غلاء المعيشة يغير تقاليد عيد النوروز

غلاء المعيشة يغير تقاليد عيد النوروز

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

تزامن عيد النوروز (الذي يصادف الحادي والعشرين من آذار في التقويم الميلادي) هذا العام مع ظروف اقتصادية صعبة ومعيشية متردية من جهة، وفيروس كورونا من جهة ثانية، ولمن لا يعرف هذا العيد، فهو عيد رأس السنة الفارسية والسنة الكردية، ويوافق يوم الاعتدال الربيعي وبدء دورة الحياة الجديدة، حيث تعني “نو” جديداً بالفارسية، أما “روز” فتعني يوماً، فتأتي “نوروز” مجتمعة بمعنى “اليوم الجديد.”

فتيات يرتدين الزي الفلكلوري المضرج بالألوان الزاهية كأيام الربيع، وجوه ملطخة بالأحمر والأخضر والأبيض، حلقات متماسكة لأيدي متشابكة إيذاناً بالدبكة، خيم منصوبة في عراء الطبيعة، أناشيد وأهازيج تصدح في السماء، أغطية ممددة على العشب تُفرش عليها المأكولات، هذه بعض من مشاهد احتفال أكراد مدينة الحسكة. هذه المشاهد التي تضج بالحياة والفرح تعبر عن إصرار أكراد الحسكة على إحياء العيد الذي له مكانة خاصة لديهم، بالرغم من الأوضاع المعيشية السيئة التي تمر بها سوريا، والتي تلقي بظلالها على شتى مظاهر الحياة، وتؤثر حتماً على شكل الاحتفالات بعيد النوروز.

تقول آنا شبيبه وهي إحدى المشاركات في الفرق الراقصة والمسرحية معاً: “هذا العيد مقدس بالنسبة للجميع، لما فيه من رمزية ثورية، ففي هذا اليوم تحرر الفكر الكردي، نقضيه بعرض المسرحيات الثورية الهادفة وحلقات الدبكة والموسيقى والأشعار”. تعتبر الشابة أن مجرد إحياء العيد هو تحدي كبير بالنسبة للأكراد، خاصة في ظل الظروف المادية الراهنة، مضيفة: “الغلاء المستعر أثر بشكل كبير على الاحتفال، حيث غير من العادات الاستهلاكية للعديد من الأهالي الذين اضطروا إلى التقنين في الطعام، إذ جرت العادة بأن يقوم المحتفلون بتحضير طبق المشاوي الذي يعد أساسياً، لكن بسبب ارتفاع الأسعار، انصرف البعض منهم عنه ليستبدلونه بأطباق صغيرة غير مكلفة يحضرونها من منازلهم”.

الزي الرسمي الفلكلوري بات عبئاً مادياً مضافاً ولم يعد بمقدور الجميع تكبد نفقاته، وحول هذه النقطة تقول شادن: “اعتدنا شراء الملابس التراثية الخاصة بهذه المناسبة كل عام، كان لا يمر عام دون زي جديد، أما الآن فقد تغير الوضع، بات سعره غالياً، حيث يصل سعر الزي الواحد ما لا يقل عن 100 ألف ليرة سورية”. وتتابع حديثها: “ارتدى غالبية المحتفلين ملابس العام الماضي، وهناك من تبرع بزيه القديم الذي لم يعد بحاجة إليه، أو عمد الناس إلى الاستعارة  من بعضهم بعضاً حيث أطلقت العديد من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات إيجابية لتبادل واستعارة الأزياء الشعبية بين الفتيات الكرديات، بالنسبة لي استعرت الزي من صديقة لي”.

فرض فيروس “كورونا” نفسه على العالم أجمع، ووضع شروطه الخاصة، فجاء النوروز هذا العام في ظروف استثنائية، خاصة في ظل اشتداد الموجة الثالثة التي تشهدها سوريا، إلى جانب تكاليف المعقمات ومواد التنظيف، ويوضح نوجدار: “العائلة بأسرها ستخرج للاحتفال  دفعة واحدة وبالتالي شراء المزيد من الكمامات والكحول، والكثير من الازدحام، صحيح أنها تكاليف إضافية وتحدي كبير لنا، لكن الأمر يستحق العناء، فهو يوم واحد في السنة ولا يجب تفويته أبدا”.

هذا وتقام الاحتفالات بعيد النوروز وسط إجراءات أمنية احترازية مكثفة خشية من تكرار الحوادث المأسوية التي وقعت عام 2015 بعد أن نفذ تنظيم “داعش” تفجيرين مزدوجين في حي المفتي بمدينة الحسكة، أسفرا عن قتل ‏35 شخصاً وعشرات الجرحى.

مبادرتان خاصتان في عيد النوروز

أطلقت  مجموعة  جميلات روج آفا التي تضم آلاف الفتيات والنساء مبادرتين على مواقع التواصل الاجتماعي، الأولى لجمع أكثر من 100 زي كردي من العائلات الميسورة والتبرع بها، أما الثانية لتوزيع كميات من اللحوم على العائلات الفقيرة ليتمكنوا من الاحتفال في عيد النوروز. وعن هذه المبادرة تقول مؤسسة المبادرة هيلين عثمان: ” جمعنا تبرعات مالية من داخل الجزيرة وخارجها، حيث وزعنا حوالي 300 فستان فلكورلي خاص باللباس الكردي التراثي على الفتيات مجاناً نظراً لغلاء القماش وارتفاع أسعار الفساتين وأجور الخياطة، كما وزعنا لحوم بقيمة مليونين و380 ألف على الأسر المحتاجة، خاصة أن المشاوي تُعد طبقاً أساسياً في طقوس عيد النوروز”.

قصة عيد النوروز

ترمز قصة النوروز الكردية إلى الانتصار على الظلم، حيث تقول الأسطورة الكردية إن رجلاً يدعى “كاوة الحداد” قام بثورة على الملك الظالم “الضحاك” الذي كان “يأكل الأطفال” من خلال اثنتين من الأفاعي ربطتا على كتفه، ليعمد كاوة إلى إشعال ثورة استعان فيها بأطفال أنقذهم من الموت ودربهم في جبل كانوا يحتمون به، لذلك تعد النار بالنسبة للأكراد مقدسة.

ويحتفل الأكراد بهذا العيد، ويعدونه عيداً قومياً، حيث يقومون في ليلة العشرين والتي يطلقون عليها “وقفة العيد” بإشعال الشموع وإحراق الدواليب والقفز فوقها لوداع آخر شروق للشمس في السنة، مع ترديد ترانيم خاصة مثل: “يا نار خذي لوني الأصفر” (في إشارة منهم لذهاب  الأمراض)  ثم القول “امنحيني لونك الأحمر” (في إشارة إلى منحهم الصحة).

وفي اليوم الحادي والعشرين، أي ليلة النوروز يفتتحون العيد بالحديث عن الأوضاع السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة، ونبذة عن  قائدهم عبد الله جيلان.

وجدير بالذكر أن مائدة النوروز تحتوي أطباقاً خاصة تسمى “هفت سين” أو السينات السبعة وهي مكونة من الثوم (سير)، و السنابل أو الورد (سنبل) والخل (سيركة) وعملة معدنية (سكة) والخضروات (سبزي أو سبزه) وحلوى (سمنو) و ثمرة (سنجد) البرية.

عمال المياومة: أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية السورية

عمال المياومة: أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية السورية

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

يعيش عمال المياومة أزمة اقتصادية خانقة لحقت بهم خلال السنوات الماضية، فساعات عملهم المرهق الطويلة مقابل أجور لا تفك متطلبات المعيشة لنصف يوم بل أحياناً قد تلبي احتياجات أحد أفراد الأسرة فقط دون بقية الأفراد. ورغم أن الأعمال لم تنقطع إلا أن عمال المياومة كانوا من بين أوائل ضحايا الأزمة الاقتصادية في سوريا خصوصاً أن أجورهم المتدنية لم تعد تلبي متطلبات المعيشة لديهم.

وتتنوع أعمال هؤلاء العمال بين العمل في الزراعة أو نقل وتحميل الأثاث المنزلي أو مواد البنك أو قطف المحاصيل مقابل أجر يومي يتفق عليه مع صاحب العمل. وحسب ما أفاد به عدد من عمال المياومة، فإن القليل منهم تصل أجورهم اليومية إلى قرابة 7000 ليرة سورية بينما يحصل الغالبية على أجور تكاد تتوسط 3000 ليرة سورية أي باتت أجورهم لا تتعدى 2 دولار أمريكي.

ويبدو أن العديد من عمال المياومة اضطروا منذ سنوات إلى ترك أعمالهم واتجهوا إلى البحث عن وظائف تمنحهم أجوراً أفضل من تلك التي يتقاضونها لقاء أعمالهم الاعتيادية.

دخل زهيد

يضطر عمال المياومة إلى البحث يومياً عن عمل ما يوفر لهم دخلاً زهيداً بالكاد يغطي لهم المصاريف المعيشية، ويقول البعض منهم إنهم مضطرون للعمل في هذا المجال بسبب قلة فرص العمل.

وخلال إعداد هذا التقرير، تواصلنا مع أمجد (38 سنة) وهو أحد عمال المياومة في شمال سوريا، حيث يقول لنا: “نعمل من أجل توفير رغيف الخبز لا أكثر، أجورنا قليلة لا تتجاوز 15 ليرة تركية (قرابة 2 دولار أمريكي) ولا تكفي لسد متطلبات الحياة خصوصاً إن كان لدى العامل عائلة”.

ويضيف، المشكلة أيضاً أن عملنا ليس مستقراً، نعمل أحياناً لعدة أيام ومن ثم نبحث عن عمل آخر وأحياناً ننقطع عن العمل لأيام فكيف لنا أن نغطي مصاريفنا اليومية مع غلاء المعيشة!

وعن طريقة تحديد الأجور، فإن عدداً من عمال المياومة أفادوا بأن صاحب العمل يعرض عليهم طبيعة العمل مثل تحميل مواد بناء أو نقل أثاث منزل أو غير ذلك والمبلغ الذي سيدفعه وإن وافقوا يأخذهم لمكان العمل، وبمجرد إنجاز العمل يتقاضون أجورهم.

ويؤكد أمجد، أنه نادراً ما يحصل البعض منهم على فرصتي عمل يومياً ليتقاضى لقاء ذلك مبلغاً جيداً قد يصل إلى ما يعادل 4 دولارات في يوم واحد.

عمل ثابت

اتجه العديد من عمال المياومة إلى البحث عن أعمال ثابتة تجعلهم على الأقل غير عاطلين عن العمل في بعض أيام الشهر محاولين توفير قوت يومهم في ظل غلاء السلع والخدمات وارتفاع تكاليف متطلبات المعيشة.

ويبدو أن الأعمال الثابتة رغم الرواتب القليلة التي يتقاضاها العاملون لقاء عملهم إلا أنها أفضل من عمل المياومة المتقطع، حسب إفادات عدد من العمال في شمال سوريا.

وفي لقائنا مع عدد من عمال المياومة ومن بينهم أبو جهاد (31 سنة) الذي يعمل الآن في أحد محال الحلويات بريف حلب، أوضح لنا تجربته: “الراتب قليل لكنه أفضل من العمل المتقطع، كنت أحياناً أعمل وأحياناً اضطر للجلوس في المنزل، على الأقل في العمل الثابت يمكنني توفير إيجار منزلي شهرياً”.

ويتابع، كان لدي سيارة قبل سنوات ولكنني اضطررت لبيعها والآن أعمل كل شهر بشهره فما أحصل عليه في شهر يكاد يوفر لي ولعائلتي مصروفنا الشهري.

وليست حالة أبو جهاد الوحيدة من نوعها بل هناك الكثير من السوريين الذين تأثروا بالأوضاع الاقتصادية السيئة التي رافقها الغلاء المعيشي وقلة مدخول فرص العمل المتوفرة.

تحت خط الفقر

تشير الأرقام الواردة في الدراسات والأبحاث التي أنجزت عن الملف الاقتصادي في سوريا إلى مدى الآثار السلبية التي لحقت بالسوريين في شتى المجالات.

وفي تصريحات صدرت عن المدير الإقليمي للشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فابريزيو كاربوني، منذ أيام، قال خلالها: إن “ما يقارب من نصف الشباب السوري فقدوا دخلهم بسبب الصراع في سوريا، ونحو ثمانية من كل عشرة أفراد يواجهون صعوبات من أجل توفير الطعام والالتزامات الضرورية الأخرى” وفق ما نقلته وكالة رويترز.

وأضاف أيضاً، النساء السوريات تعرضن أيضاً لأزمة اقتصادية حيث يوجد 30% من النساء لا يمتلكن أي دخل على الإطلاق لإعانة عائلاتهن.

في المقابل، حذر برنامج الأغذية العالمي، الشهر الفائت، من تفاقم كارثة غذائية تشهدها سوريا، حيث أكدت أرقام البرنامج الأممي، أن 90% من السكان تحت خط الفقر مقابل ارتفاع أسعار السلع الغذائية لأكثر من 200% خلال أقل من عام.

وتضرر معظم السوريين من الأزمة الاقتصادية الخانقة وفي مقدمتهم العمال الذين يتقاضون أجوراً قليلة بما فيهم عمال المياومة.

هل من حلول؟

لا يبشر الواقع الاقتصادي في سوريا في أية حلول مستقبلية قريبة من شأنها أن تحسن الأوضاع المعيشية لدى السكان خصوصاً مع عدم استقرار الليرة السورية في ظل استمرار تدهور قيمتها خلال السنوات القليلة الماضية.

وفي اتصال هاتفي مع محمد أبو بلال وهو أحد السوريين المهتمين بالمشاريع الاقتصادية، يقول لنا: “لا توجد بيئة استثمارية مستقرة في سوريا وهذا يعود لأوضاع البلاد الأمنية، حيث يؤثر ذلك بالدرجة الأولى على صعوبة توفير الموارد الأولية ومتطلبات التشغيل وآليات التوزيع والتصريف خصوصاً للمشاريع الكبيرة”.

ويتابع، من الملائم للعمال السوريين أن يؤسسوا لأنفسهم في الوقت الحالي مشاريع صغيرة توفر دخلاً إضافياً لهم ولو كان محدوداً، على الأقل يغطي تكاليف معيشتهم.

وعن كيفية الوصول إلى أفكار لمشاريع صغيرة بالنسبة للسوريين المتأثرين بالأوضاع الاقتصادية يُجيب، هناك عدة عناصر يجب التركيز عليها مثل الحاجة للمنتج أو الخدمة المقدمة والقدرة على منافسة السوق وسهولة وصول المواد الأولية.

اليابان…اعمار سوريا وانتخاباتها

اليابان…اعمار سوريا وانتخاباتها

أعلنت اليابان استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا «عندما تحقق العملية السياسية تقدمها بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254»، قائلة، إن الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة قبل انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد في يوليو (تموز) المقبل «لا بد أن تُعقد بمشاركة جميع السوريين، وبتفهم المجتمع الدولي».
وقال المنسق الياباني لشؤون سوريا أكيرا إيندو، في بيان، إنه مع حلول «الذكرى العاشرة للأزمة السورية، لم يتم بعد التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وبات الوضع الإنساني أكثر قسوة على نحو متزايد. كما أن العملية السياسية لم تشهد تقدماً بعد. ويساور اليابان القلق، حيث نشهد ركوداً طويلاً وفقداناً للزخم إزاء تسوية الأزمة. ومن منظور تحقيق الاستقرار على المدى المتوسط والبعيد في الشرق الأوسط، لا يجوز التخلي عن الشعب السوري في ظل الظروف الراهنة غير المستقرة».
وإذ أشار إيندو إلى أن «السلام والاستقرار الدائمين في سوريا لا يمكن تحقيقهما بالسبل العسكرية، ولا يمكن التوصل إليهما دون حل سياسي عبر تقدم العملية السياسية بما ينسجم مع 2254»، أمل في «تعجيل مناقشات اللجنة الدستورية وتقدمها» لدى استئناف عملها في جنيف برعاية أممية.
وكان لافتاً موقف طوكيو من الانتخابات الرئاسية السورية المقرر عقدها في انتهاء ولاية الأسد في 17 يوليو المقبل. وقال المبعوث الياباني «بغية تحقيق الحل السياسي للأزمة السورية، لا بد أن تُعقد الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة بمشاركة جميع السوريين، وبتفهم المجتمع الدولي».

وكان وزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، قالوا في بيان مشترك قبل أيام «الانتخابات الرئاسية السورية المقترحة هذا العام لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا ينبغي أن تؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري». كما أن مفوض الشؤون الأمنية والسياسية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، قال في بيان، إن هذه «الانتخابات لا تفي بمعايير قرار 2254، ولا يمكن أن تسهم في تسوية الصراع، ولا تؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام».
في المقابل، أعلن الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، أن الكرملين «يعتبر الأسد رئيساً شرعياً لسوريا». كما أن لافروف قام بجولة خليجية بهدف حث دول عربية على إعادة دمشق إلى الجامعة العربية وتمويل إعمار سوريا واعتبار الانتخابات الرئاسية «نقطة تحول».
وتجاهل بيان للخارجية التركية عن الذكرى العاشرة للأزمة السورية، موضوع الانتخابات الرئاسية السورية.
إلى ذلك، أكد المبعوث الياباني التزام «تقديم المساعدات الإنسانية لجميع السوريين الذين يواجهون الصعوبات، حيث قدمت اليابان دعماً بقيمة إجمالية تزيد على 2.9 مليار دولار أميركي منذ عام 2012 للمساعدات الطارئة والإنسانية في مجالات كالغذاء والماء والنظافة والصحة والتعليم. وفي ضوء تعدد الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن الأزمة المطولة، والآثار الاجتماعية والاقتصادية لفيروس كورونا المستجد، قررت اليابان تقديم مساهمة جديدة تقارب قيمتها 200 مليون دولار أميركي كمساعدات إنسانية إضافية ومساعدات أخرى لسوريا ودول جوارها في عام 2021».

وأشار إلى «التزام المساهمة في إعادة إعمار سوريا عندما تحقق العملية السياسية تقدمها بما ينسجم مع 2254».
وأعلنت الخارجية الفرنسية، أنها «ستواصل مع شركائها جعل إعمار سوريا وتطبيع العلاقات مع دمشق مشروطين بتنفيذ حل سياسي دائم حسب 2254»، وهو موقف مشابه لبيانات الاتحاد الأوروبي.

الانتحار في سورية: أزمة حرب أم ظاهرة طبيعية

الانتحار في سورية: أزمة حرب أم ظاهرة طبيعية

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

أثار انتحار شاب وفتاة سوريين خلال أسبوع واحد، جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، في البلاد التي تعاني منذ عشر سنوات من حرب طاحنة، ترافقت مع أزمة اقتصادية خانقة، دفعت الأمم المتحدة للتحذير من أن 10 ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وباتوا غير قادرين على إطعام أسرهم.

وانقسم السوريون بين من يرى أن هذه الحالات طبيعية وتحدث في كل الدول، وبين من يرى أنها من مفرزات الحرب التي قلصت مساحة الأمل لدى الشباب، ولم تترك لهم سبيلاً للخلاص إلا الانتحار. سجلت العاصمة دمشق أول حالة انتحار في 3/3/2021، وتعود للشاب حسين شماس (18 عاماً) وهو طالب في المرحلة الثانوية، إذ أقدم على شنق نفسه في منزله، تاركاً رسالة مؤثرة لأصدقائه وأقاربه، طالبهم فيها بألا يشعروا بتأنيب الضمير لعدم قدرتهم على تقديم المساعدة له، لأنه هو ذاته غير قادر على تقديم المساعدة لنفسه.

وكتب الشماس على صفحته قبل أيام من انتحاره: “لم أستطع أن أفهم اللعبة لذلك قررت تسجيل الخروج”. كما شارك منشوراً جاء فيه أن: “الاغتراب ليس الابتعاد عن مسقط رأسك، بل الاغتراب الحقيقي هو شعورك بأن المكان الذي توجد فيه غير مناسب لنموك وتحقيق أحلامك”.

وغصّت صفحة الشماس على “فيسبوك” بآلاف التعليقات على منشوراته أظهرت حقيقة الانقسام السياسي والثقافي الحاد في سوريا، كما وصلت الأمور إلى حد السخرية منه، كقيام البعض باستخدام جملته الأخيرة حول عدم فهم اللعبة دون أي داع ومبرر كنوع من الاستهزاء والاستخفاف به.

لا تقتصر حالات الانتحارعلى العاصمة دمشق، ففي محافظة القامشلي مثلاً قررت الشابة مهى النزال (17 عاماً) إنهاء حياتها، بإطلاق النار على نفسها مِن مسدس حربي داخل منزلها في المدينة. وقعت هذه الحادثة بعد ثلاثة أيام من تاريخ الواقعة الأولى، فيما أكد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن حادثة انتحار الفتاة حصلت في الأسبوع الأخير من شهر شباط.

وكتبت الفتاة وصيّةً لعائلتها بخط يدها، أوضحت فيها أسباب انتحارها، وهي أن الحياة ليس جميلة ولا تحبها، وتشعر دائماً أنها على خطأ في هذا العالم، داعية من يحبها إلى مسامحتها.

حالات الانتحار هذه تركت الباب موارباً حول صحة بعض الأخبار المتداولة عن قصص مشابهة، فقد تداول السوريون المقيمون خارج البلاد صورة لشاب على أنه انتحر وترك رسالة للشعب السوري، يقول فيها إنه قرر قتل نفسه لكي تذهب حصته من الطعام إلى أخوته، ليتبين فيما بعد أن الخبر كاذب، وأن الصورة المتداولة هي لشاب مصري يدعى محمد المنشاوي، وهو يعيش في النمسا حيث ظهر على صفحته لينفي ما تم تداوله عنه.

بدوره، نفى مدير هيئة الطب الشرعي السورية الدكتور زاهر حجو في وقت سابق في تصريح رسمي له على القنوات الرسمية السورية وجود أي ازدياد في حالات الانتحار كما يشاع، مشيراً إلى وجود انخفاض في عدد الحالات المسجلة مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.

وأوضح حجو أن “سورية سجلت حتى الآن 31 حالة انتحار في العام 2021، بينما سجلت في الفترة ذاتها من العام الماضي 35 حالة انتحار”، مؤكداً أن “سورية تعد من الدول ذات معدلات الانتحار المنخفضة، فالنسبة لا تتجاوز 1 من كل 100 ألف رغم الحرب التي تعاني منها وتبعاتها، في حين حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن النسبة العالمية تتراوح ما بين 5 إلى 10 من كل 100 ألف”.

وأوضح حجو أن عدد المنتحرين من الذكور أكثر من الإناث، فبلغ عدد الذكور 24 في حين تم تسجيل انتحار 7 إناث، مشيراً إلى أن ” 21 منهم انتحروا شنقاً و5 بطلق ناري و2 سقوط من مرتفع شاهق ومثلهما انتحرا بالسم” مشيراً إلى أن ” أكثر المحافظات التي تم تسجيل فيها حالات انتحار هي ريف دمشق 7 حالات بعدها دمشق 6 حالات وحماة 4 وذات العدد في طرطوس.”

وأعربت العديد من الهيئات الصحية عن قلقها من تعمد العديد من الأشخاص والمواقع الإخبارية، نشر أخبار كاذبة عن ضحايا وهميين أو حوادث ملفقة، بهدف استقطاب القراء والمعجبين على وسائل التواصل الاجتماعي، محذرة من قيام البعض بتغليف أخبار الانتحار الحقيقية بقالب من التعاطف الوهمي، الذي قد يشجع المراهقين الذين يعانون من مشاكل نفسية، إلى التفكير بالانتحار والإقدام عليه، بعدما يتم تسويق هذا الفعل على أنه الحل الوحيد والبطولي.

من جهته، كتب أستاذ الطب النفسي أسعد الخليل على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي منشورا منبهاً إلى “أن حالات الانتحار ناجمة عن اضطرابات نفسية، ومن الخطير اليوم أن نرى هذا الكم من التبريرات غير الواقعية لفعل الانتحار”. وأضاف الخليل “لا شك أن الحرب وما رافقها من أزمات تركت آلاماً وكوارث كبيرة يجب معالجتها، ولكن التركيز يجب أن يكون على السبب الرئيسي وهو الاضطراب النفسي ومن ثم تقديم الدعم النفسي لكل محتاج”.

بدوره قال الطالب الجامعي جورج حنا في حديث معنا: “كم هو مؤلم أن نرى كل هذا الثناء على شاب أقدم على الانتحار بسبب مرض نفسي، ما فعله حسين ليس بطولة أو شجاعة، أو موقفاً يستحق عليه الثناء، ما فعله مأساة حقيقية”.

وقال المعارض المقيم في ألمانيا أحمد قزموز: “إن كل مواطن داخل سوريا بات قنبلة موقوتة ستفجر نفسها أو ستنفجر بوجه غيرها، وهذا كله بسبب تمسك النظام السوري بالسلطة” حسب تعبيره.

من جهتها، قالت الطالبة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق سارة بوظو “إن السبب الوحيد لتمسكنا بحياتنا المقرفة كسوريين هو أن الانتحار حرام، أيامنا مليئة بالذل والهوان، ولا مستقبل مشجع ينتظرنا”. وختمت بوظو بالقول: “بمعنى آخر لو كان الانتحار محللاً دينياً لما بقي سوري على قيد الحياة”.

الخبز الذكي” و الليبرالية الجديدة الحمقاء”

الخبز الذكي” و الليبرالية الجديدة الحمقاء”

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

يرتبط مفهوم الأمان تاريخياً بالنسبة للعائلة السورية بشرط لازم وواجب وهو تأمين الخبز. وظلت عبارة “تأمين الخبزات” مزروعة في وجدان كل رب أسرة عندما يعود إلى منزله بعد انتهاء عمله. وليست من قبيل الصدفة أن يأخذ الارتباط اللفظيّ بين الأمان والتأمين ارتباطاً وجدانياً، ولن نكون مغالين إذا قلنا ارتباطاً وجودياً. وعندما يصبح هذا التأمين مهدَّداً، تظهر كل أعراض عدم الأمان من خوف وقلق ورعب يهدد الوجود نفسه.
عندما تجد بضع حبات من القمح في جرة تعود إلى ما قبل التاريخ، عندما تشاهد رجل يزيح كسرة خبز يابسة عن الطريق كي لا تدوسها الأرجل، عندما تراقب امرأة وهي بكامل الولع تلف الخبز، تعرف مدى القداسة (التي لن تكون دينية بالضرورة) بل قداسة إنسانية لهذا المنتج الإنسانيّ: الخبز.

لأجيال عديدة ظلت هذه البلاد زراعية الهوية الاقتصادية، وتنتج ما يكفي شعبها، وتصدر ما يزيد عن حاجتها، وشكل القمح المحصول الاستراتيجي للدولة. لكن المتتبع والمعايش لما يحصل في سورية اليوم من نقص حاد في المحصول وصعوبة تلبية حاجة الشعب من الخبز يدرك كم فقدت هذه البلاد من هويتها.
في الفقرات التالية سنحاول ربط الماضي بالحاضر من خلال الأرقام الإحصائية لإنتاج القمح في سورية معتمدين على إحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في سورية وأرقام منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، لا لنعمق المأساة بل لنكشف حجمها، متتبعين حركية المحصول والقرارات المتعلقة به.

اقتصاد السوء الاجتماعي

في عام 2006 وفي خطوة وصفها الاقتصاديون بـ” المتسرعة” أو “غير المدروسة”، جرى تبديل شامل في سياسة الدولة الاقتصادية. وتم الانتقال من اقتصاد مركزيّ موجَّه يعتمد على الخطط الخمسية إلى ما دعي بـ اقتصاد السوق الاجتماعي. كانت الخطوة ارتجالاً وتحولاً مفاجئاً نحو الليبرالية الاقتصادية وتحرير الأسواق، صفق لها البنك الدوليّ!
وبسرعة وُزّعت الامتيازات حسب الولاءات، وأُسّست الشركات القابضة ذات الصيغ العائلية، وبدا الانفتاح براقاً وواعداً! وأصبح الاستثمار في المشاريع السياحية والخدمية هو الموجة الجديدة. وغزت مشاريع الفنادق مراكز المدن ومشاريع القرى السياحية والفلل تلال دمشق وأخواتها. كان المنظر باهراً على أتوستراد حرستا ووزعت السيارات بالتقسيط. بينما هُمشت الزراعة والصناعات المرتبطة بها، وأغرقت الأسواق بالصناعات الصينية الرخيصة متدنية الجودة، في حين ساهم انتشار البضاعة التركية في تهميش البضاعة الوطنية. هُجرت الحقول وزادت الهوة بين من يملكون ومن لا يملكون، وانتقلت سورية من بلد زراعيّ إلى بلد متحوِّل اقتصادياً. إن كلمة متحول لا تعني التغيير نحو الأفضل أو انتهاج تعددية اقتصادية، بقدر ما تعني انتهاج سياسات مصلحية يلعب فيها الامتياز والولاء الدور الأساسي. إنها تعني غياب النظام الاقتصادي وغياب الهوية. لم تتم خصخصة القطاع العام بل تم تأسيس قطاع خاص جداً كانت غايته الوحيدة على ما بدا إحداث شلل في القطاع العام وتهميشه وإفقاره. لقد تم إغلاق المعامل الوطنية المرتبطة بالزراعة، فأغلق معمل السكر في تل سلحب بسبب الخسائر وتراجع إنتاج الشوندر السكري تدريجياً والآن لم تعد حماه تنتج أي حبة شوندر سكري بعد أن تم إيقاف زراعة الشوندر السكري نهائياً بقرار حكومي. وأغلقت معامل الكونسروة في درعا والورق في دير الزور، ومعامل الصابون وأقلام الرصاص في دمشق، وتركتْ الدولة الساحةَ لطبقة صناعية طحلبية همها فقط الإثراء على حساب موت القطاع العام أو تمويته.

“وقمح..”

مهما قيل عن القمح السوري بأنه قمح قاس، يبقى أكثر طيبة من متخذي القرارات وصانعي السياسات الاقتصادية في هذا البلد القمحيّ بامتياز. يمتاز القمح السوري بـ”كبر الحبة وتشعب السنبلة والهيئة البلّورية واللون العنبري الأصفر وتأقلمه بشكل واسع مع البيئات المختلفة لحوض البحر الأبيض المتوسط بنسبة 60% قمح قاس و 40% قمح طري” وذلك حسب الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية.

ومع التحول الاقتصادي جاء موسم 2007-2008 فقيراً بالأمطار ومنذراً بالجفاف، إذ سجلت محافظة الحسكة هبوطاً حاداً في معدل الأمطار بلغ 121.7 ملم بانخفاض 100ملم عن المعدل السنوي، علماً بأن الحسكة تقدم 60% من المحصول القومي للقمح في سوريا. وسجلت دير الزور معدل 56.3 ملم بانخفاض 90 ملم عن المعدل السنوي . وسجلت حماه 284 ملم بانخفاض بلغ 90 ملم.
وبالتزامن مع موسم الجفاف، قامت الحكومة في نيسان 2008 برفع سعر المازوت من 7 ليرات للتر إلى 25 ليرة، وقامت بتحرير سعر السماد. وبات المازوت يوزع عن طريق القسائم التي آذنت بظهور ظاهرة الطوابير في سوريا. وأدت هذه القرارات مع موسم الجفاف إلى نزوح عدد كبير من الفلاحين إلى المدن وهُجرت الحقول. بلغ إنتاج القمح في ذلك الموسم 2.1 مليون طن بانخفاض 2 مليون طن عن الموسم السابق. بررت الحكومة رفع سعر المازوت لسد العجز في الميزانية، لتعود وتخفض سعر اللتر 5 ليرات في بداية 2009.
سجل الموسمان التاليان معدل هطول مطري جيد، ووصل إنتاج القمح موسم  2011 إلى 3.9 مليون طن. في عام 2014 ضربت سوريا موجة جفاف جديدة متزامنة مع نقص المازوت وانقطاع الكهرباء وانعدام الأمن مما شكل صعوبة كبيرة في وصول الفلاحين إلى أراضيهم. وحسب تقرير منظمة الغذاء والزراعة FAO في 23 كانون الثاني 2013″45 % من الفلاحين لا يستطيعون الوصول” وسجل الموسم انخفاضاً قياسياً في إنتاج القمح بلغ حسب تقديرات المنظمة 1.3 مليون طن، قدرته الحكومة السورية بـ 1.7مليون طن.
ورغم الموسم المطري الجيد في 2015 فلم يتجاوز المحصول 2.4 مليون طن بعجز قدره 900 ألف طن عن الحاجة السنوية. وسجل تقرير الـ FAO في 23 تموز 2015 بأن “9.8 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي.”
وسجل عام 2016 ارتفاعاً طفيفاً بمعدل الإنتاج بلغ 2.9 مليون طن، ليعود وينخفض إلى مستويات قياسية في الأعوام اللاحقة (2017: 1.8مليون طن؛ 2018: 1.2مليون طن؛ 2019: 1.2مليون طن)، لتبدأ مسألة استيراد القمح الروسي الأقل جودة من القمح السوري وتبدأ أزمة الخبز بالظهور.

خبز ومازوت وقهر

في نيسان 2020، أُدخل الخبز على نظام البطاقة الذكية، بعد شهر على ظهور أزمة الخبز. عللت الحكومة الأزمة بعدة أسباب: عدم إرسال روسيا لكميات القمح المتفق على شرائه (بلغت كمية القمح المستوردة من روسيا 1.3 مليون طن عام 2017 و1.1 مليون طن عام 2019)؛ انخفاض كمية القمح المسلمة للدولة من قبل الفلاحين (بلغت كمية الحبوب المسلمة إلى الحكومة 500 ألف طن عام 2017؛ 1مليون طن 2019؛  500ألف طن 2020)؛ ضبط الاستهلاك المحليّ بحجة أن الطحين يهرب إلى المخابز الخاصة والسياحية ومعامل المعكرونة وإلى مربي الحيوانات بسبب نقص مادة العلف وإلى دول الجوار، والذي يشير إجمالاً إلى حجم الهدر والفساد في مؤسسات الدولة نفسها.
على نظام البطاقة الذكية، قدرت وزارة التجارة الداخلية حصة الفرد بـ 19.5كغ شهرياً، وقسمت الأسرة السورية إلى أربع شرائح حسب عدد أفراد الأسرة المسجلين على البطاقة (1-2  شخص ربطة واحدة يومياً، 3-4 أشخاص ربطتين يومياً، 5-6أشخاص ثلاث ربطات يومياً، 7 أشخاص وما فوق أربع ربطات يومياً). لقد أدت كل العمليات الفنية من استخراج بطاقة ومن ثم تعديل البيانات العائلية إلى أزمة طوابير أضيفت إلى الأزمة الأساسية وبات المواطن السوري من طابور إلى طابور وأعيد إلى نقطة الصفر ولم تنجح البطاقة في حل الأزمة بل أصبح القهر ملازماً لكل خطوة.
في عامي  2011و2012 كان سعر ربطة الخبز 15 ل.س وتزن 1800غ بـ 8أرغفة. ارتفعت في 2013 إلى 19ل.س، بينما بيعت في المناطق المحاصرة بأرقام تراوحت بين  600إلى 2500 ل.س. في الشهر السابع  2014ارتفع السعر إلى 25 ل.س وفي الشهر العاشر 2015 إلى50  ل.س. في حين ارتفع سعر لتر المازوت إلى 135 ل.س وسعر أسطوانة الغاز إلى 1800 ل.س.
في الشهر السادس 2016 أعلنت الحكومة ارتفاع سعر المازوت إلى 180 ل.س للتر وأسطوانة الغاز إلى 2500 ل.س في حين كان سعر صرف الدولار  470 ل.س.
واعتباراً من منتصف عام 2019 سيبدأ سعر الليرة بالهبوط أمام الدولار بوتيرة متسارعة وبحلول آذار من عام 2020تم رفع سعر ربطة الخبز من  50إلى 75 ل.س ونقص وزنها إلى 1100غ. لتعود وترتفع في تشرين أول من نفس العام إلى  100 ل.س مع كيس نايلون. كان ذلك السعر على البطاقة فقط ويحتاج المواطن إلى الوقوف ساعات طويلة في الطابور، مما أدى إلى ظاهرة بيع الخبز الحر، حيث تباع الربطة أمام الفرن مباشرة ب 500 و750 ل.س. ترافق ذلك مع وصول سعر ليتر المازوت بالسوق السوداء إلى 1200 ل.س ومع ذلك التدهور السريع في الخدمات من قطع جائر للكهرباء وعدم العدالة في توزيع المازوت على البطاقة وذل “تأمين الخبزات” وغلاء فاحش في الأسعار مع وصول سعر صرف الدولار إلى    4000 ل.س، بات المواطن السوري بعيد جداً عن نقطة الصفر المعيشي وأصبح تحت الصفر بدرجات. لقد أصبحت الأزمة مستدامة.

عام القمح

مع وصول الوضع المعيشي إلى مستويات متدنية، وارتفاع الأسعار غير المسيطر عليها والمتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار، بقي مستوى الدخل ثابتاً أو مجمداً عند حدوده الدنيا، وبات المواطن السوري يشعر بالضياع وهو يستسلم لكارثة تحدق به من كل الجهات. ليست تلك الأرقام التي أوردناها مجرد أرقام، هي واقع يعيشه السوري بكل تفاصيله العشرية. إن العجز الحكومي والفساد الحكومي في سوريا ظاهرةٌ تدرَّس.
ومع ذلك تطلق وزارة الزراعة، في حملة دعائية وإعلامية، على موسم 2020-2021عام القمح معلنة بأنها تخطط لزراعة 1.8 مليون هكتار من القمح، وحددت سعر شراء القمح بـ 450 ل.س للكغ مع مكافأة تسليم 100 ل.س لكل كغ. ثم عادت في آذار 2021 لترفع سعر الشراء إلى  800ل.س لكل كغ.
ويبدو أنه من المستحيل الوصول إلى الأرقام القديمة 4 مليون طن مثلاً؛ فالحسكة وأراضيها والرقة وريفها وريف حلب وريف إدلب وجزء من ريف حماه خرجت من الناتج النهائي لمحصول القمح ولا يمكن تعويضها وسهل الغاب تحول إلى زراعة التبغ ليلبي نهم معامل الدخان العائمة قبالة الساحل السوري. ويبدو أن أسعار الخبز في طريقها للتحرير، فقد خرجت مديرة التخطيط والتعاون الدولي في المؤسسة العامة للمخابز بتصريح لجريدة الوطن في 10 آذار 2021لتقول:”إن بيع الخبز المدعوم يعتبر من الصعوبات التي تعرقل العمل وتسبب خسائر مالية للمؤسسة” مبررة ذلك بأن المادة “مسعَّرة اجتماعياً”!
هذا المصطلح لا يحتاج إلى تفسير. إن عملية الخنق جارية ومحاصرة للمواطن في أعز ما يملك، أي كرامته، التي باتت هي المستهدفة. والسوق السوداء هي التي تحكم.

 

سوريا بعد عقد… بلاد تنزف بلا حدود

سوريا بعد عقد… بلاد تنزف بلا حدود

مر عقد على بدء الاحتجاجات السلمية في سوريا، ضمن موجات «الربيع العربي». يختلف السوريون على موعد الذكرى، كما يختلفون حول أمور كثيرة أخرى. وخلال السنوات العشر الماضية، تغيرت أمور كثيرة في الجغرافيا والعسكرة والنسيج الاجتماعي، وفي السياسة. ربما شيء وحيد لم يتغير كثيراً، ألا وهو المعاناة.

يتجادل السوريون حول الكثير من الأمور، وتفرقهم قضايا ومسائل، لكنهم جميعاً يشعرون بأنهم في مأزق، داخل البلاد وخارجها، مع أو ضد، عمل سلمي أو عنفي، في مناطق الحكومة أو خارجها. وبصرف النظر عن اللغة و«الداعم»، فهناك جامع واحد: المعاناة. قد تختلف درجاتها، لكن من الصعب العثور على شخص لم يتأثر بشكل مباشر في السنوات العشر المنصرمة. الاستثناء الوحيد هو فئة، قلة قليلة، استفادت في مكان وخسرت في أمكنة، استفادت في الجغرافيا وخسرت التاريخ، أو كسبت الجغرافيا وخسرت المستقبل.

تطوي سوريا اليوم عشر سنوات وتبدأ سنة جديدة. إنها مناسبة للعودة إلى جذور الأزمة ومراجعة ما حصل بالعقد الأخير مع محاولة لاستشراف السنوات المقبلة.

– كيف بدأت؟

موجات «الربيع العربي»، بدأت شرارتها في نهاية 2010 في تونس وشمال أفريقيا. تأخر وصولها إلى سوريا. بدأت تجمعاتها بوقفات احتجاجية أمام السفارة الليبية في دمشق، لدعم الانتفاضات الأخرى، في «تحدٍ حذرٍ» للسلطات المقيمة في البلاد منذ عقود. كانت الهتافات تخاطب تونس وطرابلس والقاهرة، لكنها كانت «تتحدث» مع دمشق. همّ النشطاء كان نقل الشرارة إلى البلاد. ويقول الحقوقي مازن درويش لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن السؤال كان: «من هو البوعزيزي السوري؟»، في إشارة إلى البائع التونسي المتجوِّل الذي أضرم النار في نفسه في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، وشكّل ذلك شرارة انتفاضة تونس.

وفي اعتقاده أن الشرارة كانت على جدران مدرسة في درعا جنوب البلاد، كُتب عليها: «أجاك الدور يا دكتور»، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد، ومصير نظيره التونسي زين العابدين بن علي. واعتقل فُتيان من درعا وتعرضوا للتعذيب؛ ما دفع المحتجين للخروج إلى الشارع. خرجوا في درعا، وتظاهر آخرون في سوق الحريقة وسط دمشق في 17 فبراير (شباط). لكن اليوم الذي خرجت فيه المظاهرات في شكل متزامن هو 15 مارس (آذار) 2011، ما اعتبره كثيرون تاريخ «بدء الانتفاضة السورية».

كُسر جدار الخوف، وتحطم الصمت، واتسعت المظاهرات. تصاعدت مطالبها بسبب العنف والدعم الخارجي، من شعارات محلية مطلبية، إلى لافتات سياسة تطالب بـ«إسقاط النظام». وبلغت المظاهرات ذروتها في يوليو (تموز) 2011 بمسيرة ضخمة في حماة، وقف فيها سفراء، بينهم السفير الأميركي روبرت فورد. وتركت زيارته إلى المدينة يومها، انطباعاً بأن حلفاء المظاهرات يؤيدون شعاراتها ويدعمون «إسقاط النظام». وجاء تصريح الرئيس باراك أوباما في أغسطس (آب) 2011 عن «تنحّي الأسد» ليعزز هذا الانطباع الخاطئ.
– كيف تحولت إلى العسكرة؟

تراكمت مجموعة من الأسباب للانتقال إلى العسكرة. بداية، واجهت قوات الحكومة وأجهزة الأمن المظاهرات بالعنف والسلاح و«البراميل» والقصف والحصار واتهامات بـ«مندسين» بالقيام بذلك. وتحدث كثيرون عن إطلاق آلاف المعتقلين من المتطرفين كانوا في سجون السلطات، عدد كبير منهم قاتل الأميركيين في العراق بعد 2003، واستغلوا تجاربهم التنظيمية والقتالية في التوسع في الأرض. وهذا الأمر وضع الغرب بين خيارين: النظام أو «داعش».

في المقابل، تشكلت كتلة «مجموعة أصدقاء سوريا» التي دعمت المعارضة، بدءاً من المنشقين عن الجيش، الذي شكلوا «الجيش السوري الحر». كما كان لافتاً أثر الانقسام بين الدول الداعمة للمعارضة ووجود اتجاهات مختلفة فيها. ودعمت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) في نهاية 2012 برنامجاً سرياً لدعم المعارضة انطلاقا من الأردن وتركيا.

وخفت صوت المحتجين سلمياً، في وقت ذهب الدعم الخارجي إلى لاعبين آخرين، داعمين في معظمهم للنزاع المسلح. وفي 2012، حذر أوباما الأسد من استعمال الأسلحة الكيماوية، وقال إنها «خط أحمر». ويقول خبراء ومسؤولون غربيون، إنه عندما تجاوز النظام هذا الخط بعد عام، عبر هجوم كيماوي استهدف الغوطة الشرقية قرب دمشق في أغسطس 2013، امتنع أوباما عن القيام بتدخل عسكري انتظره كثيرون.

بالنسبة لكثيرين، كان تلك نقطة فارقة. كانت الفصائل المعارضة قد تمكنت من إلحاق خسائر كبيرة بالجيش السوري، الذي أضعفته أيضاً الانشقاقات. في المقابل، ساهم التدخل المبكر لإيران وميليشياتها و«حزب الله» في لجم تقدم المعارضة. لكنّ توصل روسيا وأميركا إلى اتفاق بنزع السلاح الكيماوي في سبتمبر (أيلول) 2013 وعدم استعمال القوة، أصاب المعارضين وحلفاءهم بالإحباط. والتطور الأهم هنا هو بدء تمدد تنظيم «داعش» والفصائل المتطرقة في البلاد، بحيث زادت سيطرتها على نصف مساحة سوريا.

– متى ولماذا تدخلت أميركا وروسيا؟

أمام تقدم «داعش» في سوريا والعراق في 2014، شكلت أميركا تحالفاً دولياً للقتال ضد هذا التنظيم، يضم حالياً نحو 80 دولة ومنظمة. وحددت أميركا هدفها بمحاربة «داعش»، وقلّصت دعمها للمعارضة في قتال قوات الحكومة. وفي بداية 2014، تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. وكان هذا أيضاً منعطفاً؛ إذ إنه بدأ الربط بين أوكرانيا وسوريا. وقتذاك، لم تمارس روسيا أي ضغط على الوفد الحكومي السوري في مفاوضات برعاية أممية لتطبيق «بيان جنيف» الصادر في يونيو (حزيران) والقاضي بتشكيل «هيئة حكم انتقالية».

وإذ واصل حلفاء المعارضة دعمها عسكرياً ومالياً، بحيث تراجعت مناطق الحكومة إلى حدود 15 في المائة في ربيع 2015، بعد خسارة جنوب درعا ومناطق إدلب، وجد الرئيس بوتين فرصة سانحة سارع لاستغلالها، وتمثلت في التدخل العسكري المباشر. هذا التدخل جاء بعد رجاء من قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في صيف 2015 إلى الكرملين، للإسراع في التدخل و«إنقاذ الحليف السوري». والصفقة كانت كالآتي: روسيا في الجو، إيران على الأرض. والهدف: إنقاذ النظام – الحليف دون غوص روسيا في «المستنقع السوري»، كما حصل للاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

التدخل الروسي الحاسم في سبتمبر 2015، غيّر المعادلات في الميدان تدريجياً لصالح الأسد، بعدما كانت قواته قد فقدت سيطرتها على نحو 85 في المائة من مساحة سوريا، تشمل مدناً رئيسية وحقول نفط. ووصلت فصائل المعارضة إلى مشارف دمشق. وبدعم من طائرات وعتاد ومستشارين روس، وبمساندة من مجموعات موالية لطهران، على رأسها «حزب الله»، استعاد الأسد زمام المبادرة، ونفذت قواته حملة انتقامية، متبعة سياسة «الأرض المحروقة» لاستعادة المناطق التي خسرتها.

– لماذا توغلت تركيا؟

قال الأسد في فبراير 2016، إن هدفه ليس أقلّ من استعادة كامل الأراضي السورية. وقال «سواءً أكانت لدينا القدرة أو لم تكن، هذا هدف سنعمل عليه من دون تردّد. من غير المنطقي أن نقول إن هناك جزءاً سنتخلّى عنه».

في نهاية 2016، بدأت الكفة تميل لصالح النظام؛ إذ استعاد الأحياء الشرقية من حلب. وتكرر هذا المشهد بـ«استسلام» مناطق معارضة أخرى جنوب البلاد ووسطها، بموجب اتفاقات تسوية تضمنت إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين إلى محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، حيث يقيم قرابة ثلاثة ملايين نسمة حالياً، نصفهم نازحون تقريباً، في ظروف صعبة، تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً).

لكن هذه الاستعادة للأراضي، أدخلت البلاد في مرحلة جديدة، وهي تأسيس «مناطق النفوذ». وفي مايو (أيار) 2017، أسست روسيا مساراً جديداً مع تركيا وإيران يتمثل بـ«عملية آستانة». وكان الهدف، عسكرياً، التوصل إلى اتفاقات «خفض التصعيد» في درعا وغوطة دمشق وحمص وإدلب. عملياً، أدى هذا إلى مقايضات بين المناطق: مقابل استعادة شرق حلب، دخلت فصائل موالية لتركيا إلى شمال حلب، وشكلت «درع الفرات». ومقابل استعادة الغوطة وحمص، دخلت فصائل موالية لتركيا، في عملية «غصن الزيتون»، إلى عفرين، شمال حلب، في بداية 2018.

وأمام الدعم الأميركي لأكراد سوريا في قتال «داعش» شرق الفرات، خفضت تركيا سقف توقعاتها للعودة إلى المصالح الاستراتيجية، وهي منع كيان كردي على حدودها الجنوبية. فـ«درع الفرات» قطعت الطريق أمام تواصل كيان كردي من شرق الفرات إلى غربه، و«غصن الزيتون» قطع أوصال إقليم كردي محتمل. وتكرر هذا المشهد أيضاً في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما تدخلت تركيا شرق الفرات وقلصت مساحة مناطق كانت تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا.

إضافة إلى التوغل التركي ضد الأكراد، اتسع القلق الإقليمي من النفوذ الإيراني في سوريا. وبدأت إسرائيل بشن غارات على «مواقع إيران» لمنع تموضعها في سوريا، كما أن أميركا وروسيا والأردن توصلت في منتصف 2018 إلى «صفقة الجنوب» التي تضمنت إبعاد إيران وميليشياتها عن الجولان والأردن، وعودة قوات الحكومة السورية إلى ريفي درعا والقنيطرة.

– كيف تأسست «مناطق النفوذ»؟

استقرت المعارك والمقايضات على ثلاث مناطق: منطقة للحكومة بدعم روسي – إيراني، وتشكل نحو 65 في المائة من سوريا، وتضم معظم المدن والناس، ومنطقة للأكراد بدعم أميركي وتشكل 23 في المائة من البلاد، وتضم معظم ثروات البلاد الاستراتيجية، وأخيراً منطقة لفصائل للمعارضة تدعمها تركيا وتسيطر على ما تبقى من البلاد، وهي تتاخم القاعدتين الروسيتين في طرطوس واللاذقية غرب البلاد، وقاعدة للنظام السوري.

وبعد جولة معارك في بداية العام الماضي، توصل الرئيسان بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى هدنة في إدلب، في 5 مارس 2020، واستغل الجيش التركي ذلك ونشر نحو 15 ألف جندي وآلاف الآليات وعشرات النقاط والقواعد العسكرية في شمال غربي سوريا.

لأول مرة منذ 2011، لم تتحرك خطوط التماس لأكثر من سنة، أي منذ بداية مارس 2020. ويبدو احتمال شنّ قوات الحكومة هجوماً، لطالما هدّدت به، مستبعداً في الوقت الحاضر. ويقول محللون، إنّ من شأن أي هجوم جديد أن يضع القوتين العسكريتين، أي روسيا وتركيا، في صدام مباشر، في وقت تقوم بينهما علاقات استراتيجية أوسع من إدلب.

وفي هذه «المناطق الثلاث»، هناك الكثير من المقاتلين والقواعد العسكرية ومئات نقاط المراقبة تحت مظلتين جويتين أميركية شرقاً وروسية غرباً، بحث جاز القول بوجود خمسة جيوش في البقعة السورية، وهي الأميركي، والروسي، والإيراني، والتركي، والإسرائيلي.

أيضاً، تقاسمت هذه الأطراف السيطرة على الحدود والمعابر. وقال الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش، إنّ القوات الحكومية «تسيطر على 15 في المائة فقط من حدود سوريا». ويستنتج أن «الحدود هي رمز السيادة بامتياز، وبطاقة أداء النظام لا تزال فارغة تقريباً على تلك الجبهة». وتسيطر القوات التركية والأميركية والكردية والمجموعات المدعومة من طهران، بحكم الأمر الواقع، على ما تبقى من الحدود.

-الى أين؟

عليه، باتت البلاد بشكل غير رسمي مقسمة رسمياً إلى مناطق نفوذ متعددة، وتسيطر قوى متناحرة بشكل أحادي على معظم حدودها. وما على السوريين، الذين تتعمق جروحهم وتتفاقم معاناتهم إلا انتظار الفرج القادم من الآخرين وتفاهماتهم وصفقاتهم. وصدق قول أحدهم في دمشق «انتهت الحرب، بمعنى توقف القتال والمعارك، لكن جراحنا ما زالت تنزف».