عادلة بيهم الجزائري بين تحرير الوطن وتحرير المرأة

عادلة بيهم الجزائري بين تحرير الوطن وتحرير المرأة

إن تاريخ الأمة ومجد الوطن يصنعه أبناؤه الأوفياء من النساء والرجال ويفنون أعمارهم من أجل حرية ونهضة وطنهم، بعضهم يكتب صفحاتٍ في ميادين البطولة والنضال وبعضهم يهدي الأمة إلى سُبل العلم والمعرفة. فبهذه الطريقة قد أعطت الأمم دليلاً على تقدمها وشاهداً على تاريخها الحضاري. وأحد أولئك القامات، السيدة العربية السورية عادلة بيهم الجزائري.
وصفتها ابنتها بأنها امرأةٌ شديدة البأس، ماضيةٌ كالسيف، شجاعة الفؤاد، ولقد كانت أحد أهم روّاد النهضة السياسية النِسوية في سوريا. وولدت في زمنٍ كان فيه الطغيان العثماني على أشده، لا يتوانى عن أي طريقةٍ يضطهد بها الشعب ويسحق شعوره القومي. فعاشت عمرها تناضل من أجل تحرير وطنها العربي وتحرير المرأة.
كان والدها عبدالرحيم بيهم جزائري الأصل، ولقد ولدت في بيروت عام 1900، ثم انتقلت للعيش في سوريا. درست في معهد (Diaconese) الألماني في بيروت، وتتلمذت في اللغة العربية على يد العلامة عبد لله البستاني، صاحب معجم البستان.
بعمرٍ مبكر، في سن السادسة عشرة، بدأت نشاطها الفكري للدفاع عن الهوية العربية، فكتبت مقالات في الصحف الوطنية، كصحيفتي الفتى العربي والمفيد البيروتية، متخذةً اسماً يدل على تمردها وكرهها للمحتل (الفتاة العربية نزيلة الأستانة). وبعد أن ساءت الأوضاع في الحرب العالمية الأولى اجتمعت عادلة بيهم مع عددٍ من رفيقاتها للقيام بعملٍ منظم حاولن من خلاله تحقيق مساعيهن في إيقاظ الوعي القومي العربي لدى النساء وتعليم الفتيات اللواتي لم تتح لهن الفرصة في التعلم. نتج عن هذه الجهود جمعية تمت تسميتها (جمعية يقظة الفتاة العربية).
 كان لهذه الجمعية رأيها الواضح الصارم في بعثة الاستفتاء التي زارت دمشق برئاسة(Crane) فطالبت بالاستقلال التام للبلاد العربية ورفض الحماية والوصاية والانتداب. أيضاً شاركت الجمعية في تنظيم مظاهراتٍ برئاسة السيدة عادلة بيهم في المقاومة ضد الانتداب الفرنسي. كما نظمت الجمعية لجنةً تشرف على دارٍ للصناعة، والتي ضمت مئة وثمانين عاملة للحرف اليدوية. بعد ذلك أسست الجمعية برئاستها مدرسة دوحة الأدب للبنات عام1928.


مدرسة دوحة الأدب:
 تعد هذه المدرسة أحد أهم وأشهر إنجازات عادلة بيهم التي لاتزال ناشطةً حتى الآن. هدفت هذه المدرسة إلى تعليم الفتيات في الأسر غير الميسورة واللواتي حُرمن من التعليم بسبب الظروف القاهرة. ولم يقتصر نشاط هذه المدرسة وأثرها على  القطر بل تجاوزاه إلى الأقطار العربية حيث تلاقت الجهود والمساعي الإصلاحية لدعم دور المرأة في المجتمع، ونتج عن هذا التلاقي تعاون بين جمعية العلماء في الجزائر وجمعية دوحة الأدب في سوريا. ففي عام 1938، وكما تخبرنا الوثائق التاريخية، جرت مراسلات مكتوبة بخط اليد بين الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية “العلماء المسلمين الجزائريين” والسيدة عادل بيهم رئيسة جمعية “دوحة الآداب”، وسعى الشيخ ابن باديس من خلال تلك المحادثات للحد من الضرر العلمي الذي ٍخلفه الاستعمار الفرنسي في الجزائر، معتقداً أن القضاء على الجهل يكون بتعليم المرأة فهو العماد الأول الذي يجب تأسيسه للبدء في الترميم وعلاج الأضرارٍ، طالباً من السيدة عادلة أن تبين له الشروط المطلوبة للسماح للفتيات الجزائريات إتمام دراستهن في الشام. أما نص الرسالة فهو التالي: “الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وآله، قسنطينة 9 جمادى الثانية 1357ه،حضرة السيدة الجليلة رئيسة جمعية دوحة الآداب المحترمة، السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، وبعد:
اسمحي لي سيدتي أن أتقدم إلى حضرتكم بهذا الكتاب عن غير تشرف سابق ٍبمعرفتكم، غير ما تربطنا به الروابط العديدة المتينة التي تجمع بين القطرين الشقيقين الشام والجزائر. يَسرُّك سيدتي أن تعرفي أن في الجزائر نهضة أدبية تهذيبية، تستمد حياتها من العروبة والإسلام غايتها رفع مستوى الشعب العقلي والأخلاقي. ومن مؤسسات هذه النهضة جمعية التربية والتعليم بقسنطينة. ولما علمت إدارتها بجمعيتكم المباركة بما نشرته عن مجلة “الرابطة العربية “رغبت أن ترسل بعض البنات ليتعلمن من مدرسة الجمعية. فهي ترغب من حضرتكم أن تعرفوها بالسبيل إلى ذلك. تفضلي سيدتي بقبول تحيات الجمعية وإخلاصها والسلام. من رئيس الجمعية عبد الحميد بن باديس“.
لم ترد السيدة عادلة أن تكون أنشطة الجمعية مقتصرة على مستوى التعليم فقط، بل أرادت توسيع الأنشطة لتشمل الأنشطة الفنية أيضاً. ولهذا الغرض سافرت إلى حلب للقاء “الشيخ عمر البطش” الذي يعد حافظ للموشحات وأكبر مرجع في الأغنية التراثية. ونتيجة لهذا التعاون شهدت مدينة دمشق عام 1947 حدثاً هو الأول من نوعه، كما ذُكِر في كتاب “الموسيقى التقليدية في سوريا“ للباحث السوري الراحل حسان عباس، الذي نشره مكتب اليونيسكو في بيروت. حيث أخذت عادلة بيهم من الزعيم فخري البارودي الموافقة على تدريب الفتيات على الغناء ورقص السماح وإحياء حفلة، فكانت هذه المرة الأولى التي ظهرت فيها الفتيات الدمشقيات وهن يؤدين حفلاً غنائياً راقصاً أمام العامة على خشبة مسرح قصر العظم بحضور رئيس الحكومة آنذاك خالد العظم. ورقص السماح هو أحد أنواع الرقص التقليدي الذي ارتبط بفنون الموشحات، وانتشر هذا النوع من الرقص في حلب قبل أن يأتي ويتم نشرهُ في دمشق. لكن كما كان لهذا الحفل أصوات مرحبة به ومشيدة بنجاحه، كان يوجد العكس. إذ إن الحفل لم يلقَ رضى قاضي دمشق الشيخ علي الطنطاوي، فشرع بالهجوم في المنابر والصحف على عادلة بيهم والحفل الذي أقامته المدرسة “فوصف مدرسة دوحة الأدب على أنها دوحة الغضب، قائلاً إنهم ينظرون إلى الغرب بعين الرضى ويغمضون أعينهم عن تلك العيوب والمفاسد. كما وصف لباس الفتيات بأنه يشبه لباس الجواري قديماً، فتاريخ دمشق الإسلامي مصدر افتخارها، فكيف يرضى مسلمٌ عربي أبي لابنته أن ترقص أمام الرجال الأجانب؟ وكيف يرضى بأن تتلوى وتخلع وهي تغني أغانٍ كلها في الغرام والهيام؟“.


الاتحاد النسائي العام:

لم تكتفِ السيدة عادلة بيهم بجمعية تشمل أنشطتها دمشق فقط، بل أرادت أن تشمل هذه الخدمات القطر بكامله، وبالفعل تم الأمر بعد اجتماع أربع عشرة جمعية اتفقت على تأسيس “الاتحاد النسائي العام السوري” لتكمل هذه المسيرة في السعي لتحرير المرأة ودعمها في تأدية واجباتها وإعانتها على أخذ حقوقها، وانتُخِبت السيدة عادلة لتكون رئيسةً للاتحاد. عُني الاتحاد أولاً بتوعية المرأة السورية بحقوقها وواجباتها، فأقام دورات متواصلة لمحو الأمية في صفوف النساء. كما اهتم بتقديم الدعم للمرأة العاملة، إما من طريق السعي لتحسين دخلها أو تقديم برامج ودورات تقوية في مجال العمل، ولم تُغفل هذه البرامج المرأة الريفية، فقد عمِل الاتحاد على التمكين الاقتصادي وتقديم فرص العمل على المشاريع الزراعية والصناعات. علاوة على ذلك عُني بالجانب الصحي عن طريق تقديم الخدمات الصحية اللازمة والمرفقة بجلسات التوعية.

كان للاتحاد إسهاماته المؤثرة أيضاً في مواجهة الاحتلال وداعماً للنضال العربي والتي ينبغي ذكرها:
 ١- في حرب فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي: تكاتفت الجهود في تقديم المساعدات للمرأة الفلسطينية القادمة إلى سوريا وقُدمت بالتعاون مع السيدة “بهيرة الدالاتي” مساعدات صحية ومالية لرعاية العائلات اللاجئة وفُتحت المدارس لاستقبال أولادهم. كما جُندت مئات المتطوعات في الاتحاد النسائي للمساعدة في خياطة ثلاثة آلاف بذلة عسكرية للجنود السوريين المتطوعين في جيش الإنقاذ.
٢- قدم الاتحاد دعماً كبيراً خلال العدوان الثلاثي على مصر: حيث قادت عادلة بيهم النساء السوريات وتدربت على حمل السلاح في معسكرات أُقيمت في ريف دمشق، تحت عمليات عُرفت باسم “غرف المقاومة الشعبية“.
٣- في حرب تشرين: ظلت السيدة عادلة ناشطة في الدعم الإنساني، ورغم تقدمها في السن لم تتغيب عن حملات إسعاف الجرحى خلال الحرب.
٤- موقف الاتحاد من الجمهورية العربية المتحدة: أيد الاتحاد برئاستها الوحدة السورية المصرية عند قيامها عام 1958. وكانت أحد المستقبلين للرئيس جمال عبد الناصر، فقد كانت السيدة عادلة تكن الكثير من الاحترام للرئيس عبد الناصر الذي أعطى المرأة المصرية حق الانتخاب، فكانت تلتقي به كلما أتى إلى سورية وتتحدث معه عن احتياجات ومطالب الاتحاد النسائي.
ونظراً لما قدمه الاتحاد من إسهامات، فقد تم دعوة السيدة عادلة بيهم بصفتها رئيسة الاتحاد، لمختلف الاجتماعات والمؤتمرات داخل الوطن العربي وخارجه.
حضرت الكثير من المؤتمرات وشارك الاتحاد بوفدٍ مؤلف من ثلاثين عضواً للمشاركة بالمؤتمر النسائي الفلسطيني الذي عُقد في القاهرة وتم انتخاب عادلة بيهم نائبةً لرئيسة المؤتمر السيدة هدى شعراوي والذي تأسس في عام1944. شارك الاتحاد النسائي السوري برئاستها في المؤتمر العربي العام أيضاً، وكذلك في المؤتمر النسائي الأول المُقام في بيروت. وفي عام1960تم انتخابها رئيسة للجنة التحضيرية للمؤتمر الآسيوي الإفريقي. تلقت أيضاً دعوة من الاتحاد النسائي الصيني لزيارة جمهورية الصين وحضور العيد الوطني، كما أنها حضرت مع وفد الاتحاد المؤتمر الآسيوي. دُعيت في عام 1969 لحضور حفل اليوبيل الذهبي لاشتراك المرأة العربية في ثورة 1919، كما أنها تلقت دعوة للحضور والمشاركة في اليوبيل الذهبي لتأسيس الاتحاد النسائي المصري في القاهرة.

الجمعيات التي ضمها الاتحاد
ضم الاتحاد النادي النسائي الأدبي، يقظة المرأة الشامية، خريجات دور المعلمين، دوحة الأدب، الندوة الثقافية النسائية، الإسعاف النسائي العام، الجمعية الثقافية الاجتماعية، المبرة النسائية، جمعية نقطة الحليب.ولم تكن الطريق ممهدة أمام هذه الجمعية فقد واجهت العديد من العوائق، وعلى الرغم من أن هذه الجمعية وغيرها كان غرضها المساعدة الجادة للقيام بنهضة وتحسين أحوال المرأة، إلا أنه كان دائماً هناك من يرفض هذا التغيير ويراه سلبياً وأحياناً مضللاً. ففي أحد اجتماعات الاتحاد النسائي تمت الدعوة لإقامة بحفل خيري في دمشق هدفَ إلى جمع التبرعات لصالح جمعية نقطة الحليب. لكن الجمعيات الدينية اعترضت على الحفل بحجة أن النساء الحاضرات في الحفل سافرات. وخرجت المظاهرات في دمشق مطالبةً بإلغاء الحفل وعدم السماح للسيدات بحضور الاحتفالات إلا أن الرئيس سعد الله الجابري رفض الاستجابة لمطالب المتظاهرين وأرسل عناصر الشرطة لتفريقهم، ثم طلب من السيدة عادلة الحضور في مكتبه وتم الاتفاق على أن يقوم الاتحاد النسائي بحجب المعونات التي كان يقدمها للناس، لبضع ساعات لا أكثر وأن يتم الرد عليهم: “اذهبوا إلى المشايخ وخذوا خبزكم منهم“. بالفعل قبلت السيدة رئيسة الاتحاد مطلب رئيس الحكومة، وتم الاعتذار من كل من جاء إلى مراكز التوزيع التابعة للاتحاد والطلب منهم أن يذهبوا إلى الجمعيات الدينية. لكن لم يستطع رجال الدين تلبية المطالب والحاجات، فسكت المعارضون وتابعت الجمعية أعمالها.
واصلت السيدة عادلة بيهم العطاء إلى أن وافتها المنية عام 1975. وفي اليوم العالمي للمرأة، منح الرئيس السوري حافظ الأسد عادلة بيهم الجزائري “وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة“ لكنها لم تتمكن من استلامه فاستلمته نيابة عنها ابنتها ورفيقتها في الكفاح أمل الجزائري.

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”

مريانا مراش: أيقونة سوريــــّة في الصحافة العربيّة

مريانا مراش: أيقونة سوريــــّة في الصحافة العربيّة

تُجِمع الدراسات التي تناولت حياة مريانا مراش على أهميتها في الصحافة العربية المعاصرة، وريادتها التي تمثلت في تأثيرها على بنات جيلها والجيل الذي يليه.

 جاء ذلك من انشغالها بهموم المرأة ودعوتها لتحريرها عبر التعليم وربطها الوعي والاستنارة بالتحرر الخلاق من القيود. هذه الأفكار أدت لاحقاً لبلورة مشاريع فكرية قامت بها النساء في سوريا ومصر والوطن العربي.

تكشف سيرة حياتها بين ميلادها في حلب 1848 ورحيلها 1919 عن نبوغ بحيث تفتحت مداركها في بيت يهتم بالأدب والفكر والثقافة، وتتلمذت في مكتبة والدها فتح الله مراش، وعلى يد شقيقها الأديب فرنسيس مراش أحد أركان النهضة الأدبية في سوريا في القرن التاسع عشر. وتنقلت بين مدارس حلب والمدرسة المارونية والإنجيلية في بيروت، ومدرسة راهبات مار يوسف حيث أتقنت العربية والفرنسية والموسيقى فكانت من أبرع العازفات على البيانو، وفي الثانية والعشرين وما إن اكتملت ثقافتها حتى أخذت تنشر مقالاتها في الصحف والمجلات وأهمها مجلة “الجنان” ومجلة “لسان الحال”.
إن أهمية تجربتها تدفع قارئها لتفحص تمثلات هذه الريادة وتأثيرها وأهميتها بالنسبة لمعاصريها وللأجيال اللاحقة؛ فهي وقياساً لظروف عصرها وجدت في مرحلة صعبة زمنياً وهي فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، وثقافياً فرغم أن المرأة في تلك الحقبة قد نالت في الدساتير والقوانين الحقوق التي جاءت في النصوص القانونية لكن الوضع الاجتماعي للمرأة كان أسيراً لدونية النظر إليها، والتقاليد الاجتماعية التي تحرمها حرية التحقق و التفكير في بيئة تسودها قناعة بأنه لا يجب تعليم الفتيات، وقد وصفت مارلين بوث تلك الفترة بأن الوضع وصل إلى حد أنه “لا ينبغي على الفتاة أن تجلس في غرفة استقبال الضيوف” الرجال”.

المسألة الأكثر جوهرية: تفرّد تجربتها ويرى د. محمد علي اسماعيل” أن ريادتها تتأتى من كونها صاحبة الموضوع الأول المشتمل على الأفكار الأولى؛ التي أثرت في الآخرين، فتأثر بها الآخرون وساروا على منوالها، أو استفادوا منها”

وكانت مقالتها اللافتة والأبرز والتي نشرها بطرس البستاني في مجلة الجنان البيروتية في شهر يوليو من عام 1870 بعنوان: شامة الجنان دعت فيها الكتاب لتطوير موضوعاتهم وتحسين مناقشاتهم ولغتهم، كما حثت النساء على الثقافة والعلم ومما جاء عنها أن “مقالاتها في “لسان الحال” “تناولت مجتمعها وعاداته وتقاليده وعمّا حولها من آثار التخلف، وكانت تستحثه على النهوض والابتعاد عن الجمود، وتدعو بنات عصرها إلى الاستنارة والتحرر من القيود مشجعة البنات على الكتابة، داعية المجتمع إلى تحرير المرأة والتمدن والاقتباس من الحضارات، فجاءت دعواتها واقعية جريئة على المجتمع المستكين، وتنثر بين الفتيات روح التمدن والأخلاق والجرأة والشجاعة الأدبية. كما بينت أسباب الانحطاط في المجتمع، مُقارِنة بين المرأة الأوروبية والعربية وقد جاءت مقالاتها احترافية مشبعة بلغة جديدة متخلصة من التقليد السائد”

 ما جعل البعض يرى أن أثر أفكارها لم يتوقف عند حدود مقالاتها، بل كان “بداية ولادة حركة نسوية سورية   فقد تم عام 1880 تأسيس جمعية علمية أدبية نسائية من قبل سيدات سوريات رائدات أطلقن عليها اسم (باكورة سوريا) وكانت أهدافها مستوحاة من أفكار مريانا مراش وآرائها بتفتيح عقول النساء وتطوير وضعهن الاجتماعي”

ولن تتوقف مراش عند حدود الدعوة لمشاركة المرأة والتحرر الاقتصادي بل ستترك جدلاً وأثراً على أقلام النساء اللواتي تأثرن بهذه الدعوة ” إذ تلقفت السيدة وستين مسرَّة دعوة الآنسة مراش، فنشرت في عام 1871 في مجلة “الجنان” أيضاً مقالة بعنوان “التربية”، أيدت فيها دعوة مرَّاش لطرد “الخوف والوجل”، داعية النساء لأن يرمحن في ميادين الأدب بالقول والعمل”.

هذا الأثر امتد لتساؤلها حول الكتابة فانتقدت أساليب الكتّاب المقعرة في ذلك العصر وكانت تدعو الى تطوير طرق الكتابة والإنشاء وتنويع الموضوعات.

وقد وصل أثر دعوتها إلى مصر “فتبنتها السيدة فريدة شكور، معلمة ثم مديرة مدرسة البنات الأميركية في القاهرة، إذ كتبت في مجلة “الجنان” أيضاً عام 1874 مقالة بعنوان “في النساء” أعادت فيها صياغة أفكار مريانا مراش؛ لتعالج موضوعها عن تربية البنات من أجل إعداد الأسرة المتمدنة مستقبلاً”.

إن جوهر تجربة مريانا مراش، هو أنها استطاعت كامرأة وسط مجتمع يعاني تبعات الفقر والجهل من أن تكتب مقالاتها باسمها الصريح وتحث على شجاعة العقل فقراءة نتاجها يدل بوضوح على كونها امرأة سابقة لعصرها وقيمة تفكيرها كانت في عقلها التحليلي ورؤيتها المستقبلية وقدرتها على الإقناع.

كما أصدرت مجموعة شعرية بعنوان “بنت فكر” وكتاباً عن تاريخ سوريا أواخر العهد العثمانيّ، بعنوان “تاريخ سوريا الحديث” ولكن مأثرتها الكبرى التي تذكر لها أنها أسست في منزلها أول صالون أدبي وقال عنها الأديب سامي الكيالي في مجلة الحديث التي تصدر في حلب: “عاشت مريانا صبابتها في جوّ من النعم والألم مع الأدباء والشعراء ورجال الفكر، وقرأت ما كتبه الأدباء الفرنسيون والعرب فتكونت لديها ثقافة تجمع بين القديم والحديث”.

التقاطعات والمصائر المشتركة.

اللاّفت أن أغلب الدراسات التي تناولت سيرة حياتها، تنتهي بعبارة هزمها مرض عصبي أواخر حياتها، وقد وصفها قسطاكي الحمصي “وكانت مليحة القد، عذبة المنطق، طيبة العشرة، تميل إلى المزاح، حسنة الجملة، عصبية المزاج، وقد تمكن منها الداء العصبي في أواخر سني حياتها، حتى كانت تتمنى الموت في كل ساعة”.

وهذا يجعلنا نتأمل ويستدعي إلى الذهن مصير رائدات التنوير عربياً وغربياً، فقد لقيت الأديبة مي زيادة والكاتبة فرجينيا وولف المصير ذاته، بل أن الرائدة الإنكليزية ماري كرافت 1793 أول داعية للحرية النسوية أصيب بمرض عصبي؛ ومما لا شك فيه أن ظروف النساء تلك الفترة لم تكن هينة، وربما هذا المآل الذي تنتهي له حياة المفكرات والرائدات شرقاً وغرباً يحتاج إلى مقال آخر ووقفة أخرى!

فالهدف من هذا المقال، هو فتح باب للنقاش واستعادة للتأثير المهم لرائدة من رواد الصحافة، وقد حلل د. محمد علي اسماعيل تأثيرها النابع من قوة فكرها الماثلة في “اتباعها أساليب التحليل الاحترافي والقراءة الذكية لواقعها وتقديم أفكارها عبر التمثيل والمقارنة والتعليل وأساليب المحاكمة الرفيعة”. 

إن تحدي الآراء السلبية، ومعارضة قناعات المجتمع بأسلوب تحليلي عقلي هو الذي جعل مقالاتها ودعواتها ـتنتشر بين النساء في أنحاء الوطن العربي، لقد غامرت بالكتابة ورفعت صوتها وهي تعرف مسبقاً أن هذه المغامرة لها عواقبها. وأخذت على عاتقها تصحيح الصورة الخاطئة، التي رُسِمت لها في الثقافة والحياة وفي مخيال المجتمع الذكوري في بيئة مقيدة بالأحكام والمنع والنبذ.   تكتب هيلين سيكسوس “إن الكتابة الأنثوية المنشودة، ككتابة، تتجاوز السلطة الذكورية في مغامرة البحث عن الذات، وككتابة، تستكشف قدرات المرأة المسكونة بالرعب، وترسم نساء في حالة طيران، وليس في حالة سير على الأقدام”(1)  

كانت مريانا رائدة، تعرف بعقلها المتفتح أن هوية المرأة وكينونتها الأصيلة هي في تعليمها واستقلالها الفكري، وأدركت أن الثمن الذي تدفعه مغامرة الكتابة أهون بكثير من الثمن الذي يدفعه من يترك للآخر أن يحدد له هويته؛ وهي تنتمي إلى جيل من الرائدات اللواتي فتحن الآفاق لصحافة تكتب فيها المرأة إلى جانب شريكها الرجل وأدركن بحدسهن المستقبلي أن تحرر المرأة لا يعني حرباً مفتوحة؛ لذلك سيكون صالونها ملتقى لكلا الجنسين ومنبعاً للحوار والنقاش والموسيقى، وسيبقى اسمها مرتبطًا بكونها أول امرأة عربية حققت ريادتها عبر تأثيرها الواقعي وفتحت في الصحافة كوّة لتغيير الواقع.

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”

هوامش:

-أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التاسع عشر، قسطاكي الحمصي، المطبعة المارونية، حلب، 1925.

-مريانا مراش…. رائدة الشعر النسائي السوري وأول صالون أدبي، سنان ساتيك، مقال منشور في موقع الجزيرة نت، 2019.

-سيد علي اسماعيل، مريانا مراش ريادة تاريخية أم فكرية؟ – مجلة (تراث) الإماراتية -عدد 144 و145 -2011.

-حين تشارك المرأة في كتابة التاريخ. مريانا مراش، مقال ومبادرة “الباحثون السوريون”.

-الموسوعة الصحفية العربية، جامعة الدول العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إدارة الثقافة
-تاريخ الصحافة العربية، فيليب دي طرازي، 1913، الجزء الثاني، تموز 2021 

-نبيل سليمان: نظرية الأدب النسوي، مغامرة البحث عن الذات-ضفة ثالثة 11-أكتوبر -2016.

عبد الرحمن الكواكبيّ وحيداً يعبرُ درب الآلام

عبد الرحمن الكواكبيّ وحيداً يعبرُ درب الآلام

     كان عبد الرحمن الكواكبيّ (1855-1902 م) شخصيّة استثنائيّة نادرة في عصرٍ مُظلم، ولقد امتازَ بشعورٍ فريدٍ بحرّيته بين أُناسٍ سُلِبت منهم القدرة على المبادرة والفعل والتعبير عن الرأي، فاكتشف أنَّ كثيراً من أبناء جِلدته مِنَ العرب يغرقون في مَوْحِلِ الجُبن والضَّعف والاستسلام لواقعٍ قاسٍ فرضته عليهم قُوى حاكمة، تمثّلت آنذاك في السَّلطنة العثمانيّة، وأدرك بعمق بصيرته أنَّ سبب الانهيار الرَّهيب في القيم والمبادئ والأخلاق ناجم عن الطَّاعة العمياء للحاكمين أو ولاة الأمر. ولقد أُصيبَ الكواكبيّ بخيبة أمل كبرى من تماهي النّاس مع سَحْقِهم وظُلمهم وتهميشهم، أي إنَّ الإنسانَ أصبح مجبولاً بعبوديته، إلى حدّ أنَّ الحريّة أصبحت ظاهرة غريبة وغير مقبولة بين النّاس؛ لأنَّها يمكن أن تسوقهم إلى نهاياتهم. من هنا وجد الكواكبيّ بعمقه البالغ أنَّ النّاس أنفسهم هم أساس قوّة الحاكمين الظَّالمين. ويرجع خنوع النَّاس في رأيه إلى أنّهم-في مرحلة السَّلطنة العثمانيّة-لم يعودوا قادرين على التمييز بين السُّلطة الدينيّة والسُّلطة السياسيّة؛ لأنَّ شخصيّة الحاكم لَبَست لَبوس القداسة، فالتبست على عقول العوام الأمور، فظنّوا أنَّ معارضة الحاكم هي معارضة ولي الأمر الذي يمثِّل المطلق أو الألوهيّة. ويمكن إرجاع هذه الطَّريقة من التّفكير عند الكواكبيّ إلى هدفٍ رئيس وهو تقويض تمثيل السلاطين العثمانيين للخلافة الإسلاميّة، لنزع فكرة حصانتهم الدّينيّة من عقول النّاس، وتحفيز العرب على استرجاع حقّهم بالسُّلطة؛ لكن الخنوع لرهبة السلطة الدينيّة العثمانيّة كان أكبر من طموح الكواكبيّ بإحداث تغيير جذريّ. واستنبطَ الكواكبيّ من ذلك حدوث امتزاج بين الاستبداد الدِّينيّ والاستبداد السياسيّ، فأصبح مضمون الطغيان باسم الدِّين مسكوباً في دَنِّ الطُّغيان السياسيّ، أو بالأحرى وُظِّفت أدوات الاستبداد الدِّينيّ على نحوٍ غير ظاهر لصالح الاستبداد السياسيّ؛ لذلك يتبنّى في كتابه “طبائع الاستبداد” رأياً عن الحكّام الذين هم وفق ما ذكرَ: “يسترهبون النَّاس بالتعالي الشخصيّ والتشامخ الحسيّ، ويذلونهم بالقهر والقوَّة وسلب الأموال حتى يجعلونهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم يتمتّعون بهم كأنّهم نوع من الأَنعام التي يشربون ألبانها ويأكلون لحومها ويركبون ظهورها وبها يتفاخرون.”[1]

      ويدهشُ المرء من هذه الشجاعة المنقطعة النّظير التي تحلّى بها الكواكبيّ في عصر كان يمكن إسكاته فيه بأبسط الطُّرق، إلا أنّه آثر المسير في مشروعه الفكريّ ذي الخصوصيّة الغريبة عن الأجواء الثقافيّة السَّائدة في عصره. وكانت الموضوعة الرئيسة الشَّاغلة له هي قبول الإنسان بذله ومهانته واستعباده، فحاول أن يبحث عن الأسباب التي تقف وراء اقتناع الإنسان بسلبه من شخصيته الإنسانيّة الحرَّة.

      ويثير الكواكبيّ إشكاليّة تدلّ على عُمق في التّفكير لا نظير له، فهو يبحث في موقف الطُّغاة من العلوم، ويُحدِّد ببراعة فائقة أنواع العلوم التي يسمح المستبدّون للنّاس بتعلُّمها؛ لأنّها لا تؤدي إلى تطوير تفكير المتعلّمين على نحو يهدِّد عروش هؤلاء الطُّغاة.

      يقول الكواكبيّ: “المُستبد لا يخشى علوم اللغة، تلك العلوم التي بعضها يقوِّم اللسان، وأكثرها هزل وهذيان يضيع به الزمان (…) وكذلك لا يخاف المُستبد من العلوم الدينيّة المتعلّقة بالمعاد، المختصة ما بين الإنسان وربّه، لاعتقاده أنّها لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة، وإنّما يتلهّى بها المتهوِّسون للعلم، حتى إذا ضاعَ فيها عمرهم، وامتلأت بها أدمغتهم، وأخذَ منهم الغرور ما أخذ، فصاروا لا يرون علماً غير علمهم، فحينئذٍ يأمن المستبد منهم كما يؤمن شرّ السّكران إذا خمر (…) وكذلك لا يخاف من العلوم الصِّناعية (…)، لأنَّ أهلها يكونون مسالمين صغار النّفوس، صغار الهمم، يشتريهم المستبد بقليل من المال والإعزاز، ولا يخاف من الماديين لأنَّ أكثرهم مبتلون بإيثار النَّفْس، ولا من الرِّياضيين لأنَّ غالبهم قصار النّظر.”[2]

     يكشف الكواكبيّ هنا أنّه لا يمكن تأسيس وعي حقيقيّ داخل المجتمعات الخاضعة للاستبداد، لأنَّ الإيديولوجيا التعليميّة للمستبدين، بوجهٍ عامٍّ، تقوم على نشر علوم لا تؤدي إلى تكوين ثقافة حقيقيّة لدى الإنسان، فعلوم اللغة، لا تساعد على امتلاك رؤية حقيقيّة للواقع، وتقتصر على تنمية قدرات هي في حدّ ذاتها لا تعدو أن تكون وسائل لتحصيل علوم من نوع أعلى. كما أنَّ العلوم الدينيّة التي تركِّز على العالم الآخر، ونشر روح الزُّهد والتخلّي والحياد، تسهم في تمكين الحكم للمستبدين، لأنها تدفع الإنسان المتديِّن بهذه الطَّريقة إلى ترك الواقع، كما هو، من دون أن يُعنى بتغييره، ويغلق أبواب نفسه عليه، غارقاً في عوالم موهومة مجذوذة الصِّلة بالحياة الإنسانيّة في أبعادها المختلفة. هذا، إلى أنَّ الكواكبي نبّه إلى أنَّ العلوم الصِّناعيّة لا تدفع المستبدين إلى القلق من انتشارها بين النَّاس، لأنَّ المعارف التي تتأسّس عليها والنتائج المحصّلة فيها تقتصر على أمور تقنيّة نافعة للحياة، والذين يمتلكون العلوم التي تبتكر المنتجات الصّناعيّة-في رأي الكواكبيّ-لا يفكّرون إلا بالأرباح، ولن يفكِّروا بتغيير الواقع ومواجهة المستبدين، لأنهم راضون بما هو كائن، واستمالتهم تُعَدُّ أمراً سهلاً بالنسبة إلى الحكّام الطغّاة. ويبني الكواكبي في سياق كلامه استنتاجاً يستحق التأمُّل وهو أنَّ المستبد لا يخاف من الماديين، ويقصد من ذلك أنَّ المعارف التي تُنمِّي الفهم الماديّ للعالم تولِّد شخصيات غارقة في نزعة ذّاتيّة-حسيّة إلى أقصى حدّ، وغير مكترثة بمشكلات وآلام الآخرين. دعْ أنَّ الكواكبيّ يتّخذ موقفاً سلبيّاً من الرِّياضيين، ويعني بهم علماء الرِّياضيات، ويبدو أنَّه لم يكن من المُعجبين بعلم الرياضيات، لأنَّ المعرفة الناتجة عن هذا العلم تبقى في حيِّز تجريديّ، ولا تقدّم رؤية حقيقيّة عن معاناة الإنسان في العالم.

     يمكن هنا أن نكتشف في شخصيّة الكواكبيّ ناقداً إبستمولوجيّاً للعلم من الطراز الرّفيع، ويتصف نقده بخصوصيّة نادرة، فهو يحدّد قيمة أي نوع من أنواع العلوم من جهة دوره في مساعدة الإنسان على مواجهة الطغيان والاستبداد والظُّلم. والحقيقة أنَّ هذا الضَّرب من النَّقد لا يجب أن يُعَدّ غير منصف في مجتمعات تحتاج إلى تحفيز أفرادها لاستعادة وعيهم بضرورة حرّيتهم.

    ويتابع الكواكبي كلامه بشأن علاقة ماهيّة العلم بمواجهة الاستبداد قائلاً: “ترتعد فرائص المُستبد من علوم الحياة مثل الحكمة النّظريّة، والفلسفة العقليّة، وحقوق الأمم، وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنيّة، والتّاريخ المفصَّل، والخطابة الأدبيّة، ونحو ذلك من العلوم التي تكبر النّفوس، وتوسِّع العقول، وتُعَرِّف الإنسان ما حقوقه، وكم هو مغبون، وكيف الطلب، وكيفَ النّوال، وكيف الحفظ. وأخوف ما يخاف المستبد من أصحاب هذه العلوم المندفعين منهم لتعليم النّاس بالخطابة أو الكتابة…”[3]

      يقصد الكواكبي بعلوم الحياة –كما هو ظاهر من كلامه-الفلسفة والعلوم الإنسانيّة، ولم تكن دلالة العلوم الإنسانيّة واضحة في عصر الكواكبيّ، إلا أنه كان واعياً مما ذكره بمدى تنوّع العلوم الإنسانيّة، فذكر “علم السياسة المدنيّة” “وعلم حقوق الأمم (=القانون الدولي لحقوق الإنسان) –وهما علمان معياريّان-، وعلم الاجتماع–وهو علم تعميميّ-، وعلم الخطابة –وهو علم فنّي-، كما ذكر التّاريخ المفصّل ويدخل في إطار العلوم الإنسانيّة. إذن، نحن هنا بإزاء مفكِّر سوريّ مضى على موته نحو مئة وواحدٍ وعشرين عاماً كان واعياً في أكثر العصور ظلاميّةً بأهميّة العلوم الإنسانيّة لإنقاذ الإنسان العربيّ من الاستلاب الذي يعانيه في مختلف جوانب حياته.

       ولقد ركّز الكواكبيّ على خوف المستبدين من الخطابة والكتابة، وتُعَدَّ الخطابة سبباً رئيساً لنشر الوعي بين النّاس، فالخطيب المفوّه قادر على تغيير سيكولوجيا النّاس، تحديداً إن كان يقول الحقيقة، فإنّه يستنفر غضبهم على الظَّالمين، ويدفعهم إلى إعادة النّظر في قناعاتهم، وتوجيه جهودهم نحو مواجهة المستبد، لذلك كان رأي الكواكبيّ في مكانه، فكلّ مَنْ يُعبِّر عن رأيه بشجاعة، خطابةً أو كتابةً، يُعَدّ خطراً داهماً على العرش، ولذلك لا بدّ من إسكاته، فاتّبع المُستبد سياسة تكميم الأفواه، وأصبح أي إنسان عُرْضة لأفظع أنواع العقوبات إذا امتلك الجرأة على الكلام الذي يضرّ بمصلحة المُستبد.

    ويتحوَّل الكواكبيّ إلى مُحلِّل نفسيّ لشخصيّة المُستبد، فيذهب في تحليله إلى أبعد الأعماق، كاشفاً خبايا نفسه، على نحوٍ يدعو إلى الإعجاب الشديد من براعة وصفه:

    “المستبد في لحظة جلوسهِ على عرشه، ووضعِ تاجه الموروث على رأسه، يرى نفسَه أنّه كان إنساناً فصار إلهاً. ثم يرجعُ النّظر فيرى نفْسَه في الأمر نفْسِهِ أعجز من كلِّ عاجز، وأنّه ما نال ما نال إلا بواسطة من حوله من الأعوان، فيرفع نظره إليهم فيسمع لسان حالهم يقول له: ما العرش؟ وما التّاج؟ وما الصولجان؟ ما هذه إلا أوهام في أوهام. هل يجعلك هذا الرّيش في رأسك طاووساً وأنت غراب؟ (…) والله ما مكّنك في هذا المقام وسلّطك على رقاب الأنام إلا شعوذتنا وسحرنا وامتهاننا لديننا ووجداننا وخيانتنا لوطننا وإخواننا، فانظرْ أيُّها الصَّغيرُ المُكَبَّر، الحقيرُ الموقَّر، كيف تعيش معنا؟!”[4]

     لقد كان الكواكبيّ شجاعاً –وهذا أمر يجب التأكيد عليه دائماً-بل كان بطلاً فكريّاً قلَّ نظيره، وكانت شخصيته مجبولةً بحبِّ الخطر، وقد اختار مواجهة الظَّالمين، وأكسبته أسفاره الكثيرة خبرات كبيرة، فقد كان جوَّاب آفاق: سافر إلى الهند والصين ووصل إلى سواحل شرق آسيا وسواحل أفريقيا إلى أن ألقى عصا التّرحال في مصر، ولكن في مصر-كما يُجمِع المؤرِّخون- ترّصده أتباع السلطان العثماني عبد الحميد، ودسّوا له السُّم في فنجان قهوة في حينما كان جالساً مع أصدقائه في أحد مقاهي حي الأزبكيّة في القاهرة، فمات أحد أكثر المفكِّرين جرأة في التّاريخ العربيّ الحديث، واختفى مع موته كتابان هما “صحائف قريش” و”العظمة لله”، وقيل: إنَّ أعواناً للسلطان عبد الحميد سرقوا هذين الكتابين من منزل الكواكبيّ، ولم يبق من كتبه سوى “طبائع الاستبداد” و”أُمّ القُرى”.

    ولكن ها هو صدى صرخته المدويّة التي تُعبِّر عن اليأس الكبير الذي كان يسري في نفسه، ما زال يتردّد وقعها في أسماعنا:

      “يا قوم ينازعني والله الشُّعور، هل موقفي هذا في جمعٍ حَيٍّ فأحييه بالسَّلام، أم أنا أخاطبُ أهل القبور فأحييهم بالرَّحمة؟! يا هؤلاء، لستم بأحياء عاملين، ولا أموات مُستريحين، بل أنتم بين بين: في برزخ يُسمّى التنبّت، ويصح تشبيهه بالنّوم! يا ربّاه: إنّي أرى أشباح أناس يشبهون ذوي الحياة، وهم في الحقيقة موتى لا يشعرون.”[5]

الحواشي


[1] -عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق وتقديم: محمد عمارة، دار الشروق، القاهرة، ط2، 2009، ص: 30.

[2] -المصدر نفسه، ص: 45.

[3] -المصدر نفسه، ص: 44-45.

[4] -المصدر نفسه، ص: 59.

[5][5] -المصدر نفسه، ص: 108.

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”

أنور السباعي وسردية تفكيك المقدس

أنور السباعي وسردية تفكيك المقدس

رغم التطور العلمي المتسارع والاختراعات التكنولوجية، مازالت الغيبيات تشكل عنصراً أساسياً من حياة الكثير من أعضاء مجتمعنا، ما يجعل فكرة تفكيك المقدس وتناوله بالتمحيص والتدقيق وطرح الشك والسؤال ركيزة لا بد منها للنهوض بالعقل المستنير المعتمد على الحقيقة العلمية المثبتة فكريًا، كخطوة أولية للحاق بركب التطور واختزال الزمن الذي يفصلنا عن مواكبة آخر ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية.

 من هنا برزت أهمية الجرأة في تناول الأدب لفكرة محاورة المقدس رغم ما ينتظر من يقتحم هذا الموضوع من مخاطر التكفير والتهديد بالقتل وقريب العهد محاولات المتشددين اغتيال نجيب محفوظ ومحاربة نصر حامد أبو زيد ونجاحهم في اغتيال فرج فودة رغم أنهم يعترفون بعدم قراءتهم  شيئًا لكل من ذكر. ولكن نما إليهم أنهم كافرون ومعادون للدين، فالدين يتشارك في كل مناحي الحياة الدنيوية التي تتغير بشكل متسارع ما يستوجب إعادة فهمه وقراءته بما يتناسب وروح العصر المتغير، وهذا ما اشتغل عليه أنور السباعي في كل من روايتيه: الأعراف ” برزخ في جنتين” و”مسيح الخلافة” حيث العتبة النصية بالعنوانين توحي بمقاربته للمسألة وتثير التساؤل بمقاصده وتدفع القارئ لتقصي ما يكتنف هذا العنوان من لبس وغموض.

ففي رواية “الأعراف” الصادرة عن كتابنا لعام 2018 يسوق الأقدار للقاء في زنزانة بين شيخ إمام جامع و ثوري ملحد على خلفية الأزمة التي مرت على البلاد السورية ضمن حوارية عملت على خلخلة العقلية الدينية في عمق قضاياها المسلم بها ورغم ضيق المكان الذي احتجزا فيه كان الفكر يحلق عاليًا مفككًا التاريخ والشرائع والنزاعات العقائدية والمذهبية يستند فيها إلى قول جلال الدين الرومي: “الحقيقة كانت مرآة بيد الله، وقعت وانكسرت شظايا، لذلك صار كل من ينظر في جزء منها يعتقد أنها الحقيقة كاملة.” ومن هذا الباب يتمترس كل في موقفه ويدعي احتكار الحقيقة ويرى الآخر مخالفًا له، رغم أن كل طرف منهم يستند على جزء منها ويترك جزءًا آخر ويمضي الحوار متصاعدًا حول معنى قبول الإله بالظلم المطبق على البشر وقتل الأطفال والكوارث التي تحصل. ما معنى أن يتفرج على ذلك كله، معرجًا على موضوع العقاب والثواب ومعنى العبادة ذاتها وما حاجة الإله المتعالي إليها وهو الغني عن ذلك كله، وربطه حواريات الفقهاء بالواقع السياسي في كل مرحلة، وكيف وظف الدين دائمًا في خدمة السياسة وحصد نتائجها المدمرة الفقراء والمضطهدون مستعرضًا بعض الآيات العنفية: “إن الذين كفروا بآياتنا، سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب” سورة النساء:56، عدا عن إثارة قضية خلق القرآن من جديد، هل هو خالق أم مخلوق؟ التي راح ضحيتها العديد من أصحاب فكر المعتزلة في التاريخ وهذا بحد ذاته كاف كي نتجاوز النصَّ إلى المعنى والفكر المعاصر.

أما في روايته “مسيح الخلافة” الصادرة عن دار سامح للنشر لعام 2022 فقد  بدأ بها كمن يسرد يوميات كائن يعيش اللاجدوى في السويد ولا يستوعب عقله أن تخلو الطرقات من الجثث والضحايا وألا تثقب أذنيه أصوات الهاون والمتفجرات مستحضرًا ذاكرة قريبة تشبه في جزء منها  أدب اليوميات في رؤية حداثية لتمازج الأجناس الأدبية عبر مذكرات الشخصية المحورية جيلان وتقاطعها مع حياة فادي وتلاقي مصائرهما رغم الاختلاف الطائفي، الطائفية التي كان لها وجوداً مدمرًا في المقتلة السورية،  وقد اجتمعت فصائل جهادية من كافة جهات الأرض لتمعن في النسيج الاجتماعي هتكًا وتمزيقًا، وتغيب بعدها مطالب الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية حيث  تبدلت المواقع مع أسلمة الحراك وتنوعت الأصوات والآراء والمواقف بين مؤيد ورافض وصامت.

فمقاربة المقدس الاجتماعي بدأت منذ البداية عندما تنامت تساؤلات جيلان الشخصية المحورية عن مفاهيم العقل الذكوري السائد باستخدام مفردات الأنوثة على شكل شتائم وما مر بها من الهواجس الأولى للفتاة وخوفها من ملامح أنوثتها؛ ولماذا هي عورة، وتخوفها من الحيض الأول؛ وبين الحيض والموت قصة حياة كل أنثى في الشرق وتطاولت أسئلتها لتتجرأ على المحرمات ورميها في محراب الرفض فمثلاً لماذا يحلل ضرب الزوج لزوجته في الآية المعروفة.

وما كلمات الأب ليتني “ما جنيت على أحد” كنوع من التناص مع وصية أبي العلاء على قبره “هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد” حيث نصف الكلمة يوحي بالشق الكامل الذي سكت عنه النص وهو تخوف الأب مما ينتظر كل امرأة لا تندرج في القطيع السائد فكيف تقنع المرأة بدين يدعو إلى ضربها، وهي ستضرب على أي حال ولكن مع الفتوى الدينية تحرر الذكر من عقدة الذنب تجاه الموضوع بأنه حق له ولكن علم الأخلاق هل يقول ذلك!

 فالصبية التي ربيت على الاعتزاز وفق قول نوال السعداوي: “لا تكوني مثل أي أحد كوني أنت” في صوت متفرد للمرأة في النص سليلة أبوين من طائفتين مختلفتين تعاني مواجهة مضاعفة في الحق والانتماء والهوية.

لا يريد أنور السباعي أن يتهم بأنه متحيز لدين محدد أو طائفة معينة ونقدها فهو ينتقد الجميع لذلك رغم كل ما نعرفه عن المحبة بالمسيحية يورد قول السيد المسيح: “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.
 
فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا.” (متى 10: 34) مؤكدًا على وجوب تأويل أي نص بما يتفق وينسجم مع روح وحاجات الإنسان المعاصر حيث يرى بذور للعنف في أي دين يجري استثماره لقضايا دنيوية وعهود محاكم التفتيش لاتزال حاضرة في الذاكرة.

يدخل الكاتب عميقًا في أفكار الأقليات مشيراً إلى ظاهرة التقمص عند بعض الطوائف الباطنية وكيف تستخدم في التنابذ المذهبي مستبطنًا وقوفها على الحياد في الأزمة التي عصفت بالبلاد والخوف الذي تعيشه لانتماء ولدت به ويتم تكفيرها بناء عليه.

يضيء كذلك على الأعراف المبثوثة بالوعي الديني وكيف المعزون بجد فادي من الأصدقاء يتحرجون من كلمة “الله يرحمه” لأن الرحمة لا تجوز على الكافر أو النصراني “ص 133” في بعض الفتاوى المتشددة، ويعيد للأذهان عبارة “نصراني طورق” التي درجت في فترة ماضية كان لا يستطيع فيها أن يمشي بالسوق رافعًا رأسه، فادي كان صوت الآخر في الحراك الذي يرى كيف يقصيه لانتمائه المذهبي ويورد استهجانه للتاريخ الذي يعتبره كمسيحي ذميًا أي ناقص المواطنة. الإضاءة كذلك على مجتمع داعش المتشدد في المجالين الديني والاجتماعي الذي ينظر للنساء نظرة دونية واستعبادية فيقول: “كل النساء عاهرات ماعدا أمي” والمواقف المتطرفة الأخرى في فهم الشريعة فكل من يمتنع عن بيعة الأمير يصنف في حكم الخوارج ويتوجب محاربته وNهدار دمه.

وكل ذلك باسم الرب، لمن يدعي امتلاك صوت الإله وجنته وناره، ناهيك عن الخوف الذي يكتنف صورة عذاب الآخرة وتصوير الخالق بشكل مفزع يقوم بشي من لا يلتزم بتعاليمه وعبادته ليكون ظل المستبد ودريئته التي يتحصن بها.

في أسلوب آخر من قراءة المذكرات للدخول في تاريخية أحداث حصلت بطريقة ما وعلى الرغم من أنها طريقة كلاسيكية لكنها لبست لبوسًا عصريًا في ذاكرة فادي عبر استخدام الذواكر الرقمية وأجهزة النت، فطريقة زر الإطلاق بالقتل لا تشعر القاتل بوطأتها وبالجرم المرتكب وتبدو كأنها لعبة كمبيوتر تدرب عليها اليافعون طويلًا لذا لم يدركوا أبعادها، ألا وهي سهولة القتل الذي لا يرى القاتل فيها ضحيته.

الريف الحلبي يشتعل وآمال الثورة عند جيلان باتت في الحضيض. سوريون بانتماءات مختلفة يتبادلون مواقعهم المتناقضة فمن كان مع الجيش السوري انتقل لصفوف داعش ومن كان مع الجيش الحر صار مع الجيش النظامي وهكذا دواليك. وفادي تحول من الإنسان المسالم المؤيد إلى مجاهد دوره جز الرقاب عند فقدانه لذاكرته ما يذكرنا بالمسلوب في قصة جنكيز إيتماتوف الذي لا يعي ولا يتذكر من كان وإنما حنين عميق يسحب روحه لشيء ما ولا يدرك معناه.

ففي حادثة موت سلمى صديقة جيلان، كل الاحتمالات واردة بالتسبب في مقتلها، هل هم الثوار الذين هاجموا بسيارة مفخخة؛ أم هو النظام الذي اضطرهم للسلاح؛ أم أن السلاح كان موجودًا من اليوم الأول؛ أو من أعطاهم التمويل للسلاح؛ أو من صنع تلك السيارة التي فخخت. من القاتل ومن الضحية، حيت بات تبادل الأدوار بردود الأفعال والدفع نحو الانتقام كل لمظلوميته التي يراها.

السؤال القاسي هل خرجنا للحرية أم لدفنها، الحرية باتت ثوبًا مطاطًا يلبسه جسد بكل الأحجام والكل يعتبرها قضية له وهدفه، ولكن الضياع هو مآل الكثيرين ممن خابت أحلامهم وممن لم يكونوا يريدون الوقوف في صف الرصاص، الضياع الذي أودى بنوار “ابن الساحل” للانتحار وهو ابن السجين السياسي السابق خوفًا من دخوله في حرب ليس طرفًا فيها.

الاسم الكردي لجيلان صاحبة الرؤية الملونة التي بها جذبت عاشقها إليها إذ إن هشاشتنا تعكس إنسانيتنا، حاول الكاتب من خلالها المرور ليطرح بعض النماذج عن القضية الكردية ومظلوميتها في طرحه لهموم الجنسية والحق فيها.

ينفصل السارد عن شخصياته ليذكرنا أنه في السويد يعيش غربته الأخرى في الزمن الحالي الذي يطل فيه على ذاكرته القريبة يحاور ذاته: كيف لي أن أحيا بلا أصوات قذائف وبلا جثث موزعة على الطرقات، ويفتش عن وجود يكون فاعلًا فيه، فالراوي المجهول الذي نكتشف دوره في الحكاية يميط الستار عن الأحداث في البدء ويسدله مرة أخرى ليكون أحد الشخوص في نهاية حكايته وقد انكسرت أحلامه واغتصبت ثورته وبقي وحيداً لا يقبله أحد معبرًا عن خيبة جيل كامل توزع مقهورًا في رحاب الأرض.

سعد الله ونوس: مسرحي بحجم وطن

سعد الله ونوس: مسرحي بحجم وطن

“نحن لا نصنع مسرحاً لكي نثبت فقط أننا لاحقون بركب المدنية، إننا نصنع مسرحاً لأننا نريد تغيير وتطوير عقلية، وتعميق وعي جماعي بالمصير التاريخي لنا جميعاً.. المسرح في الواقع هو أكثر من فن، إنه ظاهرة حضارية مُركبة، سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها”. ربما تلخص تلك الكلمات، وهي للمسرحي سعدالله ونوس، حجم المسؤولية الثقافية الكبيرة التي تحلى بها خلال مسيرته المسرحية، التي أبدعت مسرحاً جديداً، مسرحاً وجودياً فلسفياً يقوم على الجدية والوعي ويختلف عن مسرح الخطابة والتهريج، يؤمن بدور الفعل وتأثير الكلمة، يدافع عن قضايا الناس ويشجع المجتمع أن ينهض ويمتلك وعياً.

 ومنذ مسرحياته الأولى ظهر ونوس، الذي درس الصحافة في القاهرة بداية الستينيات، كأحد أعلام التنوير، كونه من أكثر الكتاب المسرحيين العرب التزاماً بالقضايا الوطنية العربية، بل كان، في كثير من الأحيان، صوت ضمير العديد من المثقفين ولسان حالهم، في زمن الصمت والعجز عن حرية التعبير. حَمَل عنهم عبء المواجهة مع السلطات السياسية والدينية، وعبَّر من خلال كتاباته بشكلٍ واضحٍ عن فكره اليساري دون مواربة، وبرز مسرحه كأداة لنشر التوجهات الفكرية والتنويرية وعكس ظروف العالم العربي وعرَّى واقعه السياسي، فعقب نكسة حزيران كتب ونوس مسرحية “حفلة سمر من أجل 5 حزيران”، التي جعلته من أبرز أعلام كُتاب المسرح، وتناول من خلالها واقع هزيمة العرب ووجع الشعب المهزوم. وعقب انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1987 كتب مسرحية “الاغتصاب” التي صورت الصراع العربي الإسرائيلي، من خلال رواية فلسطينية وأخرى إسرائيلية، يميز فيهما بين الصهيوني واليهودي ويوضِّح حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال. وقد كان ونوس من أكثر الكُتاب مناصرة للقضية الفلسطينية، وذلك منذ بداية دراسته لفن المسرح في فرنسا أواخر الستينيات، حيث أحيا مع زملائه العديد من النشاطات السياسية والثقافية، التي كانت تهدف للتعريف بقضية الشعب الفلسطيني.

ومنذ بداياته خلق ونوس تقنيات وأساليب مسرحية جديدة، أهمها تقنية كسر الحاجز بين المسرح والجمهور، أو ما يسمى بهدم الجدار الرابع بين الممثل والمتلقي. ومن خلال هذه التقنية كان ونوس يحضُّ المتفرج على المشاركة في بناء الحدث المسرحي ويتوقع منه أن يُعبِّر عن رأيه، ونستند في ذلك إلى كلام ونوس: “المتفرج هو النصف الأساسي لأي عرض مسرحي، هو هدف العرض، وهو مسؤول عنه أيضاً، لذلك عليه أن يمارس حقوقه كاملة، أن يؤدي دوره بشكل تام وإيجابي. عليه أن يملأ حيزه في كل نشاط مسرحي، أن يقبل ويرفض، أن يضغط ويقاطع، أن يقول ما يريد ويصحح ما يُحكى له. باختصار ألا يكون سلبياً يأخذ ما يُقدم له دون اعتراض، ودون تمحيص”.   

في مسرحية “حفلة سمر” تكون الخشبة مضاءة منذ البداية والمسرح دون ستارة، مفتوح أمام الجمهور منذ دخوله إلى الصالة، فيما يجلس بعض الممثلين  بين الجمهور ليؤدون أدوارهم من هناك، وهو ما جعل العرض أشبه بمسرحية داخل المسرحية وفسح المجال أمام الجمهور ليتفاعل مع العرض وليكون جزءاً منه، وأعطى للحدث وللشخصيات بعداً اجتماعياً مميزاً.

التقنية ذاتها استُخدمت في مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” التي تدور أحداثها داخل مقهى شعبي، حيث صُممت الخشبة على شكل ذلك المقهى، الذي يضم حكواتياً وعدداً من الزبائن. ومن خلال تفاعل زبائن المقهى وتعليقهم على الحكاية، التي يرويها الحكواتي، وتدخلهم في مجريات الأحداث، عمل ونوس على توريط المتفرج وجعله طرفاً فاعلاً في العرض المسرحي، وفسح له المجال ليتدخل في مجريات الحدث وليتفاعل مع الشخصيات (زبائن المقهى) ويخلق حواراً معهم. 

تسييس المسرح

طرح ونوس مشروع تسييس المسرح ، بدلاً من المسرح السياسي، انطلاقاً من إيمانه بقدرة وأهمية هذا النوع من المسرح، الذي يقوم على فكرٍ نهضوي وتحريضي، في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية في العالم العربي. وهنا نستند إلى قوله: “على المسرح أن يُعلم الجمهور، ويعكس له أوضاعه بعد أن يحللها ويضيء خفاياها، وأن يحفز الناس على العمل، وأن يحثهم على أن يباشروا مهمة تغيير قدرهم الراهن. المسرح العربي الذي نريد هو الذي يدرك مهمته المزدوجة هذه: أن يعلم ويحفز متفرجه. هو المسرح الذي لا يُريح المتفرج أو يُنَفس عن كربته، بل على العكس هو المسرح الذي يُقلق، يزيد المتلقي احتقاناً، وفي المدى البعيد يهيئه لمباشرة تغيير القدر”.  وبهذا المعنى فإن وظيفة المسرح لا أن يُفرغ طاقات الجماهير ويرفه عنها وإنما عليه أن يشحن الجماهير ويحرضها على التغيير ويطور عقليتها ويستنهض طاقاتها، ليتشكل وعيها السياسي وتستفيق من تخديرها، وذلك على عكس المسرح “التنفيسي” الذي كان سائداً في مرحلة السبعينيات وتنحسر وظيفته  في إضحاك الجمهور والتخفيف عنه، وهو المسرح الذي كانت تستخدمه السلطات السياسية كأداة لإيهام الجمهور بأن هناك حرية تعبير عن الرأي. ولأن ونوس كان ناقداً لهذا النوع من المسرح جعل مسرحه أشبه بمنتدى سياسي واجتماعي يناقش أبرز القضايا والأسئلة الراهنة للجمهور،  ويقوم على شراكة وتفاعل بين الممثل والمتلقي ليتعلم كل منهما من الآخر. 

في مسرحية “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” كان ونوس يهدف لتحريض الجمهور على التعبير بحرية عن مواقفه ووجهات نظره حيال ما يجري فوق الخشبة، ويدفعه ليفكر بشكل نقدي تحليلي، ويميّز بين الكذب والحقيقة، ليس فقط أثناء العرض وإنما في الواقع أيضاً، فالعرض ينتقد الحكومات والزعماء السياسيين والمؤسسات الرسمية فيما يتعلق بالنتائج الكارثية المؤلمة لنكسة حزيران وآثارها السلبية على الشعب، الذي تجرع مرارة الهزيمة، والذي سيواجه مختلف أساليب القمع من قبل السلطات السياسية في حال عَبَّر عن استيائه مما جرى أو ناقش أسباب الهزيمة.

وفي مسرحية “الفيل يا ملك الزمان”  يحاول ونوس أن يحفِّز الشعب على تغيير واقعه، عبر انتقاده لسلبية هذا الشعب وإذعانه المطلق لسلطة الزعيم، وانتقاد خوفه  من الدفاع عن نفسه أو التعبير عن استيائه من الطغيان والظلم، والمطالبة بأبسط حقوقه المسلوبة. وتتحدث المسرحية عن فيل الملك، الفيل الذي عاث خراباً وفساداً في المدينة وأقلق راحة سكانها، ولكن الشعب المستاء من الفيل والمتضرر منه، وعوضاً عن تقديم شكوى للملك، اقترح تزويج الفيل تحت تأثير الخوف من عقاب الملك، وهو ما ساهم في مضاعفة آلامه وعذابه.  

المسرح أداة لنقد السلطات

 يعتبر ونوس من أهم الشخصيات الثقافية العربية التي جمعت بين التنظير والممارسة، عبر خطابه المسرحي الذي  ساهم في نشر قيم الوعي والحرية وكان ناقداً لجميع الأشكال السلطوية في المجتمع. ففي مسرحية” الملك هو الملك” ينتقد السلطة السياسية، وذلك من خلال قصة ملكٍ ظلم شعبه ظلماً لا يطاق، فانتشر الفقر وعم الجهل والتخلف بين الناس وبات الشعب يتضور جوعاً ويحلم برغيف الخبز، وكان من بين هذا الشعب رجل معدم يتمنى أن يصبح ملك البلاد  ليومٍ واحدٍ فقط، لكي ينشر العدل ويقضي على الجوع والفقر ويعيد للناس حقوقها المسلوبة، ولما ذاع خبر الرجل أمر الملك بإلقاء القبض عليه، وبدل أن يعاقبه أمر بتحقيق أمنيته وتنازل له عن العرش لمدة يوم، ولكن الرجل بمجرد أن وضع التاج على رأسه تغيرت أفكاره فجأة، فزاد الظلم ظلماً وفاقم واقع الشعب سوءاً. ما توضحه المسرحية هو أن صفات وممارسات الملوك ثابتة لا تتغير، فالملك هو الملك مهما تغيرت الوجوه والأسماء التي تشغل هذا المنصب.  

وفي مسرحية “طقوس الإشارات والتحولات“، وجه ونوس انتقاداته للسلطة الذكورية والدينية، وأظهر من خلال العرض موقفه الداعم للمرأة، التي تظهر معاناتها كضحية للسلطة الأبوية والزوجية، في مجتمع ذكوري يحرمها من ممارسة أبسط رغباتها في الحب فيما يبيح للرجل جميع أشكال المتع والرغبات الجسدية. المسرحية حملت خطاباً جريئاً ومناهضاً للعادات والتقاليد، يعري دور رجالات الدين ويفضح زيف ادعاءاتهم، وينادي بحرية جسد المرأة في ظل إذعانه للأعراف والقيم الدينية والقمع المجتمعي. كما يبرز العمل النوازع النفسية للشخصيات في علاقتها مع تحولات جسدها، ويقدم قراءة معمقة للجسد البشري وأبعاده العاطفية والروحية ويمنحه سمواً وتمجيداً، ويدعو لتحريره من رغباته في سبيل أن يصل لحريته. ومن خلال العرض كان ونوس يرسل أفكاراً وإشارات إلى الجمهور تحرض مخيلته وتدفعه لكي يتساءل ويعي الواقع الذي تعيشه المرأة.

أما في مسرحية “منمنات تاريخية ” فقد انتقد ونوس السلطات الثقافية والاقتصادية والمجتمعية، من خلال استدعاء الموروث التاريخي لمحاكاة الواقع الحالي بإسقاطات تاريخية، إذ يحكي العرض عن احتلال تيمورلنك لدمشق، ويفضح السلطة الاقتصادية بتحالفاتها المشبوهة مع التجار وأصحاب رؤوس الأموال، الذين خافوا على مصالحهم وتجاراتهم ليتحالفوا بدورهم مع رجالات الدين والمجتمع، الذين استغلوا سلطتهم لتحقيق مآربهم ومصالحهم الخاصة، فتخاذلوا جميعاً وأذعنوا للاحتلال وأسهموا بإسقاط دمشق بيد تيمورلنك.

مساهمات

 قدمت مسرحيات ونوس إسهامات كبيرة في تطوير الحركة المسرحية العربية وفي إنارة الوعي العام بقضايا التحرر وحرية التعبير والتغيير الاجتماعي. كما اشتهرت أعماله عربياً وعالمياَ وتُرجمت إلى عدة لغات ونالت الكثير من الجوائز العربية والعالمية، وأصبحت مرجعية مسرحية يتسابق المخرجون على تقديمها.  وإلى جانب ذلك أسهم ونوس في نهاية السبعينيات في إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية، وعمل مدرساً فيه، كما عمل مديراً للمسرح التجريبي في مسرح القباني وأسس مع صديقه المسرحي الراحل فواز الساجر عام 1977 فرقة خاصة تهدف لتقديم المسرح الوثائقي. وفي العام ذاته أسس مجلة “الحياة المسرحية” وشغل منصب رئاسة تحريرها منذ انطلاقتها وحتى عام 1988. ويعود له الفضل، إلى جانب بعض زملائه المسرحيين، في إقامة مهرجان دمشق المسرحي عام 1969 الذي حقق نجاحاً كبيراً على مستوى الوطن العربي، وقد قدم فيه مسرحيتين من أعماله: “الفيل يا ملك الزمان” إخراج علاء الدين كوكش، و”مأساة بائع الدبس الفقير” إخراج رفيق الصبان.

 وإلى  جانب إسهاماته المسرحية شغل ونوس منصب مدير قسم النقد في مجلة المعرفة الصادرة عن وزارة الثقافة عام 1964،  وعُيَّن رئيس تحرير لمجلة “أسامة” الخاصة بالأطفال، بين عامي 1969 و 1975، كما عمل محرراً وكاتباً في الصفحات الثقافية في عددٍ من الصحف العربية، كصحيفة الثورة والآداب، وشغل منصب مسؤول القسم الثقافي في جريدة السفير اللبنانية.

مقاومة المرض بالكتابة

عام 1992 أصيب ونوس بمرض السرطان وتوقع الأطباء أنه لن يعيش سوى  ستة أشهر، لكنه رغم ذلك لم يغب عن المشهد المسرحي، وكان يقاوم مرضه بسلاح الكتابة لنحو خمس سنوات،  كتب فيها أهم أعماله المسرحية. وفي عام 1996 كلفه المعهد الدولي للمسرح، التابع لليونسكو،  بكتابة رسالة يوم المسرح العالمي، التي ترجمت إلى عدة لغات، وأكد من خلالها عشقه وإخلاصه للمسرح، حيث يقول فيها: “منذ أربع سنوات وأنا أقاوم السرطان. وكانت الكتابة، وللمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي. طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة، التي تربطني بالمسرح، وأن أوضّح له أن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيلي”. وفي الرسالة ذاتها كتب ونوس جملته الشهيرة الخالدة، التي أصبحت بمثابة حكمة يرددها الملايين في كل مكان: “نحن محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”. 

 توفي ونوس، ابن مدينة طرطوس، في 15 أيار عام 1997، عن عمر ناهز 56 عاماً، بعد صراع مع مرض السرطان استمر لأكثر من خمس سنوات، تاركاً وراءه نحو أكثر من عشرين عملاً مسرحياً، إلى جانب عشرات المقالات والأبحاث والدراسات المسرحية، وقد نشرت أعماله في ثلاثة مجلدات.

ونذكر هنا أبرز أعماله المسرحية وفق تسلسلها الزمني:  

مسرحية “ميدوزا تحدق في الحياة” 1963 (نشرت في مجلة الآداب)

مسرحية “جثة على الرصيف” 1963 (الموقف العربي- دمشق)

مسرحيتا “فصد الدم” و “مأساة بائع الدبس الفقير” 1964 (مجلة الآداب)

مجموعة من المسرحيات القصيرة بعنوان “حكايا جوقة التماثيل” 1965

مسرحية ” حفلة سمر من أجل 5 حزيران” 1968 (عرضت في سوريا، لبنان، السودان، العراق والجزائر. وترجمت إلى اللغة الفرنسية والإسبانية)  

مسرحية “الفيل يا ملك الزمان” 1969 (عرضت في جميع الدول العربية. وترجمت إلى الإنكليزية والروسية والبولونية)

مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” 1970 (عرضت في سوريا، لبنان، العراق، مصر، الكويت،الإمارات، الجزائر، فرنسا، ألمانيا. وترجمت إلى الألمانية والروسية. كما تحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج محمد شاهين وإنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا عام 1974)

مسرحية “سهرة مع أبي خليل القباني” 1972 (عرضت في سوريا، الكويت وألمانيا. وترجمت إلى الروسية)

مسرحية “الملك هو الملك” 1977 (عرضت في سوريا، تونس، العراق، مصر، الإمارات،البحرين. وترجمت إلى الإنكليزية والروسية)

عرض “يوميات مجنون” للمسرح التجريبي 1977

مسرحية “رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقضة” 1978 (عرضت في سوريا، الكويت،لبنان، مصر، المغرب)

مسرحية “الاغتصاب” 1989 (عرضت في سوريا، لبنان، الأردن، مصر. وترجمت إلى الألمانية والإيطالية)

مسرحيتا “منمنات تاريخية” و “يوم من زماننا” 1993

مسرحيتا “طقوس الإشارات والتحولات” و “أحلام شقية” 1994

مسرحية “ملحمة السراب” 1995.

المراجع

١-سعدالله ونوس/ الأعمال الكاملة/ المجلد الأول (دار الأهالي للنشر والتوزيع- دمشق / الطبعة الأولى 1996).

٢- “رسالة يوم المسرح العالمي”، ص 17 من المجلد الأول / الأعمال الكاملة لسعدالله ونوس (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى1996).

٣-سعدالله ونوس / الأعمال الكاملة / المجلد الثاني (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى 1996).

٤- سعدالله ونوس/ الأعمال الكاملة/ المجلد الثالث (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى 1996).

٥- “بيانات لمسرح عربي جديد” ص 15 من المجلد الثالث/ الأعمال الكاملة لسعدلله ونوس (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى 1996).

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”

لوحة مفصلية في مسيرتي التشكيلية: الفنان وضاح السيد

لوحة مفصلية في مسيرتي التشكيلية: الفنان وضاح السيد

وضاح السيد فنان سوري تخرج من كلية الفنون الجميلة في دمشق سنة ١٩٩٠. أقام ٢٤ معرضاً فنياً وشارك في عدة معارض داخل سوريا وخارجها. أسس في دبي مركز وضاح السيد للفنون. ابتكر عجينة خاصة للنحت، وحصل على أربع جوائز آخرها جائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للسلام. لوحاته مقتناة في ٢٨ دولة.

صالون سوريا: متى رسمتَ هذه اللوحة، ما الشرارة الأولى التي كشفت الطريق إليها، هل هناك فكرة أو إيحاء أو تأثير معين دفعك إلى رسمها؟

وضاح السيد: رسمتها منذ عشر سنوات. وكان المصدر الملهم لي في رسم لوحة ملاذ هي الثقافة الروحية وعلومها المختصة في طرق التطهير الروحي والتي تدعو جميعها لفكرة إيجاد الملاذ العقلي والروحي للنفس.

ص. س: ما موضوع هذه اللوحة، وما العوالم التي تشير إليها وما الذي تحاول إيصاله فنياً فيها؟

وضاح السيد: في لوحتي ملاذ… كانت عيناها الملاذ الذي يشفي الروح التائهة… ووجهها هو اختزال وانعكاس لتلك العوالم المستنيرة التي تغني للخير وللحب بصمت التعبير في وجهها.

ص. س: ما الذي تشكله هذه اللوحة في مسيرتك الفنية؟

وضاح السيد: ملاذ …هي الهوية الخاصة باسمي كفنان و هي المرآة  الصافيهة لفلسفتي الروحية.

ص. س: كيف تختلف هذه اللوحة عن لوحاتك السابقة؟

وضاح السيد: هي نقلة نوعية من التعبيرية المحلية كمدرسة فنية إلى التعبيرية الكونية التي تنتقل بالمتلقي إلى البعد الخامس روحياً.

ص.س: ما الذي يتوفر في هذه اللوحة كي نقول بأنها لوحة إبداعية؟

وضاح السيد: تتوفر فيها الجدة في الموضوع والطرح التشكيلي فهي محاولة ناضجة لتحويل تكنيك التطهير الروحي إلى مشهد بصري.

ص.س: ما الأدوات المستخدمة في اللوحة وكم استغرق إنجازها؟ استعملت في صناعتها ؟

وضاح السيد: تقنيات ألوان الإكريليك مع الريشات المروحية بكل قياساتها واستغرقت في رسمها عشرة أيام.

ص. س: هل كانت آراء النقاد والمشاهدين مطابقة لما ترمي إليه في هذه اللوحة؟

وضاح السيد: معظم المشاهدين من نقاد وذواقة اتفقوا على رأي واحد …أنها لوحة فيها إدهاش بصري وسحر تعبيري والروحانيون منهم استطاعوا أن يقرؤوا لغتها البصريه العلاجية.

ص.س: ما مصير هذه اللوحة؟

وضاح السيد: اللوحة تم اقتناؤها من سيدة إماراتية وقد طُبعت نسخ منها واستُعملت في عدد من المسلسلات السورية، منها بقعة ضوء.

ملف يعده: أسامة إسبر