بواسطة مازن عرفة | فبراير 12, 2018 | Cost of War, Culture, غير مصنف
كيف كتبت الغرانيق، ومرايا الحياة في زمن الصمت، وتشظيات.
أقف على شرفة شقتي في الطابق الثالث، المطلة على الساحة الرئيسية في البلدة، وأنظر إلى الشوارع، وقد فرغت من المارة وأرخت الحوانيت أغلاقها، حتى القطط والكلاب الشاردة اختفت، هي واليمام المعشش بين أخشاب أسطح البيوت القديمة. وساد صمت ثقيل مريب على البلدة “وكأن أناسها قد هجروها، أو أن إلهاً أسطورياً عبثياً خلق البلدة، ونسي في لحظة ثمالة أن يخلق أناسها”، أمسك بقلم وأكتب على ورقة مرمية أمامي على طاولة صغيرة في الشرفة.
حدث هذا في عام ٢٠١١، بعد خروج التظاهرات في بلدتي الواقعة في ريف دمشق الغربي، كما خرجت في المدن والبلدات السورية، تطالب بـ”إسقاط النظام” وبـ”الحرية والكرامة”… وقد جاء اليوم دور اقتحام بلدتي من قبل خليط من “جيش النظام” وأجهزته الأمنية ومجموعات من “الشبيحة”، وإجراء حملة اعتقالات شاملة بين الأهالي لكسر شوكة “الانتفاضة السلمية”.
ومنذ الصباح، ومع توارد الأنباء عن حصار “جيش النظام” للبلدة وتحرك المدرعات نحوها، اختفى نشطاء “الانتفاضة” في الحقول والتلال حولها، والتم الأهالي في بيوتهم قلقاً وترقباً… وأقف أنا على طرف الشرفة مستطلعاً ومترقباَ، وأيضاً بقلق شديد.
دخلت الدبابة الأولى إلى الساحة تستطلع الوضع، وهي تزمجر وجنازيرها تحفر الإسفلت، وتوقفت عند مدخلها. أشاهدها، وأسمع صرير برجها يدور، فإذا بمدفعها يتجه نحو شرفتي. وشعرت أن عيناً معدنية تراقبني من داخل برجها. ينتابني خوف شديد، ويتصبب عرق غزير مني، وأنا كنت أظن نفسي متفرجاً، وإذ بي أصبحت هدفاً… لكنها تتراجع في لحظة أخيرة عن إطلاق قذيفتها، وأكتب على أوراقي بيد مرتجفة مبلولة بالعرق مع التوقيت “اكتشفت الدبابة أنني لست أميراً صحراوياً في إمارة إسلامية، يقود جيوشه المؤمنة من الشرفة، ولا ألوح بسيف، أو بلطة، أو ساطور.”
وسرعان ما تتالى وراء الدبابة الأولى رتل من الدبابات… ثماني، تسع، عشر. وأكتب ملاحظة عنها، ودائماً مع التوقيت، وأنا على الشرفة. تنحرف سبع منها نحو البلدة القديمة… أكتب. ووراء الدبابات، يدخل جنود، أشاهدهم يتمركزون في المواقع المهمة في الساحة، وتليهم فرق المداهمة من “الأمن” و”الشبيحة”، بشاحناتها الصغيرة المحملة بالرشاشات، والسلالم، والحبال… أكتب. تشتعل سيمفونية إطلاق رصاص غزير في الأحياء القديمة، حيث تنطلق التظاهرات عادة، يطلقها الجنود على الغيمات العابرة والظلال… أكتب. تنتشر فرق المداهمة في البلدة، وتأخذ باعتقال شباب ورجال من البيوت وفق دلالات المخبرين الملثمين المرافقين… أكتب. يقف مخبر غير ملثم من شباب “المساكن العسكرية”، المتاخمة للبلدة، متحدياً في الساحة… أكتب. يخرج رجال ونساء موالون لـ”النظام” إلى الشارع، ويتطوعون لكشف منازل “المتظاهرين” وكل من “يعارض النظام من الرجال والنساء والأطفال والقطط والعصافير”، لهجتهم السلطوية تفضحهم… أكتب. تبدو الاعتقالات عشوائية، حسب مزاج “المخبرين” و”الموالين”… أكتب. تصل حافلات النقل المدنية الخضراء فارغة إلا من حراسها، تلك التي استوردتها الدولة من الصين حديثاً لتخفيف أزمة المواصلات في العاصمة، وتتوزع في البلدة… أكتب. ترجع ممتلئة بالمعتقلين، أراهم مقيدين، راكعين على أرضها، وقد شُدت العُصابات على عيونهم، و”الشبيحة” على أبوابها، يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجاً بالتقاط “طرائدهم”… أكتب. تصل فرق المداهمة إلى بنايتي، يحطمون باب شقة فارغة، يتسلقون السطح… أكتب. أشعر بهم أمام باب شقتي… أتوقف عن الكتابة.
وكانت حصيلة الحملة العشوائية الضارية يومها اعتقال حوالي ٧٠٠ شخص من أهالي البلدة، معظمهم من غير المتظاهرين، وهؤلاء كانوا قد اختفوا بغالبيتهم في الحقول والتلال، أو فروا إلى البلدات المجاورة الآمنة .
كانت تلك الحملة الأولى من الاعتقالات في بدايات “الانتفاضة” في بلدتي، وكانت السلطة تظن وقتها أن “حفلة تعذيب” قاسية للمعتقلين ستردعهم عن التظاهر في الشوارع، ومن ثم أفرجت عن معظمهم ـ لكن في حملات الاعتقال التالية لم يعد يرجع أحد من المعتقلين، كان الجميع يُصابون وفق تقرير طبي رسمي بـ”نوبة قلبية” مفاجئة في المعتقل، بمن فيهم المراهقون والشباب الصغار، وتختفي جثثهم برعاية مافيات المتاجرة بالأعضاء البشرية، ويحصل أهاليهم على بقايا مقتنياتهم: الهوية الشخصية وشحاطة بلاستيكية.
أشاهد آثار التعذيب على أجساد العائدين من الاعتقال في الحملة الأولى؛ على الوجوه المتورمة المشوهة، والأضلع المكّسرة، والجروح النازفة الملتهبة، وخاصة عند المعاصم، حيث شُدت القيود البلاستيكية بعنف… أكتب. وأشاهد الكآبة على الوجوه، وامتلاء القلوب بالحقد على الجلاد… أكتب.
قال أحدهم “أنا لم أخرج مع المتظاهرين، فلماذا اعتقلوني وعذبوني”… أكتب.
قال لي ثان “في مركز التجميع الأول، دخل علينا عسكري “بغل” من دير الزور، وأخذ يضربنا بشكل عشوائي بسوط، ويرفسنا ببوطه العسكري. ولما تدخل ضابط برتبة “عقيد” لمنعه من ضربنا، نهره صف ضابط صغير “مساعد” من “الفرقة الرابعة”، مهدداً “لا تتدخل فيما لا يعنيك”… أكتب.
قال لي ثالث “حشرونا عشرين شخصاً في زنزانة تتسع لخمسة”… أكتب.
قال لي رابع “قتلوا أخي تحت التعذيب”… أكتب.
وقال خامس، وسادس… وعاشر… أكتب.
وأكتب أن معظم هؤلاء المعتقلين من أهالي بلدتي شعروا بإهانة كرامتهم على يد “الجلاد الصغير” و”الجلاد الكبير”، وأكتب أنهم حملوا السلاح في أول خطوة من “عسكرة الانتفاضة” في رد فعل على العنف الموجه ضدهم.
ومن هنا بدأت عمليات الاغتيال المتبادلة؛ “المنتفضون” يغتالون “المخبرين”، و”الشبيحة” من “المساكن العسكرية” يردون عليهم باغتيال عشوائي لـ”أعيان البلدة”. وليس بعيداً من بنايتي، حدثت أربع عمليات اغتيال متتالية لـ”مخبرين أمنيين” شرسين، تسببوا باعتقال المئات من شباب البلدة… حدث هذا وأنا على الشرفة… وأكتب.
وفجأة تتشكل الملاحظات التي أكتبها في فصل متكامل، لم يكن ينقصها إلا الصياغة الأدبية مع بعض الخيال الروائي ـ طبعاً إلى جانب الفانتازيا التي أحبها. ومع أن هذا سيكون الفصل ما قبل الأخير في روايتي الجديدة، فقد ولدت به “الغرانيق”، وسيتم نشرها بعد ثلاث سنوات من كتابتها، وسأكون محظوظاً أن ذلك حدث بعد الخروج من البلاد بعد ست سنوات من بدء “الانتفاضة”.
بعد حملة المداهمات الأمنية الأولى، تحولت البناية التي أسكنها إلى موقع عسكري محصن لـ”جيش النظام”، بسبب إطلالتها الإستراتيجية على الساحة التي كان يجتمع فيها المتظاهرون، فملأ العسكر شققها بعد فرار معظم قاطنيها، وتوزعت الرشاشات على سطحها، وتوضعت الدبابات أمامها، وتوزعت كاميرات المراقبة حولها. وتم خطف مالك البناية من قبل “عصابة أمنية”، طلبت فدية عالية مقابل الإفراج عنه، لم تستطع عائلته جمعها، فتم قتله. وهربت زوجتي وطفلاي الاثنان أيضاً من البناية، بعد معركة حامية الوطيس حولها، وقد استقر رشاش فوق سطح شقتي تماماً، تهتز معه، وهو يطلق الرصاص بدون توقف طوال معركة طويلة.
…وأنا بقيت في شقتي. كان لدي فيها مكتبة ضخمة، جمعتها منذ طفولتي، وذكريات العائلة… وكان لدي أمل أن الأمور ستنتهي قريباً.
حدثت المداهمة الأولى لشقتي من قبل حوالي أربعين عسكرياً من عناصر “جيش النظام” المقيمين في البناية، بدعوى أن هناك من يصور انطلاق الدبابات ومجموعات الجنود منها ، ويبث ما يصوره على شبكة النيت كتحذير لـ”المنتفضين”. وكان هناك حقاً شبان صغار شجعان يتسلقون بناية مجاورة مهجورة بقربي، ويقومون بالتصوير بهواتفهم المحمولة من مستوى شقتي. وحتى تم التأكد من أنه ليس لدي جهاز هاتف محمول ولا شبكة نيت، كانت قد تم قلب شقتي رأساً على عقب، وتبعثرت محتوياتها، وأصيب بعض الجنود بخيبة أمل عندما لم يجدوا “ذهباً” في خزانة زوجتي .
وقف ضابط المداهمة برتبة “نقيب” أمام مكتبتي مذهولاً، واختار أكبر مجلدين ضخمين أنيقين ليأخذهما، فقد يجد فيهما قصص مغامرات وجنس يتسلى بهما، وخاصة في الليل، حيث لا يجرؤ هو وجنوده على مغادرة البناية. قرأ العنوان “من الفناء إلى البقاء” للباحث الفلسفي المصري حسن حنفي بجزأين، وسرعان ما رماهما أرضاً كأنه أمسك عقرباً سيلدغه، وصرخ “ماذا تفعل بهذه الكتب المجنونة؟”. تلعثمت وبربربت بشيء غير مفهوم، فأردف “لو جاءت دوريات الأمن بدلاً مني لرمتك أنت وكتبك من الطابق الثالث إلى الشارع مباشرة، قبل أن يبحثوا عن هاتفك المحمول.” وأراد اصطحابي مع عسكره ليتسلى بالتحقيق معي في شقته، حسب ما يفعل مع أهالي الحي… لكن معركة اندلعت مع “منتفضين مسلحين”، ليس بعيداً عن البناية، فتركني عند الدرج، وأنا أكاد أتعثر بشحاطتي.
تحول الطابق الأول غير مكتمل البناء إلى مركز تحقيق أمني أولي، وكانت سيارات الأمن تقود المعتقلين الذين يُسحبون من بيوتهم، أو الذين يُلتقطون على الحواجز الأمنية في الشوارع إليه. يتم إدخالهم إلى البناية وراء بعضهم البعض، مربوطين بحبل طويل أمام أعين المارة، وكنت أرى الذين يُسحبون من بيوتهم حفاة وشبه عراة. وعندما يتم إخراجهم إلى المراكز الأمنية، كانت ثيابهم تبدو ممزقة والدماء تنزف منهم. وكانت الأصوات المجروحة المتألمة في “حفلات التعذيب” تضج في الشوارع والحارات، وتقتحم شقتي عبر منوَّر البناية. وحتى عندما تتوقف، تبقى تضج في رأسي، وهي تجأر “دخيل الله، ليس لي علاقة، ما بعرف.” أما التحقيق العسكري، فكان يجري في شقة من الطابق الثالث، تشترك مع شقتي بجدار مشترك. وأذكر تحقيقاً مع شاب بتهمة “إرهابي” لأنه نافس عسكرياً من البناية على “عشق” فتاة في الحي القريب من البناية.
وذات يوم انتشر خبر “انشقاق” أربعة جنود من البناية، وتمت مداهمة البيوت المجاورة بحثاً عنهم، لكن “المنشقون” كانوا قد أصبحوا خارج البلدة، في مناطق آمنة مع “المنتفضين”.
ونتيجة توتر الأوضاع ليلاً، والخوف من “المنتفضين”، أخذ العسكر يقنصون من يسير في الشوارع ليلاً من الأبنية التي حولوها إلى مواقع عسكرية. وبعد أربع جثث امتنع الأهالي عن مغادرة منازلهم… ليلاً، ومعظم نهارهم.
كان الوضع الذي أعيشه عبثياً كافكاوياً، وعدمياً يذكر بكامو أيضاً، وكل هذا مع مزيج من سخرية كوميديا سوداء في أكثر صورها غرائبية… أن تعيش “حراً” في معتقل، وفي موقع عسكري، فتستطيع الدخول إليه والخروج منه بـ”حرية” نسبية، رغم وجود مناوبات حراسة عسكر ظاهرة، ومخبرين متخفين في المحلات بصفة باعة… وكنت أكتب، لكن بشواش شديد وفوضى غريبة هذه المرة، ملاحظات متناثرة، أسطر غير مكتملة.
في المداهمة الأخيرة لشقتي من قبل العسكر عصر ذات يوم، اقتحمها وسط ذهولي حوالي ثلاثين عسكرياً بخوذهم وأسلحتهم الكاملة، كان أحدهم يحمل رشاشاً بشريط رصاص طويل يلفه على جسده، وبقيادة “عقيد” موتور، استلم حديثاً الموقع العسكري ـ الشقة، والحاجز الأمني أمامها، دخلوا كمن يقتحمون ساحة معركة. ظننت أن ما يحدث أمامي “فيلم رعب أمريكي”، وأنني دخلت مشاهده بالخطأ عن طريق تقنيات “الواقع الافتراضي” الحاسوبي… كان عسكري واحد يكفي ليأخذ مني ما يريد.
وبما أن معظم الجنود المداهمين يعرفونني، يشاهدونني أدخل إلى البناية وأخرج منها يومياً عدة مرات، وهم في نوبات حراستهم على مدخلها، فقد بدوا متوترين، لا يعرفون ماذا يفعلون بي… صرخ بهم العقيد “فرغوا الخزانة… اقلبوا الأرائك… انزعوا الفرش عن الأسرة… ابحثوا في أواني المطبخ… اقلبوا الكتب أرضاً”… كنت أرغب بقلم وورقة لأسجل كيف يبحث الجنود عن أنفاق وممرات ومغائر في شقتي، لكن معركة حامية الوطيس من قلب الأثاث وبعثرته رأساً على عقب كانت دائرة.
وفجأة تحولت الشقة إلى ركام حقيقي، وكأنها تعرضت إلى زلزال مدمر، أو تسونامي بحري، وأنا مذهول مما يحدث. وجد الجنود بين ألعاب أطفالي “مسدساً بلاستيكياً، يرش ماء”… يعلق العقيد “وتقول لي أنك رجل مسالم… وأنت إرهابي.” وجد الجنود كرتونة، فيها ملابس داخلية قديمة لزوجتي… أخرجها العقيد قطعة قطعة بطرف بندقية، يستعرضها أمام العسكر، وهو يصرخ بسخرية “وتقول أنك مثقف، والنساء “الشراميط” تحضر لعندك طوال الوقت.”
لم يكن يريد “العقيد” سوى إهانتي، وربما ودفعي إلى مغادرة الشقة، وكأنه يشعر بالحقد لأنه لم يتم اعتقالي بعد ولا مرة، فلم أكن فقط رجلاً تجاوز الستين من عمره ومسالماً، إذ أنه من المفترض أيضاً أني أعيش بأمان في موقع عسكري، حيث لا يزورني أحد فيه. خرج العسكر من ركام الشقة، أما أنا فجلست بين ركام الزلزال والتسونامي، وقد زارت عيني دمعتان، وأنا أنظر إلى شيء واحد معلق أمامي على الجدار، نسي العسكر نزعه؛ كان برنس ابني الصغير، الذي خرج به من الحمام يوم هروبه، وبقي معلقاً منذ ثلاث سنوات بانتظار عودته… بقيت مذهولاً طوال الليل حتى غفوت فوق كومة ثياب.
في صباح اليوم التالي، ودون أن أرتب شيئاً في الشقة من ركام الزلزال، جلست إلى طاولتي، وبدأت أكتب روايتي التالية “فيلم سوري طويل” أو باسم آخر “مرايا الحياة في زمن الموت”… تفجرت أفكار الكوميديا السوداء الساخرة بطريقة مذهلة، لم أستطع إيقافها وهي تتدافع وأخذت أكتب بجنون شهراً، واثنين، وعشرة، وسنة.
وفي أثناء ذلك، كان “العقيد” الموتور “يعفش” جميع البيوت الفارغة بدعوى أن مالكيها “إرهابيون”، مستغلاً عدم خروج الأهالي ليلاً خوفاً من القنص، ويؤمن الغطاء الأمني لخطف أهالي من البلدة من أجل الحصول على فدية مالية عالية. ويوم ماتت والدتي السبعينية “نبش” الجثة حتى كاد يفك الكفن عنها ـ دون أن أعرف عن ماذا يبحث، وسمح لستة أشخاص منا بدفنها في المقبرة، بعد الحصول على موافقة أمنية، وتحت إشراف حاجز عسكري مجاور لها… ويوم انفجر به لغم ومات، زغردت النساء في بلدتي، فيما لف هو بالعلم الوطني.
أنهيت الرواية منذ عامين، وتنتظر دورها في النشر. أتريث قليلاً حتى تأخذ “الغرانيق” مداها.
سيطر “عسكر النظام” على بلدتي بعد عدة حملات اجتياح واعتقالات وقمع دموي لها، وأصبح الأهالي تحت رحمة “أجهزته الأمنية” و”ميليشياته الانكشارية الطائفية”، إلا أن خط النار مع “المنتفضين” سيستقر لعدة سنوات غير بعيد عنها ببضعة كيلومترات فقط. وفي أثناء ذلك، لم ينقطع الأمل لدى الأهالي من “تحرير” مناطقهم، رغم بدء تكدس “الميليشيات الشيعية الإيرانية” فيها.
كانت “الانتفاضة السورية السلمية” قد تحولت إلى “العسكرة” كرد فعل على العنف الموجه إليها من قبل “النظام العسكري”، ومن ثم إلى “الأسلمة”، بعد أن غدت مطية دول إقليمية تحت يافطة “أصدقاء سوريا”. وكل منها يريد تحقيق مصالحه في البلاد باسم “المعارضة”، ضمن صراعات نفوذ ونزاعات إقليمية ودولية، تشتم منها رائحة “النفط” و”الغاز”، و”الموقع الاستراتيجي للتحالفات العسكرية.
حمل “المنتفضون” في البداية اسم “الجيش الحر”، الذي ما لبث أن حلت مكانه “جماعات إسلامية”، رفعت رايات سوداء وبيضاء، حسب الجهات الخارجية الداعمة. وتحولت إلى التنازع فيما بينها، على “مناطق النفوذ والسيطرة”، إلى جانب الاختلافات الدموية على “حف الشوارب”، و”اللباس الأفغاني”، وإقامة الحدود على “المدخنين”، و”المرتدين”، و”النصيرية”. وما أن تسيطر جماعة منها على “بضعة أمتار” من أرض حتى تعلن عليها “خلافتها الإسلامية”، وتقوم بـ”تطبيق الحدود” على أهاليها، متناسية شعارات “نصرة المستضعفين” والوقوف بوجه “المستبد” التي كانت تدعي أنها سبب إعلانها. كان الأهالي بحاجة إلى “بطولات” تشابه “أحلام اليقظة الجمعية”، ألبسوها لبعض “المغامرين” كمنتفضين، وسيكشفهم المستقبل مشاركين في عمليات خطف لـ”الكفار” مقابل الفدية، لا فرق بينهم وبين العصابات التي ترعاها “الأجهزة الأمنية” سراً لخطف الأهالي مقابل الفدية.
وفيما انضم إلى “الجماعات الإسلامية” مقاتلون أصوليون من بلدان مختلفة، كان نشطاء “الانتفاضة” السلميون ومعظم “المنشقين العسكريين” ينسحبون من المواجهة مع “النظام”، بعد افتقاد الدعم “الغربي الديمقراطي المزعوم”، ويتفرقون مهجرين مشردين في بلدان مختلفة.
وفي لحظة انهيار في صفوفه، استقدم “النظام” ميليشيات شيعية إقليمية بقيادات إيرانية، وتحول إلى أداة إيرانية، تقوم بتدمير منهجي لمناطق “السنّة” بالبراميل المتفجرة، ضمن مشروع “التغيير الديموغرافي الإيراني”، والقائم على تهجير أكبر عدد من سكان هذه المناطق بـ”غطاء دولي” صامت. لم تكن إيران ترغب بانتهاء الحرب وقيام تسوية سياسية ما، إذ كان معنى ذلك خروجها من البلاد خاسرة، لذلك فلتشتعل طويلاً مادام وقودها هم “أهل البلاد” من أجل “هلالها الشيعي”، وطالما منحها “أوباما” فرصة تاريخية لن تتكرر بسهولة مقابل “الاتفاق النووي” معها.
وفي لحظة انهيار ثانية لـ”النظام”، رغم ثقل “الدعم الإيراني”، دخل “الروس” بقوة تدميرية هائلة، مناسبة للصراع مع جيوش غربية قوية، بدعوى القضاء على “الإرهاب”، وأخذوا يستكملون تدمير البلاد. وبالمقابل شارك الأمريكيون بالتدمير في “حصتهم” من الشمال السوري، وفي بقية المناطق لم يكونوا فقط “يتفرجون” على “المجزرة”، وإنما يعملون أيضاً على إذكاء “جذوتها” باستمرار، دون السماح لطرف بالانتصار على الآخر، حتى تتدمر كامل البلاد، وتتحقق أهدافهم بتقسيم المنطقة وإعادة رسم حدودها.
أنتظر أهالي بلدتي طويلاَ، مثل أهالي البلدات الأخرى، قدوم “الإسلاميين” لـ”تحريرهم” من سلطة “عسكر النظام” و”الميليشيات الإيرانية”، بعد أن وعدوهم بـ”النصرة” أو “الشهادة في سبيل الله”، وقد كانوا قريبين منها عدة كيلومترات فقط… وإذ بـ”الإسلاميين” يهاجرون إلى الشمال، تاركين أهالي البلدات الذين انتظروا طويلاً “نصرتهم”، وسلموهم إلى “النظام” و”ميليشياته”، واستغنوا عن “الشهادة في سبيل الله”. حدث هذا باتفاقات إقليمية مريبة، قطرية ـ تركية من جهة، وإيرانية من جهة أخرى، على طريق إقامة كيانات “سنية” و”شيعية” مستقبلية، فيما سلمت تركيا حلب إلى”النظام” و”الميليشيات الشيعية”، فقصمت ظهر “معارضة النظام” نهائياً، مقابل منحها الحرية في منع تشكل “دولة كردية” في مواجهة الضغوط الأمريكية.
وبعد ما تم الاتفاق على تقسيم “الكعكة السورية” بين القوى الإقليمية والدولية، لم يعد هناك مبرر لوجود “داعش”، التي حضرت إلينا كل القوى الإقليمية والدولية بدعوى قتالها، فاستكملوا تدمير البلاد بدلاً من تدميرها… أما “داعش” فقد تلاشت لوحدها بهدوء نسبي، دون أن تترك أثار “أسرى حرب أو محاكمات…، بعد أن أدت دورها في مسلسل أمريكي هوليودي متقن الصنع مخابراتياً.
وفي هذه الأثناء، تحول السوريون بجميع أطرافهم إلى المشاركة في مشاهد مسرح موت عبثي على أراضيهم، يلعبون فيه معاً أدوار “القاتل” و”المقتول”، في صراع بين “مشروع وهابي خليجي” و”مشروع شيعي إيراني”، إلى جانب صراع من أجل “بناء مشروع إخوان مسلمين إقليمي” “بناء هلال شيعي”، لتكتمل حكايات الموت بصراع خفي ضاري بين الروس والأمريكيين على مناطق النفوذ… ثم فقد السوريون الحماس لأدوار “القاتل” و”المقتول” معاً، في لعبة لم يعودوا يدركون أبعادها.
يموت الأهالي في المناطق الواقعة خارج سلطة “النظام” ـ المسماة “محررة” ـ بقصف تدميري لا يرحم، يمارسه “الجميع ضدهم”، في اختبارات لأحدث الأسلحة، بما فيها الصواريخ العابرة للقارات. وبالمقابل لم تسلم مناطق “النظام” من الجنون الذي ينال الجميع، فليس هناك خيار أمام الشباب من كل الأعمار إلا سوقهم إلى “الخدمة الإجبارية” أو “الخدمة الاحتياطية” أغناماً ماضية إلى “الذبح”، في حروب “الآخرين” العبثية… أو التهجير والتشرد في أصقاع الأرض.
تشظت البلاد، وقد اقتسمتها القواعد والجيوش والميليشيات الأجنبية، و”تشظى” الإنسان معها أيضاً، وقد اقتسمته “عسكرة النظام” و”أسلمة ما تبقى من معارضة”، بحدودهما القصوى… و”تشظى” في الوقت نفسه من رُمي خارج البلاد. في الداخل إنسان ممزق بالرعب والموت المجاني، وعليه أن “يصفق” بقوة لآلهة بهيمية متوحشة غامضة، كي يعيش، وفي الخارج ممزق بالضياع والتشرد، و”الحنين” لأشياء مبهمة كانتها البلاد؛ بيته وأصدقائه وذكرياته… وإلى جانب ذلك عدنا نعيش جنون “ما قبل الحداثة”، لا أدري إن كنا قد غادرناها أصلاً؛ جنون “البداوة”، و”الطوائف”، و”عسكرة البوط”، و”عسكرة السيف”، وتحول من يمثل السوريون إلى “دمى في مسرح عرائس.” وأصبحنا نتحدث عن “نصيريين”، بدلاً من علويين، وسنّة، ودروز، وإسماعيليين، وعن “تشييع ولطميات”، و”أمويين وحسينيين”… عن مسلمي و”مسيحيي جزية”… عن عرب، وأكراد، وتركمان، و”فينيقيين” بانتماءات جديدة… عن عبدة “ابن تيمية” و”الإمام علي”، وطقوس وثنية لـ”البوط العسكري” و”بوتين”… عن “كعبة مكة” و”كعبة قم”… وعن “غرانيق” جديدة في الأرض.
… وهكذا ولدت روايتي الأخيرة “تشظيات”؛ تشظيات الإنسان السوري من أي طرف كان، وفي أي مكان كان… أصبحنا في الوقت نفسه “جلادين” و”ضحايا” لأنفسنا…”ساديين” و”مازوشيين”، نغرق في أحلام يقظة يائسة تعبيراً عن فشلنا في مواجهة الذات والواقع. أكتب “تشظيات” بناء على شهادات “ناجين من الاعتقالات”، و”ناجين من الغرق في البحار”، مازالوا يعيشون الجرح اليومي النازف… شهادات “جلادين للنظام” و”أمراء حرب إسلاميين” يفتخرون بساديتهم علناً… هي شهادات الموت والحياة… شهادات أعدت صياغتها أدبياً، ولكثرتها كان عليّ أن أختار منها لضرورات النشر.
لم تحطم “الانتفاضة السورية” تماثيل “الغرانيق” في الساحات فقط، وإنما تماثيل “الغرانيق” في العقول أيضاً؛ أشباه الآلهة تلك التي حاول عسكر “النظام الشمولي” أن يزرعوها في أذهاننا بالرعب والقمع… لكن في الوقت نفسه أتساءل من أين يأتي كل هذا العنف الذي يعيشه السوريون، وبأيديهم؟ هل هو ميراث الستالينية، الذي ورثته “الأحزاب العقائدية” لدينا، التي انكشفت هشاشتها وجذورها العشائرية والطائفية، بغض النظر عن علمانيتها الشكلية، ميراث تشربه العسكر، بعد أن دعموه بمزج عجيب من “فقيه السلطان”… أم هو “طبائع البداوة” و”الاستبداد الشرقي” المتجذر في نفوسنا وثقافتنا اليومية… أم هو تداعيات “تهميش المدن والأرياف” من قبل “استبداد عسكري أمني” خلال زمن طويل لصالح “مافيات إنكشارية طائفية”… أم هو “الترييف العسكري” ـ بمظهره “السلطوي” ـ في مواجهة “ترييف محافظ متعصب”… أم هو “عسكرة الحياة اليومية والمؤسسات والعقول والثقافة” التي مارسها العسكر والأحزاب العقائدية، إلى جانب تاريخ متجذر من “الدعوة اليومية إلى الجهاد على منابر المساجد” يقابله “خوف الأقليات التاريخي العميق”… أم هذا كله مجتمعاً؟
منذ السنوات الأولى لـ”الانتفاضة” ساد نقاش بين الروائيين السوريين عن الكتابة عن “الثورة السورية” أو عن “الحرب” لمن فقدوا الأمل من الثورات بعد أن عاشوا المآلات… هل نكتب في خضم الأحداث، أم عندما تنجلي الأحداث؟
كان رأي الجهة الأولى هي الكتابة في خضم الأحداث، فتأتي الحكايات أكثر حرارة وانفعالية، حيث يمكن نقلها بصورة أكثر واقعية ووثائقية، فالروائي هو ابن الأحداث التي يعيشها، وهو الذي ينفعل بها، وينقلها مباشرة، وهنا بالذات من خلال احتكاكه المباشر مع الموت والخراب والتهجير.
لكن بالمقابل كان رأي الجهة الثانية معاكساً، إذ ينبغي انتظار انجلاء المشهد في خواتمه، حتى يمكن محاكمة الأحداث التاريخية بطريقة أكثر عقلانية، فمن كان يظن أن “الانتفاضة السلمية” ستفرز “إسلامييها المتطرفين”، على سبيل المثال، ومن كان يتوقع هذا الجنون من تدخل القوى الإقليمية والدولية في بلادنا من جرائها؟ وبرأيهم سيكون مثل هذا الحذر ضرورياً كي لا يسقط الروائي في موقف تاريخي لا يحسد عليه.
يبدو أن كلا الطرفين لديه نقاط قوته الإيجابية والسلبية… طبعاً مع الحفاظ على خصوصية كل روائي في مقاربة الأحداث. لكن هل كان من السهل أن تقول لروائي الآن بأن يتوقف عن الكتابة حتى انجلاء الأحداث؟
بالنسبة لي، لم أكن أفكر بأي من الرأيين السابقين، على الأقل بشكل مباشر، فأنا دائماً أعتقد أنني لست روائيا محترفاً، مع أني نشرت روايتي الأولى “وصايا الغبار”، والآن روايتي الثانية “الغرانيق”. لكن الكتابة اليومية ـ وإن بأبسط أشكالها كملاحظات ـ هي بالنسبة لي جزء من نفسيتي، ومن نمط حياتي، وطريقة تفكيري، هي جزء من حياتي اليومية، وأمارسها كما أمارس “أحلام اليقظة”… هي الهواء الذي أتنفسه وأعيش به، والحلم الذي يجعلني أحتمل الحياة القاسية حولي، سواء بوجود “حرب” أو بدونها.
وبالمقابل لدي شعور مبهم دائم أني أطفو في الزمن، مما يجعلني أعيش حياتي كأحداث كرواية، فتتكامل الحياة اليومية مع الكتابة في صياغتها. وبهذا تغدوا الحياة التي أعيشها رواية، والرواية التي أكتبها هي حياتي. ولذلك أكتب دائماً بضمير المتكلم “أنا”، ويسيطر دائماً على رواياتي بطل واحد، لكنه منفصم الشخصيات، أو بالأحرى متشظ إلى عدة شخصيات في آن واحد، هو انعكاس لتشظينا في الحياة؛ في مجتمع قمعي يفرض وجوده على أدق تفاصيل حياتنا، حتى على أحلامنا. ومنذ طفولتنا يحتل “رجل الأمن” و”رجل الدين” ـ عسكرة وأسلمة بتوافق غريب ـ حيزاً كبيراً من حياتنا… ولقد عشت أيام الحرب ـ دون أوهام البطولة ودون أحلام اليقظة الجماعية عنها ـ كشاهد على الموت والخراب والتهجير، أنا وعائلتي وأقارب أصدقاء لي، وهو ما سجلته في كتاباتي.
هل أبدو بهذا ميالاً إلى الرأي الأول عن الكتابة في خضم الأحداث؟ ربما نعم، ولكنني باللاشعور كنت حذراً من الوقوع في التداعيات السلبية التي يعرضها الرأي الثاني… فأنا أكتب دائماً عن إنسان مأزوم، منفصم، متشظ، ولا مكان لدي لتمجيد شخص سيكشفه الزمن “ديكتاتورا عسكرياً”، أو “أمير حرب إسلامياً”، ولا أتحمس لمجموعة سيكشفها الزمن لاحقاً مجموعة إرهابية أو إسلامية متطرفة… أكتب عن المجرم، الذي سيبقى أبد الدهر مجرماً بأفعاله، وأكتب عن الإنسان البسيط المعذب، الذي سيموت بسيطاً ومعذباً… أكتب كي لا تشوه دعاية “المنتصر” حقيقة الموت والخراب الذي نال منا جميعاً… أكتب الحكاية كي لا ننسى، حكايات الشوارع البيوت والحقول، التي دمرتها الحرب، حكايات المصاطب الطينية التي تظللها أشجار الجوز ونشرب عليها الشاي في البلدات، وحكايات الأسواق الشعبية في المدن. حكايات بلا “عسكرة” و”أسلمة”، بلا “بوط عسكري” و”سيف إسلامي”.
كتبت هذه الشهادة بطلب من “صالون سوريا” وستتبعها شهادات أخرى لكتاب وشعراء سوريين يتحدثون عن تجربتهم الشخصية في الكتابة في سياق التجربة السورية في السنوات الأخيرة.
بواسطة Salon Syria Team | يناير 31, 2018 | Culture, News, غير مصنف
مع بداية زيارتكم، اسمحوا لي أن أشاطركم بعض الأفكار المتعلقة بالتاريخ الياباني الحديث. كما تقرر مؤخرا أن الإمبراطور الحالي سيتنحى عن العرش العام المقبل، منهيا بذلك فترة حكم ٣٠ عاما. وهذا العام الجديد يلهمنا النظر وراء تاريخنا الحديث، وسأبذل قصارى جهدي للقيام بذلك.
في العام ٢٠١٨ تصادف ذكرى ١٥٠ عاما على استحداث ميجي، وكان ذلك بداية تحديث اليابان. اذ انه في العام ١٨٦٨ كانت “النهضة” الحقيقية لليابان التحديثية، التي سبقت سوريا على الأقل ٥٠ عاما إذا كان البعض يعتبر التقدم البريطاني والعربي إلى دمشق في عام ١٩١٨ كبداية لحركة نهضة السوريين. طبعاً هذا الأمر خاضع للجدل في مناسبة أخرى. كان الشعار الأساسى لحكومة ميجي هو “زيادة الثروة وتعزيز القوة العسكرية”، حيث أدت هذه السياسة إلى التحديث السريع في اليابان.
نهضة اليابان
تطورت اليابان بسرعة بعدما انتصرت بالحرب الصينية – اليابانية في عام ١٨٩٤-١٨٩٥، والحرب الروسية – اليابانية في الفترة ما بين ١٩٠٤ و ١٩٠٥ لتصبح واحدة من خمس دول رئيسية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان)، وتحتل مقعدا في المجلس لعصبة الأمم مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى. ووقعت اليابان أيضا على معاهدات مختلفة مثل معاهدة فرساي (١٩١٩) وسان ريمو (١٩٢٠) وسيفريس (١٩٢٠) ولوزان (١٩٢٣) وما إلى ذلك. ومنذ ذلك الحين، أصبحت اليابان تدريجيا “قوة استعمارية آسيوية بحكم الأمر الواقع.” في نهاية المطاف، استعمرت شبه الجزيرة الكورية وتايوان وجزءاً من شمال شرق الصين اوما يسمى “منشوريا”.
تقبل الهزيمة
مع ذلك، تم تحطيم غطرسة اليابان تماما عندما دخلت في الحرب العالمية الثانية متحالفة مع ألمانيا وإيطاليا كمحور ثلاثي، خصوصا الحرب بين اليابان والولايات المتحدة منذ ٧ كانون الاول /ديسمبر ١٩٤١ التي قادت اليابان إلى هزيمة كاملة في ١٥ آب / اغسطس١٩٤٥. فقد أكثر من 3 ملايين شخص من اليابانيين خلال الحرب المدمرة، حيث كان عدد سكان اليابان في عام ١٩٤١ حوالي ٧٢ مليون نسمة، وتجاوز معدل الإصابات أكثر من ٤ في المائة من مجموع السكان. لو اردنا المقارنة، فانه إذا افترضنا أن عدد الوفيات في الأزمة السورية الحالية حوالي ٥٠٠ الف من السكان البالغ عددهم 22 مليوناً، فإن نسبة الوفيات تصل الى ٢ في المئة، كحد أقصى. كما ان أكثر من ١٤٠ الف شخص اختفوا في هيروشيما وأكثر من ٧٠ الفاً تبخروا في ناغازاكي في صيف عام ١٩٤٥ عند استعمال القنبلتين الذريتين. حتى أن روسيا ضمت المناطق الشمالية من اليابان مباشرة بعد تاريخ الاستسلام الياباني غير المشروط في١٥ آب ١٩٤٥.
وكانت الاضرار على الجانب الاقتصادي ببساطة ضخمة وحتى رسميا غير محسوبة فإنه وفقا لما ورد في كتاب “احتضان الهزيمة” للكاتب جون داور، فقد احتسبت (SCAP) بيروقراطية الجنرال ماك آرثر (SCAP، وهي اختصار للقيادة العليا لدول الحلفاء) في وقت مبكر من عام ١٩٤٦ أن اليابان “فقدت ثلث ثروتها الإجمالية وثلث إلى نصف إجمالي دخلها المحتمل.
قد تعرضت ٦٦ مدينة رئيسية، بما فيها هيروشيما وناغازاكي، لقصف شديد، ما أدى إلى تدمير٤٠ في المائة من هذه المناطق السكنية بشكل عام وجعل حوالي ٣٠ في المائة من سكانها بلا مأوى. في طوكيو، و هي أكبر مدينة، تم تدمير ٦٥ في المئة من جميع المساكن.
هذه الكارثة في الحرب وضعت حدا لأي عقلية إستعمارية للأمة اليابانية. لقد كانت فترة كاملة لتكريس مفهوم الحرب والسلم. كانت الطبيعة السلمية للدستور الياباني الجديد مقبولة بشكل جيد من قبل اليابانيين على الرغم من أنه كتب أصلا من قبل الأميركيين. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعلنا نقترح و نوصي ان تقوموا بكتابة الدستور الخاص بكم بأنفسكم.
ثلاثة عوامل للتعافي
قد تكون هناك ثلاثة عوامل أساسية لتعافي اليابان السريع:
بعد الحرب العالمية الثانية، كان بقاء اليابان إلى حد كبير بسبب المساعدات الاقتصادية السخية والكبيرة من الولايات المتحدة، وكذلك الترتيبات الامنية الصلبة بين اليابان والولايات المتحدة في وضع الحرب الباردة. الحرب الكورية في عام ١٩٥٠ قامت بتعزيز مزيد من التعافي الاقتصادي السريع في اليابان. هذه العوامل مجتمعة جعلت اليابان تركز فقط على التنمية الاقتصادية في التعافي بعد الحرب. وعلى سبيل المثال، انخفض الإنتاج الصناعي الياباني في عام ١٩٤٦ إلى ٢٧.٦ في المائة من مستوى ما قبل الحرب، لكنه استعاد هذا المستوى قبل الحرب في عام ١٩٥١ ووصل إلى ٣٥٠ في المائة في العام١٩٦٠.
مساعدة واسعة النطاق
أولا، المساعدات السخية الأميركية: لعبت أموال GARIOA و EROA دورا حاسما في انتعاش الاقتصاد الياباني. وهي جزء من الصندوق العسكري الأميركي للمنطقة المحتلة. وبلغ مجموع المساعدات حوالى ١.٨ مليار دولار أميركي. وفي القيمة الحالية، يساوي ما يزيد على ١٢٠ مليار دولار أمريكي. (GARIOA: اعتمادات الحكومة للإغاثة في المناطق المحتلة، EROA: إعادة التأهيل الاقتصادي في المناطق المحتلة)
وعقب تعافي و استعادة السيادة اليابانية مباشرة، تلقت اليابان أيضا من ١٩٥٣ حتى ١٩٦٦ القرض الضخم من البنك الدولي، الذي يزيد على ٨٦٠ مليون دولار أميركي بما يعادل القيمة الحالية لحوالى ٦٠ مليار دولار أميركي. وقد أنفق القرض على بناء البنى التحتية الرئيسية التي لا غنى عنها لنمو اليابان الاقتصادي مثل الطرق السريعة والقطارات السريعة والسدود. ولكن الأمر المفاجئ، أن اليابان استطاعت تسديد كامل القرض الذي قدمه البنك الدولي في العام١٩٩٠. إن الدعم الأجنبي لليابان خلال فترة ما بعد الحرب الماضية جعلنا نؤمن إيمانا راسخا بفلسفة “دعم أولئك الذين يساعدون أنفسهم.”
السياسة الاقتصادية الناجحة لليابان
والسبب الثاني الذي مكّن اليابان من التعافي من صدمة الحرب هو الإصلاح الاقتصادي الناجح من قبل الحكومة وكان من بين الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية اعتماد برنامج عُرف حينها باسم “سياسة إعطاء الأولويات” ذلك لتحديث القطاعات الانتاجية. وهذا يشير إلى السياسة الجديدة التي تعطي الأولوية لإنتاج المواد الخام الرئيسية بما في ذلك الصلب والفحم والقطن.
وعلاوة على ذلك، ولتحفيز الإنتاج، أطلقت الحكومة اليابانية التوظيف الجديد للعمال، ولا سيما الإناث العاملات، من خلال تعزيز توظيف النساء العاملات وغيرهن بموجب لوائح مفصلة تصدرها وزارة العمل، تمكنت اليابان من التعافي من الدمار.
الحرب الكورية كعامل خارجي
وكان العامل الثالث اندلاع الحرب الكورية حيث شاركت الولايات المتحدة في نهاية المطاف في الحرب، ما وفر فرصة للاقتصاد الياباني. وبما أن شبه الجزيرة الكورية بعيدة عن الأراضي الأميركية، سرعان ما أصبحت الخدمات اللوجستية مشكلة كبيرة.
وباعتبارها واحدة من المؤيدين الرئيسيين للولايات المتحدة في آسيا، خرجت اليابان وقامت بتوفير الإمدادات اللوجستية وزيادة إنتاج الأسلحة النارية بشكل كبير. إن ترتيب السلاح الناري الشامل من الولايات المتحدة حفز الاقتصاد الياباني إلى حد كبير، ما مكن اليابان من التعافي من الدمار في وقت الحرب، ووفر لليابان الأساس لمستوى عال من النمو الاقتصادي المرتفع.
خلاصة سريعة
باختصار، ان الضمان الأمني القوي الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى جانب المساعدات الخارجية الضخمة سواء من الولايات المتحدة أو البنك الدولي والإصلاح الاقتصادي الياباني شكلوا العوامل الرئيسية للانتعاش الياباني من أنقاض الحرب العالمية الثانية. لكن العامل الأهم، ان اليابانيين استفادوا من هذه العوامل وحولوها بأنفسهم الي فرص للنهضة الشاملة. في حالة سوريا، أنتم والشعب السوري وحدكم تملكون الجواب.
نص خطاب القائم بالأعمال والمنسق الخاص لشؤون سوريا فوتوشي ماتسوموتو الذي القاه امام حشد من عشرات الخبراء السوريين بتاريخ ٩ كانون/يناير ٢٠١٨.
بواسطة لامار اركندي | يناير 29, 2018 | Culture, غير مصنف
القامشلي
فتحتْ باب خزانتها القديمة وتناولت ٲلبوم الصور بغلافه الجميل المرسوم بالورود الزاهية. كانت تختبئُ وراء ٲلوانه البهيجة عشرات الصور القديمة التي اعتادت بهيجة الموسى ابنةُ ٲحد النّاجين من ضحايا الٳبادة الٲرمنية ٲنْ تَمسحَ ماضياً يتيماً بأحداثٍ أليمةٍ تَدُقُّ في ذاكرتها قصصاً مروعة عمّن سكنتْ خيالاتهم ٲلبومها الثمين.
تتأمّل بهيجة صورة والدها نظريان شوربجيان الذي سخَى القدر بكراماته عليه ليكون ممّن نجا بفعل معجزة من هَولِ تلك المجازر البشعة التي ارتُكبتْ على يد الدولة العثمانية بحق الأرمن قبل ٲكثر من مئة عامٍ.
بكلماتٍ مُغلّفةٍ بِغبارِ تاريخٍ دامٍ، قلّبت بهيجة الموسى صفحات حِقبةٍ سوداء ألقتْ بظلالها القاسية على حياة والدها، الطفل المدلل لأحد عوائل الأمراء الأرمن وقالت “ كان والدي من ضحايا الوجبة الثانية للٳبادة التي ارتُكبتْ سنة ١٩١٥ ولم يتجاوز حينها حسب روايته لنا الثامنة من عمره، كان كالآلاف من الأبرياء حطبَ حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل.”
وتنقلُ بهيجة عن والدها : “في ذلك اليوم المشؤوم، حلّقت حمامات والدي في سماء مدينة قيصرة في تركيا بعيداً، وأخذ يُراقبها مع أخوته الثلاثة من فوق سطح منزلهم الكبير، حين نادتهم جدّتي أنْ يُسرعوا في النزول، والهرب بعيداً عن آلة الموت التركية، وركوب العربة التي جهزتها الجدة بالطعام والماء، وانطلقت مُسرعةً تعبر طرقات المدينة تجرُّها ثلاثة أحصنةٍ للّحاق بفُلولِ العوائل الأرمنية الفارَّة والوُجهة جنوباً إلى سوريا، في رحلة استغرقت ٲياماً طويلةً حصد الموت روح ٲمّ والدي في منطقة رأس العين من جهة تركيا وبعدها بدأتْ قوافل الفّارّينَ تفترق في مجموعات عديدة توجّهت كلٌّ منها في جهة أملاً في نجاة أكبر عددٍ من الهاربين، حينها ٲضاعَ والدي جَدّي وأعمامي وعمّاتي وبقيّة ٲقاربه ووصل هو مع المجموعة الصغيرة إلى حدود منطقة عين ديوار في سورية.”
النَّجاةُ مِنَ الذَّبح
بعيونٍ اغْرورقتْ بالدّموع أضافتْ بهيجة: “الخوفُ قادَ والدي نظريان ٳلى الاختباء تحت جُثثِ الضّحايا الأرمن بعد أنْ تمكن الجنود الٲتراك من اللّحاق بمجموعتهم وحَزّهِم لِرؤوسِ ضحاياهم دونَ رحمةٍ. صرخاتُهم كانت تقطع ٲنفاس ٲبي من الخوف لكنّ الحظَّ لم يَسْخ هذه المرة بكراماته على ٲبي، فقد تمكّن ٲحد الجنود الٲتراك مِنْ سحبه من تحت الجُثث وطعنهِ بخنجرٍ في ظهره أسفل كتفه الأيسر، وأخذ يتمتم بالتركية التي كان يُتقنُها ٲبي بعد أنْ خلع حذائهُ الأسود من قدميه الصغيرتين والمُجهدتين قائلاً لصديقه وهم يبحثون في جيوب وٲغراض قتلاهم: ‘سآخذ هذا الحذاءَ لابني فهو يناسبهُ تماماً’، وألقى بوالدي على الأرض جريحاً ينزفُ. وهربوا بعد أنْ رأوا أهالي عين ديوار قد هبوا لنجدة الضحايا بعد ٲنْ ٲخبرهم رُعاةُ القرية عمّا فعلوهُ الجنود الأتراك، لكنهم لم يصلوا في الوقت المناسب لإنقاذهم.”
وكانَ مِنْ بين الواصلين الٲكراد موسى ٳسماعيل مُختار عين ديوار الذي تولّى مُداواة والدي النّاجي الوحيد من وجبة الٳبادة تلكَ وتَبنّاه كأحدِ ٲبنائه وانتقل للعيش في كَنَفِ ٲسرةٍ جديدةٍ مَنحتهُ نَسبها، وٲصبح يعرف بــ مصطفى موسى ٳسماعيل.
بعد مرور خمسة عشر عاماً على الٳبادة شَبَّ نظريان وتزوج من شريفة بيرمام ابنة عائلة كردية من قرية ملا مرزيه القريبة من عين ديوار وأنجبَ منها أربعة ٲولاد وثلاث فتيات، وترك العائلة التي عاش في كنفها ابناً مُحبّــاً ومُخلصاً، وانتقل للعيش والاستقرار في مدينة القامشلي شمال شرقي سورية.
مقهى كربيس بريد النّاجين من الٳبادة
لا تَنفكُّ بهيجة السيدة السبعينية التي تمرُّ بشكلٍ دوري في سوق القامشلي ٳلّا وأنْ تقودها قَدَماها للمرور بجانب مقهى كربيس الذي بُنيَ في الثلاثينيات من القرن الماضي قبل ٲنْ يُهدم ليعود ويُطلَّ من جديدٍ في ذات المكان، لا تُغادره صور من عرفوه وتُضيف: “ كأنّ الزمن ينثرُني على صفيح الذكريات ويُعيدُني ٳلى الوراء عشرات السنين كلما مرَرتُ بجانب مقهى كربيس أشعرُ بكثير من الألم وأترحّم على روح صاحبه كربيس ميراييان.”
أذكُر تماماً ميراييان حين كُنت أُرافق والدي ٳلى دُكاننا الطيني في سوق عَذْرا في وسط المدينة، وٲساعدهُ في بيع الغرابيل والحبال والخيزران والمسامير والتوابل وٲدوات الزراعة، زارنا كربيس وسأل والدي بعد سماعه أنّه أرمني نجا من الإبادة عن اسمه الحقيقي الذي يُعتبر مَقهاهُ من ٲوائل المقاهي بمدينة القامشلي ومن أهم نقاط التواصل الاجتماعي، عاد كربيس بعد فترةٍ بَشَّر والدي بوصول رسائل من ٲعمامه وخالاته وعمّاته من لبنان وٲمريكا وفرنسا الذين فرّوا مع قوافل الٲرمن الهاربين يومها ٳلى تلك البلاد واستقروا فيها، وراسلوا كغيرهم كربيس الذي كان بمثابة حمام زاجل وكساعي بريد ٳنساني. وتمكنت العديد من العوائل عن طريقه العثور على بعض ٲحبتها النّاجين كوالدي، وصلتنا رسائل ٲعمامه وخالاته وعماته الذين كتبوها باللغة الأرمنية وتولّت حينها عائلة ٲرمنية تُدعى جان دولة في ترجمة الرسائل وكتابتها وحتى ٳرسالها ٳلى عناوين مُرسليها. ومنها رسالة خالة والدي أرشلوز التي وصلتنا من بيروت في لبنان ودَعَتْ والدي لزيارته.”
“نعم أذكر ذلك تماماً كأنه الأمس. كنت في الحادية عشرة من عمري، حينها سافر والدي بالبوستة كما كانت تُسمى الحافلات في تلك الأيام، ومنها ٳلى الساحل حيث سافر بالبابور وهي الباخرة التي حملت والدي نظريان وٲمي وٲخي البِكر بحراً ٳلى لقاء خالته بعد مرور كل تلك السنوات، وبعد مرور ٲربعين يوماً من عودة ٲبي تُوفّيَ بعد صراع مع مرض الفشل الكلوي كانت سنة ١٩٥٧.”
الجريمةُ الكُبرى
الرابع والعشرين نيسان منْ كلّ عام الذكرى السنوية للإبادة الٲرمنية التي راح ضحيتها ما يُقارب المليون ونصف المليون ٲرمني خلال وبعد الحرب العالمية الٲولى. وقد أطلق الأرمن على تلك الأحداث بـ “الجريمة الكبرى” والتي ارتكبها الجنود الٲتراك من ربيع ١٩١٥ حتى خريف ١٩١٦ وبقي صداها المُؤلم يُؤرّق ابنة الناجي نظريان شوربجيان كالآلاف غيرها ممّن كانوا ضحايا حروب ٲحرقتِ الٲخضر واليابس وسط تخاذُل المجتمع الدولي في ٲداء دوره الٳنساني بِرَدّ الحقوق ٳلى ٲصحابها. وتُضيف بهيجة الموسى: “لطالما ارتبك المجازر في المناطق التي سيطروا عليها ونَكّلوا بالعباد وهدروا كرامة البشر الٳنسانية. فلطالما رفضت الحكومة التركية الٳعتراف بتلك الٳبادات الشَّنعاء رفضًا تامًّــاً.”
وتُضيف: “رُغمَ مرور كل تلك السنوات الطويلة فإنها عجِزتْ عن مسحِ وابلِ الظلم الذي خيّم على حقبة سوداء في تاريخ دولةٍ طاغية أثقلتْ في طُغيانها وحفرتهُ عميقاً في ذاكرة الضحايا الناجين من تلك المجزرة الملعونة وسيبقى صداها مغموساً في ذاكرتي سأورثهُ لأبنائي ولأحفادي، مُحالٌ أنْ تَندملَ جراحاتهُ العميقة، وسَيُلاحق شَبحُ تلك الٳبادات الطُّورانيين الٲتراك وسَيخنقُ ٲعناقهُم بِطوقِ لعناته.”
بواسطة أسامة إسبر | يناير 26, 2018 | Culture, Reviews, غير مصنف
حوار مع الشاعر والمترجم السوري عبد الكريم بدرخان
١–لماذا اخترت أن تترجم بوكوفسكي بالذات، ما الذي جذبك إلى عالمه؟
انتبهتُ إلى بوكوفسكي قبل سنواتٍ عديدة، إذ لفتَني أنه مختلفٌ عما قرأته من الشعر العربي والأجنبي، ومختلف عن مُجايليه من الشعراء الأمريكيين أيضاً. إن مُغرياتِ عالم بوكوفسكي متعدّدة ومتنوعة، منها البساطة والمباشرة، الطرافة والبذاءة، العبثيّة والسُخرية، وهنالك الاحتفاءُ بالخمر الذي يبرزُ كثيمةٍ أساسيّة في أدب بوكوفسكي، وهي ثيمةٌ شائعة الشعر العربي والفارسي، لكنها نادرةٌ في الشعر الغربي والأمريكي بالخصوص. ثم قرّرتُ جمعَ ترجماتي المتفرّقة له، والإضافةَ إليها، والتقديمَ لها، بغية إصدار كتاب مختاراتٍ شعريةٍ جيّدٍ من حيث الحجم والاختيار وجُودة الترجمة، بعدما عانتْ قصائد بوكوفسكي من استِسْهال المترجمين والهواة على مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها.
٢– ما الإضاءة الشعرية الجديدة التي يمكن أن يكتشفها القراء العرب لديه؟
يمكن للقرّاء العرب اكتشافُ العديد من الأفكار والآراء ووجهات النظر الجديدة عند بوكوفسكي، والعربُ يحبّون بوكوفسكي عموماً. أوّلُ ما نلحظه عند بوكوفسكي هو أنه يُدمّر “أسطورة أمريكا” ويقدّم لنا الوجه -لا القبيح، بل– الحقيقي لها. ثم نراه يحطّم الصورة النمطية للشاعر، الصورة المكرّسة في الثقافة المركزية والمتوارَثة في المؤسَّسة والأكاديميّة، ويقدّم بدلًا عنها صورةَ الشاعر بعد الحداثي، شاعر الهوامش الـمُهمَّش والشَّغُوف بالـمُهمَّشين. وكما قال عنه ليونارد كوهين: “إنه يُـنـزِلُ كلَّ شيءٍ إلى الأرض، حتى الملائكة.” شِعريًّا؛ يلفتُ بوكوفسكي الانتباهَ إلى إنّ الشِعر ليس محدّدًا في موضوعاتٍ معينة، ولا يمكن حصْرُهُ في أساليب تعبيرية محددّة، فالسيّد بوكوفسكي يذهب إلى أبعد المواضيع وأغربها، ويتناولُها بأكثر الأفكار والأساليب غرابةً. إنّ أهمّ درسٍ تعلّمتُهُ من بوكوفسكي؛ هو أنّ على القصيدة أنْ تحتشد بكلّ ما لا يتوقّعه القارئ.
٣– ما أوجه الاختلاف بينه وبين الشعراء العرب من جيله على صعيد الرؤية الشعرية؟
جيل بوكوفسكي من العرب هم جيل السبعينات. بالتأكيد الاختلاف كبير من حيث المرجعيّة الفكرية، واللغة الشعرية، وفهم طبيعة الشعر ودوره، وكذلك رؤية الشاعر لنفسه وبلده والخارج… وإنّ هذه الاختلافات –كما أرى– تعودُ وتُـرَدُّ إلى أسبابٍ تاريخية ومادية، لا إلى أسباب ثقافية أو لغوية.
الشاعر العربي الذي أجد تشابهًا بينه وبين بوكوفسكي؛ هو محمد الماغوط. فكلاهما حطَّما صورة الشاعر الفارس الذكوريّ المغرور، وقدَّما نفسَيهما بصورةِ الشاعر البائس والفاشل. وكلاهما ناقشا موضوعاتٍ كُبرى بشيءٍ من السُخرية واللامبالاة، إذ تطغى على نصوصهما حالةٌ من اليأس الذاتي والعام، وفقدانِ الأمل من إحداث أيّ تغييرٍ في أي مجال. إن الوحدة والرعب اللذين عاشهما الماغوط في دمشق وبيروت، يشبهان الوحدة والرعب اللذين عاشهما بوكوفسكي في لوس آنجلس.
٤– ما الدور الذي تلعبه الترجمة حالياً في إغناء الشعرية؟
للترجمة إلى العربية دورٌ رياديّ في تطوير الشعر العربي ودفعه من مكانٍ إلى آخر، وهذا معروف منذ أوائل القرن العشرين، فما نشأتْ تيّاراتُ الرومانسيّة والواقعيّة والواقعيّة الجديدة وما سُـمّي “الحداثة” إلا بعدَ الـتأثُّر بالنصوص الأجنبية المترجمة. واليوم ثمة من الشعراء العرب مَنْ يُقلّد بوكوفسكي، فيستعيرُ صوتَ العابث اللامبالي ويكتبُ عن بيئته بصورةٍ مباشرة. وثمة شاعراتٌ يُـقلّدن بلاث وسكستون وغيرهما، فيكتُبن ما يُشبه “الاعترافات” مع جُنوحٍ مُبالَغ فيهِ نحو العزلة واليأس والانتحار. لطالما كان الشِعرُ المترجَمُ بوصلةَ الشاعر العربي على مدار قرنٍ كامل. دعْ عنكَ مقولاتٍ مثل “الشِعر لا يُترجَم” أو “ترجمة الشعر خيانة“، وأحيانًا تغدو الترجمةُ كلُّها “خيانة“! فهذا الكلام لا قيمةَ له. إنّ تأثيرَ الشِعر المترجم في الثقافة العربية لظاهرةٌ تستحقُّ التأمّل، حيث أن معظمَ المثقفين العرب فهِمُوا الحداثة وكتَبُوا عنها تأييدًا أو نقدًا، مُنطَلِقين من فهمِهم وتصُوُّرهم الشِعري لها. إنّ كلمة “حداثة” عند العرب تأخذُ الأذهانَ باتجاه الشِعر قبل أيّ شيء آخر!
٥– ما الذي شعرت أنك خسرته في الترجمة، وما الذي ربحته؟
الترجمة تُعلِّم الدقّة، وهذا الأمرُ حسَنٌ في مجال الكتابة البحثية، لكنه مُقيِّدٌ في مجال الكتابة الإبداعية. خسرتُ حريّة وفوضوية التعامل مع الكلمات، خسرتُ متعة القراءة باللغة الأجنبية دون أنْ يعمل ذهني –لا شعوريًّا– في ترجمة ما يقرأ، حتى أثناء مشاهدة الأفلام أجدُ نفسي أترجم ما أسمع بدلًا من الاستمتاع به فحسب. في المقابل، كسبتُ معارفَ عديدة في اللغة والأدب والثقافة العامة، وحتى اللغة الأم فإنها تتطوّر وتُغنى أثناء الترجمة إليها.
٦– بماذا يتميز بوكوفسكي عن أقرانه من الشعراء الآخرين في سياق الشعر الأميركي؟
يتميّز بأنه لا يشبههم، ولم يقبل التصنيفَ ضمن تيارٍ من تياراتهم، فلا هو تقليدي ولا حداثوي، لا اشتراكي ولا مناهض للاشتراكية، لم يكنْ من المؤمنين ولا الوثنيين، ولم يُعرَف عنه الاصطفاف إلى جانب الملوَّنين أو الوقوف ضدّهم… أما من حيث الاتجاه الأدبي، فإن الحركة الأدبية التي أسَّسَها بوكوفسكي، والتي ينتمي إليها وتنتمي إليه بوصفه عرّابها، فهي “الواقعية القذرة“، وقد باتَ من المعروف أنها اتجاهٌ أدبي يهتمُّ بالحياة العادية والبائسة للطبقة الفقيرة، ويركّز على نماذج من العمّال والمشرّدين والسكّيرين والعاهرات (عاملات الجنس)، ويتميّز بتصوير الواقع المعيش بكلّ تفاصيله القاسية والصادمة والقذرة. إذًا، فإنّ بوكوفسكي مؤسّسٌ لتيّار أدبي! وهذا ما لا يستطيعُهُ إلّا بضعةُ شعراء معدودين خلال قرنٍ كامل!
٧– كيف تنظر الآن إلى واقع الترجمة الشعرية إلى اللغة العربية؟ لماذا برأيك تتفوق الرواية على الشعر؟
في الواقع لا يمكن الحديث عن حركةِ ترجمةٍ شعريةٍ إلى العربية، إذ توجد مساهمات فردية متفرّقة وسطَ حالةٍ من الفوضى العامة، وقد باتتْ هذه المساهماتُ تجدُ مكانًا لها في الصحافة (ورقية وإلكترونيّة) أكثر مما تجدُ مكانًا في دور النشر. كل ذلك، وغيره، يجعلُنا لا نعتقد بوجود حركة ترجمة شعرية إلى العربية. السبب فيما أرى هو غياب المؤسسة الثقافية العربية، وفي حال وجودها فإنها تعمل دون خططٍ أو رؤىً مستقبليّة. أما دور النشر الخاصة فلها اعتباراتها الخاصة، مثل تحقيق نِسَبٍ جيّدة من المبيعات، وهذا ما لا يحقّقه الشِعرُ عادةً. لكن لماذا تحقق الرواية مبيعات أكثر من الشعر؟ أعتقد لأنّ لغة الرواية تصلُ إلى شريحةٍ واسعة من القرّاء، هي أوسع بكثيرٍ مِنَ التي تصل إليها لغةُ الشعر. كما تصلُ مقولةُ الرواية –سواءً كانت تاريخيّة أو سياسيّة أو اجتماعية– إلى شريحةٍ أوسعَ بالعموم من الشريحة التي تصلُها مقولةُ القصيدة. الشعرُ مُتطلِّب، ويحتاجُ إلى قارئٍ مُهتمّ به، لأنّ آليّات القراءة في الشعر تتطلّب إلمامًا خاصًّا بها. وهنالك –أيضًا– أسبابٌ تتعلّق بطبيعة الحياة اليوم، وبكثرة الـمُغرَيات التكنولوجيّة التي تُبعد الناسَ عن القراءات الـمُعمَّقة والـمُتأنّية، وعن القراءة مرّةً تلو الأخرى، في سبيل التلذّذ بالنصّ وإعادة خلْقِ أبعاده ودلالاته لدى المتلقّي، وهذا ما يتطلّبه النصّ الشعر في نماذجه الرفيعة.
أجري هذا الحوار بمناسبة صدور الترجمة العربية لمختارات من شعر تشارلز بوكوفسكي بعنوان ”وحيداً في حضرة الجميع“ والتي ترجمها الشاعر السوري عبد الكريم بدرخان وصدرت مؤخراً عن عن دار فضاءات في عمان، الأردن.
بواسطة أسامة إسبر | يناير 8, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
ملف أعده عمر الشيخ وأسامة إسبر
ننشر المساهمات التالية لكتاب وشعراء وصحفيين وموسيقيين سوريين شباب في إطار ملف يركز على رؤية جيل الشباب في سوريا لتأثيرات الحرب الدائرة حالياً على كافة المستويات. سننشر المواد تباعاَ ونقوم بتفعيل روابطها.
وقد عالج الكتاب المساهمون قضايا مختلفة في إطار أجوبتهم على الأسئلة التالية:
1- ماهي برأيك أكثر الظواهر الإنسانية التي كانت في الظل وعرتها الحرب في سورية وبات حلّها ليس متوقفاً على توقف الحرب وحسب، بل وعلى تغيير شامل وحقيقي.. سياسي فكري.. اجتماعي؟
2- هل كانت غلبة الحضور الديني في المجتمع أساسية ومسيسة، كيف برأيك انعكست على الأحداث في البلاد ومن أثر بها واستثمرها؟
3- كيف ترى الثقافة كمصدر تنويري يمكن أن ينشر الوعي في المجتمع في مواجهة أي تطرف اجتماعي أو ديني أو عسكري أو اصطفاف عقائدي أو مناطقي…؟!
4- كيف تنظر إلى ما يجري في سوريا في الوقت الحالي؟
5- كيف أثرت الحرب على حياتك؟ كيف عشت\تعيش حياتك في ظل الحرب؟
6- كيف أثرت الحرب على علاقتك بأصدقائك؟
7- هل تتصل مع شباب آخرين من طوائف أخرى؟ هل تشعر بأن الطائفية صارت علنية في سوريا؟
8- برأيك إلى أين تتجه سوريا؟
9- هل هناك أنشطة أو مشاريع في ظلّ الحرب تشعر أنها تعبّر عنك؟
10- هل هناك أفعال يجب أن يقوم بها الشباب في ظل الحرب كي يحافظوا على ما يمكن المحافظة عليه؟
11- برأيك من المسؤول عن إيصال سوريا إلى هذا الوضع الحالي؟
12- كشاب\شابة ما هي الأولويات بالنسبة لك في ظل الأوضاع الحالية؟
13- كشاب\شابة كيف يمكن أن يلعب جيل الشباب دوراً لإنقاذ سوريا وهل هذا ممكن؟
14- –برأيك كيف يمكن التخلص من الطائفية في سوريا، كيف يمكن محاربة هذه الظاهرة والمنظومات التي تحاول أن تغذيها؟
الكتاب المساهمون في الملف
١: رهانات خاسرة
عامر العبود
٢: الموسيقيون السّوريون في نفق الحرب
عامر فياض
٣: تعايشاً مع الحرب: هكذا تمضي الصداقة
أحمد محمد السح
٤: تناقضات فكرية في الحرب تضيق وتتسع في آن معاً!
ملك بيطار
٥: أن تتعلّق بقشّة
شمس حمود
٦: صورة حلوة.. وواقعٌ مريرْ!
علا حسامو
٧: مُفارقات الكتابة في الكارثة السّوريّة
عمر الشيخ
٨: مشاهد في ظلّ الحرب
قصي زهر الدين
٩: نجوم شباك نشرات الأخبار
فريد حسن ياغي
١٠: ماذا عن الوطن؟
لبنى أبو خير
١١: كنت أخاف المسلمين وكل من كانوا لا يحملون ديانتي
يارا عيسى
بواسطة Raymond Hinnebusch | ديسمبر 21, 2017 | Resources, Reviews
“[The Essential Readings series is sponsored by the Middle East Studies Pedagogy Initiative (MESPI) team at the Arab Studies Institute. MESPI invites scholars to contribute to our Essential Readings Modules by submitting or suggesting an “Essential Readings” topic pertinent to the Middle East. Articles such as this will appear permanently on both www.MESPI.org and www.Jadaliyya.com.]
The Syrian uprising precipitated an explosion in publications on what had hitherto been an understudied country. The conflict has, however, produced a more limited number of high quality works that present a wealth of empirical findings, take theoretically innovative approaches, or both.
Several volumes provide general context for the uprising:
Flynt Leverett, Inheriting Syria (Brookings Institution, 2005) and David Lesch, The New Lion of Damascus: Bashar al-Asad and Modern Syria (Yale University Press, 2005) provide sympathetic but insightful glimpses of the dilemmas facing Bashar al-Asad during his early years in power.
Radwan Ziadeh, Power and Policy in Syria: Intelligence Services, Foreign Relations and Democracy in the Modern Middle East (I.B Tauris, 2011) provides a broad background: it examines Hafiz Assad’s power consolidation around personal loyalty to the president and based on pillars of civil bureaucracy, the security organs and the Baath party; also it looks at the succession of Bashar al-Asad and repression of the Damascus spring; isolation brought on by Bashar’s foreign policy in Lebanon and Iraq; and the role of the Muslim Brotherhood as a moderate Islamic opposition.
Raymond Hinnebusch and Tina Zintl, Syria from Reform to Revolt, Vol. 1: Political Economy and International Relations (Syracuse University Press, 2015) brings together senior and younger scholars doing cutting edge research in Syria in the first decade of Bashar al-Asad’s rule. It explores the ways in which Asad’s domestic and foreign policy strategies during his first decade in power safeguarded his rule and adapted Syria to the age of globalization. The volume’s contributors examine multiple aspects of Asad’s rule in the 2000s, from power consolidation within the party and control of the opposition to economic reform, co-opting new private charities, and coping with Iraqi refugees. The Syrian regime temporarily succeeded in reproducing its power and legitimacy, in reconstructing its social base, and in managing regional and international challenges. At the same time, contributors detail the shortcomings, inconsistencies, and risks these policies entailed, illustrating why Syria’s tenuous stability came to an abrupt end during the Arab uprisings of 2011. In a companion volume, Christa Salamandra and Leif Stenberg, Syria from Reform to Revolt, Vol. 2: Culture, Society and Religion focuses on key arenas of Syrian social life, including television drama, political fiction, Islamic foundations, and Christian choirs and charities, demonstrating the ways in which Syrians worked with and through the state in attempts to reform, undermine, or sidestep the regime.
Three studies provide the political economy context of the uprising:
Bassam Haddad, Business Networks in Syria; the Political Economy of Authoritarian Resilience (Stanford University Press, 2012). This political economy analysis of the impact of Bashar al-Asad’s reforms in the late 2000’s shows how regime favoritism toward investors was paralleled by a decline in the living standards of the state-employed middle class and the regime’s former plebeian constituency—arguably an element in the 2011 Uprising. But the regime’s move toward a more formal state-business alliance deterred business from joining the opposition. Thus, state-business networks both contributed to and detracted from authoritarian resilience.
Linda Matar, Political Economy of Investment in Syria (Palgrave, 2016) takes the determinants of investment and the agency of class, as an analytical lens to understand Syria’s failure to promote employment-generating investment prior to the uprising. Matar argues that neoliberal reforms under Bashar al-Asad failed to build productive capacity and instead enriched a few through short-term speculative and mercantile ventures. The proponents of the free market justified policies which exacerbated unequal income distribution, thus contributing to the social explosion in 2011.
Jamil Baroutt, The Past Decade in Syria: the Dialectics of Stagnation and Reform (Arab Centre for Research and Policy Studies, 2011) is a political economy analysis by a Syrian scholar that examines the formation of a bureaucratic capitalist class and authoritarian liberalization to understand economic stagnation and the regime’s inadequate strategies for overcoming it. The gap between economic growth and population growth, resulting in growing youth unemployment, concentrated in neglected rural provinces, provided the tinder for the uprising.
The following studies expose the religious, social and cultural context of the uprising:
Thomas Pierret, Religion and State in Syria: The Sunni Ulama from Coup to Revolution (Cambridge University Press, ) focuses on Syria’s ulama and their changing relationship to power. His main argument is that the ulama were more readily co-opted than were Islamist movements when the regime gave them concessions reinforcing their religious authority, notably in conflicts with secularists, or expanded their freedom for non-political dawa. This enabled the regime to divide and rule these two wings of the Islamist movement; he also shows how the erosion of this game helped prepare the way for some ulama to back the opposition after the uprising.
Pierret’s volume is usefully read together with Line Khatib, Islamist Revivalism in Syria: The Rise and Fall of Secularism in Ba’thist Syria (Routledge, 2011), which shows how the regime played off secularists and Islamists. Indeed, it viewed the secular opposition as a potentially greater threat than the Islamists, hence fostered and co-opted the latter against the former. In doing so, it inadvertently spread the ideology that would be used to mobilize the Islamist movements that came to dominate the opposition to the regime.
Raphael Lefevre, Ashes of Hama: the Muslim Brotherhood in Syria (Hurst, 2013). While much of the book recounts the 1978-92 uprising from the point of view of the Muslim Brothers, to whom Lefevre had exceptional access, it is quite relevant to the current Syrian Uprising. The earlier insurgency generated a jihadi tradition whose remnants went to Afghanistan, morphed into transnational jihadis, played a role in the founding of al–Qa’ida and returned to fight in Syria after 2011. As part of a 1990s deal with Islamists, the regime had allowed a substantial Islamization of society, at the expense of secularism that grew the potential base of Islamist opposition activated as the post 2011 Uprising became militarized. The current Uprising has been shaped by memories of Hama: the desire for revenge motivates some of the insurgents while the memories of the Ikhwan assassinations of Alawis and of its sectarian discourse forged the solidarity of the regime in the face of the current uprising. However, by contrast to Egypt and Tunisia, where the organized Ikhwan filled the gap after the quick fall of presidents, the protracted struggle in Syria has generated sectarian hostility to the advantage of radical jihadis.
Charles Lister The Syrian Jihad: Evolution of an Insurgency (Hurst, 2015) takes up the story, which looks at the jihadists who came to dominate the uprising, including al-Qaida avatars, Jabhat al-Nusra and Islamic State.
Michael Kerr and Craig Larkin (eds.), The Alawis of Syria: War, Faith and Politics in the Levant (Hurst, 2015) examines the role of the key pro-regime minority community in Syria. This edited collection examines Syria’s Alawi community, a key constituency of the Asad regimes. Several chapters examine the historical emergence of the community (Aslam Farouk Ali), their experiences under the Ottomans (Stephan Winter) and the French mandate and early independence (Max Weiss) Two look at the complex relation of regime and sect: their prominent role in the Ba’th party and army (Raymond. Hinnebusch) and their demographic spread to the cities, especially Damascus under Ba’th rule (Fabrice Balanche). Leon Goldsmith examines their implication in the regime; Aron Lund the Shabiha phenomenon and Reinoud Leenders the regime’s strategy of repressions
The roots and trajectory of the uprising are more specifically addressed in these studies:
Carsten Wieland, Syria: A Decade of Lost Chances: Repression and Revolution from Damascus Spring to Arab Spring (Cune Press, 2012).
This book provides a valuable and detailed examination of Bashar al-Asad’s rule, particularly of what Wieland considered the opportunities missed by the president to carry out political reforms that might have headed off revolution. The traditional opposition was loyal and moderate and its political incorporation could have enabled a gradual and peaceful transition to a more democratic and legitimate regime. In Wieland’s view, Asad could have won a free election in 2011 had he embraced the demands of the opposition, portrayed himself as the solution rather than the problem, and led the transition to democracy. Most Syrians would have welcomed this. Instead Asad played the sectarian and security cards, destroying his status as a secular popular leader while the violent response to protestors only further propelled the uprising. Wieland believes the security solution was decided by a special committee that concluded that the Tunisian and Egyptian regimes had fallen because they had used insufficient repression. The author benefited from extended discussions with the secular “traditional opposition,” notably Michel Kilo.
David W. Lesch, Syria: the Fall of the House of Assad (Yale University Press, 2012).
How, David Lesch muses, did Bashar al-Asad, a man who had appeared to him as “a relatively ordinary person,” quite different from the princelings in other authoritarian regimes, become drenched in blood? The book ably summarizes the structural factors against and for an uprising in Syria: on the one side there was the Asad’s nationalist stature and relatively good image as a youthful reformer, the substantial stake in preventing Islamic fundamentalism by minorities the secular middle class and the bourgeoisie—who could account for half the population in Lesch’s calculation; and the fragmentation of opposition. On the other hand, the rapid growth of unemployed educated youth that the economy could not absorb; the shaving of social safety nets and growing inequality. Given this relative balance, Asad’s approach to the protests could have made a big difference. Lesch explains his resort to repression by their belief in foreign conspiracies and that any concession seen to be made from weakness only encourages enemies. Once the killing reached a certain point, there was no way back. The regime hunkered down, counting on creating a favourable stalemate to survive.
Samer Abboud, Syria (Polity Press, 2016).
This volume focuses on the uprising years, particularly examining the anti-regime side. Abboud charts the emergence of protest movements, the external opposition, the “civilianization” of violence, the militarization of the uprising and the war economy. A main thrust of his analysis is how the fragmentation of the opposition prevented it from coordinating around a common political and diplomatic strategy and obstructed the emergence of military formations able to defeat the regime. The emergence of Islamists, themselves ideologically divided, further fragmented the opposition despite periodic efforts to bring the multitude of jihadists groups together in “fronts.” Formations large enough to hold and expand territory could not be sustained and fighting groups, rather, were satisfied with profiting from local fiefdoms; as they became warlords they lost their popularity. Abboud’s analysis goes far toward explaining the failure of the Uprising.
Illuminating the conflict from the point of view of its victims, ordinary people, is Wendy Pearlman, We Crossed that Bridge and it Trembled: Voices from Syria (Harper-Collins, 2017), while Yassin al-Haj Salah, The Impossible Revolution: Making Sense of the Syrian Tragedy (Hurst, 2017) examines what went wrong from the point of view of a prominent anti-regime activist
The international context of the uprising is most ably charted in:
Christopher Phillips, The Battle for Syria: International Rivalry in the New Middle East (Yale University Press, 2016).
While Phillips acknowledges the domestic roots of Syria’s conflict, his main argument is that without external interference the fragmented opposition had little chance of prevailing. Importantly, this interference was driven by miscalculations, most importantly the delusion of anti-Asad forces that his regime was fragile and would soon fall, and, if not, that US intervention would tip the balance against him. Miscalculations by the regional opposition to Asad led them to follow inflexible policies in Syria. Turkey, Qatar and Saudi Arabia were convinced that US intervention was coming and they conveyed their confidence to the exiled opposition, thereby discouraging any compromise with the regime. As for the West, its main mistake was to make uncompromised-able demands on the Asad regime, convinced it was on the way out, even while it had no intention of intervening militarily. On the other side, however, Iran and later Russia were determined to prevent regime collapse. The resulting “balanced intervention” by anti- and pro-Asad powers tipped Syria into protracted civil war.
Philips’ analysis could be usefully read in tandem with Nikolaos Van Dam, Destroying a Nation: The Civil War in Syria (I.B Taurus 2017), by a diplomat-scholar with decades of experience of studying Syria. He similarly examines the mistakes of the West in its expectation that the regime would easily be swept away.
John McHugo, From the Great War to the Civil War (Saqi Books, 2014) provides a wider historical sweep regarding the deleterious impact of foreign powers on Syria, seeing its very founding as a modern state under French tutelage as sewing the seeds of the uprising.
For a broad overview of the uprising:
Raymond Hinnebusch and Omar Imady, The Syrian Uprising: Domestic Origins and Early Trajectory (Routledge, 2018).
This major edited collection provides a uniquely comprehensive examination of the uprising. The book consists of nineteen chapters, each addressing an aspect of the Uprising. The chapter cases are located within a framework that poses a series of key questions or issues raised in the scholarship and debates on the Syrian uprising. Chapters 2-8 focus on the structural vulnerabilities and strengths of the regime that help explain the origins of the uprising (causes, grievances, and opportunity structure); how such mass protests became possible but also why they did not initiate a democratic transition; why the protests were militarized and sectarianism instrumentalized, resulting in civil war; and how the regime survived and how it was able to keep support of key constituencies, including the military, business, and the minorities. It takes the view that the structure goes far to explain the roots and early trajectory of the uprising, with chapters looking at regime formation (A Saoul) and practices (S. Valter), e.g., how “Sultanism” precluded democratic transition (Soren Schmidt), the military-business complex that backed it (Salam Said); the political economy context (F Lawson); regime divide and rule strategies e.g. Islamism vs secularists (L Khatib); Sufis vs Islamists (O Imady) and the role of the Alawis (L. Goldsmith). Agency also mattered and subsequent chapters examines Asad’s decisions (D. Lesch), the emergence of civil society as a base of opposition (T al-Om), the role of notions of dignity (J. Harkin) and the social media (B Brownlee) in mobilization; the role of the Muslim Brotherhood (N. Ramirez Diaz); the sectarianization of the conflict (E Bartolomeni; O. Rifai); the emergence of salafist jihadists (I Eido), and the roles of the Druze (M. Kastrinou), the Left (F Arslanian) and the Kurds (D. Cifci). Subsequent volumes in this series will examine the external role in the uprising, and its later evolution.
In addition to these works, students of contemporary Syria may wish to consult the only scholarly journal devoted entirely to Syria, Syria Studies; the valuable reports of the International Crisis Group; and in-depth news and analysis websites such as Syria Deeply; and the Carnegie Middle East Centre.”
[This article is published jointly in partnership with Jadaliyya.]