بواسطة Salon Syria Team | فبراير 2, 2021 | Cost of War, Reports, غير مصنف
لا شك أن الوضع العالمي الناجم عن تفشي وباء “كوفيد ١٩” ألقى بظلاله على الصحافة الإلكترونية والمطبوعة، خاصة في منطقتنا العربية. وتأثر موقعنا، ”صالون سوريا“، بهذه الظروف العامة، ما أدى إلى خفوت نشاطه وتعليق استقبال مواد جديدة من كتاب وصحفيين في الفترة القصيرة السابقة. لكن، مع بداية العام الجديد يعود إلى قرائه، ويواصل تسليط الضوء على الشأن السوري بمختلف جوانبه واشكالياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الظروف التي فرضها تفشي الوباء، وصعوبة التنقل بين البلدان، والأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا ودول الجوار، أثرت على عمل كثير من المنظمات بينها ”صالون سوريا“. وفي ضوء هذه الأوضاع الصعبة، سيجْمعُ “صالون سوريا” بين نشر مواد مدفوعة الأجر ضمن حدود متاحة وبين مواد تُنْشر على أساس تطوعي. ولا شك أن العمل التطوعي عامل مهم يُسْهم في استمرارية المنابر الإعلامية، ومنها ”صالون سوريا“ الذي لا يتحيّز لأي طرف، بل يبحث عن الحقيقة ويدافع عن القيم والتطلعات والمصالح المشتركة بين السوريين في مختلف مناطقهم وخلفياتهم واتجاهاتهم، كونه منبرا مفتوحا للنقاش الجاد والمسؤول ومعنياً بالمساهمة في بناء مستقبل سوريا والسوريين بعيداً من مصالح آنية ضيقة أو إرادات خارجية.
سيُشرْع موقع ”صالون سوريا“ على الفور باستقبال ونشر مواد ومقالات جديدة ونصوص أدبية. ويرحب فريق “صالون سوريا” خصوصاً بمواد تغطي قضايا تمس الواقع السوري الحالي كالتدهور الاقتصادي وانهيار الليرة والأزمة المعيشية الخانقة التي تؤثر على حياة السوريين وتحرمهم من حقوقهم في حياة حرة كريمة يتحقق فيها الأمن الغذائي والسكني والصحي. وسيلقي “الصالون” الضوء على الأوضاع في مختلف المناطق السورية بكافة أطيافها السياسية ومشاكلها الداخلية والخارجية.
سيعيد فريق “صالون سوريا” تنظيم سلسلة من “الطاولات المستديرة”، التي ستركز على قضايا المرأة السورية وتلوث البيئة والتغير المناخي والسموم المتخلفة عن انفجار الذخائر على الأرض السورية وتأثيرها في غذاء السوريين وحليب الأمهات، والواقع الحالي لتفشي فيروس “كورونا”، وتردي الوضع الصحي في المستشفيات بسبب الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي والافتقار للأدوية والتجهيزات الطبية وعوامل أخرى. كما سيدعو الموقع الكتاب إلى تحليل الدور الأميركي والروسي والتركي والإيراني والأوربي وغيره في القضية السورية من خلال تحليل طبيعة هذه الأدوار وأهدافها ومراميها البعيدة.
تكتسب مناقشة هذه الملفات، بُعداً إضافياً حالياً مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لبدء الأزمة السورية.
يعود موقع ”صالون سوريا“ إلى قرائه من جديد، مشدداً على التعويل على الروح التطوعية للكتاب وعلى أن هذه المنصة، منبر كل قلم معني بالشأن العام، وبسوريا كدولة مواطنة وقانون.
في ظل هذه الظروف التي تزيدها قتامة احتمالات تفاقم السلالات الجديدة من “كورونا”، يصبح الإعلام ضرورة ملحة تقتضي تضافر الجهود كلها، لمد عمر الصحافة الجادة والهادفة.
بواسطة طارق علي | فبراير 2, 2021 | Cost of War, News, Reports, غير مصنف
تستمر أزمة البنزين في الداخل السوري لتدخل شهرها الثاني، مشهد الازدحام لا يبدو أنه انخفض أو سينخفض في الأيام القليلة المقبلة، إذ صار من الواقع بما لا يدعو للقياس أكثر من مرةٍ، أن معظم الكازيات تشهد ازدحاماً مطابقاً ليومها السابق، وهناك طوابير وصل بعضها إلى ثلاثة كيلومترات، ما يحتم على السائق في أحيانٍ الانتظار لـ48 ساعة لتعبئة المادة في سيارته المحدودة لثلاثين ليتراً فقط لا أكثر، وبتباعد زمني عن التعبئة السابقة يكون أسبوعاً على الأقل. ورغم أن هذا الارتجال الحكومي حمل معه وعداً للسوريين بأنهم سيلحظون انخفاض الازدحام، ولكن ذلك لم يحصل حقاً، الطوابير ازدادت، ساعات الوقوف ازدادت، التعب ازداد، الغضب ازداد، الصبر وحده انخفض، انخفض وبدأ يحمل معه غضباً واضحاً على ملامح الناس، في المحطات، في الأسواق والطرقات، على اعتبار أن الأزمة التي بدأت من البنزين لن تقف بتأثيرها عنده، بل كان للأسعار التي ارتفعت فجأة في أسواق الهال حديث آخر.
أسئلة مشروعة
حاولت – ولا زالت – الحكومة السورية الارتجال في إيجاد الحلول، هذا إذا ما تم اعتبار أنه قد تم تحليل المشكلة وتشريحها لفهمها قبل الإدلاء بالتصاريح والبدء بتنفيذ استراتيجية لم تجد نفعاً، سيما مع التصريحات التي تأخذنا لتقول أن مصفاة بانياس تنتج معظم الحاجة السورية، وبأنها بعد العمرة ستنتج بزيادة عما سبق تصل إلى 25%، ما يقودنا نحو السؤال الملح، لماذا العمرة في هذا الوقت!.
هذا السؤال أجابت عنه وزارة النفط ومعها مؤسسات المحروقات، بأن ما يحصل الآن هو عمرة دورية، فالمصفاة وصلت لمرحلة قد تخرج فيها عن الإمداد ما لم يتم إجراء العمرة/الصيانة لها، وحالاً، وهنا السؤال، لماذا حالاً! أجابت الوزارة لماذا، ولكنها غابت تماماً وغيبت أجهزتها عن الإجابة الكاملة، أو حتى الشرح لماذا لم تتم العمرة سابقاً، وهي سبق وأن أسلفت أن آخر عمرة كانت في عام 2013، إذن، كان أمام الوزارة سبع سنوات كاملة لإجراء العمرة، يتخللها عاما 2014/2015، وفي هذين العام كان يمكن القول أن البلد غارقة بالمادة دون تسجيل أي نقص ولو طفيف بمستوى الإيراد والتحضير، فيما راح ناشطون يدونون أسئلتهم المتمحورة حول الجزئية ذاتها، متسائلين لماذا لم تجرى هذه العمر في الربع الثاني من العام الجاري!، على اعتبار أن البلد حينها كانت في مرحلة حظر الحركة والتجول، ما جعل الحاجة إلى المادة أقل بكثير قياساً بأي وقت آخر، وكانت المادة متوافرة في السوق دون أي ازدحام، ما يضعنا مجدداً في موضع المنتظر للإجابة من حكومة عينها لا تملك الإجابة، وإن ملكتها، فهي ستخبئها لا لأنه ثمة هدف سياسي من الأمر، بل سبب وراثي تكتسبه الحكومات السورية في الهرب من المواجهة بالمعلومة، وإن كانت صحيحة، سيما أن كل ما تفعله صار ثقيلاً على صدر المواطن غير المتقبل لأزمات تخلق عقب أزمات، إذ لا يكاد يخرج السوري من أزمة حتى تتلقفه أزمة أشد وطأة. فهناك أيضاً أزمة الخبز التي دخلناها في هذه الأيام مع البطاقة الذكية، البطاقة عينها التي جاءت لتنظم توزيع البنزين والخبز والسكر، فخلقت أزمة، ذاتها الآن ستتكفل بموضوع الخبز، والتي نجحت في أن تنقل الازدحام من نوافذ الأفران إلى (دكاكين) المعتمدين، ففي دمشق وطرطوس صار هناك طوابير جديدة للخبز، الخبز أي المادة الرئيسية في حياة المواطن.
مشاهد مكررة
أبو سامي، سائق سيارة عمومية، لليوم الثاني ينتظر دوره على محطة وقود حكومية، ويقول عن تجربته: “بنطر يومين لعبي، بروح بشتغل 3 أيام، برجع بنطر يومين على الكازية، وهيك، صرلي شهر، يعني فيك تقول قضيت شي 10 أيام من أصل 30 يوم بالشهر وأنا نايم ع لكازيات، وعلى اجا الصهريج وما اجا، عطل الفرد ولا اشتغل، خناقة مع اللي وراك من ضيقة خلاق العالم، دفشة صغيرة للي قدامك لأنو خلص بنزين سيارتو، هيك مقضيينها”.
وكذلك كان حال الأسبوعين الأولين مع مفتاح وهو أيضاً سائق عمومي: “أول فترة كنت انطر متلي متل هالعالم، بس ما بقى وفت معي، صرت روح اشتري بنزين حر الغالون بـ40 ألف، وبرفع أسعار طلباتي أربع أضعاف وبعرف أنو بيصير رقم فلكي وكبير ع لمواطن بس اللي مضطر بيطلع وأريح الي ما نام ع دوار الكازيات”.
السوق السوداء
علماً أن الحكومة تدعم مواطنيها ب100 ليتر بنزين بسعر 250 ليرة سورية لليتر الواحد، وتقدم له 100 لتر إضافية غير مدعومة بضعف سعر المدعوم، وكان نشط سوق البنزين السوداء بحضور وكثافة عالية على الطرقات الدولية، ومداخل المدن، ليسجل سعر الغالون الواحد (20 ليتر)، 40 ألف ليرة سورية، قياساً ب5 آلاف ليرة سورية للغالون المدعوم، أي بزيادة ثمانية أضعاف عن سعره داخل المحطة، ويرجع أمر توافر البنزين في السوق السوداء لعاملين، الأول نتيجة التلاعب في محطات الوقود وتوفير بنزين سري يتم بيعه إلى الخارج، والثاني عبر التهريب من المنافذ غير الشرعية بين سوريا ولبنان، وفي الحالتين لم تنفذ أي حملة من قبل الشرطة لمكافحة الظاهرة على الطرقات العامة، والتي تعرض بضاعتها على طرفي الطريق.
سوق الهال يحتاج البنزين
انعكست أزمة البزين على قطاعات أخرى، أبرزها أسواق الخضار، التي ارتفعت أسعارها مع انقطاع المادة، نظراً لأن المادة التي تمر من الفلاح إلى سوق الهال إلى المحال المنتشرة، تمر بمرحلتين من النقل، كل مرحلة تكلف أكثر من قبل على اعتبار أن بعض هذه السيارات تعمل على البنزين، وهو بالضرورة ما خلق ارتفاعاً بالأسعار لينعكس على الأسواق التجارية أيضاً، وعلى كل شيء يتم أو سيتم نقله باستخدام السيارات، وضمنها أجور النقل بين المحافظات، وفي المحافظة ذاتها.
وعود ناقصة
وعدت الوزارة أن ينتهي ترميم مصفاة بانياس خلال الثلث الأول من تشرين الأول المقبل، على أن تعود المصفاة لمد المحافظات بالتوريدات التي انخفض معظمها إلى النصف، دون أن يكون هناك ذكر لمصفاة حمص الرديفة لبانياس، والتي بدورها تحتاج عمرةً أيضاً. وبدون أن تتحدث الوزارة عن الأمر، فهي تضع المصفاة أمام احتمالين، إما عمرة مفاجئة أو نقص جديد في التوريدات ولو كان في وقت بعيد نسبياً، إلا إذا تم ربط الانتاجية بصورة كاملة بمصفاة الساحل واعتمادها بالتوريد التام إلى الداخل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن سوريا في الوضع الراهن تنتج نحو ربع حاجتها من المشتقات النفطية يومياً، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة سيما مع استمرار تطبيق بنود عقوبات قيصر التي تحظر الاستيراد في سوريا.
بواسطة هيفاء بيطار | أكتوبر 28, 2020 | Cost of War, Reports, غير مصنف
بسبب إرتفاع نسبة انتحار الشباب في اللاذقية قامت إحدى أهم الجمعيات الخيرية في اللاذقية وهي أسرة الإخاء بإقامة دورات للاهتمام بجيل الشباب من خلال مشروع الدعم النفسي للشباب كي لا ينتحروا. أتكلم عن اللاذقية لأنني للأسف لا أعرف الأوضاع الدقيقة في مدن سورية أخرى وإن كان ثمة جمعيات أو مؤسسات في مدن سورية تقيم دورات وتنشئ عيادات نفسية من أجل جيل الشباب في سوريا لتقيهم من الانتحار، لكن ظاهرة انتحار الشباب في سوريا كلها أصبحت ظاهرة خطيرة، فقد سمعت مؤخراً عن انتحار طالب في كلية طب الأسنان في اللاذقية. قد يستغرب البعض ما الذي يدفع طالباً جامعياً يُفترض أنه يضمن مستقبله إلى الانتحار! أي يأس يعيشه شباب سوريا وللأسف الإعلام السوري لا يُشير إلى تلك الظاهرة!
ورغم احترامي وتقديري للجهود الكبيرة التي تقوم بها جمعية أسرة الإخاء وغيرها من الجمعيات الخيرية في اللاذقية فإنني أتساءل حقاً إن كانت هناك فائدة فعلية في هذه الدورات لأن أساس العلاج النفسي لأيه مشكلة هو علاج أسبابها أي الظروف التي دفعت إليها فالموظف في سوريا الذي يتقاضى راتباً بالكاد يكفي ثمن خبز لأطفاله ويُعاني من القهر والهدر الوجودي إذ يضطر للانتظار ساعات طويلة وأحيانأ عدة أيام كي يحصل على بعض الأرز والسكر والخبز والبنزين. والأهم أن معظم السوريين لم يعودوا يحلمون ببارقة أمل في حياتهم، وبأن الإنفراج لظروفهم المأساوية ليس قريباً أو غير موجود، هذا الموظف إذا هوى إلى قاع اليأس بسبب راتب الاحتقار والفقر والذل وأصابه اكتئاب قد ينتحر، وأظن الدعم الفعلي له هو بإعطائه راتباً يحفظ كرامته وكرامة أطفال فيؤمن لهم الأكل دون أن يضطر للوقوف في طوابير الانتظار، ويؤمن لهم التعليم والطبابة وحرية التعبير، وهذا لا تستطيع مجرد برامج حوارية تأمينه، سيكون دعماً نفسياً كأنه مبني على أرض من الرمال سرعان ما سيهوى المكتئب ومن خلقت له ظروف سوريا المُروعة من شخصية اكتئابية أو إنتحارية ، ولا بد من الإشارة إلى أن معظم الأدوية النفسية ومضادات القلق مقطوعة وغير متوفرة في سوريا وإذا توفرت فهي سيئة باعتراف الأطباء النفسانيين أنفسهم. أشهد على معيشة كثير من شبان وشابات في اللاذقية، ومدى معاناتهم ويأسهم ، ومعظمهم يسعى للهجرة إن أمكنه.
أحد الطلاب الجامعيين وكان ذكياً جداً وجامعياً أصابه إكتئاب حاد فلم يعد يطيق دراسته وأدمن على المخدرات مع شلة من رفاقه الجامعيين أيضاً ولم تكن أحوالهم المادية سيئة إطلاقاً لكنهم كانوا يائسين ومُحبطين. وقال لي أحدهم وعمره 22 عاماً بأن خمسة من رفاقه ماتوا وكانوا مجندين في الجيش السوري، وبأنه يشعر بأن الموت هو ما ينتظره في سوريا ولم يعد بمقدوره تحمل آلام روحه وانعدام أمله بمستقبل وعمل يؤمن له حياة كريمة. هذا حال معظم الشباب السوريين، يجدون أنفسهم في مأزق وجودي يُفضي بهم رغماً عنهم إلى اليأس فيسقطون في هوة الإدمان هرباً من واقعهم، وللأسف انتهى هؤلاء الشبان إلى السجن إذ انكشف أمرهم كمدمنين على المخدرات ولم تهتم أية جهة رسمية بحالتهم النفسية التي قادتهم إلى الإدمان ولا توجد أساساً مستشفيات لعلاج الإدمان في سوريا، وبدل أن يُعالجوا نفسياً ويتم علاجهم من الإدمان في مستشفيات تخصصية يُلقى بهم في السجن ويتعرضون لتعذيب جسدي كبير واحتقار وتنمر من قبل السجان ومن قبل المجتمع أيضاً إذ أن معظم الناس ينظرون باحتقار ودونية للمدمن وللمنتحر.
وثمة شبان سوريون كثر عاطلون عن العمل أو ينتظرون فرصة عمل ولا يجدون وشهاداتهم الجامعية مُعلقة على الحائط. إحدى الشابات الجامعيات ظلت سنوات تُقدم على مسابقات للتوظيف، وتقوم الدولة السورية بتلك المسابقات وقدمت العديد من المسابقات ونجحت بها لكن الجهات الرسمية كانت تقول لها: حالياً لا توجد وظائف، وفي إحدى المرات قالوا لها أفضلية التوظيف للذكور لأنهم مسؤولون عن إعالة أسرة، على افتراض أن الراتب في سوريا يُعيل أسرة! وأصبحت المفارقات الاجتماعية الكبيرة في المجتمع السوري من مصاصي الدماء (أثرياء الحرب) الذين يتباهون بثروتهم وثرائهم ورغد عيشهم، وبين عامة الشعب المسحوق من الفقر والذل، تدفع الكثير من الشباب لليأس، وأحياناً للانتحار، فأن يقوم أحد الفاسدين واللصوص في اللاذقية بإقامة عيد ميلاد لزوجته في أحد المطاعم يُكلف خمسة ملايين ليرة سورية، ثم بعد بضعة أيام يحتفل بعيد ميلاد ابنته المراهقة ويدفع أيضاً خمسة ملايين على مرأى من شعب يقف في طوابير الذل ساعات وأياماً ويوماً بعد يوم وسنة بعد سنة. هذه المفارقات الاجتماعية الوقحة والتي تزيد من شعور المواطن السوري بالقهر واليأس والإحباط خاصة أن الكل يعلم أن هؤلاء الأثرياء فاسدون وأنهم ناهبو المال العام وخارجون عن المساءلة والمحاسبة.
المروع في وضع اللاذقية وارتفاع نسبة الشباب المنتحرين فيها هو مدى التشوه المكاني والنفسي الذي تعرضت له المدينة، فجريمة تبليط البحر وتحويل أجمل المقاهي البحرية التي كانت رئة أهالي اللاذقية وكل سكان سوريا إلى بحر من الإسمنت تركت ندوباً في الروح لا تندمل. أحد الأصدقاء ويسكن في دمشق قال لي حين كنا طلاباً في المدرسة كان والده يعدهم أن يقضوا إجازة الصيف في اللاذقية وان يستمتعوا بمقاهيها البحرية وبحرها. وتحتفظ ذاكرة سكان اللاذقية بذكريات مريرة لشبيحتها ويحفظون كل الإنتهاكات والجرائم التي مارسها شبان ورجال مدعومون وخارجون عن أيه محاسبة قانونية. هؤلاء الفاسدون اللصوص كانوا يستعرضون نفوذهم أمام شعب اللاذقية فأحدهم كان سادياً يأمر الرجال في مقاهي الرصيف (ومعظمهم من الكهول) أن ينبطحوا أرضاً فيذعنوا وينفجر ضاحكاً ويطلق عدة رصاصات من مسدسه في الفراغ، وقد تسبب بهروب عدة عائلات من اللاذقية لأنه كان يريد بنات تلك العائلات عشيقات له، وكان يقتحم بيوت تلك العائلات ليلاً ويطلب لقاء الشابة التي يريدها عشيقة. نجحت تلك العائلات في الهرب خارج سوريا لأنهم يعلمون كما يعلم كل الشعب السوري أن هؤلاء الفاسدين المدعومين لن يُحاسبوا، وأنهم يرتكبون جرائم قتل ويتمكنون أن يهربوا من القضاء ويجدون من يحمل الجريمة التي ارتكبوها ويدخل السجن بدلاً عنهم.
وقد استوقفني كثيراً خلال السنوات التسع من الجحيم السوري هو نزوح الكثير من الحلبيين إلى اللاذقية هروباً من جحيم حلب، وكنت ألتقي أصدقائي الرائعين من مدينة حلب الشهباء في اللاذقية وكانوا جميعاً مصدومين من طريقة العيش بشكل عام في اللاذقية ومعاينتهم لممارسات شبيحتها وسماعهم من سكان اللاذقية قصصاً تذهلهم عن ممارسات الشبيحة وكان أصدقائي من حلب الشهباء يقولون لي: حلب لم تكن هكذا، لم تشهد انتعاش فئة من الفاسدين والمهربين والمجرمين (الشبيحة) والذين يبقون دون محاسبة يظل لحلب كرامتها وألقها وعزة نفسها رغم أن الفساد كان متغلغلاً في سوريا كلها. لكن مسرحيات إذلال الناس التي كانت تُمارس في اللاذقية لم تعرفها مدينة حلب، هذا الانطباع ظل في ذاكرتي، وجعلني أتذكر ما إعتقدت أنني نسيته.
منذ ربع قرن كانت ابنتي طفلة صغيرة واصطحبتها إلى مقهى العصافيري في اللاذقية (الذي كان أجمل مقهى بحري قبل جريمة تبليط البحر) لحضور حفل مع بابا نويل، كان الأطفال كلهم ينتظرون بابا نويل ليوزع لهم الهدايا من كيسه الكبير، وفعلاً وصل بابا نويل في نهاية الحفل بزيه الأحمر وبدأ بتوزيع الهدايا على الأطفال الذين كانوا يزقزقون فرحاً، وبعد أن انتهى من توزيع الهدايا نزع قناع بابا نويل وأظهر وجهه الحقيقي للناس، وكان أحد الشبان المدعومين الذين يمارسون الانتهاكات بحق سكان المدينة علناً، وصدم الأطفال وذبل الفرح في وجوههم إذ لم يسبق لهم أن تخيلوا بابا نويل يكشف عن وجهه لتطير فرحة الحلم والفرح، هذا يحدث في اللاذقية تحديداً.
ولم تعد اللاذقية للأسف عروس الساحل الجميلة فقد انتهك جمالها بالمباني العملاقة في شوارع ضيقة وغمرت القمامة أزقة وشوارع كثيرة فيها وصار منظر طوابير الناس بانتظار رغيف الخبز في كل مكان. ويشعر من يمشي في اللاذقية كم صار البحر بعيداً وكيف أنها تتصحر بسبب التشويه العمراني. ولم يعد الحنين إلى اللاذقية كما يقول جميع من تركها سوى حنين ذاكرة إلى أماكن لم تعد موجودة إلا في الذاكرة، ولم يهتم أحد للحفاظ على اللاذقية القديمة وقد هدمت الكثير من بيوتها الأثرية وشيدوا بدلاً منها أبنية عملاقة. الانتهاك الذي تعرضت له اللاذقية روع ساكنيها وخاصة شبابها الذين مرمرهم القهر والفقر والمفارقات الأجتماعية وقادتهم كل تلك الظروف إلى اليأس والإحباط والانتحار. أمام هذه المعطيات أتمنى أن تنجح الجمعيات الخيرية في اللاذقية في مهمتها وبرامجها للاهتمام بالشباب في اللاذقية ودعمهم نفسياً كي لا ينتحروا.
بواسطة Salon Syria Reports | أكتوبر 18, 2020 | News, Reports, غير مصنف
يطغى لون الرماد على كامل الجرود الجبلية المحيطة بالقرداحة جنوب اللاذقية بعد أسبوع من سيطرة فرق الإطفاء على أسوأ موجة حرائق تطال الساحل السوري منذ عقود. يقف عدد من القرويين أمام منازلهم المتواضعة على جرف صغير في بلدة بسوت التابعة لمدينة القرداحة. ينظرون بحسرة إلى رماد بساتين الزيتون ومئات الدونمات من أشجار الصنوبر والسرو وقد أتت النيران عليها. يُملي الموجودون، في وجود مختار القرية، على موظفين حكوميين خسائرهم بالتفاصيل: هنا بستان زيتون مساحته 6 دونمات وإلى جواره بستان أصغر. لا يدقق الموظفون كثيراً في تلك التفاصيل لتعذر معرفة ما كان فيها أصلاً وقد تحولت رماداً. يكتبون ما يسمعونه. وحدهم المزارعون يأملون بأن تجلب هذه المعلومات أي دعم مالي أو إغاثي، بعدما تحولت «نكبة الحرائق» إلى أول اهتمامات السوريين.
لا يُخفي القرويون فجيعتهم من خسارة مصدر رزقهم الوحيد. يقول غدير، وقد عاد من دمشق إلى قريته للمشاركة في إطفاء النيران إنها «فاجعة حقيقية. أنا موظف استدنت ثمن نقلي إلى ضيعتي للمشاركة في إطفاء النيران. خسرنا بستاناً كاملاً للزيتون. كل الناس في هذه الضيعة نُكبوا بالحريق».
وقدرت حصيلة شبه نهائية لمديرية زراعة اللاذقية حجم الأضرار بنحو 7190 هكتاراً ضمّت 1.3 مليون شجرة مثمرة احترقت بالكامل ومنها 1.1 مليون شجرة زيتون و200 ألف شجرة حمضيات و3 آلاف شجرة تفاح و44 ألف شجرة متنوعة…
وبدأت المعونات الأهلية بالوصول إلى قرى القرداحة. جمعيات أهلية نظمت بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية شاحنات لنقل مواد غذائية مثل السكر والأرز، وتخصيص مبالغ مالية لأهالي المناطق المتضررة مباشرة من النيران، فيما تعهدت الحكومة بتقديم 1.53 مليار ليرة لنحو 150 قرية وبلدة متضررة من الحرائق في اللاذقية، أي ما يعادل 10 ملايين ليرة (4 آلاف دولار أميركي) لكل قرية. عليه، بدت تلك المعونات معنوية أكثر منها تعويضاً عن الخسائر. في قريتي بلوران وأم الطيور، شمال اللاذقية، أتت النيران على مساحات واسعة من الأراضي. يعيش كثير من الفلاحين صدمة خسارة كل شيء يمتلكونه. ولا شك أن وجهة مصايف السوريين التقليدية في تلك المناطق تحولت سواداً جراء النيران. يقول محمود، العامل في أحد المطاعم الشعبية: «كل الناس خسرت في هذه المنطقة. عشرات آلاف الأشجار احترقت خلال يومين فقط. بذلنا جهداً كبيراً بما نملك من إمكانيات من جرارات ومعاول وفؤوس دون جدوى». ويضيف: «قضت النيران على أشجار عمرها 20 و30 سنة خصوصاً من الزيتون والحمضيات». ولا يعوّل الشاب، ككثيرين غيره، على الوعود بالتعويض. يقول: «هذه مبالغ لا تعمل شيئاً. خسارة موسم واحد تتجاوز ما ستحصل عليه كل عائلة من الدعم المنتظر. المهم أن تعود هذه الحقول إلى الاخضرار وأشك أن يتم ذلك قبل سنوات». وشاركت أكثر من مائة سيارة إطفاء وآلية ثقيلة ومروحيات للجيش السوري في محاولة السيطرة على الحرائق التي اندلعت يوم الجمعة 9 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري في 65 موقعاً تضاف إلى 30 موقعاً آخر، ما شتَّت جهود فرق الإطفاء وأخّر من السيطرة على النيران.
يضاف إلى الأجواء المتشائمة في شوارع القرى المقفرة، راكبو الدراجات النارية في ظل أزمة خانقة بالمشتقات النفطية. طوابير تكاد لا تنتهي تنتظر دورها للحصول على 40 لتر بنزين. هذا قد يفسر غياب حركة السيارات على تلك الطرق.
مئات الأعمدة وكيلومترات من أسلاك الكهرباء احترقت وقطعت معها التيار الكهربائي قليل الحضور أساساً خلال سنوات الحرب، وكذلك مياه الشرب. معظم القرويين يشكون العطش في منطقة يصل معدل هطول الأمطار سنوياً فيها إلى 1.2 ألف ملم. نقص المياه صعّب عمليات الإطفاء. يقول محمود: «كنا نقوم بالإطفاء عبر أغصان الشجر لأنه ببساطة لا توجد مياه لدينا للاستخدام الشخصي فكيف لإطفاء النيران!».
*نشرت نسخة من هذا التقرير في الشرق الأوسط هنا.
بواسطة الحسناء عدرا | أكتوبر 18, 2020 | Cost of War, Reports, غير مصنف
“بما أنو أزمة البنزين رجعت، فلازم بطريقك ترجع”، بهذا المنشور المختصر أعاد مجموعة من الشباب السوريين إحياء مبادرة “بطريقك” كحل متواضع لعله يقف في وجه أزمة البنزين العالقة في ظل انعدام أفق حلها حتى إشعار آخر، مع الإشارة إلى أن المبادرة ليست بجديدة، بل انطلقت في العام الماضي للتخفيف من تداعيات فقدان مادة البنزين التي تكررت مجدداً.
تقوم فكرة المبادرة على مبدأ المساعدة والمنفعة المشتركة، بعيداً عن الأنانية وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة السوريين. يتحدث مؤسس الحملة جميل قزلو قائلاً: “يقوم كل فرد ممن يمتلكون سيارة خاصة بنشر إعلان على المجموعة التي تحمل اسم المبادرة، يذكر فيه وجهته وخط السير مع ذكر توقيت ومكان الانطلاق، بالإضافة إلى رقم الهاتف للتواصل معه وملصق مكتوب عليه بطريقك للتعريف بالخدمة”.
تهدف المبادرة المجانية إلى ردم الهوة السحيقة بين أطياف المجتمع السوري، وترميم الضرر والتشوهات التي أحدثتها الحرب السورية، وعن ذلك يقول قزلو: “ترمي الحملة إلى كسر حاجز الخوف بين السوريين الذي سببته سنوات الحرب الطويلة، وما خلفته وراءها من أزمة ثقة فيما بينهم، تهدف المبادرة بالدرجة الأولى إلى إزالة حواجز الشك والخوف من الآخر الناجم من موقفه السياسي أو مذهبه الديني، والعودة إلى المبادئ الأصيلة الني نشأ عليها السوري قبل نشوب الحرب التي نهشت كيانه”. ويضيف: “المبادرة تهدف إلى جعل هذه الخدمة عادة اجتماعية، وجزءاً من ثقافة المجتمع السوري، واستمرارية عملها إلى ما بعد انتهاء أزمة البنزين”.
وبالرغم من البعد الإنساني والحضاري الذي تنشده المبادرة، غير أنها تواجه العديد من العقبات لناحية الترخيص والحصول على التسهيلات، حيث يذكر قزلو: “واجهنا العديد من العراقيل، فمنذ العام الماضي نحاول جاهدين الحصول على موافقة شرطة السير لترخيص الخدمة وجعلها متاحة للجميع، لكن دون جدوى”. هذا بالإضافة إلى مشاكل التمويل، فالمشروع مايزال شخصياً، يتكبد الشاب تكاليفه مع شريكة له، ويوضح بالقول: “أتبنى المشروع مع صديقتي زهراء روماني على عاتقنا الشخصي، ندفع من جيبتنا ثمن المكالمات الهاتفية وتصميم البوسترات ونقوم بإجراءات التنسيق بين أصحاب السيارات والزبائن”.
ولبث شعور الطمأنينة والثقة بين المشاركين في المبادرة، يطلب قزلو من كل شخص لديه سيارة خاصة رقم هاتفه الشخصي وأوراق الميكانيك وصورة عن الهوية ونوع السيارة ورقمها، بالإضافة إلى رقم هاتف الزبون، وذلك تفادياً لحصول أي مشاكل لا تحمد عقباها.
علا ديوب، ترى أن المبادرة تنطوي على أهميتها المعنوية في إعادة غرس مشاعر التآخي بين السوريين والشعور بآلام الآخر، خوفاً من انقراض هذه المفاهيم وحلول مكانها مفاهيم مشوهة، تقول الشابة التي أعربت عن استعدادها لتوصيل 3 فتيات يومياً في الصباح الباكر: “الدافع الإنساني هو ما جعلني أشارك في هذه الحملة، لطالما فكرت بالآخرين، وبأوضاعهم السيئة، فهناك العديد من الفتيات اللواتي ينتظرن أكثر من نصف ساعة ليستقلين سيارة أو سرفيس في سبيل الوصول إلى عملهن أو جامعتهن، أضع نفسي مكانهن، فأزمة المواصلات مستمرة وتزداد سوءاً”.
تعقب الشابة أن المبادرة جاءت لإنعاش العديد من المفردات التي أهلكتها الحرب والعمل على إعادتها إلى الذاكرة السورية كالجمل التالية التي اعتاد السوريون ترديدها على ألسنتهم كـ “الناس لبعض” و”إذا خليت خربت” و”نحنا لبعض”، إذ تجد علا أن الحملة تنمي حس الإنسانية لدى جيل الحرب، وأنه بالرغم من بشاعة الأخيرة، غير أنها أفرزت شريحة شبابية قادرة على تجاوز الأزمات بأفكار خلاقة وبإمكانيات متواضعة، لكن هناك دوماً من يحاول منعهم وهدر الطاقات الإيجابية والنوايا الإصلاحية، وذلك حسب كلام الشابة.
اعتاد طارق شميط توصيل كل عابر سبيل يطلب المساعدة، لذلك لم تضف إليه المبادرة أي جديد، سوى الانضمام إلى المجموعة و \نشر المنشورات التي يعلن فيها عن وجهته القادمة، وعن ذلك يقول: “أتعاطف مع أبناء شعبي المنهك، فأجور المواصلات أصبحت مرتفعة، كما أن حالة الازدحام خانقة لاتحتمل، أحب تقديم المساعدة لغيري، فأنا معتاد على توصيل الناس، فلم يتغير شيء”.
لا يرى طارق (مخرج سينمائي) في المبادرة أنها حل جذري لنقص مادة المحروقات وأزمة المواصلات، لكنها محاولة إيجابية خجولة وسط الأجواء السلبية المشحونة في البلاد، مضيفاً: “أجد أن لها فائدة اجتماعية، حيث تعمل على تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية وزيادة الثقة بين الشعب السوري التي خسرها خلال سنوات الحرب” .
من جهتها، تقول رشا وهي إحدى المستفيدات من خدمة “بطريقك”: “جاءت هذه المبادرة في التوقيت المناسب وسط حالة الشلل في تأمين المواصلات، وتعزيز العلاقات بين السوريين بعد أن تحولت إلى علاقة قائمة على الخوف والتوجس من الآخر بفعل سنوات الحرب الطويلة”. أما ماهر فيجد في المبادرة بالرغم من بساطتها تعبيراً صادقاً عن نوايا السوريين في إحداث التغيير والرغبة الحقيقية في الإصلاح في بنية المجتمع السوري.
هذا ولم تقتصر الخدمة فقط على التوصيل بالسيارات، بل ذهب العديد من المشاركين بوضع دراجاتهم النارية في خدمة الآخرين، كما امتدت خدمات التوصيل إلى خارج حدود العاصمة دمشق، كعلاء الذي أعلن عن رغبته بنقل 3 ركاب من محافظة طرطوس إلى الشام.
بواسطة سحر حويجة | أكتوبر 1, 2020 | Cost of War, Reports, غير مصنف
إن الحريات السياسية والمدنية هي حقوق قانونية، تضعها الدول بقوانين وتكفل تنفيذ هذه القوانين، وتضمن حق الأفراد في حماية الدولة، من تدخل الحكومة، أو من تدخل الأفراد الآخرين عن طريق القضاء. أغلب دساتير الدول الحديثة تشير في نصوص عامة إلى هذه الحقوق. جاء في الدستور السوري لعام 2012 في الباب الثاني تحت عنوان “الحقوق والحريات وسيادة القانون” التأكيد على حقوق: المواطنة وسيادة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص وحق التقاضي وعدم رجعية القوانين، وعدم إبعاد المواطن عن وطنه، وحرية التنقل، وحرية الاعتقاد، وحق العمل، وحق التعلم وحرية الرأي والاجتماع والتظاهر والدفاع عن الوطن ودفع الضرائب والرعاية الصحية والرقابة الشعبية على السلطة. في المقابل على السلطة أن تمارس دورها وفقاً لقواعد الحق التي يتضمنها الدستور، وفي حال مخالفة السلطة للقوانين والدستور، هناك حق للمواطن بالمقاومة والرفض والاحتجاج.
لكن عندما تكون السلطة محصورة في يد فئة خاصة وراثية أو مالية أو طائفية، فإن هذه الفئة سوف تفرض على غيرها واجب الطاعة العمياء، وتعطل الدستور وتسخره لخدمة بقائها الدائم في السلطة، وتعمل على سن القوانين التي تعارض الدستور، وتقيد الحريات اللازمة للمجتمع التي تمكنه من الدفاع عن حقوقه. هكذا ممارسات تعبر عن إن السلطة المطلقة ضارة ضرراً مطلقاً، سواء على من يمارسها أو على من يخضع لها، حيث السلطة تعتبر نفسها غاية بحد ذاتها، بدلاً من أن تكون وسيلة.
الوضع السوري في انحدار مستمر نحو الهاوية، ومازال النظام يدافع عن وجوده واستمرار سياساته المعادية لشعبه والمتحدية للقرارات الدولية الداعية إلى ضرورة الإسراع في الحل للخروج من المستنقع الذي وصلت إليه الأزمة السورية، خاصة بعد العقوبات الاقتصادية بموجب قانون قيصر، والذي تزامن مع دعم مشروط من حليفه روسيا، وتراجع الحليف الإيراني عن دعم النظام بسبب عقوبات عليه وأزمة اقتصادية يعاني منها. كل ذلك أدى الى انهيار العملة السورية، وارتفاع الأسعار الجنوني، حيث اتخذت الحكومة السورية مجموعة من القرارات الارتجالية غير القانونية التي تضمن رفد خزينتها بالأموال. وإن كانت غاية الحصار والعقوبات هي دفع النظام لتغيير سياسته، والقبول بالحل السياسي، وحماية المدنيين، فإن النظام وطوال سنين الأزمة عمل على نقل عبء الأزمة وتبعاتها وتحميلها الى المدنيين بشكل كامل.
مثال على ذلك ظاهرة التعفيش، التي تم تعميمها في أرجاء سوريا، وفق قرار سلطوي، حتى لو لم يكتب؛ فكان يتم الاستيلاء علانية على كل ما تحتويه الأحياء من بضاعة في المخازن وتجهيزات المنازل، و الحديد والألمنيوم ومن ثم يتم فرزها ونقلها بشاحنات منها ما يذهب إلى معامل يديرها ضباط أو تجار لإعادة تدويرها، ومنها ما يذهب إلى مخازن ويعاد توزيعها الى الباعة على أنها جديدة. أما الأجهزة المستعملة والقديمة، فتذهب إلى أسواق سُميت أسواق التعفيش، تباع عبر وسطاء إلى عاملين على بسطات وهكذا أمن التعفيش عملاً لكثير من المواطنين أغلبهم مهجرين، وأمن دخلاً إضافيا للعساكر الذين ساهموا بالتعفيش، ودر أرباحاً على الضباط وشركائهم من التجار الذين يسوقون ويديرون معامل، ساهمت بتغطية نفقات ورواتب وعلاوات للدفاع الوطني، خاصة الفرقة الرابعة التي تدير معامل خردة الحديد المستولى عليها. لكن بالمقابل تركت شرخاً وولدت قهراً في المجتمع عند أصحاب الممتلكات، وحولت المعفشين إلى مجموعات وعصابات تمتهن جرائم سرقة المواطنين، على أنها من حقهم.
إن قصة الغلاء الفاحش، الذي بدأ قبل تطبيق عقوبات قانون قيصر نتيجة تدهور العملة السورية أمام الدولار، بسبب الفساد المستشري، وبسبب الأزمة في لبنان، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بعد تقنينها وتوزيعها عبر البطاقة الذكية، التي وضعت المواطن السوري أمام خيارات صعبة لا تحتمل بأن يقضي يومه في انتظار دوره أمام الأفران والمؤسسات ومحطات الوقود، لتأمين جزء من حاجاته وشراء الباقي بالأسعار الحرة، التي تدر أرباحاً طائلة على النظام والتجار، والتحكم بالسلع حسب الطلب، حيث ارتفع سعر الدخان الوطني أضعافاً حتى تجاوز أسعار الدخان الأجنبي، بعد أن زاد الطلب عليه لرخص سعره، وتحول الدخان الوطني إلى مصدر دخل هام، يتم تسليمه للموالين من التجار والباعة، وتذهب حصص قليلة لمراكز بيع الدخان.
جرى كل ذلك مع بقاء دخل المواطن ثابتاً، بل على العكس هناك فئات واسعة خسرت أعمالها نتيجة إغلاق الكثير من المصالح لفقدان المواد وأسواق التصريف وضعف الاستهلاك. إن النظام يتعامل مع الشعب السوري على أن كل عائلة لديها مغتربين في الخارج عليهم دعم أهاليهم في سوريا. الحقيقة أن أغلب العائلات في الداخل السوري يعتمدون على عائدات مالية تأتي من الخارج والنظام يستفيد من هذه العائدات لرفد الخزينة بالعملة الصعبة خاصة بعد منع التداول بغير الليرة السورية. لكن النظام لا يعنيه، حال العائلات التي لا يوجد من يدعمها في الخارج وهم نسبة كبيرة من الشعب السوري، تركها النظام لمصيرها، عرضة للتشرد والتسول والموت جوعاً ولممارسة أعمال غير قانونية مثل ترويج المخدرات، بيع الأعضاء، والدعارة.
ولعل القرار الأكثر جدلاً والذي تم نقده والمطالبة بإلغائه آو تعديله، قرار رئيس الحكومة حسين عرنوس الذي يفرض على كل سوري ومن في حكمه، تصريف 100 دولار أمريكي عند دخولهم إلى سوريا. قرار أثار العديد من الأسئلة أهمها تتعلق بالمواطن الذي يعيش في سوريا ويسافر لزيارة الأقارب أو رحلة او طلباً للدراسة أو العلاج، ويعود إلى بلده ولا يملك عملة صعبة، وعليه سوف يجبر على شراء مائة دولار من السوق السوداء، وصرفها بالسعر الذي حدده المصرف المركزي أي خسارة نصف قيمتها.
هذا القرار أثار تساؤلاً آخر عن مخالفته للقانون والمرسوم رقم 3 لعام 2020 الذي ينص على منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات. وظهرت آثار القرار عندما تقطعت السبل بمئات السورين، على الحدود السورية اللبنانية، الذين ليس بمقدورهم دفع المبلغ، و لا هم قادرون على العودة من حيث أتوا، وتم تسميتهم العالقين، على لسان مدير الهجرة والجوازات النمير ناجي الذي قال: “السوري الذي لا يسمح له بالدخول، اسمه عالق، أي يبقى على الحدود يمارس حياته كالمعتاد، ويتناول طعامه وشرابه، أمامه خيار واحد هو الاتصال بأحد ذويه أو أصدقائه ليحضر له الـ100 دولار، فيقوم بتصريفها ومن ثم الدخول إلى بلده”. إن هذا التصريح يحمل رسائل عديدة عن تدني قيمة المواطن السوري الفقير، والاستخفاف به وبحياته وتركه عرضة للابتزاز والتشرد ودفعه للموت جوعاً أو قهراً، أمام أعين العالم، في صورة يندى لها جبين البشرية دون خجل. وهذا ما يشكل درساً قاسياً للمواطن الفقير يدعوه لأن يفضل الموت حيث هو على العودة الى وطنه. هذا القرار يمنع اللاجئين الفقراء في دول الجوار من العودة؛ وقد تستغل الدول التي تستقبلهم هذا القرار بإعطائهم المبلغ وتسفيرهم. كما سيمنع هذا القرار السوريين من المغادرة وبالتالي عائدات الدخول لن يكون لها قيمة كبيرة على خزينة النظام. وهو قرار يخالف الدستور وفق ما جاء في المادة الثامنة والثلاثون:
1 ـ لا يحوز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه.
2 ـ لا يجوز تسليم المواطن الى أي جهة أجنبية.
3ـ لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا منع بقرار من القضاء المختص.
وظهرت أصوات داعية الى رفع دعوى إلغاء ضد هذا القرار الإداري الظالم: لمخالفته الدستور والقانون. ما هو التكييف القانوني لقرارات الحكومة التي تخالف القانون؟
المبدأ العام أن أعمال الحكومة تخضع لرقابة القضاء، على أساس وجود قواعد صارمة تلتزم الإدارة في تطبيقها، لكن حتى لا يتم غلّ يد الإدارة، قرر الفقه والمشرع منحها امتيازات وقدراً من الحرية يتسع حسب الظروف تحت تسمية: السلطة التقديرية، الظروف الاستثنائية، والحرب، تسمى أعمال السيادة تطبقها سوريا التي أخذت بالنظام القضائي الفرنسي، على الرغم من عدم وجود معيار قاطع لتعريف أعمال السيادة. إذن لاعتبارات خاصة بعض تصرفات الحكومة لا تخضع للقضاء لأن سلامة الدولة فوق القانون. القوانين المعمول فيها في سوريا نصت عليها وترك أمر تحديدها للقضاء والاجتهاد القضائي. لذلك درج القضاء رفض اختصاصه للنظر في موضوع يتعلق بأعمال السيادة باعتبارها خارجة عن ولاية القضاء إطلاقاً وهذا ما نص عليه مجلس الدولة ونص عليه قانون السلطة القضائية في المادة 26: “ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة او غير مباشرة بأعمال السيادة.”
إذن لو نظرنا إلى قرار الحكومة النابع من المصالح الخاصة للنظام، والذي يعارض الدستور والقانون، في حال تم طلب إلغائه قد يوصف أمام القضاء بأنه من أعمال السيادة وقد صدر لأسباب سياسية، في ظروف استثنائية لمواجهة العدوان والحصار. مهما كانت الأسباب والذرائع فإن أمر تعديله ضرورة لجهة حصره على الأقل بالمغتربين الحاصلين على إقامة في دول الاغتراب أو إلغاءه.
إن الظلم الذي يمارس على الشعب السوري من قبل النظام، بنقل عبء الأزمة وأعباءها وتحميلها للشعب، في اتجاهين الأول: تأمين سبل معيشته من دون دعم وحماية الدولة، الذي يدفعه لطلب المساعدة والارتزاق والأعمال غير المشروعة، والتفكير ليل نهار بتأمين لقمة عيشه للبقاء على قيد الحياة. والاتجاه الثاني دعم النظام للبقاء والاستمرار في السلطة من خلال الطاعة نتيجة الخوف، ورفد وتمويل خزينته.