طاولة مستديرة: ما الذي تبقى من اليسار السوري؟

طاولة مستديرة: ما الذي تبقى من اليسار السوري؟

تهدف هذه الطاولة المستديرة التي أعدها لـ“صالون سوريا“ وأشرف عليها أسامة إسبر وباسيليوس زينو، والتي تحمل عنوان ”ما الذي تبقى من اليسار السوري؟“ إلى تسليط الضوء على واقع اليسار السوري بمختلف تياراته ودوره السياسي والثقافي والاجتماعي في سوريا، ومدى تأثيره في الأجيال الجديدة، وما الانتصارات التي حققها وأين فشل. كما تهدف الطاولة المستديرة إلى إلقاء نظرة من الداخل على اليسار السوري وتجربته وأين أخطأ وأين أصاب، ومن أجل هذا الهدف اتصلنا بعدد من الكتاب والباحثين وطلبنا منهم المشاركة في هذه الطاولة المستديرة انطلاقاً من تجربتهم، وخاصة من كان منخرطاً في السابق في أحزاب يسارية معينة، أو درس هذه التيارات وبحث فيها وتبنى موقفاً نقدياً منها.

 دعت الطاولة المستديرة الباحثين والكتاب السوريين المهتمين إلى مناقشة الموضوع من زوايا مختلفة، كما قام بعض الصحفيين في هذا الإطار باستطلاع الآراء لمعرفة رأي الشارع ورأي الكتاب والباحثين بواقع اليسار الحالي، وطرحنا المحاور التالية للمشاركة:

١- منذ السنوات التي تلت استقلال سورية وحتى الثمانينات من القرن الماضي، برز العديد من المثقفين والمفكرين اليساريين الذين تميزوا بنضالهم واجتهاداتهم الفكرية رغم الخلافات العقائدية والتنظيمية والانقسامات التي شهدتها التيارات والأحزاب اليسارية. ما هي الخطوط الفكرية، البحثية والنقدية والتحليلية (إن وجدت) التي يعمل عليها اليسار السوري، وما مدى حضوره في الثقافة السورية وفي المجتمع السوري؟

٢- وسط الأوضاع الكارثية والدمار الذي أصاب البنية التحتية والاجتماعية والاقتصادية في سورية، هل توجد حركات أو محاولات ضمن سورية تسعى إلى إحياء الحياة الثقافية والفكرية والسياسية على نحوٍ يستجيب للتضحيات والتحديات التي بُذلت؟

٣- ما هي الأسباب التي دفعت بعض اليساريين أثناء مراحل انعطافية حاسمة للتعويل على ضرورة التحالف الاستراتيجي مع حركات أصولية إقصائية أو الدفاع عنها؟

٤- هل يمكن الحديث حالياً عن “يسار سوري” أو مجرد أفراد ذوي ميول يسارية؟  ما الذي تبقى من اليسار السوري على صعيد إنقاذ النظرية في ضوء الواقع السوري وعلى صعيد تنشيط عمل اليسار في إطار رؤية جديدة مختلفة عن السابق الحزبي والتبعي للمركز الذي انهار، وبعيداً عن التحول إلى فئة تحالفية للحصول على حصة من كعكة السلطة؟

٥- ما الدور الذي لعبه مفكرون ومناضلون ماركسيون خالفوا التيار الرسمي وأغنوا الفكر الماركسي على المستوى النظري لكنهم حوربوا على المستوى الحزبي أو كانت لهم وجهة نظر مغايرة مثل الياس مرقص ونايف بلوز وجلال صادق العظم، وغيرهم.

٦-كيف تشكل المكتب السياسي وما هي أطروحاته السياسية، وما طبيعة تحالفاته أو دعوته للتحالف مع الإسلاميين التي أثارت جدلاً؟ وكيف كان موقف التيارات اليسارية الأخرى منه، تجربة سجن رياض الترك والتحولات الأخيرة التي طرأت على أفكاره.

٧-كيف تأسست رابطة العمل الشيوعي، ما هي طروحاتها الجوهرية وكيف انتهت؟ أم هل ما تزل موجودة؟ وهل استطاعت أن تؤسس قاعدة شعبية حقيقية؟ وما هي مواقف الأحزاب اليسارية الأخرى منها؟ وهل ترى الآن أن الأفكار النظرية لهذه الحركة كان يمكن أن تقدم رؤية سياسية مهمة في السياق السوري؟

٨- موقف اليسار من الانتفاضة والحرب في سوريا، ولماذ لم يستطع اليسار استغلال الحدث السوري الكبير وترك الساحة للإسلاميين وتياراتهم الجهادية المتطرفة، وما هي مبرراته في اتخاذ الموقف الذي اتخذه.

سينشر موقع ”صالون سوريا“ المساهمات التي ترده تباعاً ويقوم بتفعيل الروابط:

الفرص الضائعة وسياسة الإنكار، حزب الشعب الديمقراطي
حسين شاويش

اليسار السوري إلى أين؟ هامشية سياسية وحضور ثقافي أغنى
د. كريم أبو حلاوة

اليسارالمتجدد سيظل موجوداً
وائل سواح

سلام الكواكبي: “اليسار إما مستقطبٌ سلطوياً أو نخبوي مرضي”

غسان ناصر

نايف بللوز /الماركسي المختلف (1931-1998)

الهيثم العطواني

اليسار السوري.. التباس الهوية والخطاب
عامر فياض

نحو مادية ديالكتيكية “مثاليّة” للضياع العربيّ الأخير!

د. علي محمد اسبر

رابطة العمل الشيوعي في سورية بعض ما لها وما عليها
جمال سعيد

اليسار السوري والمواقف المعاكسة للرؤى اليسارية والثورية

أمل نصر

مأزق اليسار السوري وغياب الديمقراطية
أنور بدر

اليسار السوري وسؤال الفعالية

غسان ناصر

حوار مع محمد (أبو علي) صالح (١): حزب العمل الشيوعي والاعتقال وربيع دمشق

محمد صالح

حوار مع محمد (أبو علي) صالح (٢): الطائفية ومجزرة الساعة في حمص

محمد صالح

اليسار التائه بين شعارات متنافرة

حسيبة عبد الرحمن

المنهج الماركسي ما يزال حياً وقابلاً للحياة

سحر حويجة

 

تأثير الحرب على التعليم الحكومي

تأثير الحرب على التعليم الحكومي

حرمت الحرب نحو ثلاثة ملايين طفل سوري من التعليم، من بينهم ٨٠٠ ألف لاجئ في دول الجوار، وفقاً لليونسيف، فيما قُدرت أضرار قطاع التربية بأكثر من ٢٥٠ مليار ليرة سورية، من ضمنها ٧٤٠٠ مدرسة دُمرت أو خرجت عن الخدمة، وخلال سنوات الحرب استخدمت نحو ١٩٠٠ مدرسة كمراكز لإيواء الأسر النازحة، فيما تحول بعضها إلى مقرات عسكرية للاستخدامات الحربية.

وأدى نزوح مئات الآلاف من الطلاب إلى بعض المحافظات لتحميل مدارسها أعداداً تفوق طاقتها الاستيعابية، فباتت بعض الصفوف المجهزة لاستيعاب ٢٥ طالباً تستقبل نحو أربعين أو خمسين.

كما أجبرت ظروف النزوح وتدهور الوضع الاقتصادي، آلاف الطلاب على العمل والتسول خلال مراحل الدراسة، ليتمكنوا من متابعة تعليمهم وإعالة عوائلهم المعدمة، مما أدى إلى تراجع مستواهم العلمي والمعرفي، ليصبحوا عرضة للرسوب المتكرر.

معاناة أخرى طالت أطفال المناطق التي سيطرت عليها بعض الفصائل المسلحة المتشددة، حيث تلقوا في مدارسها مناهج تعليمية غير رسمية، ذات صبغة دينية في الغالب، مما جعلهم يخسرون عدة سنوات دراسية عندما عادوا إلى المدارس الحكومية، فالأخيرة لم تعترف بالتعليم الذي تلقوه خارجها، وأعادت أغلبهم إلى صفوف سابقة وأحياناً إلى الصف الأول.

وعن طريقة التعامل مع الطلاب المنقطعين عن المناهج الحكومية يقول موجه تربوي من مدرسة ابتدائية في ريف دمشق، فضل عدم ذكر اسمه، “أُخضع الطلاب النازحين من المناطق الساخنة إلى امتحان تحديد المستوى، عبر سبر معلوماتهم، ووضعوا على إثره في الصفوف المناسبة، وينطبق الأمر على طلاب المناطق التي عاد إليها التعليم الحكومي بعد رحيله عنها لسنوات، كالغوطة الشرقية وجنوب دمشق”. ويضيف الموجه التربوي “في مدرستنا أكثر من خمسين طالباً نازحاً في عمر الدراسة الإعدادية، يجلسون في مقاعد الصف الخامس والسادس، بينما اكتظت شعب الصف الأول خلال السنوات السابقة بالمئات ممن تراوحت أعمارهم بين الثامنة والعاشرة وأكبر من ذلك، وقد تأخر دخول بعضهم إلى المدرسة نتيجة ضياع وتلف أوراقهم الثبوتية جراء ظروف الحرب”.

خسائر في الكوادر التعليمية

خسر قطاع التعليم الحكومي خلال السنوات الماضية عشرات آلاف المعلمين، وأقرت نقابة المعلمين باستقالة نحو سبعين ألف معلم نتيجة ظروف الحرب المختلفة، فيما سافر الآلاف بطرقٍ غير نظامية تجنباً للموت والملاحقة الأمنية أو بحثاً عن مستقبلٍ أفضل. وبدأت الحكومة مع نهاية العام ٢٠١١ مسلسل فَصل المعلمين من وظائفهم لأسباب سياسية أو لرفضهم الالتحاق بالخدمة الاحتياطية، وقد امتنع أغلب المطلوبين للخدمة عن الذهاب لمدارسهم خوفاً من الإيقاع بهم.

وحتى اليوم تتوالى قرارت الفصل بحقهم، و آخرها صدر في آب/أغسطس ٢٠١٨، وقد شمل الفصل أكثر من مئتي معلم ومعلمة، منهم ٧١ من محافظة السويداء. وكانت السويداء خسرت سابقاً نحو١٥٠ معلماً نتيجة قرارت مماثلة، وفق تقديرات مدرس اللغة العربية حسام الذي كان واحداً منهم.

يقول حسام عن تلك القرارات: “استبدل الكادر التدريسي القديم الذي يمتاز بخبراتٍ مشهود بها و بقدرات علمية وتعليمية بارزة، ليعيَّن بدلاً عنهم مدرسون هواة يفتقرون إلى أدنى الخبرات ويعاني معظمهم من صعوبة فهم المناهج الجديدة، فبعضهم لم يتلق تعليماً عالياَ أو لايزال طالباً جامعياً، دفع هذا بعض الطلاب إلى اللحاق بمدرسيهم المفصولين إلى بيوتهم لتلقي دروس خاصة، كحال طلابي”.

يُذكر أن طلاباً من مدارس السويداء نفذوا اعتصاماً أمام مديرية التربية، قبل نحو عامين، احتجاجاً على قرارات الفصل، حاملين لافتات تطالب بحقهم في التعليم وبإعادة المدرسين المفصولين إلى عملهم.

الواقع الاقتصادي للمعلمين يضّر بطلابهم

يضطر العديد من المدرسين العاملين في المدارس الحكومية لإيجاد عمل ثان ليؤمنوا فيه تكاليف الحياة الباهظة، فدخلهم لا يتجاوز الأربعين ألف ليرة سورية لا يكاد يكفي لدفع إيجاد منزل أو مصروف عائلة صغيرة.

مدرس الرياضيات سعيد، اضطر لفتح دكانٍ صغير ليعينه على تأمين لقمة العيش، يقول سعيد “نسيت أنني معلم، فأنا أمكث في دكاني، وسط الحسابات ودفاتر الديون ومجادلة الزبائن، أكثر مما أمكث في المدرسة أو حتى في البيت. كان راتبي كمدرس قبل الحرب ١٣  ألفا (٢٥٠ دولاراً)، بينما أتقاضى اليوم أقل من ٨٠ دولاراً”. وعن تأثير عمله كسمان على عمله كمدرس يضيف سعيد “بالتأكيد أثَّر على عملي كمدرس، وألحق ضرراً بالطلاب، فخلال تقديمي للدروس تطل صور الخضار والمعلبات والأسعار إلى ذهني، فتشوِّش على المعلومات التي أقدمها وأشعر بأن طاقتي معدمة وتفكيري وتركيزي مشتتان”.

وحال سعيد أفضل من زميله رأفت، مدرس علم الأحياء، الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة في دمشق طيلة فترة المساء، وعن ذلك يقول “دخلي كمعلم لا يكفيني لدفع إيجار منزلي، وبالمقابل تقدم لي التاكسي أكثر من ضعفي ذلك الدخل، فالتعليم بات أسوء مهنة يمكن مزاولتها”. ويضيف رأفت “طوال الحصص الدراسية أشعر بالنعاس والتعب، أعترف بأنني لا أنصف طلابي، ولكن كيف أنصفهم ولا أحد ينصفني؟ كيف لسائقٍ يعاني طوال النهار من التلوث السمعي والبصري والنفسي أن يكون مربياً للأجيال؟ هل أحضِّر دروسي وأنا أقود السيارة وأجادل الركاب على تعرفة النقل؟”

مناهج تقليدية وطرق تدريس عقيمة

استمر التعليم الحكومي على نهجه التقليدي من حيث المعلومات وطريقة نقلها للطالب بالرغم من التحديثات التي دخلت مناهجه في السنوات الأخيرة، ، كما لم يخضع كثير من المعلمين إلى أية دورات تأهيلية لتطوير أدواتهم ومهاراتهم التعليمية.

عن تلك المناهج تتحدث السيدة روعة، نائبة مدير مدرسة في دمشق: “تغير الشكل الخارجي للمناهج وطريقة إخراجها، لكن محتوى معظمها لم يأت بجديدٍ يواكب العصر الحديث بعلومه وثقافاته المتطورة، فهي تكتظ بمعلوماتٍ كثيفةٍ وجافة لا تفيد ولا تغني، تعتمد على الكم لا النوع، لتجعل الطالب يعيش حالة تناقضٍ وفصام، فهل يعقل في عصرنا هذا أن يدرس مادة التربية الوطنية القومية، والتربية الإسلامية ومواد أخرى مشابهة؟”

وعن الطرائق التدريسية المتبعة تضيف روعة “حتى اليوم تعتمد بمعظمها على الحفظ والتلقين، فلكي ينجح الطالب في الامتحان على دماغه أن يكون آلة تسجيل ليس إلا، يخزّن فيه جميع المعلومات الواردة في منهاجه الدراسي، بغض النظر عن فهمها واستيعابها، وبمجرد خروجه من الامتحان سينساها على الفور، فهو ضحية المنظومة التعليمية التي تخرج منها معلمه”. وترى روعة أن هذه الطرق “لا تحفز عقل الطالب ولا تطور قدراته العلمية والفكرية والإبداعية، كونها لا تطبق الأساليب التفاعلية التي تنمي مهاراته، وتشركه في المناقشة والتحليل واكتشاف المعلومة أو البحث عنها “.  

و نتيجة لواقع العملية التعليمية نجد اليوم طلاباً تجاوزوا المرحلة الابتدائية لا يجيدون القراءة أو الكتابة بشكل جيد، ويعجزون عن حل مسائل حسابية بسيطة، فيما نجد تدنياً كبيراً في مستوى اللغات الأجنبية عند أغلبهم، ما يضطرهم فيما بعد لتعلمها من جديد عبر المعاهد الخاصة.

بالنظر إلى الظروف السابقة بات من الصعب على معظم الطلاب النجاح دون الاستعانة بالمدرسين الخصوصيين أو بالمدارس والمعاهد الخاصة، التي انتشرت بكثرة في السنوات الماضية، خاصة المعاهد التي تقدم دورات متابعة وتقوية لجميع المواد، وهو واقع جعل معايير النجاح والتفوق حكراً على الأثرياء فقط.

تدهور التعليم في مخيمات الشمال

تدهور التعليم في مخيمات الشمال

رغم ما يعانيه الطفل عبد الرحمن من فقر وتشرد داخل خيمته الصغيرة، لكنه لا يحلم إلا بالعودة للمدرسة، واستكمال تعليمه الذي حرم منه بسبب النزوح. والدة الطفل عبد الرحمن نزحت مع أسرتها من مدينة التمانعة إلى مخيم عشوائي بريف سراقب، وهي تشتكي من تسرب أطفالها الأربعة من المدارس وبقائهم دون تعلم، وتقول : “أطفالنا بلا تعليم منذ أن نزحنا إلى المخيم، وعلى الرغم من مناشدتنا العديد من الجهات والمنظمات لافتتاح مدرسة في المخيم، إلا أن جهودنا باءت بالفشل حتى الآن، مما اضطر أطفالنا للتخلي عن حلمهم في التعلم.”

ويبلغ عدد المخيمات الحدودية شمال إدلب ١٦٩ مخيماً، موزعة على سبعة تجمعات في أطمة وباب السلامة وسرمدا وقاح وسلقين وخربة الجوز والكرامة، وذلك وفقاً لدراسة أصدرتها وحدة تنسيق الدعم في الحكومة المؤقتة.

ويعيش في هذه المخيمات ٥٥ ألف طفل، في حين يبلغ عدد المدارس الموجودة فيها ٤٤ مدرسة فقط، أي مدرسة واحدة لكل ألف ومئتي طفل. وتختلف هذه المدارس في بنيتها وتجهيزاتها بين مخيم وآخر، فبعضها ذو بنية إسمنتية، بينما للبعض الآخر أسقف توتياء، و تقدم ١٤ مدرسة خدماتها التعليمية داخل الخيام، و٤ مدارس داخل الكرفانات.

وأكدت منظمة الأمم المتحدة “يونيسف” في تقرير لها على حرمان ملايين الأطفال السوريين من التعليم، مناشدة أطراف النزاع والمجتمع الدولي ليوقفوا  الهجمات والقصف على المدارس وتوفير الفرص لجميع الأطفال السوريين أينما كانوا، ليحصلوا على حقهم الأساسي في التعليم. وقدرت “اليونيسف” عدد الأطفال الذين حرمتهم الحرب من التعليم بـ٢.٨ مليون طفل، بينهم من تخلف عن الالتحاق بالمدرسة، ومنهم من تركها بعد الالتحاق بها.

مدارس بعيدة ومستلزمات مفقودة

وفيما تستسلم العديد من العائلات لوضع المخيم، وعدم توفر عدد كاف من المدارس لاستيعاب أبنائهم، تُرسل أخرى أبناءها لمدارس بعيدة عن مناطق سكنهم، فهي رغم المعوقات الخيار الوحيد المتاح.

عائلة الطفل وليد اضطرت لفعل هذا بعد أن نزحت من بلدة سنجار بريف إدلب إلى أحد المخيمات العشوائية بريف معرة النعمان الشرقي، ونظراً لعدم توفّر مدرسة قريبة، يذهب وليد لمدرسة بعيدة عن المخيم، ويروي الصعوبات التي يواجهها ليبقى في المدرسة قائلاً “أسير مئات الأمتار يومياً عبر طرق ترابية وغير مرصوفة للوصول إلى مدرستي في البلدة المجاورة، أصل للحصة الدراسية وأنا متعب، لكني مازالت أذهب، بينما أختي والكثير من رفاقي انقطعوا عن الدراسة بسبب ذلك.”

وحتى مع وجود بضع مدارس داخل المخيمات، إلا أنها تعاني من نقص المستلزمات التعليمية من مقاعد وكتب وقرطاسية ووسائل تعليمية، وذلك بسبب عدم وجود داعم أو لتوقف المنظمات غير الحكومية عن الدعم لأسبابها المختلفة.

كذلك تعاني هذه المدارس من تعدد المناهج التدريسية، ونقص الكوادر التعليمية المؤهلة، حيث تضطر للاعتماد على معلمين غير محترفين من حملة الشهادة الثانوية، بسبب عدم دفعها لأجور كافية تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة في إدلب وريفها.

يقتصر التعليم في كثير من المخيمات العشوائية في إدلب وريفها على التعليم الديني، من خلال تحفيظ أجزاء من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، باعتباره يعتمد على الحفظ الشفوي بغض النظر عن مدى قدرة الأطفال على القراءة والكتابة. 

وقد أدى تردي واقع التعليم العالم لإهمال الأهالي لهذا الجانب، فلم يعد إرسال الأطفال للمدارس أولوية لدى الكثير من الأسر السورية النازحة التي تُقاسي لتأمين قوت يومها، فحتى الأطفال الذين التحقوا بالمدارس بدؤوا ينسحبون منها بحثاً عن عمل يساعدون فيه أسرتهم أو للزواج وبشكل خاص للطفلات.

الطفل خالد يعيش مع أسرته في مخيم يتبع لبلدة الدانا بريف إدلب، اضطر خالد للتخلي عن حقيبة كتبه، وترك المدرسة ليتوجه نحو العمل في ورشة لتصليح الدراجات النارية، وعن سبب ذلك يقول: “يقول والدي إن التعليم أصبح من الكماليات في زمن الحرب، فقد كنت أظل مع رفاقي لأيام دون معلم في الصف، لذلك اتجهت لتعلم مهنة تعينني على الحياة وتساعد أهلي في المصروف، حتى لا أخسر العمل والدراسة معاً.”  

ويعزو المدرس إبراهيم الحسن من معرة النعمان سبب تسرب أطفال المخيمات من المدارس إلى “غياب المرافق التعليمية عن الكثير من المخيمات، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة للأهل، التي تحول بينهم وبين تأمين متطلبات الدراسة.” وعن أوضاع سير العملية التعليمية يقول “تعاني الخيام المدرسية من غياب الدعم المادي، وقلة عدد المعلمين، وغياب الخبرات والكفاءات العلمية، حيث أكثر من ثلث عدد المعلمين لا يحملون إلا الشهادة الثانوية فقط.”

مبادرات لإنقاذ الجيل

أمام تراجع العملية التعليمية، قامت عدة مبادرات لإنقاذ أطفال النازحين من الجهل و الأمية، ومنها تجمع “غوث” التطوعي الذي قام بإنشاء خيام تعليمية في أكبر تجمع للنازحين شمال إدلب. مدير التجمع أسعد فلاحة حدثنا عن ذلك قائلاً: “نظراً لكثرة عدد الأطفال داخل المخيم، قمنا بنصب ثلاث خيام لتشكل مدرسة مناسبة لهم، كما تم تزويدها بكافة المستلزمات الأساسية من مقاعد وكتب وقرطاسية، و تطوع أربعة معلمين لتدريس الأطفال وتعويض ما فاتهم من دروس.”

المعلم حمدو الحسن من ريف حماة تطوع لتدريس الأطفال داخل المخيم الذي يقطن به، وحوّل بذلك خيمته إلى مدرسة للأطفال، عن الفكرة والهدف يروي لنا “أعيش في مخيم قرب مدينة معرة النعمان، وبسبب كثرة عدد الأطفال الذين حرموا من إكمال تعليمهم داخل المخيم، قمت بتحويل خيمتي إلى مدرسة للأطفال، بهدف كسر حاجز الجهل الذي لحق بهم، وأنا أدرّسهم المبادئ الأساسية، رغم الشح الكبير في الحاجات التعليمية.”

و يبين الحسن بأن عدد الأطفال الذين تعلموا في خيمته وصل إلى ٥٥ طفلاً وطفلة، حيث عمل على تقسيم التلاميذ إلى فئتين، تضم الفئة الأولى تلاميذ الصف الأول، أما الفئة الثانية فتضم صفاً تجميعياً من بقية التلاميذ. وتتشارك المخيمات في إدلب وريفها مصاعب النزوح ومتاعبه، ومنها تدهور القطاع التعليمي، إلا أن الأهالي مازالوا متمسكين بالحياة والأمل بمستقبل أفضل لأطفالهم، ويسعون بكل الطرق لنفض غبار الجهل والأمية عن جيل بات على وشك الضياع.

مرسوم الأوقاف رقم ١٦: سجالات حامية بين المؤيدين والمعارضين

مرسوم الأوقاف رقم ١٦: سجالات حامية بين المؤيدين والمعارضين

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالات مطولة حول مرسوم القانون ١٦ المتعلق بإطلاق يد وزارة الأوقاف في الحياة العامة، وانقسم السوريون بين مؤيد ومعارض له، وبين مطالب بدولة مدنية وأخرى دينية الطابع. ليتم التصويت في النهاية على ٢٦ تعديلاً أساسياً وفرعياً من مواد المرسوم، وبأغلبية الثلثين في مجلس الشعب السوري.

كما حُذفت خمس مواد أساسية فيه، وأُضيفت مادتان، بحيث تم ضبط سلطة وزارة الأوقاف على غيرها من الوزارات، كما حذفت من المرسوم تسمية “الفريق الديني الشبابي”، وتم تحديد انتشار الشُعب والدعاة في مؤسسات الأوقاف فقط، ولم يعد لها علاقة بمؤسسات وزارة الإدارة المحلية. ورفعت التعديلات يد وزارة الأوقاف عن أبناء الشهداء، كما حذفت الميزات المالية لموظفي الأوقاف، وذلك بإخضاعهم للقانون الأساسي للعاملين بالدولة.

لكن هل توقفت القصة هنا؟ بالنسبة للعديد من السوريين، لا، فالمهتمون في فهم أبعاد ومخاطر المرسوم الديني على حاضر سوريا ومستقبلها، راحوا يحذرون من مغبة التساهل مع هذا الطرح السياسي، الذي ينقل حالة الإسلام الاجتماعي في سورية من حالته الراهنة إلى نسخة من مطاوعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية.

وكان يقر الفصل الثالث – المادة ١٠٠  من تشكيل لجان تسمى “لجان الأوقاف”، وذلك في الأحياء والقرى وتتولى حسن السير على الشعائر الدينية. ويتم تشكيل هذه اللجان بقرار من الوزير بناء على اقتراح من مدير الأوقاف، وتحمل هذه المادة في باطنها صناعة آلاف المشرفين الدينين على مساحة سوريا.

الصحفي وعضو مجلس الشعب نبيل صالح قال عن المرسوم “قد يبدو للقارئ (الساذج) أن هذا المرسوم يعتبر مجرد تنظيم للعمل الديني في سوريا؛ أما في الواقع فهو خطوة هائلة باتجاه أسلمة الدولة والمجتمع ستظهر بالتدريج خلال السنوات القادمة” وفنّد صالح ما وصفه “أخطر” ما ورد بالمرسوم وأوله “الفريق الشبابي الديني” وتساءل “ما الذي ستقدّمه وزارة الأوقاف للشباب المنخرط في العمل الديني؟ الإجابة: العمل – الدخل الوظيفي والدخل الإضافي على العمل الديني – التأمينات الاجتماعية – الإعفاء من خدمتي العلم والاحتياط – التحصيل العلمي المعادل للشهادة الحكومية”، مضيفاً “كل هذه الامتيازات تعني أسلمة المجتمع وتحويل أغلبية الشباب السوري إلى شباب منخرط في العمل الديني.

وللعلم أيضاً يساهم هذا المرسوم في تنظيم (القبيسيات الخطير) أو (معلمات القرآن كما يحلو لوزير الأوقاف تسميتهم) واللاتي أصبحن يعملن وبشكل قانوني تحت بند (الفريق الشبابي الديني).”

من وزارة للأوقاف إلى شركة تجارية

كانت المادة (٨٩) من القانون تسمح لمجلس الأوقاف برئاسة وزير الأوقاف، بتأسيس شركات تجارية مملوكة له من نوع شركات الأموال، لتعمل وفق قانون التجارة والشركات، وعلى الرغم من أن وزارة الأوقاف هي أغنى وزارات الدولة، أعطى هذا القانون للوزارة مصدراً آخر للتمويل، وذلك من خلال شركات تجارية معفية من الضرائب، يعمل فيها آلاف الموظفين.

وورد في الفصل الأول من المادة (٢) فقرة (م) من المرسوم: “تعزيز دور فريضة الزكاة، والعمل على تطوير سبل وآليات تحصيلها” مما يجعل من الزكاة أشبه بضريبة إجبارية بدلاً من عمل خيري يقوم به المسلم طواعية. كذلك يوسع المرسوم من قاعدة التعليم الديني في سورية ولكافة المراحل، وينشر موظفي ومفتي الأوقاف في الوحدات الإدارية؛ بعدما كان يقتصر تواجدهم على مديريات الأوقاف.

كذلك تسمح المادة ٤٩ من المرسوم للمدرّسين العاملين في المدارس الشرعية؛ بالحصول على أجورهم من وزارة التربية، بالإضافة إلى أجورهم عن عملهم الديني؛ وهذه دعوى للمدرّسين للعزوف عن المدارس الحكومية، والالتحاق بالمدارس الشرعية للحصول على أجور أعلى.

أستاذ مادة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة دمشق عصام التكروري يقول “التعاطي مع المرسوم ١٦ من أرضية دينية أدى إلى التعمية على الانتهاكات القانونية و الدستورية التي يزخر بها، و التي في حال بقيت دون إلغاء أو تعديل قد تدفع بالمحكمة الدستورية إلى إلغائه لمخالفته للدستور.”

ويعطي التكروري مثالاً عن هذا الانتهاك في نص المرسوم المتعلق بالبدل النقدي لأرباب الشعائر الدينية، فالمرسوم لم يُعرّف هذا المصطلح مع العلم أنه من المصطلحات الأساسية الواجب تعريفها على غرار ما فعل النظام الأساسي للعاملين في الدولة. ويقول التكروري إن “استخدام مصطلح (البدل النقدي) بدل مصطلح ( الأجر) يؤدي إلى تكريس التهرب الضريبي الذي تسعى الدولة لمكافحته حتى تتمكن من الإنفاق على المشافي والمدارس ودعم الجيش، والمادة ٢٩ من المرسوم نصت على إعفاء (البدل النقدي) من أي ضريبة.”

ويرى أستاذ مادة القانون الدولي في هذا الأمر “انتهاكا صريحا لمبدأ المساواة في التكليف، فهو يخلق نوعين من العمالة في الدولة: العمالة المدنية حيث يخضع العاملون قطاع الدولة لضريبة الدخل، و العمالة الدينية حيث يتقاضى العاملون في القطاع الديني راتبهم (البدل النقدي) بقرار من وزير الأوقاف، ولا يخضعون لأي ضريبة.”

وينص الدستور السوري في مادتة رقم ١٨ الفقرة ٢ على أن “النظام الضريبي يقوم على أسس عادلة، وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.”

ولمناقشة هذا القانون دعت اللجنة المركزية لحزب البعث إلى اجتماع خاص، أما لجنة الأمن القومي فقد دعت لاجتماع على مستوى الخبراء، وفي مجلس الشعب اجتمعت لجنة التربية والتعليم لتسع ساعات في إحدى الجلسات للتداول في القانون، كما اجتمعت اللجنة ذاتها برئيس مجلس الشعب حمودة الصباغ الذي بدا أنه وقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن النقاش حول القانون كان حاداً، وأنه سيطرح للتصويت تحت القبة.

وعن رأيها في القانون قالت لمياء عاصي الوزيرة السابقة في الحكومة “يسمح قانون المرسوم أن تتولى المؤسسة الدينية مهمة صياغة المجتمع كما تراه هي، ووفق رؤيتها الخاصة التي قد لا تنسجم مع توجهات كثير من السوريين،.لدى شعبنا الكثير من القيم والأخلاق منذ الأزل ،أما الدين فهو علاقة خاصة جداً بين الإنسان وخالقه.”

السيناريست قمر الزمان علوش بدوره كان من أبرز من قادوا الحملة ضد نص قانون المرسوم، فكتب على صفحته في (الفايس بوك) معلقاً “يبيح المرسوم لرجال الكهنوت الإسلامي القضاء على الحياة المدنية العامة قضاء نهائياً، وتصفية الحياة الخاصة بالكامل، ويعطيهم الرخصة الرسمية لاعتبار غير المسلم أو المسلمة من خارج معاييرهم أناساً يمكن الاستغناء عنهم، كما يفوضهم بتحويل البلاد إلى معسكر اعتقال معقّم تماماً من الحرية والفكر والإبداع. المشكلة ليست هنا ،المشكلة هل في مجلس الشعب من لديه القدرة على قراءة ذلك من وراء السطور الواردة في القانون؟ وهل إذا اكتشفها لديه من الجرأة ما يكفي ﻹعلانها؟”

ويرى الكاتب علوش أن مشروع قانون وزارة اﻻوقاف يفضي إلى اﻻحتماﻻت التالية “تحويل وزارة الأوقاف إلى مؤسسة شمولية تربط السماء باﻻرض عبر شبكة واسعة من الامتيازات الرسمية يقودها فرد، ودولة داخل دولة لها أجهزتها الإدارية والمالية والاستخباراتية الخاصة، وتستطيع بموجبها أن تبسط يدها على جميع المرافق الحساسة والمفاصل الحيوية الأخرى في بقية أركان الدولة.”

كذلك طالب الكاتب حسن م. يوسف بمقالة نشرها في صحيفة الوطن السورية: “بمراجعة وتدقيق هذا القانون ورفض ما هو لا دستوري فيه”، مضيفاً “لو كان الأمر لي لاهتممت بالجانب المدني من حياة الناس، فأنا أرى أنه في كل عقيدة بذرة تطرف تتحول إلى كارثة قاتلة، عندما يعتقد معتنقها أنه يحتكر الصواب! إذ ثمة سؤال يطرح نفسه، ما دامت سورية بلداً متعدد الأديان، لماذا لا تكون لدينا وزارة أديان بدلاً من وزارة الأوقاف؟”

السجال السوري حول القانون ٣١

السجال السوري حول القانون ٣١

ازدادت صلاحيات وزارة الأوقاف التي تمثل السلطة السورية الدينية الرسمية منذ السبعينات، حين اتجه النظام نحو ضبط الحريات الدينية، وجنت الوزارة ثمار وقوفها مع النظام ضد تيار الإخوان المسلمين، بنيلها سلطات واسعة خاصةً بعد أزمة الثمانينات، واستدعى إخلاص وزارة الأوقاف للنظام ووقوفها معه طيلة ثمان سنوات من الحرب السورية، بل ومشاركتها إياه في إجراء المصالحات مع مناطق عديدة خارجة عن سيطرته، كل هذا استدعى تعزيز صلاحياتها بشكل كبير، لتحتل دوراً ضابطاً لكل “الحريات” الدينية الإسلامية، وكافة الحريات.

ويكمّل القانون ٣١ الجديد دور النظام في تعزيز سلطاته على بقية مناحي الحياة، ولا سيما على المناطق الواقعة تحت سيطرته، بما يتضمنه من تهديد لمبادئ الحريات الدينية وغير الدينية. فهو يهدف لتنظيم شؤون وزارة الأوقاف السورية، وتحديد صلاحياتها، بما يتوافق مع أوضاع السلطة السورية المتغيرة منذ ٢٠١١، وقد أثار هذا القانون وقبله المرسوم ١٦  نقاشاً سوريّاً حاداً شمل كافة قطاعات المجتمع السوري، من الموالاة والمعارضة.

الصحفي والنائب في مجلس الشعب السوري نبيل صالح(1) حاول إثارة الرأي العام ضد المرسوم، لأنه “يهدد علمانية الدولة السورية” بحسب قوله، إلا أن صالح صمت عندما تَحوّل إلى قانون.

فيما نشرت جريدة جيرون مقالاً بعنوان الوباء “العلماني” و”الغباء” الأقلوي (3)، اعتبرت فيه أن كل من يرى في المرسوم حدثاً يُؤسس لدولة إسلامية من “أفغنة، وسعودة” هو مصاب بالفوبيا الإسلامية، وأقلوي. ويشير مصطفى الولي إلى ما يسميه “القطبة المخفية”، وهي بحسب وصفه أن المرسوم “يفتح المجال لرجال المذهب الشيعي ليصبح الاجتياح الإيراني المنهجي متكاملاً الأرض والمجتمع والجيش، ثم المرجعية الدينية.”

من جهته كتب حسام جزماتي مقالاً بعنوان “وزارة الأوقاف بين المرسوم الأمني والطائفية” (4) في تلفزيون سوريا، يستنتج فيه أن “بين الرقابة الرسمية الصارمة وبين الخطاب الهائج (لسرايا الدفاع) المنبعثة على فيسبوك، لن يستطيع جماعة (اعتزال الفتنة) من المشايخ التقليديين في مناطق سيطرة النظام أن ينجوا من آثارها.”

أما إياد الجعفري فكتب في موقع المدن مقالاً بعنوان “المرسوم الذي لا قيمة له”(5) ويسأل فيه “ما الذي أخافكم من المرسوم؟” حيث يرى أن “مرسوم الأوقاف الجديد تعبير عن ثقة النظام في النخبة الدينية المتحالفة معه”، أي أن النظام يكافئ الوزير والمشايخ والقبيسيات، والفريق الشبابي المرتبط به، لدورهم في الصراع منذ ٢٠١١، وهذا التفسير الأقرب للموضوعية.

ويشرح تحليل نشره موقع جسور للدراسات (6) أن القانون ٣١ يُكرس مضمون القانون ٤٩ الصادر عام ١٩٨٠، أي ضد “الإخوان والوهابية، فالقائمين على السلطة الدينية الرسمية – وزارة الأوقاف والمفتي- كانوا يمارسون مهاماً في الدولة والمجتمع، ويملكون امتيازات أمنية واسعة دون محاسبة.” ويشير التحليل إلى أن إحداث “المجلس العلمي الفقهي” هو “بمثابة إعلان عن وجود سلطة دينية رسمية موازية لبقية السلطات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتمتلك هذه السلطة استقلالية مالية.”

يقرأ منذر خدام بدوره المرسوم في نصه المرسوم (8) من ناحية الصلاحيات الواسعة التي خص فيها وزير الأوقاف والتي لم تمنح لأي وزير آخر. ويقول فيه إن هذه الصلاحيات ” تجاوزت حدود المجال الديني إلى المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والثقافية.” ويرفض خدام اتهامات “الأفغنة” للمرسوم، وكذلك يرفض الرأي المعارض القائل بالتستر العلماني الذي يخفي طائفية المرسوم.

عن المرسوم أيضاً كتب بكر صدقي مقالاً في جريدة القدس بعنوان “عن المرسوم ١٦ ومعارضة النظام من يمينه” (7)، ويرى صدقي أن “الاعتراضات الصاخبة من مواقع تدعي (العلمانية)، في حين أنها كانت في حقيقتها طائفية مناهضة للدين الرسمي (الإسلام السني) لا لدولة دينية” مضيفاً “في حين لا يستطيع النظام تجاوز بنية التركيبة السكانية، أي يشكل السنة أغلبية ثابتة، فإن المعترضين يحلمون بإفراغ سورية من أكثريتها المذهبية.” وهنا يكرر الكاتب تحليلاً لطالما قالت به المعارضة، وهو يتطلب تدقيقاً يخص الفئات الطائفية والعلمانية، وكيف وجدت هذه الفئات، وكيف تطورت، ودور النظام والمعارضة والخارج في كل ذلك.

حزب التنمية المرخص عام ٢٠١٢ والذي يعمل  “تحت سقف الوطن” داخل سوريا أعلن في بيان نشره (9) “لا نرى موجباً للتحامل على المرسوم والتشكيك بمقاصده وأهدافه من جهة، كما لم نلمس أنّه يعطي لوزارة الأوقاف سطوة أو تدخلاً في عمل غيرها من الوزارات.” وهنا تبرز عقلية سياسية تخشى عواقب نقد أية سياسات للنظام؛ فهو حزب يَزن سياساته بمقياس البقاء والاستمرارية.

في موقع “عربي”2” كتب محمد خير موسى “قراءة متأنية في الدلالات والمخاطر” (10)، بين فيها أن “المرسوم ينتقل إلى مرحلة جديدة تعلن بكل وضوح لا لبس فيه أنه لا فصل للدين عن الدولة بعد الآن، بل سيكون الدين من اللحظة بكل تفاصيله، خاضعاً خضوعاً مطلقاً للدولة.” وهذا المرسوم “محاولة إضافية لسلب أعز ما يملكه شعب ووطن: الهوية والحضارة.” وبهذا يقصد الكاتب أن المرسوم سيقمع حريات الطائفة السنية فيما لا تفرض أية شروط على التشيّع الإيراني في سورية.

أما الدكتور محمد حبش فيؤكد في حوار مع جريدة عنب بلدي نشر تحت عنوان “قانون الأوقاف الجديد.. سمٌّ في عسل “الديمقراطية” (11) أن خطر القانون يكمن “بوقف الإبداع والتنوير لأن الوزارة ستحتكر الخطاب، وهو خطاب سلفي، فحتى المفكر العلماني الذي يريد أن يكتب بشأن ديني يمكن أن يتعرض لسؤال من الأوقاف، الأوقاف الآن موجودة في مراقبة الكتب، لكن ستتوسع صلاحيتها بما يشمل كل ما ينشر ويطبع.” وفيما يتعلق بقضية أملاك وزارة الأوقاف يقول حبش “البنود المتعلقة باستثمار الوقف التاريخي، والواردة في المادة /٥٤/، لم تتغير، وكان منتظرًا منه استثمار الوقف التاريخي الهائل الذي كان يزيد على نصف مساحة دمشق.”

وبهذا يثير حبش قضية الأملاك الكبيرة وكيفية استفادة الدولة منها، وقضية الحرية الملغاة في التفكير السلفي، وخطورة هذه العقلية التي تتحكم بوزير الأوقاف على قرارات الوزارة وكل علاقة بينها وبين بقية الوزارات، والتي تدعم البنية الاجتماعية المحافظة للمجتمع السوري.

وتتجاوز هذه الأجواء أسباب الخلافات الفكرية والسياسية، لتصل إلى تأجيج خطاب الكراهية المتبادل بين المعارضين والمؤيدين، ولأتفه الأسباب تُجيش  قضية حساسة -كمسألة الدين وحرياته والعلاقة بين الأديان والمذاهب والطوائف- الجمهور السوري وتساهم بازدياد الشرخ القائم في المجتمع؛ ومن هنا تأتي خطورة هذا القانون.

علماً أن هذا القانون وكل ما أصدره النظام من مراسيم وقوانين، طيلة السنوات الثمانية، سيكون عرضة للشطب مع أية تسوية سياسية تتوصل إليها روسيا وأمريكا؛ وبالتالي القانون ورغم توضيحنا لأسباب صدوره، فقد يكون عرضة للإلغاء مستقبلاً.

 

المراجع:

ردّت وزارة الأوقاف عبر أحد المختصين القانونيين على أراء نبيل صالح بـ ” http://syriahomenews.com/2018/09/29/هذا-ماكتبه-عضو-مجلس-الشعب-نبيل-صالح-ضد

2- https://www.syria.tv/content/هل-مرسوم-أوقاف-النظام-مشروع-لـتشييع-سوريا؟

3-  https://geiroon.net/archives/138547    .

4-  https://www.syria.tv/content/وزارة-الأوقاف-بين-المرسوم-الأمني-والطائفية

5- https://www.almodon.com/opinion/2018/10/3/المرسوم-16-الذي-لا-قيمة-له

6-jusoor.co/…/قانون%20وزارة%20الأوقاف%20تنظيم%20المؤسسة%20الدينية%20أم%20…

7-https://www.alquds.co.uk/عن-المرسوم-16-ومعارضة-النظام-من-يمينه/

8-قراءة متأنية في المرسوم (16) الناظم لعمل “وزارة الأوقاف”

9-dp-sy.org/ar/data/242-16

10-https://arabi21.com/…/المرسوم-16-للأوقاف-السورية-قراءة-متأنية-في-الدلالات-والمخاط…

11- https://www.enabbaladi.net/archives/257335

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية

لم تؤثر الحرب المستمرة في سوريا على استمرارية التعليم في مناطق سيطرة النظام، إلا أن العملية التعليمية شهدت تدهوراً كبيراً في جميع مراحلها، سواء من ناحية المناهج، وتوفير متطلباتها، أو استمرار الأساليب التقليدية في التعليم، إضافة لارتفاع معدلات التسرب من المدارس، بسبب انعدام الأمن والنزوح واللجوء والفقر، عدا عن انتشار الفوضى في المدارس والجامعات. وضمن أجواء الحرب والعقوبات الثقافية والاقتصادية والدبلوماسية، وجد حليفا النظام السوري -إيران وروسيا- الفرصة سانحة لنشر لغتيهما وثقافتهما في مناطق نفوذهم في سورية.

عن الأساليب التقليدية في التعليم والتي لم تتغير، يقول أحد الموجهين التربويين، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه لـ”صالون سوريا”: “منذ سيطرة حزب البعث على سوريا، يخصص جزء كبير من العملية التعليمية لتكريس أفكاره، عبر أكثر من مقرر منها القومية والتاريخ في مرحلة التعليم الثانوي، وفي دروس القراءة والتعبير بالنسبة لمرحلتي التعليم الأساسي الأولى والثانية”، ويلفت إلى أن ما ساعد على ذلك هو أن الغالبية العظمى من الكادر التدريسي هم من أعضاء الحزب، عدا عن “اجبار الطلاب على الانتساب للحزب في السنة الأولى من مرحلة التعليم الثانوي” بحسب قوله.

ويوضح الموجه، أن الجزء البسيط من العملية التعليمية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي يخصص لما تبقى من العملية التعليمية، ويعتمد الكادر التدريسي فيه على الأسلوب النظري وليس العملي “أي التلقين من قبل المدرس والحفظ البصم من قبل الطلاب، الأمر الذي حول الطلاب إلى ببغائات تحفظ ما يقوله المدرس ومن ثم تردده”، لدرجة أن الكثير من المدرسين “تعاقب الطلاب الذين يشذون عن هذه القاعدة، كأن يلجأ الطالب إلى تحليل المعلومات والاستنتاج.”

وتم استغلال إلزامية ومجانية التعليم بعد سيطرة حزب البعث على السلطة في سوريا -عام ١٩٦٣ ووصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى سدة الحكم عام -١٩٧١ لتكريس السيطرة الإيديولوجية على مؤسسات الدولة ومنها التعليمية، حيث تم العمل على تأطير العملية التربوية ضمن منظمة طلائع البعث، واتحاد شبيبة الثورة، والاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وحصر جوهرها في غرس أفكار البعث في عقول الطلاب، وتمجيد الحاكم.

تغيير اعتباطي للمناهج        

مع الانتفاضة السورية عام ٢٠١١، ازدادت نمطية وجمود العملية التعليمية في سورية، في كثير من جوانبها وأساليبها (المناهج، الكوادر، أساليب التعليم، طرائق التدريس)، لتزيد الفجوة بينها وبين دول العالم المتقدم التي تعيش ثورة في نظم المعارف والمعلومات وفي أساليب التربية والتعليم، ومناهج البحث العلمي.

وأعلنت الحكومة السورية أنها بصدد إجراء عملية مراجعة وتقييم شاملة للعملية التعليمية، وبدأت العام الماضي بإحداث تغيير في مناهج مرحلتي التعليم الأساسي بشقيها الأولى والثانية ومرحلة التعليم الثانوني، وشملت ٥٢ كتابا. وأحدثت التعديلات الجديدة جدلاً واسعاً برز في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية المحلية، بسبب ما تضمنته المناهج الجديدة من أخطاء واشكاليات والطريقة والزمن القياسي الذي جرى خلاله إعدادها.

ومن الإشكاليات الناتجة عن التعديلات مثلاً، اعتراض مؤيدي النظام على نشر قصيدة للشاعر ياسر الأطرش في كتاب القراءة للصف الأول، لا بسبب مضمون القصيدة، وانما لأن الشاعر محسوب على المعارضة، فتمّ إلغاء القصيدة بقرار وزاريٍ واستبدالها بأخرى. اعتراضات أخرى طالت عدم تضمين خريطة سوريا لمنطقتي هضبة الجولان ولواء إسكندرون في رسم توضيحي بكتاب مادة “علم الأحياء والبيئة” للصف الأول الثانوي، الأمر الذي دفع  وزارة التربية إلى إصدار قرار قضى بإعادة المنطقتين إلى الخريطة السورية (جدل التعليم في زمن الحرب السورية).

لاقت أيضاً قصائد تضمنتها كتب القراءة في مرحلة التعليمي الأساسي اعتراضات وسخرية من قبل الأهالي والمدرسين بسبب كتابتها باللغة العامية، حتى أن الانتقادات طالت تصاميم أغلفة الكتب كصورة نشرت على غلاف كتاب التاريخ لتمثال، فسّره علمانيون بأنه مفزع وذو مضامين دينية واضحة من ذقنٍ طويلة وشاربين حليقين، في حين فسرّه إسلاميون متشددون بأنه استعادة للوثنية، ليتضح  بعدها بأنّ التمثال لحاكم مملكة ماري إيكو شاماغان (2453 قبل الميلاد). (جدل التعليم في زمن الحرب السورية).

ويرى موجهون تربويون تحدثوا لـ”صالون سوريا”، أن مسألة وضع مناهج جديدة في أي دولة ليس بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى اخصائيين ودراسات كثيرة ومعمقة تمتد لزمن طويل، بحيث يتم تحديد الأهداف، والأخذ بعين الاعتبار القيم الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية، ووضع خطط زمنية متسلسة لعملية الانتقال من المناهج القديمة إلى الجديدة.

إلا أن ما حصل بسوريا برأيهم هو “أن عملية التغيير حصلت في وقت حساس للغاية وهو حالة الحرب، وبزمن قياسي، ناهيك عن أن من قام بالعملية أغلبهم لا يتمتع بالكفاءة المطلوبة، فمقياس اختيارهم هو الولاء المطلق للنظام، وبالتالي الأمر تم بشكل اعتباطي، وكانت النتيجة الجدل الكبير الذي حدث ووصله إلى حد – وإن بصورة شكلية- استجواب الوزير تحت قبة مجلس الشعب.”

هذا وعممت الحكومة المناهج الدراسية الجديدة على المراحل الدراسية دون أن تقيم أية دورات تدريبية للكوادر التدريسية عليها، مما وضع هذا الكادر بوضع حرج أمام الطلاب -خصوصا في مرحلة التعليم الثانوي- الذين يطرحون الكثير من الاستفسارات بالنسبة للمواد العلمية.

غياب للمستلزمات  

لا يمكن للعملية التعليمية أن تسير دون تأمين مستلزماتها الأساسية، من مدارس تحتوي على بنى تحتية كاملة من أبواب ونوافذ ومقاعد ووسائل تدفئة في فصل الشتاء وغيرها، إضافة إلى توفير الكادر التدريسي والإداري الكافي، ونسخ الكتب، ومناهج صحيحة.

إلا أن قوات النظام وحلفائه تسببوا بخروج آلاف المدارس عن الخدمة إثر قصفها، وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن نحو ٤ آلاف مدرسة في سوريا تحتاج إلى إعادة إعمار بعد تدميرها، وأشار إلى أن الدراسة بدأت في حوالي ١٤ ألف مدرسة، وذلك مع بدء العام الدراسي الجديد في ١ أيلول الماضي، وتوجه نحو اربعة ملايين طالب وطالبة الى المدارس، بحسب ما اعلنت وكالة “سانا” الرسمية.

ويؤكد كثير من المدرسين لـ”صالون سوريا” غياب الكثير من مستلزمات العملية التعليمية في مدارس النظام، خصوصا تلك الواقعة في المناطق التي سيطر عليها حديثا مثل غوطة دمشق الشرقية، ويقول أحد المدرسين: “يطلبون من المدرسين التعليم في الغوطة، ووسائل النقل للذهاب إليها غير متوفرة، يفتتحون مدرسة وأبسط المستلزمات مثل المقاعد غير متوفرة، أين يجلس الطلاب؟ قاعات بلا أبواب ولا نوافذ والضجة تعم الممرات، كيف يفهم الطلاب؟”

بدورها قالت مدرسة في إحدى مدارس ريف دمشق الشمالي وهي من أبناء المنطقة، “أغلب الأحيان عند غياب أحد المدرسين أو المدرسات وبسبب عدم وجود مدرسين احتياط يجري دمج طلاب شعبتين في شعبة واحدة، ليصبح عدد التلاميذ ما بين ٧٠ إلى ٨٠ طالبا، وفي هذه الحالة المدرس لا يتمكن من اعطاء الدروس وإذا اعطاها، فإن الطلاب لا يستوعبون بسبب الاكتظاظ الكبير والفوضى التي تنتج عنه”، مشيرة إلى أنه في هذه الحالة أغلب المدرسين “لا يعطون دروس ويقضي الطلاب فترة الدوام باللعب واللهو والعراك على حين تتحول غرفة المدرسين إلى أشبه بمقهى لتناول المشروبات والأطعمة.”

ويعزى السبب الرئيسي لنقص الكوادر التدريسية لحالة النزوح واللجوء الكبيرة التي شهدتها سوريا خلال الحرب، إذ تشير المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين في موقعها الرسمي إلى أن أكثر من ٥.٦ ملايين شخص اضطروا للفرار من سوريا منذ عام ٢٠١١ بحثاً عن الأمان في لبنان والأردن والعراق، وبلدان أخرى، فيما نزح ملايين الأشخاص الآخرين داخل سوريا.

معاون وزير التربية سعيد خرساني قال في تصريح نقلته وكالة “سانا” الرسمية في أيلول/سبتمبر: “إن العدد الكلي للمعلمين والاداريين في وزارة التربية يبلغ حاليا ٣٠٠ ألف معلم ومعلمة وتم تعيين ٣٠ ألف معلم ومعلمة خلال العام ٢٠١٨.”

وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في تقرير أصدرته في نيسان الماضي أن تحديات أخرى تواجه التعليم في سوريا تكمن في تسرب ٢.٨مليون طفل سوري من التعليم في البلاد وبلدان اللجوء، وبحسب المنظمة فإن بعض هؤلاء الأطفال لم يذهبوا إلى المدرسة مطلقًا، بينما فات بعضهم الآخر ما يصل إلى سبع سنوات من التعليم ما صعب عليهم اللحاق بالركب.

أداة فرزٍ طبقي

رغم أن الهدف من اللباس المدرسي الموحد في مدارس النظام كان إلغاء الفوارق بين الطلاب، إلا أنه بات حاليا “أداة فرزٍ وتمايزٍ طبقي” تستهدف أبناء الفقراء، الذين باتوا يشكلون السواد الأعظم في البلاد، وذلك بعد توجيه للمدارس في بداية العام الدراسي الجديد  بـ”التقيد” بهذا اللباس.

حيث دفع تراجع الوضع المعيشي للسوريين، المسؤولين في المدارس لغض النظر عن الزي الذي يرتديه الطلاب، وبات الطلاب يذهبون إلى المدرسة بأي لباس يتوفر لديهم، إلا أن النظام، وبعد سيطرته على مزيد من الأراضي خلال العام الجاري، أصدر قراراً توجيهياً للمدارس للتقيد باللباس المدرسي الموحد.

وقال معاون وزير التربية في الحكومة السورية عبد الحكيم حماد “إن الوزارة سوف تراعي إذا ما كان هناك حالات استثنائية لطلاب لم يتمكنوا من التقيد باللباس المدرسي، لكن هذا ليس عذراً لأولياء الأمور بعدم تأمين الأزياء المدرسية لأبنائهم، والتي لا يتجاوز ثمنها فاتورة الهاتف المحمول لأحد الوالدين.”

ومنذ بدء الحرب في البلاد، تضاعفت أسعار الملابس والمواد الغذائية ومختلف الحاجات المنزلية ارتفاعاً تدريجيا، بسبب تراجع مستوى سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وانعكس ذلك سلباً على الحالة المعيشية للمواطنين، مع بقاء سقف المعاشات الشهرية للموظفين على ما هو عليه، فالموظف الذي كان مرتبه ٤٠ ألف ليرة قبل الحرب، أي ما يعادل نحو ٨٠٠ دولار أمريكي، أصبح مرتبه اليوم يساوي أقل من ١٠٠ دولاراً، في حين يقدر اقتصاديون تحدثوا لـ”صالون سوريا أنّ حاجة الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تصل إلى ٨٠٠ دولار شهريا ً حتى تتمكن مواصلة حياتها بشكل وسطي، بينما تصل تكلفة لباس ومستلزمات الطالب إلى نحو ١٠٠ دولار بحسب الاسعار المعلنة للملابس والمستلزمات المدرسية في الاسواق.

ويرجع العديد من الباحثين الاجتماعيين، ارتفاع اعداد الأطفال المتسربين من المدارس إلى حالة الفقر الشديد الذي تعاني منه الأسر، حيث باتت تدفع بأطفالها إلى العمل لتأمين رغيف الخبز.        

ونشرت صحيفة “قاسيون”، التي يصدرها حزب “الإرادة الشعبية” في سوريا، مقالاً اعتبرت فيه أن اللباس الموحد في المدارس ينحو ليصبح دليلاً فاقعاً على التباين والتمايز الطبقي، فسعره لم يعد يتوافق مع إمكانات الفقراء لتأمينه.

وتقول الصحيفة في المقال: “نظرة واحدة على طابور إحدى المدارس، أو خلال ساعات الدخول والانصراف منها، تكفي لمشاهدة التمايز الطبقي بين الطلاب من خلال لباسهم وحقائبهم وأحذيتهم، ما يعني: أن الغاية المتوخاة منه شكلاً لم تعد متوفرة كما لم تلغ عوامل التباهي بين الطلاب، مع ما تتركه من أثر معنوي في نفوس فقراء الحال من هؤلاء، وهم الغالبية.”

“منصات تشبيح”

بعد انتشار ظاهرة تشكيل المليشيات المسلحة الموالية للنظام، وصلت العسكرة والقمع لداخل المدارس، فلم يعد مستغرباً مشاهدة مدرس يرتدي الزي العسكري أثناء دوامه في المدرسة، وممارسة “التشبيح” بحق الطلاب وزملائه المدرسين أيضا.

كما انسحبت ظاهرة “التشبيح” على الأطفال أنفسهم، بحيث يقوم طالب بتقليد والده بعملية “التشبيح”، وتهديد الطلاب، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى تهديد مدرسة أو مدرس الصف إذا لم يتم تنفيذ ما يرغب به من قبيل إجلاسه في المقعد الأول.

كما يقوم البعض بتوجيه كلمات فاحشة لزملائه وسلبهم ما بحوزتهم من “خرجية” أو مأكولات ومستلزمات دراسية، كما يحدث مع الطالب أحمد الذي تتحدث والدته لـ”صالون سوريا” عن أنها لم تعد تعطيه الخرجية قبل ذاهبه الى المدرسة وإنما بعد عودته لحمايتها من السرقة من قبل زملائه، وتقول “وجدت حلاً للخرجية لكني عاجزة عن حل مسألة سلبه الأقلام وعلب التلوين والأدوات الهندسية.”

كما يقوم “الشبيحة” من الأهالي بزيارات للمدارس للإطلاع على أوضاع أبنائهم، والطلب علنا من المدرسين أن يتم تصنيف أبنائهم من المتفوقين رغم أنهم لا يستحقون ذلك، وتقول إحدى المدرسات لـ “صالون سوريا”: “لا مجال للرفض، فقد يتم الإنتقام منا.”

وأسوأ عمليات “التشبيح” في المدارس، تمارس خلال فترة تقديم الطلاب لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة، حيث شهد “صالون سوريا” عدة مرات خلال فترة الامتحانات تجمع العديد من “الشبيحة” أمام المراكز الامتحانية، بينما يتحدث طلاب لـ”صالون سوريا”: ان هؤلاء يقومون “بإدخال حلول الأسئلة إلى طلاب معينين إلى قاعات الامتحان، دون أن يجروء رؤوساء المراكز أو المراقبين على التكلم ولو بكلمة واحدة، قد تكلف المراقب حياته” على حد قول أحد المراقبين.

ومع استفحال حالة الفلتان الأخلاقي وتراجع العملية التعليمية في مدارس النظام، يلجأ ميسور الحال الى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، لكن هؤلاء باتوا قلة قليلة، ويقول رب أسرة لــ”صالون سوريا”: “الوضع في مدارس الحكومة يرثى له، نخسر مال أفضل من أن نخسر أبنائنا.”    

جامعات بلا تصنيف

وانسحبت حالة التدهور الذي تعاني منه العملية التعليمية في مرحلتي التعليم الأساسي ومرحلة التعليم الثانوي على التعليم الجامعي، واختفت الجامعات السورية من معظم التصنيفات الأكاديمية  العالمية.

فمع اندلاع الحراك السلمي، كرس النظام جهده لتجنيد طلاب الجامعات الموالين له بهدف كبح هذا الحراك على حساب دراستهم، كما أوكل إليهم بمهمة الخروج بمسيرات موالية له.

وبلغ عدد الجامعات الحكومية ٨ جامعات في العام الدراسي ٢٠١٤-٢٠١٥، وعدد كلياتها ١٥٠ كلية والمعاهد العليا ٣ والمتوسطة التابعة لوزارة التعليم العالي ٥٨ معهداً، بينما تم إحداث العشرات من المعاهد التي تتبع الوزارات الأخرى، ووصل عدد طلاب الجامعات الحكومية لنحو (٤٦٢.٣٩٣) طالباً وطالبة عام ٢٠١٥، وذلك بحسب دراسة للباحث مدين علي نشرها “مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد،” ومقره في دمشق.

أما الجامعات الخاصة المرخص لها والتي تزاول عملها حتى نهاية عام ٢٠١٧ فبلغ عددها وفق الدراسة لـ ٢٢ جامعة، وعدد طلابها نحو ٣٥٠٠٠ طالب وطالبة، بينما بلغ نصيب التعليم الموازي في الجامعات الحكومية (٣٥%) من إجمالي المقاعد الجامعية. وتشير البيانات إلى أن عدد برامج التعليم المفتوح الذي أحدثته وزارة التعليم العالي وصل في نهاية العام الدراسي ٢٠١٥ إلى (١٩) برنامجاً.

وبحسب دراسة  نشرها المركز ذاته للباحث خليل عجمي بعنوان “تصنيف الجامعات السورية: الفجوة بين الحل الإسعافي والتغيير الاستراتيجي“، فإنّ الجامعات السوريّة الخاصة والعامة كمؤسسات “تفتقد لأي وجود حقيقي على الساحة الدولية، في حين أنَّ خريجيها ينتشرون في الكثير من الجامعات الغربية والشرقية، ويحققون إنجازات فردية مميزة عندما يخرجون منها إلى مؤسسات أكاديمية خارجية، وهو ما يؤكد أن المشكلة الحقيقية تكمن في الواقع الإداريّ والأكاديميّ لجامعاتنا.”

وبحسب عجمي فإن التصنيفات المعتمدة في العالم للجامعات هي “شنغهاي والتايمز وكيو-إس، ويبوميتريكس”، والتصنيف الأخير هو الوحيد الذي تظهر به الجامعات السورية في مراتب تتراوح بين ٥٠٠٠ إلى ١٢٠٠٠. وأعربت الدراسة عن الأسف لأن الجامعات السوريّة حالياً “لا تمتلك أي قدرة على المنافسة في التصنيفات الأكثر أهميّة في العالم، بسبب ضعف الانفتاح على العالم الخارجيّ، وتراجع الظهور على شبكة الإنترنت، وضعف البحث العلمي فيها، وندرة تعاونها مع الجامعات الكبرى، وانحسار عملية النشر باللغة الإنكليزية خاصةً، وعدم وجود باحثين أصحاب جوائز عالمية مرموقة، ناهيك عن ارتفاع أعداد طلاب الجامعات السورية، تحديداً في مدّة الحرب، مقابل انخفاض عدد الأساتذة بسبب النزيف المستمر في كوادر هذه الجامعات على نحو يمنع الحصول على أي نسبة أستاذ/طالب مقبولة.”

ويضيف عجمي أنّ “وجود كليات هندسية بأعداد طلاب تتجاوز ٦٠٠٠ طالب وبكادر تدريسي لا يتجاوز ٢٠ عضو هيئة تعليمية، أو وجود أكثر من ٥٠ ألف طالب في كلية واحدة ضمن جامعة هو أمر يتجاوز كل معايير الاعتمادية المقبولة.”

وعمدت بعض الجامعات الخاصة إلى مضاعفة أقساطها السنوية ما بين ٥-٦ أضعاف عما كانت عليه في بداية افتتاحها، فبعد أن كان قسط السنة الدراسة للكليات الطبية يتراوح ما بين ٥٠٠ – ٨٠٠ ألف ليرة سورية، يصل حاليا ما بين مليونين ونصف وثلاثة ملايين ونصف ليرة، بحسب مصادر طلابية واعضاء هيئة تدريسية تحدثوا لـ”صالون سوريا”.

وأحدثت مشكلة نقص الكادر التدريسي الأكاديمي حرباً باردة بين الجامعات الحكومية والخاصة، حيث منعت الحكومية كادرها من التدريس في الثانية خلال أيام الدوام الرسمية، وسمحت لهم بالتدريس في تلك الجامعات خلال أيام العطل الرسمية فقط، فيما عمدت الخاصة إلى اغرائهم براتب ضخمة تقدر بثلاث إلى أربع أضعاف ما يتقاضونه في الحكومة.

تغلغل للفارسية والروسية

بدأت المراكز الثقافية الإيرانية بالانتشار في سوريا منذ عام ٢٠٠٦ بهدف الترويج للغة والثقافة الفارسية، وأنشأت مدارس ثانوية شرعية انتشرت في قرى الساحل منذ عام ٢٠٠٨ وريفي إدلب وحلب. وبحسب تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط شهدت المدارس الإيرانية إقبالاً متزايدًا في القرى الفقيرة كون تلك المدارس تمنح رواتب شهرية للطلاب، كما تقدم لهم كافة التسهيلات لمتابعة الدراسة بإيران وإيجاد فرص عمل، في مساعٍ لمدّ نفوذها من خلال تشييد مؤسسات مثل “مجمع الرسول الأعظم” الذي افتتح في اللاذقية عام ٢٠١٤ والذي تولى مهمة الترويج والدعاية للثقافة الفارسية كما أشرف على المدارس والمعاهد الخاصة لتعليم اللغة وأقسام اللغة الفارسية في الجامعات الحكومية دمشق وحلب وتشرين في اللاذقية والبعث في حمص.

وكانت الحكومة السورية قد أمرت بإغلاق المدارس الشرعية الإيرانية في قرى الساحل مع بداية العام الدراسي الماضي، كمدرسة عين شقاق، ومدرسة رأس العين، ومدرسة القرداحة، ومدرسة كرسانا، ومدرسة سطامو، والثانوية المركزية ومدرسة البهلولية وغيرها، بزعم أنها لا تلتزم بتدريس المناهج المعتمدة من وزارتي الأوقاف والتربية.

أما الجانب الإيراني فاتجه نحو زيادة نشاطه في دعم تعليم اللغة في الملحقية الثقافية التابعة للسفارة الإيرانية بدورات على أربع مراحل و٨ مستويات، في مراكز تعليم الفارسية في اللاذقية، ومركز تعليم اللغات الأجنبية التابع لجامعة دمشق، ومركز جامعة المصطفى لتعليم اللغة الفارسية، وحوزة الإمام الخميني والمدرسة المحسنية في دمشق، وحسينية الإمام المهدي في منطقة زين العابدين في دمشق، والكلية العسكرية السورية، وجامعة السيدة رقية ومركز الحجة في محافظة طرطوس والعديد من المراكز الأخرى.

كما تم توقيع اتفاقيات تتضمن منحاً دراسية متبادلة للمراحل الجامعية، والدراسات العليا، وكذلك مراحل الدكتوراه والماجستير بين الحكومتين، حيث تقدم إيران ٢٠٠ منحة دراسية سنوياً للطلاب السوريين، مقابل ٦٠ منحة يقدمها الجانب السوري للطلاب الإيرانيين، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.

وذكرت الصحيفة ان “هيئة إعادة الإعمار الإيرانية” نشطت في حلب بإعادة تأهيل نحو خمسين مدرسة، منها ٣٥ مدرسة في ريف حلب، وأعيد تشغيل عشرين مدرسة ويجري العمل على المدارس الثلاثين الباقية.

ووجدت إيران نفسها في تنافس محموم مع روسيا التي تمكنت فور دخولها سوريا من فرض تعليم لغتها بالمناهج الدراسية لمراحل التعليم الأساسي إلى جانب اللغتين الإنكليزية والفرنسية، حيث تتولى وزارة الدفاع الروسية مهمة الإشراف على تدريس اللغة الروسية عبر كادر روسي خاص بوزارة التربية التابعة لحكومة النظام.

وأعلنت وزارة التعليم العالي التابعة للنظام العام الماضي عن ١٨ بعثة علمية في روسيا للحصول على درجة الإجازة في اللغة الروسية وآدابها لصالح وزارة التربية.

كما تعمل على تقديم منح لدراسة الأدب الروسي في موسكو ضمن خطط تأهيل كوادر سورية لتدريسه، إلا أن أربع سنوات من إدخال اللغة الروسية على المناهج السورية، لم تحل مشكلة بعد مشكلة نقص الكوادر التدريسية، فهي ماتزال العقبة الأهم في وجه نجاح هذه التجربة، إذ يتم الاعتماد على نساء روسيات متزوجات من سوريين.