النّدابة.. قرباطية تؤجر حزنها لتبكي أمواتاً لا تعرفهم 

 النّدابة.. قرباطية تؤجر حزنها لتبكي أمواتاً لا تعرفهم 

هاتف ليلي لأحد الأصدقاء في العام ٢٠٠٩، دفعني لمشاركته رحلة سفر نحو واحدة من مدن ريف حمص الشرقي، وطيلة الطريق الذي استغرق نحو ست ساعات تقريباً، كان الحديث يعود باستمرار لسيرة عم صديقي الذي توفي بحادث سير ناجم عن القيادة بسرعة تحت تأثير الكحول. كان المتوفى عائداً من سهرة في أحد الملاهي الليلية وترافقه راقصة تحمل جنسية إحدى الدول المغاربية.

 لم يكن هذا الحديث معتاداً بالنسبة لي، فهو عكس ما تقوله القاعدة المعروفة “اذكروا محاسن موتاكم”، فصديقي ذاك كان يوغل في نبش الحكايا السيئة عن عمه الذي يصرف مبالغاً طائلة على ملذاته، فيما يبخل على أسرته بالمصروف، وهو رجل يعمل بـ “الربى”، فلا يُعطي مالاً بدون فائدة حتى لأقاربه المقربين، وعموم ثروته كدسها من سرقات من القطاع العام، حينما كان مسؤولاً في مؤسسة حكومية بحمص تُعنى بإنشاء مباني المشروعات. بدا لي هذا الرجل بغيضاً من خلال حديث ابن أخيه الذي أجبر على حضور العزاء من باب الواجب العائلي، إلا أنه صدمني بجنازته.

الدهشة الأولى

سار موكب الرجال يحمل النعش بخطى ثقيلة، وفي الخلف نسوة تتقدمهن مسنة تبكي الميت بحرقة، وتردد جملاً توحي بأن ما قصّه صديقي عن عمه كان كذباً، خلف المرأة نسوة يبكين بحرقة أيضاً، فيما بقية النساء يمشين بهيبة ووقار دون إبداء الحزن الشديد.

سألت صديقي عن المرأة التي كانت تبكي بحرقة وتندب الميت بكلام مقفى، قلت له “هي شاعرة”، فرد “كل الندّابات شاعرات”، صُدمت ولم استوعب الجملة التي قالها، وبعد انقضاء الدفن والعزاء، سألته عن مدى قرابة المرأة لعمه، فقال ببساطة «قلت لك هي ندّابة، قرباطية تبكي مقابل مبلغ متفق عليه سلفاً»، والصدمة أن كل النساء اللواتي بَكَين عمه في التشييع كنّ من القرباطيات اللواتي يحضرن مثل هذه المناسبات ليبكين نيابة عن نساء العائلة.

خلال عملية بحث عن «القرباط» في محيط العاصمة السورية دمشق، كان مشهد الندّابات هذا يقفز من الذاكرة. تحاول سميرة التي قاربت العقد الخامس من العمر، و تعمل بهذه المهنة من سنوات أن تجيب عنه، وتقول لـ“صالون سوريا“: ”المرة الأولى التي شاركت فيها بتشييع ميت كنت بعمر السادسة عشرة، حينها خرجت ملتفحة بالسواد برفقة مجموعة من نساء المخيم الذي كنت أعيش فيه مع أهلي، صعدنا في صندوق سيارة “بيك آب”، أرسلها ذوي الميت آنذاك، وكنّ مشغولات بالغناء في طريق الذهاب، وبعدّ المال والحديث عما شهدناه في العزاء من كرم أو بخل أو تصرف نسوة آل المتوفى في طريق العودة“.

وتشير سميرة إلى أن جدتها كانت تسأل “حين وصولنا عن اسم الميت ولقبه فقط، لتبدأ بعدها بإلقاء ما تحفظه من رثاء سواء كان شعراً أو أغانٍ، ولحرقة بكائها كنا نبكي معها، وكأننا نبكي على حالها“ بحسب قولها.

حكايا لحزن مفترض 

في ثمانينيات القرن الماضي كانت جدة سميرة تتقاضى ٥٠ ليرة كاملة عن الندب على ميت لا تعرفه، وتحصل النسوة التي ترافقنها على مبلغ ١٠ ليرات لكل منهن، زاد المبلغ في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي  ليصبح ١٢٥ ليرة للندابة، وخمسين لكل من ترافقها، ويُحدد عدد المرافقات وفقاً لطلب ذوي الميت.

أما خولة، فقد كانت أولى مشاركاتها في عملية الندب في أوائل التسعينات، حينها خرجت برفقة أمها لعزاء بريف حمص الشرقي أيضاً، وكان الميت وفقاً لما تذكره مختاراً لقريته، وكان ذوي المختار كرماء، فحصلت كل النساء اللواتي رافقن أمها على مبلغ ٢٥ ليرة كـ “إكرامية”، أو “بقشيشاً”، فيما حصلت أمها على ٢٠٠ ليرة كاملة، فقد بكت حينها بحرقة وكأنها أم الميت أو حبيبته،.

من جهتها تروي خلود لـ ”صالون سوريا“: ”كانت أمي تعمل كحفّافة، أي تقوم بتزيين النساء وإزالة الشعر من وجوههن باستخدام الخيط، ولأنها ذات صوت جميل كانت النسوة يمنحنها وقتاً إضافياً لتغني لهن مقابل بقشيشاً تحصل عليه بعد إنهاء حفلة التزيين، ولم تكن معروفة كندّابة، إلا حين رغبة ذوي أحد الموتى باستقدامها لتندب في عزائهم“، ولا يوجد لدى «القرباط»، تفسير لسبب احتياج سكان القرى لهم في مثل هذه المناسبات إلا بكون ذوي الميت يريدون أن يتباهوا حتى في حزنهم.

عن عمرها تجيب خلود ”مثل ما أذكر ٦٥ سنة“، أما عن الندب فتقول “لا أذكر أن ثمة من طلب نساءً للندب في عزاء منذ عام ٢٠٠٥، كان وقتها ضمن عزاء بقرية في ريف حماه الشرقي، حينها استقلينا السيارة لمدة تزيد عن ساعة لنصل للقرية، وتقاضينا حينها مبلغ ١٥٠٠ ليرة سورية لكل منا، وكنا عشر نسوة، والطريف في الأمر أن النساء اللواتي كنّ يندبن خلال عزاء الميت، وما إن يعدن لثيابهن المزركشة بعد انقضاء المهمة، ليمارسن حياتهن الاعتيادية“.

وفي صباح اليوم التالي سيكون موعدهن لشرب كأس من الشاي أمام إحدى الخيام، ليتشاركن أسرار النساء الحاضرات من أقارب ومعارف الميت، وضمن هذه الجلسة يسخرن من “نساء الحضر“، اللواتي يبدين نوعاً من التحفظ في الاختلاط مع الندّابات لكونهن ”قرباطيات – نوَريات“، وما يثير سخرية الندّابات أكثر هو إنهن يبكين نيابة عن أولئك النساء.

وتردد الندّابات، كل ما يحفظنه من قصائد الرثاء المكتوبة شعبياً، وهي مستقاة من بيئة المنطقة التي يقع فيها هذا المخيم أو ذاك، وغالباٍ ما تكون جملاً من الموروث الشعبي للمنطقة، وتستذكر ونس، بعضاً من جمل جدتها في حالات الندب المأجور ومنها “وشربت من ميهم قطّع معاليچي.. بموتك شلون يبل الوگت ريچي“، ومعناه أن الراثية تسأل المرثي بعد أن شربت من ماء الغرب وتقطعت أحشاؤها وجعاً، كيف سيرويها الزمن..؟!.

أكثر ما كان يهم الندّابات هو قطع اللحم التي يحصلن عليها كحصة من الذبائح التي ينحرها أصحاب العزاء لتكون وليمة لضيوفهم، ويعدن محملات بخبز الصاج الطازج.

ويُعرف عن القرباط عملهم في مهن ”تبييض الأواني النحاسية – تركيب الأسنان المعدنية – لحام أغطية صفائح تخزين الجبن – الطب العربي – الختان“، التي يمارسها الرجال، ذات المردود المنخفض، وهم يعتمدون على ما يحصلون عليه من ”إكرامية“ وهي تتنوع بين المال أو المواد العينية من قمح أو عدس أو ثياب مستعملة، والحال مثله للنساء اللواتي يمارسن في الحياة الاعتيادية مهناً مثل الحفّافة – الونّاسة (ترافق سائقي الشاحنات لتبث لهم الونس بالغناء والحكايا) – الدگاگة (ترسم وشوماً للنساء) – الحچية (امرأة تغني في خيمة ذويها لمن يحضر من زبائن)، وسواها من المهن الأخرى، وتعد عادة المشاركة في ندب ميت ما، ”رزقة“، لم تكن تأتِ كل يوم..

عن هذه المهن تشرح ميادة، لـ ”صالون سوريا“، ”ليس للموت موسم، ونساء القرباط يعتمدن في بعض المهن على الموسم، فـالحفّافة، تطوف بشكل مستمر لتلتقط رزقها، لكنه كان يزيد في موسم الأعراس في القرى، و الدگاگة، كانت تَشِم للنساء بعد موسمي حصاد الحبوب وقطاف القطن، ويزيد عمل الحچيات بعد المواسم لأن جيوب الرجال تمتلىء، لكن الندّابات، وهن غالباً من كبيرات السن اللواتي اعتزلن العمل، ينتظرن عزاء ليلطمن فيه، والتعازي لا تحدث كل يوم“.

تضيف المرأة الستينية التي تخاف من العودة للخيام: “الآن لم يعد ثمة ندّابات، الناس تعودت على كثرة الموت ولم يعد للعزاء ذات الطقوس التي كانت سابقاً، كما إن الناس لم تعد تجد خيامنا، فكل سكان مخيمات القرباط إما استقروا في المدن أو بالقرب من مخيمات النازحين، وفي كل الأحوال بات التسول مهنة غالبية النساء والأطفال، فيما يعمل الرجال في مهن مثل بيع الدخان أو جمع القمامة أو بيع المشروبات الساخنة“.

التسول.. كمصير

في ساحة المرجة تجلس سمر، وهي في العشرين من عمرها، مع والدتها السبعينية على كرسيين لشرب كأس من الشاي خلال فترة الظهيرة للاستراحة من التسول. وتستأجر سمر مع أسرتها المكونة من ١٤ فرداً غرفتين في فندق قريب بأجر يومي يصل إلى ٢٠ ألف للغرفة الواحدة، وهم جميعاً يتسولون لجمع مبالغ تكفي لمعيشتهم وفقاً لتعبيرها.

وتبوح أم سمر، التي أنجبت ابنتها في مخيم شرق العاصمة، قائلة: “كل نساء القرباط كن يحلمن ببيت طبيعي بدل الخيمة، الرجال هم من كان يتحكم بقرار الحل والترحال للقبيلة تبعاً لموسم العمل وشكله، لم يكن ثمة مستقر، وغالباً ما كنا نرحل ليلاً، فيستفيق الناس في مكاننا القديم على اختفائنا المفاجئ، فيما يستفيق سكان أقرب منطقة من المكان الجديد لمخيمنا على مفاجأة وجودنا، كان البعض يجبرنا على الرحيل خوفاً مما يسمعونه عنا من إشاعات، فالبعض يظن أننا نخطف الأطفال، والبعض يعتقد أننا نعمل بالدعارة، وتهم أخرى مثل ممارسة السحر والسرقة وما إلى هنالك“.

“نعتذر عن المجيء”… سوريون يكتفون بالمعايدات الهاتفية

“نعتذر عن المجيء”… سوريون يكتفون بالمعايدات الهاتفية

عيد الأضحى هو “العيد الكبير” هو أبرز الأعياد التي اعتاد السوريون على الاحتفال بطقوسها السوريين كحال كل الشعوب الإسلامية، وهي مناسبة اجتماعية متجذرة في عاداتهم للتلاقي بعد  طول غياب وتبادل التهاني.

 كما أن العيد يعتبر فرصة لرأب الصدع بين المتخاصمين، لكن هذا العيد كان صعباً ولم يعد بوسع أغلب السوريين تمضية أيامه سويّة، وذلك لعدم استطاعة السوريين خارج بلادهم تكبد نفقات السفر الكبيرة ، فيما حال الموجودين في الداخل ليس بأفضل، فمصاريف التنقل بين المحافظات باتت مرهقة.

تمسك دينا (30 عاما) جهازها الخليوي وتفتح الكاميرا لتبدأ بتقديم التهاني والمعايدات لوالديها، لكنها سرعان ما تجهش في البكاء، فلعنة المسافة الجغرافية لا يمكن للتكنولوجيا أن تقربها، ولا يمكن للشاشة الصغيرة أن تحل مقام الحضن والقبلات الحارة. تقول الشابة التي تقيم في أربيل لـ”صالون سوريا” :” هذا العيد الأول لي وأنا بعيدة عن أهلي، لا طعم للعيد بدونهم، كما أنني لم أتمكن من حضور عيد الفطر، أشتاق إليهم كثيرا، صحيح أن التكنولوجيا تمكنني من الاتصال معهم ورؤيتهم، لكنها لا تقارن بحضنهم الكبير”، وعن سبب عدم تمكنها من زيارة والديها وقضاء العيد معهم، توضح الشابة ” مضى على إقامتي عام وشهرين، أعمل كنادلة في مطعم هنا، راتبي لا يتجاوز 500 دولار، فيما ستكلفني زيارتي لأهلي قرابة 800 دولار، تشمل تذكرة الطيارة، مصاريف التنقل وفحص كورونا وبعض الهدايا، أي انها تعادل راتب شهر ونصف من العمل الطويل والمضني”، وتختم دينا حديثها قائلة:” اكتفيت مجبرة بمكالمة فيديو ، استعيد فيها  معهم ذكريات العيد البعيدة حين كنا صغار والكثير من الدموع التي حرقت وجنتاي، لا أعلم متى سأزورهم، ربما بعد عامين، فقدومي إلى هنا من أجل العمل وجني المال وإرسال النقود لأهلي للعيش بكرامة”.

حال عباس (28 عاماً) ليس بأفضل، فهو أيضاً استبعد كلياً فكرة  نزوله من أربيل هذا العيد للمصاريف الباهظة التي سيتكبدها وقد تصل إلى 1200 دولار، أي ما يقارب نصف راتبه الشهري، يقول الشاب:” قررت عدم زيارة أهلي وذلك بسبب النفقات الباهظة، فسوريا باتت أغلى معيشيا من هنا، فتكلفة تذكرة الطيران ترتفع في هذا التوقيت، بالإضافة إلى نفقات التكسي وفحص الكورونا والوزن الزائد والهدايا ،وأجور خدمات المطار، من حمل حقائب وبقشيش وسواها”، يعقب الشاب:” حتى إرسال المعايدات المالية باتت مهمة صعبة وخاسرة ومكلفة، فأجرة تحويل مبلغ مالي قدره 400 ألف ليرة سورية، يتم قضم حوالي 30 ألف ليرة سورية منه لإيصاله إلى أهلي ، وهناك مكاتب تأخذ عمولة عالية على أجور التحويل، ما يسبب خسارة لي أنا أيضا”

الوضع المادي يفّرق العائلات في العيد

“كيفك ماما… لاتزعلي مني بس مافيني أنزل، ما عطوني إجازة، رح ابعتلك عيدية لإلك ولأخواتي وبجي عن قريب” هكذا تهرب ماهر  من محادثته الهاتفية مع والدته التي أ ضناها شوقها لرؤيته، فالشاب تحجج بضغط العمل ورفض إجازة كي لا يخبر والدته بأن قدومه في عيد الأضحى يعني أنه سيبدد المال الذي جناه خلال عام كامل، يقول الشاب” لا أريد كسر خاطر أمي، سأكتفي بإرسال العيدية لها ولأشقائي، المبلغ الذي سأنفقه في إجازتي يعادل ما أدخره خلال سنة، سيذهب تعبي سدى”.

أحوال السوريين في الخارج  ممن يتقاضون رواتب ضئيلة دون 1500 دولار تتشابه تقريبا،  فسيتحتم عليهم تكبد نفقات كبيرة خلال فترة وجيزة، مايعني عبء مادي جديد يرهق كاهل غربتهم المريرة، وعن ذلك يقول جاد(25 عاما)” علي أن أفاضل بين زيارة أهلي وبين تجديد جواز سفري الذي ستنتهي صلاحيته بعد شهرين، ما يعني أنني سأدفع مقابل تجديده قرابة 1500دولار، أدخر  كلفته منذ أكثر من 4 أشهر”، متابعا “يذبحني شوقي لأسرتي، لكن في الوقت نفسه لا أملك المزيد من المال لنفقات السفر وتجديد الجواز معا، لا أستطيع الاستدانة من أحد ومراكمة الديون  “أما طارق ففضل توفير نفقات السفر إلى بلاده لصالح البدل الخارجي والهروب من شبح الخدمة العسكرية، يعقب بالقول” راح الكتير وبقي القليل، الله يجمعنا بأسرع وقت”. 

حال السوريين داخل حدود بلادهم ليس أكثر يسرا، فهناك من تعذر لقائه بأسرته وانقطعت به السبل المادية للوصول إليهم، كخليل الذي يعمل سائق أجرة ولم يتمكن من السفر إلى الحسكة لممارسة طقوس عيد الأضحى مع والديه، يقول” حجز ثلاثة مقاعد في باص يتمتع بخدمة سيئة لي ولزوجتي وطفلي سيكلفني 180 ألف ليرة سورية ذهاب وإياب، ناهيك عن المصاريف الأخرى كالحلوى، أما ثمن تذكرة الطيران فتصل إلى 400 ألف ليرة للشخص الواحد، أنها حقا مبالغ خيالية يصعب تحملها بالنسبة لأصحاب الدخل المعدوم وليس المحدود”. 

المهر في سوريا: حلم الليرات الذهبية وعجز القانون

المهر في سوريا: حلم الليرات الذهبية وعجز القانون

منذ عامين، فاجأت هيلين خطيبها بطلب رفع مهرها على غير المتفق عليه بينهما أثناء جلسة عقد قران الشيخ، وها هي اليوم تعزم رفعه للمرة الثانية تحسبًا لطلاق تعسفي مفاجئ يُسفر عن خسائر فادحة. من جهة أخرى، تنازلت ختام بإرادتها عن كامل حقوقها فارةً من لطمات زوجها وهربًا من نوبات جنونه الهائجة. تعكس القصتان باختلافهما حجم معاناة العديد من النساء مع قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 بالرغم من تعديله مؤخراً في شباط 2019 الذي سمح للمرأة بتعديل مهرها بما يتناسب مع القوة الشرائية في البلاد حين التسجيل. لكن مازال هذا القانون يحسم المعركة دوماً لصالح الرجل، ويعكس مدى عجز القانون عن حماية المرأة وصون كرامتها، مهما طرأ عليه من إضافات وحتى إن بلغت قيمة المهر مئات الملايين.

قصصهن

خرجت الأسبوع الفائت ختام (48 عاماً) من باب المحكمة وهي تتأبط ورقة الخلع بعد محاولات مضنية وفاشلة بالحصول على طلاق يضمن لها كامل حقوقها. تُشارك تفاصيل تجربتها وملامح التعب تغزو وجهها: “خلعتُ زوجي وتخليتُ عن مهري وجميع حقوقي، أريد الاحتفاظ بما تبقى من حريتي وكرامتي وراحتي، لم أعد أحتمل لطماته ونوبات غضبه المتكررة، لا أطيق غيابه المتكرر عن المنزل وتقصيره المستمر بواجباته كأب وزوج.” وتضيف ختام: “أخفى زوجي عني أمر إصابته بمرض ثنائي القطب، كما أصر على عدم تناول الدواء والتعافي، ما انعكس سلباً على صحتي حين تصيبه نوبات ضرب وصراخ تنصبان فوق رأسي.” حاولت ختام بشتى الطرق التوصل إلى تسوية لإرضاء الطرفين، لكن دون طائل، تدخل العديد من المقربين كوساطة لحل النزاع بين الزوجين، غير أن إصرار الزوج على أنه لا يعاني من أي مرض أدى إلى فشل العلاقة. تشرح ختام الوضع: “لم تنفع معه أي حلول، توسط الأصدقاء بيننا وطلبوا منه الالتزام بتأجير منزل لي ولأبنائي الثلاثة وتكبد نفقاته مقابل الاستمرار معه، لكنه رفض بالرغم من وضعه المادي الممتاز وطلب مني البقاء وتحمل تقلباته المزاجية والتزام الصمت وتقديم فروض الطاعة، غير أنني رفضت وخلعته، خسرت حقوقي، لكن كسبت حريتي وكرامتي المتبقية.” ليس لدى ختام عائلة، فوالدها متوفان، استدانت من أحد أصدقائها مبلغ مالي لسداد أجرة المنزل الذي تُقيم فيه مع أبنائها ريثما تجد عملاً لها.

في الوقت الذي هُدرت فيه حقوق ختام ولم تجني نفعاً من قيمة مهرها، تجد هيلين (25 عاماً) أن للمهر أهمية كبيرة لصون حقوقها فيما لو وقع الطلاق، ما دفعها لزيادة قيمته لحظة عقد قرانها وإرضاخ خطيبها آنذاك للأمر الواقع، وتقول عن تجربتها: “اتفقتُ مع خطيبي قبل الزواج على مهر مقدره مليون ليرة سورية مقدم، ومليونين مؤخر، لكن بعد التفكير العميق وجدته قليل جدًا، فطلبت رفعه إلى الضعف للاثنين معاً أثناء وجود الشيخ عند عقد القران، فوافق ذويه على مضض.” تُتابع الشابة: “المهر مصدر أمان لي في المستقبل عند حصول الطلاق، أفكر حاليًا برفعه مجددًا نتيجة ارتفاع سعر الصرف وغلاء المعيشة وإقناع زوجي بالموافقة دون إخبار أهله لأنهم حتما سيرفضون ذلك.” تعتقد الشابة وهي أم لطفل واحد أن على المرآة أن تطالب بمهرها وتمتنع عن كتابة كلمة مقبوض ما لم تقبضه حقًا وعدم السماح للزوج بالضغط عليها، لأنه يشكل لها ضمانة في المستقبل وستكون بحاجة ماسة إلى المال بعد طلاقها.

المهر بالليرة الذهبية

تفكر سارة (28 عاماً) جدياً بتحديد مهرها بالليرات الذهبية كضمان لقدرتها على العيش وعدم خسارتها ماليًا، وذلك أسوة بشقيقتها الكبرى: “يجب التفكير بمساوئ الطلاق قبل محاسنه، يجب توقع الأسوأ على الإطلاق، إذا كتبت بالعقد مبلغ مالي بالليرة السورية فهو سيصبح بلا قيمة بعد سنوات في حال فسخ عقد الزواج، فالليرة تنهار يوميًا، والأفضل أن أحدد مهري بالليرة الذهبية فستظل لها قيمة وستمكنني من تدبير أموري لأن الذهب يحافظ على قيمته دومًا، أن أخسر زواجي ومعي نقود توفر لي منزل، خير من خسارتي وأنا مفلسة ومرمية في الشارع انتظر رحمة الناس وشفقتهم.”

المهر لا يصون حقوق المرأة

“المهر بحد ذاته لا يصون حقوق المرأة بشكل كامل ولا حتى تعديله، فهو يسلع المرأة”، هكذا تجيب المحامية السورية اعتدال محسن عن رأيها حول المهر وتعديله، مضيفة: “أن المرأة الأفضل بنظر المجتمع يُدفع فيها المهر الأعلى، كما أنه لا حد لأقل المهر ولا أكثره وفق القانون وكل ما صح شرعًا صلح أن يكون مهرًا سواء كان مالاً أو منفعة أو حتى عملاً، لكن على ألا يتجاوز مهر مثيلاتها وهنا حدد المهر حسب الطبقة أو الحالة المجتمعية للمرأة.” 

وعن الآلية المتبعة في تعديل المهر، تشرح المحامية أنه: “لم ينص القانون السوري على إلزام الزوج بتعديل المهر ولا عدلته المحكمة من تلقاء نفسها، وإن تم التعديل كان يتم باتفاق الطرفين، أما وفق القانون الجديد فإذا كان المهر متدنيًا جدًا وفق سعر الصرف الحالي جاز تعديله على آلا يتجاوز مهر مثيلاتها.”

ترى المحامية اعتدال ألا سبيل إلى نيل المرأة حقوقها، إلا أن يساويها القانون مع الرجل في الحقوق والواجبات، وألا يكون الطلاق بإرادة منفردة، بل يكون بالاتفاق الكامل أو وفق ما يراه القانون الذي يكون أصلًا قد أعطى المرأة كامل حقوقها،” مؤكدة أن المهر، “ليس السبيل الوحيد لحفظ المرأة كرامتها ولا هو السبيل الوحيد الذي يعوض المرأة التي أفنت حياتها وشبابها في إعمار المنزل وتربية الأولاد فيكون جزاؤها مقدار من المال مع إخراجها بشكل كامل من حياة الأسرة”.

تعديل المهر: حبر على ورق

يحق للزوج أو الزوجة تعديل المهر في حالتين، إذا تم الأمر برضا الطرفين وبموافقتهما التامة دون خصومة وذلك من خلال تقديم طلب إداري إلى القاضي الشرعي، الذي يحول الطلب إلى الديوان، ثم تُكتب ورقة تعديل المهر على أصل عقد الزواج القديم في المحكمة. والحالة الثانية عند رفع دعوى خاصة، لكن لا ينظر القاضي بأمر التعديل إلا في حالة كانت قيمة المهر المسجلة منخفضة جدًا عند التسجيل. أما دون هذه الحالات فتقابل بالرفض التام، كحالات تحديد المهر بقيم متدنية دون 10 آلاف ليرة سورية على سبيل المثال، حينها يتم تعديله ليصبح 200 ألف ليرة سورية أو أكثر بقليل عند المطالبة. بمعنى آخر تبقى المرأة هي الخاسرة الأكبر من مسألة تعديل المهر في حال رفع دعوة خصومة.

قانون مجحف للنساء

ترى الناشطة النسوية بحقوق المرأة سلوى زكزك أنه “لا يمكن تناول مسألة المهر كجزئية منفصلة، بل هي من جملة وضع المرأة عمومًا في ظل قانون الأحوال الشخصية، كالحضانة والبقاء في السكن والحصول على الكفاف اليومي لها ولأطفالها بعد حصول الطلاق.” وتصر زكزك على أن المهر ليس مصدر أمان للمرأة ويعمل على تسليعها وتشييئها، وهو مبرر أساسي للرجل على تطليق المرأة في أي وقت يشاء بحجة أنه دفع مهرها بالكامل مقابل الخدمات الجنسية والمنزلية والإنجاب وزيادة أعداد أفراد العائلة وخدمتها التي قدمتها خلال مسيرة حياتها الزوجية. كذلك هو مصدر جلد وتمييز سلبي ضد الرجال ويدفعهم للسفر لتأمين مستلزمات الزواج.” وتوضح الناشطة النسوية: “يجب أن يبقى المهر حقاً ثابتاً للمرأة حتى بعد الطلاق أو الخلع ليكون مصدر حماية لها”.

المهر قبل وبعد سنوات الحرب

أحدثت الحرب صدوع وتشققات كبيرة في جدار المجتمع السوري، غيرت بالكثير من عادات سكان المناطق، حيث تم التخلي عن البعض منها واكتساب البعض الآخر. تتحدث زكزك عن السياق الاجتماعي للمهر قبل اندلاع الحرب السورية: “اختلف تحديد المهر بين المرحلتين، قبل عام 2011 كانت العائلات تحدد المهر حسب جمال ونسب الأسرة وثقافة الفتاة، كلما زاد جمال الشابة ارتفع مهرها والعكس صحيح، هذه العادة غير منطقية ومهينة للرجل والمرأة معًا، فالرجل الذي لا يملك مبلغ مالي كبير لا يحق له الزواج من شابة جميلة، وينصرف إلى الأقل جمالًا بما يتناسب مع وضعه المالي. وتضيف: “أما بعد عام 2011 فهناك فتيات تزوجن بلا مهر، أو بمنطق السترة عليها، أو تزوجن مقابل مهر إسكان ذويها في بيت يسترهما، كما تزوجت العديد من الفتيات مقابل استيلاء والدها على قطعة أرض كمهر من زوجها والانتفاع منها، إلى جانب استغلال تجار الحرب للنازحات واللاجئات والامتناع عن دفع مهورهن عبر الإشارة إليه أنه مقبوض وهو غير ذلك، مستغلين ظروفهن القاهرة والنظرة الدونية تجاههن وبالتالي يقل مهرهن أو لا يُمنح أبدًا.”

المادة منشورة على جدلية

“فوبيا الامتحانات” وحلم ”الطب“ الباقي ! 

“فوبيا الامتحانات” وحلم ”الطب“ الباقي ! 

عام 2007، كان أبي يردد مفرداته الشهيرة ” كم سنة ورح علق اسمك على العامود بآرمة كبيرة، الدكتورة رنيم غسان خلوف، اختصاصية في كذا“. إلا أنه ترك لي حرية الاختصاص، ومات حلمه عندما قررت الدخول إلى الثاني الثانوي الأدبي.

أذكر تماماً ملامح وجهه” مثل مابدك”، وعندما كتبت أول مادة صحفية وضعت اسمه مع اسمي تقديراً له وليس تحقيقاً لحلمه.

عراك الشهادة والمهنة والمجتمع، يعيش في تفاصيل حياة السوريين/ات، منهم/ن من ينظر للشهادة أنها آمانٌ وحماية، ومنهم/ن من ينظر لها أنها تحصيل حاصل.

وظيفة الحكومة..مازالت مرغوبة

لا أنكر إني ضغطت على ابني، ومرات أشعر كتير إني زودتها عليه، بس من خوفي، ترجع فيني الذاكرة لخوف أمي”، بهذه الكلمات عبرت ساليت محمد- اسم مستعار- 40 عاماً، عن تعاطيها مع طفلها الأول الذي يقدم الشهادة الإعدادية، تتابع ساليت ”ربما ورثنا من أهالينا طرق التعامل مع أبناءنا أثناء الامتحانات، لكن بكل تأكيد لن أقف بوجه ابني إن أراد أن يدرس مايريد، موسيقى، جغرافية، فنون، وهذا ما نختلف فيه تماماً عن أهلنا، وترى أن الشهادة مهمة له، تشبه جواز السفر الذي ينجو به من البلاد إلى كل العالم“، بينما توافق تهامة العلي من مدينة حمص 40 عاماً، ساليت بضرورة أن يدرس الطالب فرعاً جامعياً يمكن أن يعيش كريماً من خلاله، إلا أنها ترى الشهادة وسيلة لوظيفة حكومية آمنة حتى في ظل تدني الأجور والرواتب، وتشجع ابنتها الوحيدة على ذلك، وتعترف بممارسة الضغط على ابنتها لتشعرها بالمسؤولية!

توافق علياء علي، وهي تدرس الهندسة المدنية وعمرها 25 عاماً، على أن وظيفة الحكومة -رغم ضعف الراتب- هي أمان الفتاة في المستقبل، لكن عندما يصح لها فرصة سفر سوف تذهب، وتنظر للشهادة أنها وثقة حياة ونجاة معاً، وتتحدث عن شرط أبيها الذي أجبرها على دراسة اختصاص تلتزم فيه الدولة بتعيين الخريجين، وتعزو ذلك للفقر!.

إلا أن حازم علي 39 عاماً، وهو خريج لغةٍ عربية ويعمل تاجراً في محلٍ للألبسة النسائية، لا يؤمن من جهته بوظيفة الحكومة التي يعتبرها أنها ”تفقد الشخص احترامه بعد تعب سنين“. 

الخوف القاتل!

” ما أحلاها هيك بعد 8 سنين يقولوا عني أم الدكتور والدكتورة، ويا سلام إذا كان الاختصاص شي صعب ونادر قلبية، أورام، جراحة، كتير بكون رافعة راسي“ تقول نهى محمد 47 عاماً، وهي ربة منزل، لجارتها من النافذة في حي المزة 86 غرب العاصمة دمشق، لتعقب الأخرى ”يالله هانت كم يوم وبتطلع النتائج، الله يفرح قلبك“. تتنهد نهى وتودع جارتها لموعد في عصر ذات اليوم.

في مشهد آخر بمدينة حمص، دخلت والدة عمران دياب إلى غرفته قبيل تقديمه للمادة الامتحانية الأولى في الشهادة الثانوية لتجده مستلقيا وهو يحتضن كتابه. حاولت أن توقظه علها غفوةً إلا إنه لم يستجب، مات عمران طفلا، لأنه لم يتحمل ضغط امتحانات تقرر مستقبله.

“فوبيا” الامتحانات الدراسية، تتوارثها الأجيال من صفٍ دراسي لآخر، فالعلامة مقياس حكم اجتماعي وحامل الأحلام الاقتصادية والرخاء أيضاً.

تزايدت حالات إصابات الشباب والصبايا في سوريا بجلطات قلبية ودماغية، وخصوصاً في السنة الأخيرة، دون وجود أية أعراض مرضية سابقة، فعزاها الأطباء إلى الضغط النفسي، سواء الناجم عن الوضع العام بالبلاد أو حتى ضغوط الامتحانات، وعن هذه الناحية تتحدث الدكتورة في علم الاجتماع سمر علي ”الأهل اليوم ورثوا جملةً من العادات التربوية الخاطئة، من خلال توجيه أبنائهم في المراحل الدراسية وخاصة التاسع والبكلوريا لضرورة الحصول على أعلى العلامات، دون الانتباه إلى فروق فردية ومستويات ذكاء، وتوجهيهم إلى الفروع الطبية كنوع من البريستيج، مع نسيان أهمية فروع أدبية أخرى“.

وتعزو عبير ياغي 45 عاماً وهي أم لأربعة أطفال وربة منزل، في حديثها لصالون سوريا مشكلة الأهل ”بالتعويض عن نقص لديهم، حيث أنهم عجزوا عن النيل على شهادة الطب أو الهندسة، ويطالبون أولادهم اليوم بالحصول على العلامة العالية، لتحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه.“، وتضيف ياغي ”من الممكن أن يكون الفقر عامل آخر، فعائلة وضعها متوسط يريدون من أولادهم دراسة فرع جيد، ليستطيع الحصول على وظيفة مناسبة تنقذهم من الفقر، في ظل غياب التشجيع على التعليم المهني وأهميته“.

وتتعرض ياغي للانتقاد عندما تقول أن العلامات العالية ليست معيار ذكاء للطالب، إلا أنها احتفلت بنجاح انتبها في الصف التاسع بعلامات عادية جداً!.

ويرى الأهل أن الفروع العلمية ربحها سريع ومستقبلها مضمون، ”وهذا معتقد خاطئ، لكن مازال يعيش في المجتمع“ بحسب الدكتورة سمر، بينما يشير الدكتور مصطفى الشعار الاختصاصي بعلم النفس إلى أن الضغوط الذي يمارسها الأهل على الطالب بحسن نية ”نتيجتها سلبية، ممكن أن توصل الطلبة إلى أمراض نفسية خطيرة، واليوم الضغط مضاعف على الأهل وعلى الطالب بحكم أوضاع البلاد، وكلاهما يرى أن الشهادة هي نجاة لمستقبل مضمون الهوية، رغم احتفاظ الأهل بالكثير من البريستيج لكل علامة يزيد بها الطالب جاره أو ابن خاله وخالته وعمه“. 

الأهل يريدون والطلاب والطالبات يريدون شيئاً آخر، لكن وحدها الذاكرة والعلامات النهائية هي من تقول الكلمة النهائية، وإلى أن تأتي هذه العلامة تستمر “فوبيا الامتحانات” وحلم شهادةٍ تنجّي من الجوع أو تقرّب السفر خارج هذه البلاد.

صالون حلاقة لمُصَابتين بمتلازمة “داون“ في السويداء  

صالون حلاقة لمُصَابتين بمتلازمة “داون“ في السويداء  

بتصميم وإصرار ، دخلت نورا خير الدين 18 عاما ، وحنين الشعراني 19 عاما ، المصابتان  بمتلازمة ”داون“ معترك الحياة، بافتتاحهما صالون نسائي في مدينة السويداء/ 100 كم جنوب دمشق، في مقر “نادي الفرح“.

الصالون هو الأول من نوعه في المحافظة، وقد يكون الأول في سوريا. وجاءت هذه الخطوة، بعد أن اتبعت نورا وحنين دورة تأهيل مكثفة لستة أشهر بالتجميل والحلاقة النسائية، نظمها معهد التأهيل والتدريب التابع لمديرية الشؤون الاجتماعيه والعمل، وهو مؤسسة حكومية سورية.

بكلامات قليلة، والكثير من العواطف، عبرت نورا وحنين عن سعادتهما الكبيرة بهذا العمل، والاهتمام الأهلي والمجتمعي بهما، وابدتا حماسة كبيرة عند الحديث عن الخدمات التي يقدمها صالونهما من ”تمليس الشعر، والسيشوار، والفير، والصبغات، والمكياج، والاظافر“.

وتأمل نورا وحنين أن يتوسع عملهما هذا ليصبح مصدر رزق مستقر ومستمر لهما. 

عن صالون الحلاقة قالت اعتماد العقباني مؤسسة ”نادي الفرح“ لـ“صالون سوريا“ إنه ”خطوة  تعكس ايمان الكثيرين بقدرة هؤلاء الأطفال على العيش والعمل، وهو ثمرة تعاون وتضافر جهود المؤسسات الاجتماعية والروحية، إضافة لعائلة الناديمن المتطوعين لاكتشاف ميول ومواهب أطفال النادي وتشجيعها“.

 من جنبها تقول أم حنين، خزامى مشهور أبو عسلي:”ابنتي  حنين متعاونة، تحب عملها، تواظب عليه، لاحظنا ذلك بوضوح“، مشيرة الى أن حنين مشاركة في الاولمبياد السوري الخاص، وقد نافست في بطولة البولينغ والبوتشي في دولة الامارات،  وفازت بالبولينغ على مستوى  48 دولة.

ثقة وعزيمة

تصف مدربة نورا وحنين عزيمتهما خلال الدورة المكثفة التي خضعتا له ”بالقوية“، وعن التدريب تشرح رندا عريج التي تعمل مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل ”تم قبول نور وحنين بعد اختبار مهني، وتصل مدة التدريب لعام كامل، وقد وجدت أن الشابتين لديهما الرغبة والقدرة، بالتأكيد في البداية وجدنا صعوبة في التدريب، لكن بالصبر والمتابعة، وبمساعدة حبهما للتعلم، تم تجاوز العقبات والوصول إلى اتقانهما لأعمال الحلاقة مثل القص والسشوار والليس والفير والصبغة.” 

وثقت عريج بقدرة نورا وحنين على التعلم واتقانهما لعملهما فالنسبة لها ”نجاح هؤلاء الفتيات يجسد ايمان الجميع بضرورة التعاطي مع أصحاب هذه الاحتياجات، بعيدا عن النظرة النمطية القاصرة، فهم قادرات على أن يكن فاعلات، وبقليل من الاهتمام يمكنهن القيام بالكثير من الأعمال، وأن يكن فاعلات في المجتمع.” 

متطوعون كثر 

لم يتوقع العاملون على المشاريع في ”نادي الفرح“ هذا الإقبال من المتطوعين/ات في مقر النادي أو ”بيت الجميع“ كما يسمّوه.

 يقول أحد المتطوعين الذي فضّل عدم ذكر اسمه :” كل منّا يستطيع أن يقدم شيئا، لدينا مدرسي رسم وموسيقا  ولغات، وأطباء، فليس كل ما نحتاجه أو يحتاجه الآخرون هو مادي، فهذه المجموعة من الأطفال في هذا الوقت، تُركت مع عائلاتها تعاني الوحدة، إلى جانب الظروف القاسية التي فرضتها الحرب، لذلك تحتاج إلى دعم واهتمام، وهذا مسؤولية الجميع”.

وتشير متطوعة أخرى إلى صعوبة ادماج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع في هذه الظروف، وضرورة التعاطي معهم بعيدا عن القيود والعقبات غير المبرره.

من جانبه يشير مالك مكان النادي مروان قاسم أبو خير إلى أهمية  إكساب ذوي الاحتياجات الخاصة مختلف المعارف والاتجاهات و المهارات، التي تؤهلهم للمشاركة الإيجابية الفعالة في المجتمع، مؤكدا على ”ضرورة تغيير النظرة نحو هؤلاء، من التهميش إلى التمكين“ بحسب قوله. 

وعن نادي الفرح، شرحت العقباني التي أسست بأنه ”انطلق قبل عام، وهو يضم 30 طفلا من متلازمة الحب، يجمعهم النادي عبر أنشطة مختلفة من رسم وموسيقا ونشاطات اجتماعية وترفيهية“.

وأنشأت العقباني مركزها للعناية بالأطفال واليافعين المصابين بمتلازمة ”داون“ بمبادرة ذاتية، وأطلقت عليه “نادي الفرح لمتلازمة الحب“، واستقطب النادي العديد من المتطوعين من المنطقة، مما مكنه من تنظيم نشاطات ورحلات ترفيهية مجانية، اضافة إلى جلسات تعليمية للنطق والقراءة، وأخرى فنية ورياضية و جلسات تأهيل للأمهات حول أساليب وكيفية التعامل مع الأبناء.

ميشيل بطرس.. آخر مسيحيي إدلب 

ميشيل بطرس.. آخر مسيحيي إدلب 

في أزقة إدلب الواصلة بين ساعة المدينة و“بستان غنوم“، وفي أحد الزواريب الضيقة التي تتلاصق منازلها، يعيش ميشيل بطرس الجسري في منزله العربي القديم. ميشيل البالغ من العمر 90 عامًا تقريبًا، فضّل البقاء في المدينة وعدم الخروج منها ”إلا إلى القبر“ بحسب قوله، رغم مغادرة باقي المسيحيين منها خلال السنوات الماضية.

يعيش ميشيل الملقب بـ”أبو بطرس“ وحيداً منذ سنوات بعد وفاة شقيقته الذي كان يعيش معها، فهو لم يتزوج وليس لديه أطفال، ويمضي أيامه بممارسة هوايته القديمة في تربية الحمام.

يتكون منزل ”أبو بطرس“ من غرفة يعيش فيها، وعليّة يضع بها الحمام الذي يملكه، كما يتقاسم فسحة المنزل ”أرض الديار“ مع حمامه، الذي يعتبره عائلته الثانية. ”أحبها جميعاً ولكن الأورفلي الأسود له مكانة خاصة في قلبي، لأن هذا النوع من الطيور هو من أول الطيور التي امتلكتها“ يقول لـ“صالون سوريا“.

في غرفة أبو بطرس الوحيدة سرير وعدد من الاغطية والاسفنجات، إضافة لبعض أيقونات دينية و صلبان، وعلى جدرانها علّق أيضاً صوراً لأفراد أسرته التي تشتت في العديد من الدول والقارات وانقطع اتصالها به.

من يدخل بيت أبو بطرس لا يمكن أن يخرج دون ان يشرب خلطته الخاصة من “الزهورات” التي يعدها ميشيل على غاز أرضي موجود على أحد أطراف غرفته، واثناء اعداده لها يحدث أبو بطرس ضيوفه عن مكونات الزهورات التي يعدها يدوياً منذ أربعين عاماً، فهو يقطفها يدوياً من مزرعة أحد أصدقائه، ويمزج بدقّة وحرفية كميات معيّنة ومحددة من أنواع الورد والنباتات ليصل إلى الطعم المرجو، وقبل أن يطفئ الغاز يلتفت إلينا قائلا ”بما انه هي الزهورات مقطفينها من أرض بلادنا فستكون طيبة فتراب بلادنا طيب ولا يخرج الا طيب“.

تجمع أبو بطرس علاقات وديّة مع جيرانه، يلقّبه بعضهم بالـ“حجّي“ ويتبادلون معه أطراف الحديث عندما يخرج في مشواره اليومي للتجول في شوارع مدينته إدلب. كما يزور متاجر بعض جيرانه ليتحدثوا سوية عن أحوال المدينة وأخبارها.

أحمد، جار أبو بطرس يروي أن ميشيل اعتاد على زيارة محل والده بعد الظهر يومياً منذ حوالي 25 سنة ليشربا الشاي معاً، ”وبعد وفاة والدي استمر في زيارتنا لليوم“ يقول أحمد.

يعاني أبو بطرس من ضعف حاد في السمع بالإضافة لعّدة أمراض أخرى، وهو لا يملك سوى غرفته التي يقيم بها ولا يستطيع العمل، مما يضطره للاعتماد على المساعدات الإنسانية بشكل كامل، كذلك يقدّم له الجيران ”سكب“ الطعام ويشاركونه بما تنبت لهم أراضيهم الزراعية من منتجات غذائية.

يتمنى أبو بطرس ان تنتهي الحرب، ويعود جميع المهجرين والنازحين إلى بلادهم، أما عن امنيته الخاصة فهي ”أن أموت دون أن أؤذي أحداً، وأن أدفن في مدينتي إدلب“.