بواسطة Mohammad Saleh | يونيو 6, 2019 | Reports, غير مصنف
*ينشر هذا الحوار ضمن الطاولة المستديرة ما الذي تبقى من اليسار السوري؟
هذا الجزء الأول من حوار من جزئين أجراه عمر عباس، يمكن الإطلاع على الجزء الثاني هنا.
الجزء الأول
يعد أبو علي صالح أحد أهم شخصيات الحراك السلمي الأهلي والمصالحة في مدينة حمص، ومن الشاهدين على أحداثها من ثورة وحرب، وفي هذا اللقاء، يشارك أبو علي صالون سورية تطور الأحداث التي خبرها هناك، إضافة لتجربته السياسية في صفوف حزب العمل الشيوعي وما شهده في المعتقل.
كيف يمكن أن تُلخّص تاريخك السياسي؟
تربيت في بيت له تاريخ طويل في العمل السياسي، إذ كان أبي من الاشتراكيين العرب (جماعة أكرم الحوراني). ولعائلتي تاريخ صراع طويل في العمل السياسي، منذ أن شارك أجدادي بالنضال ضد فرنسا وابراهيم باشا قبلها، فنحن من بقايا الفاطميين الذين جاؤوا من مصر، أي أن بيتنا بيت سياسي بالضرورة.
كيف انضممت لحزب العمل الشيوعي؟
هذا السؤال صعبٌ وسهلٌ في آن معاً. من بين الأحزاب الشيوعية السورية، لم يقبل حزب العمل الشيوعي بالتسوية مع الكيان الصهيوني، وكانت هذه مسألة هامة جداً بالنسبة لي. فأنا لا أقبل بالاعتراف بدولة الكيان، وهذا كان العامل الأساسي الذي ميز الحزب بالنسبة لي عن البقية الذين يتلقون الأوامر السوفييتية. فحزب العمل لم تكن له مرجعية خارجية، وإنما كانت مرجعيته ذاتية تتبع لشعبه. وكي لا أتهم الآخرين، أريد أن أوضح أنً هذا رأيي الشخصي بالموضوع وهذا ما رأيته. بالإضافة إلى ذلك فالحزب لم يتنازل أمام السلطات، وكان ملتزماً بمبادئ الديمقراطية منذ اللحظة الأولى، علماً بأنّ فهمنا للديمقراطية اختلف من فترةٍ لأخرى، فالديمقراطية التي كنا ننشدها هي الديمقراطية الشعبية الموجودة في دول المعسكر الاشتراكي، والفكر الديموقراطي الذي نريده لم يكن ناضجاً تماماً، وإنما نضج لاحقاً مع حركة التاريخ بشكل عام.
هل ما زلت ناشطاً بالحزب؟
منذ عام الـ٢٠٠٠ لم تعد لي أية علاقة بالمطلق مع أي تنظيمٍ سياسي، لكني في الوقت نفسه لم أقطع العلاقة تماماً مع أي تنظيم سياسي، فأنا أتعامل مع الجميع من اليسار إلى اليمين ومن الإسلامي للماركسي. أسباب عدم انخراطي المباشر كثيرة، أهمها عدم تبلور فهم جديد أو برنامج مقنع للمرحلة القادمة، هناك برامج مرحلية لي علاقة مع من يقومون بصياغتها، لكن ليس عندي برامج، ولا أعتبر نفسي مخططاً استراتيجياً كي أعد برامجاً معهم أو مع غيرهم. أما الهدف المرحلي بالنسبة لي فهو إقامة نظام جديد في سوريا، نظام علماني يحترم حق الناس ويضمن المواطنة المتساوية، وهذا البرنامج الذي أود أن أعمل عليه مع أي شخص مهما كان توجهه. واللقاء مع أشخاص آخرين لتحقيق هذا الهدف مرحلي لحظي، وقد لا يستمر عندما تتحقق مطالبنا المشتركة، إذ قد يكون لكل منا برامج مختلفة، إلا أن العمل على إنجاز هذه المهمة هو الخطوة الأساسية للتأسيس.
هل تستطيع أن تتكلم عن تجربة الاعتقال؟
تجربة الاعتقال طويلة، في عام ١٩٨٧ شهدنا حملة اعتقالات شرسة بدأت بشهر آب/أغسطس ضد ما كان يسمى آنذاك بتنظيم العمل الشيوعي، ووصل فيها عدد المعتقلين لأكثر من أربعة آلاف، اعتقلت أنا في آخر الحملة يوم ١٢ شباط/فبراير ١٩٨٨. لم أتعرض للتعذيب قياساً لما قاساه بقيّة الشبان كوني دخلت السجن آخر الحملة، وقد اكتشفت هذا عندما التقيت بالرفاق في سجن صيدنايا وبدأ كل منا يروي تجربته. كانت تجربة الاعتقال بالنسبة لي تجربة بسيطة نسبياً، بالرغم من تجربتي للكرسي الألماني الذي يشدونك من الظهر عليه وهو يضعف المنطقة القطنية وبالتالي يسبب مرض الديسك الذي ما زلت أعاني منه بسببه، وقد أحصينا ٣٦ سجينا بسجن صيدنايا يعانون من الديسك بسبب هذا الكرسي. بعد تمضية فترة اعتقال في فرع فلسطين لبضعة أسابيع، تمّ نقلي إلى سجن صيدنايا فيما بقي رفاق لي لفتراتٍ أطول في ذلك الفرع.
في صيدنايا كان الوضع مختلفاً كلياً، فقد كان السجن جديداً افتتح منذ أشهر فقط، واجهنا بعض الصعوبات للتأقلم مع الحياة الجديدة ضمن السجن لكننا اعتدنا عليها فيما بعد، كما عشنا في نوعٍ من الرفاهية بالمقارنة مع السجون السورية الأخرى، حيث اشترينا كحزب مكتبة تتجاوز الخمسة آلاف عنوان من مصاريفنا الشخصية لنحسن نوعية الكتب الموجودة في السجن. ولم تمانع إدارة السجن، فكل ماكان يهمها هو أن يكون الكتاب مختوماً من مكتبة الأسد بدمشق أو وزارة الثقافة، وكنا نجلب الكتب من المكتبات والمعارض التي تقيمها وزارة الثقافة أو المكتبة وأحضرنا كتباً نوعية كثيرة من جميع الاختصاصات. وبالإضافة للقراءة كنا نعقد في السجن حلقات للنقاش بالإضافة إلى لعب الرياضة والشطرنج. فقد كنا عبارة عن مجموعة في بيت مغلق، لا أحد يتدخل بشؤوننا باستثناء الشكاوى أو حملات تفتيش.
فيما يتعلق بتواصلنا مع العالم الخارجي، كانت الإذاعات مسموحة أما التلفزيون ومصادر الأخبار الأخرى فكانت محظورة، لذا شكلنا مجموعات للاستماع للراديو، مثلاً مجموعة لنشرة راديو مونتي كارلو الدولية، وأخرى لإذاعة لندن وغيرها من الإذاعات العربية، بعدها كنا نقارن الأخبار بشكل يومي حيث ينقل كل شخص ما سمعه على إذاعته المخصصة، ولكل حدث عالمي كنا ننظم ندوة لنعطي آراءنا بما يحدث، وشهد ذلك الوقت أحداثاً كبيرة، كغزو الكويت من قبل صدام حسين، وانهيار جدار برلين. وأتذكر الفرحة العارمة التي حلت بيننا بسبب بسقوط تشاوشيسكو.
ما هي طبيعة عملك؟
كنت مهنيا أعمل بالكهرباء منذ أن كنت في سنتي الجامعية الأولى، عملت أيضا في شركة الأسمدة العامة لمدة ثلاث سنوات. قبل الاعتقال كنت مطلوباً، فلم أستطع أن أتحرك علناً، بعدها عملت في مجال التعهدات العامة والطاقة المتجددة سواء رياحية أم شمسية لنحو ست سنوات في محافظة حمص.
هل لعبت دوراً في “ربيع دمشق”؟
تابعت إعلان “ربيع دمشق” من حمص مع الأصدقاء والمعارف، كنا نلتقي بشكل دوري لمناقشة الوضع. لم أتفق مع إعلان ربيع دمشق إلا بخمس كلمات: “نحو تغيير وطني ديمقراطي سلمي تدريجي.” كنت متفقاً تماماً مع هذه الكلمات وكانت بالنسبة لي مهمّة جداً. كانت لدي نظرة معينة ليست كاملة، لكني كنت خائفاً، وأريد حركة تدرجية، فقد تربيّنا على ذات الفهم للسلطة والمعارضة، ولدينا خلفية ثقافية واحدة، الحاكم يرى نفسه مالك البلد وليس مدير لشؤونها وتشاركه المعارضة الفهم ذاته. فمن يصل لمنصب الأمين العام، يعتقد أنه يمتلك الحزب ويحيي ويميت أعضاءه، وعندما يحصل التغيير المفاجئ، يخرج التافهون ليقودونا وهذا ما حصل بالفعل.
قلت للعديد من المعارضين لا تتركوا الزعران يقودونكم لأنهم سيخربون القضية، سيتمسكون بمناصبهم ولن يتوانوا عن ارتكاب المجازر ليبقوا فيها، وسيبقى حامل السلاح يغامر بحياة البشر، معتقداً بأنّ وجوده يعطيه القدرة على أن يحيي ويميت، حتى لو كانت مكانته صغيرة، فالمنطقة التي تقبع تحت سيطرته باتت من أملاكه. تجلى هذا لاحقاً فيما شاهدناه من عمليات نهب من قبل المسلحين (معارضة أو سلطة، عرباً أو كرداً) وفي المقاطع المصورة التي تنتشر على الإنترنت. فهؤلاء المسلحون يعتبرون أنّ نهب ممتلكات الآخرين من حقهم، طالما أن المنطقة تحت سيطرتهم. هذا ما كان يخيفني، كنت أريد الانتقال إلى نظامٍ جديد وليس مجردّ التحرر من قبضة حديدية لأخرى أو الحياة ضمن انفلات وفوضى أمنية.
قلت للوفد الروسي، نريد دولة تقود الأمن لا أمناً يقود الدولة كما هو الحال الراهن، هذه المنظومة الأمنية كالزعران التي تقود الدولة، وهذه النقطة تخيفني من الانهيار. نحن نقول إنّ النظام الحالي سيء ونعمل على بناء البديل، ونريد للمنظومة الأمنية أن تضمحل، ولكن عندما تقوم منظومة بتبني ممارساتها تحل الكارثة التي نعيشها.
أقول الكلام الذي كان علينا أن نقوله من البداية، وفعلت الحد الأدنى الذي نستطيع القيام به، كان رجال الأمن السوري يسألوننا “أين أنتم من هؤلاء الذين يخربون ويقطعون بالشارع؟” كنت نرد: “أودعتمونا بالسجن وهم في الخارج كل هذه الفترة، تركتم لهم المجال، فأنتم من زرعتم هذا الخراب، ومن يزرع الخراب ماذا سيحصد؟ نحن سنحاول زراعة شيء آخر.”
و من هذا المنطلق ورداً على الضخ الطائفي والتوتر ولكي نكون جاهزين إذا ما حصل شيء، حاولنا تأسيس تجمع في حمص عام ٢٠٠٦، لكن الأمن حاربنا بشدة، كان تجمعنا صغيراً يتألف من جميع المكونات السورية السياسية والطائفية إلا أنه لم يستمر لأكثر من بضعة أشهر، لم نتفق على كل شيء، ولا بد طبعاً من وجود تباينات، ومن مهمتك أن تتحاور مع من يختلف معك لا من يتفق معك، فهذا هو الحوار، ولذلك بعد عام ٢٠٠٠ قلت لرفاقي اليساريين يجب ألا نبقى نجتمع مع نفسنا، وألا يبقى الإسلاميون يجتمعون مع أنفسهم. علينا أن نشرع فيحوار بيننا، فلعلّ الحوار يرفع نسبة المشترك بيننا فوق الـ ٢٠-٢٥٪ الموجودة حالياً، اليساريون قد يتفقوا فيما بينهم على ٧٠-٨٠٪ من الأمور، والإسلاميين كذلك، فلم لا نوجد شيئاً مشتركاً فيما بيننا؟
لقد حذرت أنّ ما هو آتٍ أسوأ من الإسلاميين الموجودين بكثير وأكثر تطرفاً وقد أثبتت الأيام ذلك. ذكرني بذلك مجموعة من المهندسين البعثيين، فقبل فترة قالوا لي إنهم كانوا يسخرون من كلامي قبلاً، ولم يكونوا على دراية بما سيحصل، ففي عام ٢٠٠٢ حذرت من أن هناك تطرفا قادما، داعياً للسماح للإسلاميين الوسطيين برؤية النور، لأنّ التطرف لا يكبر إلا في الظلام. حاولنا في تلك الفترة العمل معاً، لكن ضمن الحدود الدنيا، لأن عملي لساعات طويلة جداً منعني من التواصل الأسري والعمل المجتمعي، والوضع الاقتصادي السيء يصب في مصلحة أعدائك، فعليك أن تشتغل دواماً إضافياً وعليك ألا تفكر بالسياسة، لم يكن ذلك مصادفة وإنما نتيجةّ لتخطيط وتفكير من النظام.
*نهاية الجزء الأول من الحوار. في الجزء الثاني يتحدث أبو علي صالح عن معاينته المباشرة لأحداث محورية في مسار الانتفاضة السورية، كالمظاهرات التي شهدتها مدينته، حمص، والتحريض الطائفي، واعتصام الساحة، وظروف اعتقاله على خلفية نشاطه ومعارضته للنظام السوري.
بواسطة Rana Al Abdullah | يونيو 4, 2019 | Reports, غير مصنف
يجتمع أفراد عائلة الحاج محمود، وهو من قرية الباره، في سفح أرض خضراء مزيّنة بالأزهار البريّة المنوّعة في جبل الزاوية بريف إدلب، فيما يطلقون عليه “السيباني أو السيران” وهي الرحلات للطبيعة التي تأتي مع دفء فصل الربيع.
وكما عائلة الحاج محمود تتجاهل العديد من العائلات الإدلبية الباحثة عن الراحة والاستجمام في الطبيعة، أصوات الطائرات الحربية التي تخترق أجواء المنطقة لتزرع الموت، إذ أصبحت الطبيعة المحليّة والبحيرات والمنتزهات البسيطة هي المنفذ الوحيد للسياحة والتنزه لسكان مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، بسبب صعوبة سفرهم للمناطق الجبلية والساحلية الواقعة تحت سيطرة النظام، إضافة للوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي تعاني منه أغلب العائلات.
يقول الحاج محمود (60 عاماً) “تفرض الطبيعة هنا على المرء -مهما كانت ظروفه- أن يخرج ليستمتع بجمالها، وهي المُسكّن الوحيد لينسى مايعيشه من واقعنا المؤلم”. من جهته يروي مناف وهو الاابن الأكبر للحاج محمود كيف ذهبت العديد من العائلات للتنزه في الجبل المجاور لكفرنبل بريف إدلب الجنوبي في اليوم التالي تماماً لمجزرة راح ضحيتها ٢٠ شخصاً في كفرنبل بريف إدلب الجنوبي الشهر الماضي، إثر استهداف القوات السورية للسوق الرئيسي للمدينة بعدة صواريخ، إلا أن هذا لم يمنع الأهالي من التنزه بعد الانتهاء من إعمال الدفن، مضيفاً “حياتنا مستمرة بالرغم من المآسي، والحي أبقى من الميت”.
من الوجهات السياحية أيضاً في ريف ادلب البارة وسرجيلا وهي من الآثار الرومانية القديمة التي ماتزال موجودة في جبل الزاوية. مفيد الأحمد وهو من أهالي المنطقة يشير إلى أن آلاف الزائرين والسوّاح كانوا يزورون هذه المعالم الأثرية من مختلف دول العالم وأروبا قبل اندلاع الحرب، فتاريخ هذه المنطقة يعود إلى العصور البيزنطية والرومانية ما قبل الميلاد، وهي وتضم عددا من المدافن والأديرة كدير سوباط و قلاعاً مثل قلعة أبو سفيان… وقد اتخذ بعض النازحين من هذه المباني سكناً مؤقتاً بعد أن بنوا فوقها أسقفاً اسمنتية أو بلاستيكية وخيماً.
وإلى جانب الطبيعة ومنتزهاتها والأوابد الأثرية، تم إنشاء العديد من ملاعب كرة القدم في ظل الثورة والحرب وحدائق الألعاب للأطفال في البلدات الكبيرة مثل كفرنبل، ويقول مسؤول المجلس المحلي فيها مرعي (41عاماً): “لا يولي المجلس اهتماماً لإنشاء المتنزهات أو الملاعب، لوجود أولويات أكثر ضرورة في ظل الحرب، خاصة في ظل انتشار الفقر والعوز بين السكان، لكن هناك بعض المبادرات الفردية لبناء ملاعب لكرة القدم من قبل أشخاص ميسورين، كالملعب الذي بناه اسماعيل محمد الرحال غرب كفرنبل و الملعب الذي بناه المرحوم رائد الفارس أيضا في نفس المدينة بمساعدة منظمة URB.”
وفي معرة النعمان التي تتعرض للقصف بشكل شبه دائم، يخرج أهلها أغلب وقتهم في الربيع للمزارع والأراضي الزراعية المحيطة للتنزه، وعن هذا يقول الحاج معتصم الفرا وهو من أبناء المدينة ” قام المجلس المحلي بإصلاح الحديقة الوحيدة فيها بعد أن أفسدها القصف وبناء منتزهين آخرين، ولكن الناس يفضلون الخروج إلى خارج المدينة للاستمتاع بالطبيعة بحرية وبدون خوف من القصف”. أما في إدلب المدينة، فيشكل كورنيش المدينة (المحلق) وجهة رئيسية للتنزه، إضافة للمزارع الخاصة القريبة، وذلك رغم وجود بعض الحدائق وإعادة تأهيلها من قبل المنظمات المحلية كمنظمة بنفسج.
يقول مسؤول قسم ترميم المرافق العامة في منظمة بنفسج ياسر (35 عاماً) بأن المنظمة قامت بإعادة تأهيل حديقة المثلثة وإنشاء بعض الألعاب فيها للأطفال، كما رممت بعض الألعاب في حديقة الماظة والمشتلو ومع ذلك يؤكد أن تلك الحدائق ما زالت بحاجة إلى عناية أكثر حيث تعاني من نقص في خدمات التنظيف ، خاصة بعد استخدامها من قبل الأهالي لوضع المولدات الكهربائية فيها.
وقد وجدت بعض العائلات حلولاً أخرى للاستجمام كالعم بهيج، وهو من سكان إدلب المدينة، حيث يعمد إلى استئجار مسبح خاص في المزارع القريبة، يقضي فيه مع عائلته بعض الوقت بعيداً عن المدينة.
يقول بهيج: “القصف على المدينة مستمر دائما، ولكنا تأقلمنا معه، فلم نعد نخاف كالسابق وزاد إيماننا بقضاء الله وقدره “. أما الشاب شاهين من قرية معرة حرمه (26عاماً) في ريف إدلب الجنوبي فهو يفضل الذهاب إلى النهر البارد وعين الزرقا في شمال إدلب مع رفاقه ليقضوا أوقاتاً سعيدةً ، يقول شاهين : ” لن تحرمنا الحرب من أن نستمتع بحياتنا وبطبيعة بلادنا الجميلة، فحتى لو حرمنا من الذهاب إلى البحر للسياحة ، لدينا بحيرات جميلة هنا نستطيع السباحة فيها كبحيرة رام الجوخي غرب قريتي معرة حرمة3 كم والعين الزرقاء في دركوش في ريف إدلب الشمالي والنهر البارد بالقرب من جسر الشغور”.
لطلاب وطالبات الجامعة أيضاً رحلات دورية لهذه المناطق يقومون بها بشكل منفرد أو ضمن النشاطات الجامعية، زاهر طالب هندسة ميكانيك يدرس بجامعة إدلب، يوضح أن هذه الرحلات مجانية وترفيهية تمولها إدارة الجامعة من مكتب الطلبة بدعم من منظمات متبرعة في المنطقة مثل منظمة منار السبيل ومنظمات تركية أيضاً.
هذا ولاتزال صالات الأفراح عامرة بحفلات الخطوبة والزواج في المدينة والريف الإدلبي برغم الجنازات والمآتم العديدة، أم جميل خطبت لولدها الثاني وحددت العائلة ثالث أيام عيد الفطر يوم زفافه، بعد عام ونصف على مقتل ولدها البكر جميل ولكنها تؤمن بأن الحياة سوف تستمر بحزنها وفرحها، تقول “لقد أصر ولدي على أن يستأجر صالة للأفراح يوم خطبته مع عدم الاستغناء عن مراسم الاحتفال من طرب ومرح”.
بواسطة لامار اركندي | مايو 28, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
عبر سواتر ترابية متعرجة بناها الجيش العراقي، عبرت قوافل الإيزيديين الناجين من تنظيم داعش من نقطة الخاتونية على الحدود السورية إلى “منفذ الفاو” غير الرسمي على الجانب العراقي، بعد أسابيع من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على بلدة الباغوز وطرد التنظيم المتطرف من شرقي دير الزور. تستغرق رحلة الهاربين ساعات عدّة يسيرون فيها تحت هدير طائرات التحالف الجوي، محاولين تفادي الإصابة بالطلقات النارية والشظايا والألغام في مغامرة الهروب من جحيم المعارك الدائرة في آخر جيب للتنظيم في منطقة وادي الفرات.
يتحمل كثيرون في اليوم الواحد مشقة هذا الطريق الذي تزداد صعوبته على الجرحى والمصابين، ففي السابع من شهر آذار فقط اضطرت 27 امرأة وطفل للوصول للفاو سالكين الطريق الوعر المؤدي إلى الجانب العراقي مشياً على الاقدام، وذلك بعد رفض الحكومة العراقية إدخالهم في سيارات خصصها البيت الإيزيدي في مدينة عامودا، أما بقية الرحلة فتتضمن وصولهم إلى أقرب نقطة للمعبر، حيث ينتظرهم من تبقى لهم من عوائلهم ليتوجهوا بعدها إلى ” خانصور” شرق شنكال ومنها الى مخيمات النزوح في مدينة دهوك بكردستان العراق.
وتغلق الحكومة العراقية المنفذ الحدودي الوحيد لعبور الناجين الإيزديين بين وقت وآخر، مانعة الضحايا الهاربين من العودة لبلادهم، وهوماوصفه زياد رستم المتحدث باسم البيت الإيزيدي ”بالموقف المخيب للآمال والمخزي“ مشيراً إلى أن الجانب العراقي رفض استقبال مواطنيه الإيزديين وأجبرهم على العودة للبيت الإيزدي، إلى أن تسمح إدارة الساتر بمرورهم كما حصل أواخر آذار/مارس الماضي.
وكشف رستم عن تسليمهم 129 مختطفاً إيزيدياً لمجلس شنكال، ليصبح عدد المختطفين الإيزيدين المحررين 327 منذ إطلاق سوريا الديمقراطية حملتها العسكرية ”عاصفة الجزيرة“ في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بدعم جوي ولوجستي من التحالف الدولي بهدف طرد تنظيم الدولة من مناطق سيطرته بريف مدينة البوكمال الواقعة علي الحدود السورية العراقية.
وكان التنظيم الإرهابي اجتاح منطقة شنكال الجبلية الواقعة شمال غرب العراق وهي الموطن الأصلي للإيزديين، وارتكب بحقهم مجزرة راح ضحيتها الآلاف حيث أعلن “المجلس الإيزيدي الأعلى” في آب/أغسطس عام 2016، عن مقتل 10 آلاف شخص واغتصاب 6 آلاف امرأة وفتاة في سوريا والعراق على يد التنظيم، فيما تم تجنيد الصبيان الذين تجاوزوا سن السابعة للقتال كجزء من داعش تحت اسم “أشبال الخلافة“.
وكشف مكتب إنقاذ المخطوفين عن تحرير ٣٤٥١ إيزيديا فيما يزال مصير 2966 آخرين مجهولاً حتى الآن.
المختطفون الإيزديون في مناطق المعارضة
وتحدث الناشط الإيزيدي علي الخانصوري عن نقل مسلحين منشقين عن داعش لعشرات النساء والأطفال الإيزديين الى مناطق المعارضة السورية، لبيعهم في أسواق النخاسة في الشمال وحتى إلى تركيا بمبالغ طائلة.
و غالبية المنشقين من التنظيم هم عراقيون وتركمان من مناطق الموصل والفلوجة ممن انضموا للتنظيمات المتشددة، وفي مقدمتها جبهة النصرة وأحرار الشرقية وأحرار الشام بحسب الخنصوري.
وقال الناشط الإيزيدي المنحدر من شنكال “تم تحرير عدد من النساء والأطفال الإيزديين من إدلب وجرابلس والباب، إذ يتخذ التنظيم من المختطفين دروعاً بشرية كما حصل في معارك الباغوز وقتله لخمسين إيزدية، كما جند داعش الأطفال الذكور في معسكرات أشبال الخلافة وأجبرهم على القتال إلى جانبه في الجبهات فقتل العديد منهم، كما أجبر الباقين على تنفيذ عمليات انتحارية ضد من اعتبرهم التنظيم من أعداء الدولة“.
وعن الأطفال الإيزيدين العائدين، يشير الخانصوري إلى أن غالبيتهم نسوا لغتهم الأم ” الكرمانجية ” وأصبحوا يتقنون لغة من استعبدهم من الدواعش، فبعضهم يتحدث الإنكليزية أو الفرنسية والتركية إضافة الى اللهجات العربية المختلفة كالتونسية والسورية والمصرية.
السعوديون هم الأنشط في سوق النخاسة
تصدر السعوديون قائمة الرجال المشترين للإيزديات في ”دولة الخلافة“، إذ ”لا يكتفي المجاهد السعودي بشراء إيزدية واحدة او اثنتين، فغالبا كان يبيعهن، حين يمل منهن ليعود ليشتري أخريات“، بحسب أبو شجاع دنايي، وهو من المناضلين المعروفين في المنطقة بإنقاذ الإيزديين فيما يحل الليبيون والتونسيون في الدرجة الثانية، ليأتي بعدهم المصريون والمهاجرون القادمون من أوربا الشرقية وأمريكا وفرنسا وروسيا والصين.
ويشير أبو شجاع إلى أن أرقام الشراء تجاوزت آلاف الدولارات لا سيما للعذراوات والصغيرات في السن، وكانت صورهن تعرض وهن شبه عاريات في أسواق النخاسة التي غالبا ما كانت إلكترونية وعبر تطبيقات الواتس اب والتليغرام وغيرها، وأضاف :” الجميلات كن يهدين للأمراء في التنظيم، ومن خلال دخولنا لتلك الأسواق كنا نشتري بمبالغ طائلة بناتنا ونساءنا وأطفالنا لتحريرهم من نير الاستعباد الذي تعرضن له“.
ويشير جاسم محمد الباحث في قضايا الإرهاب إلى أن النساء احتليّن جزءاً بارزاً من اهتمام الجماعات الجهادية كداعش والقاعدة، إذ تم استغلالهن بصورة سلبية وبشعة، ”فهن مادة أساسية في خطابه الإعلامي، وفي كل مرة يضع داعش تحرير النساء شرطا في تبادل الرهائن لاستقطاب مزيد من الأنصار والمقاتلين، وهذا يمثل استراتيجية التنظيم بهدف إحداث تغيير ديموغرافي وخرق النسيج الاجتماعي وتهجين المنطقة وتصنيفها على أساس الدين والمذهب، كما حدث في شنكال عقب اجتياحه لمدينة الموصل في يوينو 2014″.
ندوب نفسية
أدت هذه الأهوال التي عاشتها الإيزيديات الناجيات لإصابتهن بمشاكل جسدية ونفسية حادّة كالصدمة والاكتئاب الحاد إلى درجة الشروع بالانتحار، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية الذي نشر في 23 ديسمبر 2014 حتى إن بعضهن حاولن الانتحار خلال وجودهن في مركز طبي بمدينة دهوك بإقليم كردستان العراق المخصص لرعاية الناجيات من داعش.
مديرة المركز نغم نوزت وصفت لمصادر إعلامية حالة الناجيات بالـ“صعبة” بسبب ظروفهن المعيشية في مخيمات النازحين والتي لا تساعد على تحسنهن وتجاوز الأزمة النفسية التي لحقت بهن جراء ما تعرضن له من قبل مقاتلي داعش.
وأصدرت الأمم المتحدة تقريراً في حزيران/ يونيو 2017 أشارت فيه إلى أن تنظيم داعش “يسعى إلى محو الإيزيدين من خلال عمليات القتل والاستعباد والعبودية الجنسية والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة“.
وفي منتصف آذار/مارس الماضي تم الكشف عن 71 مقبرة جماعية في قضاء شنكال تعود لضحايا إيزيديين قتلهم تنظيم داعش إبان سيطرته على المدينة عام 2014.
وحضر مراسيم كشف هذه المقابر مسؤولون من الأمم المتحدة وممثلون عن الحكومة العراقية، وحكومة إقليم كوردستان، فضلاً عن حضور المئات من ذوي الضحايا، وانتشل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد) رفات الضحايا في قرية كوجو التابعة لمدينة شنكال (سنجار).
وقالت بعثة الأمم المتحدة في العراق ‹يونامي› في بيانها “:تشير الدلائل إلى أن المئات من سكان كوجو – رجال وفتيان بسن المراهقة ونساء ينظر إليهن ممن فاتهن سن الإنجاب – قُتلوا على يد مقاتلي داعش في شهر أب/أغسطس عام 2014، بينما تم اختطاف أكثر من 700 امرأة وطفل“.
ديانة توحيدية
ويقدر عدد الإيزيديين في العالم بأكثر من مليون إيزيدي يعيش حوالي 550 ألف منهم في العراق، حسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيما يتوزع الباقون في سوريا وإيران وتركيا وأرمينيا وجورجيا وأذربيجان وأوربا، ويعتبر معبد لالش نوراني في كردستان العراق من أقدس الأماكن لديهم.
ويرجع الباحث في الشؤون الإيزيدية سالم الرشيداني تاريخ الديانة الإيزيدية، إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ”فهي واحدة من أقدم ديانات الشرق القديمة مشيراً إلى أن الإيزديين أول من عبدوا الله. ” بحسب قوله
وأتباع الديانة الإيزيدية– موحدون يواجهون الشمس في صلواتهم، ويؤمنون بأنه لا صلة بين المخلوق والخالق، لذلك لا يؤمنون بالأنبياء، وليس لهم نبيّ مُتّبع مثلما في الديانات الإبراهيمية، لكنهم يؤمنون في تناسخ الأرواح وأن الروح أزلية لا تموت ولا تتلاشى وإنما تنتقل بين الأجيال المتعاقبة، كما أنهم يُقدّسون المتصوفة، وتعتبر عين زمزم في لالش نوراني من الأماكن المقدسة لديهم، ويصوم الإيزيديون أربعين يوما في السنة بدايةً من شهر يناير/كانون الثاني .
بواسطة Ibrahim Hamidi | مايو 23, 2019 | Reports, غير مصنف
أظهرت وثيقة أميركية لـ«استراتيجية جديدة» تحول سوريا إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي خصوصاً ما يتعلق بـ«تقليص» نفوذ إيران والتجاذب الأميركي – الروسي، مع تراجع البحث الجدي عن حل سياسي وفق صيغته السابقة القائمة على «الانتقال السياسي» أو «تلبية تطلعات الشعب السوري».
وإذ يواصل المبعوث الدولي غير بيدرسن مساعيه لإبقاء عجلة البحث عن تسوية سياسية من بوابة مسار جنيف عبر تشكيل لجنة دستورية والاتفاق على قواعد العمل وتقديم مقاربة شاملة لتنفيذ القرار 2254، فما زال اعتقاد اللاعبين الدوليين والإقليميين بضرورة ترك المسار السياسي حياً إلى حين نضوج المحاصصة الخارجية في المسرح السوري المرتبط أصلاً بعلاقات استراتيجية أكبر بين اللاعبين. وحاول بيدرسن البناء على ذلك عبر اقتراح تشكيل منصة جديدة تجمع «ضامني آستانة» (روسيا وإيران وتركيا) مع «المجموعة الصغيرة» التي تضم أميركا وبريطانيا وفرنسا ودولا عربية بعد إضافة الصين، لكنه صدم بالتوتر بين أميركا وإيران.
كان لافتاً أن رسالة رفعها 400 عضو (من أصل 535 عضوا) من مجلس النواب والشيوخ «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» إلى الرئيس دونالد ترمب لإقرار «استراتيجية جديدة» حول سوريا تبين مدى تراجع الاهتمام بالشأن الداخلي السوري، بل إن الرسالة التي تقع في ثلاث صفحات خلت من أي إشارة إلى القرار 2254 أو الحل السياسي. وجاء في الرسالة: «يتسم الصراع السوري بدرجة كبيرة من التعقيد، كما أن الحلول المحتملة المطروحة لا تتسم بالمثالية، ما يبقي خيارنا الوحيد هو تعزيز السياسات التي من شأنها الحد من التهديدات المتصاعدة ضد مصالح الولايات المتحدة، وإسرائيل، والأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي في المنطقة، وتتطلب هذه الاستراتيجية توافر القيادة الأميركية الحازمة… مع التهديدات التي يجابهها بعض من أوثق حلفائنا في المنطقة».
أربعة تهديدات
ما التهديدات الآتية من سوريا بحسب رسالة غالبية أعضاء الكونغرس؟
أولاً، الإرهاب، جاء في الرسالة أن «جيوب المساحات غير الخاضعة لحكومة من الحكومات سمحت لكثير من الجماعات الإرهابية، مثل (داعش) و(القاعدة) وما يتفرع عنهما من جماعات أخرى، بالاحتفاظ بأجزاء من الأراضي السورية تحت سيطرتهم». ورغم أن الهدف المعلن الرئيسي لعناصر هذه التنظيمات هو القتال داخل سوريا، فإنهم «يحافظون على قدراتهم وإرادتهم للتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية المروعة ضد الأهداف الغربية، وضد حلفائنا وشركائنا، وضد الولايات المتحدة الأميركية نفسها».
ثانياً؛ إيران، إذ أشار المشرعون إلى أن منطقة الشرق الأوسط «تشهد زعزعة لاستقرارها وأمنها بسبب تصرفات النظام الإيراني الباعثة على التهديد. حيث تعمل إيران في سوريا جاهدة على إقامة وجود عسكري دائم من شأنه أن يهدد حلفاءنا في المنطقة»، إضافة إلى «استمرار إيران في برنامجها الهادف إلى إقامة طريق سريعة مباشرة من إيران (عبر سوريا والعراق) حتى لبنان. ومن شأن تلك الطريق أن تسهل على إيران إمداد (حزب الله) اللبناني، وغيره من الميليشيات الموالية لإيران، بالأسلحة والذخائر الفتاكة». كما أشارت إلى أن «النظام الحاكم في طهران يواصل توسيع نفوذه محاولا زعزعة استقرار وأمن دول الجوار لخدمة أغراضه ومصالحه الخاصة».
ثالثاً؛ روسيا، إذ نصت الرسالة على أنها على غرار إيران «تواصل العمل كذلك على تأمين وجودها الدائم في سوريا، لما وراء القاعدة البحرية التي تسيطر عليها في طرطوس. وتمكنت روسيا من تغيير قوس الحرب الأهلية في سوريا على حساب الشعب السوري صاحب الأرض مستعينة في ذلك بالقوات والطائرات الروسية، وبالحماية الدبلوماسية الرامية إلى ضمان بقاء نظام الأسد على رأس السلطة». واعتبرت أن تزويد دمشق بالأسلحة المتطورة مثل منظومة «إس – 300» «يعقد القدرات الإسرائيلية للدفاع عن نفسها ضد الأعمال العدائية المنطلقة من الأراضي السورية، وإن الدور الروسي المزعزع للاستقرار يكمل نظيره الإيراني سواء بسواء – حيث إنه لا يبدو لدى روسيا أي استعداد يذكر لاستبعاد القوات الإيرانية خارج سوريا».
رابعاً؛ «حزب الله»، إذ إنه يشكل، بحسب الرسالة «أبلغ التهديدات على أمن إسرائيل. ووجه (حزب الله)، انطلاقا من لبنان، أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة ضد إسرائيل من الأنواع التي تتميز بالدقة الفائقة والمدى الطويل، الأمر الذي يمنح الحزب القدرة على توجيه الضربات في أي مكان داخل إسرائيل»، إضافة إلى أنه «متهم بقتل خمسة جنود أميركيين في العراق، ويعمل الآن على إنشاء شبكة على الحدود بين إسرائيل وسوريا».
ثلاث خطوات
وبعد تحديدها لـ«التهديدات» الآتية من سوريا، فإن الرسالة «حثت» الرئيس ترمب على تبني «استراتيجية» تتضمن ثلاثة عناصر، هي:
أولاً: «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»، إذ أشارت إلى أنه «نظرا للأوضاع شديدة التقلب في الشرق الأوسط، فلا يزال من الأهمية بمكان التأكيد للصديق والعدو في المنطقة أننا لا نزال ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»، إضافة إلى تنفيذ «مذكرة التفاهم ذات العشر سنوات بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والرامية إلى ضمان وصول إسرائيل إلى الموارد والمواد التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها في وجه التهديدات التي تجابهها على طول حدودها الشمالية».
ثانياً: الضغط على إيران وروسيا في سوريا، واقترحت «الخطة» الأولية على إدارة ترمب «العمل مع حلفائنا وشركائنا لزيادة الضغوط على إيران وروسيا بغية تقييد أنشطتهما المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة» وبين ذلك مواصلة الجهود الاقتصادية والدبلوماسية لـ«مواجهة الدعم الإيراني لـ(حزب الله)، والجماعات الإرهابية الأخرى، فضلا عن الدعم الروسي المباشر لنظام (الرئيس) بشار الأسد الاستبدادي». وتابعت أن التصرفات الأميركية الواضحة والمستدامة «جنبا إلى جنب مع التنسيق المكثف مع الحلفاء والشركاء، من شأنه أن يبعث برسالة قوية ومهمة حول العزم الأميركي ضد الجهات المستفيدة من ضرب الأمن والاستقرار في المنطقة».
ثالثاً: زيادة الضغط على «حزب الله»، عبر التنفيذ الكامل والقوي لقانون منع التمويل الدولي للحزب الصادر عام 2015، ومذكرته التعديلية الصادرة عام 2018، بحسب الرسالة، التي أضافت أن «العقوبات التي تستهدف (حزب الله) ومن يشرفون على تمويله تمكن (واشنطن) من الإقلال من قدراته على تهديد وتحدي إسرائيل والضغط على (قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) (يونيفيل) لتنفيذ تفويض مجلس الأمن الدولي بالتحقيق في والإبلاغ عن الأسلحة والأنفاق التي يُعثر عليها عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل».
عشرة إجراءات
بحسب مصادر دبلوماسية غربية، فإن الخطة التي تتبناها الإدارة الأميركية التنفيذية حالياً، تتضمن عشر خطوات تنفيذية بهدف الوصول إلى «حكم جديد في سوريا بسياسة جديدة مع شعبه ومع جواره»، وتتضمن: أولا، البقاء في شمال شرقي سوريا عبر التنسيق مع دول أوروبية بحيث يكون الانسحاب الأميركي وتقليص عدد الألفي جندي متزامنا مع نشر قوات أوروبية تعوض النقص. ثانيا، منع إيران من ملء الفراغ في شرق نهر الفرات حيث تقيم «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية التي تضم 60 ألف مقاتل بغطاء من التحالف الدولي الذي يضم 79 دولة. ثالثاً، تمديد اتفاق مذكرة «منع الصدام» بين الجيشين الأميركي والروسي في أجواء سوريا. رابعا، دعم الحملة الإسرائيلية في ضرب «مواقع إيران» و«حزب الله» لالتزام «الخطوط الحمر» في سوريا، خامساً، التنسيق الأميركي – الأوروبي في فرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية ومؤسساتها وشخصيات مقربة منها. سادساً، الضغط على الدول العربية لمنع التطبيع الثنائي (بين الدول) والجماعي (عبر الجامعة العربية) مع دمشق. سابعاً، تجميد المساهمة في تمويل إعمار سوريا قبل تحقيق المعايير السابقة (المبادئ ومعالجة التهديدات) وفرض عقوبات على رجال أعمال سوريين منخرطين في مشاريع الأعمار (كما حصل في القائمة الأوروبية الأخيرة، حيث ستصدر قائمة جديدة قريبا). سابعاً، منع إعطاء شرعية إلى الحكومة السورية في المؤسسات الدولية والدول الغربية والعربية. ثامناً، الضغط على الدول المجاورة لسوريا لعدم التعاون مع خطة روسيا لإعادة اللاجئين قبل توفر ظروف عودتهم. تاسعاً، توجيه ضربات مركزة على مواقع حكومية سورية في حال استعمال السلاح الكيماوي، واعتبار الكلور سلاحاً كيماوياً.
*تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Ibrahim Hamidi | مايو 14, 2019 | Reports, غير مصنف
شكل الصراع المسلح «كارثة للأمن الغذائي» للسوريين، إذ يعيش أكثر من 93 في المائة منهم في حالة «فقر وحرمان» بينهم نحو 60 في المائة يعيشون في «حالة فقر مدقع»، ذلك جراء تراكم مجموعة عوامل، بينها مزاوجة «السياسات التسلطية» واستمرار النزاع وصراع الجهات المسلحة على مصادر الغذاء، إذ «استخدم حرمان الناس من الغذاء بشكل ممنهج كأداة من أدوات الحرب من قبل القوى المتنازعة».
وإذ قدرت الخسائر الإجمالية في الاقتصاد السوري بنحو 380 مليار دولار أميركي حتى نهاية عام 2017، استمرت التكاليف المعيشية بالازدياد في ظل تراجع مصادر الدخل وانخفاض الأجور وتراجع فرص العمل، إضافة إلى تضخم وسطي الأسعار أكثر من ثمانية أضعاف خلال الفترة بين 2010 و2017. واستراتيجياً، انخفض إنتاج القمح من أكثر من ثلاثة ملايين طن في 2010 إلى 1.2 مليون في العام الماضي.
جاء ذلك في بحث أجراه «المركز السوري لبحوث السياسات» بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، من المقرر أن تعلن نتائجه اليوم. وأفاد أن الاقتصاد السوري «تعرض لخسائر فادحة تتجاوز 380 مليار، أي نحو سبعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2010. والأكثر خطورة هو خسارة الاقتصاد لرأس المال البشري نتيجة الهجرة أو القتل أو الإصابة، كما تدهور دور المؤسسات التي تنظم العلاقات الاقتصادية لتتمحور حول العنف والإقصاء واستنزاف الموارد والثروات»، علماً بأن تقديرات روسية أشارت إلى أن تكلفة الإعمار تبلغ نحو 400 مليار.
واستهدف بحث «المركز السوري» تحليل الاقتصاد السياسي للأمن الغذائي قبل 2011 وبعد ذلك. ولوحظ أنه رغم تراجع الصراع المسلح مؤخراً في بداية العام الجاري، فإن مقومات العنف مستمرة مع تراكم الخسائر البشرية والمادية والمؤسسية وتفاقم الظلم والاحتياجات الإنسانية، إذ «حول النزاع سوريا إلى بلد يعاني سكانه من أزمة غذائية حادة واستخدم حرمان الناس من الغذاء بشكل ممنهج كأداة من أدوات الحرب من القوى المتنازعة».
وبلغ عدد السكان 19.4 مليون نسمة في عام 2018. حيث شهدت البلاد ارتفاع معدلات الوفيات وتراجع معدلات الخصوبة وموجات لجوء إلى الخارج ليصل عدد اللاجئين المقدر إلى 5.3 مليون نسمة «ما جعل 21 في المائة من السوريين خارج البلاد».
الغذاء وآثار النزاع
ويعتبر القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات في الاقتصاد السوري حيث بلغ وسطي معدل النمو السنوي للقطاع للفترة 1970 – 2010 نحو 3.9 في المائة، مع مساهمة في النمو الكلي بلغت نحو 23 في المائة. وبعدما كان الناتج الزراعي يشكل 32 في المائة من إجمالي الناتج في السبعينات، أصبح يشكل 14في المائة في عام 2010. وأفاد التقرير: «ترافقت سياسات الإقصاء المتزايدة للفلاحين من المشاركة في صناعة القرار، في ظل ضعف التمثيل والمساءلة والفعالية في المؤسسات، مع تبني السياسات النيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) منذ التسعينات التي همشت الزراعة والمزارعين وقلصت الاستثمار العام والدعم، وساهمت في زيادة التفاوت وسوء التوزيع وهدر الموارد، وعززت دور القطاعات الريعية كالعقارات». وأدت السياسات العامة تجاه زيادة الهجرة من الريف إلى الحضر وارتفعت من 43 في المائة من السكان عام 1970 إلى 54 في المائة من السكان عام 2010. وانعكست هذه السياسات في الأجور المتدنية للعاملين في الزراعة بحيث إن «58 في المائة من العاملين في الزراعة يعيشون في حالة فقر شديد إذا اعتمدوا على أجرهم من العمل في الزراعة فقط».
وشكل النزاع «كارثة للأمن الغذائي»، حيث تراجع دليل الأمن الغذائي بنحو 40 في المائة بين عامي 2010 و2018 «لكن الأكثر تراجعاً كان مكون النفاذ، أي حصول الأسر على الغذاء بنحو 46 في المائة، والتي تأثر بحالات الحصار والتهجير القسري والقيود على الانتقال وتراجع القدرة الشرائية ومصادر الدخل».
وبحسب منظمة مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، قُدر عدد السوريين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنحو 6.5 مليون شخص و4 ملايين معرضين لخطر الوقوع في الحالة نفسها، أي ما نسبته 54 في المائة من السكان داخل سوريا.
كما تدهور الناتج المحلي الزراعي. وأفاد التقرير: «رغم تراجع حدة القتال في 2018، فإنها شهدت تدهوراً في الإنتاج الزراعي وخاصة للمحاصيل غير المروية التي تعتمد على الأمطار نتيجة الظروف المناخية غير الملائمة. كما أدى النزاع إلى تدمير هائل ومتفاوت لمقومات الإنتاج البشرية والمؤسسية والمادية والبيئية، فمن ناحية القوة البشرية قتل مئات الآلاف وجرح الملايين وتعرض نحو نصف السكان للتهجير القسري، وتراجعت العمالة الزراعية إلى نحو النصف بين 2010 و2018 وخسر القطاع الكثير من الكوادر المؤهلة».
وتشكل الأراضي القابلة للزراعة نحو 33 في المائة من المساحة الإجمالية البالغة 185 ألف كلم مربع ويعتمد 70 في المائة منها على الأمطار. و90 في المائة من هذه المساحة معدل أمطارها أقل من 300 ملم في السنة، وهو الحد الأدنى اللازم لإكمال المحاصيل الشتوية دورة حياتها.
وخلال النزاع انتشرت التعديات على الأراضي الزراعية بصورة مدمرة وأدت إلى خروج الأراضي الخصبة والأراضي المستصلحة من الاستثمار الزراعي، كما تعرضت مناطق المروج والمراعي ومناطق الغابات والمناطق الحراجية خلال النزاع إلى تعديات كبيرة بالحرق والقطع. كما أدى النزاع إلى تدمير الكثير من أجزاء البنى التحتية في سوريا ومنها البنى الخاصة بقطاع المياه، فقد تعرضت شبكة مياه الشرب للكثير من التدمير والنهب والتخريب، وأدى وقوع المصادر الرئيسية الكبيرة للمياه في المناطق الساخنة إلى عجز كبير في قدرتها على تأمين المياه للسكان. كما توقف العمل في المشاريع الكبرى.
ورغم ذلك، بقي تراجع الإنتاج الزراعي أقل من بقية القطاعات، مما زاد في أهميته النسبية في الناتج المحلي الإجمالي، إذ ارتفعت حصة الزراعة من الناتج من 17 في المائة عام 2010 إلى نحو 31 في المائة في عام 2017. أي أنه «شكل شبكة حماية للكثير من السوريين لتأمين الغذاء والحد الأدنى من الدخل. لكن من الناحية المؤسسية تشكلت عدة منظومات حددت السياسات الزراعية بحسب القوى المسيطرة عسكرياً خلال النزاع».
سياسة الحصار
وتعد سياسة الحصار الأخطر حيث يتم تجويع السكان من خلال «العقوبات الجماعية» حتى الخضوع، بحسب التقرير. وأضاف: «تعرض نحو 2.5 مليون شخص للحصار منذ عام 2015 لغاية عام 2018 ووصلت ذروتها في 2017 حيث خضع نحو 970 ألف شخص للحصار في وقت واحد، في الغوطة ودير الزور وحلب والرستن وغيرها، وتضمن الحصار الحرمان من الحصول على الغذاء والمساعدات الإنسانية وتقييد حركة السكان واستهداف المناطق المحاصرة بمختلف أنواع الأسلحة».عموماً، استمرت التكاليف المعيشية بالازدياد في ظل تراجع مصادر الدخل وانخفاض الأجور وتراجع فرص العمل. وأظهرت ارتفاعاً حاداً في مؤشر أسعار المستهلك والذي وصل في بعض السلع الأساسية إلى أكثر من عشرة أضعاف، قياساً إلى ما قبل النزاع. وساهمت سياسات تقليص دعم السلع الرئيسية مثل المشتقات النفطية والكهرباء وانخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية في قفزات كبيرة في الأسعار. وشكل وسطي الأجر الحقيقي نحو 24 في المائة من الأجر الحقيقي لعام 2010.
وخلال النزاع، تراجع إجمالي العمالة بشكل حاد حيث انخفض معدل الاستخدام من 39 في المائة في 2010 إلى 20.9 في المائة في 2017، ووصل معدل البطالة إلى 52.7 في المائة في عام 2017. وتفاقم الانخراط في اقتصاديات العنف من قتال وتهريب ونهب، مما أدى إلى تحول رأس المال البشري المنتج ليصبح أحد مقومات استمرار العنف.
وأكد التقرير على «الدور الإيجابي لرأس المال الاجتماعي المتمثل بالثقة والشبكات الاجتماعية والقيم المشتركة في الحفاظ على مستويات أعلى للأمن الغذائي، بينما ساهم كل من المؤسسات الإقصائية واقتصاديات العنف في الحرمان من السيادة الغذائية. وبذلك يتطلب إعادة الأمن الغذائي استثماراً في تفكيك اقتصاديات العنف وتعزيز رأس المال الاجتماعي وفعالية وتشاركية المؤسسات».
بواسطة Abdullah Al Hassan | أبريل 30, 2019 | Reports, غير مصنف
مع نهاية عام ٢٠١٨ شهد الشمال السوري بعض التطورات السياسية والعسكرية المؤثرة، بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتغريدة على حسابه الخاص على التويتر أعلن فيها ”قرار انسحاب كامل وسريع“ في ديسمبر/ كانون الأول قال فيها ”بعد انتصارات تاريخية ضد داعش، حان الوقت لإعادة شبابنا إلى الوطن“ معللاً ذلك بهزيمة داعش في العراق وسوريا، وهو الأساس لوجود القوات الأمريكية هناك بحسب قوله، وشكلت هذه التغريدة الدافع الأساسي لتحريك وتيرة المفاوضات بين مسؤولين أكراد مع النظام السوري.
فالقوات الكردية وُضعت أمام خيار المفاوضة مع النظام السوري أو مواجهة غير متكافئة وحيدة مع الجيش التركي وحلفائه من فصائل المعارضة السورية في سيناريو مكرر لما حصل في مدينة عفرين سابقاً.
علما أن جلسات التفاوض المتعددة بينهما لم تصل لأية نتائج ملموسة حتى اللحظة.
وفي يناير/ كانون الثاني ٢٠١٩م دخلت هيئة تحرير الشام منطقة ريف حلب الغربي لتبسط سيطرتها عليها بشكل كامل بعد انسحاب عناصر حركة ”نور الدين الزنكي“ من منطقة نفوذهم الأساسية باتجاه مدينة عفرين، جاء هذا مع اشتباكات متقطعة كانت قد بدأت منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٨ لمناطق ريف حماة الشمالي، مع قصف زادت كثافته باتجاه وسط وجنوب محافظة إدلب، مما أطلق الكثير من الأسئلة والشكوك حول مصير المحافظة ومصير الاتفاق الروسي – التركي الخاص بها والذي نتج عن قمة طهران الأخيرة.
فما هي مصالح اللاعبين الأساسيين في الشمال السوري وأوراق اللعب القوية بيد كل منهم؟.
موسكو كانت تدفع باتجاه استعادة سيطرة الجيش السوري على محافظة إدلب ومحيطها قبل نهاية ٢٠١٨، إلا أن قمة طهران أوقفت العملية العسكرية على محافظة إدلب (انظر مقال بعنوان: مصالح اللاعبين في الشمال السوري)، و حوّلت الأنظار باتجاه منطقة شرق الفرات وذلك بضغط من الجانب التركي ومساندة إيرانية، إذ ترى الأخيرة في بقاء القوات الأمريكية شرق الفرات تهديداً لنقاط عبورها ومصالحها.
ولضمان الأمن القومي التركي (أسوة بما حصل في الجنوب السوري، حين أعادت روسيا إحياء اتفاقية فض الإشتباك في الجولان المحتل بين سوريا وإسرائيل) أعاد الرئيسان الروسي والتركي إحياء ”إتفاقية أضنة“ الأمنية المُوقّعة بين الجانبين السوري والتركي عام ١٩٩٨، وعن هذه الاتفاقية قال الرئيس بوتين “لا تزال قائمة، وبإمكانها مساعدة تركيا على حماية حدودها الجنوبية مع سوريا“.
وما تزال الحكومة التركية ترى في الإبقاء على وضع محافظة إدلب الحالي سبيلاً وحيداً لضمان أمنها القومي المهدد من شرق الفرات، رغم إظهارها نوعاً من المرونة فيما يخص محافظة إدلب أمام الجانب الروسي. ومن مصلحة تركيا أن يُعيد الجيش السوري سيطرته على شرق الفرات، وأن تُدار المؤسسات والمديريات العامة هناك من طرف الحكومة السورية بحسب رؤية النظام السوري لا رغبة الإدارة الذاتية، عندها فقط يكون لإعادة العمل باتفاقية أضنة معنى حقيقي وضامن للأمن القومي التركي، لأن خيارها البديل سيكون الدخول بجيشها إلى تلك المناطق، كما حصل في عمليتي ”درع الفرات“ و “غصن الزيتون“، وهذا مكلف جداً على الصعيد المادي والبشري.
والأهم بالنسبة لها هو ألا يقوم النظام السوري بإعادة تفعيل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD المعروف بارتباطه المباشر مع حزب العمال الكردستاني PKK (كلاهما مُدرَجان على لوائح الإرهاب في تركيا) وإعادة الوضع إلى ما قبل اتفاق أضنة عام ١٩٩٨م مما يضر بتركيا وبأمنها الداخلي.
وبالتالي لن تتنازل الحكومة التركية عن تمسّكها بمحافظة إدلب ودعمها لفصائل المعارضة السورية الموجودة فيها طالما بقي للقوات الكردية أو لحزب الاتحاد الديمقراطي أثر شرق الفرات، لذلك يبقى مصير محافظة إدلب مرهوناً بما يتم إنجازه شرق الفرات.
من جهتها، تدرك الولايات المتحدة الأمريكية بأن بقاء قواتها شمال شرق سوريا يعني خلط أوراق اللاعبين من جديد، وتعطيل الحل الذي تدفع إليه باقي الأطراف، وبالتالي تُبقي خياراتها مفتوحة.
وقد نقل بعض المسؤولين الأكراد بأنها دفعت نحو التوصل إلى حل بين المسؤولين الأكراد مع النظام السوري، وفي الوقت نفسه تبدو محاولاتها للتودد مع تركيا عبر وعود إقامة منطقة آمنة بعمق ١٥٢٠ ميل داخل الأراضي السورية، بحسب ما ذكره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
على صعيد متصل، بدا في الآونة الأخيرة رصد واهتمام إسرائيلي في مناطق الشمال السوري، وهذا ما كشفت عنه الغارة الإسرائيلية على محيط مطار حلب الدولي ومنطقة الشيخ نجار في المنطقة الصناعية بتاريخ ٢٧ مارس/آذار ٢٠١٩م لمواقع مستودعات ذخيرة تابعة للقوات الإيرانية والميليشيا الموالية لها بحسب الرواية الإسرائيلية.
وبهذا بدأت تتصدر فكرة ”أمن إسرائيل“ خطاب واهتمام الساسة الأمريكيين، وذلك عن طريق مراقبة تدفق الأسلحة و الميليشيا الإيرانية عبر الحدود السورية العراقية، لذلك – بحسب ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز – تم تعديل الخطة الأمريكية للانسحاب الكلي من شرق الفرات إلى انسحاب تدريجي وبطيء سيتوقف عند حاجز الـ ٤٠٠ جندي، حيث يتولّى قسم من الجنود المتبقين محاربة النفوذ الإيراني من تمركزهم في في قاعدة ”التنف“ جنوب شرق سوريا، وينضوي مثلهم ضمن قوّة مشتركة في شمال شرق البلاد مع حلفائهم من ”قوات سوريا الديمقراطية“ بحسب الصحيفة ذاتها.
إن قراراً أمريكياً كهذا، سوف يعرقل بشكل واضح مخطط روسيا للحل في سوريا، وسيفرض حلولاً جانبية بين واشنطن وأنقرة لتفعيل فكرة منطقة آمنة داخل الحدود السورية كما اقترح الرئيس ترامب، ولكن هذا في المقابل سوف يعطّل العمل باتفاقية أضنة التي تم تفعيلها مؤخراً بحضور الرئيسين الروسي والتركي، وسوف يضع مصالح الروس والأتراك في سوريا في مواجهة شديدة قد تبدأ من محافظة إدلب ومحيطها، وربما تصل حتى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، ناهيك عن تعطيل مسار أستانة وغيره بين روسيا وتركيا منذ بداية تحالفهما داخل سوريا. كذلك سينسحب هذا على الموقف الإيراني الذي يرى في الترتيب الأمريكي الجديد تهديداً كبيراً لتمركزه في الشمال السوري، أو عبور سلاحه الذي أصبح مرصوداً من قبل القوات الأمريكية ومُهدَّداً بغارات إسرائيلية.
ومن المنطقي أيضاً أن ذلك سوف ينسف حوار المسؤولين الأكراد مع النظام السوري، وبالتالي ستتعطل فكرة إعادة سيطرة النظام السوري على مناطق شرق الفرات، مما يعني بقاء وضع شرق الفرات على ما هو عليه.
كل ذلك قد يحصل في حال قبلت تركيا بالوعود الأمريكية، لتنتقل من لاعب مؤثر وفاعل (عسكرياً وسياسياً) إلى لاعب تابع للمصالح الأمريكية المرهونة بِتغريدة للرئيس ترامب.
في النهاية نجد أن تلك الدول تملك من أوراق تعطيل الحل ما يجعل الوضع السوري مجمّداً، وتضع مصالحها كأولوية على مصالح سوريا والسوريين، وعندما تتعارض مصالح تلك الدول مع بعضها البعض داخل سوريا، فهي لن تُحرّك جيوشها لتتواجه وتتشابك بشكل مباشر، بل سيكون الفاعل هم سوريون بأسلحة غير سورية وأجندة غير وطنية مهما تقاربت مصالح بعض هؤلاء السوريين من مصالح تلك الدول.
وربما سيكون الموقف التركي بمثابة بيضة القبان لترجيح الحل الروسي أو الوعد الأمريكي في الشمال السوري، ذلك إن استثنينا تصوراً يفيد بأن هناك تنسيقاً روسياً – أمريكياً على طول خط الأزمة السورية، يتلاقى كثيراً ويتعارض أحياناً ولكنه لم يخرّب الحل الروسي حتى الآن.
تملك روسيا الصِّلات المناسبة مع جميع اللاعبين والمؤثرين في الداخل السوري، وهي تدير الدفة حتى الآن بنجاح لتحقيق (مرادها)، مع أنها تحمل العبء الأكبر لإرضاء جميع الأطراف، لكنها بنفس الوقت تتجاهل سبب الأزمة الحقيقي في سوريا، وتتغاضى عن مطالب الشعب السوري لأجل العيش بحرية وكرامة.