بواسطة Ibrahim Hamidi | مايو 3, 2020 | Reports, غير مصنف
قال المبعوث الرئاسي الأميركي ومسؤول الملف السوري جيمس جيفري، إن بلاده تدعم «في كل الطرق الممكنة»، دبلوماسياً ولوجيستياً، الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، لافتاً إلى وجوب خروج جميع القوات الأجنبية التي لم تكن موجودة قبل 2011 بما فيها التركية والايرانية والأميركية باستثناء الروسية.
وقال جيفري في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن الاعتقاد أن الانخراط مع دمشق يُبعدها عن طهران «فكرة جنونية. بادئ ذي بدء، تملك إيران مواطئ أقدام شديدة الرسوخ في الدولة السورية وداخل المجتمع السوري»، لافتاً إلى أن دولاً عربية كثيرة «لن تكون على وفاق أبداً مع رجل مثل (الرئيس بشار) الأسد. يمكنهم الزعم بأنهم يستطيعون النأي به بعيداً عن المدار الإيراني، لكنني أرى أن هذا غير ممكن على الإطلاق».
وأكد المبعوث الأميركي أن بلاده ستواصل فرض العقوبات على دمشق، و«نؤيد سريان العقوبات على النظام السوري حتى قبوله بالحل السياسي»، موضحاً: «العقوبات الاقتصادية تزيد من سوء الأوضاع على دائرة الشخصيات المقربة للغاية من رأس النظام، وهذا ما نحاول على الدوام الوصول إليه. ونريد أن نوضح لتلك الشخصيات الأمر بأنه لا مستقبل واضحاً أمامهم إذا استمروا في دعم وتأييد الأسد. وحري بهم ممارسة الضغوط من أجل الانتقال السياسي».
وأشار إلى أن الحملة الإعلامية الروسية الأخيرة على دمشق دليل على أن موسكو تدرك أيضاً أي نوع من الحلفاء موالون لها في سوريا في الآونة الراهنة. وعدّ إدلب «قلعة المعارضة» ولن تعود إلى سلطة دمشق قريباً.
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» هاتفياً مساء أول من أمس (الخميس):
>دعنا نبدأ بالسؤال عن فيروس «كورونا»… هل يمكن أن نعرف تقديرك للوضع في سوريا؟ أيضاً، رفض الجانب الروسي في مجلس الأمن مجدداً مطلب إعادة فتح معبر اليعربية بين العراق وسوريا لإيصال مساعدات إنسانية، ما تقييمكم لذلك أيضاً؟
– بدايةً، نحن نتابع تطورات انتشار وباء «كورونا» في جميع أرجاء سوريا. ونتابع الموقف من ثلاث زوايا مختلفة، في الشمال الشرقي من البلاد حيث نستطيع رصد الموقف عن كثب، وفي الشمال الغربي كذلك، حيث نعتمد على المعلومات التركية، وبالطبع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام التي لا نحصل منها على المعلومات أو التقارير الوافية أو الكافية. ليست لدينا بيانات كاملة عن مناطق النظام فيما يتصل بالوباء. ونعتقد أن هناك أعداداً كبيرة من حالات الإصابة، لكنها خارج معايير القياس المعروفة، ولا نرى انتشاراً كبيراً للوباء في مناطق الشمال الغربي(في ادلب) من البلاد في الآونة الراهنة، لكن مع الكثير من الناس المختلطين معاً، وفي ظل الدعم الطبي المتهالك للغاية، لا سيما أن القوات الروسية والسورية تعمدت قصف أغلب المستشفيات والمراكز والمنشآت الطبية في المنطقة، أصبحت الأمور هناك من أكبر بواعث القلق لدينا.
سمعنا بإصابتين في المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا، لكننا لم نشهد حتى الآن انتشاراً كبيراً للوباء، حيث تُفرض معها قيود على السفر والتنقل داخل وخارج البلاد، على خلاف الإيرانيين الذين نعتقد بأنهم تسببوا في انتشار الوباء داخل مناطق النظام الحاكم منذ البداية. لذلك فإن آثار الانتشار هناك كانت محدودة، ولكن يمكن لذلك الوضع أن يتغير في أية وقت. ويساور الأمم المتحدة القلق بشأن تلك الأوضاع، وكذلك منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن القلق الذي يعترينا بشأنها أيضاً.
وتفرض القوات الروسية والنظامية السورية أوضاعاً أسوأ للغاية من خلال منع نقل ووصول الإمدادات الطبية المهمة إلى تلك المناطق التي لا يسيطر عليها نظام الأسد، مما أسفر عن تفاقم الأوضاع هناك. إنه خطأ الأسد، إنها جريمته في تدمير بلاده وعدم الاهتمام بشعبه، وهو يرتكب المزيد من الأخطاء إزاء تلك المناطق غير الخاضعة لسيطرته حيث يواصل رفض إيصال المساعدات إليها، على الرغم من أنها مسئوليته على اعتبار نظام حكمه هو الكيان السيادي داخل سوريا كما يزعم.
>هل تعتقدون أن شيوع الوباء الراهن من شأنه تهيئة الأجواء لتجديد قرار مجلس الأمن الخاص بالمساعدات عبر الحدود الذي صوّتت ضده الصين وروسيا نهاية العام؟
– لابد ان يحصل في يوليو (تموز) المقبل تجديد قرار مجلس الأمن رقم 2504. ونحن نأمل أن توافق روسيا – على الأقل – على تجديده بشأن نقطتي العبور الحدودي في الشمال الشرقي. ونحن نصر إصرارا أكيدا على ذلك الأمر، كما نود افتتاح معبر حدودي جديد لخدمة منطقة الشمال الشرقي. فكما تعلمون أنه جرى منع معبر الربيعة الحدودي من إدراجه في القرار الجديد بواسطة روسيا والصين، وذلك هو السبب في إصرارنا على تجديد القرار.
– العقوبات
>كما تعلمون خلال الأسابيع، ومنذ بداية انتشار الوباء في البلاد، تلوم دمشق وموسكو العقوبات الأميركية والأوروبية إزاء عدم توفير المواد الإنسانية والطبية؟
– لا علاقة لانهيار النظام المالي في لبنان بالعقوبات الصادرة عن الحكومة الأميركية، ولا بد أن ذلك كان له أبلغ الأثر على نظام بشار الأسد. ثانياً، بكل صراحة، فإن سوء إدارته الواضحة هي السبب الثاني في تردي الأوضاع الاقتصادية على النحو المشاهَد في سوريا. ثالثاً، هناك حقيقة مفادها أن سوريا لا تزال في حالة حرب أهلية مفتوحة، وأن بعض المناطق المهمة المعروفة بالإنتاج الزراعي ومنتجات الطاقة لم تعد خاضعة لسيطرة النظام في الآونة الراهنة، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك حتى قبول الأسد بالتسوية السياسية المتفق عليها. وهذا هو السبب الحقيقي في الكم الهائل من الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها، والتي تؤثر على الشعب السوري بأسره. وعقوباتنا الاقتصادية لا يتم فرضها أبداً على المساعدات الإنسانية أو الإمدادات الطبية، إذ يمكن لتلك المواد التدفق بحرية. كما أننا نتخير العقوبات الاقتصادية بعناية فائقة ونوجهها لاستهداف رموز النظام الحاكم وليس المواطن السوري العادي.
>في الشهر المقبل، موعد تجديد الاتحاد الأوروبي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، ماذا قلتم للأوروبيين؟
– نؤيد هذه القرارات بشدة، ونؤيد سريان العقوبات على النظام السوري حتى قبوله بالحل السياسي. ونرى في الأفق بصيصاً من الأمل في قرار وقف إطلاق النار على المدى الطويل في محافظة إدلب، وقبول النظام السوري لأجندة الأعمال المشتركة أو للجنة الدستورية في جنيف. ولم يكن لتلك الأمور أن تحدث من دون الموقف الصارم المتخذ من جنب المجتمع الدولي، سواء كان ممثلا بالأتراك في إدلب أو بكافة جهودنا المتضافرة في الإبقاء على العقوبات الاقتصادية. ولذلك، فإننا سعداء للغاية بمداومة الاتحاد الأوروبي على فرض العقوبات من جانبه.
>لكنّ هناك سوريين يلومون العقوبات لمعاناتهم؟
– لا يمكنني مساعدة أي شخص بعد مرور ما يقرب من عقد كامل من التعرض المستمر لإرهاب نظام الأسد بأن يستمر في تصديق وتأييد الأسد وتكذيب المجتمع الدولي بأسره.
>هناك سوريون يلومون العقوبات وهناك دول عربية بدأت بالانفتاح على دمشق وعدّت «كورونا» مدخلاً لذلك. ما موقف أميركا؟
– هذا سؤال يكتنفه الكثير من الغموض بسبب عدم تحديد البلدان العربية المقصودة. وأفكر في بعض البلدان العربية، مع عدم رغبتي في الإفصاح عن المسميات علنا، ولكننا نعرفهم جيدا، ونحن على تواصل مستمر معهم. ونحن ننظر في أمرين مهمين: أولا، أن هذه التواصلات منعدمة الأثر والنتيجة. وثانيا، هم لن ينالوا أي شيء من الأسد. ولقد رأينا إحدى هذه البلدان، ويمكنني ذكر اسمها نظرا لتداول وسائل الإعلام الأمر سابقا، إذ أعادت الإمارات الاعتراف الدبلوماسي، ولم تحصل على شيء في المقابل من جانب الأسد. وأعتقد أنه بالكاد أعرب عن امتنانه وشكره لهم. وأعلم تماماً أنهم لن يتمكنوا من تغيير دفة سياساته، كما أعلم أنهم لن يتمكنوا من تقويض سياستنا.
واعتقد أن بعض الشخصيات في المنطقة يحملون أفكاراً مغلوطة، ورغم وجودي المستمر عبر مختلف المنافذ الإعلامية الرسمية، فضلاً عن أحاديث الرئيس دونالد ترمب، ووزير الخارجية مايك بومبيو، المتكررة حول الأزمة السورية وإدلب، يظنون أنه ربما هناك سياسة أميركية أخرى لا أعرفها تسمح لنا بعقد الصداقات مع نظام الأسد. لا وجود لمثل هذه السياسة على الإطلاق. ولن يكون هناك مجال لوجودها من الأساس. ولم يكن هناك وجود لمثل هذه السياسة حتى في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما السابقة.
>في هذا الصدد، ما الذي تتوقعونه من القمة العربية المقبلة، إذ يعمل الجانب الجزائري الآن على قدم وساق لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية؟
– هذا سؤالنا الذي نطرحه على جامعة الدول العربية: ما الذي تغير منذ اتخاذ الجامعة العربية قراراها تجميد عضوية الحكومة السورية في عام 2012؟ هل سقط عدد من القتلى الآن أقل ممن سقطوا في السابق؟ نعتقد أن الرقم الآن يصل إلى نصف مليون مواطن عربي في سوريا. وهذا ليس من الأمور المشجّعة على دعوتهم مجدداً للانضمام إلى الجامعة العربية. هل امتثل النظام السوري لأي من دعوات الأمم المتحدة للمصالحة؟ كلا، لم يفعل.
ما هي النسبة المئوية الفعلية للسكان السوريين الذين جرى طردهم من منازلهم أو هم اضطروا إلى الفرار منها بسبب قمع النظام في عام 2012 عندما اتخذت الجامعة العربية قرارها المشار إليه؟ ربما بلغت النسبة 5 إلى 10% من إجمال تعداد السكان في سوريا، لكن، كم تبلغ النسبة الآن؟ لقد وصلت إلى 50%.
حريٌّ بالجامعة العربية أن تطرح على نفسها سؤالاً: هل لديها – كجهة حوار – بلدانا بصفتها الرسمية أو لديها – كجهة حوار – أناس يمثلون تلك البلدان؟ ذلك لأن شعب هذه الدولة، سوريا، قد برهنوا مرارا وتكرارا عن شجاعتهم وبسالتهم والتزامهم منقطع النظير بفرار نصف السكان من تحت عباءة نظام الأسد.
– إيران
>يعتقد بعض البلدان العربية أنه من خلال عودة الحكومة السورية إلى عضوية الجامعة العربية ربما يؤدي ذلك إلى إبعاد سوريا عن إيران، فما رأيكم في ذلك؟
– يا لها من فكرة جنونية. بادئ ذي بدء، تملك إيران مواطئ أقدام شديدة الرسوخ في الدولة السورية وداخل المجتمع السوري. وهي ليست بمثل السوء الذي يمثله «حزب الله» في لبنان أو الميليشيات الشيعية في العراق، لكنني أعلم بمجريات المثالين المضروبين تماماً لا سيما الحالة العراقية، لكنه أمر مثير للكثير من القلق. وليس لدينا نحن فحسب، وإنما نعلم أنه يثير بواعث القلق لدى النظام السوري والجانب الروسي كذلك. هناك ميليشيات جرى تشكيلها، وتمويلها، وتجهيزها من الحكومة الإيرانية وتتلقى أوامرها المباشرة من طهران. هناك مزاعم متداولة، ولم أقف على تأكيد أي منها، ولكنها تتعلق بجهود نشر المذهب الشيعي على حساب المذهب السني في سوريا. وتعلمون جيدا تاريخ العشائر في جنوب العراق إبان السنوات الأولى من القرن الماضي. وتلك الأمور من المجريات المعتادة في منطقة الشرق الأوسط، ولا أستثني الإيرانيون منها.
والأمر الآخر الذي يستحق تفكير الناس وتأملهم أن سوريا هي من البلدان التي شهدت وحشية النظام تجاه شعبه، وذلك من الأمور المريعة، حتى عند مقارنتها بما يجري في فنزويلا أو كوريا الشمالية. ولا يعرف النظام إلا وسيلة واحدة فقط، وهي ذبحُ شعبه وإرهابُه، لا سيما المواطنين السنة من أبناء الشعب السوري.
والآن، فهل يعتقد أحد أنه سيغيّر من سياساته أو وسائله؟ من جهة، يمكن الاعتقاد أن الأسد ربما يغير من تحالفه مع إيران، ولا اعتقد أنه سوف يفعل ذلك، ولكنه أمر ممكن من الناحية النظرية. ولكن هل يعتقد من أحد أنه سوف يغير من أسلوب حكمه، أو أن الشعب السوري سوف يقبل بهذا الحاكم القاتل لأبناء شعبه مرة أخرى؟ كلّا البتة. إنه يحكم دولة شمولية وحشية ومروعة للغاية. وأين هي الدولة التي على استعداد لإقامة الشراكة مع نظام وحشي مثل النظام السوري؟ لا نعلم سوى دولتان هما روسيا وإيران. ونحن لا نعتقد أن دول الخليج العربي والبلدان العربية الأخرى ستكون على وفاق أبداً مع رجل مثل الأسد. يمكنهم الزعم أنهم يستطيعون النأي به بعيداً عن المدار الإيراني، وإنني أشكك في ذلك تماما. هل سوف توفر هذه البلدان القوات البرية، أو قوات حزب الله، والميليشيات الشيعية المستقدمة من أفغانستان وغيرها من الأماكن للحيلولة دون إقدام العرب السنة والعديد من الطوائف الإثنية في قوى المعارضة من الهجوم على نظام الأسد؟ كلا، إنهم لن يبلغوا هذا الحد، ولا اعتقد أنهم سوف يدعمون نظاما بقدر السوء الذي يمثله نظام بشار الأسد. ولن يتحملوا مسؤوليته. إنه أمر ينبغي على إيران وروسيا القيام به.
– غارات إسرائيل
>في الآونة الأخيرة، شنت إسرائيل الكثير من الغارات الجوية حول دمشق، وعلى طريق دمشق – بيروت السريع في تدمر. فما رأيكم في ذلك؟
– تدعم الولايات المتحدة الجهود الإسرائيلية في تأمين الدفاع عن الذات. إذ تواجه إسرائيل تهديداً وجودياً مستمراً من جانب إيران. ولقد قالوا (الايرانيون) مراراً وتكراراً في غير مناسبة إن مهمتهم تتمثل في تدمير إسرائيل. ولإيران في سوريا وجود كثيف، وتمرر من خلاله الأسلحة بعيدة المدى إلى «حزب الله» التي تستخدم في تهديد أمن إسرائيل. ونعرف على الأرجح عنصرين من العناصر الموالية لإيران داخل سوريا، ولدى إسرائيل الحق في اتخاذ ما يلزم من إجراءات إزاء ذلك، مع توخي العناية والحذر من الخسائر البشرية السورية، وهو الأمر الذي تراعيه إسرائيل، ومن ثم، فإننا نواصل دعمهم وتأييدهم بأي طريقة ممكنة.
>ما نوع الدعم المقدم لإسرائيل من طرفكم؟ هل هو سياسي أم لوجيستي؟ عبر قاعدة التنف العسكرية قرب حدود العراق؟
– إننا نوفر الدعم المطلوب لكي تتخذ إسرائيل التدابير الفعالة للدفاع عن نفسها، ومن خلال حماية نفسها فهي تحمي كافة البلدان المجاورة لنظام الأسد: مثل الأردن، وتركيا، والعراق، ولبنان.
>صرح وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخراً بأن هدف الجهود الإسرائيلية هو إنهاء وليس تقليص النفوذ الإيراني داخل سوريا. فهل تعتقدون بإمكانية تحقيق هذا الهدف؟
– تتمحور سياستنا حول ضرورة مغادرة القوات الإيرانية للأراضي السورية كافة، جنبا إلى جنب مع كل القوات العسكرية الأجنبية الأخرى التي دخلت البلاد في أعقاب عام 2011، وهذا يشمل الولايات المتحدة. ايضا (اسرائيل) إن كانت كافة التقارير الواردة صحيحة بشأن القوات الجوية الإسرائيلية، التي تتضمن القوات الإسرائيلية، كما قد تتضمن القوات التركية كذلك.
>وماذا عن القوات الروسية؟
– دخلت القوات الروسية الأراضي السورية قبل عام 2011، وبالتالي، فإنهم مستثنون من ذلك. ولقد دخل الجميع إلى سوريا بعد اندلاع الحرب. فإذا كان هناك حل سياسي للحرب، مع زوال التهديدات التي تواجهها البلدان المجاورة مثل إسرائيل وتركيا من الأوضاع الراهنة في سوريا، نعتقد أنهما سوف يكونان على استعداد للسماح بعودة الأوضاع إلى طبيعتها في البلاد، وبقدر اهتمامنا بالأمر هناك، فإن هدفنا يكمن في عودة الأوضاع إلى طبيعتها، وهذا يعني مغادرة، من بين أمور أخرى، القوات الموالية لإيران من الأراضي السورية كذلك.
– تغيير السلوك
>قلتم في وقت سابق إن العقوبات الأميركية قيد العمل والتنفيذ، وإن هناك مؤشرات تثبت ذلك، فما تلك المؤشرات؟
– على اعتبار عدم الكفاءة الإدارية التي يتسم بها النظام الذي يمتاز بامتصاص الدماء حرفياً ومجازياً فيما يتعلق بسحب الأموال، والسلع، والممتلكات من الشعب السوري مع إدارة نظام مالي واقتصادي بالغ السوء والفساد، ولكنهم لا يجيدون المحافظة على وحدة البلاد ومن ثم جذب الاستثمارات الأجنبية إليها، لقد ألحقوا الكثير من الأضرار بأنفسهم. فمن يرغب في استثمار أمواله في بلاد يحكمها الأسد؟ ولقد تعمدوا تدمير البنية التحتية الداخلية تماماً، وأجبروا الكثير من الأطباء، وأصحاب الكفاءات والمهارات الأخرى على الفرار من البلاد.
ومن الصعب الحكم على الأوضاع هناك مع النظر إلى الهبوط غير المحدود للعملة السورية (بلغت 1300 مقابل الدولار الأميركي) ومزاعم أولئك الذين يحاولون دعم النظام بأنهم خسروا ما قيمته 244 مليار دولار أي ما يساوي 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي السوري بأكمله، خلال السنوات القليلة الأخيرة بسبب الحرب.
ومن الصعب أيضاً القول ما الذي يتعلق بتصرفات النظام السوري التلقائية وما يتصل منها بالعقوبات الدولية المفروضة عليه. وأستطيع القول بصفة عامة إنه فيما يتعلق بالاقتصاد السوري فإن الأمر يرجع بالكامل إلى ما فعله النظام السوري في نفسه. إن العقوبات الاقتصادية تزيد من سوء الأوضاع على دائرة الشخصيات المقربة للغاية من رئيس النظام، وهذا ما نحاول على الدوام الوصول إليه. ونريد أن نوضح لتلك الشخصيات الأمر بأنه لا مستقبل واضحاً أمامهم إذا استمروا في دعم وتأييد الأسد. وحريٌّ بهم ممارسة الضغوط من أجل الانتقال السياسي في سوريا.
>قلتم من قبل إن العقوبات الدولية ستجبر دمشق على تغيير سلوكها. كيف؟
– نعتقد أن الأمر يتعلق بالجمع بين مختلف الأدوات والوسائل: نسبة الـ50% من الشعب السوري الذين غادروا البلاد، وحرمان الدولة من مواردها السكانية المهمة، أو من أغلب هذه الموارد، والمساحات الشاسعة من الأراضي غير الخاضعة لسيطرة النظام الحاكم، ومن غير المرجح عودتها تحت سيطرته مرة أخرى بسبب القوى الخارجية الكبيرة والنافذة على الأرض، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية. والهجمات المدمرة التي تستهدف الإيرانيين والسوريين من الجو (الغارات الجوية الإسرائيلية) الأكثر عدائية وفعالية، ونقص المساعدات الدولية في جهود إعادة الإعمال الداخلية، ونبذ وإقصاء النظام السوري من جانب جامعة الدول العربية ومن جانب الاتحاد الأوروبي كذلك.
نحن نعتقد أن هذه الصيغة ستدفع النظام السوري في خاتمة المطاف إلى السعي وراء التسوية المتفاوَض بشأنها بين مختلف الأطراف المعنية، عوضاً عن الاستمرار في السعي وراء الانتصار العسكري الموهوم من دون تسوية تُذكر، وذلك ما يستمر النظام السوري في فعله حتى الآن.
– إدلب
>قلت من قبل إن إبقاء النظام بعيداً عن إدلب هو من الأهداف الاستراتيجية، أليس كذلك؟
– نعم، هذا صحيح تماماً.
>وقلتم أيضاً إنكم تريدون من تركيا محاربة الجماعات المتطرفة في إدلب؟
– أجل، نريد ذلك فعلاً. ولدينا إشارات تفيد بأنهم يفعلون ذلك، وبفعالية كبيرة.
>كيف يمكنكم الجمع بين هذين الهدفين في الوقت نفسه؛ إبقاء إدلب خارج سيطرة النظام مع محاربة الجماعات المتطرفة هناك؟ وما رأيكم في الاتفاق التركي – الروسي بشأن إدلب؟
– أعتقد أن الاتفاق سيستمر وفق استمرار الضغوط التركية المتواصلة على «هيئة تحرير الشام». ولا نعتبر «هيئة تحرير الشام» تشكل تهديداً مباشراً للقوات الروسية في سوريا فحسب كما يزعمون، بل إنها تشكّل تهديداً لنا جميعاً نظراً لأنها جماعة إرهابية، وهي تهديد أيضاً لقوى المعارضة السورية المعتدلة في إدلب، وهذا من بواعث القلق الحقيقي لدينا. ولا نرى من سبب أو عذر أو مبرر لشن هذا الهجوم (هجوم النظام السوري على إدلب) أو لكي يبدأ مرة أخرى. وعلى منوال مماثل، فإننا نرحب بالتعامل التركي المستقل مع «هيئة تحرير الشام». وهم ملتزمون بذلك اعتباراً من سبتمبر (أيلول) 2018، وكذلك في الاتفاق الجديد المشار إليه، وهذا أمر جيد.
>وهل تعتقدون أن الاتفاق لا يزال قائماً؟
– أعتقد أنه سيكون مستمراً خلال الشهور القليلة المقبلة على أقل تقدير.
– شرق الفرات
>دعنا ننتقل بالحوار إلى شمال شرقي سوريا حيث توجد القوات الأميركية. لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن الجانب الروسي يرسل المزيد من القوات العسكرية إلى هناك، وأنهم سيطروا على قاعدة القامشلي العسكرية، ويواصلون الاقتراب من المواقع العسكرية الأميركية هناك. فما تقديركم للأوضاع في تلك المنطقة؟
– لدى الجانب الروسي وحدات من الشرطة العسكرية خفيفة التسليح. وهم يواصلون الانتقال في دوريات من 3 أو 4 أو 5 مركبات، وأحياناً ما يذهبون إلى هنا أو إلى هناك، ولكن لا وجود لقوات عسكرية روسية حقيقية وكبيرة على الأرض. وليس هناك ما يسمى الاحتلال الروسي، وينسحب الأمر نفسه على الحكومة السورية، باستثناء بعض القواعد العسكرية القليلة في القامشلي ومدينة دير الزور، ليس لهم وجود حقيقي على الأرض هناك. ربما بعض المواقع المتقدمة مع تسيير بعض الدوريات الراكبة. إن القوات المنتشرة على الأرض بأعداد كبيرة تبلغ عشرات الآلاف من القوات هي «قوات سوريا الديمقراطية»، وهم شركاؤنا في مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي.
>في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تحدث الرئيس دونالد ترمب عن سحب القوات العسكرية الأميركية من شمال شرقي سوريا، ولا تزال القوات الأميركية منتشرة هناك حتى اليوم. فإلى أي وقت أنتم باقون؟
– سيستمر وجودنا هناك حتى الانتهاء تماماً من مهمتنا العسكرية إلحاق الهزيمة الكاملة بتنظيم «داعش».
>هل يمكننا القول إنها مهمة عسكرية مفتوحة هناك؟
– لا يمكنني تأكيد عبارة «مفتوحة المدة»، ولكن أود تأكيد فقط ما ذكرته آنفاً.
>ما الذي سوف تقولونه لحلفائكم من «قوات سوريا الديمقراطية» مقدماً قبل الانسحاب؟
– الانسحاب الكامل من شمال شرق سوريا ليس على جدول أعمالنا راهناً، ذلك لأننا لم نشهد حتى الآن الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش».
– روسيا
>بالعودة إلى العلاقات الحالية بين واشنطن وموسكو. هناك محادثات متداولة بين بعض المسؤولين الأميركيين والروس في كل من واشنطن وموسكو وفيينا. فأين نحن من هذا السياق؟ وهل مقاربة «خطوة – خطوة» لا تزال قائمة والتنفيذ؟
– كما تعلمون، لدينا مستويات متعددة من المحادثات مع الجانب الروسي، ولكننا نلتزم الصمت الدبلوماسي إزاء تلك المداولات. مع استثناء وحيد عندما سافر الوزير مايك بومبيو إلى منتجع سوتشي الروسي للاجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ومع الرئيس فلاديمير بوتين، وللمناقشة بشأن الأوضاع في سوريا، وللحديث حول جهودنا للوصول إلى التسوية السياسية هناك. ولقد طرحنا الأمر برمته أمام الرئيس بوتين والسيد لافروف، ثم عقدنا مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع السيد لافروف، وكل هذه المجريات معروفة ومسجلة.
>ماذا عن الانتقادات الإعلامية الروسية الموجهة ضد دمشق؟
– نعتقد أن روسيا تدرك جيداً ما يجري في سوريا. ونعتقد أن روسيا تدرك أيضاً نوع الحلفاء هو الرئيس(السوري) بشار الأسد. ونعتقد أن تلك الأمور تتحدث عن نفسها.
>هل تعتقدون أن هناك ما يعكر صفو الأجواء بين موسكو ودمشق؟
– أعتقد أن الأوضاع تتحدث عن نفسها كما قلت آنفاً. أنت صحافي، وعندما تكتب مقالات فأنت تريد من الناس قراءة ما كتبت، أليس كذلك؟
>هل تصدق ما يُكتب؟
– إذن، صدّق ما هو مكتوب في الصحف.
>هل تواصَل الجانب الروسي معكم بشأن نفس الأمور؟
– نحن لا نشارك تفاصيل المداولات والمبادلات الدبلوماسية مع محاورينا الروس الأعزاء.
– انتخابات
>نعلم أن التقرير الصادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وجّه اللوم إلى النظام في دمشق بشأن هجوم على اللطامنة في ريف حماة في عام 2017، ونعلم كذلك أن دمشق نفت علاقتها بهذا الهجوم. فما هي في رأيكم الخطوة التالية على هذا المسار؟
– ترفع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية نتائج التقارير إلى مجلس الأمن الدولي، ولقد كانت تقارير مأساوية للغاية، ولم يكن الحديث يتعلق بقوات النظام السوري من حيث استخدامها للأسلحة الكيميائية فحسب، وإنما من حيث أن قرار شن الهجمات الكيميائية قد اتخذ لدى أعلى المستويات في الحكومة السورية.
وفي الأثناء ذاتها، يتعامل مجلس الأمن الدولي كذلك مع مجلس التحقيق في الأمم المتحدة، والذي خلص إلى أن النظام السوري، والقوات الروسية بدرجة من الدرجات، ضالعين في استغلال تمرير منظمة الأمم المتحدة لإحداثيات منشآت الإغاثة الإنسانية المدرجة على قوائم عدم الاستهداف العسكري، وبرغم ذلك وجهت ضدها الهجمات المتعمدة.
إننا نرى الأمم المتحدة، من زاوية السيد مارك لوكوك رئيس مكتب تنسيق الشئون الإنسانية في الأمم المتحدة وحتى السيد غوتيريش الأمين العام بنفسه، إذ يتحدثان بعبارات صريحة وصارمة عن المخاطر الإنسانية الناشئة عن إغلاق المعابر الحدودية من العراق ثم من تركيا، فضلا عن فشل النظام السوري في السماح بنقل السلع الإنسانية إلى المناطق المتضررة. ونرى المحاكم الألمانية التي تلاحق نظام الأسد لدعاوى التعذيب التي طالت العديد من المواطنين السوريين. ولقد انتهى الحال بهؤلاء المواطنين وقضايا التعذيب في ألمانيا مع الدعاوى المرفوعة أمام القضاء الألماني.
وهذا مجرد غيض من فيض كافة جهود المساءلة التي نبذلها، رفقة المجتمع الدولي ومختلف وسائل الإعلام في الكشف – وتلك هي الكلمة التي أفضلها: الكشف عن عن الإفلاس الأخلاقي الصارخ الذي يتسم به النظام السوري الحاكم، وتلك الجهات وثيقة الصلة به.
>ماذا عن عملية السلام تحت إشراف الأمم المتحدة؟ سمعنا غير بيدرسن –المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا– يقول إنه قد تمكن من إبرام اتفاق بين الحكومة والمعارضة بشأن جدول أعمال اللجنة الدستورية السورية؟
– أدلى السيد بيدرسن بدلوه في ذلك. ونحن ندعم جهوده بلا أدنى شك، بل نسبة 150 في المئة. كما نؤيد دعوته لإطلاق النار على الصعيد السوري بأكمله. ونؤيد أيضاً جهوده المستمرة في البناء على الاتفاق وفقاً لجدول الأعمال المتفق عليه. وهي من الخطوات الصغيرة، ولكنها خطوة مهمة للغاية على مسار المضي قدما.
>هل تعتقدون أنه من الواقعي في الآونة الراهنة الحديث عن إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة في سوريا تحت رعاية وإشراف منظمة الأمم المتحدة في عام 2021 المقبل؟
– نحن نعتقد أن الانتخابات هي من الأمور الصحيحة. وإذا عقد الأسد الانتخابات الرئاسية خلال العام الجاري أو في العام القادم، فلن يحظى بأي مصداقية دولية تُذكر. وستُقابل بالرفض التام من جانب المجتمع الدولي. ومن شأن المجتمع الدولي مضاعفة جهوده لإجراء الانتخابات التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة. وهذا هو الطريق الوحيد إلى الأمام على هذا المسار. وهذا ما تؤيده حكومة الولايات المتحدة الأميركية. إن السياسة التي نتبعها ثابتة ولن يطرأ عليها أي تغيير. وإنني أتطلع إلى العمل مع مختلف وسائل الإعلام، والأصوات، والجهات الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط من أجل الدعوة للحل السياسي ولإنهاء أعمال العنف والقتال داخل سوريا.
>هل ترون الانتخابات الرئاسية أمراً واقعياً؟
– يعتقد بعض الناس أنه أمر لا يتسم بالواقعية. ولا أعلم لماذا. لكن قبل عامين كان الناس يظنون أنه من غير الواقعي التفكير بأن آخر قلعة من قلاع المعارضة المسلحة في إدلب سوف تصمد لفترة طويلة من الزمن. وهذا هو حالها بعد مرور العامين المذكورين (هي صامدة) واعتقد بعض الناس أنه من المحال إجراء المحادثات بين الجانب السوري والمعارضة وممثلين عن الحكومة السورية أو الاجتماع سويا في جنيف. ولقد أجريت المحادثات المشتركة بينهم بالفعل. لماذا لا تثقون بأننا لا نتابع هذه السياسة فحسب، إذ نعتقد أنها تحمل إشارات النجاح، كما نعتقد بأنها تملك الإمكانات لإبرام الاتفاق الأكثر نجاحا في المستقبل.
**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».
بواسطة Safi Khattar | أبريل 21, 2020 | Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
تنتشر بعض العبارات التي نسمعها بكثرة هذه الأيام حول “وصفات سحرية تشفي من الأمراض” أو “علاج طبيعي دون دواء” وغيرها الكثير، وخصوصاً في ظل انتشار وباء كورونا الذي اجتاح العالم وما رافقه من حالات الإحباط والخوف التي سيطرت على الجميع، بالإضافة إلى كشف هشاشة الكثير من الأنظمة الصحية وعجزها حيال الوباء، مما ساعد في انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة حول وصفات طبية وخلطات أعشاب وغيرها فيما يسميه البعض بالطب البديل.
علاجات بالطاقة أو باليوغا
في أغلب المدن يوجد نوادي ومراكز للعلاج باليوغا، الأمر الذي يُعد إيجابياً وله نتائج جيدة في أغلب الأحيان في تخفيف الضغط والتوتر من خلال ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل التي تساعد كثيراً في علاج الاضطرابات النفسية وتحسن المزاج العام؛ إلا أن الموضوع لم يقف عند حدود كونه رياضة فقط لها تعاليمها وأصولها بل تعدى ذلك للدخول بما يسميه البعض علوم الطاقة والروح وقدرات الجذب والبرمجة اللغوية العصبية وغيرها من المسميات التي تُصنف ضمن ما يعرف بالعلم الزائف حيث لا يوجد أي أدلة علمية تُثبته. الخطورة هنا هو عندما يتم التعامل مع هكذا نظريات بوصفها علوماً حقيقية وتصديقها بشكل كامل ورفض كل ما عداها وتفسير كل ما يحصل في حياة الفرد والمجتمع وفق تصوراتها فقط، فالفشل والحظ السيئ والمرض والفقر وكل ما يمكن أن يحدث من إشكاليات في الحياة يكون سببها فقط خلل في نظم الطاقة داخل الجسد على حد تعبيرهم. وكثيراً ما نرى هؤلاء وقد اقتنعوا بأن كل ما يحدث من ظواهر ومشكلات مردها إلى نظرية المؤامرة دون أخذ الأسباب الموضوعية والعلمية الكامنة وراءها.
(سليمان 41 عاماً، مهندس) أحد هؤلاء المقتنعين بهذه النظرية وقد حاول جاهداً إقناعي بصحة أفكاره دون أن يسمح لي بالرد عليه ومناقشته “بحجة جهلي لهذه العلوم وبأن طاقتي سلبية تجلب لي المشاكل دوما”. سليمان مقتنع تماماً بأن فيروس كورونا هو لعبة دولية وتضخيم إعلامي للتغطية على مشاكل أخرى وأن سبب المرض ليس بفيروس بل هو الموجات ذات التردد العالي لشبكات الجيل الخامس للإنترنيت، ولم تفلح معه كل الحجج التي قدمتها له وبقي مصراً على رأيه، وما أدهشني حقاً وأغضبني بنفس الوقت هو قراره بالامتناع عن تقديم اللقاحات لابنته الصغيرة بحجة أنها من ضمن ممارسات المؤامرة الكونية على البشرية وبأن الموضوع ليس أكثر من كذبة كبيرة لخداعنا، ما دفعني بالنهاية لان ألجأ لتهديده بالشكوى عنه إذا لم يتراجع عن قراره.
انتشار الشائعات بهذه الطريقة له أسبابه المعروفة والمفهومة أيضا وخصوصا عند الفئات الأقل تعليماً في المجتمع، لكن ما يثير الاستغراب حقا هو انتشار هذه الشائعات بين الأوساط المتعلمة والحاصلة على شهادات عالية، فكم كانت دهشتي كبيرة عندما سمعت طبيب الأسنان الذي أتعالج عنده وهو يفسر جائحة كورونا على أنها خدعة ومؤامرة بين الدول وأن الفيروس سلاح حربي مصنّع في المختبرات في الوقت الذي لا يعير أي اهتمام للتقارير الطبية والعلمية والإحصاءات الدولية التي تتكلم عن الوباء، كذلك الأمر مع جاري الصيدلاني الذي أصر على البقاء في المنزل ريثما ينتهي تأثير غاز السارين وتنتهي التجارب الكيمائية التي تنفذها الدول، مصدقا ما يشاع عن ذلك وبأن الفيروس لا وجود له من الأساس.
طب الأعشاب
ينتشر استخدام الأعشاب العطرية والطبية وخلطات الزهورات بشكل واسع لدى غالبية السوريين إما بتناولها كمشروبات ساخنة أو بإضافتها للطعام، لكن الأمر تعدى ذلك إلى اعتبارها أدوية تستطيع شفاء جميع الأمراض. وعن مخاطر هذه الادعاءات يقول (مازن، طبيب مخبري، 55 عاماً): “إن التعامل مع الأعشاب الطبية بوصفها علاجاً فيه الكثير من المغالطات والأخطار أيضاً، وخصوصاً عند اعتبارها بديلاً للأدوية، فالبعض يقوم أحيانا بإيقاف الأدوية واللجوء لخلطات الأعشاب مما يشكل خطراً حقيقيا قد يصل للموت أحياناً، إن العلاج بالأعشاب موجود منذ القديم وحتى اليوم وهناك شركات أدوية متخصصة في ذلك في أغلب الدول المتقدمة تُقدم خلطات أعشاب طبية بناء على تجارب ودراسات علمية تُحدد فاعليتها وآثارها، لكن للأسف لا يوجد لدينا شركات أو معاهد مماثلة، وفي أفضل الأحوال تبقى في حدود الخبرة الشخصية لبعض الأفراد.”
وتنتشر العديد من البرامج في محطات التلفزيون لأشخاص يُقدمون خلطات عشبية تُداوي أي مرض على حد زعمهم بما فيها الأمراض المستعصية كالسرطان مثلاً، وكذلك الأمر بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي حيث نرى الكثير من المواقع والصفحات تقوم بتقديم وتسويق الأمر ذاته. وبحسب رأي الدكتور مازن أيضاً فإن “المعلومة المتداولة بين الجميع عن أن الأدوية الطبيعية أو خلطات الأعشاب هي آمنة وبأنها في أسوأ حالاتها إذا لم تنفع فهي لا تضر هي معلومة خاطئة بالمطلق وتشكل خطراً حقيقياً على كثير من المرضى، فهناك العديد من الأعشاب التي لها تأثيرات قد تفاقم المشكلة الصحية دون أن ينتبه المريض، لذا أنصح الجميع بعدم استعمال أي خلطات عشبية على أنها أدوية فعالة والاكتفاء بتناول بعض الأعشاب كالنعناع والبابونج وغيرها من المشروبات التي يتناولها الجميع عادة دون أي ضرر وبكميات محدودة.”
كثيراً ما نسمع عن حالات تعرض فيها البعض لأخطار كبيرة نتيجة الجهل بالموضوع وتطبيق وصفات للتخلص من أوجاعهم بحيث تنتهي بهم القصة لمشكلة أكبر في أغلب الأحيان كما حدث مع أحد أقاربي عندما وصف له أحد المعالجين بالأعشاب بأن يضع نبات القريص مع مهروس الثوم على ظهره ليلة كاملة ليتخلص من آلام الفقرات، فكانت النتيجة حرقاً شديداً وحساسية كبيرة في الجلد بقي قرابة الشهر يُعالجها.
المعالجة بالغذاء
تعتبر نوعية الغذاء وتوازنه عاملاً حاسماً في الحفاظ على صحة جيدة، وكثيراً ما نسمع الأطباء يرددون بأن المعدة هي بيت الداء والدواء، لذلك فإن تطبيق حميات معينة في بعض الأمراض يكون أمراً ضرورياً و إلزامياً وخصوصاً فيما يتعلق بأمراض كالحساسية أو الهضم أو السكري أو ارتفاع الضغط وغيرها، لكن بشرط أن تكون هذه الحميات مترافقة مع العلاج الطبي ومتممة له.
(غادة، 41 عاماً، خبيرة تغذية) قُمت بزيارة عيادتها بسبب فضولي الكبير حول الموضوع من جهة وشهرتها وسمعتها الجيدة في هذا المجال من جهة أخرى، لم تبخل علي بالإجابات رغم كثرة أسئلتي وبدا لي لأول مرة أن الإجابات المقدمة منها مُقنعة وعلمية على عكس الكثير ممن يدعون الخبرة في هذا المجال خصوصاً وأن لي تجربة شخصية مع العلاج بالغذاء والحميات. تقول غادة: “إن عبارة غذاؤك دواؤك التي نسمعها كثيراً هي صحيحة بالعموم، فتنوع الطعام وتحديد كميته ووقته له الأثر الأكبر على الصحة، وما أراه اليوم من سوء التغذية الشديد لدى الكثيرين يُشعرني بالعجز والحزن، ويصبح الكلام عن تحقيق تغذية متوازنة أو علاج بالغذاء كمن يطلب المستحيل ويقابله الناس عادة بالكثير من التهكم والسخرية، فلتحقيق تغذية جيدة وصحية لأسرة من 5 أشخاص نحتاج لـ 300 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى وهو رقم يُعتبر أعلى كثيراً من دخل أغلب الأسر السورية.”
وتُضيف غادة: “يتم التعاطي مع العلاج بالغذاء بصورة خاطئة وخاصة اليوم في ظل انتشار الكورونا، فلا يوجد أي غذاء أو حمية قادرة على الشفاء من الأمراض أو أن تكون بديلاً لأي دواء، مجمل الموضوع أن النظام الغذائي الصحي والمتوازن يجب أن يتحول إلى نمط حياة متكامل بالنسبة للجميع حينها يكون له الدور الأكبر في تقوية المناعة وبناء نظام صحي فعال.” وبالنهاية تبقى هذه الوصفات والعلاجات تكميلية لها فوائدها في تخفيف بعض الأعراض والمساعدة على الشفاء، إلا أنها تتحول إلى مشكلة حقيقية إذا أسيئ استخدامها أو تم اعتبارها بديلاً عن الطب.
.Photo by Content Pixie on Unsplash*
بواسطة Ibrahim Hamidi | أبريل 18, 2020 | Reports, غير مصنف
لحدودِ العراقِ نكهةٌ استراتيجيةٌ خاصّة. كانت تُسمّى «الجبهة الشرقية» مع إيران. الجهة الغربية؛ أصبحت حالياً «الجبهة» مع إيران أيضاً. بإصرار غير معلن لا تعكّره سوى «غارات غامضة»، هناك صراعُ خفيّ أميركيّ – إيرانيّ للقبض على الحدود العراقية – السورية…
جديده؛ دخول روسيا على الخط والانغماس براً في المسرح المعقّد بتوسيع الوجود العسكري في «منطقة النفوذ» الأميركية والتحرش بقاعدة التنف من بوابة مخيم «الركبان» والحديث عن «انشقاق» مقاتلين سوريين موالين لواشنطن و«اعترافهم» بالتدرّب على مهاجمة حقول النفط السورية «المحمية» أميركيّاً.
قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين، كان الثقل على الحدود الإيرانية، خصوصاً خلال حرب الثمانينات بين بغداد وطهران. الطرف السوري منها، كان مغلقاً وممراً لـ«التآمر» بين جناحي «البعث» في بغداد ودمشق. في نهاية التسعينات؛ فُتحت ثغرة في جدار الحدود؛ مَرَدُّها الحاجة السورية إلى النفط العراقي وعائدات اقتصادية.
بعد الغزو الأميركي، بدأت رحلة التركيز على الطرف الغربي. بدايةً؛ باتت الحدود السورية بوابة لتدفق الباحثين عن مقارعة الأميركيين والراغبين في إفشال «المشروع الأميركي» في الشرق الأوسط. باتت هذه الحدود ممراً لآلاف المقاتلين من كل العالم الراغبين في قتال الأميركيين. ساهم هذا في إغراق الأميركيين و«مشروعهم». كان هذا «النجاح» المدبَّر سورياً وإيرانياً، خميرة تطورات حصلت عسكرياً في سوريا في العقد الأخير.
ومع الانسحاب الأميركي من العراق واندلاع الاحتجاجات في سوريا في 2011، وقعت هذه المناطق رويداً رويداً في حضن «داعش». أول ما فعله التنظيم، الذي أعلن جغرافيته زعيمه السابق أبو بكر البغدادي من الموصل في منتصف 2014، إلغاء هذه الحدود. أسس «ولاية الفرات» على طرفيها وجذب البيئات المحلية.
خلال الحرب على «داعش»، اسْتَعَرَ الصراع للسيطرة عليها. السباق على وراثة «داعش» كان يرسم مناطق النفوذ والتعايش على جانبي الحدود السورية – العراقية بين أميركا وإيران وضفتي نهر الفرات بين أميركا وحلفائها السوريين وروسيا وحلفائها السوريين والإيرانيين. استعر سباق وتعاون وصراع. بدايةً؛ عززت واشنطن وجودها في غرب العراق وشرق سوريا وقطعت طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت بسيطرتها على معبر التنف – الوليد. ردّت طهران بالسيطرة على جيوب غرب الفرات ومناطق في دير الزور وطريق البوكمال – القائم للوصول إلى دمشق وبيروت والبحر المتوسط بالالتفاف على الطريق التقليدية عبر التنف – الوليد.
انتقلت الحدود من نقاط بين دولتين إلى جبهة بين قوى إقليمية ودولية. على الأرض العراقية؛ هناك «الحشد الشعبي» المدعوم إيرانيّاً والجيش العراقي والقوات الكردية المدعومة غربيّاً. شرق سوريا؛ هناك «قوات سوريا الديمقراطية» التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، وفصائل سورية في التنف. هناك أيضاً الجيش السوري بدعم إيران وروسيا. في الجو، هناك قوات التحالف غرب العراق وشرق سوريا. هناك القوات الروسية شرق سوريا عدا شرق الفرات. أيضاً، هناك الطائرات الإسرائيلية التي أغارت في العراق وسوريا وبينهما.
مع مرور الوقت؛ زاد الاهتمام الدولي والإقليمي بدينامية هذه المناطق واهتمام مراكز الأبحاث في محاولة لفهم الوقائع. في الأيام الأخيرة، صدرت دراسات مهمتان؛ إحداهما من «وقفة كارنيغي» الأميركية أجراها الباحثان خضر خضور وحارث حسن، والأخرى من «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» أجراها حميد رضا عزيزي.
– عقارب الساعة
جرى ترسيم الحدود بين القائم والبوكمال في عام 1920، في أعقاب وقوع صدامات بين قوات عربية وقوات بريطانية كانت تحتل المنطقة بعد انسحاب القوات التركية. ولم يخْلُ ترسيم الحدود من بعض العشوائية؛ الأمر الذي بررته لندن بأن القائم النقطة الواقعة أقصى شرق منطقة نفوذ الدليم، أكبر اتحاد قبائل في غرب العراق. وكانت تلك بداية فترة انفصل خلالها القائم عن البوكمال وجرى دمج كل منهما في الدولتين العراقية والسورية. ورغم استمرار النزاع بين العراق وسوريا حول مناطق حدودية أخرى في فترات لاحقة، فإنه لم تطرأ تغييرات كبرى على منطقة القائم – البوكمال منذ ذلك الحين. وأقرت عصبة الأمم رسمياً الحدود العراقية ـ السورية عام 1932.
تقول ورقة «كارنيغي»؛ إنه على الأرض، تبلغ المسافة بين القائم والبوكمال 7 كيلومترات (كلم). على الجانب السوري من الحدود، تشكل البوكمال أقصى شرق سوريا، وتبعد 500 كلم عن دمشق. وتشكل القائم أقصى غرب محافظة الأنبار، وتبعد 400 كلم عن بغداد، وتقع عند النقطة التي يدخل عندها نهر الفرات العراق آتياً من سوريا. وتمتد القائم لـ26 كلم على الضفاف الجنوبية للنهر. أما في سوريا، فيقسم الفرات المنطقة إلى منطقتين فرعيتين؛ يطلق على الجانب الغربي «شامية» ويقع تحت سيطرة النظام السوري، بجانب ميليشيات مدعومة من طهران. في المقابل، يحمل الجانب الشرقي اسم «الجزيرة» ويخضع لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية».
عندما نجح الغزو في إسقاط نظام صدام في عام 2003، اختفت مؤسسات الدولة العراقية والأجهزة الأمنية التابعة لها فجأة من القائم والمناطق الحدودية. ولاحظت الورقة أن الفراغ سمح بظهور «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، الذي اشتهر باسم «القاعدة في العراق»، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. ونجح «القاعدة في العراق»، الذي تحول في نهاية الأمر إلى تنظيم «داعش»، في التغلغل داخل النسيج الاجتماعي بالمنطقة من خلال تجنيد مقاتلين محليين واستغلال الشعور المتنامي بالسخط بين العرب السُنًّة في العراق بعد سقوط نظام صدام.
وتحولت منطقة القائم، والحدود بوجه عام، إلى معقل للمتطرفين، لسببين؛ أولهما: سمحت المنطقة الخصبة للمقاتلين بممارسة الزراعة وتحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء. ثانياً: كان من شأن المساحات الصحراوية الواسعة الممتدة على جميع أطراف المنطقة أن سمحت للشبكات بالتشتت والمناورة داخل مناطق غير مأهولة بالسكان، مع بقائها على مقربة من مراكز حضرية. يضاف سبب ثالث؛ هو التسهيلات التي قدمتها دمشق للمتطرفين وغضّ الطرف عن نشاطاتهم.
وخلق الانسحاب الأميركي من العراق في 2011 وبدء الانتفاضة السورية فرصاً جديدة أمام المتطرفين لإعادة نشاطهم والاندماج وصولاً إلى «داعش». كما دبّ النشاط من جديد في بعض شبكات التهريب التي كانت قائمة بفعل انسحاب قوات النظام. وقالت الورقة: «قاد واحدة من هذه الشبكات صدام الجمل في البوكمال، الذي أصبح لاحقاً أحد العناصر الرئيسيين في (داعش). بدأ الجمل نشاطاته التهريبية عبر الحدود في عام 1998 واستمر في ذلك حتى عام 2010. وبعد اشتعال الانتفاضة، حاول استغلال خبرته في تيسير حركة المتطرفين والمسلحين والأسلحة قبل أن يشكل جماعة مسلحة خاصة به في البوكمال. وفي وقت لاحق، انضم إلى (داعش) في مواجهة (جبهة النصرة)؛ جماعة منافسة كانت تسعى للسيطرة على البوكمال».
في 29 يونيو (حزيران) 2014، أعلن «داعش» بناءه خلافة مزعومة على مساحة واسعة من الأراضي شرق سوريا وغرب العراق. وقالت الورقة إن التنظيم ادّعى أنه أزال ما عدّها «حدود سايكس – بيكو بين العراق وسوريا» ؛ رغم أن ذلك الاتفاق الأنجلو – فرنسي، لم يحدد قط الحدود العراقية – السورية. الأمر المهم هنا أن «داعش» سعى لتحويل إعلانه إلى واقع من خلال تشكيل منطقة الفرات، التي تضمنت مناطق من عانة في غرب محافظة الأنبار العراقية والميادين في شرق سوريا. وأصبحت هذه المنطقة، التي تضمنت القائم والبوكمال، مركز المنطقة.
– ما بعد «داعش»
أدى طرد «داعش» من القائم عام 2017 على أيدي قوات عراقية مختلفة، إلى نشر كثير من القوات العسكرية وشبه العسكرية في منطقة القائم – البوكمال الحدودية. وارتبط كثير من الميليشيات بروابط وثيقة مع إيران و«الحرس الثوري» الإيراني. وساعدت هذه الروابط في إحداث تحول على مستوى المنطقة الحدودية لتصبح ممراً لإيران يمكنها من خلاله بسط نفوذها الإقليمي، خصوصاً بعد إغلاق معبر التنف – الوليد.
وفي مارس (آذار) 2019، أعلنت واشنطن القضاء الكامل على «داعش» جغرافياً بتحرير الباغوز بالتعاون مع حلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية». عزز هذا نظرة الولايات المتحدة وإسرائيل إلى المنطقة الحدودية بوصفها جبهة محورية في الجهود الرامية لاحتواء النفوذ الإيراني. وكتب خضور وحسن: «نتيجة وجود نظام أمني مختلط بالمنطقة الحدودية، مع انتشار قوات أمنية رسمية بالقرب من ميليشيات، ظهر وضع عام غير مستقر في جوهره. وتترك المشاحنات الجيوسياسية الإقليمية الكبيرة، بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة؛ وإيران من جهة أخرى، تأثيراً كبيراً على ديناميكيات الأوضاع بالمنطقة الحدودية. وعليه، تحولت منطقة القائم – البوكمال الحدودية إلى مسرح لجهود إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي مع مساعي إيران الحثيثة للفوز بنفوذ أكبر».
ولوحظ أن الدعم الإيراني في السنوات الأخيرة للحكومتين السورية والعراقية في قتالهما ضد خصومهما المسلحين، عزز روابط طهران بالبلدين. ومع ذلك، أسس «الحرس الثوري» شبكة ممتدة من الجماعات شبه العسكرية عابرة للحدود تقيّد حرية الحكومتين في العمل على نحو مستقل عن المصالح الإيرانية. وتتضمن شبكة الجماعات التي يقودها «الحرس» مقاتلين من أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا قاتلوا إلى جانب القوات الحكومية العراقية والسورية في مواجهة «داعش» أو المعارضين السوريين، مما جعل الحكومتين معتمدتين على نحو متزايد على مثل هذا الدعم وإن كانت الصورة أكثر تعقيداً في سوريا جرّاء وجود روسيا ودخول تركيا على الخط.
علاوة على ذلك؛ اكتسبت هذه الجماعات نفوذاً بسيطرتها على مساحات من الأراضي وتأمينها موارد وحصولها على شرعية وحصانة من خلال دمجها لعناصرها في الدولة، مثلما حدث مع قوات «الحشد الشعبي» العراقية. ورغم أن هذه القوات على أرض الواقع أبقت على درجة واسعة من الاستقلال الذاتي الإداري والعملي عن سلسلة القيادة الرسمية، فإنها استغلت مظلة قوات «الحشد الشعبي» غطاءً شرعياً لنشر القوات؛ حسب الورقة.
– غايات إيران
تقدم الدراسات تقييماً متكاملاً للأسباب التي دفعت بإيران إلى تعزيز وجودها في القائم – البوكمال؛ إذ ذكرت ورقة «كارنيغي» أربعة أسباب؛ هي: أولاً: سعيها لحرمان «داعش» من فرصة إعادة بناء قواته داخل المناطق الواقعة على أطراف العراق وسوريا. ثانياً: تأمين ممر بري لربط المناطق الخاضعة للنفوذ الإيراني في العراق ولبنان سوريا، في مهمة تتطلب السيطرة على حركة الأشخاص والأسلحة والسلع عبر الحدود؛ أو المراقبة الوثيقة لها. ثالثاً: تودّ طهران إعاقة محاولات واشنطن وحلفائها لاستغلال المنطقة الحدودية قاعدةً للتصدي للنفوذ الإيراني. رابعاً: تحتاج إيران إلى الاحتفاظ بقدرتها على تعزيز «حزب الله» عسكرياً في لبنان ونشر ميليشيات أخرى مدعومة من «الحرس» الإيراني بمنطقة الهلال الخصيب حال اشتعال صراع مع إسرائيل عبر لبنان أو سوريا.
من جهته؛ يقول «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» إن إقامة إيران ممراً برياً للربط بينها وبين لبنان عبر العراق وسوريا سيمكّنها من دعم الجماعات التابعة لها في الدول الثلاث بشكل أفضل، إلى جانب نقل السلاح والمعدات بسلاسة وسهولة إلى تنظيم «حزب الله» في لبنان؛ «لكن، هناك مبالغة فيما يتعلق بأولوية ذلك الممر في الاستراتيجية الإيرانية تجاه سوريا، فمنذ المراحل الأولى من الأزمة السورية وحتى نهاية عام 2017 استمرت إيران في دعم (حزب الله) بعدة طرق مختلفة، بينها استخدام ممر جوي، رغم عدم تمكُّنها من استخدام المعابر الواقعة على الحدود العراقية – السورية».
وبالنظر إلى الوجود العسكري الأميركي في أجزاء عدة من العراق وسوريا من جانب؛ والتفوق الاستخباراتي الإسرائيلي على الدولتين من جانب آخر، سيتضمن نقل الأسلحة والمعدات بشكل مباشر عبر ما يُسمى «الممر البري» مخاطر كبيرة، فقد قصفت إسرائيل أهدافاً إيرانية في سوريا أكثر من 200 مرة خلال الفترة ما بين 2016 و2018.
عليه، يرى المركز أن أهمية معبر البوكمال – القائم بالنسبة إلى إيران من منظور عسكري تكمن بدرجة أكبر في تيسير انتقال القوات العسكرية وشبه العسكرية عبر الحدود، لذا تجعل سيطرة إيران على مناطق واقعة على جانبي الحدود من السهل بالنسبة للقوات الإيرانية؛ الانتقال جيئة وذهاباً، وإعادة الانتشار والتموضع في مناطق أخرى. على سبيل المثال، جرى إرسال نحو 400 عنصر من «الحشد الشعبي» العراقية إلى إدلب من خلال هذا المعبر خلال شهري فبراير (شباط) ومارس 2020. ويمكن لازدياد حركة القوات المدعومة من إيران جعلها محصنة جزئياً من الهجمات الأميركية والإسرائيلية التي تحدث بين الحين والآخر.
– أهداف أميركا
أعلن مسؤولون أميركيون أكثر من مرة أن أحد أهدافهم الرئيسية في سوريا، هو «تحديد» أو «إنهاء» نفوذ إيران. وتدعم واشنطن عبر التحالف الدولي «قوات سوريا الديمقراطية» في سيطرتها على مناطق شرق الفرات بوجود قوات وقواعد برية وغطاء جوي ومعدات لحماية النفط، ولديها قاعدتان في العراق وسوريا. إحداهما في التنف، قرب معبر التنف – الوليد الحدودي المغلق حالياً بين سوريا والعراق، الأمر الذي أدى عملياً إلى إغلاق الطريق التقليدية بين بغداد ودمشق، حيث ينتشر في القاعدة مائة عنصر وراجمات صواريخ لحماية دائرة بقطر 55 كلم.
أما القاعدة الأخرى؛ وهي «عين الأسد»، فتقع داخل محافظة الأنبار قرب ضاحية البغدادي. وزار الرئيس الأميركي دونالد ترمب القاعدة في ديسمبر (كانون الأول) 2018 وأعلن أنه سيجري استخدامها في إبقاء عين واشنطن على النشاطات الإيرانية بالمنطقة.
بجانب ذلك، جرى نشر قوات أميركية في وقت سابق قرب محطة القطارات القديمة في القائم أثناء الحملة التي جرى شنها ضد «داعش». وتقول ورقة «كارنيغي» إن ميليشيات مدعومة من «الحرس» استغلت نشر قوات أميركية في غرب العراق لتبرير وجودها قرب الحدود. وقال مسؤولون عراقيون من الأنبار إن الولايات المتحدة تحاول بناء قواعد جديدة في مدينة الرمانة، شمال القائم.
وفي أغسطس (آب) 2019، قتلت هجمات بطائرات «درون» وأصابت العديد من أعضاء جماعة «كتائب حزب الله» قرب الحدود. واتهمت قوات «الحشد الشعبي» إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم. وفي بيانات أخرى، اتهمت قوات «الحشد» الولايات المتحدة بتيسير الهجمات الإسرائيلية، مما دفع بجماعتين سياسيتين مواليتين لـ«الحشد» بتكثيف المطالب برحيل القوات الأميركية.
في 29 ديسمبر 2019، شنت القوات الأميركية هجمات جوية ضد مواقع فصائل مدعومة من «الحرس» قرب الحدود؛ ثلاثاً منها بالعراق واثنتان في سوريا، مما أثار تنديدات قوية من الحكومة العراقية و«الحشد». وأعلنت واشنطن أن الضربات الجوية جاءت رداً على هجمات شنتها «كتائب حزب الله» ضد قاعدة عسكرية شمال العراق تنتشر بها قوات أميركية، ما أسفر عن مقتل مقاول عسكري أميركي.
وتسبب الهجوم في تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وجماعات مدعومة من إيران والحكومة العراقية، حيث أمرت إدارة ترمب باغتيال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس»، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد «الحشد». وثأرت إيران من هذا الهجوم بإطلاقها صواريخ ضد قاعدتين عسكريتين في العراق بهما قوات أميركية.
وفي 16 مارس 2020، أعلنت القوات الأميركية إعادة نشر هذه القوات إلى قاعدة مختلفة في كركوك بشمال العراق. وقام الجيش الأميركي بإخلاء مواقعه في قاعدة القيارة الجوية جنوب الموصل، والقصر الرئاسي السابق شمال الموصل، وقاعدتي «كيه1» قرب كركوك والقائم على الحدود مع سوريا، وسلمت قاعدة «الحبانية»، إلى الغرب من بغداد، للقوات العراقية، حيث جرى سحب القوات من المراكز الصغيرة وتجميعها في مجمعات أكبر لتوفير فرص أكبر لحمايتها من هجمات صاروخية ممكنة، عبر منظومات «باتريوت»، التي وصلت، بالفعل، إلى «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق مع توقع شحن منظومتين من الكويت في الأيام المقبلة تخطط القوات الأميركية لنشرهما في قاعدة «حرير» قرب أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
– جانب اقتصادي
هناك بُعد آخر للتنافس بين الولايات المتحدة وإيران بإعادة البناء والتشييد بمنطقة الحدود والطرق المؤدية للمنطقة. يذكر المركز الألماني سبباً اقتصادياً؛ إذ إنه من المعروف منذ عام 2013، لمبادرة «الحزام والطريق» الأولوية في السياسة الخارجية الصينية لتيسير التبادل التجاري بين الشرق والغرب. وجعلت في الخطط الأولية لربط الصين بأوروبا الأولوية لإقامة الطرق البرية الشمالية عبر روسيا ووسط آسيا، إلى جانب طريق بحرية عبر الخليج العربي. مع ذلك تحاول طهران جذب اهتمام بكين إلى طريق برية جنوبية تربط إيران والعراق وسوريا بالبحر المتوسط ثم بأوروبا.
وكشفت إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 خطة لإنشاء خط سكة حديد يربط معبر الشلامجة الحدودي الواقع على الحدود الإيرانية – العراقية بميناء البصرة في جنوب شرقي العراق. ومن المفترض أن يمتد الخط بعد ذلك باتجاه الساحل السوري. جرى الإعلان في ربيع 2019 عن اعتزام إيران استئجار محطة الحاويات في ميناء اللاذقية. ومن المؤكد أن هناك مكوناً وعنصراً اقتصادياً للتدخل الإيراني في سوريا.
وبين الأمثلة على ذلك ما ذكرته مصادر لباحثي ورقة «كارنيغي» حول مشروع يتضمن بناء شبكة من الطرق السريعة بين بغداد والمعبرين الحدوديين طريبيل على الحدود الأردنية والتنف على الحدود السورية. أيضاً؛ ترتبط شبكة الطرق السريعة عبر طريق ثانوية آتية من الرطبة بمعبر القائم – البوكمال الحدودي، ثم بامتداد داخل سوريا من طريق القائم ـ البوكمال.
يذكر أن طريق بغداد – طريبيل السريعة الممتدة لـ570 كلم جرى إنشاؤها أواخر الثمانينات وأصبحت قناة الاتصال الرئيسية بين العراق والعالم الخارجي عندما خضعت البلاد لعقوبات في التسعينات. وتبعاً لبعض التقديرات، فإن نحو 40 في المائة من التجارة البرية في العراق مرت على هذا الطريق خلال تلك الفترة. وبعد 2003، أصبحت الطريق خطيرة بسبب هجمات جماعات مسلحة، خصوصاً «القاعدة»، التي اعتدت على المسافرين بالسرقة أو استولت على بضاعتهم أو سياراتهم لإعادة بيعها لهم.
في مارس 2017، وافقت حكومة حيدر البغدادي على مقترح من محافظة الأنبار لمنح الشركة الأميركية «أوليف غروب»، عقداً للاستثمار في إصلاح الطريق السريعة وحماية عمال البناء والمسافرين. وتضمن العقد، أيضاً، خطةً لتطوير طريق سريعة دولية تربط بغداد وعرعر على الحدود السعودية، بجانب بناء طريق سريعة جديدة تربط الأنبار مباشرة بالحدود.
لكن المشروع واجه معارضة من جانب كثير من أعضاء البرلمان العراقي، بمن فيهم جماعات متحالفة مع إيران. وأدت موجة الجدل إلى التخلي عن العقد وتكليف قوات الأمن العراقية بمهمة حماية الطريق السريعة.
ومع هذا، وتبعاً لما أفاد به مسؤول سابق من الأنبار كان مشاركاً على نحو مباشر في صياغة المشروع، لمعدّي البحث، فإن جماعات موالية لإيران حشدت ضد المشروع لأنها رأت فيه محاولة من جانب الولايات المتحدة لتوسيع نطاق نفوذها داخل الأنبار وغرب العراق. وبجانب حقيقة أن القوات الأميركية تسيطر على الفضاء الجوي بالمنطقة وتطلق مناطيد استطلاع من قاعدتها الجوية في الأنبار، رأت بعض الفصائل الموالية لإيران المشروع جزءاً من خطة طويلة الأجل لترسيخ الوجود الأميركي في المحافظة وتحويلها إلى قاعدة للنشاطات المناهضة لإيران.
وقد عبّر مسؤول من «كتائب حزب الله» عن هذه الأفكار عندما ندد بـ«محاولة قوات أميركية ضمان السيطرة الكاملة على الحدود العراقية ـ السورية، بذريعة الحيلولة دون استغلال إيران للحدود لدعم سوريا و(حزب الله)».
أيضاً، سعت جماعات موالية لإيران إلى تطوير خطط بديلة لاستغلال منظومة الطرق السريعة في العراق لتوسيع نطاق نفوذها وترسيخه على امتداد الحدود، وهناك محاولات لبناء طريق من كربلاء إلى منطقة القائم – البوكمال لتيسير حركة الجماعات المرتبطة بقوات «الحشد»، والأشخاص العاديين الذين يتوجهون إلى مزارات في سوريا.
وتتجلى أهمية معبر القائم ـ البوكمال لدى إيران عندما يدرك المرء أن مصالحها كانت العامل الأبرز وراء إعادة فتح المعبر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وتبعاً لما ذكره عضو في البرلمان من القائم، فإن الحدود أعيد فتحها بصورة أساسية لمعاونة الاقتصاد السوري وتخفيف حدة أزمة نقص النفط والوقود وتوفير فرصة للحكومة السورية لإحياء الإنتاج الصناعي داخل حلب.
واكتسب المعبر أهمية إضافية بالنظر إلى أن المعبرين الحدوديين الآخرين؛ أي التنف – الوليد، وربيعة – اليعربية، لا يزالان مغلقين. وتعوق قوات أميركية و«قوات سوريا الديمقراطية» قدرة دمشق على الوصول لهذين المعبرين.
ويعتقد بعض المسؤولين المحليين في القائم أن إعادة فتح المعبر ستخدم بصورة أساسية إيران وحلفائها. ويقولون إنه سيسمح فقط للشركات المرتبطة بإيران أو الجماعات المتحالفة معها بالمشاركة في نشاطات عبر الحدود، وهي في الجزء الأكبر منها شركات لبنانية وعراقية وسورية. وكانت الحكومة اللبنانية و«حزب الله» اللبناني قد أبديا اهتماماً كبيراً بتطورات المعبر، مشيرين إلى أنه سيسهم في جعل السوق العراقية الكبيرة متاحة بدرجة أكبر أمام السلع اللبنانية وسيساعد الاقتصاد اللبناني المتداعي.
وتسعى طهران وحلفاؤها إلى ربط منطقة القائم ـ البوكمال بشبكة أوسع من الجماعات الموالية لإيران لتوحيدها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها. وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أكد «مواصلة القوات الإيرانية و(حزب الله) اللبناني عمليات التجنيد لصالحها بشكل سري وعلني في الضفاف الغربية لنهر الفرات». وقال إن العدد «ارتفع إلى نحو 3600 من الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة، ممن جرى تجنيدهم في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة، في خضمّ الصراع الأميركي – الإيراني ودخول روسيا على الخط بتوسيع انتشارها شرق الفرات وإقامة قاعدة عسكرية في القامشلي ونشر منظومة صواريخ تحت المظلة الأميركية، إضافة إلى قاعدتي طرطوس واللاذقية وشن حملة على «معاناة» المدنيين في مخيم «الركبان» قرب قاعدة التنف، واستمرار الغارات الإسرائيلية على «مواقع عسكرية إيرانية» في البوكمال ونشر تركيا لقواتها وحلفائها شمال شرقي سوريا، تحولت الحدود السورية – العراقية إلى جبهة معقّدة لصراع إقليمي – دولي؛ إذ ترتبط استراتيجيات هذه الدول بخطوط تماس ونقاط صغيرة على الأرض وقدرة كل طرف على التغلغل في البيئة المحلية التي نقلت ولاءاتها عبر العقود والسنوات من طرف إلى طرف. بين التطورات التي ستترك آثارها المستقبلية، مستقبل الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات مع أن واشنطن أعلنت أكثر من مرة أنها باقية في التنف «حيث تتحقق أهداف استراتيجية كبرى باستثمار عسكري صغير»، إضافة إلى مدى جرأة التوسع الروسي والتوغل التركي في شرق الفرات، ومستقبل الأكراد في العراق وسوريا… والعلاقة مع المركز في دمشق وبغداد وما يجري في هاتين العاصمتين.
**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».
بواسطة Soltan Salit | أبريل 9, 2020 | Cost of War, Reports, غير مصنف
لا يمكنك أن تعبر المكان دون أن تستوقفك رائحة الخبز اللذيذة التي تنتشر على طول الطريق منبعثةّ من مخبزٍ صغيرٍ في قرية نائية لكنه يخفي خلفه قصة نجاح كبيرة بطلاتها نساءُ قرية سهوة بلاطة في ريف السويداء.
بدأت الحكاية باقتراحٍ بسيطٍ بين مجموعة من الصديقات لإنشاء صندوق خيري صغير يجمع التبرعات من نساء القرية بمبالغ زهيدة لا تتجاوز 200 ليرة من كل امرأة لمساعدة من كنّ في حاجةٍ لبعض الدعم وبخاصة تلك النسوة اللواتي فقدن أزواجهن ولا يوجد من يعيلهن ويعيل أسرهن، إلا أنّ الفكرة العفوية تطورت إلى اقتراحٍ بإنشاء مشروعٍ صغيرٍ يؤمن عملاً ودخلاً لأولئك النسوة عوضاً عن تقديم مساعداتٍ محدودة لهن. تعددت الاقتراحات وتراوحت بين تأسيس ورشة خياطة وتطريز أو مركز تجميل وغيرها، لكن تم الاتفاق أخيراً على إنشاء مخبزٍ لصنع خبز الصاج الذي تشتهر به السويداء، وما إن طرحت الفكرة على مستوى القرية حتى تحمس لها الجميع وبخاصة من أبناء القرية المغتربين في الخارج وقدّموا لها الدعم المالي الكافي لشراء المعدات والمستلزمات الأساسية للبدء بالمشروع.
لم أتمكن، لأسبابٍ خاصة، من لقاء أي من المسؤولات في الجمعية، لكني استطعت لقاء بعض الشبان في القرية والذين تجمعني بهم معرفة سابقة، أخبرني أحدهم، مفضلاً عدم ذكر اسمه، عن بعض التفاصيل فيقول: “بدأ العمل في المخبز بعد فترة قصيرة من طرح الفكرة وتجهيز المكان والمعدات، وأصبح يُنتج الخبز بجودة ونوعية ممتازة مراعياً المعاير الصحية والطبيعة من خلال تأمين أفضل أنواع القمح والاهتمام بجودة الإنتاج والنظافة والتسويق الجيد أيضاً، واليوم وبعد مرور 6 سنوات على إنشائه نجح المشروع بشكلٍ ممتاز واستطاع تأمين عملٍ ودخلٍ ثابت لأكثر من 20 امرأة في القرية ولبعض الشباب أيضاً الذين تولوا عمليات تسويق المنتج خارج البلدة”.
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد أنشأت الجمعية صندوقاً لتقديم الدعم لطلاب الجامعات والمدارس بشكلٍ شهري وبمنتهى السرية حفاظاً على قيمة العمل ومنعاً من التسبب بأي إحراجٍ لمن يتلقى المساعدة. وبحسب سليمان (25 عاماً) وهو أحد شباب القرية المتطوعين في المشروع ” فإنّ إمكانيات صندوق دعم الطلاب محدودة في الوقت الحالي ولا يمكن أن يتكفل الصندوق بكامل المصاريف المادية للطلاب المحتاجين، إلا أنّ المبالغ المقدمة تشكل دعماً لا بأس به للأسر محدودة الدخل وخاصة إذا كان فيها أكثر من طالب في الجامعة، المهم في المبادرة هو التشجيع على العلم وإيصال رسالة للطلاب بأن هناك من يقف بجانبكم ويشجعكم”.
ونتيجة ً للأرباح الجيدة التي أتت من المخبز والجهود المبذولة من أهل القرية لإنجاحه، فقد أثمر المخبز عن تطوير مجموعة أخرى من المشاريع الصغيرة كان أولها إنشاء أقسامٍ جديدة فيه لإنتاج الفطائر والحلويات الشعبية (لزاقيات ومرشم وغيرها) والتي لاقت رواجاً ونجاحا ًكبيراً، بالإضافة إلى إقامة مشروعٍ صغيرٍ لإنتاج الأجبان والألبان بحيث يساهم في خلق فرص عملٍ جديدة وتسويق المنتج المحلي بأسعارٍ جيدة.
ومن إنجازات جمعية النساء الخيرية في السهوة أنها قامت بمبادرةٍ بالاشتراك مع أهل القرية لإلغاء إحدى العادات الموجودة في المجتمع والتي تقوم على تقديم وجبات الطعام في مناسبات العزاء والتي عادةً ما يقوم بتقديمها أقرباء الميت أو جيرانه واستبدالها بوجبة طعام يقدمها المخبز، مخففاً بذلك الكثير من الأعباء المادية على الناس وخصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر فيها الجميع.
ومنذ عامين تقريباً توسع نشاط الجمعية ليشمل إنشاء حديقة للبلدة ومشتلاً زراعياً في قطعة أرضٍ كانت مهملة قبالة المخبز. كما شرعت الجمعية مؤخراً بمشروع جديد وهو إنشاء معملٍ لتجفيف الفواكه في القرية مستفيدة من توفر الفواكه المحلية وتنوعها، حيث ساهم المشروع في تسويق الفواكه المحلية ومساعدة الفلاحين وتأمين المزيد من فرص العمل لشباب وصبايا البلدة.
ما حققته هذه الجمعية الصغيرة من نتائج تجاوز نجاح المشاريع والمبادرات التي أنشأتها على المستوى المادي ليصل إلى خلق حالةٍ من التعاون والتكاتف الاجتماعي في القرية وتعزيز قيم العمل الجماعي والتشاركي، حيث غدت الجمعية مشروعاً شخصياً لكل فردٍ من القرية يحاول دعمها بما يستطيع.
أخبرني عمر (24 سنة، طالب جامعي) عن مدى تأثير الجمعية في تشجيع المبادرات الطوعية والعمل الجماعي في القرية فيقول “نجاح جمعية النساء شجعنا نحن الطلاب على إقامة مبادرات جديدة بيننا، فقمنا بحملات تنظيف لشوارع البلدة ومحيطها، كما قمنا بإنشاء فرقٍ لحراسة الحراج في القرية لمنع عمليات التحطيب التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الماضية، بالإضافة لحملات التشجير في محاولة لإعادة الغابة كما كانت سابقاً، هذا عدا عن الدورات التعليمية المجانية التي قمنا بها لتدريس بعض المواد لطلاب المدارس وخصوصا لطلاب الشهادة الإعدادية والثانوية”
أدى تفاقم الأزمة الاقتصادية مؤخراً وانعكاساتها السلبية على الحالة المعيشية للناس وارتفاع الأسعار الجنوني إلى مجموعة من المشكلات التي باتت تهدد عمل الجمعية وقد تؤدي إلى توقف عملها، حيث بات من الصعب تسويق المنتجات كما كان في السابق، الأمر الذي انعكس على إيرادات الجمعية وقلص أرباحها للحد الأدنى، مما دفع الجمعية إلى الاعتماد على التبرعات من أبناء القرية لسدّ بعض الثغرات المالية والإيفاء بالتزاماتها. وبحسب فيديو منشور على صفحات شبكات الأخبار في السويداء، قام المركز الإذاعي والتلفزيوني بزيارة المخبز مؤخراً وأعدّ تقريرا مصوراً عنه حيث تحدثت إحدى المسؤولات عن أبرز الصعوبات التي تواجههم حالياً والتي تتمثل بالتسويق وارتفاع أسعار بعض المواد، حيث يبلغ الإنتاج اليومي للمخبز بين 60إلى 80 كيلو من الطحين، ويطمحون لزيادة الإنتاج فيما لو توفرت فرص تسويق جيدة إلى خارج البلدة.
هناك محاولات اليوم في أكثر من قرية بالسويداء لتعميم هذه المبادرات، والتركيز على دور المنظمات المدنية والخيرية المحلية لتخفيف آثار الحرب وانعكاسها على الجميع، سيما مع تفاقم وطأة العقوبات الاقتصادية وتفاقم الفساد والاضطرابات الإقليمية التي أثرت على تدفق السيولة المالية من المغتربين، وحتى وإن كانت النتائج أقل من التوقعات المرجوة، إلا أنها تبقى تجربةً مهمة وذات قيمة كبيرة تسهم في دعم المجتمع والحفاظ على تماسكه.
بواسطة Jean-Michel Morel | أبريل 6, 2020 | Reports, غير مصنف
أثار في بداية الألفية الثانية اكتشاف موارد غازية هامة في باطن شرق البحر الأبيض المتوسط أطماعا لدى البلدان المحيطة به. ولكن استغلال هذه المنطقة البحرية المحدودة مازال خاضعا لنزاعات عديدة متعلقة بترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من البلدان المعنية.
في 1999 مع اكتشاف الحقل الغازي “نوح” قبالة سواحل إسرائيل، انطلقت عملية واسعة للتنقيب في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد سمح ذلك باكتشاف على التوالي حقول ماري ـ ب، داليت، تامار، تنين وعند آخر العشرية حقل ليفياثان. وتقع جميعها في المنطقة الاقتصادية الخالصة1 التي تطالب بها إسرائيل. ويبدو أن حقل لفياثان يحتوي لوحده على 18 مليار مليار متر مكعبويسمح استغلاله بتزويد إسرائيل بالكهرباء على مدى السنوات الثلاثين القادمة.
كما تسمح مجمل هذه الموارد لإسرائيل من أن تحتل دور مصدر غاز، وهو خيار يحظى بتقدير الاتحاد الأوروبي الذي سيكون بذلك أقل تبعية لروسيا ولكنه في الواقع يتجاهل كونه سيصبح شريكا في نهب جزء من الغاز الذي ستأخذه إسرائيل من موارد الفلسطينيين.
عند اكتشاف حقل “نوح”، راودت الفلسطينيين أيضا كثير من الآمال في استغلال الغاز، وقد اعتُبر حقل “آمارين” البحري للغاز كعامل رئيسي نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة. وصرّح آنذاك رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات بحماس: “إنها هبة من الله لشعبنا وأطفالنا ونسائنا هنا وفي المهجر، ولأولئك الذين يعيشون هنا على أرضنا”. غير أن الأمور لم تسر بالشكل المنتظر، وقد فشلت مجموعة “بريتيش غاز غروب” وشركة اتحاد المقاولين -أكبر شركة بناء في الشرق الأوسط- وصندوق سيادي فلسطيني في إنجاز المشروع. ويعود ذلك بجزء كبير إلى العقبات التي وضعتها إسرائيل والتي لم تعد في حاجة لهذه الفرضية كون مواردها الذاتية تكفيها.
كما قامت السلطات اللبنانية هي أيضا في أبريل/نيسان 2013 بإطلاق مناقصات لاستغلال كتل استكشافية في منطقتها الاقتصادية الخالصة. تحتوي المياه اللبنانية على احتياطي يقدر بما يقارب 25 مليار مليار متر مكعب. ولكن التوترات مع إسرائيل تضع حقول “تمار” و“ليفياثان” الموجودان نظريا ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية محل إشكال، كون الحدود بين المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين ليستا ثمرة لأي اتفاق. وتعتبر لبنان أن هاذين الحقلين هما نتاج جيب يوجد تحت الأرض البحرية اللبنانية وأن استغلاله من طرف إسرائيل يعد اغتصابا.
بخصوص سوريا ونتيجة للحرب، فإن استغلال مياهها الإقليمية معلق في الوقت الحالي. تم بيع في المزاد لـ“كتل استكشافية” في بداية 2011 ولم تبلغ دمشق أبدا بقائمة الفائزين، غير أن محادثات متقدمة في 2013 مع روسيا والصين تعد إشارة على الأرجح عن الفائز بالصفقة.
مصر هي أيضا أحد الأطراف الحريص على الاستفادة من موارد الغاز في عمقها البحري. وقد عهدت بمهمة التنقيب إلى شريكها الإيطالي لأكثر من ستين عام “إيني”. وصرحت “إيني” أنها اكتشفت أكبر حقل غاز طبيعي في الشرق الأوسط، الذي سمي بـ“حقل ظهر”، والذي قد تصل إمكاناته إلى 850 مليار متر مكعب على مساحة 100 كلم مربع، ومن شأنه تلبية حاجيات مصر من الغاز الطبيعي لمدة عقد على الأقل.
سينقل هذا الحقل مصر من موقع المستورد إلى موقع المصدر. يقدر الجيولوجيون أن حوض المشرق، وهي منطقة بحرية مجاورة للمياه الإقليمية المصرية ويحدها الساحل التركي والسوري واللبناني وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وقبرص، بأنه قد يحتوي على 3454 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي على الأقل، أي أربعة أضعاف احتياطي حقل ظهر وحده.
في عام 2015 زار الرئيس المدير العام لشركة إيني القاهرة ليحتفل بذلك مع الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلا: “هذا الاكتشاف التاريخي بإمكانه أن يغير السيناريو الطاقوي في مصر”. وهو خبر سار في بلد يعرف انقطاعات كهربائية متكررة.
قبرص، فاعل مركزي
قبرص، الجزيرة الصغيرة بمساحة 9000 كلم مربع في حوض الشام، مقسمة بخط أخضر -معروف بـ“خط آتيلا”- بين جمهورية قبرص في الجنوب (61% من الأراضي) وجمهورية قبرص التركية في الشمال. كان من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في 26 أبريل/ نيسان 2020 في الجزء التركي من الجزيرة -وقد تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى بسبب فيروس كورونا. يترشح الرئيس الحالي مصطفى ايكينجي لعهدة أخرى، وسيواجه رئيس وزرائه آرسين تتار، المدعوم من تركيا.
في الواقع يشكل هذا الاقتراع نوعا من الاستفتاء. إما أن يقوم القبارصة الأتراك بتزكية فكرة أن الجزء التركي من الجزيرة هو -وفق خطاب أنقرة- “طفل تركيا” وأن هذه الأخيرة هي “أمه”، وإما سيؤيدون نظرة توحيد الجزيرة كما يتوخاها الرئيس المترشح.
ليس هذا الانتخاب روتينا بل رهانا رئيسيا بالنسبة لأنقرة. فعلى الرغم من حملة إعلامية تركية عنيفة وكلام حاد من طرف السلطات التركية ضده، كرّر ايكينجي دعوته إلى هوية مشتركة للجزيرة وانضمامها -بعد توحيدها- بصفة كلية إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أمر واقع بالنسبة للجزء اليوناني وقانوني بالنسبة للجزء التركي. وإذا نجح في ذلك سيقلل بصفة هائلة من إمكانية تركيا في الوصول إلى الثروة الغازية المحيطة بالجزيرة والتي قدرتها هيئة مسح جيولوجي أمريكية بـ5765 مليار متر مكعب.
كانت جمهورية قبرص أيضا إحدى أكبر المستفيدين من الاكتشافات البحرية في بداية الألفية الثانية. وقد سمح الحقل الغازي “آفروديت” الذي اكتشفته الشركة الأمريكية “نوبل إينرجي” في 2011 بزيادة احتياطاتها المقدرة بـ7 مليار مليار متر مكعب، أي بمداخيل تزيد عن 8 مليارات يورو خلال 18 سنة.
ومنذ ذلك الحين بدأت “نوبل إينرجي” في حفر بئر جديدة وكل شيء يدعو إلى أمل اكتشاف كمية من الغاز تسمح بالوصول إلى 30 أو 40 مليار متر مكعب في المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة. ومن جهة أخرى أوكلت السلطات القبرصية اليونانية كتل استكشاف للشركة الإيطالية “إيني” وللشركة الكورية للغاز وشركة “توتال” الفرنسية. الاكتشاف الآخر الوارد جدا يتمثل في حقل “أفروديت 2” في الجانب الإسرائيلي من الحدود البحرية مع قبرص. وإذا ما تأكد أن هذا الحقل يأتي من نفس التكوين الجيولوجي لحقل “أفروديت” فهذا من شأنه دفع إسرائيل وقبرص إلى تعزيز علاقتهما الثنائية قصد الاستغلال الأمثل لهذه الطاقة الأحفورية في المناطق الاقتصادية الخالصة لكل منهما.
في 2018 اتفقت هاتان الدولتان اللتان التحقت بهما كل من اليونان وإيطاليا وبدعم من الولايات المتحدة على مشروع “إيست ميد” (شرق المتوسط) لبناء خط أنابيب غاز طوله 2200 كلم لنقل الغاز الإسرائيلي نحو اليونان وإيطاليا حيث يمكن إيصاله إلى أوروبا. ومن المتوقع أن يربط خط الأنابيب هذا بين حقول “ليفياثان” و“أفروديت”، وهما على التوالي أكبر حقلين في إسرائيل وقبرص.
ولكن في مواجهة هذا المشروع، سبق وقامت روسيا وتركيا بعمل مضاد من خلال تدشين خط أنابيب الغاز “توركستريم” في 8 يناير/كانون الثاني 2020، البالغ طوله أكثر من 900 كلم والذي سينقل الغاز الروسي إلى تركيا ثم إلى أوروبا. وقد بدأ بالفعل “توركستريم” بتزويد بلغاريا وسيتم تمديده إلى صربيا والمجر. ومع ذلك تواصل تركيا نداءها بأن تكون قضية الموارد الطبيعية البحرية جزءا من اتفاق شامل مع قبرص.
دبلوماسية المدافع
كما أن أنقرة قلقة أيضا من الدور المتزايد للأمريكيين. ففي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وقع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الخارجية القبرصي اليوناني نيكوس كريستودوليديس على إعلان نوايا من أجل تعزيز وتطوير “العلاقات الأمنية الثنائية، والأمن في البحر وعلى الحدود، وكذلك تعزيز الاستقرار الإقليمي”. ثم في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت سفيرة الولايات المتحدة بقبرص كاتلين دوهيرتي ووزيرا الطاقة والشؤون الخارجية القبرصيان جورج لاكوتريبيس ونيكوس كريستودوليديس، بزيارة سفينة “إيكسون موبيل” التي تقوم بالحفر على الرغم من احتجاجات أنقرة.
وقبل هذه اللقاءات قررت حكومات كل من قبرص ومصر واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين في يناير/كانون الثاني 2019 إنشاء “منتدى الغاز في شرق المتوسط” من أجل التحكم في بروز سوق للغاز في المنطقة. ولم تتم دعوة تركيا ولبنان وسوريا إلى هذا المنتدى. وقد اجتمع منتدى الغاز لشرق المتوسط مرة أخرى في يوليو/تموز 2019 حيث استقبل الولايات المتحدة كإحدى الدول المؤسسة في حين قام الاتحاد الأوروبي في نفس الوقت بإعلان دعمه لليونان وقبرص ضد تركيا وأدان الأعمال التركية في شرق المتوسط.
من جانبه حذر رئيس البرلمان التركي بن علي يلدريم “الشركات الكبرى التي تقوم ببحوث [بأن] عليها أن تعرف حدودها […] سترد تركيا على كل محاولات تهدد مصالحها المشروعة في شرق البحر الأبيض المتوسط وحقوق الجمهورية التركية لشمال قبرص. وستقوم بكل ما يتعين فعله […] يجب أن يعلم الجميع أننا لن نتخلى عن شبر واحد من حقوقنا ومصالحنا المشروعة في البحار.”
منذ اكتشاف حقل “أفروديت”، واصلت الإدارة القبرصية اليونانية تكثيف أنشطة التنقيب في شرق المتوسط. وردّت تركيا في فبراير/شباط 2018 بإرسال سفن حربية لمنع شركة “إيني” من الحفر قبالة الساحل القبرصي، وبعد أشهر من ذلك، أرسلت سفينة تنقيب سميت بـ“الفاتح” -نسبة إلى السلطان محمد الفاتح قاهر الامبراطورية البيزنطية- مخفورة بسفن حربية.
وفي إجراء غير مفاجئ ومدعم لجمهورية قبرص في نزاعاتها الإقليمية والبحرية مع تركيا، قرر الكونغرس الأمريكي في ديسمبر/ كانون الأول 2019 رفع حظر بيع الأسلحة إلى نيقوسيا الذي يعود إلى 1987. وأدان الكونغرس أنقرة بخصوص نشاطات تنقيبها حول الجزيرة، مما أضاف خلافا جديدا إلى تلك الموجودة في العلاقات التركية الأمريكية. من جهتها ووفق وزارة الدفاع القبرصية، تحصلت نيقوسيا على أربع طائرات إسرائيلية بدون طيار (50 ألف دولار للواحدة) وسيسمح ذلك لجمهورية قبرص بتحسين مراقبة منطقتها الاقتصادية الخالصة حيث تقوم شركات دولية بعمليات بحث وتنقيب. وحسب مُصنِّعهم الإسرائيلي “آيرونوتيكس غروب”، فإن هذه الطائرات بدون طيار هي الأفضل أداء من نوعها -ربما كنظيرتها التركية “بير قدار”.
يعد هذا الملف ذو أهمية قصوى بالنسبة لتركيا. فمنذ 2013، أصبح الغاز أول مصدر طاقة مستهلكة في تركيا. وتشكل الجزر اليونانية المتعددة والموجودة على مقربة من سواحلها حاجزا لتحديد منطقة اقتصادية خالصة كبيرة لها. وقصد تجاوز هذا الضعف، تبرز تركيا وجودها في الجزء الشمالي من قبرص، بما في ذلك من خلال إرسال قوات إضافية ـ كما تحركت لتقديم المساعدة لحكومة الوفاق الوطني الليبية ورئيسها فايز السراج الذي يواجه قوات المشير خليفة حفتر. وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، واستنادا منهما إلى كون منطقة البحر المتوسط بقيت لمدة طويلة غير محددة قانونيا، قام الرئيسان التركي والليبي بإعادة رسم الحدود البحرية، مع إدماج المناطق التي تطالب بها كل من قبرص واليونان بحجة أنها تتجاوز الجرف القاري الليبي. وكون أن كتل التنقيب والاستكشاف القبرصية للغاز توجد جنوب جمهورية قبرص فهذا يعد طريقة لكي يكون لتركيا أمل في الوصول إلى جزء من كعكة محتملة.
يعود تصميم أنقرة على تعديل المنطقة الاقتصادية الخالصة الليبية إلى ثراء باطن البحر، وقد تم في السنوات الأخيرة اكتشاف حقول غازية هامة فيه. إذ هناك حديث عن 6 مليارات متر مكعب من الغاز بالنسبة لحقل “كاليبسو” وحده، أي ما يساوي 10 سنوات من الإنتاج الروسي. في وقت كانت فيه أنقرة توقع على اتفاق بخصوص الحدود البحرية مع طرابلس، أجبرت البحرية التركية سفينة بحث إسرائيلية على المغادرة وإنهاء حملة تنقيب في المياه الإقليمية القبرصية على الرغم من أن ذلك تم بالاتفاق مع نيقوسيا.
لم تكن هناك صعوبة لليونانيين والقبارصة اليونان -الذين لهم صوتان في الاتحاد الأوروبي ويحظيان بدعم واشنطن- في الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي ضد تركيا. وقد فرض المجلس الأوروبي (الهيئة التي تجمع رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي) عقوبات مالية على تركيا بعد عمليات حفر اعتبرت غير قانونية في قاع البحر قبالة قبرص.
في هذا الإطار، كما ورد في تقرير خاص للاتحاد الأوروبي، سيتم إعادة النظر بالنسبة لسنة 2020 في المساعدة السابقة لانضمام تركيا للاتحاد بقيمة 800 مليون يورو (و9 مليارات بين 2007 و2020). وقد أطلقت أنقرة التي بدت أنها تتجاهل هذه القرارات أول عمليات تنقيب لها في المياه الإقليمية القبرصية بإرسالها في يناير/كانون الثاني 2020 سفينة الحفر “يافوز”. كما أعلنت عن مشروع إجراء خمس عمليات تنقيب بحرية “في مياه الجمهورية التركية لشمال قبرص”، أي بعبارة أخرى في المياه الإقليمية الرسمية لقبرص.
وفي 27 يناير/كانون الثاني 2020 أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه لليونان بإرسال وشيك لسفن بحرية إلى شرق المتوسط يكون لها دور “ضمان السلام”. ومؤخرا بينما طلبت تركيا من أثينا تجريد 16 جزيرة في بحر إيجة من السلاح، صرّح الوزير اليوناني للدفاع نيكوس بانايوتوبولوس بأن القوات المسلحة “تدرس جميع السيناريوهات بما في ذلك سيناريو الاشتباك العسكري”.
يبقى النزاع المسلح مستبعدا كون اليونان وتركيا عضوان في الحلف الأطلسي، ولكن ذكره يكفي ليشهد أن تركيا باتت هنا كما في أماكن أخرى معزولة بشكل متزايد على المستوى الدولي. وفي ظرف يتميز بفائض في الإنتاج وانخفاض في الطلب بسبب الاحترار العالمي ونتيجة لثمن بيعه الزهيد (في بداية فبراير/شباط كان سعر مليون وحدة حرارية بريطانية لا يصل إلى دولارين في الولايات المتحدة)، تتسم كل هذه المناورات بخصوص الغاز بطابع جيوسياسي أكبر منه اقتصادي أو تجاري.
*ترجم هذا المقال من الفرنسية حميد العربي ونُشر هنا على Orient XXI.
بواسطة لامار اركندي | مارس 30, 2020 | Cost of War, Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
تجولت بين شوارع مدينتي بعد فرض حظر التجوال فيها منذ الثالث والعشرين من الشهر الجاري إلا للصحفيين. سكانها اختفوا وتواروا عن الأنظار خوفاً من شبح الوباء العالمي كوفيد 19 الذي يتربص بكل مدن وبلدات العالم وليس فقط بمدينتي الصغيرة الواقعة في المثلث الحدودي التركي السوري العراقي.
بدت أزقتها مهجورة وفارغة من ضجيج الحياة الذي تلاشى مع تناقل أخبار منصات الإعلام الاجتماعي للأرقام المرعبة لوفاة آلاف الضحايا وحجز آلاف المصابين في حجرات الموت.
يقول الطبيب نظام طاهر إن كورونا يحول جسد ضحاياه لحلبات صراع بين الفيروس الدخيل القادم ليستقر في رئتيك وبين جهازك المناعي؛ فتحتدم المعركة بين الطرفين لأيام ومناعتك القوية هي من ستقضي على الفيروس وضعفها قد يقضي عليك.
إجراءات الإدارة الذاتية الاحترازية
ومع انتشار فيروس كورونا الجديد وارتفاع عدد الوفيات والإصابات في نحو 170 بلداً حول العالم،ووصولها للعاصمة دمشق التي سجلت 5 حالات، وفي مناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية التي شهدت حالات وفاة وإصابات، أغلقت الإدارة الذاتية الديمقراطية أبوابها في وجه الفيروس بحزمة إجراءات احترازية فعلّقت دوام المدارس والجامعات والمعاهد ومنعت فتح المطاعم والمقاهي والتجمعات والأعراس وأماكن العزاء في مناطق سيطرتها حتى إشعار آخر. ومنعت الإدارة الذاتية منذ منتصف الشهر الحالي دخول أي شخص إلى مناطقها باستثناء السكان المحليين، وأغلقت “سيمالكا” المعبر المائي الوحيد الذي يربطها بكردستان العراق بعد ظهور حالات وفاة وإصابات في مدن السليمانية ودهوك.
وبالتنسيق مع منظمة الهلال الأحمر الكردي ومنظمة الصحة العالمية جهزت هيئة الصحة أربع نقاط طبية في المعابر التي تشهد حركة مرور السكان إلى داخل مدن وبلدات شرق الفرات وذلك قبل إغلاقها بالكامل وهي معبر سيمالكا والرقة ومنبج مزودة بسيارات إسعاف مجهزة بكوادر طبية وبأجهزة فحص يخضع لها الوافدون إلى شمال شرقي سوريا، وتنقل الحالات المشتبه بها بعد عزلها في أماكن جهزت وخصصت لذلك.
وفي مدينة الطبقة “55 كم” غرب مدينة الرقة حدثنا عبر تسجيل صوتي عليان مصطو أحد الكوادر الطبية في الهلال الأحمر الكردي أن هيئة الصحة عززت معبر صفيان والسبخة في الطبقة بتجهيزات طبية جديدة تضمنت سيارتي إسعاف جهزتها منظمة الهلال الأحمر الكردي بكوادر طبية لمراقبة حركات مرور المدنيين والعسكريين وعزل المشتبهين بالإصابة في غرف حجر صحي جهزت في مشافي الطبقة العسكري والوطني وفي مركز بهار الصحي ومشفى الرقة الوطني.
وقالت هيئة الصحة في بيان لها قبل أيام إنها جهزت 9 مراكز للحجر الصحي بشكل مبدئي في المنطقة، ووزعت المراكز في مناطق بكوباني والرقة والطبقة ومنبج ودير الزور والقامشلي والحسكة، وهي مجهزة بشكل كامل بالأسرّة والمعدات الأولية والكادر الطبي المختص. وشكلت فرق إسعاف في كافة المدن والنواحي، مؤلفة من سيارات وكوادر طبية مجهزة بلباس ميداني، بالإضافة إلى تخصيص أرقام طوارئ لاستقبال الحالات المشتبه بها.
وأكدت هيئة الصحة عدم تسجيل أية إصابات بفيروس كورونا المستجد ضمن مناطق شمال وشرق سوريا حتى الآن، ودعت كافة الأهالي إلى اتخاذ التدابير الوقائية.
كيت Kit مجاني يكشف الكورونا في نصف دقيقة
و بالتعاون مع معهد بياس الصحي السويدي المرخص من الحكومة السويدية طورت هيئة الصحة اختبار تحليل سريع يكشف المصاب بفيروس كورونا خلال نصف دقيقة.
وكشف الرئيس المشترك لهيئة الصحة في الإدارة الذاتية الدكتور جوان مصطفى في مؤتمر صحفي عقده يوم الجمعة في مدينة القامشلي أن التحليل يتم عبر أخذ عينة من قشع (البلغم) المريض، واختباره. النتائج تظهر خلال 30 ثانية وهذا الاختبار يعتبرالأول من نوعه في العالم.
وأكد مصطفى أن هذا الاختبار تم تجربته في ثلاثة مستشفيات في مقاطعة “ووهان” الصينية وأثبت فعاليته بنسبة 80بالمئة. هذا ويعرف عن طريقة الاختبار بـ “كيت” Kit أنها وسيلة لفحص مسحة تؤخذ من الأنف ومسحة من البلعوم وعينة من الدم، للحالة التي يشتبه بإصابتها. ونوه مصطفى إلى أن الاختبار آمن لصحة الإنسان لخلوه من مواد كيميائية وعدم تأثره بالعوامل الجوية.
وأشار الرئيس المشترك لهيئة الصحة إلى أنه سيتم إنتاج هذا النوع من الاختبارات في شمال وشرق سوريا، وأما التوزيع فسيكون لدول الشرق الأوسط من قبل هيئة الصحة، بينما يتكفل المعهد الشريك بتوزيعه في أوربا وباقي دول العالم بشكل مجاني.
ويتم تدريب الكوادر الطبية على كيفية استخدام الكيت وستفتتح مراكز طبية للكشف عن الكورونا من خلال فحص المدنيين بشكل دوري خلال الأيام القادمة، وهي تأتي من ضمن الخطوات الاحترازية التي تتخذها هيئة الصحة التابعة للإدارة للتصدي للوباء العالمي .
حملات تعقيم وتنظيف شاملة للمدن والمخيمات
وتجنباً لتفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19″، استنفرت بلديات وفرق الإطفاء والفرق الطبية والصحية بمساندة منظمة الهلال الأحمر الكردي وفرق النظافة بحملة تنظيف وتعقيم شاملة لمدن وبلدات مدن شمال شرق سوريا.
وعلى المعابر الرئيسية ومداخل المخيمات توزعت فرق الهلال الأحمر الكردي في مناطق الشهباء وشيراوا. وأخذوا التدابير الوقائية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا. وأكدت المنظمة وعبر صفحتها الخاصة على الفيس بوك أنها عقمت جميع مراكزها الصحية وحولت مراكزها الطبية في المخيمات وخارجها إلى نقاط إسعافية وقالت: “بدأنا بتطبيق إجراءات محددة في مناطق الاستقبال بجميع مرافقنا الصحية وتعقيمها كما ستتبع في الأيام القادمة إجراءات أخرى لفرز المرضى حتى قبل دخولهم إلى منطقة الاستقبال ومنع الاختلاط ضمن المرافق الصحية، كذلك الأمر تم تعقيم جميع المراكز العائدة لنا والتعاون مع هيئة الصحة والبلديات لتعقيم الشوارع الرئيسية ضمن المدن”.
الحظر المنزلي مدة 15 يوماً قابلة للتمديد
أعلنت الإدارة الذاتية في بيانٍ لها حظر التجوال بين مدنها وسيستمرُّ الحظر خمسة عشر يوماً بدءاً من تاريخ إعلانه في 23 آذار وسيكون قابلاً للتمديد في حال اقتضت الضرورة.
وبمكبرات الصوت حثت دوريات الأمن الداخلي “الأسايش” (التي جابت شوارع وحارات مدينة القامشلي ثاني أيام سريان قرار حظر التجوال) المدنيين على ملازمة بيوتهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.
الافتقار للمعدات اللازمة لمواجهة كورونا
وأكدت هيئة الصحة في الإدارة الذاتية في نداء عاجل افتقار المنطقة للأدوية الأساسية لعلاج المصابين بكورونا وللمعدات الأساسية اللازمة لمواجهة الفيروس الوبائي حال وصوله لمناطق شمال شرق سوريا.
وحثَّ قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، عبر فيديو نشره على توتير على أهمية أخذ التدابير الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، وضرورة حماية النفس والعائلة والأصدقاء واصفاً الكوادر الطبية بالقادة، ودعا الجميع للامتثال لتعليماتهم، والعمل سوياً لمنع انتشار الفيروس في المنطقة.