بواسطة جوان حبيب | يناير 13, 2022 | العربية, مقالات
أكثر من 700 كيلو متراً، هي المسافة الفاصلة بين شمال شرق سوريا وجنوبها، لكن تلك المسافة ليست المعاناة الوحيدة لعابري ذاك الطريق الملتصقين بكراسيهم طوال الوقت، بل يضاف بينها ما يعانيه المسافرون براً من صعوبات فرضتها ظروف الحرب السورية وتبدل خرائط السيطرة بين أطراف الصراع.
اضطر علام (45 عاماً) وهو من مدينة القامشلي ومقيم في دمشق منذ حوالي العامين، للسفر إلى قريته في ريف القامشلي، ويقول لــ”صالون سوريا”: “خلال سفري شعرت وكأني غريب عن هذه البلاد بدءً من المعاملة السيئة على الحواجز وليس انتهاء بطرق تفتيش أقل ما يقال عنها تشبيحية” من حواجز المسلحين.
حواجز
تنتشر على طريق دمشق -القامشلي حواجز مهمتها “تشليح الناس وليس حمايتها”، بحسب إفادة علام، ويضيف، “أنَّ كل حاجز يتفنن في طريقة إذلال الناس وقهرها ناهيك عن مشقة الطريق وعناء ساعات السفر التي تصل لحوالي الــ 24 ساعة ذهاباً ومثيلتها إياباً”.
ويعاني مسافرون يسكنون في دمشق في تنقلهم إلى مسقط رأسهم في القامشلي وغيرها من مدن شمال شرق سوريا من -فرض الإتاوات عليهم ومن تعرض أمتعتهم الشخصية وما يحملونه من أغراض -للتفتيش من قبل حواجز الجيش السوري بشكل عشوائي يتلف أغراضهم وفقاً لعدد من المسافرين التقاهم “صالون سوريا”. وذكر الرجل الأربعيني أنَّ من بين أغراضه الشخصية التي تعرضت للتمزيق أثناء التفتيش من قبل أحد الحواجز “لحف وبطانيات” بحجة وجود شيء ما بداخلها. وقال: “لم يكلف العنصر نفسه حتى فتح الكيس وإلقاء نظرة عليه بل مزقه بسكين كانت بيده”. ويفيد بأن هذه الأغراض لها قيمة غاليه عنده كونها من تجهيزات عرسه منذ حوالي الخمسة عشر عاماً. لكن لا حول ولاقوه، وفقاً لتعبيره.
مضايقات
علام ليس حالة فريدة، بل هذا حال أغلب العابرين لهذا الطريق، فمنى ابنة مدينة الحسكة لم تنجُ من أسئلة عناصر حاجز أثريا عن سبب ذهابها لمدينتها، وتقول: “تولدي المسجَّل على هويتي مدينة دمشق” لكنها من سكان الرقة منذُ طفولتها حتى غادرت المدينة في العام 2013. وأضافت منى (33عاماً) وهو موظفة بنك خاص في دمشق لــ “صالون سوريا” بأنَّ “أخوها مسافر في الإمارات منذ العشر سنوات وطلب منها إحضار والدتها المقيمة في الرقة إلى دمشق بهدف ذهابها إلى دبي في زيارة لولدها”. وتقول بإنَّ من بين الأسئلة الموجهة لها تدخل في باب التحرش اللفظي والعنصري كــ “صبية حلوة متلك شو بياخدها على الرقة”.
وتذكر بحرقةً أنها لم ترَ والدتها منذ حوالي الثلاثة سنوات تجنباً للسفر إلى مسقط رأسها والمعاناة التي تحصل معها على طريق الرعب كما تصفه الشابة الثلاثينية.
اتاوات
أما خالد الشعيبي ورغم أنه يعمل قاضي في محاكم ريف دمشق بعد تخرجه من المعهد القضائي التابع لوزارة العدل فأن “حصانته القضائية لم تنجه من التفتيش والتفتيش”. يقول لــ “صالون سوريا”، ويضيف، “قام عنصر بتفتيش شنتاية لابتوبي وطلب مني تشغيله كي يرى ما يوجد بداخله”. وأفاد، بأنَّه شهرياً يسافر إلى الرقة ويتعرض لهذه المضايقات التي تختلف في طريق عودته إلى دمشق، إذ يضطر هنا لدفع (أتاوة) على بعض الأغراض التي بحوزته. ويقول لــ “صالون سوريا” ” في إحدى سفراتي جلبت معي تنكة زيت زيتون”، لكنَ العنصر قال له “الزيت ممنوع نقله بالبولمان”، وهي إشارةً إلى أن العنصر يريد “مصاري” بحسب تعبير القاضي الذي اضطر لدفع مبلغاً من المال 16 ألف ليرة”.
لا يختلف الواقع كثيراً على المقلب الآخر، حيث سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنتشر حواجزها على طريق مناطق سيطرتها، ويقول الشعيبي لــ “صالون سوريا” “يمر سكان المنطقة الشرقية على حواجز قسد تقريباً بنفس إجراءات التفتيش وبعض المضايقات للشبان الذين هم في سن التجنيد”. ويؤكد، بأنَّ من يسافر من مناطق سيطرة دمشق وقيده المدني غير تابع للمنطقة الشرقية يحتاج إلى إجراءات روتينية وكأنك داخل إلى دولة أخرى، ومنها “الكفيل والشاهد” من أحد أبناء المنطقة.
طريق دمشق -القامشلي
في العام 2017 أُعيد فتح الطريق البري الوحيد الذي يصل مناطق شمال شرقي سوريا بالعاصمة، وذلك بعد سيطرة دمشق على أغلب المناطق الواقعة على طرفي الطريق والتي خسرتها في العام 2013.
ويشكل هذا الطريق البري منفذاً رئيسياً لأهالي الجزيرة للوصول للمحافظات والمناطق السورية الأخرى، إضافة للطريق الجوي عبر مطار القامشلي في الحسكة.
وتنطلق رحلات الحافلات من دمشق باتجاه القامشلي والرقة عبر طريقين لكل منهما، حيث يمر طريق دمشق -القامشلي من نقطة الانطلاق بدمشق عبوراً بحلب ثم القامشلي -قراقوزات، بينما يمر طريق دمشق -الرقة عبر أثريا وصولاً للطبقة ومنها إلى الرقة.
رحلة طويلة وغالية
قد تستغرق الرحلة من دمشق إلى القامشلي وبالعكس براً حوالي الـــ 18 ساعة، وقد تصل إلى 24 ساعة حسب ظروف الطريق وطريقة التفتيش على الحواجز والمعابر الواصلة بين بداية الخط ونهايته، على أنها كانت تستغرق حوالي الــ 9 ساعات قبل الحرب بالعام 2011.
وتبلغ قيمة التذكرة للشخص الواحد حوالي 32 ألف ليرة بحافلات رجال الأعمال و25 ألف ليرة بالحافلات العادية ويجتاز الراكب أكثر من 15 حاجزاً ونقطة تفتيش إضافة للحواجز الطيارة، أي غير الدائمة والتي تظهر فجأة على الطريق في حين كان سعر التذكرة قبل الحرب 500 ليرة.
بالمقابل، هناك من يسافر عبر الطائرة العسكرية التي تنقل بضائع مقابل 50 ألف ليرة وواسطة كي يحجز مكاناً. وهناك من يضطر نظراً لظروفه لدفع مبالغ مالية تتجاوز الـ 350 ألف ليرة للحصول على حجز طيران عبر شركة أجنحة الشام.
بواسطة فراس كرم | يناير 12, 2022 | العربية, مقالات
كثيراً ما نسمع عن قصص وحكايات وأوجاع لعائلات نازحة، تعيش في المخيمات ومراكز الإيواء، تفتقر لأبسط مقومات الحياة وأشكال الرفاهية في شمال غربي سوريا، معظمها قريبة من الحدود التركية، بعضها يقع في مناطق جبلية وعرة، ولكل عائلة نازحة في هذه المخيمات حكايتها وظروف معيشتها اليومية التي يطغى عليها مشهد الفقر والتقشف والبساطة.
“صالون سوريا” امضى يوماً مع احدى هذه العائلات في مخيم الأمل بالقرب من مدينة الدانا شمال إدلب، وضمن خيمة لا تتجاوز مساحتها الداخلية الكلية 10 أمتار مربعة. هنا يعيش أبو محمد (42 عاما) وزوجته وأولاده الستة الصغار، (نازحون من ريف حلب الجنوبي قبل نحو 5 سنوات)، حياةً بسيطة رغم مرارة العيش، لايملكون فيها أي شيء من تكنولوجيا العصر سوى بطارية صغيرة وسلك كهربائي معلق بلمبة صغيرة بقياس 12 فولتا، مربوطة بلوحة شمسية صغيرة مركونة على جدار الخيمة وموجهة بإتجاه الشمس لتحصل البطارية على الطاقة من أشعة الشمس يومياً.
خيمة… منزل
عملت الزوجة أم محمد ذات الثلاثين عاماً، على تحويل الخيمة إلى أشبه بمنزل صغير متواضع، فوضعت الغاز عند باب الخيمة من الداخل، وإلى جانبه بعضاً من أواني الطبخ البسيطة ضمن صندوق بلاستيكي (سحارة). وفي الجهة الثانية، وضعت قطعة خشبية مخصصة لوضع الأغطية والفرش بعد أن تستفيق أسرتها صباحاً، بينما فرشت أرض الخيمة بقطعة سجاد متهالكة وبعض الاسفنجات والوسائد، ومع كل صباح تبدأ الحكاية
أبو محمد، نزح من قريته بريف حلب الجنوبي قبل نحو 5 أعوام، عقب هجوم بري شنته قوات دمشق وإنتهت بالسيطرة على المنطقة حينئذ، ولجأ مع أقاربه إلى هذا المخيم، بالقرب من مدينة الدانا شمال إدلب، وحصل على فرصة عمل في أحد معامل الطوب (البلوك) في المنطقة.
مع ساعات الصباح الأولى من كل يوم (صيفاً وشتاءً)، يسيتيقظ وزوجته و أولاده (محمد 14 عاماً وحسن 13 عاما). فأبو محمد وأولاده يذهبون إلى وعاء مملوء بالماء عند باب الخيمة الخارجي، ويغسلون وجوههم. أما أم محمد، تُعد وجبة الإفطار مما توفر (صحن من الزيت النباتي وإلى جانبه صحن من الزعتر وبعض الأرغفة من الخبز وإبريق الشاي)، وأثناء تناول وجبة الإفطار يتمازحون ويضحكون ويتحدثون عن ما ينوون القيام به من أعمال خلال اليوم.
ومع إنتهاء تناول الطعام، كل منهم يذهب لإرتداء ملابس العمل والإستعداد للذهاب إلى العمل وسط أجواء من المزاح والضحك. فأبو محمد يسلك طريقه مشياً على الأقدام بإتجاه معمل الطوب. أما محمد وحسن يذهبان سوياً إلى واحدة من المدن القريبة (الدانا وسرمدا) بحثاً بين أكوام القمامة في شوارع المدن عن ما يستحق البيع من (مواد بلاستيكية ونايلون أو نحاس)، طيلة ساعات اليوم وحتى المساء، بينما أم محمد تبقى في الخيمة بإنتظار طفليها الصغيرين أن يستفيقوا من النوم لتعد لهم وجبة الإفطار ذاتها التي تناول منها زوجها وأبنيها، قبل الذهاب للعمل.
ام ومديرة
تقول أم محمد: “أعيش وأسرتي في المخيم منذ خمس سنوات إلى الآن نمطاً واحداً من الحياة لا غير، (إعداد الطعام والغسيل والجلي)، وغالباً ما أعده من طعام، يكون من المخصصات الإغاثية التي نحصل عليها شهرياً، (إما برغلاً أو عدساً أو معكرونة)، وذلك قبل الظهيرة. أما عند المساء أجلس مع جاراتي ونتبادل الأحاديث بالظروف المعيشية التي نعاني منها يومياً وأحاديث اخرى عامة، وبعدها أعود إلى خيمتي، وأعمل على تسخين الماء، ومع وصول زوجي وأولادي، أنهمك بتحضير الألبسة النظيفة لهم وإستحمامهم، وبعد ذلك نجلس جميعاً ونتاول العشاء، وبذلك يكون الظلام ملئ المكان، ونمضي ساعة أو أكثر نتبادل فيها الأحاديث، عن ما جرى معهم من أحداث أثناء العمل، وبعدها يذهب كل منا إلى النوم”.
وتفخر “أم محمد” بنفسها وترى أنها هي المسؤول الوحيد عن إدارة شؤون أسرتها في المأكل والمشرب والملبس والأشياء الأخرى التي تخص الأسرة، في الوقت الذي يمضي فيه زوجها بالعمل طيلة النهار وعلى مدار العام. وتقول: “عندما يعود زوجي من العمل يقوم بإعطائي ما جمعه من نقود خلال العمل بنقل الطوب في اليوم، وعادة يكون المبلغ بين 30 إلى 40 ليرة تركية، وكذلك أبنائي أيضاً فهم يقومون بشكل يومي بإعطائي ما تم جنيه من مال خلال عملهم في اليوم، بعد بيع ما تمكنوا من جمعه من أشياء (بلاستيكية ونايلون وخردة)، وأكون بذلك المسؤولة عن تدبير وإدارة شؤون الأسرة”.
وتضيف، “المرأة السورية وتحديداً النازحة مع أسرتها، تجد نفسها مسؤولة مباشرة عن أسرتها، فغالباً أرباب الأسر يذهبون للعمل منذ الصباح حتى المساء ليتمكنوا من جني النقود لإعالة أسرهم، وبذلك تلقى كامل المسؤولية في تدبير الأسرة من تربية وخدمات على عاتق المرأة، بينما سابقاً (قبل النزوح) كانت الحياة بالنسبة للمرأة أسهل بكثير، فالرجال يعملون في الزراعة والصناعة والتجارة في القرية التي نعيش فيها، وتكون ساعات العمل أقل بكثير من الآن، وهذا يخفف على المرأة أو ربة الأسرة الكثير من الأعباء في تربية الأطفال وتلبية متطلبات الأسرة اليومية، فمثلاً عندما يشكو أحد الأطفال من عوارض مرضية أو يصاب بضيق تنفس أو أي أذى، أذهب به إلى الطبيب ومن ثم إلى الصيدلية وجلب الأدوية، وأعود إلى الخيمة وأتابع العناية بحالته الصحية، فضلاً عن أنني المسؤولة عن شراء إسطوانة الغاز والأشياء الأخرى كالطعام والملابس، ومع ذلك لا أشعر زوجي بأي ضيق أو ملل، بل على العكس تماماً”.
حياة دون توقف
من جهته، قال أبو محمد: “منذ 5 أعوام وحتى الآن لا أذكر أنني تعطلت عن العمل يوماً واحداً، سوى أيام الأعياد، وبت أشعر مؤخراً بآلام وأوجاع في الظهر والمفاصل، نتيجة عملي المجهد، ولكن بالرغم من ذلك، لا أسمح للرغبة في التعطل عن العمل أن تنال مني، فذلك يعني أنني عرضت أسرتي للجوع والفقر أكثر، فعطلتي ليوم واحد قد يؤدي إلى فقدان إسطوانة الغاز في خيمتنا لأيام، أو لا تجد أسرتي ثمن ربطة الخبز أو ثمن الدواء فيما لو أصاب أحد أبنائي مرضاً، عدا عن متطلبات فصل الشتاء من وسائل تدفئة وغيرها، ومع ذلك أشعر في بعض الأوقات بحزن عميق، كوني لا أرى أولادي وزوجتي سوى ساعة أو ساعتين كل يوم قبل النوم، وفي اليوم التالي أذهب باكراً في الوقت الذي يكون فيها طفلين من أسرتي نائمين”.
ويضيف، “قبل النزوح كنت أملك حوالي 20 دونماً من الأرض الزراعية في بلدي، وأعمل في زراعية القمح والشعير والخضار سنوياً وأحصل في نهاية العام على مبلغ أستطيع من خلاله العيش وأسرتي بحال ميسورة جداً، بينما اليوم وفي ظل النزوح والمعاناة والمصاعب التي نواجهها يومياً من غلاء وغيره، يتطلب منا العمل يومياً دون كلل أو ملل لنؤمن قوت أسرنا ومتطلباتها”.
وأشار” تعرضت منذ عدة أشهر إلى كسور بأصابع قدمي نتيجة سقوط قطعة طوب عليها أثناء العمل، وبالرغم من الألم الشديد الذي أصابني حينها، إلا أنني تابعت العمل حتى نهاية اليوم، وأثناء عودتي إلى أسرتي عملت زوجتي على تضميدها بعد تدليكها بالماء الساخن والصابون، وفي اليوم الثاني عدت إلى العمل، وتحملت الألم لأيام”.
وختم “أحمد الله وأشكره أنه رزقني زوجة صالحة، حملت معي جزءً كبيراً من أعباء الحياة وتربية الأولاد في النزوح”.
خردة ونايلون
أما محمد وحسن، فتحدثا قائلين: ” فضلنا العمل على التعليم، فأحياناً لا يتمكن والدنا من جني نقود كافية لسد حاجتنا وتأمين ما يلزمنا في العيش، وكنا نعيش ظروفاً صعبة للغاية، ولذلك قررنا العمل بجمع الخردة والنايلون والبلاستيك المستعمل من كل مكان في المدن والقرى المجاورة للمخيم، وبيعها للإستفادة من ثمنها ومساعدة والدنا على كفاية الأسرة وتلبية إحتياجاتها اليومية”.
وأضاف محمد، “نذهب كل يوم صباحاً ونتجول في شوارع المدن بين الحاويات وأكوام القمامة بحثاً عن أشياء لها ثمن كـالنايلون والبلاستيك والنحاس والحديد، وفي نهاية اليوم نذهب بالأشياء التي قمنا بجمعها إلى أحد المراكز لشراء الخردة ونبيعها، ونحصل بالمقابل على ثمنها الزهيد الذي لا يتجاوز 20 ليرة تركية، ونعود بعد ذلك إلى المخيم”.
وزاد “هناك كثير من العائلات في المدن والقرى القريبة، لا تقوم برمي الأشياء غير اللازمة أو غير الضرورية في منازلهم بالحاويات إلا في المساء، ولذلك غالباً ما نتأخر بالعمل بحثاً عن تلك الأشياء، ونعود إلى المخيم بعد حلول الظلام”، لافتاً، “كثيراً ما نتعرض للإهانة والتهكم من بعض الأشخاص في الشوارع والأسواق، وآخرون ينظرون لنا بعين الاشمئزاز لمظهرنا وثيابنا المتسخة، فضلاً عن تعرضنا أيضاً لحوادث سير بسيطة، تنتهي بخدش في اليد أو القدم، وكلها تدعو إلى الإحباط والحزن والجلوس إلى جانب الرصيف لبرهة من الزمن ونحن ننظر إلى الناس والمارة، وسرعان ما نتجاوز تلك الحالة ونعود للعمل مجدداً بإصرار”. وأضاف، “أتمنى أنا وأخي أن يتوفر لوالدنا عمل أفضل من عمله الحالي، بأجور أكبر، قادرة على تأمين متطلبات عائلتنا، ونترك هذا العمل ونعود لمقاعد الدراسة في المدارس من جديد”.
بواسطة رياض الزين | يناير 11, 2022 | مقالات
ظهرت مؤشرات عن تنسيق بين عمان ودمشق بدعم موسكو لمحاربة تهريب المخدرات من سوريا الى الاردن بعدما بات اعلان الجيش الاردني عن احباط عمليات مسألة شبه يومية.
الجديد، ان سكانا محليين من مناطق تقع أقصى جنوب محافظة درعا شاهدوا مؤخراً وفداً روسيا يضم ضباطا وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية وقوة أمنية تابعة للنظام السورية وقوات محلية من فصائل التسويات، تقوم بجولات على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن،لتفقد على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن الممتد من بلدة نصيب والمتاعية جنوب شرق درعا إلى منطقة خربة عواد جنوب السويداء التي شهدت اشتباكات في الأيام الماضية بين حرس الحدود الأردني ومجموعة مهربين، بالقرب من أحد المغافر الحدودية السورية وأودت بحياة جندي سوري واضرار في منازل المدنيين السوريين.
تعليمات روسية
جولة القوات الروسية مع القوات الحكومية والمحلية، جاءت ضمن المنطقة التي تشهد عادة عمليات تهريب باتجاه الأراضي الأردنية وبعد تزايد الحوادث الأمنية والاشتباكات في تلك المنطقة. وبحسب “شبكة درعا24” المحلية، فإن اجتماع أردنيا – سوريا عقد في الأردن بتاريخ 30 ديسمبر (كانون الاول) الماضي، لبحث تطورات المنطقة الجنوبية وملفات كان أبرزها الوضع الأمني في الجنوب السوري، وملف تهريب المخدرات على الحدود السورية- الأردنية، وضم الاجتماع مسؤولين من الأفرع الأمنية في درعا.
وابلغ مصدر خاص “صالون سوريا”، أن قادة الشرطة الروسية التي قامت بالجولة الميدانية على المخافر الحدودية مع الأردن مؤخراً، “وجهوا تعليمات لقوات الجيش السوري الموجودة في المخافر الحدودية مع الأردن بضرورة التصدي للمهربين وعمليات التهريب التي تتم في المنطقة، بينما تحدث عناصر الجيش للقوات الروسية عن ضعف الإمكانيات اللوجستية لديهم مثل أجهزة كشف حرارية أو كمرات مراقبة أو مراصد معزولة وغيرها من التجهيزات الضرورية في النقاط الحدودية”.
وأشار أن “عدة جولات روسية شملت مؤخرا نقاط حرس الحدود جنوب محافظتي درعا والسويداء، وأن الزيارة الروسية ليست الأولى من نوعها، علما ان الواقع لم يختلف في المخافر الحدودية أو تجهيزاتها. كما تصل دائماً برقيات استنفار للنقاط الحدودية في جنوب سوريا، لكن ضعف الإمكانيات والتقنيات وحتى تجهيزات المحارس ضعيفة تؤثر على قيام حرس الحدود بواجبها بحسب تعبيره”.
طرق التهريب
وتقوم عمليات تهريب المخدرات في الجنوب السوري، عبر منافذ غير شرعية وتعتبر المنطقة الممتدة من ذيبين شرق درعا إلى خربة عواد بالسويداء أبرزها والمنطقة الممتدة شرق خربة عواد والتي تشهد بشكل متكرر احباط محاولات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، بحسب تقارير إعلامية رسمية سورية وأردنية، وكانت تتم بواسطة سيارات أو عبر تحميلها على حيوانات أو بواسطة طائرات الدرون، أما من جهة معبر نصيب الرسمي فغالباً يتم تغليف المخدرات المهربة التي تضبط بعلب منتجات غذائية سورية.
وافادت “شبكة درعا24 ” المحلية بأن شحنات المخدرات تصل جنوب سوريا إلى منطقة اللجاة قادمة من لبنان أو من العراق، ويتم نقلها للجاة في درعا عبر سيارات لا تتعرض للتفتيش على حواجز النظام السوري، ومثل هذه الشحنات كان يصل من العراق عبر صحراء دير الزور إلى منطقة الميادين ومنها إلى اللجاة في درعا، إلى قرية كريم وجدل تحديداً في منطقة اللجاة، وأن الطريق الأشهر في نقل المخدرات هو طريق البادية الواصل إلى الحدود العراقية، وأن شحنات المخدرات التي كانت تصل إلى اللجاة لم تكن تتعرض للتفتيش رغم مرورها في مناطق وطرقات فيها حواجز تابعة للنظام أو مجموعات محسوبة على إيران، وأن المخدرات جزء منها يصل خام ويتم تجهيزه في مصانع محلية في منطقة اللجاة على شكل كبسولات ومكعبات لتصبح جاهزة للتهريب الخارجي والتوزيع المحلي.
عرض كبير
وبحسب ناشطين في جنوب سوريا، لو سألت عن مادة الحشيشة محليا في درعا والسويداء تستطيع الحصول عليها بكل سهولة، وانتشارها بات لافتا وعلنيا في المنطقة، وأنه ليس من المهم الأن الحديث عن المصدر الخارجي لهذه المواد أو طريقة جلبها للمنطقة، وخاصة أنه بات معروفا على مستوى العالم. وقال احدهم: “ما يهم المجتمع المحلي اليوم هو معالجة المشكلة الداخلية الأن بعد تفشي انتشار هذه المواد بشكل سهل، وذلك عبر تفعيل المحاسبة سواء للمصدر المحلي أو المروج، وأن تشمل المحاسبة كل الأطراف حتى إذا كانت محسوبة على سلطات أو شخصيات نافذة فيها”.
وقال خبراء ايضاً، أن الموقع الجغرافي لمحافظتي درعا والسويداء والانفلات الأمني الذي تشهدة المنطقة، و “غياب المحاسبة وانتشار الفقر والبطالة، والمحسوبيات سواء للسلطة أو شخصيات اجتماعية كان له السبب المباشر في انتشار وجلب المخدرات إليها، حيث تلاصق هذه المنطقة السورية الشريط الحدودي مع الأردن ومنها باتجاه دول الخليج العربي”. وافاد احدهم: “رغم أن عمليات التهريب موجودة منذ سنين وحتى قبل عام ٢٠١١، إلا أنها تزايدت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد عام ٢٠١٨، في ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تشهدها المنطقة الجنوبية وعموم سوريا، وأن المشكلات الاجتماعية التي أوجدتها المخدرات تصاعدت مؤخراً في المنطقة منها عمليات قتل واغتال وخطف وكشفت إحصائيات محلية في درعا والسويداء عن ارتفاع معدل ارتكاب الجريمة بسبب تعاطي المخدرات والادمان، حيث وثق ناشطون عمليات قتل قام فيها مدمنين على المخدرات ضحاياها أطفال تحت سن السادسة ونساء زوجات وشقيقات لمدمنين”.
بواسطة طارق علي | يناير 4, 2022 | العربية, مقالات
“على فرض أنّ المنزل الفلاني في تراسات مشروع دمر سعره مليار ليرة سورية، وهو كذلك فعلاً. سمعت ورأيت أكثر من عرض قريب من هذا السعر، في المشروع، اوتوستراد المزة، الروضة، المالكي، وأحياء أخرى. لنجري حسبة اقتصادية بسيطة، أنا موظف، راتبي الحكومي تقريباً مئة ألف ليرة سورية شهرياً، في حال أردت شراء هذا المنزل، سأحتاج لتوفير كامل راتبي، دون أن أصرف منه ليرة واحدة، سنوياً أجني مليون، كل عشر سنوات 10 ملايين، إذاَ في مئة عام سأجني مئة مليون، وسينقصني فوقها 900 مليون، وعمري 35 الآن، سأحتاج أن أعيش مئات السنين لأشتريه، تخيل!”، يقول الموظف شامل حنور الذي تحدث لـ “صالون سوريا” عن معاناة السوريين مع السكن، واصفاً الأمر بانه غير المعقول ولا المنطقي.
“حسناً، يسأل سائل لماذا لا تنخفض أسعار العقارات طالما أنّها وصلت أرقاماً غير طبيعية. الجواب بسيط: الزبائن كثر، تجار الحرب لم يتركوا لنا مكاناً لنسكنه، بل ان بيتا بجرمانا صار بـ 500 مليون؟”، يسأل شامل مستغرباً من جديد، ويبدو أنّ مئات وربما ألوف السوريين يشاركونه استغرابه، فعلاً، كيف وصل سعر العقار في جرمانا المدينة الواقعة في ريف دمشق إلى نصف مليار؟.
فوائد قوم عند قوم
وسيم الجحا تاجر عقارات في دمشق، يجلس في مكتبه في حي المزرعة الشامي يقلب في دفتره ليعثر على تفاصيل عقار معروض للبيع لديه. كان سجل بياناته سابقاً، وهو بحاجتها الآن ليلبي طلب زبون تواصل معه عبر التلفون، “المنزل المعروض ثمنه 850 مليون ليرة سورية، والزبون موافق على السعر، لكنه يريد معلومات تفصيلية أكثر، عن الاتجاه مثلاً، المساحة الكلية، الإطلالة، مساحة الشرفة، وهكذا، بالعادة هذه الأمور يعاينها المشتري على أرض الواقع، لكن الزبون هذه المرة سيشتري المنزل عبر أخيه الذي يملك وكالة عنه، فهو خارج البلد، ولكن مع ذلك لا أصفه بالزبون المتطلب، فهذا حق طبيعي طالما هو خارج البلد”.
يشرح جحا لـ “صالون سوريا” أن المتعارف عليه أنّ المكتب ينال نسبة واحد بالمئة من ثمن العقار عند إتمام المبيع، النسبة ذاتها من البائع والشاري، أي ثمانية مليون ونصف من كل طرف، في حالة هذا العقار، وبمجموع 16 مليون ليرة سورية من الطرفين، مقابل بيع عقار واحد، “إذا بعت عقاراً مشابهاً مرة واحدة كل شهر سأصير مليونير بسرعة، لكن أحياناً يجمد السوق وتتوقف حركة البيع والشراء، لذا عملنا هو مثل الضربات، والأهم هو المضاربات فيما بين التجار، ولجوء الزبون لعرض عقاره عبر الكثير من المكاتب، وأخيراً صار كثر من الزبائن يعرضون عقاراتهم بأنفسهم على صفحات الفيس بوك، وهو ما يؤدي أحياناً لتراجع نشاط عملنا”.
وبحسب التاجر، فإنّ النصف الثاني من هذا العام هو الأكثر قوةً ونشاطاً قياساً بالفترات السابقة، “وصلت العقارات أسعاراً فلكية وغير مسبوقة، وهذه الفترة هي الأفضل منذ بداية الحرب”. ويعزو جحا السبب إلى “الارتفاع الواضح في نسبة الأمان بصورة عامة”.يضيف، “الناس صارت تتجرأ الآن على الدفع والشراء طالما أنّ الخطر انحسر بصورة شبه كاملة، فضلاً عن التهاوي المستمر في قيمة ليرتنا، لذا يبحث الجميع عن (تركين) أمواله في أشياء ثابتة كالسيارات والعقارات”.
“ليست كل الأسعار تصل إلى مليار وتتخطاه، هناك منازل أسعارها 300 و400 مليون في قلب دمشق”. يقول ثائر حديد وهو تاجر عقارات آخر في دمشق، يضيف لـ “صالون سوريا”، “صحيح أنّ الأرقام كبيرة، ولكن حتى في هذه فليس الجميع سواسية، هناك أناس يملكون أموالاً ويدفعون مئات الملايين دون نقاش لشراء عقار في أبو رمانة أو كفرسوسة مثلاً، وهناك أناس نميزهم جيداً يبحثون عن منزل بمئتي مليون مثلاً، ونعرف من حديثهم أنّ هذا المبلغ هو (تحويشة) عمرهم، هناك طبقات متعددة حولنا، والغالب بينهم إما ساحق أو مسحوق”، لا ينسى حديد الإشارة أنّ ارتفاع الأسعار مرتبط أيضاً بالتكلفة الباهظة لمواد البناء وارتفاعاتها المتتالية خلال الفترات الماضية.
“امبراطورية” المزة 86
“أنا الآن مستأجر لمنزل، اسكنه أنا وزوجتي وطفلي في منطقة المزة 86، أي في عمق مخالفات بلدنا، حتى أنّه لتصل لمنزلي، أنا لا اسميه طريقاً، بل عليك أن تتسلق أدراجاً طلوعاً ونزولاً، بالمختصر بتطلع روحك لتوصل لعندي، وفوق ذلك أجار منزلي 400 ألف شهرياً، وندفع كل ستة أشهر سلف، ومع نهاية كل نصف عام يتوقع المستأجر من صاحب العقار أن يزيد سعر الإيجار، المهم، تخيل أنّك في ال86 تستأجر ب400 ألف، كيف هذا؟، لا أحد يعرف، الطامة ليست هنا، تخيل أنّ أسعار بعض المنازل حولنا لامست حدود مئة مليون ليرة سورية، ومنطقتنا كلها مخالفات، شيء لا يصدق ولا يعقل”، يقول المهندس منصور سليمان في حديثه ل “صالون سوري” مبدياً استغرابه من تركز الأموال بيد فئة محددة من المجتمع.
“تجار الحرب هم من رفعوا أسعار العقارات وقضوا علينا”، يقول سليمان، ويضيف: “ما جمعه أحدهم بعام واحد في الحرب، سأحتاج أن أعيش مئتي عام لأجنيه من وظيفتي”. وعن حلمه بامتلاك عقار، يقول: “ما عدت أفكر بالأمر منذ زمن، قدرنا في بلدنا أن نظل مشردين بين منازله المستأجرة، وأن تشتري أرضاً وتعمر منزلاً عليها، أنا مهندس وأعرف أنّ الأمر جنوني، فمثلاً، سعر طن الحديد أكثر من مليوني ليرة سورية وسعر كيس الإسمنت أكثر من 15 ألف وسعر المتر من البتون المجبول بحدود مئة ألف ليرة، لذا فهذا الخيار مستحيل أيضاً”.
الاقتصاد العجيب
يبدي الاقتصادي كمال حميرا استغرابه الشديد من ارتفاع أسعار المنازل للضعف فجأة، يقول في حديثه مع “صالون سوريا”: “ما يحصل لا يصدق، لم ندرسه بالاقتصاد، الوضع في سوريا جنوني، ترتفع ضرائب البيوع العقارية، تزداد أسعار العقارات، تتوازن الليرة قليلاً، ترتفع أسعار العقارات، تزداد المخاطر الأمنية، تزداد أسعار العقارات، تنخفض المخاطر الأمنية ترتفع الأسعار، العقارات لدينا لا تعرف شيئاً سوى الارتفاع، في الاقتصاد هذا غير مفهوم عموماً، نعم من المفهوم تأثير السوق السوداء وهرب الناس للتملك في محاولة للحفاظ على مدخراتهم بالعملية المحلية، ولكن حين وصل الدولار قبل أشهر حدود 5 آلاف ليرة سورية مقابل الدولار، ارتفعت العقارات، الآن ارتفعت قيمة الليرة ليصبح كل دولار يساوي حوالي 3500 ليرة في السوق السوداء، ارتفعت العقارات من جديد، هذا غريب حقاً!”.
لو كان سعيد عقل حياً
كانت دمشق المدينة الحلم لكل باحث عن فرصة عمل، حياة جديدة، إبداع مختلف، ولاحقاً صارت مقصداً للنازحين والهاربين من ويلات الحرب، ولكن سرعان ما لفظتهم عاصمة بلادهم، عودوا من حيث جئتم، أو ارحلوا لمخيمات في الجوار، وفي أحسن الأحوال افترشوا الأرصفة والحدائق، وحقيقة كل ذلك يحصل، نسبة الفقر والتسول في دمشق وصلت مستويات ما عهدتها البلاد يوماً، البلاد التي كانت مقصداً لمواطني جوارها لانخفاض أسعار كل شيء فيها، ليس بدءاً من الثياب ولا الطبابة ولا وصولاً إلى العقارات، اليوم، تغيّر كل شيء، من يعرف دمشق قبل 2011، لن يعرفها اليوم.
إذن، هي الحرب مرتان: مرة على أرواح السوريين، ومرةً على جيوبهم، وفي المرتين لا ينفك الناس يقدمون الأضاحي والنذور على نية خلاص بلادهم، أو خلاصهم من بلادهم، حدود بولندا تشهد على نظرية الخلاص بأكبر الأثمان، يقول عجوز قارئ نهم لـ “صالون سوري”، “لو كان سعيد عقل حياً، لقال لدمشق: شآم ما الوجع؟، أنت الوجع لم يغب. انت القسوة والقهر”.
بواسطة رياض الزين | يناير 3, 2022 | العربية, مقالات
تشهد محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، حالة من الانفلات الأمني وانتشار السلاح والجريمة وحوادث الخطف والاغتيال، حيث توثق شبكات اعلامية محلية تصاعد خلال الأشهر الأخيرة بارتفاع هذه الحوادث، وسط غياب التعاطي المجتمعي والحكومي لإيجاد حلول لهذه المشكلات.
مؤخراً، ظهر توجه جديد لدى السلطات السورية ممثلة بالأجهزة الأمنية والشرطية في المحافظة بتعاطي جديد مع المشكلات الأمنية التي تظهر في المحافظة، بعد أن كانوا مبعدين عن التدخل أو التعاطي معها. وبدأ ذلك الابتعاد في المحافظة، وفق ناشطين، من السويداء في عام ٢٠١٤، حيث نأت الأجهزة الأمنية والشرطية عن التدخل المباشر في الحوادث الأمنية التي تشهدها السويداء سواء حالات القتل او الخطف والاشتباكات العائلية أو قطع الطرقات، وكانت المجموعات والتشكيلات المسلحة المحليةتبعد هذه الأجهزة الأمنية عن دائرة المشكلة أو الصراع. على سبيل المثال كانت مجموعات محلية في السويداء تقوم بقطع أحدى الطرقات وتقدم على خطف ضابط أو عناصر من الجيش السوري مقابل اطلاق سراح أحد ابناء السويداء تعرض للاعتقال، ودرجت هذه العادة دون تدخل من السلطات الأمنية والشرطية في السويداء منذ عام ٢٠١٣، وحتى هذه المجموعات لم تكن تتوجه إليها أو تجعلها طرف بالخلاف الناشئ.
لكن ما حدث مؤخراً، وفقاً لريان معروف مدير تحرير شبكة “السويداء 24” في حديثه “لصالون سوريا”، ظهور بوادر مرحلة جديدة من تعاطي السلطات الأمنية والشرطية في السويداء، حيث شهدت السويداء تدخل قوات حفظ النظام التابعة للشرطة المدينة في عدة حوادث أمنية لم تكن تتدخل فيها سابقاً، واشتبكت عدة مرات مع مجموعات محلية مسلحة من أبناء السويداء، كما استقدمت قوى الأمن الداخلي 150 عنصراً من المهام الخاصة وحفظ النظام من دمشق إلى السويداء وعززت مناطق تواجدها والمراكز الحكومية ومنها المشفى الوطني.
كما عادت معظم قوات الجيش إلى ثكناتها في السويداء، ويبدو أن المجموعات المحلية رافضة لطريقة التعاطي الجديد حتى المجموعات المحلية التابعة للأجهزة الأمنية اشتبكت معهم، ووقع قتلى وجرحى بين المجموعات المحلية التابعة لجهاز الأمن العسكري وقوات حفظ النظام بعد أن شنت مجموعة محلية من أبناء السويداء هجوم على مبنى قيادة الشرطة في المدنية في 22 ديسمبر (كانون الاول)، حيث شهدت المنطقة بعد منتصف اليل اشتباكات استمرت لساعات، وسط حالة من التوتر واستخدام السلاح الخفيف والمتوسط والقذائف الصاروخية استهدفت قيادة شرطة المحافظة، أدت إلى مقتل عنصر من جهاز الأمن السياسي وإصابة ضابط برتبة نقيب، وشهدت المنطقة استنفار وانتشار عسكري عقبت الاشتباكات واستهداف قيادة الشرطة.
وجاء ذلك على خلفية مقتل قيادي محلي في مجموعة تابعة لجهاز الأمن العسكري في السويداء صباح وإصابة 3 أخرين. بعد اشتباكات وقعت عند دوار الباسل في عند مدخل مدينة السويداء صباح يوم 22 ديسمبر 2021، بعد أن حاولت عناصر المجموعة قطع طريق شهبا وخطف عناصر تابعة للنظام بهدف الضغط على النظام للإفراج عن أحد أبناء السويداء الذي اعتقل في العاصمة دمشق قبل أيام. لكن مجموعة من قوات حفظ النظام هاجمت المجموعة المحلية التي قطعت طريق شهبا صباح الاثنين، وحدثت مواجهات واشتباكات بعد رفض المجموعة المحلية فتح الطريق والاستجابة للمطالب بمغادرة المنطقة. ما أدى إلى مقتل القيادي ومصادرة سيارته ثم ألقت قوات حفظ النظام جثته بعد ساعات على قارعة الطريق ما أثار غصب مجموعته. ودفعها للانتقام، بحسب تعبيره.
وعلى أثره دفعت القوات الأمنية بالمزيد من العناصر والآليات إلى مبنى قيادة الشرطة والمحافظة بعد الاشتباكات، وعقد أعضاء اللجنة الأمنية التابعة للنظام اجتماع على خلفية التطورات الأخيرة التي شهدتها المحافظة، كما وردت برقية استنفار لجميع الوحدات الأمنية والعسكرية وتعليمات بالتعامل الفوري مع أي هجوم على المراكز الأمنية والحكومية في السويداء.
وأوضح أن التطورات الأخيرة في السويداء لا تزال قيد الاحتواء، فالصراع لا يزال على نطاق ضيق ولم تتدخل أي مجموعات محلية أخرى في السويداء بالمشكلة حتى الأن مثل مجموعات “رجال الكرامة” الأكثر انتشار وثقلا في السويداء، وما يزال حصر المشكلة القائمة بين مجموعات محلية مسلحة بعضهم محسوب على جهاز الأمن العسكري من جهة، والقوى التابعة لوزارة الداخلية من جهة أخرى، بعد أن بدأت الأخيرة نهجاً جديداً في الأسابيع الأخيرة من خلال استخدام القوة والتدخل المباشر في الحوادث الأمنية خصوصاً في مدينة السويداء.
وما تم تداوله عبر وسائل إعلامية عن دخول قوات من الفرقة الرابعة إلى محافظة السويداء خلال الأيام الماضية غير صحيح حتى الآن. وأن التعزيزات التي وصلت إلى المحافظة من قوى الأمن الداخلي خلال الشهر الماضي تابعة لوزارة الداخلية من المهام الخاصة وقوات حفظ النظام فقط.
وتكررت في محافظة السويداء مؤخراً عمليات والهجمات من مجموعة محلية مسلحة على مراكز حكومية وأمنية تابعة للنظام السوري في السويداء ولم يكن الهجوم الذي وقع قبل أيام على مركز قيادة شرطة المحافظة الأول من نوعه، حيث سبقه حادثة هجوم أخرى من مجموعة محلية مسلحة على المراكز الأمنية ومبنى المحافظة في 25 نوفمبر الماضي.
ووفقاً لآراء العديد من سكان السويداء المحليين،أن الاجراءات الجديدة إذا كانت سوف تطبق القانون على الجميع فإن المجتمع مع القانون وتطبيقه وسيكون أساساً ومساعد في تطبيقه، على ألا يستثنى من أحكامه أشخاص ومؤسسات سواء تابعة أو محسوبة للدولة السورية أو للمجتمع، وأن الحد من التعاطي السلس، وارد في كل المجتمعات والدول، ولكن دون ظلم وتعسف، ولكل زمان ومكان موقفه وطريقة لتعاطي معه، والموقف والحدث هو من يحدد الطريقة الأمثل لكيفية حل القضية، مؤكدين على حرمة الظلم والتعدي من وعلى كل الأطراف سواء محلية أو حكومية. وأن الابتعاد عن الحوار والتفاهم يخلق الصدام في كل المسائل الدولية والإقليمية والمحلية وحتى على مستوى العائلة البسيطة.
وبعد الحوادث الاخيرة التي شهدتها السويداء خرجت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء ممثلة بسماحة الشيخ حكمت الهجري ببيان حملت فيه الحكومة مسؤولية القرارات التي وصفتها أنها “لم تناصر تضحيات الأهالي ولا أدت واجبها في حمايتهم وإعانتهم، بل عاملتهم بزيادة الجبايات والتحصيل بكل الأسباب وأدق التفاصيل ورفع الأسعار فجأة بلا ضرورة”.
كما توجه البيان لأهالي السويداء، قائلا ان ” جهات أعادت زرع الإرهاب من الداخل وحرمت السكان لذة العيش بمقدرات وخيرات الوطن”. ودعا البيان أبناء الطائفة أن “لا يكونوا من المفسدين الذين يبررون فسادهم بالظروف والحصار الخارجي، وألا يكونوا حلولا لمشكلات احد، ولا حقول معارك لتحقيق مبتغى، ولا مجندين بيد احد بحجة حفظ الأمن والأمان، وألا يدمروا بيئتهم بحجج تقصير أو فساد الدولة. ويعتبر الشيخ حكمت الهجري شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا ويحظى بمكانة اجتماعية كبيرة في سوريا”.
بواسطة فراس كرم | ديسمبر 29, 2021 | العربية, مقالات
تنافست المدن السورية على صناعة العديد من أصناف الحلويات، على مر عقود طويلة. لكل مدينة أو منطقة سورية، قصة نجاح وإتقان بصناعة نوعاً محدداً من الحلويات الشعبية. لكن شهرة مدينة أريحا في ادلب احتلت مركزاً نافس الجميع، بصناعتها وإتقانها لـ “الشعيبيات” ذات الطعم والمذاق المميز، منذ أكثر من مئتي عام، حتى أصبحت موروثاً شعبياً ميز هذه المدينة وأكسبها شهرة على إمتداد سوريا حتى أطلق عليها “شعيبيات أريحا”.
زار “صالون سوريا” مدينة أريحا 15 كيلو متر جنوب إدلب، بين مساحات من أشجار الكرز والمحلب، على سفوح جبل الأربعين ( 900 متر عن سطح البحر) وعلى الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، وكان أكثر ما لفت الإنتباه، كثرة محالها التجارية لصناعة وبيع “الشعيبيات” في مدخلها وشوارعها الرئيسية، وتوافد الزبائن من أبناء المنطقة، وآخرون من مناطق بعيدة صادف مرورهم في مدينة أريحا دفعهم شهرة مذاق شعيبياتها لتناولها، وحملها لأسرهم وأقاربهم وأصدقائهم.
في محل لبيع وصناعة الشعيبات يقف ثلاثة من أبناء “العم أبو أحمد” إلى جانب طاولة مسطحة مصنوعة من الرخام، يعملون بجد ونشاط في صناعة الشعيبيات. عبر عدة مراحل تبدأ بالمكونات الأساسية، اي العجن والتمسيد والتوريق وحشوها بمنتجات من مشتقات حليب الأغنام والأبقار، ووضعها بعد ذلك داخل الفرن مدة 25 دقيقة، وإخراجها وإضافة القطر لتصبح بذلك شعيبية ذات مذاق ونكهة خاصة تفدرت بصناعتها مدينة أريحا عن باقي المناطق السورية.
اسباب تميزها
وعن سر نجاح وشهرة شعيبيات أريحا، قال “أبو أحمد” : “لقد ورثنا هذه المهنة وإتقانها عن آبائنا وأجدادنا منذ عشرات السنين، وإن ما أكسب شهرة مدينة أريحا وسر نجاحها في صناعة هذا النوع من الحلويات (الشعيبيات)، يأتي من الإهتمام والإتقان بطريقة صناعتها، بدءاً من طريقة التحضير مروراً بالمكونات والإضافات الطبيعية، وصولاً إلى وضعها داخل الفرن وشواؤها وإخراجها بعد 25 دقيقة تقريباً وسكب (القطر) عليها، لتكون بعد ذلك جاهزة للأكل”.
ويضيف، “تمر صناعة الشعيبية بعدة مراحل، وأولها العجين المكون من الدقيق من القمح القاسي الجيد والماء وقليلاً من الملح، ثم عجنه داخل عجانة آلية صغيرة، ثم تقطيعه لقطع وزن الواحدة منها كيلو غرام تقريباً، ثم بعدها تأتي مرحلة التقطيع إلى قطع صغيرة والرق اليدوي وبعد ذلك مرحلة التوريق وهي أهم مرحلة في هذه الصناعة حيث نقوم بشد قطعة العجين ولفها على شكل طبقات ودهنها بالسمنة، ثم لفها مجدداً على شكل قطع دائرية صغيرة بشكل طولاني وحشوها بحشوة غالباً ما تكون من منتج حيواني (اللباء أو القشطة أو القريشة)، أو حشوها بمنتج نباتي (ثمار الجوز أو الفستق الحلبي)، في صينية بعدد 40 قطعة تقريباً، وإدخالها الفرن بين 25 إلى 30 دقيقة، ليتم شواؤها وإخراجها، وسكب القطر المصنوع من السكر والماء عليها، لتصبح بعدها (شعيبية ريحاوية) جاهزة للبيع والأكل”. وتابع: “بالرغم من قلة المكونات التي تكسب الشعيبية الريحاوية مذاقها الفريد كالسمن العربي والمشتقات الحيوانية الاخرى، وغلاء أسعارها، إلا أننا ما زلنا نحافظ على صناعة الشعيبيات بذات المواصفات التي اعتاد عليها الزبون منذ عشرات السنين، ونبيع يومياً ما بين 250 إلى 300 شعيبية لزبائننا غير مهتمين لأسعارها التي وصلت فيها سعر الشعيبية 8 ليرات تركية أو ما يعادل نصف دولار أميركي”.
لكل الاوقات
من جهته، قال أبو أحمد وتد أحد أبناء مدينة أريحا، إن “الشعيبيات بالنسبة لأهالي مدينة أريحا والمناطق المجاورة لها، تعتبر بمثابة أكلة مناسبة لجميع الأوقات والمناسبات وليست كغيرها من الحلويات المقترنة بالمناسبات، ويأكلها الكبير والصغير والعامل أثناء توجهه صباحاً إلى العمل بدلاً من الإفطار في المنزل، وأيضاً تعتبر أكلة مميزة لدى زوار المدينة والمسافرين، إضافة إلى حضورها في الأفراح والمناسبات الجميلة”.
ويضيف، “إن كل من آل حلوم وآل البيك وعوائل آخرى كانت هي الأشهر في مدينة أريحا بصناعة الشعيبات ذات المذاق اللذيذ والطيب، ووصل الحال بأبنائها إلى نقل هذه الصناعة إلى مدن ومناطق أخرى في محافظة إدلب كمدينة الدانا وسرمدا ومعرة مصرين وبنش وجسر الشغور، وآخرون افتتحوا محال لصناعة هذا النوع من الحلويات في دول اللجوء مثل تركيا ولبنان والأردن، ضمن محال تجارية كتب على أبوابها (شعيبيات أريحا)، لتصبح بذلك شهرة شعيبيات أريحا على نطاق دولي وليس محلي فقط”.
“أبو حسن” سائق شاحنة لنقل البضائع من ريف حلب، قال : “تجولت وتنقلت بين مختلف المحافظات السورية لطبيعة عملي كسائق سيارة شحن بضائع لسنوات طويلة، وتناولت من مختلف أنواع الحلويات في كثير من المناطق والمحافظات السورية، إلا أنني لم أتذوق أو أجد ألذ من (شعيبيات أريحا)، وفي كل مرة يصادف مروري بمدينة أريحا، أقف وأتناول الشعيبيات وأشتري عدداً منها لأسرتي وأقربائي وأصدقائي، حرصاً عليهم من خيبة أمل قد تطالهم حين يعلمون أنني مررت بمدينة أريحا ولم أجلب لهم الشعيبيات التي تعودوا عليها ومذاقها اللذيذ”.
وعن تاريخها، قال أبو مصطفى صاحب محل لصناعة الشعيبيات في مدينة أريحا: “هناك من يقول أن إنطلاق صناعة الشعيبيات في مدينة أريحا بدء قبل نحو 200 عام تقريباً، وكانت تصنع في البيوت وعلى التنور أو الموقدة والفحم الطبيعي، وكانت تسمى حينها بحسب الأجداد بالأكلة (الشعبية) ولم تكن الشعيبية على هذا الشكل، بل كانت تصنع من دقيق قمح سادة، وتعجن بالزبدة البلدية وكانت حشوتها قشطة عربية أو لباء ويجري تحليتها أنذاك بالعسل الطبيعي لعدم توفر السكر وإنتاج القطر حينها”.
ويضيف، أنه ” مع مرور الوقت والزمن تطورت صناعة الشعيبيات مع توفر المكونات وأفران الغاز، وباتت صناعة تعتبر مورداً إقتصادياً لعدد كبير من أبناء مدينة أريحا، فمنهم صاحب العمل والعمال ومنتجي المكونات الأساسية (إنتاج السمنة العربية والقشطة واللباء والقريشة)، التي تدخل في صناعة الشعيبية”.