بواسطة Samer Ismail | نوفمبر 22, 2018 | Roundtables, غير مصنف
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالات مطولة حول مرسوم القانون ١٦ المتعلق بإطلاق يد وزارة الأوقاف في الحياة العامة، وانقسم السوريون بين مؤيد ومعارض له، وبين مطالب بدولة مدنية وأخرى دينية الطابع. ليتم التصويت في النهاية على ٢٦ تعديلاً أساسياً وفرعياً من مواد المرسوم، وبأغلبية الثلثين في مجلس الشعب السوري.
كما حُذفت خمس مواد أساسية فيه، وأُضيفت مادتان، بحيث تم ضبط سلطة وزارة الأوقاف على غيرها من الوزارات، كما حذفت من المرسوم تسمية “الفريق الديني الشبابي”، وتم تحديد انتشار الشُعب والدعاة في مؤسسات الأوقاف فقط، ولم يعد لها علاقة بمؤسسات وزارة الإدارة المحلية. ورفعت التعديلات يد وزارة الأوقاف عن أبناء الشهداء، كما حذفت الميزات المالية لموظفي الأوقاف، وذلك بإخضاعهم للقانون الأساسي للعاملين بالدولة.
لكن هل توقفت القصة هنا؟ بالنسبة للعديد من السوريين، لا، فالمهتمون في فهم أبعاد ومخاطر المرسوم الديني على حاضر سوريا ومستقبلها، راحوا يحذرون من مغبة التساهل مع هذا الطرح السياسي، الذي ينقل حالة الإسلام الاجتماعي في سورية من حالته الراهنة إلى نسخة من مطاوعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية.
وكان يقر الفصل الثالث – المادة ١٠٠ من تشكيل لجان تسمى “لجان الأوقاف”، وذلك في الأحياء والقرى وتتولى حسن السير على الشعائر الدينية. ويتم تشكيل هذه اللجان بقرار من الوزير بناء على اقتراح من مدير الأوقاف، وتحمل هذه المادة في باطنها صناعة آلاف المشرفين الدينين على مساحة سوريا.
الصحفي وعضو مجلس الشعب نبيل صالح قال عن المرسوم “قد يبدو للقارئ (الساذج) أن هذا المرسوم يعتبر مجرد تنظيم للعمل الديني في سوريا؛ أما في الواقع فهو خطوة هائلة باتجاه أسلمة الدولة والمجتمع ستظهر بالتدريج خلال السنوات القادمة” وفنّد صالح ما وصفه “أخطر” ما ورد بالمرسوم وأوله “الفريق الشبابي الديني” وتساءل “ما الذي ستقدّمه وزارة الأوقاف للشباب المنخرط في العمل الديني؟ الإجابة: العمل – الدخل الوظيفي والدخل الإضافي على العمل الديني – التأمينات الاجتماعية – الإعفاء من خدمتي العلم والاحتياط – التحصيل العلمي المعادل للشهادة الحكومية”، مضيفاً “كل هذه الامتيازات تعني أسلمة المجتمع وتحويل أغلبية الشباب السوري إلى شباب منخرط في العمل الديني.
وللعلم أيضاً يساهم هذا المرسوم في تنظيم (القبيسيات الخطير) أو (معلمات القرآن كما يحلو لوزير الأوقاف تسميتهم) واللاتي أصبحن يعملن وبشكل قانوني تحت بند (الفريق الشبابي الديني).”
من وزارة للأوقاف إلى شركة تجارية
كانت المادة (٨٩) من القانون تسمح لمجلس الأوقاف برئاسة وزير الأوقاف، بتأسيس شركات تجارية مملوكة له من نوع شركات الأموال، لتعمل وفق قانون التجارة والشركات، وعلى الرغم من أن وزارة الأوقاف هي أغنى وزارات الدولة، أعطى هذا القانون للوزارة مصدراً آخر للتمويل، وذلك من خلال شركات تجارية معفية من الضرائب، يعمل فيها آلاف الموظفين.
وورد في الفصل الأول من المادة (٢) فقرة (م) من المرسوم: “تعزيز دور فريضة الزكاة، والعمل على تطوير سبل وآليات تحصيلها” مما يجعل من الزكاة أشبه بضريبة إجبارية بدلاً من عمل خيري يقوم به المسلم طواعية. كذلك يوسع المرسوم من قاعدة التعليم الديني في سورية ولكافة المراحل، وينشر موظفي ومفتي الأوقاف في الوحدات الإدارية؛ بعدما كان يقتصر تواجدهم على مديريات الأوقاف.
كذلك تسمح المادة ٤٩ من المرسوم للمدرّسين العاملين في المدارس الشرعية؛ بالحصول على أجورهم من وزارة التربية، بالإضافة إلى أجورهم عن عملهم الديني؛ وهذه دعوى للمدرّسين للعزوف عن المدارس الحكومية، والالتحاق بالمدارس الشرعية للحصول على أجور أعلى.
أستاذ مادة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة دمشق عصام التكروري يقول “التعاطي مع المرسوم ١٦ من أرضية دينية أدى إلى التعمية على الانتهاكات القانونية و الدستورية التي يزخر بها، و التي في حال بقيت دون إلغاء أو تعديل قد تدفع بالمحكمة الدستورية إلى إلغائه لمخالفته للدستور.”
ويعطي التكروري مثالاً عن هذا الانتهاك في نص المرسوم المتعلق بالبدل النقدي لأرباب الشعائر الدينية، فالمرسوم لم يُعرّف هذا المصطلح مع العلم أنه من المصطلحات الأساسية الواجب تعريفها على غرار ما فعل النظام الأساسي للعاملين في الدولة. ويقول التكروري إن “استخدام مصطلح (البدل النقدي) بدل مصطلح ( الأجر) يؤدي إلى تكريس التهرب الضريبي الذي تسعى الدولة لمكافحته حتى تتمكن من الإنفاق على المشافي والمدارس ودعم الجيش، والمادة ٢٩ من المرسوم نصت على إعفاء (البدل النقدي) من أي ضريبة.”
ويرى أستاذ مادة القانون الدولي في هذا الأمر “انتهاكا صريحا لمبدأ المساواة في التكليف، فهو يخلق نوعين من العمالة في الدولة: العمالة المدنية حيث يخضع العاملون قطاع الدولة لضريبة الدخل، و العمالة الدينية حيث يتقاضى العاملون في القطاع الديني راتبهم (البدل النقدي) بقرار من وزير الأوقاف، ولا يخضعون لأي ضريبة.”
وينص الدستور السوري في مادتة رقم ١٨ الفقرة ٢ على أن “النظام الضريبي يقوم على أسس عادلة، وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.”
ولمناقشة هذا القانون دعت اللجنة المركزية لحزب البعث إلى اجتماع خاص، أما لجنة الأمن القومي فقد دعت لاجتماع على مستوى الخبراء، وفي مجلس الشعب اجتمعت لجنة التربية والتعليم لتسع ساعات في إحدى الجلسات للتداول في القانون، كما اجتمعت اللجنة ذاتها برئيس مجلس الشعب حمودة الصباغ الذي بدا أنه وقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن النقاش حول القانون كان حاداً، وأنه سيطرح للتصويت تحت القبة.
وعن رأيها في القانون قالت لمياء عاصي الوزيرة السابقة في الحكومة “يسمح قانون المرسوم أن تتولى المؤسسة الدينية مهمة صياغة المجتمع كما تراه هي، ووفق رؤيتها الخاصة التي قد لا تنسجم مع توجهات كثير من السوريين،.لدى شعبنا الكثير من القيم والأخلاق منذ الأزل ،أما الدين فهو علاقة خاصة جداً بين الإنسان وخالقه.”
السيناريست قمر الزمان علوش بدوره كان من أبرز من قادوا الحملة ضد نص قانون المرسوم، فكتب على صفحته في (الفايس بوك) معلقاً “يبيح المرسوم لرجال الكهنوت الإسلامي القضاء على الحياة المدنية العامة قضاء نهائياً، وتصفية الحياة الخاصة بالكامل، ويعطيهم الرخصة الرسمية لاعتبار غير المسلم أو المسلمة من خارج معاييرهم أناساً يمكن الاستغناء عنهم، كما يفوضهم بتحويل البلاد إلى معسكر اعتقال معقّم تماماً من الحرية والفكر والإبداع. المشكلة ليست هنا ،المشكلة هل في مجلس الشعب من لديه القدرة على قراءة ذلك من وراء السطور الواردة في القانون؟ وهل إذا اكتشفها لديه من الجرأة ما يكفي ﻹعلانها؟”
ويرى الكاتب علوش أن مشروع قانون وزارة اﻻوقاف يفضي إلى اﻻحتماﻻت التالية “تحويل وزارة الأوقاف إلى مؤسسة شمولية تربط السماء باﻻرض عبر شبكة واسعة من الامتيازات الرسمية يقودها فرد، ودولة داخل دولة لها أجهزتها الإدارية والمالية والاستخباراتية الخاصة، وتستطيع بموجبها أن تبسط يدها على جميع المرافق الحساسة والمفاصل الحيوية الأخرى في بقية أركان الدولة.”
كذلك طالب الكاتب حسن م. يوسف بمقالة نشرها في صحيفة الوطن السورية: “بمراجعة وتدقيق هذا القانون ورفض ما هو لا دستوري فيه”، مضيفاً “لو كان الأمر لي لاهتممت بالجانب المدني من حياة الناس، فأنا أرى أنه في كل عقيدة بذرة تطرف تتحول إلى كارثة قاتلة، عندما يعتقد معتنقها أنه يحتكر الصواب! إذ ثمة سؤال يطرح نفسه، ما دامت سورية بلداً متعدد الأديان، لماذا لا تكون لدينا وزارة أديان بدلاً من وزارة الأوقاف؟”
بواسطة Ammar Diob | نوفمبر 16, 2018 | Roundtables, غير مصنف
ازدادت صلاحيات وزارة الأوقاف التي تمثل السلطة السورية الدينية الرسمية منذ السبعينات، حين اتجه النظام نحو ضبط الحريات الدينية، وجنت الوزارة ثمار وقوفها مع النظام ضد تيار الإخوان المسلمين، بنيلها سلطات واسعة خاصةً بعد أزمة الثمانينات، واستدعى إخلاص وزارة الأوقاف للنظام ووقوفها معه طيلة ثمان سنوات من الحرب السورية، بل ومشاركتها إياه في إجراء المصالحات مع مناطق عديدة خارجة عن سيطرته، كل هذا استدعى تعزيز صلاحياتها بشكل كبير، لتحتل دوراً ضابطاً لكل “الحريات” الدينية الإسلامية، وكافة الحريات.
ويكمّل القانون ٣١ الجديد دور النظام في تعزيز سلطاته على بقية مناحي الحياة، ولا سيما على المناطق الواقعة تحت سيطرته، بما يتضمنه من تهديد لمبادئ الحريات الدينية وغير الدينية. فهو يهدف لتنظيم شؤون وزارة الأوقاف السورية، وتحديد صلاحياتها، بما يتوافق مع أوضاع السلطة السورية المتغيرة منذ ٢٠١١، وقد أثار هذا القانون وقبله المرسوم ١٦ نقاشاً سوريّاً حاداً شمل كافة قطاعات المجتمع السوري، من الموالاة والمعارضة.
الصحفي والنائب في مجلس الشعب السوري نبيل صالح(1) حاول إثارة الرأي العام ضد المرسوم، لأنه “يهدد علمانية الدولة السورية” بحسب قوله، إلا أن صالح صمت عندما تَحوّل إلى قانون.
فيما نشرت جريدة جيرون مقالاً بعنوان الوباء “العلماني” و”الغباء” الأقلوي (3)، اعتبرت فيه أن كل من يرى في المرسوم حدثاً يُؤسس لدولة إسلامية من “أفغنة، وسعودة” هو مصاب بالفوبيا الإسلامية، وأقلوي. ويشير مصطفى الولي إلى ما يسميه “القطبة المخفية”، وهي بحسب وصفه أن المرسوم “يفتح المجال لرجال المذهب الشيعي ليصبح الاجتياح الإيراني المنهجي متكاملاً الأرض والمجتمع والجيش، ثم المرجعية الدينية.”
من جهته كتب حسام جزماتي مقالاً بعنوان “وزارة الأوقاف بين المرسوم الأمني والطائفية” (4) في تلفزيون سوريا، يستنتج فيه أن “بين الرقابة الرسمية الصارمة وبين الخطاب الهائج (لسرايا الدفاع) المنبعثة على فيسبوك، لن يستطيع جماعة (اعتزال الفتنة) من المشايخ التقليديين في مناطق سيطرة النظام أن ينجوا من آثارها.”
أما إياد الجعفري فكتب في موقع المدن مقالاً بعنوان “المرسوم الذي لا قيمة له”(5) ويسأل فيه “ما الذي أخافكم من المرسوم؟” حيث يرى أن “مرسوم الأوقاف الجديد تعبير عن ثقة النظام في النخبة الدينية المتحالفة معه”، أي أن النظام يكافئ الوزير والمشايخ والقبيسيات، والفريق الشبابي المرتبط به، لدورهم في الصراع منذ ٢٠١١، وهذا التفسير الأقرب للموضوعية.
ويشرح تحليل نشره موقع جسور للدراسات (6) أن القانون ٣١ يُكرس مضمون القانون ٤٩ الصادر عام ١٩٨٠، أي ضد “الإخوان والوهابية، فالقائمين على السلطة الدينية الرسمية – وزارة الأوقاف والمفتي- كانوا يمارسون مهاماً في الدولة والمجتمع، ويملكون امتيازات أمنية واسعة دون محاسبة.” ويشير التحليل إلى أن إحداث “المجلس العلمي الفقهي” هو “بمثابة إعلان عن وجود سلطة دينية رسمية موازية لبقية السلطات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتمتلك هذه السلطة استقلالية مالية.”
يقرأ منذر خدام بدوره المرسوم في نصه المرسوم (8) من ناحية الصلاحيات الواسعة التي خص فيها وزير الأوقاف والتي لم تمنح لأي وزير آخر. ويقول فيه إن هذه الصلاحيات ” تجاوزت حدود المجال الديني إلى المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والثقافية.” ويرفض خدام اتهامات “الأفغنة” للمرسوم، وكذلك يرفض الرأي المعارض القائل بالتستر العلماني الذي يخفي طائفية المرسوم.
عن المرسوم أيضاً كتب بكر صدقي مقالاً في جريدة القدس بعنوان “عن المرسوم ١٦ ومعارضة النظام من يمينه” (7)، ويرى صدقي أن “الاعتراضات الصاخبة من مواقع تدعي (العلمانية)، في حين أنها كانت في حقيقتها طائفية مناهضة للدين الرسمي (الإسلام السني) لا لدولة دينية” مضيفاً “في حين لا يستطيع النظام تجاوز بنية التركيبة السكانية، أي يشكل السنة أغلبية ثابتة، فإن المعترضين يحلمون بإفراغ سورية من أكثريتها المذهبية.” وهنا يكرر الكاتب تحليلاً لطالما قالت به المعارضة، وهو يتطلب تدقيقاً يخص الفئات الطائفية والعلمانية، وكيف وجدت هذه الفئات، وكيف تطورت، ودور النظام والمعارضة والخارج في كل ذلك.
حزب التنمية المرخص عام ٢٠١٢ والذي يعمل “تحت سقف الوطن” داخل سوريا أعلن في بيان نشره (9) “لا نرى موجباً للتحامل على المرسوم والتشكيك بمقاصده وأهدافه من جهة، كما لم نلمس أنّه يعطي لوزارة الأوقاف سطوة أو تدخلاً في عمل غيرها من الوزارات.” وهنا تبرز عقلية سياسية تخشى عواقب نقد أية سياسات للنظام؛ فهو حزب يَزن سياساته بمقياس البقاء والاستمرارية.
في موقع “عربي”2” كتب محمد خير موسى “قراءة متأنية في الدلالات والمخاطر” (10)، بين فيها أن “المرسوم ينتقل إلى مرحلة جديدة تعلن بكل وضوح لا لبس فيه أنه لا فصل للدين عن الدولة بعد الآن، بل سيكون الدين من اللحظة بكل تفاصيله، خاضعاً خضوعاً مطلقاً للدولة.” وهذا المرسوم “محاولة إضافية لسلب أعز ما يملكه شعب ووطن: الهوية والحضارة.” وبهذا يقصد الكاتب أن المرسوم سيقمع حريات الطائفة السنية فيما لا تفرض أية شروط على التشيّع الإيراني في سورية.
أما الدكتور محمد حبش فيؤكد في حوار مع جريدة عنب بلدي نشر تحت عنوان “قانون الأوقاف الجديد.. سمٌّ في عسل “الديمقراطية” (11) أن خطر القانون يكمن “بوقف الإبداع والتنوير لأن الوزارة ستحتكر الخطاب، وهو خطاب سلفي، فحتى المفكر العلماني الذي يريد أن يكتب بشأن ديني يمكن أن يتعرض لسؤال من الأوقاف، الأوقاف الآن موجودة في مراقبة الكتب، لكن ستتوسع صلاحيتها بما يشمل كل ما ينشر ويطبع.” وفيما يتعلق بقضية أملاك وزارة الأوقاف يقول حبش “البنود المتعلقة باستثمار الوقف التاريخي، والواردة في المادة /٥٤/، لم تتغير، وكان منتظرًا منه استثمار الوقف التاريخي الهائل الذي كان يزيد على نصف مساحة دمشق.”
وبهذا يثير حبش قضية الأملاك الكبيرة وكيفية استفادة الدولة منها، وقضية الحرية الملغاة في التفكير السلفي، وخطورة هذه العقلية التي تتحكم بوزير الأوقاف على قرارات الوزارة وكل علاقة بينها وبين بقية الوزارات، والتي تدعم البنية الاجتماعية المحافظة للمجتمع السوري.
وتتجاوز هذه الأجواء أسباب الخلافات الفكرية والسياسية، لتصل إلى تأجيج خطاب الكراهية المتبادل بين المعارضين والمؤيدين، ولأتفه الأسباب تُجيش قضية حساسة -كمسألة الدين وحرياته والعلاقة بين الأديان والمذاهب والطوائف- الجمهور السوري وتساهم بازدياد الشرخ القائم في المجتمع؛ ومن هنا تأتي خطورة هذا القانون.
علماً أن هذا القانون وكل ما أصدره النظام من مراسيم وقوانين، طيلة السنوات الثمانية، سيكون عرضة للشطب مع أية تسوية سياسية تتوصل إليها روسيا وأمريكا؛ وبالتالي القانون ورغم توضيحنا لأسباب صدوره، فقد يكون عرضة للإلغاء مستقبلاً.
المراجع:
ردّت وزارة الأوقاف عبر أحد المختصين القانونيين على أراء نبيل صالح بـ ” http://syriahomenews.com/2018/09/29/هذا-ماكتبه-عضو-مجلس-الشعب-نبيل-صالح-ضد
2- https://www.syria.tv/content/هل-مرسوم-أوقاف-النظام-مشروع-لـتشييع-سوريا؟
3- https://geiroon.net/archives/138547 .
4- https://www.syria.tv/content/وزارة-الأوقاف-بين-المرسوم-الأمني-والطائفية
5- https://www.almodon.com/opinion/2018/10/3/المرسوم-16-الذي-لا-قيمة-له
6-jusoor.co/…/قانون%20وزارة%20الأوقاف%20تنظيم%20المؤسسة%20الدينية%20أم%20…
7-https://www.alquds.co.uk/عن-المرسوم-16-ومعارضة-النظام-من-يمينه/
8-قراءة متأنية في المرسوم (16) الناظم لعمل “وزارة الأوقاف”
9-dp-sy.org/ar/data/242-16
10-https://arabi21.com/…/المرسوم-16-للأوقاف-السورية-قراءة-متأنية-في-الدلالات-والمخاط…
11- https://www.enabbaladi.net/archives/257335
بواسطة Hamad Al-Mahameed | نوفمبر 12, 2018 | Roundtables, غير مصنف
لم تؤثر الحرب المستمرة في سوريا على استمرارية التعليم في مناطق سيطرة النظام، إلا أن العملية التعليمية شهدت تدهوراً كبيراً في جميع مراحلها، سواء من ناحية المناهج، وتوفير متطلباتها، أو استمرار الأساليب التقليدية في التعليم، إضافة لارتفاع معدلات التسرب من المدارس، بسبب انعدام الأمن والنزوح واللجوء والفقر، عدا عن انتشار الفوضى في المدارس والجامعات. وضمن أجواء الحرب والعقوبات الثقافية والاقتصادية والدبلوماسية، وجد حليفا النظام السوري -إيران وروسيا- الفرصة سانحة لنشر لغتيهما وثقافتهما في مناطق نفوذهم في سورية.
عن الأساليب التقليدية في التعليم والتي لم تتغير، يقول أحد الموجهين التربويين، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه لـ”صالون سوريا”: “منذ سيطرة حزب البعث على سوريا، يخصص جزء كبير من العملية التعليمية لتكريس أفكاره، عبر أكثر من مقرر منها القومية والتاريخ في مرحلة التعليم الثانوي، وفي دروس القراءة والتعبير بالنسبة لمرحلتي التعليم الأساسي الأولى والثانية”، ويلفت إلى أن ما ساعد على ذلك هو أن الغالبية العظمى من الكادر التدريسي هم من أعضاء الحزب، عدا عن “اجبار الطلاب على الانتساب للحزب في السنة الأولى من مرحلة التعليم الثانوي” بحسب قوله.
ويوضح الموجه، أن الجزء البسيط من العملية التعليمية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي يخصص لما تبقى من العملية التعليمية، ويعتمد الكادر التدريسي فيه على الأسلوب النظري وليس العملي “أي التلقين من قبل المدرس والحفظ البصم من قبل الطلاب، الأمر الذي حول الطلاب إلى ببغائات تحفظ ما يقوله المدرس ومن ثم تردده”، لدرجة أن الكثير من المدرسين “تعاقب الطلاب الذين يشذون عن هذه القاعدة، كأن يلجأ الطالب إلى تحليل المعلومات والاستنتاج.”
وتم استغلال إلزامية ومجانية التعليم بعد سيطرة حزب البعث على السلطة في سوريا -عام ١٩٦٣ ووصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى سدة الحكم عام -١٩٧١ لتكريس السيطرة الإيديولوجية على مؤسسات الدولة ومنها التعليمية، حيث تم العمل على تأطير العملية التربوية ضمن منظمة طلائع البعث، واتحاد شبيبة الثورة، والاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وحصر جوهرها في غرس أفكار البعث في عقول الطلاب، وتمجيد الحاكم.
تغيير اعتباطي للمناهج
مع الانتفاضة السورية عام ٢٠١١، ازدادت نمطية وجمود العملية التعليمية في سورية، في كثير من جوانبها وأساليبها (المناهج، الكوادر، أساليب التعليم، طرائق التدريس)، لتزيد الفجوة بينها وبين دول العالم المتقدم التي تعيش ثورة في نظم المعارف والمعلومات وفي أساليب التربية والتعليم، ومناهج البحث العلمي.
وأعلنت الحكومة السورية أنها بصدد إجراء عملية مراجعة وتقييم شاملة للعملية التعليمية، وبدأت العام الماضي بإحداث تغيير في مناهج مرحلتي التعليم الأساسي بشقيها الأولى والثانية ومرحلة التعليم الثانوني، وشملت ٥٢ كتابا. وأحدثت التعديلات الجديدة جدلاً واسعاً برز في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية المحلية، بسبب ما تضمنته المناهج الجديدة من أخطاء واشكاليات والطريقة والزمن القياسي الذي جرى خلاله إعدادها.
ومن الإشكاليات الناتجة عن التعديلات مثلاً، اعتراض مؤيدي النظام على نشر قصيدة للشاعر ياسر الأطرش في كتاب القراءة للصف الأول، لا بسبب مضمون القصيدة، وانما لأن الشاعر محسوب على المعارضة، فتمّ إلغاء القصيدة بقرار وزاريٍ واستبدالها بأخرى. اعتراضات أخرى طالت عدم تضمين خريطة سوريا لمنطقتي هضبة الجولان ولواء إسكندرون في رسم توضيحي بكتاب مادة “علم الأحياء والبيئة” للصف الأول الثانوي، الأمر الذي دفع وزارة التربية إلى إصدار قرار قضى بإعادة المنطقتين إلى الخريطة السورية (جدل التعليم في زمن الحرب السورية).
لاقت أيضاً قصائد تضمنتها كتب القراءة في مرحلة التعليمي الأساسي اعتراضات وسخرية من قبل الأهالي والمدرسين بسبب كتابتها باللغة العامية، حتى أن الانتقادات طالت تصاميم أغلفة الكتب كصورة نشرت على غلاف كتاب التاريخ لتمثال، فسّره علمانيون بأنه مفزع وذو مضامين دينية واضحة من ذقنٍ طويلة وشاربين حليقين، في حين فسرّه إسلاميون متشددون بأنه استعادة للوثنية، ليتضح بعدها بأنّ التمثال لحاكم مملكة ماري إيكو شاماغان (2453 قبل الميلاد). (جدل التعليم في زمن الحرب السورية).
ويرى موجهون تربويون تحدثوا لـ”صالون سوريا”، أن مسألة وضع مناهج جديدة في أي دولة ليس بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى اخصائيين ودراسات كثيرة ومعمقة تمتد لزمن طويل، بحيث يتم تحديد الأهداف، والأخذ بعين الاعتبار القيم الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية، ووضع خطط زمنية متسلسة لعملية الانتقال من المناهج القديمة إلى الجديدة.
إلا أن ما حصل بسوريا برأيهم هو “أن عملية التغيير حصلت في وقت حساس للغاية وهو حالة الحرب، وبزمن قياسي، ناهيك عن أن من قام بالعملية أغلبهم لا يتمتع بالكفاءة المطلوبة، فمقياس اختيارهم هو الولاء المطلق للنظام، وبالتالي الأمر تم بشكل اعتباطي، وكانت النتيجة الجدل الكبير الذي حدث ووصله إلى حد – وإن بصورة شكلية- استجواب الوزير تحت قبة مجلس الشعب.”
هذا وعممت الحكومة المناهج الدراسية الجديدة على المراحل الدراسية دون أن تقيم أية دورات تدريبية للكوادر التدريسية عليها، مما وضع هذا الكادر بوضع حرج أمام الطلاب -خصوصا في مرحلة التعليم الثانوي- الذين يطرحون الكثير من الاستفسارات بالنسبة للمواد العلمية.
غياب للمستلزمات
لا يمكن للعملية التعليمية أن تسير دون تأمين مستلزماتها الأساسية، من مدارس تحتوي على بنى تحتية كاملة من أبواب ونوافذ ومقاعد ووسائل تدفئة في فصل الشتاء وغيرها، إضافة إلى توفير الكادر التدريسي والإداري الكافي، ونسخ الكتب، ومناهج صحيحة.
إلا أن قوات النظام وحلفائه تسببوا بخروج آلاف المدارس عن الخدمة إثر قصفها، وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن نحو ٤ آلاف مدرسة في سوريا تحتاج إلى إعادة إعمار بعد تدميرها، وأشار إلى أن الدراسة بدأت في حوالي ١٤ ألف مدرسة، وذلك مع بدء العام الدراسي الجديد في ١ أيلول الماضي، وتوجه نحو اربعة ملايين طالب وطالبة الى المدارس، بحسب ما اعلنت وكالة “سانا” الرسمية.
ويؤكد كثير من المدرسين لـ”صالون سوريا” غياب الكثير من مستلزمات العملية التعليمية في مدارس النظام، خصوصا تلك الواقعة في المناطق التي سيطر عليها حديثا مثل غوطة دمشق الشرقية، ويقول أحد المدرسين: “يطلبون من المدرسين التعليم في الغوطة، ووسائل النقل للذهاب إليها غير متوفرة، يفتتحون مدرسة وأبسط المستلزمات مثل المقاعد غير متوفرة، أين يجلس الطلاب؟ قاعات بلا أبواب ولا نوافذ والضجة تعم الممرات، كيف يفهم الطلاب؟”
بدورها قالت مدرسة في إحدى مدارس ريف دمشق الشمالي وهي من أبناء المنطقة، “أغلب الأحيان عند غياب أحد المدرسين أو المدرسات وبسبب عدم وجود مدرسين احتياط يجري دمج طلاب شعبتين في شعبة واحدة، ليصبح عدد التلاميذ ما بين ٧٠ إلى ٨٠ طالبا، وفي هذه الحالة المدرس لا يتمكن من اعطاء الدروس وإذا اعطاها، فإن الطلاب لا يستوعبون بسبب الاكتظاظ الكبير والفوضى التي تنتج عنه”، مشيرة إلى أنه في هذه الحالة أغلب المدرسين “لا يعطون دروس ويقضي الطلاب فترة الدوام باللعب واللهو والعراك على حين تتحول غرفة المدرسين إلى أشبه بمقهى لتناول المشروبات والأطعمة.”
ويعزى السبب الرئيسي لنقص الكوادر التدريسية لحالة النزوح واللجوء الكبيرة التي شهدتها سوريا خلال الحرب، إذ تشير المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين في موقعها الرسمي إلى أن أكثر من ٥.٦ ملايين شخص اضطروا للفرار من سوريا منذ عام ٢٠١١ بحثاً عن الأمان في لبنان والأردن والعراق، وبلدان أخرى، فيما نزح ملايين الأشخاص الآخرين داخل سوريا.
معاون وزير التربية سعيد خرساني قال في تصريح نقلته وكالة “سانا” الرسمية في أيلول/سبتمبر: “إن العدد الكلي للمعلمين والاداريين في وزارة التربية يبلغ حاليا ٣٠٠ ألف معلم ومعلمة وتم تعيين ٣٠ ألف معلم ومعلمة خلال العام ٢٠١٨.”
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في تقرير أصدرته في نيسان الماضي أن تحديات أخرى تواجه التعليم في سوريا تكمن في تسرب ٢.٨مليون طفل سوري من التعليم في البلاد وبلدان اللجوء، وبحسب المنظمة فإن بعض هؤلاء الأطفال لم يذهبوا إلى المدرسة مطلقًا، بينما فات بعضهم الآخر ما يصل إلى سبع سنوات من التعليم ما صعب عليهم اللحاق بالركب.
أداة فرزٍ طبقي
رغم أن الهدف من اللباس المدرسي الموحد في مدارس النظام كان إلغاء الفوارق بين الطلاب، إلا أنه بات حاليا “أداة فرزٍ وتمايزٍ طبقي” تستهدف أبناء الفقراء، الذين باتوا يشكلون السواد الأعظم في البلاد، وذلك بعد توجيه للمدارس في بداية العام الدراسي الجديد بـ”التقيد” بهذا اللباس.
حيث دفع تراجع الوضع المعيشي للسوريين، المسؤولين في المدارس لغض النظر عن الزي الذي يرتديه الطلاب، وبات الطلاب يذهبون إلى المدرسة بأي لباس يتوفر لديهم، إلا أن النظام، وبعد سيطرته على مزيد من الأراضي خلال العام الجاري، أصدر قراراً توجيهياً للمدارس للتقيد باللباس المدرسي الموحد.
وقال معاون وزير التربية في الحكومة السورية عبد الحكيم حماد “إن الوزارة سوف تراعي إذا ما كان هناك حالات استثنائية لطلاب لم يتمكنوا من التقيد باللباس المدرسي، لكن هذا ليس عذراً لأولياء الأمور بعدم تأمين الأزياء المدرسية لأبنائهم، والتي لا يتجاوز ثمنها فاتورة الهاتف المحمول لأحد الوالدين.”
ومنذ بدء الحرب في البلاد، تضاعفت أسعار الملابس والمواد الغذائية ومختلف الحاجات المنزلية ارتفاعاً تدريجيا، بسبب تراجع مستوى سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وانعكس ذلك سلباً على الحالة المعيشية للمواطنين، مع بقاء سقف المعاشات الشهرية للموظفين على ما هو عليه، فالموظف الذي كان مرتبه ٤٠ ألف ليرة قبل الحرب، أي ما يعادل نحو ٨٠٠ دولار أمريكي، أصبح مرتبه اليوم يساوي أقل من ١٠٠ دولاراً، في حين يقدر اقتصاديون تحدثوا لـ”صالون سوريا“ أنّ حاجة الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تصل إلى ٨٠٠ دولار شهريا ً حتى تتمكن مواصلة حياتها بشكل وسطي، بينما تصل تكلفة لباس ومستلزمات الطالب إلى نحو ١٠٠ دولار بحسب الاسعار المعلنة للملابس والمستلزمات المدرسية في الاسواق.
ويرجع العديد من الباحثين الاجتماعيين، ارتفاع اعداد الأطفال المتسربين من المدارس إلى حالة الفقر الشديد الذي تعاني منه الأسر، حيث باتت تدفع بأطفالها إلى العمل لتأمين رغيف الخبز.
ونشرت صحيفة “قاسيون”، التي يصدرها حزب “الإرادة الشعبية” في سوريا، مقالاً اعتبرت فيه أن اللباس الموحد في المدارس ينحو ليصبح دليلاً فاقعاً على التباين والتمايز الطبقي، فسعره لم يعد يتوافق مع إمكانات الفقراء لتأمينه.
وتقول الصحيفة في المقال: “نظرة واحدة على طابور إحدى المدارس، أو خلال ساعات الدخول والانصراف منها، تكفي لمشاهدة التمايز الطبقي بين الطلاب من خلال لباسهم وحقائبهم وأحذيتهم، ما يعني: أن الغاية المتوخاة منه شكلاً لم تعد متوفرة كما لم تلغ عوامل التباهي بين الطلاب، مع ما تتركه من أثر معنوي في نفوس فقراء الحال من هؤلاء، وهم الغالبية.”
“منصات تشبيح”
بعد انتشار ظاهرة تشكيل المليشيات المسلحة الموالية للنظام، وصلت العسكرة والقمع لداخل المدارس، فلم يعد مستغرباً مشاهدة مدرس يرتدي الزي العسكري أثناء دوامه في المدرسة، وممارسة “التشبيح” بحق الطلاب وزملائه المدرسين أيضا.
كما انسحبت ظاهرة “التشبيح” على الأطفال أنفسهم، بحيث يقوم طالب بتقليد والده بعملية “التشبيح”، وتهديد الطلاب، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى تهديد مدرسة أو مدرس الصف إذا لم يتم تنفيذ ما يرغب به من قبيل إجلاسه في المقعد الأول.
كما يقوم البعض بتوجيه كلمات فاحشة لزملائه وسلبهم ما بحوزتهم من “خرجية” أو مأكولات ومستلزمات دراسية، كما يحدث مع الطالب أحمد الذي تتحدث والدته لـ”صالون سوريا” عن أنها لم تعد تعطيه الخرجية قبل ذاهبه الى المدرسة وإنما بعد عودته لحمايتها من السرقة من قبل زملائه، وتقول “وجدت حلاً للخرجية لكني عاجزة عن حل مسألة سلبه الأقلام وعلب التلوين والأدوات الهندسية.”
كما يقوم “الشبيحة” من الأهالي بزيارات للمدارس للإطلاع على أوضاع أبنائهم، والطلب علنا من المدرسين أن يتم تصنيف أبنائهم من المتفوقين رغم أنهم لا يستحقون ذلك، وتقول إحدى المدرسات لـ “صالون سوريا”: “لا مجال للرفض، فقد يتم الإنتقام منا.”
وأسوأ عمليات “التشبيح” في المدارس، تمارس خلال فترة تقديم الطلاب لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة، حيث شهد “صالون سوريا” عدة مرات خلال فترة الامتحانات تجمع العديد من “الشبيحة” أمام المراكز الامتحانية، بينما يتحدث طلاب لـ”صالون سوريا”: ان هؤلاء يقومون “بإدخال حلول الأسئلة إلى طلاب معينين إلى قاعات الامتحان، دون أن يجروء رؤوساء المراكز أو المراقبين على التكلم ولو بكلمة واحدة، قد تكلف المراقب حياته” على حد قول أحد المراقبين.
ومع استفحال حالة الفلتان الأخلاقي وتراجع العملية التعليمية في مدارس النظام، يلجأ ميسور الحال الى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، لكن هؤلاء باتوا قلة قليلة، ويقول رب أسرة لــ”صالون سوريا”: “الوضع في مدارس الحكومة يرثى له، نخسر مال أفضل من أن نخسر أبنائنا.”
جامعات بلا تصنيف
وانسحبت حالة التدهور الذي تعاني منه العملية التعليمية في مرحلتي التعليم الأساسي ومرحلة التعليم الثانوي على التعليم الجامعي، واختفت الجامعات السورية من معظم التصنيفات الأكاديمية العالمية.
فمع اندلاع الحراك السلمي، كرس النظام جهده لتجنيد طلاب الجامعات الموالين له بهدف كبح هذا الحراك على حساب دراستهم، كما أوكل إليهم بمهمة الخروج بمسيرات موالية له.
وبلغ عدد الجامعات الحكومية ٨ جامعات في العام الدراسي ٢٠١٤-٢٠١٥، وعدد كلياتها ١٥٠ كلية والمعاهد العليا ٣ والمتوسطة التابعة لوزارة التعليم العالي ٥٨ معهداً، بينما تم إحداث العشرات من المعاهد التي تتبع الوزارات الأخرى، ووصل عدد طلاب الجامعات الحكومية لنحو (٤٦٢.٣٩٣) طالباً وطالبة عام ٢٠١٥، وذلك بحسب دراسة للباحث مدين علي نشرها “مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد،” ومقره في دمشق.
أما الجامعات الخاصة المرخص لها والتي تزاول عملها حتى نهاية عام ٢٠١٧ فبلغ عددها وفق الدراسة لـ ٢٢ جامعة، وعدد طلابها نحو ٣٥٠٠٠ طالب وطالبة، بينما بلغ نصيب التعليم الموازي في الجامعات الحكومية (٣٥%) من إجمالي المقاعد الجامعية. وتشير البيانات إلى أن عدد برامج التعليم المفتوح الذي أحدثته وزارة التعليم العالي وصل في نهاية العام الدراسي ٢٠١٥ إلى (١٩) برنامجاً.
وبحسب دراسة نشرها المركز ذاته للباحث خليل عجمي بعنوان “تصنيف الجامعات السورية: الفجوة بين الحل الإسعافي والتغيير الاستراتيجي“، فإنّ الجامعات السوريّة الخاصة والعامة كمؤسسات “تفتقد لأي وجود حقيقي على الساحة الدولية، في حين أنَّ خريجيها ينتشرون في الكثير من الجامعات الغربية والشرقية، ويحققون إنجازات فردية مميزة عندما يخرجون منها إلى مؤسسات أكاديمية خارجية، وهو ما يؤكد أن المشكلة الحقيقية تكمن في الواقع الإداريّ والأكاديميّ لجامعاتنا.”
وبحسب عجمي فإن التصنيفات المعتمدة في العالم للجامعات هي “شنغهاي والتايمز وكيو-إس، ويبوميتريكس”، والتصنيف الأخير هو الوحيد الذي تظهر به الجامعات السورية في مراتب تتراوح بين ٥٠٠٠ إلى ١٢٠٠٠. وأعربت الدراسة عن الأسف لأن الجامعات السوريّة حالياً “لا تمتلك أي قدرة على المنافسة في التصنيفات الأكثر أهميّة في العالم، بسبب ضعف الانفتاح على العالم الخارجيّ، وتراجع الظهور على شبكة الإنترنت، وضعف البحث العلمي فيها، وندرة تعاونها مع الجامعات الكبرى، وانحسار عملية النشر باللغة الإنكليزية خاصةً، وعدم وجود باحثين أصحاب جوائز عالمية مرموقة، ناهيك عن ارتفاع أعداد طلاب الجامعات السورية، تحديداً في مدّة الحرب، مقابل انخفاض عدد الأساتذة بسبب النزيف المستمر في كوادر هذه الجامعات على نحو يمنع الحصول على أي نسبة أستاذ/طالب مقبولة.”
ويضيف عجمي أنّ “وجود كليات هندسية بأعداد طلاب تتجاوز ٦٠٠٠ طالب وبكادر تدريسي لا يتجاوز ٢٠ عضو هيئة تعليمية، أو وجود أكثر من ٥٠ ألف طالب في كلية واحدة ضمن جامعة هو أمر يتجاوز كل معايير الاعتمادية المقبولة.”
وعمدت بعض الجامعات الخاصة إلى مضاعفة أقساطها السنوية ما بين ٥-٦ أضعاف عما كانت عليه في بداية افتتاحها، فبعد أن كان قسط السنة الدراسة للكليات الطبية يتراوح ما بين ٥٠٠ – ٨٠٠ ألف ليرة سورية، يصل حاليا ما بين مليونين ونصف وثلاثة ملايين ونصف ليرة، بحسب مصادر طلابية واعضاء هيئة تدريسية تحدثوا لـ”صالون سوريا”.
وأحدثت مشكلة نقص الكادر التدريسي الأكاديمي حرباً باردة بين الجامعات الحكومية والخاصة، حيث منعت الحكومية كادرها من التدريس في الثانية خلال أيام الدوام الرسمية، وسمحت لهم بالتدريس في تلك الجامعات خلال أيام العطل الرسمية فقط، فيما عمدت الخاصة إلى اغرائهم براتب ضخمة تقدر بثلاث إلى أربع أضعاف ما يتقاضونه في الحكومة.
تغلغل للفارسية والروسية
بدأت المراكز الثقافية الإيرانية بالانتشار في سوريا منذ عام ٢٠٠٦ بهدف الترويج للغة والثقافة الفارسية، وأنشأت مدارس ثانوية شرعية انتشرت في قرى الساحل منذ عام ٢٠٠٨ وريفي إدلب وحلب. وبحسب تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط شهدت المدارس الإيرانية إقبالاً متزايدًا في القرى الفقيرة كون تلك المدارس تمنح رواتب شهرية للطلاب، كما تقدم لهم كافة التسهيلات لمتابعة الدراسة بإيران وإيجاد فرص عمل، في مساعٍ لمدّ نفوذها من خلال تشييد مؤسسات مثل “مجمع الرسول الأعظم” الذي افتتح في اللاذقية عام ٢٠١٤ والذي تولى مهمة الترويج والدعاية للثقافة الفارسية كما أشرف على المدارس والمعاهد الخاصة لتعليم اللغة وأقسام اللغة الفارسية في الجامعات الحكومية دمشق وحلب وتشرين في اللاذقية والبعث في حمص.
وكانت الحكومة السورية قد أمرت بإغلاق المدارس الشرعية الإيرانية في قرى الساحل مع بداية العام الدراسي الماضي، كمدرسة عين شقاق، ومدرسة رأس العين، ومدرسة القرداحة، ومدرسة كرسانا، ومدرسة سطامو، والثانوية المركزية ومدرسة البهلولية وغيرها، بزعم أنها لا تلتزم بتدريس المناهج المعتمدة من وزارتي الأوقاف والتربية.
أما الجانب الإيراني فاتجه نحو زيادة نشاطه في دعم تعليم اللغة في الملحقية الثقافية التابعة للسفارة الإيرانية بدورات على أربع مراحل و٨ مستويات، في مراكز تعليم الفارسية في اللاذقية، ومركز تعليم اللغات الأجنبية التابع لجامعة دمشق، ومركز جامعة المصطفى لتعليم اللغة الفارسية، وحوزة الإمام الخميني والمدرسة المحسنية في دمشق، وحسينية الإمام المهدي في منطقة زين العابدين في دمشق، والكلية العسكرية السورية، وجامعة السيدة رقية ومركز الحجة في محافظة طرطوس والعديد من المراكز الأخرى.
كما تم توقيع اتفاقيات تتضمن منحاً دراسية متبادلة للمراحل الجامعية، والدراسات العليا، وكذلك مراحل الدكتوراه والماجستير بين الحكومتين، حيث تقدم إيران ٢٠٠ منحة دراسية سنوياً للطلاب السوريين، مقابل ٦٠ منحة يقدمها الجانب السوري للطلاب الإيرانيين، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
وذكرت الصحيفة ان “هيئة إعادة الإعمار الإيرانية” نشطت في حلب بإعادة تأهيل نحو خمسين مدرسة، منها ٣٥ مدرسة في ريف حلب، وأعيد تشغيل عشرين مدرسة ويجري العمل على المدارس الثلاثين الباقية.
ووجدت إيران نفسها في تنافس محموم مع روسيا التي تمكنت فور دخولها سوريا من فرض تعليم لغتها بالمناهج الدراسية لمراحل التعليم الأساسي إلى جانب اللغتين الإنكليزية والفرنسية، حيث تتولى وزارة الدفاع الروسية مهمة الإشراف على تدريس اللغة الروسية عبر كادر روسي خاص بوزارة التربية التابعة لحكومة النظام.
وأعلنت وزارة التعليم العالي التابعة للنظام العام الماضي عن ١٨ بعثة علمية في روسيا للحصول على درجة الإجازة في اللغة الروسية وآدابها لصالح وزارة التربية.
كما تعمل على تقديم منح لدراسة الأدب الروسي في موسكو ضمن خطط تأهيل كوادر سورية لتدريسه، إلا أن أربع سنوات من إدخال اللغة الروسية على المناهج السورية، لم تحل مشكلة بعد مشكلة نقص الكوادر التدريسية، فهي ماتزال العقبة الأهم في وجه نجاح هذه التجربة، إذ يتم الاعتماد على نساء روسيات متزوجات من سوريين.
بواسطة كمال شيخو | نوفمبر 7, 2018 | Roundtables, غير مصنف
تعرضت كناز، ٢٩ عاماً، للاستجواب والمضايقات الأمنية التي استمرت لثلاثة أشهر من قبل المخابرات السورية في دمشق، إثر تقرير أمني بامتلاكها كتب كردية لتعليم اللغة، وكادت هذه التهمة أن تؤدي لفصلها من الجامعة وحرمانها من إكمال تعليمها العالي. كانت كناز آنذاك طالبة جامعية في سنتها الأولى تدرس الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق، ولأن لغتها الأم محظورة كانت مضطرة لدراستها سراً.
تروي كناز: “اكتفت المخابرات بفصلي من المدينة الجامعية، وهددوني إذا ورد تقرير ثاني بنفس السياق سيتم فصلي نهائياً”، اليوم بعد عشرة أعوام من هذه الحادثة تعمل كناز مدرّسة للغة الكردية في مدرسة صقر قريش بمدينة القامشلي، فهي تدرس طلاب المرحلة الأساسية بلغتهم الكردية الأم. ويمتد دوام كناز من الساعة ٨ صباحاً حتى ١ ظهراً، عدا أيام الجمعة والسبت والتي حددتها الإدارة الذاتية الكردية عطلة رسمية في جميع المدارس والدوائر التابعة لها.
تقول عن هذا “شعوري لا يوصف! أن أدرس الكردية للتلاميذ وأعلمهم لغتنا الأم، التي كنا محرومين منها طوال حياتنا وكان حلماً صعباً، لكنه اليوم قد تحقق أخيراً”. مشيرة لقلة الكوادر والمختصين نتيجة عقود “القهر والكبت الثقافي، التي مارستها الأنظمة المتعاقبة وحزب البعث الحاكم” بحسب تعبيرها.
حُرم أكراد سوريا على مدى عقود طويلة من القراءة والكتابة بلغتهم الأم وبلغت سياساته العنصرية ذروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ عندما منع قرار أصدره وزير الإدارة المحلية في النظام السوري الأكراد السوريين من التحدث باللغة الكردية في المدارس والدوائر الحكومية.
ومنح انسحاب قوات النظام من أنحاء كثيرة من سوريا بداية العام ٢٠١٤، الأكراد فرصة لتشكيل إدارات ذاتية في ثلاث مناطق يشكلون فيها غالبية سكانية، وهي إقليم الجزيرة في محافظة الحسكة وإقليم كوباني (عين العرب) التابعة لريف حلب الشرقي، وإقليم عفرين ويقع في ريف حلب الشمالي، هذا قبل أن يسيطر عليها الجيش التركي بالتعاون مع فصائل سورية موالية له، وذلك منتصف مارس/آذار من العام الجاري.
وفرضت الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة -وتضم مدينتي الحسكة والقامشلي وبلداتها وريفها- تدريس المنهاج الكردي إلى جانب المناهج العربية والسريانية في جميع المدارس والمجمعات التربوية في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
ومنعت الإدارة الذاتية أيضاً تدريس المنهاج الحكومي وتوزيع الكتاب الرسمي في المدارس الخاضعة لنفوذها، ومنذ ربيع ٢٠١٤ تقوم لجنة تتبع لها بتأليف منهاج دراسي جديد لمكونات الإقليم يشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية إلى جانب العاشر الثانوي، وطبعت لهذا الغرض نحو ٢٢٥ طناً من الكتب المدرسية، تم توزيعها على التلاميذ هذا العام.
افتتحت هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة خلال العام الدراسي الجديد ٢٠١٨/ ٢٠١٩ قرابة ٢٤٠٠ مدرسة لاستقبال الطلاب، وتقول رئيسة اللجنة سميرة الحاج علي لصالون سورية إن المدارس “تبدأ من مرحلة رياض الأطفال، والتعليم الأساسي من الصف الأول للسادس الابتدائي،إلى جانب مرحلة التعليم الإعدادي من السابع للصف التاسع، وهذا العام قمنا بضم الصف العاشر الثانوي لمنهاجنا.”
وأشارت إلى أن “الصف العاشر سيدرسون بذات المدارس الحكومية، وما تبقى صفوف الحادي والثاني عشر الثانوي، سيكملون تعليمهم وفق المنهاج الحكومي، كونهم درسوه منذ البداية، وحرصاً منا لإكمال تعليمهم العالي.”
وتم فصل العملية التربوية في مناطق الإدارة الذاتية عن وزارة التربية والتعليم في حكومة النظام، بحسب الحاج علي، وبالتالي فإن الشهادة الصادرة من الإدارة غير معترف بها من قبل دائرة الامتحانات السورية. عن الحل لهذه المشكلة تقول الحاج علي: “نعمل على ربط حلقات التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية بالمرحلة الجامعية والمعاهد المتوسطة ضمن مناطقنا، حالياً لدينا جامعتان في الجزيرة، وجامعة ثالثة في كوباني، إضافةً لمعاهد متوسطة تشمل معظم التخصصات.”
وعن التعاون المحتمل مع الحكومة السورية بالمجال التعليمي كشفت رئيسة لجنة التربية والتربية والتعليم بأن الاجتماع الذي عقده ممثلون من مجلس سورية الديمقراطية مع النظام السوري في شهر يوليو/تموز الماضي لم يتطرق الى عملية التربية والتعليم أو المنهاج المدرس في شرق الفرات، وشددت قائلة: “أي اتفاق مستقبلي يجب أن يعترف بالمناهج والخطة الدراسية التي نعمل عليها، وعلى الحكومة أن تصادق على الجامعات التي افتتحت في مدينتي القامشلي وكوباني والمعاهد المتوسطة التابعة للإدارة.”
وعن أبرز التحديات والمصاعب التي تواجه العملية التربوية خلال الأعوام الماضية، لفتت الحاج علي: “كان هناك نقص في المقاعد الدراسية العام الماضي وهذا العام، حتى أن قسماً من الطلاب أجبروا على الجلوس على الأرض، كما واجهتنا مشكلة طباعة الكتاب المدرسي، لكن هذه السنة تجاوزنا أغلب المشاكل.”
ويرتاد نحو ربع مليون طالب وطالبة مدارس الإدارة الذاتية، وبلغ عدد الكادر التدريسي للعام الدراسي الجاري قرابة ٢٥ ألف مدرس ومدرسة، خضعوا لدروس ودورات تعليمية في أكاديمية تأهيل الكوادر الدراسية التابعة للإدارة وتشمل جميع المراحل التعليمية. وبلغ عدد طلاب مدرسة صقر قريش لهذا العام نحو ألف تلميذ، يدرس نصفهم في الفوج الصباحي، والنصف الآخر في المسائي.
لورين (١١ سنة) تدرس في الصف الخامس الابتدائي، وقد باشرت دوامها بشكل رسمي منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بابتسامة عريضة تقول “أنا سعيدة لأنني أدرس لغتي الأم، في البيت أبي وأمي يتحدثون الكردية، ونحن هنا نتعلم الدروس بالكردية، أنا سعيدة للغاية.”
إلا أن معلمة لورين وتدعى هولير (٢٧ سنة) لم تخفِ تدني مستوى اللغة عند الأهالي؛ الأمر الذي دفع الكادر التدريسي والهيئة الإدارية إلى استخدام أدوات ووسائل حديثة لتعليمها للطلاب، وتشرح: “يأتي التلميذ للمدرسة ونعلمه كل شيء، كون والديه لا يجيدان الكتابة والقراءة بالكردية بشكل سليم، نضطر إلى إعادة ومراجعة اللغة بشكل دوري حتى يتعلموا كل شيء لخلق جيل جديد.”
وأثارت خطوة الإدارة الذاتية في تطبيق المنهاج الكردي انتقادات وجدلاً واسعاً، وقد رفض ريزان (٤٢ سنة) وينحدر من مدينة القامشلي إرسال ابنه الناجح للصف التاسع الإعدادي إلى مدارس الإدارة، ويعزو السبب الى: “لا أريد أن يكون مستقبل ابني مجهولا، فالشهادة غير معترف بها، والكادر التدريسي غير مؤهل.” بدلاً من ذلك يرسل ريزان أبناءه الى مدرسة حكومية داخل سيطرة القوات الحكومية، إذ يحتفظ النظام السوري بمربع أمني في مدينتي الحسكة والقامشلي تدرس المنهاج الحكومي.
فهو يرى أن تعلم الكردية دون اعتراف دولي بها ليس له قيمة، ويقول : “لكردية غير معترف بها بالجامعات السورية، ولا في أي دولة ثانية، أخشى أن هذا الجيل الذي أجبر على ارتياد المدارس الكردية قد دمر مستقبله وحُرم من إكمال تعليمه العالي.”
و يستخدم أكراد سوريا الأحرف اللاتينية في الكتابة والقراءة، إذ تندرج اللغة الكردية ضمن مجموعة اللغات الهندو- أوروبية، ووضع قواعدها الأمير الكردي جلادت بدرخان المنحدر من جنوب تركيا، ونشر كتابه “الأبجدية الكُردية وأسس القواعد الكُردمانجية” الذي صدر سنة ١٩٣٢ بدمشق، ولا يزال يعد من أمهات الكتب والمراجع الكردية.
انتقادات وتحذير من الأدلجة
تتبع “مؤسسة تأليف المناهج” لهيئة التربية والتعليم لدى الإدارة الذاتية، وهي مركزية على مستوى المدن والبلدات الخاضعة لـقوات سورية الديمقراطية، ويتم تدريس المنهاج المقرر بثلاث لغات وهي اللغات الرسمية لدى الإدارة: “الكردية والعربية والسريانية”، فالطالب يدرس لغته الأم، وطالب العربية يدرس مادة لغة كردية ومادة ثانية سريانية، ومثله الطالب الكردي والسرياني يتعلم لغة المكون الآخر.
والكتاب المدرسي موحد في جميع المدارس الخاضعة لنفوذها، و قالت إدارة مؤسسة المناهج في رد خطي لموقع صالون سورية: “تضم المؤسسة ثلاث لجان كردية وعربية وسريانية وهي المكونات الرئيسية لشعوب الإدارة، يتم تأليف الكتب وفق مفهوم التعايش وتقبل الآخر وترسيخ القيم.”
وذكرت المؤسسة بأنهم ألفوا مناهج خاصة للمرحلة الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي، “لكن الخطة لتدريس هذا المنهاج اقتصرت على الصف العاشر الثانوي، وهي في طور تصحيح الأخطاء للمكونين العربي والكردي، أما المكون السرياني فقد شرع هذا العام بتأليف المرحلة الثانوية.”
من جهة أخرى نشر الكاتب واللغوي إبراهيم خليل كراساً نقدياً عرض فيه جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية التي وردت في الكتب المدرسية لدورة العام ٢٠١٥-٢٠١٦، وعن هذا الكراس قال لصالون سورية: “ركزت فيه على ضرورة إزالة الإشارات الإيديولوجية الحزبية التي لا تتناسب مع التعليم المدرسي العام، وأعتقد أنه كان حرياً بالقائمين على العملية التربوية الحفاظ على تدريس مادة واحدة باللغة الكردية في جميع الصفوف والمراحل، ومحاولة انتزاع اعتراف رسمي من وزارة التربية السورية، ومنح المادة علامة مخصصة في الجلاء المدرسي.”
وقدم العديد من الأهالي شكاوى لوجود أخطاء لغوية ونحوية في المناهج الدراسية، اعترفت بها إدارة مؤسسة المناهج وردت: “نحترم ملاحظات الأهالي ونأخذها على محمل الجد، نعم نعترف بوجود أخطاء في المنهاج ونجتهد لتلافيها، ولكن علينا ألا ننسى بأن الظروف التي يتم التأليف فيها صعبة والفترة الزمنية قصيرة.”
كما انتقد أكاديميون ومختصون تربويون “أدلجة” مناهج الإدارة الذاتية وانحيازها لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” ،وهو أحد أبرز الأحزاب المهيمنة على الإدارة الكردية، وبخاصة فيما يتعلق بنشر صور زعيمه الروحي عبد الله أوجلان، ومقاتلين يظهرون باللباس العسكري الموالي للحزب.
ويرى الدكتور فريد سعدون أنّ هذه الإدارة تغامر بمستقبل الطلاب، وقال “إن مسؤولي الإدارة لم يقدموا أية ضمانات لتحصيل الطلاب تعليمهم العالي أو ضمانات قانونية للاعتراف بشهادتهم، وبذلك تخلق مشكلة تهدد المجتمع بأكمله، كما أننا لا نعلم من هي الجهة التي تضع هذه المناهج، ولا الجهة التي تشرف عليها.”
وفي ردها على وجود الاشارات الأيديولوجية وصور مقاتلين عسكريين، تضيف المؤسسة في ردها: “نعم هناك صور ذات مدلول فكري معين لم تأت بشكل متعمد أو ترويج لفكر بعينه، سنعيد ترتيب المنهاج وتصويبه وحذف كل دلالة تشير لهذا الفكر أو ذاك، غايتنا العلم والعلم فقط.”
لكن الدكتور فريد سعدون وفي ختام حديثه شدد بأن: “سلطة الإدارة الذاتية هي سلطة أمر واقع مؤقتة وغير معترف بها سورياً أو دولياً”، منوهاً: “إذا تغيرت موازين القوى على الأرض فإن جميع هؤلاء الطلاب الذين التحقوا بمدارس الإدارة سيفقدون مستقبلهم التعليمي.”
بواسطة رياض الزين | نوفمبر 7, 2018 | Roundtables, غير مصنف
بدأ العام الدراسي الجديد في جنوب سوريا، بعد سيطرة النظام السوري عليه، ووعوده بتقديم الخدمات الأساسية للأهالي وعودة مؤسسات الدولة إليه بما فيها التعليمية، كما وعد النظام بتحسين الخدمات المقدمة في قطاع التعليم، الذي يعاني نقصاً حاداً في المستلزمات والوسائل التعليمية، وخاصة إثر تعرض العديد من المدارس للتدمير الكامل أو الجزئي.
يقول أحد الموجهين التربويين الذي فضّل عدم ذكر اسمه “تحول الواقع التعليمي هنا إلى مسألة ثانوية خلال الصراع، و لم يتم التعاطي معه كقطاع جوهري، فلم يتم ترميم أية مدرسة تعرضت للقصف أو التدمير حتى الآن، ولم يشهد القطاع التعليمي أي تحسن ملحوظ رغم بدء العام الدراسي الجديد”، ويعدد بعضاً من التحديات التي تواجه القطاع التعليمي “كغياب اللوازم اللوجستية في المؤسسات التربوية، ونقص المدارس والمراكز التعليمية، مما يولّد ضغطاً كبيراً في أعداد الطلاب بالمدرسة الواحدة، ويؤدي لاكتظاظ الأقسام الدراسية وعدم استيعاب الشعبة الدراسية (الصف الواحد) لأعداد التلاميذ فيها، حيث يتواجد في الصف الواحد ما يقارب ٥٠ طالباً، هذا عدا عن نقص الكوادر المختصة.”
وتشهد الكوادر التعليمية نقصاً حاداً نتيجة النزوح والأوضاع الاقتصادية والأمنية إضافة نتيجة لفصل عدد كبير من الموظفين الأساتذة، بسبب تخلفهم عن “الخدمة الاحتياطية” في الجيش السوري.
وإضافة للتحديات التي ذكرها الموجه التربوي، يعتبر التسرب التعليمي من أبرز المشكلات التي تواجه القطاع التعليمي في الجنوب، فقد أدت الأعمال العسكرية إلى نزوح مستمر للأهالي متسببة بانقطاع التلاميذ عن مدارسهم، ولم تنجح محاولة بعض المنظمات الدولية لإنشاء مراكز تعليمية في استيعاب كافة الطلاب المتخلفين عن مدارسهم، والحد من ظاهرة التسرب. كما ساهم سوء الأوضاع الاقتصادية بتفاقم المشكلة، إذ تعاني العديد من العائلات لتأمين اللباس المدرسيّ الموحّد، أو القرطاسيّة والكتب.
ويقول أحد سكان ريف درعا إن الأهالي توقعوا هبوط أسعار اللباس المدرسي ولوازم القرطاسية وغيرها من أدوات المدرسة بعد تطبيق اتفاق تسليم المحافظة للنظام، إلا أن “الوضع بقي على حاله ولم تتم محاسبة المخالفين للأسعار والتجار الذين يبيعونها بضعف سعرها الحقيقي عن أسواق العاصمة دمشق.” واضطر العديد من الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدرسة باللوازم المدرسية القديمة المتوفرة سابقاً كاللباس أو القرطاسية.
وكانت الحكومة السورية قد طرحت قروضاً بقيمة ٥٠ ألف ليرة سورية، لمساعدة العائلات لشراء اللوازم المدرسية كافة من صالات “السوق السورية للتجارة”، إلا أن أعداد المستفيدين منه في مناطق جنوب سوريا كان قليلاً بسبب اقبال الناس الكبير، والخوف من عدم قدرتهم على دفع القسط الشهري نتيجة استمرار الركود الاقتصادي وندرة فرص العمل في المنطقة.
عن التحديات أيضاً يشرح أحد المدرسين المفصولين من عمله في القنيطرة “اضطرت كثير من العائلات لنقل أولادها بشكل يومي إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المدارس و التدريس حرصاً على مستقبل أبنائهم، أما البعض الآخر فقد اضطر إلى التعلم في مدارس لا تتوفر فيها أدنى الاحتياجات والمقومات التعليمية، نتيجة لضعف الحالة المادية” مضيفاً أن “رغم استمرار الطلاب بالحضور للمدرسة فإن العملية التعليمية ما تزال سيئة، وهذا يؤدي إلى تراجع مستوى التعليم والإقبال عليه، ويزيد من انتشار الجهل، وتسرب طلاب مرحلة التعليم الأساسي هو الأخطر.”
قبل أن يستعيد النظام سيطرته على المناطق الجنوبية كانت المراكز التعليمية والروضات تعمل مع مراكز للدعم النفسي في المدارس التي رممتها ونظفتها بنفسها. وبعد سيطرته بقيت حال المدارس المدمرة على حالها، وحظيت بعضها بدعم لوجستي بسيط كترميم الواجهات التعليمية في الصف، وتوفير لوازم القرطاسية الخاصة بالمدرسة لا الطلاب، وطلاء الجدران.
وماتزال الحكومة تعد بتزويد المدارس بمقاعد جديدة، وبمادة الديزل في فصل الشتاء للتدفئة، كما تم رفع كتاب إلى الوزارة المختصة بعدد المدارس المدمَّرة والتي تحتاج إلى إعادة إعمار وتأهيل.
الجامعيون في الجنوب أيضاً دفعوا الثمن
نال طلاب الجامعة أيضاً نصيبهم من آثار الحرب، يقول ضرار- أحد طلاب جامعة دمشق المفصولين- “أنا مع أعداد كبيرة من الطلاب هنا توقفنا عن الذهاب إلى الجامعات فأغلبنا كان يتعرض لمضايقات أثناء السفر لدمشق لأننا من درعا حيث انطلقت الاحتجاجات، وكان طلاب درعا أول المستهدفين في أي تحرك في الجامعات يناصر الاحتجاجات، مما أرغم العديد منا على الانصراف عن الدراسة والالتحاق بأعمال تساعدهم في تدبير تكاليف المعيشة.”
كما عمد بعض الطلاب لتحويل دراستهم إلى جامعات أقرب كفرع جامعة دمشق في درعا أو القنيطرة، والتحويل من فروع عملية إلى نظرية، باعتبار الأفرع العلمية تحتاج إلى لوازم لوجستية أسعارها مرتفعة، كما أنها تتطلب الحضور اليومي في الكلية وبالتالي توفير السكن والقدرة المادية على المعيشة و التنقل اليومي.
ويصل متوسط حاجة الطالب الشهرية لتكلفة الدراسة بالجامعات إلى ٥٠ ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ يكفي لتغطية الاحتياجات الضرورية فقط كالتنقل وشراء الكتب وملخصات المواد والقرطاسية، في حين لا يصل متوسط دخل الموظف السوري لهذا المبلغ.
كما تعرض عدد كبير من طلاب الجامعة في الجنوب للفصل بعد انتهاء المدة المحددة من الرسوب وفق قانون التعليم العالي للجامعات ، حيث يحدد القانون سنتين رسوب للطالب في السنة الدراسية الواحدة، وإذا تجاوزها الطالب يعتبر في حكم المفصول. وقد اضطر الكثير من الطلاب للانقطاع وفُصلوا نتيجة خوفهم من الذهاب إلى مناطق النظام، لأنه أو أحد ذويه في المعارضة. ويتسبب الفصل من الجامعة بإلغاء إذن الحصول على تأجيل الخدمة الإلزامية للطلاب الشباب مما يحول الطلاب المفصولين جميعاً لمتخلفين عن الخدمة الإلزامية.
وأصدر مجلس التعليم في الشهر السادس من هذا العام قراراً يقضي بتسوية أوضاع طلاب الجامعات والمعاهد المقيمين في المناطق التي سيطر عليها النظام السوري حديثاً، واعتبر المجلس في قراره فترة انقطاع الطالب المسجل في الجامعات والمعاهد منذ العام ٢٠١٠-٢٠١١ وحتى العام الدراسي ٢٠١٦-٢٠١٧، كما عد العام الدراسي الحالي إيقاف تسجيل لمن يرغب.
ويعني هذا القرار أن السنوات السابقة لا تعتبر سنوات رسوب للطالب، فقد اعتبرها القرار بحكم إيقاف التسجيل في الجامعة، ودفع هذا القرار عدداً كبيراً من الطلاب المفصولين في جنوب سوريا للعودة إلى جامعاتهم واستكمال عملية إعادة التسجيل، والحصول على إثبات تسجيل في الجامعة للحصول على تأجيل دراسي عن الخدمة الإلزامية مدته عام كامل.
إلا أن العديد منهم فوجئوا برفض شعبة التجنيد إعطاءهم التأجيل الدراسي لأن “معظم الطلاب الذين تم تسوية وضعهم في الجامعات قد تجاوزوا السن المحدد في قانون خدمة العلم السورية للحصول على تأجيل دراسي” بحسب قولهم وبهذا وجد الطلاب أنفسهم مجدداً أمام مشكلة جديدة تمنع استمرار تحصيلهم العلمي.
بواسطة Hadia Al Mansour | نوفمبر 6, 2018 | Roundtables, غير مصنف
يواجه المعلم رجب الملاح (٢٧عاما) صعوبة بالغة في تلقين طلابه المعلومات، فهو يرى “أطفالا فقدوا طفولتهم، وتركز تفكيرهم على الحياة العسكرية متناسين الفكر والعلم بعد سنوات، فالحرب في مناطقنا انتهت لكنها مازالت حاضرة في نفوس طلبتنا” كما يقول إلا أنه مع ذلك مازال عازماً على تغيير سلوكهم وغرس حب التعلم والمعرفة داخل كل واحد منهم صغيرا كان أم كبيرا.
بعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي تمكنت وحدات من الجيش السوري الحر مدعومة من القوات التركية من السيطرة عليها بعمليات أطلق عليها اسم “درع الفرات” بتاريخ ٢٩ مارس/ آذار ٢٠١٧.
خرج التنظيم الإسلامي المتطرف من تلك المناطق إلا أن آثاره السلبية ماتزال راسخة فيها، وخاصة على صعيد إضعاف العملية التعليمية، إذ حارب التنظيم المعلمين والمثقفين الذين رفضوا الإنضمام لصفوفه مادفعهم للنزوح خارج مناطق سيطرته، مما ساعده على فرض وجوده فكرياً لا عسكرياً فقط. فالعديد من الأطفال في هذه المناطق لا يعرفون اللباس المدرسي، ولم يرتدوا بحياتهم إلا لباس التنظيم الأسود.
ومع انتهاء عملية “درع الفرات” وطرد التنظيمات الإرهابية، أخذت الحكومة التركية على عاتقها إعادة تأهيل المؤسسات الاجتماعية والأمنية والعسكرية وعلى الأخص التعليمية المتعثرة أو المتوقفة تماماً منذ سبع سنوات.
وشكل بدء العملية التربوية التعليمية هذا العام انطلاقة للتعليم “نحو الأفضل” بحسب العديد من المدرسين في المنطقة وذلك بسبب الدعم التركي الذي تبنى دفع رواتب المعلمين وتلقينهم دورات مكثفة في التأهيل التربوي سيما وأن معظم المعلمين كانوا من المنقطعين عن التدريس لمدة طويلة، ولذا قامت السلطات المحلية بإعادة تأهيلهم ورفع مستواهم التعليمي.
عن التدريبات يقول المعلم الملاح لصالون سوريا “تركزت على طرائق التدريس وأهم مبادئ العملية التربوية، وامتدت لعشرة أيام متتالية، دربنا فيها محاضرين سوريين مقيمين في تركيا.”
وقد خضع أكثر من ٦٠٠٠ معلم ومعلمة لتلك الدورات في مناطق درع الفرات كافة، وبإشراف التربية التركية، حيث تم وضع منهاج مخصص للدورة، وأقيم اختبار للمعلمين في نهايتها ليتم منحهم على إثره شهادة تمكنهم من ممارسة عملهم التربوي في مدارس منطقة درع الفرات، كما تم تسجيل المعلمين في سجلات التربية التركية.
وتولت وزارة التربية التركية مسؤولية ترميم المدارس المهدمة وإنشاء أخرى جديدة في كل من جرابلس والباب ومارع وإعزاز وقباسين، لتلبي احتياجات الطلاب الذين ازدادت أعدادهم، واعتمدت على معايير التعليم في تركيا، ليبلغ عددها ١٨٠ من أصل ٥٠٠ مدرسة، وتركز الدعم على تقديم المستلزمات والتجهيزات الدراسية من كتب و قرطاسية ومقاعد، إضافة لتجهيز البناء الخارجي والداخلي للمدارس.
لغة وتعديلات تركية على المناهج السورية
فرضت التربية التركية على المكاتب التعليمية في مجلس “محافظة حلب الحرة “ومختلف المجالس المحلية الأخرى إدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداء من المرحلة الإبتدائية وحتى المرحلة الثانوية وذلك اعتباراً من العام الدراسي الحالي ٢٠١٧/٢٠١٨.
وتم الإبلاغ عن هذا القرار خلال اجتماع عقده ممثلون عن الحكومة التركية في كل من مجمع إخترين، إعزاز، مجمع الباب، جرابلس، بزاغة، الراعي، وكافة المدارس بالقرى التابعة لهذه المجمعات بريفي حلب الشمالي والشرقي والممتدة من مدينة إعزاز شمال حلب إلى مدينتي جرابلس والباب شرقي حلب بالإضافة إلى مدينة عفرين.
يوضح المعلم مصطفى النابلسي (٣٥عاما) بأن لتلاميذ المرحلة الابتدائية حصتين لغة تركية أسبوعيا، بينما يحضر طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية ثلاث حصص دراسية للغة التركية.
ويقول النابلسي “يقوم معلمون سوريون بتدريس اللغة التركية وهم من المعينين ضمن الكادر التعليمي من حملة الشهادة الثانوية الذين خضعوا لامتحان اللغة، ومن حملة الشهادة التركية التي تخولهم تعليم المادة في المنطقة”، كذلك أدخلت التربية تعديلات على المناهج كافة تراوحت بين الحذف والإضافة والتنقيح والاستبدال مع الحفاظ على المحتوى العلمي بشكل كامل مثل الفيزياء، الرياضيات، العلوم ،الكيمياء ، واللغتين الإنجليزية والفرنسية.
وتركزت التعديلات على مواد التاريخ والجغرافية والقومية، إذا ألغيت المادة الأخيرة بشكل كامل، وتم تنقيح منهاج التاريخ “بما يبلور الصورة التركية” فقد تمت إزالة كل الكلمات التي تشير إلى معنى الاحتلال العثماني واستبدالها بالحكم العثماني.
إضافة إلى ذلك يؤكد النابلسي بأن خرائط سوريا الموجودة في كتب المعارضة لم تعد تحتوي على لواء اسكندرون الذي ضمته تركيا في ثلاثينات القرن الماضي، ويعزو النابلسي هذا التوجه لكون تركيا هي المقر الأساسي للحكومة المؤقتة ومكان طباعة المناهج المدرسية المرتبطة بها، كما يتم تدريس مناهج الحكومة المؤقته في بعض المدارس السورية ضمن تركيا.
يقول أحد الطلاب في المرحلة الإعدادية ويدعى سليم الرشيد (١٤عاما) بأنه يرغب بتعلم اللغة التركية منذ زمن وبأن إدخالها للمنهاج من شأنه أن يساعده على تحقيق ذلك، ويضيف “ربما أستطيع في المستقبل إكمال دراستي في الجامعات التركية كما يفعل الكثيرون من الطلاب السوريين، وتعلم اللغة التركية هنا من الآن سيسهل علي الأمر.”
يوافق الطالب بهاء البيطار (١٦عاما) على رأي زميله سليم ويقول “اكتساب لغة إضافية مع اللغات العربية، الإنجليزية والفرنسية سيمنحنا مزيدا من المعارف والخبرات، فتعلم لغات جديدة يمكن الفرد من التحدث بأكثر من لغة في وقت واحد، لتصبح اللغات عنوان ثقافة وتنور للشخص وانفتاحه على العالم.”
ويتابع بهاء ممتدحا اللغة التركية “اللغة التركية بحروفها اللاتينية الـ٢٩ لغة تحمل في طياتها معانٍ لم نألفها في بلدنا، لغة لم يسبق أن درسناها في مدارسنا ولم يخطر ببالنا يوما أن تكون اللغة التركية قدرنا القادم.”
من جهتها تشجع معلمة اللغة التركية هبا العدنان (٢٨عاما) على تعلم اللغة الجديدة قائلة “ما المانع من تعلم لغة جديدة، سيكون بالإمكان التعرف على ثقافة أخرى، وعادات ممتعة وغريبة لم تسمع عنها، اللغة ليست مجرد حروف مصفوفة بل هي تاريخ بذاته، وجغرافية منوعة.”
العام الدراسي في عفرين
عاد أطفال مدينة عفرين شمال سوريا أيضا إلى مقاعدهم الدراسية بدعم تركي، وذلك بعد أن سيطرت عليها قوات المعارضة بدعم تركي بعملية “غصن الزيتون” في ١٨ مارس/ آذار ٢٠١٨، وقد أوكلت منطقة عفرين إداريا إلى ولاية هاتاي التركية، بينما تعود مرجعية مدن وبلدات ريف حلب “درع الفرات” إلى ولاية غازي عينتاب التركية.
وبدأت المجالس المحلية التابعة لتركيا، استعدادتها لإستقبال العام الدراسي الجديد في مدارس عفرين الشهر الماضي، حيث تم تطبيق مناهج تعليمية أقرتها حكومة الإئتلاف في غازي عنتاب على طلاب المدارس، وهي مواد دراسية تطبع تحت إشراف وزارة التربية والتعليم التركية ،وتبرز فيها دور تركيا وثقافتها كدولة عظمى وتمجد فترة الحكم العثماني للمنطقة. وكما مدارس “درع الفرات” يتم تخصيص دروس باللغة التركية ضمن هذه المدارس مع وجود مادة واحدة للغة الكردية.
نائب رئيس المجلس المحلي في منطقة شيا أحمد خليل قال “إن اللجان التابعة للمجالس تجري جولات على مدارس المنطقة لتفقدها، وتقدير الأضرار التي لحقت بها تمهيدا لإصلاحها، علما أن الكثير منها تم تحويلها إلى مقرات عسكرية أو مراكز إعتقال سابقاً.”
وأضاف خليل بأن بقية المدارس غير المستولى عليها من قبل الفصائل السورية والقوات التركية باتت جاهزة لاستقبال الطلاب وتم تأمين كافة متطلبات التعليم واللوازم الدراسية التي تحتاجها. وقد بدأت أربع مدارس جديدة بالعام الدراسي الحالي إلى جانب ١١ مدرسة أخرى، بتطبيق ما درج على تسميته “بالتعليم العاجل” لغرض إعداد الطلاب.
مدير التربية والتعليم في مدينة بزاغة صالح عقيل يقول “إن الكوادر التعليمية تنقسم إلى مدرسين ومجازين وطلاب معاهد، وتقوم مديرية التربية بإجراء دورات متتالية لهم بهدف رفع السوية التعليمية من الناحيتين التعليمية والتربوية وصقل مهاراتهم بشكل عام تحت إشراف أساتذة مختصين.”
من جهته أوضح فوزي السايح مسؤول التعليم في مدينة الباب أنهم يقومون باستقبال الطلاب المنقطعين عن المدارس بعد إخضاعهم لفحص من أجل تحديد مستواهم التعليمي، ليتم وضع الطالب بالصف المناسب بحسب النتائج ليكمل تعليمه. كما تم في الباب أيضاً افتتاح مراكز لمحو الأمية لكل مدرسة تحوي صفوفاً فارغة.
وقامت بلدية كتشي أوزان التابعة لبلدية العاصمة التركية أنقرة بترميم مدارس قرية شوارغة الجوز التي تقع على بعد ٥ كيلومترات عن مركز ناحية عفرين، حيث عادت تلك المدارس لاستقبال التلاميذ ووفر فريق بلدية كتشي أوزان القرطاسية واللباس للطلاب.
أحمد القاوقجي (٤٠عاما ) وهو والد أحد الطلاب يروي لصالون سوريا “لم يتمكن أبنائي من الدراسة سابقاً إذ عمد تنظيم البي كي كي لفرض تعليم اللغة الكردية بدلا من العربية، علماً بأن معظم أهالي المنطقة هم من العرب، ولذا أنا ممتن للحكومة التركية التي كانت سببا بعودتهم للدراسة.”
ولحل أزمة البطالة في المنطقة افتتحت التربية التركية مراكز للتعليم الشعبي في مناطق درع الفرات والتي قدمت تعليما خاصا وجديدا من نوعه في المنطقة، يهتم بالمهن الشعبية المتنوعة كالخياطة وصناعة المعجنات والحلويات وعدد من المهن الأخرى التي من شأنها فتح المجال للشباب لإيجاد فرص عمل جديدة.
وفيما استحسن العديد من أهالي المنطقة الإجراءات التركية لكونها أعادت لهم الأمن والاستقرار ونشطت الحياة العامة إلا أن البعض الآخر رأى في الإجراءات التي تتخذها فرضاً للهيمنة والاحتلال التركي لمناطق سورية عديدة.
فقد انتقد الحقوقي علي الرشيد (٣٩عاما) الممارسات التركية قائلاً “إنها تسعى لتتريك المنطقة في محاولة لفصلها عن سوريا الأم وضمها للأراضي التركية على غرار لواء اسكندرون، فهي تتحكم بشكل كامل بالعملية التعليمية في مناطق نفوذها المباشر في الشمال السوري، وعلى الرغم من تدريس مناهج الحكومة المؤقته ذاتها في مدارس هذه المناطق إلا أنها تغيرت فيها بعض المضامين والإشارات السياسية.”
ويرد المدرس علاء المحسن (٣٠عاما ) أحد المدرسين في ثانوية جرابلس، على ذلك قائلاً “إن العملية التعليمية في المناطق الواقعة تحت السيطرة التركية شهدت افتتاح العديد من المدارس لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الطلاب، إضافة إلى محاولات لإعادة الطلاب المنقطعين عن الدراسة، و افتتاح مراكز لمحو الأمية، فتركيا ساهمت بإنعاش المنطقة وبعثت الحياة فيها، على الأقل على صعيد عودة أبنائها للدراسة.”