على خط الزلازل، على خط الحروب

على خط الزلازل، على خط الحروب

حين جئْنا إلى الحياة

وُلدْنا على خط الزلازل،

وكبرنا على خطّ الحروب

ومنذ الولادة والأرضُ التي تحتنا تميدُ بنا،

والبناياتُ التي نعيش فيها تتأرجح

كأنها مبنية في الفراغ.

يأتينا الضوء بالقطّارة

والظلام كنهر أتشيرون.

دوماً نسير على حبل البهلوان

ونتعجّب كيف نتوازن طيلة الوقت فوق الهاوية

وهي تقول لنا بصوت ساخر:

أينما توجهتم فأنا تحتكم!

وحين تنشقّ الأرض غاضبةً وتبتلع كل شيء

حين يشهر التاريخ مخالبه

 ويمزّق قطعاً من الخريطة

حين تكشّر القوة عن أنيابها

وتقضمُ حديد البنايات ورؤوس البشر

تأخذ المسرحية أبعادها

في انفجارات متتالية

في تدافع جنوني

في انزلاق أبله للصخور

 في شقّ كأنه شدقُ الجحيم

في طيش في باطن الأرض

يخطر أيضاً في رؤوس بشرية

تتكسّر الأجساد فوق صفائح  الطغيان

ويحطّم الاهتزاز الأعمى جدران الأرض.

أيتها الصفائح التكتونية الكبيرة التسع

أيتها الصفائح الصغيرة الاثنتا عشرة

التي تضمنا جميعاً بذراعين صخريتين

وتتحرك بطيئة فوق وشاح الأرض

أيتها الأحجار التي تسحق رؤوساً،

أيتها الأنقاض التي تدفن أجساداً

أيتها الرصاصات والانفجارات التي تدوي

يا صنّاع الحروب والفقر

نحن هنا،

على قشرة الكوكب

نركض بين الاهتزازات هاربين

من كوى في الكتب المقدسة

من شقوق في الشعارات

من فجوات في العقائد

من ثقوب في الرايات

الأرض تغلي تحت أقدامنا

خلفنا تركض الموجة العالية

وتحتنا تتطوح الصخور

في رقصة سقوط تستمر أربعين ثانية.

ملف حول “إرادة المقاومة اليومية في سوريا لدى المواطنين العاديين”

ملف حول “إرادة المقاومة اليومية في سوريا لدى المواطنين العاديين”

تُعنى مجلة صالون سوريا الإلكترونيّة في الوقت الراهن بإعداد ملفّ يتناول حياة السوريين اليوميّة، ويتكوّن هذا الملف من موادّ صحافيّة يقدّمها باحثون من مختلف الاختصاصات، وستكون المنهجيّة المُعتمدة ذات أبعاد ميدانية استقصائيّة من أجل استطلاع آراء عينات من الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية؛ ذلك من أجل الكشف عن آليات مقاومة الظروف القاهرة من انقطاع للتيار الكهربائي أكثر من عشرين ساعة في اليوم في غالبية أنحاء سوريا، والنقص الكبير في مياه الشرب، وتوقّف المواصلات بسبب فقدان الوقود، والنضوب الشديد في المحروقات، ومعاناة سوء التغذية، والتعرّض للبرد القارص، وغياب الخدمات الطبيّة والصحيّة، وإلى ما هنالك من ظروف لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً؛ إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

أصبح الإنسان السوريّ ضحية لحصارين: داخلي وخارجيّ؛ غير أنه استطاع التكيُّف مع أوضاع لا يمكن أن يوجد ما هو أسوأ منها في العالم الآن، من هنا جاءت المواد الصحافية من أجل التعمّق في فهم كفاح شعب بأكمله من أجل الانبعاث من الرماد، ولذلك جاءت محاور الملف على النحو الآتي:

أولاً-استقصاء آراء عينات من المجتمع السوري في أسباب معاناتهم الدامية أكثر من عقد من الزمان؛
ثانياً-استطلاع وجهات النظر فيما يتعلّق بابتكار أساليب إنقاذية للحياة على مستويات مختلفة؛
ثالثاً-البحث عن تحديد خطر التأثيرات النفسية المرضية في الأطفال بسبب قسوة الظروف الحياتيّة: التوحّد-السايكوباتية-النرجسيّة-اضطراب الشخصيّة الحدّيّة وإلى ما هنالك؛
رابعاً-اكتشاف طرق تأمين الطعام والشراب والعلاج والتدفئة والنظافة الشخصيّة والعامة، وكل ما يتصل بالحياة اليومية؛
خامساً-دراسة الواقع التربويّ بأبعاده المختلفة؛
سادساً-تحليل سوية التعليم الجامعي بمرحلتيه الدنيا (الإجازة) والعليا (ماجستير ودكتوراه).
سابعاً-البحث في واقع العمال والفلاحين والحرفيين؛
أخيراً-استقصاء آراء العاطلين عن العمل.

عناوين المواد المنشورة ضمن الملف:

أن تعيش في هذا الموات: السويداء المُهَمَّشة

نهر عيشة.. حياة مزدحمة بالفقر والصّبر!

دمشق: أزمات متواصلة وحلول غريبة للبقاء على قيد الحياة

عندما يصبح الاستحمام قضية رأي عام

حيلٌ ومحاولاتٌ لمقاومة الفقر والجوع

عن مقاومة العجز اليومي في ريف حماه

شوايا سوريا

شوايا سوريا

تسكن مجموعة من القبائل العربية منطقة حوض الفرات والجزيرة السورية، إضافة لريف حلب الشرقي، وإدلب الجنوبي الشرقي، وشرق حماه وحمص، وهي قبائل لها امتدادها البشري نحو العراق وتركيا والأردن، وصولاً لدول الخليج. ورغم هذا الانتشار إلا أن سكان مناطق شمال شرق سورية فقط هم من يُعرفون باسم الـ “شوايا”، دوناً عن سواهم من بقية القبائل والعشائر العربية.

ويطلق على السوريين/ات من قبائل مثل “الجبور – العكيدات – البكارة”، مسمى الشوايا في حين أن أبناء/بنات هذه العشائر في العراق لم يُعرفوا بهذا المسمى قبلاً، وقليل منهم من يتداوله.

فاسم “شوايا” ليس له دلالة انتماء عرقي، أو ديني..

ابن خلدون.. أممية التوصيف

يقول ابن خلدون في مقدمته “ومن كان معاشه في السائمة مثل الغنم والبقر فهم ظعن في الأغلب لارتياد المسارح والمياه لحيواناتهم، فالتقلب في الأرض أصلح بهم، ويسمون شاوية، ومعناه القائمون على الشاه والبقر، ولا يبعدون في القفر لفقدان المسارح الطيبة”، ويمايز ابن خالدون “الشوايا” هم عن البدو بكونهم يعملون في تربية الإبل.

وقد راح البعض وبنتيجة لمقدمة ابن خلدون لاعتبار كل سكان المناطق القريبة من الأنهار والذين يعملون بتربية الأغنام بـ “الشوايا”، وبتخصيص سورية أطلق المسمى على كل سكان حوض الفرات من جرابلس عند الحدود التركية وحتى البوكمال على الحدود العراقية، لكن هذا يتناقض وواقع الحال عند كل من البدو والشوايا، فالبدو ومنذ بداية حياتهم القائمة على الترحال بحثاً عن المراعي، يربّون الشياه (الأغنام والماعز)، وهم وإن كانوا يربّون قطعان من الجِمال والخيل العربي، فإنهم لم يستغنوا أبداً عن تربية الأغنام حتى يومنا هذا، كما أن سكان المناطق القريبة من الأنهار لم يكتفوا بتربية الأغنام، فهم يمتلكون قطعاناً من الجمال والخيل العربية أيضاً حتى الآن، ما يعني أن التسمية وفق ما ذكره ابن خلدون مايزت بين الفريقين لكثرة ما يربّوه وليس من باب الانفراد، وعليه هي ليست تسمية جامعة أو ملائمة للواقع المعاش في يومنا هذا.

إن فرضية ابن خلدون وفقاً لتوصيفه إن صحّ، يجب أن تكون شاملة لكل العرب، فسكان الريف المغاربي الذين يعملون بتربية المواشي، سيكونون مثل أقرانهم في اليمن والجزيرة العربية والعراق “شوايا”، وعليه فإن ما عناه مؤسس علم الاجتماع يمكن أن يطبّق على سكان أحواض الأنهار في الصين والهند وأمريكا اللاتينية، ولا ينحصر في المنطقة العربية، وبالتالي لن يكون الاسم مختصاً بشريحة مجتمعية تسكن شمال شرق سورية، وعليه فإن الاستناد لمقدمة ابن خلدون في التسمية التي تختص بالقبائل السورية ليست مسألة دقيقة.

المرجع الأقدم

تقول بعض المصادر التاريخية أن المسمى ظهر أول مرة في اللغتين الآشورية والسريانية القديمتين، إذ كان سكان الممالك القديمة يطلقون على سكان حوض الفرات لفظ “شاويو”، ومعناه “الكريم والمضياف”، لكن حصر ربط صفة الكرم بشريحة من القبائل العربية سينسف مضرب المثل العربي في الكرم في حكاية “حاتم الطائي”، الذي كان بدوياً وتحولت قبيلته “طيء”، بجزء كبير منها إلى الحالة المدنية حينما أصبح غالبيتها من الحضر الذين سكنوا القرى والمدن الكبرى (أكبر انتشار لها جنوب شرق مدينة القامشلي)، وستختص واحدة من سمات الشخصية العربية بشريحة ضيقة من القبائل على حساب ما يروى عن كرم البدو وقبائل الجزيرة العربية، وعليه فإن صح تاريخياً أن هذا اللفظ السرياني والآشوري أطلق على سكان حوض الفرات، فلكونهم كانوا الجيران الأقرب من القبائل العربية، وهو ليس تخصيصاً لهم، وإنما توصيفاً لشريحة مجتمعية جاورت الممالك الآشورية دون دراية من سكان هذه الممالك بحال بقية المجتمع العربي، كما أنه لفظ تعميم.

الشاوي دمشقي أم كويتي؟

ثمة مهنة قديمة في دمشق والمدن السورية الكبرى تعرف باسم “الشاوي”، وكان ممتهنها يقوم بالإشراف على نظافة قنوات الري ونقل مياه الشرب من نهر بردى إلى المنازل، والشاوي في منطقة عمله هو بمثابة ضابط الأمن المائي للمنازل والحقول الزراعية، وكان من مهامه أن ينظم عمل قنوات الري وكميات التدفق وأوقاته، ويمنع مرور أوراق الأشجار والأوساخ في قساطل المياه الواصلة للمنازل. وكان من فضل زيارات البدو إلى دمشق للتبضع والتجارة، أن تعرّفوا على مهنة الشاوي، ولكون البدو وحتى يومنا هذا يشعرون بشيء من التفوق على سكان القرى من القبائل لكونهم حافظوا على عاداتهم المجتمعية في مقابل تحول سكان حوض الفرات والجزيرة إلى الزراعة، أن سمحوا لأنفسهم بإطلاق مسمى “شاوي”، على المشتغلين بالزراعة لكونهم يقومون بفعل السقاية المشابه والمطابق لعمل الشاوي الدمشقي، من حيث شق قنوات الري والحفاظ على تدفق الماء إلى الحقول، لكن هذا التفسير ضعيف السند، فلا يمكن حصر مهن سكان الريف بالزراعة، فمنهم من يعتمد بشكل أساسي على تربية المواشي وتجارتها، إضافة لفرض المدنية لوجود مهن أخرى تعلموها من سكان المدن لضرورتها في حياتهم اليومية.

وهناك من يرجع المسمى إلى أصل استخدام كلمة “شاوي”، في الكويت، وهو الشخص الذي يقوم برعي مواشٍ لا يملكها مقابل أجر متفق عليه مع المالكين، لكن المسمى يجانب الصواب أيضاً لذات الأسباب التي تنفي احتمالية إعادة المسمى لـ “الشاوي الدمشقي”، فمن غير المنطقي تعميم مسمى مهني محدود على شريحة مجتمعية واسعة تسكن ما يقارب ثلث الأراضي السورية.

منطق وعاطفة

تشير بعض المراجع التاريخية إلى أن القائد الفرنسي للحملة الفرنسية التي دخلت مدينة “دير الزور”، وكانت قواتها مؤلفة من حوالي 300 مقاتل، كان يتدخل بشؤون المنطقة وبدأ بالتضييق على سكانها، ونتيجة لعدة أسباب تحرّك مجموعة من الثوار المتحدرين من قبيلة “العنابزة” و “البوخابور”، لمهاجمة المطار العسكري واقتحامه، قبل تمكنهم من قتل قائد الحملة وإحراق عدة طائرات فرنسية، ثم التوجه نحو قلب المدينة لاقتحام المراكز التي يسيطر عليها الفرنسيون

 وحسب المصادر التاريخية فإن ثورة العشائر انطلقت  ليل 16 أيلول من العام 1921، ويعد أول تحرك عسكري ضد الاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون، وتسببت هذه الليلة بدفع الفرنسيين لإرسال حملة ضخمة من حلب تضمنت كتائب من السنغاليين والجزائرين المجندين في صفوفها، ونتيجة لشراسة النيران التي أُطلقت على بعض القرى، لجأ الثوار إلى معارك يمكن وصفها بالاستنزاف، وقد كانت هذه المعارك سبباً لإطلاق وصف “شاوي”، من قبل جند القوات الفرنسية على الثوار مشبيهن إياهم بمقاتلي قبيلة “الشاوية”، الذين كانوا قد واجهوهم في الجزائر، والوصف كان نتيجة للملابس التي يرتديها الثوار أو لطريقة القتال والإغارات البرية التي نفذوها آنذاك، وقد كان احتكاك سكان المدينة بالمجندين فرنسياً من عرب وسنغاليين سبباً في التقاط التوصيف (شاوي – شاوية – شوايا).

يقول أحد معمري ريف دير الزور الشرقي خلال حديثه لـ “صالون سوريا”، في البوكمال هناك منطقة تعرف باسم “قبور الانكليز”، وفي “خشام”، الواقعة شرق الفرات هناك أرض تعرف باسم “قبور السنغاليين”، وهي منطقة دَفن فيها الثوار قتلى الاحتلال الفرنسي من السنغاليين (وهو توصيف لكل أصحاب البشرة الداكنة الذين كانوا ضمن صفوف القوات الفرنسية بغض النظر عن جنسيتهم الأصلية)، ويشرح أبو محمد بأن اسم “شوايا” لم يكن يطلق على كل أبناء العشائر، حتى يمكن القول أن أبناء العشيرة الواحدة ليسوا كلهم شوايا، لقد كان توصيفاً أطلقه الفرنسيون، والتقطه السكان لاحقاً وبدؤوا بتداوله، ثم أخذوا بتعميمه على سكان الريف عموماً حتى ممن لم يشتركوا في القتال آنذاك، وورثه أبناء الريف”.

بالمقاربة يبدو أن هذا السبب أو الجذر التاريخي أقرب للمنطق في أصل التسمية المقرونة بسكان مناطق ريف “دير الزور: ومن ثم “الحسكة” و”الرقة”، ولعله الأقرب للعاطفة الجمعية لأبناء المنطقة أيضاً، لكن التنميط الذي لاحق الـ” شوايا”، من قبيل التخلف المجتمعي وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، والعادات البالية وصولاً لوصفهم بممارسة الجنس مع الحمير، حوّل لفظ “شوايا”، من إيجابية توصيف الثوار ضد الاحتلال إلى سلبية وسم سكان ثلاث محافظات من سورية بعدد هائل من النمطيات، ما شكّل خطاب كراهية ضدهم، لم يكن ليواجهه سكان المنطقة غالباً إلا بخطاب كراهية مضاد.

” المحرم الشرعي”.. عقبة جديدة تعيق تحرك النساء

” المحرم الشرعي”.. عقبة جديدة تعيق تحرك النساء

لم تستطع سهير الزعرور (27 عاماً) الالتحاق بزوجها المقيم في تركيا بعد أن منعها حاجز “هيئة تحرير الشام” أو ما يسمى بـ”مكتب أمن الحدود” من العبور بطريقة غير شرعية، لا حفاظاً على سلامتها وسلامة أبنائها، وإنما لعدم وجود محرم (رجل من عائلتها) يرافقها في رحلتها.

تقول سهير التي عادت تجر أذيال خيبتها بعد أن كانت متحمسة لدخول تركيا ولم شمل العائلة، أن أحلامهما اصطدمت بوجود “المحرم الشرعي”.

وتفرض سلطات الأمر الواقع في إدلب العديد من المُحددات والقوانين على الحريات الشخصية، لا سيما فيما يتعلق بالنساء، مما زاد من معاناة النساء اللواتي يعشن حالة من التخبط والتضييق عليهن والتدخل في شؤونهن وحرياتهن الشخصية من قبل عناصر أجهزة ” هيئة تحرير الشام”.

باسم الدين تقيد الأخيرة تحركات النساء وتحد من أنشطتهن، وتتدخل بأدق تفاصيل حياتهن من خلال قائمة من الممنوعات التي اعتمدتها في سبيل ذلك، كحظر الاختلاط بين الجنسين في مدارس الأطفال منذ الصغر، وحتى في مختلف مجالات العمل أو الحياة اليومية دون وجود محرم، فضلًا عن ملاحقة “المتبرجات” وغير الملتزمات بـاللباس الشرعي.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد عمدت هيئة تحرير الشام إلى استئناف نشاط “جهاز الحسبة” أو ما يعرف بـ “سواعد الخير”، تحت مسمى “مركز الفلاح” في مناطق نفوذها، وذلك بعد إيقافها لمدة عامين نتيجة “ضغط شعبي ومظاهرات كبيرة طالبت بإخراجهم”.

وتتكون “سواعد الخير” من مجموعة دعاة وداعيات من جنسيات مختلفة، تتجول في شوارع إدلب بدعم من كتائب أمنية تابعة لهيئة تحرير الشام، وهي “تتدخل في الحياة العامة للسكان وتفرض عليهم قيوداً وأنماطاً معينة في السلوك” بحسب المرصد.

وكما حال سهير، كذلك منعت رابعة الصفو( 29عاماً) من السفر إلى مكان عملها، لعدم وجود المحرم الذي سيرافقها خلال رحلتها الشبه يومية من إدلب إلى مدينة سلقين.

تقول رابعة “إن ما تفعله هيئة تحرير الشام جراء التدخل في شؤون النساء يمنع خروجهن، ويحد من فرص عملهن وسط الظروف الصعبة التي تعيشها غالبية النساء، وخاصة الفاقدات للمعيل وسط الفقر والغلاء والنزوح”.

مشيرة إلى أنها اضطرت نتيجة منعها السفر بمفردها للانتقال والإقامة في مدينة سلقين، لتكون قريبة من مكان عملها في إحدى منظمات المجتمع المدني، ما أجبرها على دفع بدل إيجار للمنزل الجديد بعد أن كانت تسكن مجاناً في بيت أحد أقربائها بمدينة إدلب.

لكن التنقل ضمن المنطقة الواحدة حتى له محدوديته. لم تتوقع فاتن الزريق (22 عاماً) أن توضع في موقف محرج كالذي تعرضت له من قبل جهاز الحسبة التابع لهيئة تحرير الشام حين استوقفتها عناصرهم وسألوها عن سبب تجوالها في شوارع إدلب بلا محرم مساءً، و”بصعوبة” سمح لها بمتابعة طريقها بعد “محاضرة طويلة، وتهديد ووعيد بألا تعيد الكرة ثانية” كما تصف.

تعمل فاتن في إحدى صالات الحفلات في مدينة إدلب، وعملها يحتم عليها العودة ليلاً بعد انتهاء عملها في الصالة، وتتقاضى لقاء عملها راتباً شهرياً يساعدها في الإنفاق على طفليها اليتيمين، بعد وفاة والدهم بالقصف الذي طال مدينتهم سراقب أواخر عام 2019.

تقول فاتن لـ”صالون سوريا” ” ليس كل من يمشي في شوارع المدينة ليلاً شخص سيء أو بلا أخلاق، نحن نوضع دائماً موضع المتهم لمجرد خروجنا بأنفسنا وبلا محرم” وتتساءل ” هل على فاقدة المعيل مثلاً أو ممن ليس لديها محرم بالأصل يرافقها في جميع شؤون حياتها أن تنصاع لأوامر هيئة تحرير الشام وتمنع نفسها من الخروج، وإن فعلت ذلك من ستراه سيساعدها ماديا؟ هل ستمنحها الهيئة ما تقتات به مع أطفالها “.

المرشدة النفسية والاجتماعية هلا غنوم (31 عاماً)، تحدثت عن تهميش المرأة ومعاناتها من التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وحرمانها من الموارد والفرص مقارنة مع الرجال الذين يتصدرون مواقع أعلى وأكبر.

وأرجعت الأسباب إلى “التدخل في شؤونهن وتحركاتهن والحد من نجاحاتهن من قبل سلطة الأمر الواقع من جهة، وغياب وعي مجتمعي كامل لأهمية وجود المرأة في أماكن متنوعة تختلف عن الصورة النمطية للمرأة التي يتوجب عليها فيها أن تكون ربة منزل وحسب ، وهو ما يجبرها على المشي بخطوات بطيئة لكيلا تكون بمواجهة المجتمع” بحسب قولها.

وترى الغنوم أن المرأة في إدلب بحاجة لإتاحة الفرص ومنحها مساحة أكبر للتحرك والعمل وإثبات ذاتها، وخاصة بعد أن وجدت نفسها أمام مسؤوليات لم تعتدها سابقًا، كإعالة أطفال أو معاقين أو إخوة أو أهل بمفردها.

وبحسب تقرير صدر عن الأمم المتحدة في تشرين الأول 2021 بين أن سوريا تعد من أخطر الدول على المرأة، حيث احتلت سوريا المركز الثاني في ذيل “مؤشر السلام والأمن للمرأة” (WPS)

ووفق المؤشر، فإن سوريا هي الأسوأ عالميًا فيما يتعلق بالعنف المنظم، والأسوأ إقليميًا فيما يتعلق بسلامة المجتمع. وحلّل المؤشر وضع المرأة في ثلاثة أبعاد، هي الإدماج (التعليم، الإدماج المالي، التوظيف، استخدام الهاتف المحمول، التمثيل البرلماني)، والعدالة (عدم وجود تمييز قانوني، الانحياز، القواعد التمييزية)، والأمن (عنف الشريك، سلامة المجتمع، العنف المنظم).

ألمانية تعشق دمشق تقيم فيها منذ أربعين سنة وتعيد إحياء تراثها

ألمانية تعشق دمشق تقيم فيها منذ أربعين سنة وتعيد إحياء تراثها

“أشعر بأنني خائنة لو تركت البلد، أنا هنا منذ أربعين سنة وما زلت أحب دمشق وناسها”، تقول هايكة فايبر هذه الجملة مبتسمة وهي تتأمل منزلها العربي في حي باب شرقي الدمشقي. مازال المنزل يحتفظ ببريقه وبساطته الأنيقة رغم أن السيدة الألمانية بقيت فيه بمفردها، بعدما سافر أولادها الثلاث بحثاً عن حياة أفضل لهم خارج البلاد مع اندلاع الحرب.

هايكة قد تكون الألمانية الوحيدة المقيمة في دمشق، وهي من الأجنبيات القليلات اللواتي ما زلن يقمن في البلد رغم الحرب، لكن الأمر مختلف كان بالنسبة لهذه السيدة الشقراء ذات العينين الزرقاوين، فهي اليوم تحاول إعادة إحياء مشروعها المميز “عناة” الذي حقق شهرة واسعة في تسعينات القرن الفائت وبداية الألفين، ونجح يومها بتشغيل ألف سيدة سورية في قرى نسيها الزمن، ولا يملك أهلها فرصاً مهمة للعمل.

رحلة هايكة مع سورية بدأت عام 1982 عندما نزحت مع زوجها الفلسطيني الأردني من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي، واتجها إلى دمشق مع أولادهما واختارا السكن في منطقة مخيم اليرموك، وهناك بدأت هايكة الشابة بتنفيذ دورات لتعليم السيدات كي يستفدن من القطع القديمة ويقمن بإعادة تدويرها في تنفيذ تصاميم وأشكال عديدة، وبعدما تعلقت السيدات بهذا الفن اقترحن تأسيس عمل لهن، وهنا قررت هايكة البحث عن شيء جديد يحقق للجميع دخلاً مقبولاً، فقررت التوجه للتراث الفلسطيني وتقديمه برؤية جديدة وأسست ورشة لها في منطقة التضامن عملت فيها العديد من السيدات الفلسطينيات والسوريات.

تقول هايكة “عندها بدأت المشاركات السوريات يقدمن اقتراحات للتعريف بتراث مناطقهن المختلفة والفنون الجميلة التي تمتلكها، فبدأت بجولة بحث جديدة للتعرف على فنون المناطق المختلفة السورية، وفي كل مرة كنت أضيف خطاً جديداً، ولم يقتصر عملي على دمشق بل قررت التوجه لأرياف حلب وإدلب والسويداء ودرعا، والتعرف على سيدات يمتلكن مهارات التطريز والحياكة التقليدية، حتى وصل عدد عضوات فريقنا لحوالي ألف سيدة”.

وبعدما توسع عمل هايكة قررت الانتقال لقلب العاصمة القديمة واستأجرت محلاً صغيراً خلف المسجد الأموي نجح في استقطاب الكثير من السياح والشخصيات الفنية والسياسية رغم تواضعه، ثم انتقلت لمحل أوسع في منطقة باب شرقي كان أشبه بالمتحف، قدمت فيه خطوط الموضة التي ابتكرتها، والتي نقلتها بالفعل لمختلف دول العالم من خلال تنظيم معارض في أوربا وآسيا وأميركا.

مع بداية الحرب، وانعزال القرى عن بعضها البعض بسبب الحصار والحرب، تفرقت السيدات اللواتي عملن معها، كما توقفت السياحة وتراجع الوضع الاقتصادي، ولم يبق من مشروع هايكة سوى الاسم.

تقول هايكة “كنت اعتقد دائما بأن الحرب ستنتهي، وفي كل مرة أقول أن الأزمة مؤقتة، لكن لم أتوقع أن تستمر لأكثر من عشر سنوات، وخلال هذه السنوات احتفظت بالقطع القديمة التي نفذتها سيدات ولم تكملها أو نفذنها واضطررن لاحقاً للهرب أو ربما تعرضن للموت، ولذا قبل حوالي العام قررت تأسيس معرض تعرض فيه القطع التي بقيت بحوزتي كنوع من التكريم والشكر للسيدات اللواتي عملن معي”، وخلال التغطية الإعلامية التي رافقت المعرض وصلت رسالتها لبعض السيدات اللواتي عملن معها بالماضي، وعرفن أنها مازالت في دمشق، فتواصلن معها ومن هنا قررت هايكة إعادة إحياء المشروع.

اليوم عاودت السيدة الألمانية الناطقة باللغة العربية بطلاقة، نشاطها من جديدة ورغم تقدمها بالعمر، بدأت بنفيذ جولات في مختلف الحافظات، وتقول بأنها لا تعرف إن كان المشروع سينجح كما في الماضي خاصة وأنها تواجه صعوبات عديدة مثل تقدمها بالسن، وغلاء مواد الإنتاج وضعف جودتها وأيضاً مشكلة البنزين والكهرباء، لكنها تحاول.

وقد أصدرت مؤخراً هايكة كتاباً بعنوان “عناة” وبطلها بعل باللغة الإنكليزية وقعته في دمشق وفي دبي، غاصت من خلاله في تاريخ الرموز المستخدمة على الأقمشة والتطريز، وأثبتت من خلال أبحاثها العميقة تناقل بعض الرموز عبر آلاف السنين حتى اليوم.

المنقلة: لعبة الأجداد الحيّة في الحسكة

المنقلة: لعبة الأجداد الحيّة في الحسكة

لا تخلو أي من قرى الحسكة وبلداتها من لعبة “المنقلة” التراثية الشعبية المفضلة لدى كبار السن، والحاضرة في جلسات الترفيه طوال أوقات النهار، وخلال سهرات السمر والأنس في صيف وشتاء أهل الحسكة.

ولعبة “المنقلة” هي الأكثر استحواذاً للذاكرة الشعبية، فقد سادت الألعاب المحلية طيلة عقود من الزمن، ولازالت تقاوم الاندثار متحدية الألعاب الحديثة بما فيها الالكترونية.

فـ”المنقلة” لعبة مميزة تخلق الحماسة والمنافسة، كما يروي العم جميل السبعيني لـ”صالون سوريا”، ويضيف :”هي لعبة المعمرين وجزء من ذاكرتهم الحية، لارتباطها بموروثهم الاجتماعي الشعبي، ومن شدة تعلقي بهذه اللعبة، أحبها أحفادي رغم صغر سنهم، وهم يحاولون أن يضعوا حصوات المنقلة في جرنها”.

وتتكون المنقلة من قطعة مستطيلة من الخشب السميك بطول 65 سم وبعرض 15 سم، سماكتها لا تتجاوز الخمس سنتمترات وتحوي على صفين من الحجرات الدائرية المفتوحة، كل واحدة منها مكونة من سبعة فراغات  تسمى “جونات او حفر”، توزع فيها 98 حجرة صغيرة ناعمة الملمس تلتقط عادة من على ضفاف الأنهار وتسمى “حصو المنقلة”.

وبحسب جميل فالمنقلة مؤلفة من أربعة عشر جرنا ومجموعة حصوات، في كل جرن توزع سبع حصوات، يتناول أحد اللاعبين الحصوات الموجودة في أحدها، ويوزع على كل جرن بحصة بدءاً من اليمين، وهكذا حتى تنتهي بحصاته، ويستمر اللاعبان في هذا حتى تنتهي الحصوات من الجرون.

ينظم هذه الحركة رقم النرد، وتبدأ قواعد اللعبة بثلاثة يجهد فيها اللاعب بملء كل الحفر امامه بأعداد زوجية من الحجارة بعد تقديره عدد كل منها، والفائز هو من يجمع أكبر عدد من الحصوات، أي من يجمع ما يزيد عن 49 حصوة.

من ناحيتة يصف العم السبعيني فؤاد اللعبة بانها الأكثر تسلية ومتعة، وهي تتميز بطابع خاص، فالكبار يعشقونها، والصغار يتسلون في مراقبة الجد الفائز، ويقول الجد فؤاد لـ”صالون سوريا”: ” احفادي يعشقون المنقلة رغم أن أعمارهم صغيرة، وهم يتمتعون دائما بمشاهدتنا نلعب لساعات طويلة وتقليدنا، وفي أيام العطل ألعب مع أبنائي وأحيانا مع مع أصدقائي من أبناء جيلي، لاسيما في الحدائق في الصيف، وفي الشتاء إما في المنازل او في المقاهي”.

ولتوريث اللعبة للجيل الجديد في منطقة الجزيرة السورية، قرر كبار السن إقامة بطولات خاصة في المنازل لإثارة فضولهم للتعرف على اللعبة ولعبها، كما يقول أبو شيار الستيني المتحدر من حي النشوة في الحسكة، ويضيف أبو شيار :”نشجع احفادنا منذ الصغر على حب لعبة الأجداد، خاصة في القرى والبلدات المحيطة بالحسكة كي لا ينساها أبناؤنا وشبابنا، اليوم هذه اللعبة المتوارثة منذ آلاف السنين مازالت صامدة رغم هوس الألعاب الالكترونية المنتشر بين الجيل الجديد”

وفي أجواء “حماسية” كما يصفها أبو شيار تضم الأصدقاء والمحبين للمنقلة، تقام بطولات اللعبة، حيث يلتف المشجعون/ات للاعبي المنقلة ومراقبتهما وهما يلعبان بشكل متقابل.

ويقول أبو شيار “تعتمد اللعبة على مهارات اللعب الذهنية، وذكاء الشخص وفطنته في العد السريع والحساب، وهذه هي المعايير الاساسية المتحكمة في جولات المتنافسين في المنقلة، والتي تحدد في النهاية من هو الفائز.”

عن هذه البطولات، تقول الباحثة الاجتماعية رغد الوصال لـ”صالون سوريا” : “مدينة الحسكة تنظم سنويا عدة بطولات للعبة المنقلة، وبمشاركة مختلف الشرائح العمرية من الصغار والشباب، فأغلب ممارسي اللعبة حالياً هم من كبار السن”.

وتضيف “لعبة المنقلة لازالت حاضرة رغم ظروف الحرب القاسية، وهي تقاوم وسائل التسلية والترفيه الحديثة لاسيما الالكترونية منها التي تؤثر سلباً على الأطفال، وتعلمهم العنف والإدمان، عكس لعبة المنقلة التي تحفز الذاكرة وتنميها فهي لعبة حساب وأرقام”.

ويرجع عالم الآثار هادي مجد أصول العبة “المنقلة” للسودان، التي كانت امتدادا للحضارة الفرعونية، ويروي لـ”صالون سوريا” بأن المكتشفات الأثرية والحفريات العلمية اكدت أن مصر القديمة، والتي كانت السودان جزءا منها، هي الموطن الأصلي للمنقلة، التي تم اكتشافها في وادي النيل ويرجع تاريخها إلى 1400 سنة قبل الميلاد.

ويضيف مجد “عثر علماء الآثار على الواح المنقلة الحجرية في مقابر الفراعنة في مصر، وفي مقابر حضارة الكوش في السودان وكشفت تقارير علمية عن العثور على لوح حجري على سطح معبد في مدينة منفيس بولاية طيبة والأقصر ذكرت فيها تفاصيل اللعبة “.

وقد عبرت هذه اللعبة عبر التجار موطنها باتجاه بلاد الرافدين والشام وافريقيا، حيث عثر الأثريون على آثار المنقلة في الواح حجرية لبقايا ممالك مالي وغانا المندثرة واريتريا واثيوبيا.

 لكن المختلف بحسب هادي بين منقلة الماضي والحاضر ان عدد الحفر كانت عشرين فراغاً على شكل صفين متقابلين، لكل  صف عشر فجوات توزع عليها 100 بحصة.