بواسطة عمر الشيخ | يناير 29, 2019 | Reports
لزيارة موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته يمكن النقر هنا.
إنّ فوضى المنابر الإلكترونية والورقية الّتي تعيش استقطاباً سياسياً راهناً تُحتّم البحث عن متنفس، ولم نجد أفضل من الشّعر حلاً إنسانيّاً للتواصل مع الآخر. فالرعاية الثقافيّة اليوم تدخل في شروط وحسابات ترمي بالكثير من المواهب العربية إلى النهاية إمّا تحت كنف التّدجين الرسمي في بلادهم أو إلى جانب مؤسسة ثقافيّة تفاضل على الأسماء والمحسوبيات لا على نوعيّة ما يقدم من منجز فنّي شعري.
إن عشرات الأسماء الجديدة والأصوات الخجولة في الكتابة الشّعريّة، ما زالت تبحث عن مكان تنمو فيه بهدوء، وما زالت تقف في وجهها عقبات المرحلة من ضجيج بصري، علاقات شخصية وفوضى مواقع التواصل الاجتماعي.
إنّنّا نحلم بمكان نكتب فيه دون افتتاحيّة رئيس تحرير! ودون أبواب تضيّع هويّة الموقع وتجعله يتخبط كما تجارب ثقافيّة كثيرة متشابهة تحوي منتديات همُّها أن تقول كلّ شيء دون الانتباه إلى تنظيم النوعيّة الكتابية التي تنشر وخصوصيتها، ناهيك عن كتابات الفضائح المباشرة والتّوجه إلى خطاب الصحافة الصفراء والأدب المنحول.
إذاً نحن هنا نطلق موقع إلكتروني ثقافي بهويّة شعريّة تماماً، يحمل ملامحاً لمؤسسة صغيرة افتراضياً متخصّصة بنشر الشّعر ودراساته وترجمته واليوميّات النثريّة، نشر النّصوص والصور الفنية واللوحات التشكيلية، وهو محاولة مدنيّة ثقافيّة لاستيعاب حالات إبداعيّة في الكتابة الجديدة، وهنا سوف نتخصص في الشّعر ودراساته ويومياته وترجمته.
نعرف ما مدى صعوبة تحصيل حضور – جمهور لمثل هكذا منبر الآن في قمّة الصراع السّياسي في المنطقة العربيّة، ولكن الحضور لموقع متخصص غير تابع لجهة سياسيّة بهويته وأفكاره ومقترحاته، نعتقد أنه حلم مئات الأصوات الإبداعيّة الجديدة، ونود أن نركز هنا على الأصوات الجديدة وليس على الأصوات الشابّة فقط!
هذا الموقع “أضواء المدينة الشعري” هو امتداد لتجربة كنّا عشناها في سورية بالعاصمة دمشق، مع مجموعة من الأصدقاء وسط منطقة دمشق القديمة منذ عام 2013 حتى أيلول 2015، كانت تجربة خاصة لما فيها من حريّة وسط حرب وقهر ورقابة تتابع كلّ نص يقال على هذا المنبر، كنّا نختار قصائد لشعراء من سورية والعالم وبلغات مختلفة، وعلى مسافة واحدة من الجميع، وكان اسم هذا الملتقى “أضواء المدينة الثقافي” ولعل إيقاع الضوء وصورة المدينة هي ما جعلت صفحة الملتقى في فيسبوك حاضرة حتى الآن ودفعتنا لنفكر أخيراً بمشروع جديد اسمه موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته وترجمته على أمل الوصول إلى مطبوعة ورقية شهرية مختصة بالشعر.
أبواب الموقع:
- ظــــلّ:تبويب نطل فيها على قصائد من تجارب وأجيال مختلفة.
- يوميّات:تبويب نتوقف فيه عند نصوص من الجنس الأدبي المعروف باليوميات الذي يرصد أفكاراً إنسانية يعيشها الكاتب من الحياة اليومية. أو إلتقاطات مختلفة لظواهر تمزج الحياتي بالثقافي.
- شارع الشّعر:تبويب متابعة لأخبار كتب الشعر والدراسات النقدية حولها ما تحت الطبع وما صدر حديثاً وأخبار توقيع الكتب. إضافة إلى حوارات مع شعراء، استعادة تجارب شعرية.
- تحت الضوء: تحقيقات ثقافية يتناول موضوعها قضية ثقافية أولويتها فيما يخص الشعر والتجارب الشعرية بالتناوب مع قضية ثقافية في العمل الإبداعي وطرح أسئلة لحدث ثقافي مثير، إضافة إلى مراجعات في تجارب شعرية مجتمعة لأجيال وبلدان أو قضايا تجمعها أصوات شعرية.
- ضوء من هناك:تبويب متخصص بالترجمة عن لغات أخرى في الشعر والنقد والدراسات الشعرية حصراً.
- فلاش:وهو باب معاصر لصور من الحياة اليومية تركب نصاً قصيراً من خلال مجموعة من الصور الاحترافية مع تعليق شعري لتشكل نصاً مصوراً.
وعبر هذه الأبواب الثابتة سوف نحاول أن نطل على مشهد شعري متنوع متخصص من العالم العربي ومع تطعيم لما يطرح من مشاغل شعرية عبر لغات أخرى.
إضافة إلى هذه الأبواب الثابتة التي ذكرناها سوف يتم وضع نافذة أعلى الموقع إلى جانب (من نحن – اتصل بنا) هي نافذة منح الأضواء: حيث يتضمن هذا الباب أفكار ومشاريع المنح التي يمكن لأضواء المدينة أن تقدمها وترعاها بشراكة مع مؤسسة ثقافية أخرى مثل طباعة كتب الشعر ودراساته وترجمته والمسابقات الداعمة للأصوات الجديدة.
انطلق الموقع يوم الجمعة 25 كانون الثاني\يناير 2019 في عدده الأول على أن يصدر كل أسبوعين مرة.
للمراسلة على البريد:
editor@adwa-almadena.com
رئيس التحرير: عمر الشيخ
المدير المسؤول: سامي أحمد
بواسطة Hadia Al Mansour | يناير 25, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
تعاني الثلاثينية هدى من بكاء طفلها الرضيع المتواصل، والذي لم تستطع معرفة سببه حتى اللحظة، رغم عرضه على معظم أطباء المنطقة. فكل منهم أرجع سبب بكاء الطفل لمرض معين يختلف عن الآخر وصف له دواءً لم يشفه من علتّه الحقيقة التي ماتزال مجهولة للآن.
تصف هدى ما تعاني منه مع رضيعها قائلة “في البداية قصدت طبيباً مختصاً بأمراض الأطفال، فعلل بكاء الطفل لوجود التهاب في أذنيه، إلا أن مضاد الالتهاب الذي وصفه لي لم يشف صغيري، فقصدت طبياً مختصاً بأمراض الأذن والأنف والحنجرة، والذي أكد بدوره بأن ابني لا يعاني من أي التهاب بأذنيه”، طبيب آخر عزا البكاء المستمر لنمو أسنان الطفل، الذي راح ينقص وزنه ويفقد شهيته.
ويشكو العديد من المرضى المصابين بأمراض في مناطق سيطرة المعارضة السورية من قلة الأطباء والأخصائيين، لاسيما الاختصاصات النادرة كالأوعية والقلبية والصدرية، وذلك بسبب وفاة بعض الأطباء بعد استهداف المشافي من قبل طيران نظام الأسد وحلفائه، وهجرة الآخرين أو نزوحهم مما تسبب بنقص كبير في الكفاءات الطبية.
كذلك يعاني أهالي إدلب من ضعف الكوادر الطبية بشكل عام، كالتمريض. تروي لمياء العمر (٣٧ عاماً) ما واجهها من قلة خبرة الممرضات في مشفى الأطفال وتقول “اضطررت لإدخال طفلي البالغ من العمر خمسة أشهر إلى المشفى بسبب مرض التهاب أمعاء مزمن أصابه، وأصبح ابني على على إثره عرضة للجفاف، ولذا توجب إعطاء الطفل سيروم وريدي، إلا أن الممرضات لم يستطعن إيجاد وريد الطفل”، وتتابع بحزن “خرجت الممرضات من غرفة الإسعاف معلنات عجزهن، بعد أن غرزوا الإبر في كل قطعة من جسد طفلي، فساءت حالته واختفى صوته من البكاء الشديد، الناجم عن ألم الإبر من جهة ومرضه الأساسي من جهة أخرى”.
وأدى غياب الخريجين والدارسين إضافة للواسطات والمحسوبيات لتوظيف كوادر غير مؤهلة في المشافي لا يملكون أية خبرات، مما أدى في كثير من الأحيان إلى بطء العمل الإسعافي، والارتباك في الأزمات وضياع الوقت والجهد. كذلك يشكو العديد من مراجعي المشافي والمراكز الطبية، من الطريقة الفوقية التي تتعامل فيها الكوادر الطبية مع المرضى والمراجعين، وهو “ما أفقد عدداً من المشافي صبغتها الإنسانية” بحسب وصفهم.
الطبيب حسام طعمة (٤٨عاماً) بدوره يعتبر أن الوضع الصحي في إدلب وريفها ضعف جداً بسبب النقص في الاختصاصات وضعف التنسيق بين المراكز الطبية، بالإضافة لنقص بعض الأدوية، مبيناً أن المشاكل التي تواجه القطاع الطبي هي قلة الخبرات بالدرجة الأولى، إذ أن أغلب المشافي مجهزة لاستقبال حالات معينة كالجراحة العامة والعظمية ، و٩٠ بالمائة من المشافي تحوي على هذين الاختصاصين فقط، في حين تندر فيها بقية الاختصاصات كالهضمية والوعائية والعصبية.
ونظراً لقلة الاختصاصات والخبرات، وتحكيم المحسوبيات، ونقص الأدوية الهامة مثل الألبومين والبروتين والأنسولين، فقد اتجه معظم الأهالي للاعتماد على طب الأعشاب البديل الأكثر انتشارا والأقل تكلفة. علي شردوب (٣٥ عاما) من معرة النعمان وهو أب لستة أبناء يقول “في فصل الشتاء يقل العمل وتكثر الأمراض، وأسعار الأدوية في الصيدليات مرتفعة لا تتناسب مع دخلنا المحدود، لذلك لجأت لطب الأعشاب لأداوي أولادي من الأنفلونزا والسعال والالتهابات وغيرها من الأمراض”. من جهتها الأربعينية أمية علوان تثق جداً بما أسمته الطب الشعبي لأنه “إن لم ينفع المريض فلن يضره ” بحسب وصفها، ورغم أنها لم تصب بمرض خطير، إلا أنها ترى أن وصفات الأعشاب “دائما تنجح وهي مفيدة للزكام والروماتيزم وآلام الأذن والعين و الرأس”.
لكن الطبيب حاتم عطا يعارض ما تقوله أمية، ويقول إن اعتبار الأعشاب “لا تضر إن لم تنفع” هو خطأ شائع، ويقول “يمكن أن يفوق ضرر بعض الأعشاب الأدوية الكيميائية، ولهذا فلا يجب التقليل من خطورة الاستعمالات الخاطئة للأعشاب وغيرها، لأنها قد تؤدي إلى مضاعفات لا يمكن تداركها، والمسؤولية في ذلك تقع على المريض أحيانا لأنه لا يتابع وصايا الطبيب كما ينبغي من حيث اتباع المقادير المحددة في أوقاتها المحددة، أو على عاتق الطبيب الذي لايعرف شيئا عن خصائص بعض النباتات ورغم ذلك فهو يصفها للمرضى الذين وثقوا به”. وهذا ما حدث مع الحاجة صبحية التي ازدادت حالتها الصحية سوءاً بعد تناولها لنبتة الدفلة، التي وصفت لها كعلاج مخفض لمستوى السكر في الدم، فكان أن عادت لاستخدام الأدوية الكيميائية والتي لم تكن متوفرة مما استدعى جلبها من تركيا وبمبلغ كبير .
بينما تؤيد سعاد الحسن طب الأعشاب وبحماس كبير كونها استفادت منه في علاج مرضها الجلدي، والذي عجزت عن علاجه كافة الوصفات والأدوية الكيميائية، تقول الحسن” بعد يأسي من الشفاء لجأت وكحل أخير لأحد العطارين، والذي وصف لي خلطة أعشاب شفيت على إثرها تماما، رغم أن مدة العلاج طالت قليلا، ولكنني تخلصت من آثار المرض، وعدت بفضل طب الأعشاب لحياتي الطبيعية بعد أن كنت منزوية ومحرجة من مرضي، ولذا فطب الأعشاب برأيي هو الأجدى”.
ويرى الطبيب العطا أن من واجب كل من يدخل ميدان طب الأعشاب أن يكون دقيقا في حفظ النباتات ومعرفتها بأسمائها العلمية، وكيفية تناولها ودواعي استعمالها، و”إلا فإنه سوف يقع في أخطاء قد تؤدي إلى موت المريض وفي ذلك مسؤولية عظيمة” بحسب تعبيره.
بواسطة سلوى زكزك | يناير 21, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
أضواء زينة أعياد الميلاد تملأ فضاء الحي حيث يقع مشفى خاص ذائع الصيت في دمشق، وفي داخله أشجار ميلاد مزينة وعمال يتوافدون لتهنئة إدارة المشفى وتقبّل الهدايا، في أجواء احتفالية لا يعطلها حضور المرضى المتعبين مع أوجاعهم ومرافقيهم.
وقد شهدت المشافي الخاصة زيادة في عدد روادها بعد الحرب، العديد منهم لا يدفعون تكاليفها بنفسهم وإنما يتكلون على مساعدة الجمعيات الأهلية، إذ أصبح الاستطباب على حساب هذه الجمعيات الآن وضعاً طبيعياً ومكرراً، بعد أن كان سابقاً علامة نقص وإشارة لأن متلقي تلك المساعدة فقير وغير قادر على دفع نفقات علاجه بنفسه. وتشمل هذه المساعدات الطبية العلاج والعمليات الجراحية، وقيمة الوصفات الطبية، وخاصة للأدوية اليومية والاعتيادية التي توصف لعلاج أمراض كالقلب والسكري والأمراض العصبية وغيرها.
وأما أسباب تحول المساعدات الطبية المطلوبة من الجمعيات الخيرية أو من لجان الكنائس فأمر طبيعي ومتواتر فهي: بسبب عجز المشافي الحكومية عن تأمين خدمات العلاج للعدد الكبير من المرضى، ولانشغالها بمعالجة جرحى الجيش أو الحوادث الإسعافية الناجمة عن تفاصيل الحرب الدائرة، وثانياً بسبب الارتفاع المضاعف لتعرفة أي إجراء طبي، حتى لوكان يقتصر على شراء حبوب مسكنة لوجع الرأس أو مرهم خاص بترطيب الأنف.
وقد تضاعفت قيمة نفقات العلاج لأكثر من عشرة أضعاف، في ظل حالة فقر شبه عامة وعجز في القدرة الشرائية وفقدان السيولة. يضاف إلى ماسبق ازدياد الحاجة للخدمات الطبية، نظراً لازدياد الأمراض في ظل انعدام أسس الوقاية والحماية، وكثرة التعرض للأسباب الممرضة، ونقص الخدمات، وزيادة الشدات النفسية والخوف والتهجير والوحدة، وانعدام الأمن الشخصي والعام والغذائي والدوائي والوقائي.
ويبدو التعامل سهلاً وسلساً مع الحالات المرسلة أو المتكفلة من قبل الجمعيات، فطلبٌ محددٌ من المريض مؤكد برأي الطبيب المعالج، يليه موافقة، فتمرير للمحاسبة، ثم موعد وتنفيذ للمداخلة الطبية المطلوبة. لكن اللافت في مشهد المشفى هو الانفراط الواضح للعقد الاجتماعي لحالة المرافقة إلى المشافي، وفقاً للتقليد المتعارف عليه والثابت حضوراً وتعاملاً وتكيفاً.
رجلٌ مع زوجته التي قدمت للولادة، زوجة مع زوجها المقيم في جناح كبير للرجال الذين أجروا عمليات جراحية مختلفة، شاب لم يتجاوز الثالثة عشرة يسند جده العاجز عن تحريك ظهره، جارة مع جارتها العجوز المصابة بحالة ارتفاع بالسكر، صديقة مع إحدى الصديقات التي ستخضع لتنظير هضمي.
أما قبل الحرب، فقد كانت حالات الولادة تشهد حضور العائلة الكبيرة مع الأم المستقبلية ماعدا الزوج، أم الولاّدة وأم الزوج والشقيقة وشقيقة الزوج والعمة الأكبر و..، والزوج آخر القادمين كي لا يستمع لأنين زوجته وصراخها، وكي لا يرى تفاصيل الولادة التي تعتبر طقساً نسائياً خالصاً. اليوم شاب ثلاثيني برفقة زوجته الولاّدة، تتأبط ذراعه ويحمل حقيبة الطفل ومتاع زوجته وينتظران قدوم الطبيب الموّلد، يبدو أنهما غريبان عن المكان، أو أنهما من مدينة بعيدة، وربما بقي أهلهما في الريف البعيد، وتشتت أوصال العائلة ليسكن الزوجان هنا معاً بعيدين عن الجميع، بدافع العمل أو الالتحاق بخدمة محددة. فرض هذا الواقع أن يكون الزوج وحده معها، وربما قد قام ببعض التجارب المسبقة لكيفية تغسيل الطفل لوحده، وكيفية العناية به في أيامه الأولى حيث تكون الأم غير قادرة على ذلك، المهم أنهما حالة تخالف كل التقاليد العائلية التي كانت تحصل وقت الولادة.
تقول سيدة لأخرى قدمت مع زوجها “سيعيقك حجابك أثناء إجرائك لتنظير المعدة”، خاصة وأن حجابها مفروش على كامل صدرها ومثبت بدبابيس من الجهتين تشد على ذقنها ورقبتها، تتحفظ وتحافظ على صمتها. لكن الزوج يرد: “لا مشكلة، أصلاً أنا أعرف أن من سيجري التنظير هو طبيب،” ويكمل “أفترض أن خطراّ مسها وأسعفوها حتى دون حجاب، حينها لا ذنب لها، ولا ثمن تسدده جراء وضع إسعافي خاص.” ترتاح قسماتها وباللاشعور تبدأ بإزالة تلك الدبابيس الواخزة والمقيدة.
***
يطلب رجلٌ موجوع المساعدة من موظف في المشفى قائلاً له: “هات يدك أسندني” فمن يقوده هو حفيده البالغ ثلاثة عشر عاما فقط، وهو غير قادر على التحكم بجسد جده الضخم. دونما سؤال يتلو الرجل قصته: “الرجال إما في الجيش أو خارج البلاد” نسمع غصته النافرة من صدره. سيدة متقدمة في العمر تقول: “حسبنا حساب كل شيء في حياتنا إلا رحيل الرجال.”
في المشهد أيضاً شباب “هلاليون”، أي مجموعة إسعاف من طاقم الهلال الأحمر، يحملون النقالة الإسعافية متجهين نحو سيارتهم بعد أن قاموا بنقل سيدة متقدمة في العمر ووحيدة تعاني من ضيق حاد بالتنفس ومن فقدان جزئي للتوازن. تحتفظ العجوز برقم طوارئ الهلال الأحمر على جوالها، كما تمنحه الرقم واحد في ترتيب الأرقام الخاصة المدونة كميزة للاتصال المباشر السريع دون كتابة الأرقام في ذاكرة الهاتف الأرضي. وحيدة هي والإسعاف مشغول وسياراته قليلة العدد، لا تلبي الحاجة المتزايدة والفورية .
تسأل سيدة عن عنوان مخبر التشريح المرضي الذي كتبه الطبيب الجراح على ورقة خاصة، لتأخذ إليه العينة التشريحية لفحصها بعد استئصالها من قدم ابنتها، وتقول: “سأترك ابنتي لوحدها ريثما أذهب إلى المخبر وأعود”. فتتطوع سيدة بنقل العينة إلى المخبر، لكن الأم ترفض و تقول وبرجاء “إذا ممكن أن تبقي قريبة من ابنتي؟” مشيرة بيدها إلى غرفة الابنة، تودع السيدة المتطوعة للمساعدة بعينين دامعتين وترحل شبه راكضة.
كان يوماً عادياً في مشفى خاص، المرض عادي وكذلك الشفاء، والمال اللازم للإنفاق الطبي والجمعيات الخيرية والمدنية والمجتمعية. كل شيء عادي في الحرب، إلا الحرب ذاتها. فهي تقلب الأدوار بجذرية سريعة وقصيرة الأمد، تغيير كبير، لكنه كان يحتاج لزمن أطول في زمن مختلف.
هل نهلل للتغييرات؟ أم نقول إنّ الحرب قد مرت من هنا؟ أم نتلمس التغيير الحقيقي والمنطقي للوظائف الاجتماعية التي يفرضها المجتمع في ظل تغيرات بنيوية لا نملك ردها، المهم هو البناء على ما قد يتكثف ويتركز كتغير حقيقي، قد يقلب الأدوار، ولكنه قد يضعها على المسار الصحيح.
بواسطة Abdullah Al Hassan | يناير 11, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
بعد دخول قوات ”غصن الزيتون“ مدينة عفرين وإعلان السيطرة عليها في ١٨ مارس/آذار ٢٠١٨، انضمت المدينة لسابقاتها من مدن جرابلس والباب واعزاز بالانتقال من سيطرة قوات وحدات حماية الشعب الكردي إلى فصائل المعارضة السورية الموالية والمدعومة من تركيا. مما يعني أن عملية “غصن الزيتون” هي مرحلة مُتممة لعملية ”درع الفرات“ التي امتدت من ٢٤ أغسطس/آب ٢٠١٦ وحتى ٢٩ مارس/آذار ٢٠١٧، والتي أدت إلى تقليص مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ”قسد“ وانحسارها إلى غرب الفرات، أمام ظهور هيمنة تركية واضحة على تلك المناطق، فيما لا يزال مصير مدينتي ”تل رفعت“ و“منبج“ مجهولاً، فبعد إحكام السيطرة على عفرين، أصبحت المدينتان محور خطاب القيادة التركية وتوعّدها.
ومع وصول آلاف العائلات النازحة من الغوطة الشرقية إلى مدينة جرابلس، لوحظ نشاط واضح للحكومة المؤقتة التي تتخذ من مدينة غازي عينتاب التركية مقراً رئيساً لها، إضافة للمؤسسات التابعة لها في مدينة عفرين، وذلك لإدارة شؤون المدينة، إضافة إلى توطين مئات العائلات الواصلة من الغوطة الشرقية هناك، كما جرى اجتماع تأسيسي للمجلس المحلي لمدينة عفرين في مدينة غازي عنتاب.
وجرى هذا بعد أن غادر المدينة أكثر من نصف أهلها إبان دخول فصائل المعارضة السورية إليها، وترافق دخولهم هذا بحملة ”تعفيش“ وسرقة للممتلكات، لم يردعها وجود حواجز الشرطة العسكرية التابعة لفصائل المعارضة والتي وُضعت لمنع وضبط تلك التجاوزات.
ولرسم صورة أدق عن وضع مدينة عفرين وما حولها في المستقبل القريب، يمكننا إلقاء الضوء على مناطق سيطرة “درع الفرات”؛ داخل هذه المناطق، تنظم الحكومة التركية عمل المؤسسات العامة والقطاعات الخدمية في المدن الرئيسية: جرابلس والباب واعزاز، بالطريقة التي تراها مناسبة، بعيداً عن قرارات المؤسسات الثورية أو الحكومة المؤقتة.
فمن ناحية المؤسسات العامة، تقوم الحكومة التركية بتقديم الدعم اللوجستي والمادي لأهم المجالس المحلية وهي: جرابلس، الباب، اعزاز، الراعي، قباسين، بزاعة، أخترين، تركمان بارح ومارع، وذلك من خلال دفع رواتب موظفيها، إضافة إلى رواتب المعلمين والشرطة وموظفي المحاكم، والعاملين في قطاع الصحة ضمن مشافيها، وأئمة الجوامع والمدرسين والقائمين على المعاهد الشرعية.
كذلك تقوم الحكومة التركية بصيانة وترميم المؤسسات العامة والمدارس والبنى التحتية، وبناء المشافي، و تقدم مادة الطحين مجاناً، وتدعم قطاع الزراعة، وذلك يتم عبر المؤسسات الحكومية التركية، وبإشراف مباشر من ولاية ”كلّس“ جنوب تركيا.
وبالنسبة لقطاع الأمن العام، فهناك “شرطة حرة” تم تدريبها في مدينة مرسين التركية، في آذار/مارس ٢٠١٧ لتُخرّج ١٣٠٠ شرطي في الدفعة الأولى، تلتها ثلاث دفعات، في كل منها ٦٠٠ شرطي. تم توزيع العناصر المتخرجين في مناطق درع الفرات والإشراف المباشر على أقسامهم تتم من قبل ضباط أتراك وسوريين.
وتم تقسيم عمل الشرطة إلى مكاتب بحسب الاختصاص: شرطة مرور، شرطة مخافر، مخابرات، مكافحة الإرهاب، كما يوجد محكمتان مدنية وعسكرية، تابعتان للشرطة الحرة، ويقوم عليها قضاة سوريون، تم اعتمادهم من الحكومة التركية لتطبيق القوانين السورية قوانين الأصول، والقانون المدني والعقوبات بما لا يخالف أحكام الدستور السوري لعام ١٩٥٠. وقد اعترض على ذلك”مجلس القضاء الأعلى“ المُشكّل في ١٩ تموز/يوليلو ٢٠١٧ من اتفاق أهم المؤسسات القضائية المعارضة وهم الهيئة الإسلامية للقضاء، ومجلس القضاء الأعلى في حلب، ومجلس القضاء الأعلى في الغوطة الشرقية، ودار العدل في حوران، فقد اعتمد هذا المجلس على ”القانون العربي الموحد“ وتعديلاته كمرجعية قانونية يتم العمل بها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
أما بالنسبة للصحة، فلقد أسست وزارة الصحة التركية العديد من المشافي التابعة لها داخل مناطق درع الفرات كالمشفى الأهلي في اعزاز، ومشفى جرابلس، ومشفى الحكمة في مدينة الباب، بالإضافة إلى العديد من النقاط الطبية والمشافي المدعومة من المنظمات الدولية المانحة، بينما يتم نقل الحالات الطبية المستعصية، والتي لا يتوفر لها علاج، إلى داخل الأراضي التركية.
قطاع التعليم، من جهته يتبع بشكل كامل لنظام التعليم التركي وبإشراف من مؤسسة ”وقف المعارف“ التركية وهي مؤسسة حكومية تتبع لرئاسة الوزراء، وظهرت كبديل لمدارس ”غولن“ المتهم بدعم محاولة الانقلاب في تركيا. إلا أن المنهاج السوري بقي نفسه مع التعديلات الأخيرة التي أجرتها وزارة التربية في الحكومة السورية في دمشق عام ٢٠١٧وتبنّته الحكومة المؤقتة، مع إدخال تعديلات طفيفة على المواد العلمية، وتعديلات وإضافات أخرى لحقت كتب التاريخ والقراءة والتربية الوطنية.
كما تم أيضاً إدخال اللغة التركية لـ٥ ساعات أسبوعياً على حساب تخفيض ساعات اللغة الإنكليزية، حيث يخضع المعلِّمون لدورة تأهيل تربوي إجبارية برعاية وزارة التعليم الوطني التركي، وذلك أسوة بالمدارس السورية الموجودة في تركيا. كذلك عيّنت رئاسة ”الشؤون الدينية التركية“ مجموعة من المُفتين لتنسيق أعمالها وتأهيل أئمّة سوريين في مناطق سيطرة درع الفرات، كما أشرفت على ترميم أكثر من ٦٠ مسجدًا، وبناء مساجد أخرى في المنطقة، بالإضافة إلى مدارس تعليم القرآن والمعاهد الشرعية بالتعاون مع رابطة العلماء السوريين.
بالنسبة للسجل المدني، بدأت أمانة السجل المدني منذ منتصف شباط/فبراير ٢٠١٨ بمنح وثائق رسمية من دفاتر عائلة وإخراجات قيد وشهادة ميلاد، إضافة إلى تسجيل وقائع الزواج والوفاة وغيرها، سواء للمواطنين المحليين أو النازحين دون تمييز، وذلك بعد أن قام مكتب الإحصاء بعملية إحصاء شاملة للمواطنين والنازحين، ووضع بيانات كاملة لتأسيس دائرة الأحوال المدنية في مراكز المدن الرئيسية، والتي باشرت بإصدار هويات تعريفية جديدة متوافقة مع النظام المعمول به في تركيا، حيث تكون باللغتين العربية والتركية، كما تحتوي على صورة الشخص وتحمل رقماً وطنياً وبصمة إلكترونية وشيفرة.
بما يتعلق بالاتصالات والانترنت، قامت الحكومة التركية بتقوية شبكة الاتّصالات التركية في الشمال السوري بالتزامن مع دخول قواتها إلى المنطقة، كما تم تشييد أبراج تغطية إضافية لتقوية شبكة الاتّصالات الخليوية التركية والانترنت المرافق لها.
وأغرقت مناطق درع الفرات وعفرين بالبضائع التركية، عبر معابر رسمية تم افتتاحها من جانب الحكومة التركية، وهي معبر جرابلس، ومعبر الراعي شمال مدينة الباب، ومعبر باب السلامة بالقرب من مدينة اعزاز، أضيف لها معبر في قرية حمام الحدودية التي تتبع لقضاء “قوملو” شرقي ولاية هاتاي لربطها مع عفرين، وبذلك تحولت مدن جرابلس والباب وعزاز وعفرين إلى مراكز تجارية كبيرة للبضائع التركية، كما شهدت المنطقة حركة بناء وإعمار كبيرة وواسعة، وأيضاً تم إنشاء مدينة صناعية كبيرة في مدينة الباب بالتعاون بين مجلس المدينة والحكومة التركية، وبمشاركة بعض الصناعيين المحليين.
يُذكر أن جميع العاملين في القطاعات والمؤسسات المدعومة من الحكومة التركية بالإضافة إلى الجنود الأتراك ومن هم بحكمهم من السوريين، يتلقون أجورهم من الحكومة التركية بالليرة التركية، ولتسهيل الحركة المالية تم افتتاح ثلاثة مراكز لمؤسسة البريد والبرق التركية “PTT” في كل من مدن الباب والراعي وجرابلس، بالإضافة إلى عشرات أجهزة الصراف الآلي المنتشرة في المنطقة.
وبشكل واضح يُرفع العلم التركي إلى جانب علم الثورة الأخضر في كل المؤسسات العامة والمخافر وأجهزة الأمن والمدارس والمشافي في مناطق درع الفرات، وكذلك الأمر بالنسبة لصور الرئيس التركي أردوغان، وليس من المستغرب أن تجد ذلك أيضاً في المحال التجارية وعلى الزجاج الخلفي للسيارات الخاصة، وغرافيتي على الحوائط والجدران تحت شعار ”التآخي لا حدود له“، كما تخرج بشكل يومي مسيرات مؤيدة للعمليات العسكرية التركية في الشمال السوري – بتحريك من الأمن العام، وبعض التجمعات الثورية المحلية – تحمل الأعلام التركية وتهتف للرئيس التركي وللثورة وللوطن.
بواسطة الحسناء عدرا | يناير 9, 2019 | Cost of War, Culture, Reports
خرجت رزان (28 عاماً) من كنف مجموعة “القبيسيّات”، خلعت مانطوها الكحلي، مُبقيةً على حجاب الرأس رغماً عنها، ومع المانطو انتزعت “آخر انتماء دينيٍ أو طائفيٍ لتكتفي بالإنسانية وحدها كهوية أصيلة”، بحسب تعبيرها. وتعرف رزان عن نفسها بأنها “لا دينية أو لا أدرية، حيث لا أؤمن بالديانات السماوية جميعها، ولا أملك الأدلة الملموسة لوجود الله أو عدمه”. فقد أضرمت الحرب نار شكوك رزان حول العدالة الإلهية، تقول الشابة ” بدأت أتساءل عما إذا كان الله عادلاً، ولماذا يسمح بوقوع هذا الكم الهائل من الموت؟ وما الحكمة من وراء هذا الاختبار الشاق، سوى المزيد من البؤس والألم؟ ولماذا اختار لنا هذا المصير بينما هو قادر على تغييره؟”
وأعطت الحرب أيضاً فرصة لرزان لتكتشف الهوة الدينية بين ما تدعو له جماعة “القبيسات” التي تدّعي تمثيل الدين الصحيح، وبين المذاهب الدينية الآخرى، حيث فتح لها العمل التطوعي والمجتمعي الذي بدأته الشابة عام ٢٠١١ أبواباً جديدة لم تألفها.
تقول رزان “أتاح لي العمل التطوعي الفرصة لمقابلة أناس من مختلف المذاهب والأديان، ممن لم أكن أعرف بوجودهم، بسبب الخطاب الديني الأحادي لجماعة القبيسيات حينما كنت من المريدات لهن، فالجماعة متقوقعة على ذاتها وتحجب الرؤية عن الآخر. بالإضافة إلى أنني كنت أتساءل عن سبب هالة القدسية حول الشيخة، التي تتحول إلى وسيط إلهي بين الطالبات وربهن، مع ضرورة رضوخنا لتقديم فروض الطاعة العمياء لها والخوف من غضبها، عدا عن الصدّ الدائم لأي استفسار ديني يصدر مني، وتهديدي بالحرمان من مباركتها”.
إضافة للعمل التطوعي، شكلت النقاشات الدينية والرؤى المختلفة التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي نقطة تحول لرزان نحو اللاتدين، “فقد سهل الإنترنت وغرف الدردشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التعرف على نماذج مختلفة من الأشخاص من كافة التوجهات والطوائف، وفتح الباب للنقاش أمام التفسيرات المتعددة للنص القرآني، وتقديم رؤى متنوعة عن بنية الكون ونشأته وتكوينه وتطوره” تشرح رزان.
أما منار (35 عاماً) الذي شبَ في حي القميرية أحد أحياء دمشق القديمة فقد أعلن إلحاده صراحة عام ٢٠١٤، قافزاً من ضفّة التدين الملتزم التي كان فيها، يقول منار: “أنا الآن لا أؤمن بوجود الله حتى يثبت العكس، و لم أصبح ملحداً بين ليلة وضحاها، إنما استغرق الأمر سنوات عديدة من البحث والقراءة، رافقها حوادث تراكمية وقعت خلال سنوات الحرب، إلى حين وُضعت أمامي معطيات ومعلومات قذفتني إلى عكس التيار الذي كنت أعوم فيه، إذ كنت ملتزماً دينياً شغوفاً، وكنت إقصائياً لا أتقبل اختلافات الآخرين الدينية وتفسيراتهم المغايرة لي، مؤمناً دوماً بصحة معتقداتي الدينية.”
شكل عام ٢٠٠٩ نقطة انعطاف لمنار نحو التشكيك في الدين، حيث وجد الشاب في غرف الحوار بين الأديان منفذاً لعرض أفكاره الدينية والتمترس خلف البراهين الدينية الجاهزة لمحاججة الآخر المختلف. يحكي منار كيف دخل في “مبارزة فكرية” مع فتاة سورية مسيحية مقيمة في أمريكا، “كانت غرف حوار الأديان فرصة لممارسة الدور التبشيري الإسلامي، فتعرفت على جميلة واستمر نقاشنا لمدة عامين، فكان كلانا يبذل قصارى جهده لإقناع الآخر بدينه وإشهار حججه الدينية إزاء مواضيع شائكة كالاختلاط والحجاب وتفاسير الآيات القرآنية، والعلاقات الجنسية قبل الزواج، ومقارنة القرآن الكريم بالإنجيل وإذ بها توجه لي سهام الأسئلة التشكيكية التي كانت تراودني وأقابلها بسوط النهي لئلا أتهم بالتعدي على الذات الإلهية، وأحياناً أجيب عليها بقوالب جاهزة دون براهين لأبدأ بعدها رحلة البحث عن الحقيقة.”
علاقة الحرب بالإلحاد
أما الحدث المفصلي الذي مهدّ لترك منار للدين والإيمان، فكان في شباط/فبراير عام ٢٠١٢ حينما استيقظ ليجد قرابة ألفي عنصر من جبهة النصرة يؤدون صلاة الفجر في الشارع، لتتوالى بعدها الخطب الدينية وفتاوى القتل والدعوات الجهادية والتكبيرات. يقول منار “على إثر ذلك قررت عائلتي الرحيل من الحي والنجاة بأرواحنا، وفي طريق الخروج تعرّضت سيارتنا لسبع رصاصات دون أن تسفر عن إصابات ونجونا بأعجوبة.” تزامنت هذه الحوادث المتراكمة مع تبحره في تاريخ الأديان والتاريخ، و نضجت وجبة شكوكه الدسمة على موقد الإسلاميين المتطرفين فبات يتساءل كيف يمكن لشخص يؤمن بالله ورسوله أن يدعو لقتل الآخر في آن معاً؟ أليس الله بقادرٍ على وضع حدٍ لهذه الحرب و إيقاف نزيف الدماء والأرواح التي زهقت ظلماً وبهتاناً؟
لم تكن الحرب سبباً أساسياً لتوجه محمد نحو (اللادينية ـ اللا أدرية) إلا أنها هيأت له الجو خلال السنة الثانية من اندلاعها للإفصاح عن اعتقاده القائل بأنه “لا يوجد دليل قاطع فيما يخص قضية وجود إله من عدمه” بحسب تعبيره. فالأمر بالنسبة لمحمد يعود إلى طبيعته التشكيكية، والغوص في المصادر التاريخية والعلمية واكتشاف حجم التعارض بين الدين و العلم، إذ يقول الشاب “العلم يقدم رؤية عميقة مدعومة بالأدلة الدامغة تجاه ظواهر جدلية كخلق الإنسان وعملية التطور وكروية الأرض وعمر الكون، في حين يقدمها الدين بطريقة عاطفية وبسيطة مكتفياً بنسبها إلى الله فقط دون براهين.”
يُصر محمد الذي يعمل في مجال التصوير والإخراج على ضرورة وضع تعريف دقيق لـ”الله” وتسميته بوضوح قبل أن يجيب على السؤال “هل تؤمن بالله أو لا؟” فباعتقاد الشاب أن هذا اللفظ اتخذ أشكالاً متطورة لدى العديد من الشعوب وصفات وتسميات متعددة عبر التاريخ، ما يرجح أن تعدد الآلهة هو فعل محض للشعوب موضحاً بنبرة احتجاجية “لايوجد إجماع عام وموحد حول الله فلكل دين سماوي أو أرضي إلهه. هذا التعدد في الآلهة في تاريخ الشعوب ينفي فكرة وجود تعريف موحد عن الله ويستدعي ضرورة توصيفه على نحو دقيق.” ويعقب قائلاً “باعتباري لا أؤمن بأي دين أو عقيدة ولأن العقيدة الإسلامية ترتكز على الإيمان بالله فهذا يجعلني تلقائياً شخصاً لا أؤمن بالإله الذي تعبده هذه الديانة.”
من جهته يرى باسيل أن الحرب ليست إلا مناخاً هيأ لتحرر بعض الشباب من الدين، بعد أن وجدوا فيها فرصة للتعبير عن رأيهم، ويقول” تسببت الحرب بخلق حالة من غياب الرقابة والمحاسبة الدينية والاجتماعية، فالأشخاص الميّالون نحو اللا دينية ولديهم الرغبة في التعبير عن رأيهم، وجدوا في الحرب فرصة سانحة للإفراج عن الأفكار المحظورة في مجتمع متدين، باعتبار أن الطاسة ضايعة،” مؤكداً أن الممارسات التي بدرت من التنظيمات الدينية المتشددة التي نشأت أثناء الحرب هي التي دفعت الشباب للابتعاد عن الدين.
كذلك كانت علاقة ياسر (32 عاماً) مع الأديان علاقة مشبوهة منذ المراهقة، إلا أن الحرب عززت هذه الشكوك لتضعها في دائرة اليقين، فيعرف الشاب عن نفسه بأنه لا يؤمن بالأديان لكنه يؤمن بوجود الخالق، ويوضح قائلاً “أرى أن الأديان الإبراهيمية ليست إلا من صنع البشر نتيجة التمايزات الطائفية في الدين الواحد، والتباينات الواضحة بين الأديان الثلاثة.” كرّس اتكاء الحرب على عكازة الدين لدى ياسر هذا المفهوم “فتجيير الدين في الصراعات السياسية -لما له من سلطة عليا في البلدان المتدينة- ساهم في ترسيخ القناعة القائلة بأن الأديان هي فعل ارتكبه البشر، فكيف نفسر حالة التجييش الديني والطائفي في الحرب وضلوع رجال الدين المتشددين في استقطاب المقاتلين والجهاديين من جميع أنحاء العالم بعد أن تمت أدلجتهم على الإرهاب والتكفير والقتل؟ ناهيك عن المفارقة الأزلية التي تحوم حول الدين فتراه يحرم الخمر على الأرض، في حين يبيحه بل ويبشر به في الجنة والأمر ينطبق على الجواري في الوقت الذي تعتبر العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج زنا.”
الأهل بين القبول على مضض والنبذ
ينتمي ياسر لمجتمع متدين ومحافظ، حيث كان جده من جهة والدته شيخاً قديراً في إحدى قرى مصياف التابعة لمحافظة حماه، ولذا حرص على عدم مضايقة أهله، وتفهم عدم تقبلهم لأفكاره الجديده، فاستمر بتأدية بعض الواجبات الأقرب إلى الاجتماعية منها إلى الدينية.
منار من جهته أخبر أسرته بأمر إلحاده، ولم تقطع علاقتها به، بل تقبلته “على مضض” كما يصف دون أن يتدخل أحدهما بالآخر، فيما تدعو أسرة محمد، المتدينة التي تنحدر من قدسيا، له بالهداية “والعودة إلى الصراط المستقيم”، ومازالت تجمع بينهم الزيارات العائلية والاتصالات بعد أن استقل عنهم.
إلا أن رزان تواجه خطر النبذ والقطيعة والرفض القاطع فيما لو عرفت أسرتها المحافظة المنحدرة من الصالحية، أنّ ابنتهم قد رفضت القيود الدينية وتفضل “عيش حياتها” وفق مفاهيمها الخاصة على أن تتحمل العواقب الوخيمة لمصارحتها، وتقول: “تناول مثل هذه النقاشات المشككة بالمسلمات الدينية في المنزل أمر مستبعد ومرفوض كلياً، وسيعرضني حتماً للكثير من الصراعات والمتاعب لذلك أتكتم عن رأيي وأحاول العيش وفق مفاهيمي الخاصة.” غير أن فسحة التعبير عن الآراء الدينية الحبيسة في المنزل يتم الإفراج عنها مع بعض الأصدقاء المنفتحين على الآخر “دون محاسبة أو صدامات عنيفة” كما تقول.
ربط الأخلاق بالدين فقط
“أول تهمة تلصق بي كملحد، هي أنني لن أمانع أن أمارس الجنس مع أمي أو شقيقتي، وهذا الأمر مرفوض كلياً وغير صحيح، فسواء كنت أؤمن بالله أو لا، فلن أفعل ذلك لاعتبارات جينية وأخلاقية وضعتها بنفسي لنفسي، وإن كان الدين وحده هو المصدر الوحيد للقيم الأخلاقية، كيف نفسر اغتصاب بعض الشيوخ للأطفال، واستغلالهم جنسياً للنساء، وتعدد العلاقات الجنسية للرجل المسلم المتزوج مع العلم أن دينه يسمح له بأربع زوجات؟” يقول منار.
أما بالنسبة لياسر فإنه يتفهم نظرة المجتمع له، عازياً السبب إلى أن الناس يرفضون بالفطرة كل من يناقش المسلمات الدينية أو يتجرأ على الخوض بها متخذين أحكاماً مسبقة عنه، وبناء عليه يرون في اللاتدين على أنه يمثل ممارسة مباحة لكل ما هو مشتهى مقموع بسوط الدين. فيما ترفض رزان فكرة احتكار الدين للمنظومة الأخلاقية بوصفه المنبع الوحيد للقيم، إنما هي المبادئ الخاصة التي يحددها الشخص لنفسه قائلة “لا يوجد رابط بين الدين والأخلاق، فأن تكون متديناً لا يجعل منك أبداً شخصاً أخلاقياً والعكس صحيح، فبالنسبة لي أتبع المبدأ القائل لا ضرر ولا ضرار كممارسة يومية في التعامل مع نفسي ومع الناس عامة “.
بواسطة Ibrahim Hamidi | ديسمبر 26, 2018 | Reports, غير مصنف
نهاية ٢٠١٨، ترسم العناوين الرئيسية لملامح خمسة تطورات منتظرة في العام المقبل، هي: ملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي، وانعكاسات ذلك على مستقبل التفاهم الروسي – التركي حول إدلب، وآفاق العملية السياسية، وملفات الإعمار وعودة اللاجئين والنازحين و”التطبيع” العربي أو الغربي مع دمشق، ومصير “التموضع الإيراني” في سوريا.
الانسحاب الأميركي
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خصومه وحلفائه بقرار الانسحاب من سوريا. القرار اتخذ بعد اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي تنقل في العام المنصرم بين خانة الحليف والخصم في قاموس الرئيس ترمب. إردوغان الذي سعى كثيراً لحشد موقف أميركي لوقف دعم “وحدات حماية الشعب” الكردية، فاجأته سرعة ترمب. “انسحاب كامل وسريع”، وعلى تركيا استكمال المهمة في القضاء على ما تبقى من “داعش”. هذا ما أبلغه سيد البيت الأبيض إلى السلطان في ١٤ ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن قال له مغرداً على “تويتر” إن سوريا “كلها لك”، أي لإردوغان.
ذهب صدى مفاجأة ترمب. واستعجل كل طرف البحث فيما بعد ذلك. العنوان الرئيسي للتحركات كان الوصول إلى ترتيبات أمنية وعسكرية ما بعد الانسحاب. أميركا ستترك ثلث مساحة سوريا، أي شرق نهر الفرات، وقاعدة التنف، ومدينة منبج. هذه المناطق فيها: ٧٠ ألف مقاتل عربي وكردي، وفيها بقايا “داعش”، وخلايا نائمة، وبنية إدارية واقتصادية وحزبية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، وفيها بنية عشائرية عربية، ومربعان أمنيان في الحسكة والقامشلي، وزاوية الحدود السورية – العراقية – التركية، والزاوية السورية – العراقية، الأردنية، وفيها ٩٠ في المائة من النفط السوري الذي كان إنتاجه يبلغ ٣٦٠ ألف برميل قبل ٢٠١١، وفيها نصف الغاز السوري، ومعظم القطن والحبوب، والسدود السورية الثلاثة الكبرى. فيها أيضاً تمر الطريق البرية بين إيران والعراق وسوريا ولبنان. هذه الطريق حيوية لمصالح إيران ونفوذها وميليشياتها. باختصار: فيها “سوريا المفيدة اقتصادياً واستراتيجياً” التي تعيش عليها “سوريا المفيدة عسكرياً وسكانياً.”
هذه “الثروة” مصدر صراع وسباق وتنافس بين اللاعبين السوريين والإقليميين والدوليين. إيران لم تتوقف عن الحشد جنوب نهر الفرات. ودمشق لم تتوقف عن الطموح للعودة إلى الماضي. تركيا لم تتوقف عن الطموح لبناء منطقة نفوذ.
لا شك في أن مصير هذه المنطقة سيكون حيوياً في عام ٢٠١٩، وسيحكم قسماً كبيراً من أشهر العام. مصالح تركيا: القضاء على أي كيان كردي، وملاحقة “حزب العمال الكردستاني”، وإقامة شريط أمني بعمق ٢٠ – ٣٠ كيلومتراً. مصالح دمشق في الإبقاء على سيادة سوريا ومصادر الاقتصاد. مصالح روسيا في الوصول إلى ترتيبات لا تزعج تركيا وتربط دمشق وأنقرة. مصالح أميركا في القضاء على “داعش” وتقليص نفوذ إيران. مصالح إيران في منع استخدام هذه المنطقة ضدها؛ لكن الإبقاء على النفوذ.
مصير إدلب
لا يمكن بحث مصير شمال شرقي سوريا عن شمالها الغربي: إدلب. هذه المنطقة شمال الريف الغربي لحلب، الريف الشرقي للاذقية، الريف الشمالي لحماة. أحد العناوين الرئيسية لعام ٢٠١٨، كان مصير إدلب. إذ إنه بعد سيطرة الحكومة على جنوب سوريا وجنوبها الغربي وغوطة دمشق ربيع العام المنصرم، بدأت تحشد على ريف إدلب؛ لكن تهديدات أميركية وغربية، والتصعيد الدولي والإنساني، دفعت إلى ترتيب الأرضية لعقد صفقة روسية – تركية خاصة بإدلب.
يجب عدم تقليل انعكاس المساعي التركية – الروسية لتطوير العلاقات الثنائية (محطة نووية، وتبادل تجاري، وخط غاز، وصواريخ “إس 400″…) على وصول الطرفين إلى اتفاق سوتشي في سبتمبر (أيلول) الماضي حول إدلب. أي وقف الهجوم العسكري السوري، وإقامة منطقة عازلة بين المعارضة والحكومة، وتحييد الإرهابيين وإخراجهم منها، إضافة إلى تعزيز تركيا لنقاط المراقبة الـ١٢ التابعة لها. بذلك، ضمت إدلب إلى منطقتي النفوذ التابعتين لأنقرة: “درع الفرات” بين الباب وجرابلس، و”غصن الزيتون” في عفرين. تشكل هذه المناطق نحو ١٠ في المائة من مساحة سوريا.
الخطة الروسية، كانت تمر بثلاث مراحل: السيطرة على جنوب إدلب، أي خان شيخون ومعرة النعمان وغرب إدلب، أي جسر الشغور. المرحلة الثانية، هي السيطرة على الطريقين الرئيسيتين بين اللاذقية وحلب، وبين دمشق وحلب. المرحلة الثالثة، شمال طريق اللاذقية – حلب.
التفاهم الروسي – التركي لم يقضِ على الخطة؛ بل أدى إلى البحث عن تنفيذها ببطء، ومن دون عمل عسكري واسع. كما أن الهدف من التفاهم روسياً كان إبقاء تركيا في الإطار الروسي والابتعاد عن أميركا. لكن اتصال ترمب – إردوغان، والتفاهم على تزامن الخروج الأميركي مع الدخول التركي، سينعكسان على مصير إدلب، وعلى الحرارة بين موسكو وأنقرة. هذا أحد العناوين السورية في عام ٢٠١٩.
آفاق الحل السياسي
عُرف عام ٢٠١٨ بأنه عام مسار سوتشي – آستانة. بدأ في يناير (كانون الثاني) باستضافة سوتشي مؤتمر الحوار الوطني السوري. صدر منه بيان تضمن تشكيل لجنة دستورية برعاية دولية. أي بات الإصلاح الدستوري بمنصة سوتشي – آستانة، مدخلاً لتطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤. تطلب الأمر سنة كاملة للوصول إلى قائمة للجنة الدستورية، قائمة لم تنطبق عليها معايير بيان سوتشي ذاته.
أيضاً، في العام المنصرم عاد الأميركيون إلى العملية السياسية. مع تسلم السفير جيمس جيفري الملف السوري، وجون بولتون منصب مستشار الأمني القومي منتصف العام.
عاد الأميركيون إلى المسار السوري: الوجود الأميركي شرق الفرات كان يرمي إلى هزيمة “داعش” وتقليص نفوذ إيران، ومساعدة وزير الخارجية مايك بومبيو للوصول إلى حل سياسي بموجب القرار ٢٢٥٤. الأميركيون قرروا المغادرة قبل الوصول إلى حل سياسي. بالتالي، فقدوا نفوذاً للضغط نحو التسوية.
التغيير الآخر، يتعلق بمغادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا منصبه. اعترف في آخر إيجاز له بأنه “فشل” في تشكيل اللجنة الدستورية. سيتسلم السفير النرويجي غير بيدرسون منصب المبعوث الدولي الجديد. حاول الروس والأتراك والإيرانيون خلال لقائهم الأخير في جنيف قبل أسبوعين، الإبقاء على روح ومسار الإصلاح الدستوري؛ لكن لا شك في أن بيدرسون سيبحث عن مداخل جديدة للحل السياسي، وتنفيذ القرار ٢٢٥٤.
لا يمكن توقع أي حراك للمبعوث الجديد قبل ثلاثة أشهر من تسلمه المنصب. ولا يمكن توقع تحركه قبل معركة آفاق الميدان العسكري شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي، ومدى انسحاب أميركا عسكرياً ودبلوماسياً من سوريا.
الإعمار والتطبيع
الدول الغربية وعدد من الدول العربية كانت تربط المساهمة في إعمار سوريا بالوصول إلى “انتقال سياسي” أو “حل سياسي ذي صدقية” في سوريا. وهناك من يربط ذلك بخروج إيران وميليشياتها. كلفة الإعمار تقدر بـ٣٠٠ -٤٠٠ مليار دولار أميركي. هذا يشمل أيضاً الـ٦٠ في المائة من مناطق نفوذ الحكومة وروسيا وإيران. يتحجج البعض أن ملف الإعمار قد يكون أساسياً في إضعاف إيران. يمكن الوصول بالسلام والإعمار إلى ما كان يرمي إليه الصراع على النفوذ. وبات يطرح حالياً موضوع عودة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية.
لا شك أن القمة الاقتصادية العربية في بيروت، في نهاية يناير المقبل، ستشهد طرح الموضوع، وإجراء مشاورات لاتخاذ قرار في شأن تجميد عضوية دمشق قبل سبع سنوات. إلى الآن، ليس هناك إجماع بين الدول العربية على عودة دمشق؛ لكن لا بد من ملاحظة أن الشهر الأخير في العام المنصرم، شهد زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، وزيارة رئيس مجلس الأمن الوطني علي مملوك إلى القاهرة.
وتواكب ذلك جهود موسكو، التي تضغط لإعادة دمشق الى الجامعة، لإعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار وإقناع دول أوروبية بالمساهمة في الإعمار لمساعدة عودة السوريين. وسيكون مؤتمر المانحين في بروكسيل في ابريل (نيسان) مناسبة لاستكشاف موقف الدول الأوروبية المنقسمة حول سوريا وغيرها.
مصير نفوذ إيران
في سبتمبر الماضي، سقطت طائرة روسية بنيران الدفاع الجوي السوري، الذي حاول ضرب طائرة إسرائيلية كانت بحماية أميركية ترمي ضرب مصالح إيران في سوريا. حادثة صغيرة، انخرطت فيها خمس دول: أكبر دولتين في العالم، ودولتان إقليميتان، وسوريا.
العام الماضي، شهد حرباً خفية بين إسرائيل وإيران في سوريا. شهد أيضاً شن إسرائيل أكبر غارات على مواقع إيرانية. أيضاً شهد لعب روسيا دور الوسيط لإبعاد إيران وميليشياتها وقواعدها عن الجولان والأردن. شهد أيضاً عودة القوات الدولية لفك الاشتباك (أندوف) إلى الجولان، ونشر روسيا منظومة صواريخ “إس 300” لتضاف إلى منظومتين أخريين: “إس 400″، و”إس 300”.
إبعاد إيران ١٠٠ كيلومتر عن الجنوب، كان قسماً من المطالب – التفاهمات. و”إخراجها من سوريا” كان أحد أهداف الوجود الأميركي. لذلك، فإن العام المقبل سيشهد كثيراً من الأخذ والعطاء عن نفوذ إيران العسكري والاقتصادي والميليشياوي. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال بعد قرار ترمب الانسحاب، إنه سيواصل ضرب مصالح إيران. إيران تسعى إلى التمدد شرق الفرات. روسيا تسعى إلى الاستحواذ على القرار السوري، بما في ذلك من إيران. طهران المحاصرة بعقوبات وتهديدات أميركا، تعاند موسكو، وتستخدم سوريا مسرحاً للتفاهم والتقاتل.
ومع قرب العام من نهايته، اتهمت روسيا اسرائيل بـ “انتهاك صارخ لسيادة سوريا”، بعدما اتهمت دمشق تل ابيب باطلاق صواريخ قرب العاصمة السورية، فيما قال الجيش الاسرائيلي إنه تصدى لصاروخ مضاد للطيران أطلق من سوريا.
كما استمرت حشود تركيا وحلفائها وحشود دمشق وانصارها باتجاه مدينة منبج وشرق الفرات، بالتزامن مع ماراثون دبلوماسي.
لا شك في أن الانسحاب الأميركي خلط الأوراق، وأطلق سباقاً بين اللاعبين الخارجيين والمحليين في ٢٠١٩، لملء الفراغ وتحقيق مكاسب استراتيجية تقوي الموقف التفاوضي، عند البحث عن ترتيبات، والجلوس إلى طاولة صوغ سوريا الجديدة.