجوم بانفجار صهريج كبير بالقرب من مدخل بوابة السجن الشمالية، تلاه انفجار سيارة مفخخة ثانية على بعد أمتار قريبة ثم انفجرت في نفس الوقت سيارة ثالثة في محطة محروقات “سادكوب” لتوزيع المواد البترولية الواقعة بالجهة المقابلة للسجن، لتنفجر بعدها العديد من خزانات الوقود والسيارات المركونة في المحطة وتصاعدت سحب الدخان والسنة النار وغطت سماء المنطقة، ولم تتمكن طائرات التحالف الحربي من رصد الإحداثيات أو التدخل جوياً.مس
هذه الانفجارات الثلاثة كانت ساعة الصفر لعناصر التنظيم المحتجزين في سجن الصناعة الذي يضم 5 ألاف محارب قاتلوا في صفوف التنظيم سابقاً، لتنفيذ تمرد مسلح وعصيان يعد الأكبر والأعنف من نوعه منذ سجن هؤلاء ربيع 2019، وأظهرت كاميرات المراقبة من برج الحراسة التابعة للسجن كيف خرج المئات من المحتجزين من داخل المهاجع، وأضرموا النيران بالقرب من البوابة الرئيسية وهاجموا عناصر الحراسة وقوى الأمن، وقاموا بحرق الأغطية والعلب البلاستيكية لإحداث الفوضى، وسيطروا على أجزاء من السجن وتمكنوا من اقتحام قسم الحراسة وسرقوا جميع الأسلحة والذخيرة، وقاموا بتصفية بعض المقاتلين كان من بينهم مدير السجن ويدعى جمال كوباني، وأسر الآخرين ويقدر عددهم بنحو 20 مقاتلاً. في ذات الليلة، دارت اشتباكات عنيفة وتوسعت رقعة العمليات المسلحة وسرعان ما سيطر عناصر التنظيم المتمردين داخل السجن على أقسام من السجن، فيما تمكنت “خلايا نائمة” من دخول السجن وقدمت يد العون لتهريب العشرات ثم سيطروا على بعض المواقع في أحياء الغويران والزهور، الى جانب معهد المراقبين الفنيين ومبنى كلية الاقتصاد وصوامع الحبوب الملاصقة للسجن، بينما ردت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وقوى الأمن الداخلي على الهجوم وفرضت طوقاً أمنياً محكماً بدعم واسناد جوي من طيران التحالف، بمشاركة قوة عسكرية من الجيش الأمريكي التي انتشرت في المدخل الرئيسي الشمالي لحي الغويران عند جسر البروتي.
قبضة ونزوح في اليوم التالي من يوم الجمعة، أحكمت “قسد” حصاراً على الأقسام التي سقطت في قبضة الجهاديين داخل السجن، وعزلت المواقع التي سيطرت عليها الخلايا النائمة في الأحياء المجاورة وحاصرتها من جهاتها الأربعة، وبذلك عزلت تلك المناطق بفرض حصار شامل حتى لا يتمكن المسلحين من فتح خط أمدادات خارجية للمساعدة والسيطرة على الطريق الذي يربط العويران ببلدة الشدادي المجاورة ومنها نحو صحراء بادية الجزيرة التي تمتد حتى الحدود العراقية شرقاً. وشهد حيا الغويران والزهور قرب السجن، حركة نزوح كبيرة للأهالي قصدوا الأحياء المجاورة ومركز المدينة، وعلى مدار الأيام التالية دارت اشتباكات عنيفة وشديدة مع دخول طيران التحالف وطائرات الاباتشي الأمريكية وF16 على خطوط المواجهة، وقامت بتغطية المعارك وقصف المواقع والامكان التي يشتبه بتحصن المتطرفين، وتدور العمليات العسكرية في الجهة الشمالية والجنوبية المتواصلة منذ مساء الخميس الماضي، وقال القيادي فرهاد شامي مدير المركز الإعلامي للقوات إن 13 من عناصر التنظيم قتلوا خلال حملات دقيقة نفذها مقاتلو «قسد» صباح يوم الأحد، ليرتفع عدد قتلى التنظيم منذ بدء الهجوم إلى 35 مسلحاً وسط تقارير ومصادر ترجح بأن العدد أكثر من ذلك بكثير ووصل الى حدود 80 قتيلاً. وأكد شامي بأن القوات ضيقت الطوق الأمني حول سور السجن الشمالي وتمكنوا من إلقاء القبض على المزيد من العناصر لترتفع الحصيلة الأولية للأسرى والعناصر الذين تمكنوا من الهروب وتم القاء القبض عليهم أو استسلموا الى 140 عنصراً، بينما أعلنت قوات «قسد» بأن عدد المقاتلين الذين سقطوا في عملية سجن الغويران ارتفع الى 27 خلال الأيام الثلاثة الماضية، في حين أكدت اخطاف عدد محدود دون الإفصاح عن المزيد من التفاصيل والأرقام.
حشود حشدت قوات «قسد» تعزيزات عسكرية لتكثيف وجودها العسكري في محيط السجن وداخله ونشرت فرقاً للمهام الخاصة والتدخل السريع وأغلقت جميع الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية إلى السجن. كما فرضت حظراً شاملاً على مدينة الحسكة لمدن 7 أيام ومنعت بموجبه من دخول وخروج الأهالي والمدنيين حتى إشعار آخر، في وقت شاركت طائرات التحالف بقيادة واشنطن في عمليات التمشيط وألقت قنابل ضوئية لمساندة حراسة السجن فيما قصفت بالرشاشات مواقع متفرقة في محيطه، وكثفت طلعاتها على مواقع وتجمعات عناصر تنظيم «داعش» داخل سجن الصناعة ومحيطه بحي الغويران تمهيداً لاقتحام السجن. واستقرت 6 عربات أمريكية قتالية من طراز برادلي و4 سيارات همر وعشرات الجنود الأمريكيون أمام بوابة السجن المركزية، وقال القيادي العسكري سيامند علي بأن (قسد) قاب قوسين أو أدنى من أحكام السيطرة على السجن وأنهاء التمرد المسلح، ووجهت قوات القوات عبر مكبرات الصوت نداءات الى عناصر التنظيم المحاصرين في أجزاء من سجن الصناعة بضرورة تسليم أنفسهم، وطالبت المسلحين والخلايا النائمة التي تمكنت من دخول مبنى السجن رمي أسلحتهم والتوجه نحو البوابة الرئيسية. وألقت طائرات التحالف منشورات ورقية على الأحياء السكنية بمركز الحسكة، تتضمن أرقام وخطوط هواتف ساخنة للإبلاغ عن أي أنشطة إرهابية أو مشبوهة في ظل استمرار الأحداث التي تشهدها منطقة سجن غويران.
تسجيل وكانت وكالة “أعماق الإخبارية” الذراع الإعلامية لتنظيم (داعش) نشرت ليل السبت الأحد الماضي على صفحات مؤيدين وحسابات أعضاء موالون في التنظيم، تسجيلًا مصورًا يظهر فيه أربعة عناصر من التنظيم ببذاتهم العسكرية من داخل السجن، يظهر أسر حوالي 20 شخصاً وتظهر عليهم آثار التعذيب وطلب أحد المقاتلين الكشف عن أسمائهم ونسبهم العشائري والمناطق التي يتحدرون منها، وكشف ذات المسلح في تسجيله المصور حيث كان ملثماً يقف أمام راية التنظيم وقد علقت على إحدى جدران السجن، أنهم نجحوا بإخراج أكثر من 800 محتجز واسير على دفعات خلال الأيام الماضية من أسرى التنظيم لفي السجن. وقال القائد العام لـقوات (قسد) مظلوم عبدي إن قواته نجحت بدعم ومساعدة من قوات التحالف والطيران الحربي، “بصد الهجوم وتم تطويق محيط السجن بالكامل واعتقال جميع الهاربين”، مضيفاً بأن (داعش) حشد “معظم خلاياه في محاولة لتنظيم هروب من سجن الحسكة، عن طريق انتحاريين والقيام بعصيان داخل السجن من قبل المعتقلين”، ونشر عبدي تغريدة على حسابي الشخصي بموقع «تويتر» قال فيها: “لن تتوقف قواتنا عن قتال (داعش) حتى يتم وضع جميع العناصر الإجرامية خلف القضبان”.
أجانب ومنشأة الصناعة بحي الغويران بالحسكة من بين 7 سجون منتشرة في شمال شرقي سوريا يُحتجز فيها 5 آلاف متطرف كانوا ينتمون إلى «داعش». وهذه المنشأة عبارة عن بناء كبير يضم عشرات المهاجع الضخمة والزنازين وتحيط به أسوار عالية تخضع لحراسة مشددة من قوات «قسد»، بدعم مالي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. ويقع هذا السجن في منطقة عسكرية متشابكة ومعقدة حيث تنتشر إلى جانب قوات «قسد» وقوات التحالف الدولي والجيش الأميركي، قوات حكومية موالية للرئيس السوري بشار الأسد ووحدات من الجيش الروسي. وهذه القوات الأخيرة تحكم السيطرة على جيب حكومي يقع في مركز مدينة الحسكة. وتشير إحصاءات إدارة السجون لدى الإدارة الذاتية شرق الفرات إلى وجود نحو 12 ألف شخص كانوا ينتمون إلى صفوف التنظيم المتشدد، بينهم 800 مسلح ينحدرون من 54 جنسية غربية، وألف مقاتل أجنبي من بلدان عدة، على رأسها تركيا وروسيا ودول آسيوية، بالإضافة إلى 1200 مسلح ينحدرون من دول عربية، غالبيتهم قدموا من تونس والمغرب. كما يبلغ عدد المنحدرين من الجنسية العراقية نحو 4 آلاف، والعدد نفسه ينحدر من الجنسية السورية. واتهم لقمان آحمي، الناطق الرسمي باسم الإدارة الذاتية شرقي الفرات حكومة دمشق بأنها شريكٌ في الهجوم على السجن، وذكر قيام حكومة الرئيس الأسد بـالترويج “للخلايا الإرهابية ووصفها بأنها مجموعات المقاومة الشعبية ودعمتها إعلامياً ولوجيستياً”، وأوضح أن “الطرف الأول ورأس الحربة في الهجوم (على السجن) كان عناصر من داعش يعملون ضمن خلايا نائمة تحاول رفد عناصرها عن طريق إخلاء العناصر المحتجزين في سجن الصناعة”، واعتبر أن الأطراف المستفيدة من أحداث السجن “هي الحكومة التركية وفصائل المعارضة السورية”.
تحت “جسر الرئيس” في العاصمة السورية، دمشق، رصيف طويل يشغل زاوية ضيقة. هذا الرصيف، يضم آلاف الكتب، يتصدره أشخاص بائسون مضى عليهم الدهر. ” هنا تأسست الوحدة العربية، في هذا الشارع تماماً، لا ينفصل أحدنا عن الآخر، لكن لكل منا استقلاليته الخاصة”، بلهجة فراتية يرحب عبد الله حمدان (50 سنة)، صاحب إحدى المكتبات، بجملته السابقة، عندما علم أن هناك صحافة ستبدأ الحديث عن حاله والرصيف الذي يشغله لأكثر من عقدين، يسرد قصصاً عن هذه المكتبات، وما تبقى منها منذ خمسة عقودي. حمدان، خريج كلية الشريعة من مدينة دير الزور، وله أكثر من 14 مؤلفا تنوعت بين تاريخ وأدب، منها “تاريخ المسجمة والمشبهة في هذه الأمة”، تختص بالتكفير، وديوان شعر باللهجة الفراتية “صيحة عتاب”، لكنها غير معروفة لدى الجيل الجديد.
قراء وهجرة يروي حمدان، الملقب بـ “أبي زينب”، لموقع “صالون سوريا”، سر بقاء هذه المكتبات حتى يومنا على الرغم من ضعف رواد هذه الأرصفة الثقافية. يقول: “الفقراء من يقرأون. زباؤننا القراء من الطبقة الفقيرة ما قبل الحرب وبدايتها، إلا أن الحال تغير اليوم. أصبحت هذه الطبقة التي تشبهنا شبه معدومة، تسعى لكسب قوت يومها، كيف لشعب جائع أن يقرأ؟. أما الجيل الجديد، فاستبدل الإنترنت عن الكتاب”. ويضيف: “هجرة الشباب أثرت أيضاً على القراءة، أغلب المثقفين وطلبة العلم غادروا سوريا، أين هم الآن؟، ومن تبقى يستغل الإنترنت للبحث عن المعلومة ويكتفي دون الذهاب إلى مصدرها الأصلي”. “بات الإنترنت عاملاً مهما للتواصل وإيصال المعلومة، لكنه أداة العصر الرئيسية بين الناس وللاطلاع فقط على العلم، دون الاعتماد الكلي عليه، أما طالب العلم فيجب أن يعتمد على الطبعة الأساسية للكتاب لأنها تستقي المعلومة من مصدرها وإذا كان كتاب قديم يكون له تحقيق ويخرج المعلومة على أصولها ولا يمكن أن يؤخذ العلم جملة وتفصيلاً من الإنترنت” بحسب حمدان.
صحافيون على الرصيف بحر من الكتب يأخذك لزوايا عدة. رغم رداءة المكان والروائح الكريهة، هناك فن عشوائي من الكتب الممدودة على طول خط كامل زينت المكان بأكمله. يقف عند زاوية أخرى داخل هذا المربع رجل يضع شالاً بني اللون، يدعى “أبو مؤيد” وهو محمود حسن. كاتب صحفي بالشأن الفلسطيني بين عامي 83 و 95 يملك مكتبة رصيف تحت هذا الجسر، حال به الزمن إلى بيع الكتب هنا. يقول: “بدأت بالكتابة في صحيفة الثورة بقسم أدب الشباب خواطر وقصص قصيرة ثم انتقلت إلى العمل السياسي بالإعلام الفلسطيني الموحد في عدة مجلات وصحف منها “مجلة فتح”، “الهدف”، “السفير”، “النهار”، “الناقد” للراحل رياض الريس منذ 1986 حتى عام 1995″. يستذكر أبو محمود أيام الصحافة الأصيلة بروادها، دخل إلى سرداب ضيق، أخرج كرتونة مليئة بالجرائد وبدأ البحث عن مقالات قديمة، أعادنا بالزمن إلى سنة الــ1986 إلى بدايات انطلاقة الصحافي محمود حسن الذي أصبح الآن بائع كتب رصيف بدمشق، بدءاً من جريدة “الثورة” السورية ومقاله عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى”، إلى جريدة “النعيم” ومجلة “فتح”، وصحف أخرى، كما له أيضاً مؤلفين الأول “كتاب الحولة” دراسة جغرافية اجتماعية تاريخية لقرى سهل الحولة في فلسطين، ورواية “مدارج العشق”. توقف “أبو مؤيد” ابن مدينة صفد عن الكتابة بالإعلام الفلسطيني بعد انتقال مجلة “الهدف” الفلسطينية في العام 1987 إلى رام الله، وباعتباره فلسطيني سوري، مُنع من العودة لأنه يشمله حق العودة القديم وعندها بقي في دمشق واختار العمل في بيع الكتب على الرصيف لكي يبقى قريباً من الكتاب، بحسب ما قاله لصالون سوريا. أما عن تراجع القرّاء، فيرى أبو محمود أن السبب يعود لتراجع المبيعات نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تسببت بنكبة إغلاق المكتبات وغلاء الطباعة ونقص اليد العاملة والأوضاع الاقتصادية، يقول: “نحن الآن غير قادرين على متابعة شراء الكتب يوجد قراء لا شك ولكن ليس باستطاعتهم شراء الكتب وهناك الكثير من القراء هاجروا.
وعود المحافظة خلال الجولة في هذا الركن الضيق تحت الجسر، التقينا برجل يدعى طارق الفاعوري (48 عاما)، من محافظة القنيطرة. خطاط يرتاد إلى هذه الأرصفة منذ عشرين عام، يعيد إحياء الكتب التراثية. يقول: “هذه المكتبات على قلتها في دمشق قياساً للقاهرة وبغداد، تقريباً مثل الماء للحياة، المكان هنا ملتقى لعشاق الكتاب وللفقراء تحديداً، أي من ليس لديه قدرة لشراء كتب جديدة فهذا المكان مناخ مناسب جداً، بأسعار رخيصة وكتب نادرة”. ويتابع “الإنترنت ضرورة حياتية للمعاصرين لكن النهضة العربية نهضت بدون إنترنت، بيمنا من جيل الإنترنت منذ عشرين عام حتى الآن لم يظهر لدينا اسم واحد مهم ولا اسم حرك شيء بالشارع العربي الثقافي، حتى على صعيد الصحافة لم يستطيعوا أيضاً، زمن أعلام الصحافة العربية كان الورق يتحدث ولكنه في طريقه للأفول”. قصة انتشار هذه المكتبات تعود لوزيرة الثقافة نجاح العطار (نائب الرئيس حاليا) التي كانت بمنصبها عام 1976 –2000 هي من أعطت الأمان لبائعي الكتب “مكتبات الرصيف”، بنظرها هؤلاء يجب أن يكونوا بأمان دون أي مضايقات، لأنهم يبيعون ثقافة الشارع”، بحسب ما قاله الفاعوري، مضيفاً: “بعد أن تركت منصبها من وزارة الثقافة تغولت المحافظة، واستطاعت حصرهم بهذه الدائرة، ومن يخرج منها فهو مطارد”. على الرصيف ذاته، تفصل عدة كتب بين أبو مؤيد عن “بسطة” جاره “أبو عبد الرحمن”. يحددها الجاران كجدا فصل، يعمل الأخير هذا المكان منذ 25 سنة خريج معهد أثار وشارك في عمل لوحات فنية مع العديد من الباحثين الأجانب في سوريا قبل الحرب. يقول: “للأسف لا يوجد قراء ما عم نستفتح بفرنك. رغم أننا نبيع بسعر أرخص، ولكن نحن شعب لا يقرأ، الفقراء لم يعد يرتادون هذه المكتبات رغم رخصها، ويتابع: “انظر إلى هذا المكان تأتيني أيام أبكي فيها على هذه الكتب المرمية هنا، وكل يوم وعود من المحافظة بإنشاء أكشاك ولكن فقط وعود، في كل العالم هناك مكتبات رصيف ونحن نطالب بأكثر تنظيم ونظافة. لو نحن لم نجلس بهذا المكان لكان خراباً”.
مكتبات عريقة غادرت قرب مقهى الهافانا بدمشق تغير مكان “مكتبة اليقظة العربية”، واستبدلت بمحل “اليمامة للأحذية”، بعد إقفالها عام 2014، وإعلان أصحابها انتهاء رحلة ثقافية دامت 83 عاما، داخل المكتبة سابقاً، فبدلاً من بيع العناوين والكتب التي أصدرتها المكتبة حل مكانها أحذية تواكب الموضة. يكشف سامي حمدان أحد أبناء مؤسسي المكتبة وبات الآن باع أحذية بدلاً من الكتب، سبب إغلاق المكتبة وتحويلها إلى محل أحذية. يقول لـ “صالون سوريا”: “المكتبة أغلقت عام 2014 بسبب قلة البيع والأزمة الاقتصادية الخانقة، وتحول الناس إلى الهواتف المحمولة والإنترنت، هذا التحول أنهى ظاهرة المكتبات والكتاب، المكتبة أسست عام 1939 طبعت حوالي 300 عنوان في سوريا”. في زاوية أخرى يجلس بالقرب من سامي ابن عمته سعدي البزرة”الذي اشترى المكتبة من آل حمدان وحولها إلى محل بيع أحذية عام 2014، يرى البزرة أن المحل التجاري يجب أن يحقق مبيعات كي يحقق المرابح. يقول: “المكتبة لا تعيننا على العيش، كل أخر سنة، علينا دفع ضرائب باهظة للمالية، وفواتير الكهرباء، الضرائب هي عامل أساسي كبير للإغلاق”. ويضيف: “في يومنا هذا الشعب لا يبحث عن الثقافة والقراءة بل عن لقمة العيش في ظل الوضع الاقتصادي، ومنها أيضاً هجرة العقول”، مؤكداً أن الغلاء ليس عاملاً أساسياً في إغلاق المكتبة لأنه شمل الجميع وليس الكتب فقط ولا حتى التكلفة الباهظة للطباعة هذا سبب ضعيف وعديم التأثير. في الوقت ذاته، نفى أن تكون الحرب هي السبب الرئيس في قفول هذه المكتبات، قائلاً: “الحرب لا تؤخر ولا تقدم، اليابان أكبر مثال وشعبها عاد بالقراءة، والثقافة وليس الشهادات المزورة، وأصبح أرقى شعوب العالم، والحكومة يجب أن تؤمن لقمة العيش والأساسيات كي يقرأ الشعب، هذه مهمتها وليست مهمتنا”.
مكتبة “نوبل” الدمشقية ودعت قراءها العام الماضي، إذ كانت منذ سبعينات القرن الماضي، معلماً ثقافياً في دمشق. ملايين الناس اقتنوا منها كتباً ثمينة، قرار الإغلاق كان مؤلماً لأصحاب المكتبة ولفئة قليلة بل نادرة من القراء. تواصلنا عبر الهاتف مع السيد إدمون نذر شقيق جميل، كشف لـ “صالون سوريا” بأن سبب الإغلاق ليس الغلاء وعدم قدرة الطباعة. يضيف: “شقيقي جميل من قرر إغلاق المكتبة وسافر إلى كندا وليس خلاف ورثة كما يقال، زوجته مريضة في كندا وهو مقيم منذ 10 سنوات هناك وأنا فقط كنت أساعده في المكتبة، ففكر بإغلاق المكتبة والعودة إلى كندا، الأمور جيدة ولدينا قراءنا وهم موجودون”. مكتفياً بهذا الكلام. العديد من المكتبات السورية أغلقت أبوابها خلال الأزمة وليست فقط “نوبل” و “اليقظة”، سبقها مكتبة “ميسلون” التي تحولت إلى مركز صرافة، ومكتبة “الذهبي” في الشعلان التي تحولت إلى محل بيع فلافل.
حذر الاتحاد الاوروبي في وثيقة رسمية، من “تغيير ديموغرافي” اذا استمر النزوح والهجرة في سوريا. وقال ان عدد السوريين الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية ارتفع من 11 مليون في عام 2020 إلى 14 مليونا حالياً. واذ لفت الى وجود 5.6 مليون لاجئ سوري و6.7 مليون نازح داخل البلاد، حذر الاتحاد الأوروبي “من أي عمليات نزوح أخرى في أي جزء من سوريا، وكذلك الاستغلال المحتمل لمثل هذه النزوح لأغراض تغيير التركيبة الاجتماعية والديموغرافية للبلاد”. واضاف انه “لا يزال يتعين الوفاء بشروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين والمشردين إلى مواطنهم الأصلية، بما يتماشى مع المعايير التي حددتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووفقاً للقانون الدولي، وسيقوم الاتحاد الأوروبي بدعم هذه العودة بمجرد استيفاء الشروط”.