(مقابلة تلفزيونية مع بسام حداد على: Democracy Now!)
ترجمة وتحرير: أسامة إسبر
إيمي غودمان: نواصلُ تغطية سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا بعد أكثر من نصف قرن من الدكتاتورية الوحشية، وذلك في أعقاب التقدم السريع للمقاتلين المتمردين. لمزيد من التفاصيل، ننتقل إلى فيلادلفيا حيث ينضم إلينا بسام حداد، الأستاذ المشارك في جامعة جورج ميسون، ومؤلف كتاب “شبكات الأعمال في سوريا: الاقتصاد السياسي لنظام استبدادي يثابر على الاستمرار”، ومؤسس مشارك ومحرر لمجلة “جدلية” الإلكترونية، ومدير مؤسسة الدراسات العربية في جامعة جورج ميسون.
أستاذ حداد، أولاً، ما الذي ستقوله لنا عن ما حدث هذا الأسبوع؟
بسام حداد: شكرًا لك، إيمي. يسعدني أن أكون معك مرة أخرى. في الحقيقة هناك أسئلة أكثر مما هناك أجوبة، لذلك من المهم، خاصة اليوم، أن نأخذ هذا في عين الاعتبار ونحن نتابع حديثنا. سألجأ إلى التحليل، لكنني لا أستطيع أن أغفل تأكيد أهمية ما حدث في سوريا وقيمته، وأعني انهيار نظام الأسد بعد ٥٤ عامًا من الحكم، أو بعد ٧١ عامًا من حكم حزب البعث، وما يعنيه هذا بالنسبة للمواطنين السوريين الذين عاشوا في ظل هذا النظام لعقود عديدة. إنها لحظة لا يمكننا تجاهلها أو تجاوزها ونحن نحاول تحليل الصورة الأكبر، رغم أنها قاتمة جدًا ومليئة بالمشاكل. لكن لا يمكننا التقليل من أهمية هذا الأمر، نظراً لوحشية النظام، وفشله التام في الحكم في السنوات الأخيرة، على الأقل بعد عام ٢٠١٩ و٢٠٢٠، وعجزه عن توفير البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والاحتياجات الأساسية لشعبه، وهذا ما لعب دورًا في تقدم “هيئة تحرير الشام” السريع ودخولها جميع المدن الكبرى في سوريا.
إيمي غودمان: حدّثْنا عن “هيئة تحرير الشام”، وتاريخها، وقائدها الجولاني، وما الذي تشعر بالقلق حياله الآن.
بسام حداد: كما تعلمون، إن “هيئة تحرير الشام” ائتلاف يضم عدة جماعات من أبرزها “جبهة النصرة”، التي يميل الجميع إلى القول إنها مرتبطة بتنظيم القاعدة، رغم أنه حدث نوع من الانفصال. ومع ذلك، هي ما هي عليه. قال الكاتب والباحث السوري ياسين الحاج صالح، إنه قلق بشأن أيديولوجية “هيئة تحرير الشام” وبعض العواقب المحتملة التي يمكن أن تتمخض عن ذلك. وإذا كان ياسين الحاج صالح، قد وصف رجال حزب الله بأنهم “شبيحة”، بإمكانك أن تتخيلي قلقه من “هيئة تحرير الشام”، ومدى قلق الآخرين بشأن المستقبل.
لم تتصرف “هيئة تحرير الشام” من تلقاء ذاتها لأنها لا تستطيع مغادرة إدلب من دون ضوء أخضر من تركيا. وحتى الحكومة التركية لا يمكنها اتخاذ مثل هذا القرار بمفردها. انطلاقاً من هذا، إن السؤال الأول الذي يجب طرحه هو: مع من نسّقتْ تركيا للقيام بهذه الحملة، أو لشن هذه العملية؟ السؤال الثاني هو: هل كانت هناك أية علاقة بين وقف إطلاق النار في لبنان وما فعلته تركيا اليوم، أو منذ عشرة أيام، أو قبل بدء التنسيق؟ وما نوع التنسيق الذي حدث بين تركيا وروسيا، وكذلك بين روسيا و”هيئة تحرير الشام”، وغيرها؟ تبيّن أنه سُمح للروس بالحفاظ على قاعدة جوية كما كشفت التقارير الأخيرة. لكن علينا التحقق من ذلك، وهناك العديد من الأسئلة.
يمكن أن نواصل حديثنا عن التداعيات الإقليمية والعالمية الخطيرة، إلا أنني أود أن أغتنم هذه الفرصة للتحدث عما يعنيه ذلك لملايين السوريين الذين هم في الواقع سعداء بما حدث. لكن كثيرين منهم قلقون، بمن فيهم من يحتفلون، قلقون بشأن المستقبل، وبشأن كيفية حدوث هذا الأمر، وإلى أين سيقود، ومن سيتولى القيادة في سوريا. هناك كثيرون ينتابهم القلق بشأن ما يعنيه ذلك من ناحية هيمنة قوى عظمى، مثل أمريكا وإسرائيل، نظراً لغياب، أو ضعف محور المقاومة. هذه ليست قضية صغيرة، وستصبح جزءًا من العناوين الرئيسية في المستقبل القريب.
إيمي غودمان: حدّثنا أكثر عن هذا الموضوع. ما الذي قد يعترض طريق إعادة بناء سوريا؟ هل سيتأثر الأمر بالدعم الدولي الذي ستحتاج إليه سوريا لإعادة البناء، والذي سيشمل الولايات المتحدة، ولاعبين مثل دول الخليج العربية؟ ستشارك تركيا بقوة، كما أشرت، وهي بالفعل متورطة. فهل سيدفع هذا ما يحدث في سوريا في اتجاه معين؟
بسام حداد: يجب أن أكرر مرة أخرى أن هناك كثيرًا من الأسئلة والقليل من الأجوبة، لأننا لا نعرف بالضبط كيف تم تنسيق هذا الأمر، ومع من، وما المقايضات التي حصلت بالفعل. ولكن هذه ستكون مرحلة، أما المرحلة التالية، أو هذه المرحلة الحالية هي في الحقيقة ليست الطور الذي نستطيع التركيز عليه لأنه وفقًا لأفضل التحليلات، لن يتم نقل التشكيل الحالي إلى المرحلة التالية. يتحرك التشكيل السياسي والاقتصادي والعسكري القائم اليوم إلى الأمام، وهو مؤلف من الأشخاص الذين لديهم الأسلحة واستولوا على السلطة، وليسوا على الأرجح بمفردهم، ربما هم جزء من تحالف أكبر، وأكثر تنوعًا. هناك الكثير من الخوف والقلق في سوريا. وهناك الكثير من الخوف والقلق في تركيا والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية القوية، والتي من المحتمل أن يتم الاعتماد عليها إلى حد ما للمساعدة في إعادة بناء سوريا، وهو خوف وقلق من تفرّد مجموعة معينة، هي هيئة تحرير الشام، وكيف أنها لا ينبغي أن تكون اللاعب الوحيد على الساحة السورية. لكن الأسئلة المطروحة الآن هي مجرد أسئلة. من الصعب للغاية التعرف على الاتجاه الذي تتجه إليه الأمور. لكننا نعلم أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشعران بارتياح شديد. لقد وصفت إسرائيل، يوم أمس، على القناة 13، ما حدث بأنه إنجاز. وهذا “الإنجاز” سيتيح لها المضي قدمًا في إبادة غزة، بالتعاون مع الولايات المتحدة التي هي شريك كامل في هذه الإبادة. وستظهر مسائل أكبر وأكثر تعقيداً في الأسابيع القادمة.
إن الابتهاج مهم اليوم بالنسبة للناس الذين كانوا تحت نير النظام، ولا يمكننا أن نقلل من شأنه، مهما كان اهتمامنا بالإمبريالية والاقتصاد السياسي العالمي ومواضيع أخرى. من الضروري أن نعي ذلك، لأن أحد الأشياء التي ستسبب لي المتاعب وتجعل هاتفي ينفجر في غضون بضع دقائق فقط من اتصالات أصدقائي هو أن الكثير من الناس الذين يبالغون في التأكيد على مسألة الإمبريالية في يوم كهذا أو في أسبوع كهذا، يُغْفلون وجود الشعب السوري من غير قصد، للأسف، ويجعلونه غير مرئي، وكأنه ليس مهماً، وكأن السياسة العالمية هي الوحيدة التي لها أهمية. وهذا شيءٌ أود أن أحذّر منه، على الرغم من أننا يمكن أن نقول إن ما حدث هو انتصار لقوى عالمية مثل الولايات المتحدة، وانتصار للمخططات الإمبريالية، وللدول العربية المحافظة في المنطقة، ولمن يسعون إلى تطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل في المنطقة، وبالتأكيد لإسرائيل، أو أي طرف يرغب في إضعاف أي مقاومة في المنطقة ضد هذه المخططات، التي لا تتعلق فقط بسرقة الأراضي والسيطرة السياسية، ولكن أيضًا بمخططات اقتصادية ستؤدي إلى إضعاف الطبقة العاملة في المنطقة، وستواصل فعل ذلك.
إيمي غودمان: هل يمكنك التحدث أكثر عن “هيئة تحرير الشام“، وهل تعتقد أنها ستكون من الشركاء الرئيسيين في سوريا الجديدة؟ حدّثْنا عن خلفيتها، وإدارتها لإدلب، وكيف كانت تُدار إدلب، وتلك المنطقة بأكملها؟
بسام حداد: لم تكن هيئة تحرير الشام تسيطر بشكل كامل على إدلب. كانت القوة المهيمنة في إدلب، وكان هناك عدة جماعات لها أيضًا قوة معينة. إلا أن هيئة تحرير الشام كانت قادرة على الحكم، إلى حد كبير. من غير المحتمل أن تنفرد هيئة تحرير الشام بالحكم في سوريا. ثمة توافق إقليمي ودولي على ذلك، وحتى توافق داخلي. ورغم كل ما رأيناه، فإنّ المجتمع السوري يُعَدّ من بين أكثر المجتمعات العربية علمانية. وحتى إذا كان التوجه نحو النزعة الإسلامية المحافظة قد ازداد بشكل كبير في السنوات أو العقود الأخيرة، أو حتى أكثر من ذلك، فليست هناك رغبة بما تدعو إليه “هيئة تحرير الشام”، بما في ذلك خطابها الذي كان إقصائياً في السنوات الأخيرة (مثلًا في ٢٠١٤، و٢٠١٥،و٢٠١٦)، لكنها تقول الآن إنها ترفض هذا الخطاب. وهي في الواقع تحاول التأكد من أن قواتها لا تضطهد الآخرين، رغم أن ما رأيناه في العديد من مناطق سوريا هو أشكال مختلفة من الإقصاء، مثل تدمير محلات الخمور، وحرق أشجار عيد الميلاد وأشياء من هذا القبيل، وهي أمور من المفترض أن هيئة تحرير الشام قد رفضتها، وحاولت تصحيح مسارها. هذا النهج الجديد لهيئة تحرير الشام مثير للاهتمام، ومن المحتمل أن يكون أيضًا منسقًا مع أولئك الذين منحوا هذا التنظيم الضوء الأخضر للتحرك قدمًا. لكنني نستطيع القول إنه في جميع الحالات، ليست هيئة تحرير الشام” فطيرة التفاح” – أو من الأفضل أن نقول بما أننا نتحدث عن سوريا- “الكنافة” التي يتطلع إليها السوريون.
وفي المستقبل القريب جدًا، وبعد تأسيس الحكومة الجديدة، وتشكيل البنية العسكرية الجديدة سنكتشف أن هناك محاولات لتوسيع التحالف وربما أيضًا لتجنب الخطأ الفظيع الذي ارتكبته الولايات المتحدة بعد غزوها الوحشي للعراق في ٢٠٠٣، وهو تفكيك الدولة، والحزب الحاكم، والجيش، وما إلى ذلك، لأن ذلك أدى إلى خلق الفوضى التي كانت في النهاية غير منتجة للقوة الغازية وما بعدها. لذلك، أعتقد أن المسار سيكون مختلفًا عما رأيناه في العراق. سيكون أيضًا مسارًا أصعب، لأن سوريا ليس فيها موارد كما في العراق مثل النفط، ولا تمتلك أي جزء منها، لأن مواردها كلها خارج سيطرة الحكومة الآن. لذلك، سيكون أمام سوريا مستقبل مليء بالتحديات من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ما أخشاه هو أنه بعد مدة قصيرة، ستختفي سوريا من الأخبار، وسنرى ما كنت أتحدث عنه في وقت سابق، وأعني الإطار التحليلي لما يعنيه ذلك للمنطقة. سنراه في القريب العاجل في الواقع، مع حدوث التطورات.
إيمي غودمان: شكراً بسام على وجودك معنا.
لمن يود الاستماع على المقابلة بالإنكليزية، انقر الرابط التالي:
على الطاولات وعلى الحوائط والأرضيات تتوزع البسط التقليدية الملوّنة بأشكال مختلفة، متسيّدة أثاث المكان وزينته، في ورشة “فجّة خُرق”، الواقعة في محافظة السويداء جنوب سوريا، تُطلق نساء سوريات العنان لأيديهن وخيالهن عبر حياكة بسط تراثية تكاد صناعتها تندثر في عصر السرعة، بدأت فكرة المشروع مع ازدياد حركة الوافدين والوافدات إلى المحافظة، ومع ظهور الحاجة لخلق فرص عمل جديدة تتماشى مع حركة النزوح.
في مبنى الورشة المشيد من الحجر الأسود القديم الذي يميز بيوت السويداء، تجلس صاحبة المشروع السيدة خلود هنيدي بأناقة سيدة سورية واثقة، تتدلى النظارة الطبيّة على قماش فستانها الأبيض، وتزين جيدها وأذنيها بحليّ من الأحجار الطبيعية الملونة، تلخص هنيدي التي عملت سابقاً كأخصائية نفسية ماهيّة المشروع وتقول في تصريحات خاصة لموقع صالون سوريا، “فجة الخرق تعني البساط المصنوع من بقايا الأقمشة، جمعت الورشة سيدات من مختلف المدن السورية بالإضافة إلى نساء من المجتمع المحلي، فكانت أشبه بسوريا مصغّرة”.
تعتبر فجج الخرق إحدى الصناعات شبه المنقرضة، تشرح هنيدي “رغم أنها ليست الحرفة الوحيدة المهددة بالانقراض إلا أنها تكتسب أهمية خاصة لسهولة الحصول على المادة الأولية وتوافرها في كل منزل، كما أنها تحقق بإنتاجها كلا الجانبين: الخدمي والجمالي ويمكن تطويرها بما يخدم احتياجات البيوت المتنوعة، ويقوم أساس الحرفة على استخدام بقايا الأقمشة لتصنيع العديد من القطع الجديدة مثل البُسط، وأغطية الأرضيات، ولوحات تزيين الجدران”.
قديماً كان أفراد الأسرة يحوّلون كل ما لديهم من أقمشة لشرائح ويأخذونها الى النوّال ليعيدها إليهم بساطاً، تضيف هنيدي “بحسب معلوماتي يعود تاريخ صناعة البساط اليدوي في بلاد الشام والعراق والجزيرة إلى القرن الثامن عشر، وأعتقد أن بداية صناعة فجّة الخرق تعود إلى الفترة ذاتها”.
وجود نساء من خلفيات جغرافية وثقافية متنوعة، وسياقات اجتماعية مختلفة ساهم في إغناء التجربة وإخراجها من حدود العمل اليدوي فقط. تشير هنيدي، “لعب هذا دوراً في بناء علاقات حقيقية اتسمت بالفضول والرغبة بالمعرفة، حيث لا تعرف معظم السيدات الوافدات عن مدينة السويداء أكثر من موقعها على الخريطة ربما، وفي الوقت نفسه استطاعت نساء المحافظة من مجتمع السويداء في أقصى الجنوب السوري أن يتعرفن على ظروف الحياة في المدن السورية الأخرى وهذا ما خلق ألفة كدنا نضيعها في ظروف الحرب وتداعياتها”.
بات مشروع “فجة خرق” الذي أبصر النور عام 2017، يوفر مساحة آمنة للنساء للتعبير عن أفكارهن ومخاوفهن ومشاكلهن، لاسيما أن هنيدي بالأساس أخصائية نفسية، وفي ذلك تقول ” وفّر المكان الأليف للورشة والجو المبني على المحبة فرصة للبوح ومشاركة المتاعب اليومية بين السيدات. وهذا ما جعلنا نتجاوز حدود العمل اليدوي وأن نُوجد هامشاً مشتركاً لتبادل المشاعر والأفكار، من خلال جلسات الدعم النفسي التي ترتكز على واقع الحياة اليومية، ومشكلات التهجير والأوضاع المادية والتعامل مع الأطفال، وتطورت الفكرة فيما بعد لتصبح نهجاً دائماً ما زال مستمراً حتى اليوم”.
يحقق المشروع عدة أهداف معاً، فهو مكان لتمكين النساء مهنياً من جهة، ومشروع صديق للبيئة من جهة أخرى، تضيف هنيدي “إعادة التدوير هي إحدى طرق حماية البيئة من التلوث بالإضافة لما تحققه من ترشيد، عبر إعادة إنتاج قطع للاستخدام المنزلي بأسعار معقولة وبمستوى فني جيد وبمواد آمنة، مشروع فجج الخرق غير مكلف مادي لذلك يمكن اعتباره بديلاً مناسباً”، وتختم هنيدي “يعّبر المشروع عن التماسك المجتمعي المفقود في سوريا اليوم، حيث استطاعت الجلسات النسائية الناعمة تجاوز أشكال الخلافات اللي فرضتها النزاعات”.
“بكتب اسمك يا حبيبي عل الحور العتيق، وبتكتب اسمي يا حبيبي ع رمل الطريق”. في دمشق يبوح عشاق بعشقهم على جدران المدارس، ليبقى البوح سنوات لا يمكن إزالته ولا أحد يريد.
هل أجمل من كلمات مراهقين/ات يجرّبون العشق في بداياته. تصوير: رهادة عبدوش
سبعة أيام تفصل بين تقديم مقترح التحقيق وتسليمه. بالضبط 168 ساعة من عمر سوريا. خلالها، حصلت 8 جرائم قتل هزت البلاد من الساحل إلى السويداء مروراً بدمشق. أما الضحايا كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً، تعددت طرق الجريمة مرة بفأس وأخرى بسكين، وثالثة برصاصة وكل هذه الأدوات لم تكن عابرة لأرواحهم/هن، بل كانت نهاية حياة في بداية 2022. بدأت الحكايا من صبية جريئة تحدثت بصوت مرتفع عن قضية المغدورة آيات الرفاعي، القضية التي وحدت السوريون على اختلاف آرائهم السياسة والاجتماعية، ومنذ مقتلِ آيات تتوالى الجرائم تباعاً، رغم التحرك السريع للجهات المعنية! لماذا كل هذا العنف؟ وهل جعلت الحرب السوريين عنيفين بالفطرة؟ أم أن العنف نتيجة طبيعة بعد 10 سنوات حرب؟ كيف يتجرأ قاصر على قتل أخته؟ وكيف تكون الرصاصة أسهل من ضربة كف؟ ماذا ينتظر مستقبل البلاد أمام كل هذا العنف؟ هل القانون قاصر؟ هذه هي جمل “مونولج” داخلي يدور في ذهن كل من يفكر قليلاً بما جرى في 7 أيام من تاريخ هذي البلاد، التي مازالت تخسر أرواحاً بشتى الطرق.
الموت واحد هي شعرةٌ بين رفع اليد للقتل وبين التنفيذ، يُحَمِلُ السوريون/ات الحرب السبب الأول لازدياد الجريمة في البلاد، لكن يصنف عامي 2020 و2021 من أكثر الأعوام ارتكاباً لفعل الجريمة البشرية أي القتل بين المدنيين خارج حدود المعارك والنزاع على الجبهات. تشير الاحصائيات الرسمية السورية الى أن 297 جريمة قتل حصلت عام 2021، وهذه الإحصائية لا تشمل الثلث الأخير من العام الفائت. تتحدث الاختصاصية في علم النفس هبة موسى لـ “صالون سوريا” عن عدة أسباب باتت تجعل فعل القتل أمراً عادياً: “الحقد، الغيرة البيئات الاجتماعية المختلفة، الألعاب الالكترونية ، البابجي نموذجاً”. أما الجرائم ودراستها وتحليلاتها، فتشير موسى الى أنها تُدرس حسب أسلوب التعاطي والتربية والعمر لمن قام بالجريمة. أما الأساليب المتجددة لـ “القتل تحديداً” وخصوصاً ما يفعله به الأطفال، فتتصدر المشاهد العنيفة التي تلاقاها السوريون والسوريات خلال 10 سنوات حرب السبب الأول، فهي كانت خزين الذاكرة لديهم، فأصبح قتل الشخص الذي يسبب الإزعاج لشخص آخر هو الحل الوحيد. يوافق المحامي رامي جلبوط الاختصاصية النفسية في الجزئية المتعلقة بتأثير الحرب على ارتفاع نسبة الجريم، لكنه يصنف في أنواع الجرائم التي ارتفعت كثيراً في السنوات الأخيرة من تاريخ سوري. ويقول لـ “صالون سوريا”: “الجرائم الواقعة على الأموال تتصدر اليوم المرتبة الأولى”، موضحاً أن “تدهور الأوضاع الاقتصادية العامة، فقدان المواطنين لمدخراتهم على مدار سنوات الحرب، الارتفاع في نسب التضخم أفقدت المدخول الحقيقي للفرد قيمته بالتوازي مع ارتفاع كبير جداً بالاحتياج للنقود لتغطية المصاريف الضرورية”. هذا ما دفع الكثيرين لارتكاب جريمة السرقة بكافة أشكالها، والنشل على وجه التحديد في محاولة تأمين مصادر دخل إضافية، حسب جلبوط. ويضيف ان هذا الأمر “ترفق مع ظهور فئة جديدة من الأثرياء الذين اغتنوا من الحرب والذين لم يستطيعوا كبح جماح رغبتهم في إظهار ثرائهم الجديد، مما دفع الآخرين لمحاولة تحقيق توازن فيما بينهم وبين الأثرياء الجدد عبر اقتناص أموالهم مبررين ذلك أخلاقياً بالنسبة لهم بأنهم يسرقون من السارق”. ويعطي مثالا على هذه الجرائم ما يتعلق بـ “قيام المحاسبين باختلاس أموال التجار الذين يعملون لحسابهم وذلك بعد رؤيتهم لكمية الأرباح الضخمة التي حققوها من خلال استغلال ظروف الحرب”. وهذا يرتبط مع تحليل هبة موسى الاختصاصية النفسية، باعتباره “احد أشكال الحقد الطبقي الذي يولد فعل القتل عند البعض”.
حياة روح! هذا العنوان غير مُعَرَف، ربما يعتبره بعض مختصي اللغة أنه “خطأً قاتل”. يشبه هذا العنوان حياة الطفلة التي وجدت أمام أحد مستشفيات اللاذقية وأسموها الأطباء “روح”، ويشبه أيضاً حياةَ طفل ملفوف بورقة بيضاء في حماه كتب عليها “ابن حلال”. تعددت أشكال القتل عن سابق إصرار وتصميم في البلاد، ومنها مايشبه القصتين. أبرياء يصبحون بلا نسب بسبب نشوة حب عابرة، أو ربما بسبب عدم القدرة على شراء علبة حليب لهذا الطفل أو الطفلة. وهذه أيضاً يصنفها القانون أنها جرائم. وأشارت إحصائية رسمية في صيف 2021، أن عدد الأطفال المجهولي النسب كان 112 طفلاً وطفلة. من أنواع الجرائم التي تحدث عنها المحامي رامي جلبوط أيضاً، الانتحار وزدادت نسبته في سوريا، رغم أن العام الماضي أي 2021 انخفضت نسبته حسب تصريحات رئيس الطبابة الشرعية في سوريا الدكتور زاهر حجو للصحافة الرسمية في البلاد. ووصلت إلى 30 حالة انتحار، غالبيتهم من الشباب والشابات. وتعزو هبة موسى هذا الى “الوضع الاقتصادي للشباب اليوم، والضغوطات النفسية، والشعور باللاجدوى من المستقبل، وحلم الهجرة وعدم القدرة على تنفيذه كلها عوامل محرضة لإنهاء الحياة”. ومن حالات الجرائم التي انتشرت أو ربما الأدق ظهرت أكثر إلى العلن أثناء الحرب، هي الجرائم بحق النساء، أي جرائم “العنف القائم على النوع الاجتماعي”، بدءاً من قصة الفتاة السورية في مدينة الحسكة التي حاولت رفض الزواج من ابن عمها فقتلها أهلها، والأخرى في مدينة السويداء التي طاعت أهلها ورفضت شخصاً يحبها فقتها، وآيات التي عملت كجارية حسب الروايات الأهلية. كل هذه الحالات ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بنشرها، وأقر الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون والحقوقيون وجودها قبل الحرب، لكنها زادت أثناء الحرب، وتفاقمت أثناء فترة وباء”كورونا”، حسب الاختصاصية موسى. أيضاً ليست هناك إحصائيات رسمية سورية، بل تشير الاحصائيات التي وثقتها بعض المنظمات إلى حدوث 24 حالة تم توثيقها، وبالطبع هناك الكثير من الحالات التي لا يمكن توثيقها، ودفنت مع سرها أيضاً.
رأي مدني؟ هل بات المواطنون/ات اليوم لا يهابون القانون؟ هل بات السجن أو الإعدام عادي بمختلف أنواع الجرائم طبعاً، السرقة، القتل، النشل، الشروع بالقتل وغيرها، أم أن القانون يجب أن يكون حازماً أكثر؟ أين دور المجتمع المدني ومؤسساته الناشطة في سوريا؟ تجلب الحرب كل ويلات التمرد، والدمار النفسي الاجتماعي والاقتصادي، تفقد الناس ثقتهم بكل شيء حتى بأنفسهم فينتحر بعضهم أحياناً، ويقتل آخرون. ويلتزم الكثير منهم الصمت، ويذهب آخرون وأخريات للتباهي بكسر القوانين والتحايل أيضاً على القانون، ليشعروا/رن بالنشوة الزائفة والقوى الزائفة حسب الاختصاصية موسى. وفي حديث عن القانون السوري، يشير جلبوط الى ان القوانين السورية “ممتازة بمعظمها. الطائفة الأوسع من مختلف الجرائم ويتصدى المُشرع السوري للجرائم الجديدة بنسبة مقبولة من سرعة الاستجابة ولا أعتقد أن وضع القوانين الحالي قد أثر في ارتفاع نسبة ارتكاب الجريمة”، منوهاً أن مواجهة الجريمة “لا تكون بقرارات أو عمل جهاز أو شخص أو وزارة واحدة. مواجهة الجريمة تكون باستراتيجية تتبناها الدولة بكافة أجهزتها وبمعاونة مؤسسات المجتمع المدني تبدأ بالدرجة الأولى بنشر الوعي والثقافة العامة ونشر الثقافة القانونية لأن الجريمة ابنة الجهل:. إذاً أين المجتمع المدني؟ يتحدث الناشط المدني أنس بدوي لـ “صالون سوريا” عن دور المجتمع المدني مقدماً قضية الشابة آيات الرفاعي كمثال، قائلاً: “لا شك أن واحدة من أهم الملاحظات على كيفية التعاطي مع الجريمة هو أهمية الحشد والمناصرة التي قام بها المجتمع المدني والذي حرك فيها الرأي العام من خلال تسليط الضوء على العقوبات وتسليط الضوء على أهمية وجود قانون وتشريعات حساسة للنوع الاجتماعي تحمي المرأة والنساء وتسليط الضوء على المواد الحقوقية من حق والحياة، لكن هنا يجب أن نقف عند التحرك الإيجابي الذي قانت به الحكومة تجاه قضية آيات الرفاعي رغم الكثير من المأخذ هل هي استجابت بالفعل للرأي العام والمجتمع المدني؟ أشك في ذلك”، على حد تعبير بدوي. ويتابع أن الحكومة إما استجابت للرأي العام أم خشيت من تنامي رد الفعل الشعبي؟ أو أنها بالفعل رأت أنها قضية يجيب تسليط الضوء عليها أو لفت النظر عليها. يقال ان “العبرةَ في الخواتيم”. اختلفت أسماء الضحايا على امتداد مساحة الجغرافية السورية، فهل يعتبر من يفكر بالجريمة أياً كانت اليوم؟ ربما لا تتساوى الجرائم وكذلك لا تتساوى العقوبات، فلكل فعلٍ عقوبة تناسبه في القوم، لكن تبقى “جريمة”، من سوف ينسى كيف تكلم قاتل شقيقته عن جريمته الكاملة بهدوء أمام الكاميرات؟ ومن سينسى مونولجاً دار في رأسه عن طريقة موت آيات ومحمد الذي قتلته خالته امرأة أبيه!