جمهور المنتخب السوري لخربين: عذرك مش مقبول

جمهور المنتخب السوري لخربين: عذرك مش مقبول

توجهت أنظار الجماهير السورية نحو الأسماء المستدعاة، ما إن أُعلن عن قائمة المنتخب السوري الأول لكرة القدم المشاركة في المباراتين الوديتين أمام كل من أوزبكستان وقيرغيزستان، بحث المتابعون عن أسماءٍ معينة ولم يجدوها.

افتقد عشاق المنتخب السوري مهاجمهم عمر خربين -أفضل لاعب في آسيا عام ٢٠١٧ ما أثار حفيظتهم، ودعاهم لطرح عشرات الأسئلة عن سبب الغياب المتكرر لمهاجم الهلال السعودي عن منتخب بلاده خلال الفترة الأخيرة.

الأسماء الموجودة في القائمة تم اختيارها من قبل بيرند شتانغه، المدرب الجديد لـ “نسور قاسيون”، وفي الثاني من أيلول/سبتمبر، كان اتحاد كرة القدم السوري عقدا مؤتمراً، برئاسة المدرب شتانغه، ورئيس الاتحاد فادي دباس، للحديث عن مباراتي أوزبكستان وقيرغيزستان، استعداداً لأمم آسيا ٢٠١٩.

بدأ المؤتمر بحديث المدرب الألماني عن تشكيلة الفريق، قائلاً إنها: “اُختيرت بدقة بعد تقييم مستوى اللاعبين، وأن الباب مازال مفتوحاً أمام جميع اللاعبين للعب في المنتخب السوري”، كما تطرق شتانغه إلى مواضيع أخرى حول فريقه واللاعبين.

بعد ذلك فُتح الباب أمام الصحفيين لطرح أسئلتهم، ولم يتأخر السؤال عن عمر خربين، ليأتي الجواب من رئيس اتحاد كرة القدم السوري دباس الذي قال إن “المهاجم قدم اعتذاراً مكتوباً لاتحاد الكرة، وسيكون مَوضع دراسة، وفي حال كان غير مقنعٍ، سيتخذ الاتحاد الإجراءات اللازمة بحق اللاعب.” طرح السؤال نفسه على شتانغه، فرد بجوابٍ مقتضب بأنه “لن يتحدث عن أي لاعب خارج القائمة المستدعاة.”

هذه الأجوبةٌ لم تطفئ النار المشتعلة في صدور السوريين المتابعين، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي وخاصةً “الفيسبوك”، لمنبر أمام الجماهير السورية لطرح أسئلتهم والتكهن بمصير خربين، وانهالت المئات من المنشورات المهاجمة على ابن الأربعة والعشرين عاماً. بعض التعليقات ذهبت بعيداَ إلى درجة اتهام اللاعب “بالخيانة وعدم الوفاء لقميص المنتخب.”

في حين أرجع رامي، أحد المتابعين الرياضيين، سبب غياب خربين عن المنتخب “بتفضيله ناديه الهلال الذي يقدم له الكثير من المال”، وأضاف بالعامية السورية “مافيه خير لبلده.”

الصحفي الرياضي خالد الحمد كتب على صفحته في “فيسبوك” بأن “خربين ليس لديه الرغبة في اللعب مع المنتخب وأن اتحاد الكرة كان يعاني قبل كل مباراة رسمية لإقناعه بالحضور”، وطالب اتحاد الكرة بعدم توجيه الدعوة لخربين مجدداً للحفاظ على هيبة المنتخب واحترامه من جهة، ولتجنيب اللاعب هذا الكم الهائل الذي يتلقاه من الإساءات والشتائم. يذكر أن هذه هي المرة الثالثة التي يعتذر فيها اللاعب عن الالتحاق بالمنتخب السوري في الأشهر الماضية.

ورغم أن مباريات المنتخب السوري الحالية ودية، لكن جماهير الكرة تُصر على حضور جميع اللاعبين نتيجة زيادة العاطفة والتعلق بالمنتخب الوطني، منذ تصفيات كأس العالم ٢٠١٨، والتي فشل فيها المنتخب السوري بالتأهل للبطولة العالمية.

في تلك التصفيات، تمكن المنتخب السوري من الوصول إلى أبعد شوطٍ له، قبل أن يخرج على يد أستراليا، وفيها تسلطت الأضواء على الثلاثي عمر خربين وعمر السومة وفراس الخطيب والعائدين إلى المنتخب السوري. سجل خربين هدف الفوز على منتخب أوزباكستان، بالإضافة إلى أحد أهداف الفوز على قطر، ليرتفع رصيده أكثر وأكثر لدى الجمهور السوري المتعطش للتأهل لكأس العالم، لأول مرة في تاريخه. لكن بعد انتهاء التصفيات، بدأ لاعب نادي الوحدة الدمشقي سابقاً بالاعتذار عن الحضور للمنتخب.

أخيراً نُشر توضيحٌ من جانب المهاجم السوري تبنته إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، عزا فيه خربين ابتعاده عن المنتخب. لضغوطٍ نفسية يتعرض لها كونه أمام امتحانٍ صعبٍ يخص مستقبله مع ناديه الهلال السعودي، مطالباً جماهير بلاده “بالوقوف معه في أزمته.”

ووعد خربين بأن “يقود مع رفاقه المنتخب السوري نحو مجدٍ آسيوي”، مشيراً إلى أنه “لن يتخلى عن تمثيل منتخب بلاده في أول مناسبةٍ رسمية قادمة” بحسب البيان ذاته. خفف هذا التوضيح من غضب البعض، لكن آخرين استمروا بمهاجمته ومقارنته بزميله غابرييل سومي الذي فسخ عقده مع ناديه “نيو انجلاند ريفولوشن” الأميركي بعد رفضه السماح للاعب بالالتحاق بمنتخب بلاده.

هذه الأحداث بسلبياتها وإيجابياتها تشير إلى أن المنتخب السوري بدأ بالعودة لمكانته لدى الجماهير الكروية السورية، بعد سنواتٍ من اعتبار هذا المنتخب غير مُجدٍ على الصعيد الكروي. ولذا لابد من العمل على دعمه وتطويره، للوصول به إلى مصاف منتخبات آسيا الكبرى، بعيداً عن الخلافات وحضور لاعب أو استبعاد آخر، وخاصةً مع تحول كرة القدم لمتنفس للسوريين خلال سنوات الحرب الماضية.

فيديو: قوات سورية الديمقراطية تتأهب لاستعادة عفرين

فيديو: قوات سورية الديمقراطية تتأهب لاستعادة عفرين

تترقب مدينة إدلب هجوماً عسكرياً واسعاً تسعى القوات الحكومية شنه لاستعادة المدينة وإنهاء سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة على هذه المنطقة. ومن الجانب الآخر تتأهب قوات سورية الديمقراطية لسد الحدود مع إدلب من جهة عفرين تمهيداً لتحرير المدينة الكردية من الجيش التركي ومسلحي المعارضة المدعومة من أنقرة.

المشهد السوري يتجه إلى سيناريو أفغنة سورية واستنزاف القوى المتناحرة والفصائل المتقاتلة على الأرض السورية وعجز حكومة دمشق عن حل أزمة البلاد. نظام جديد للإدارة الذاتية الكردية، الهدف الذي يجهد الكرد تحقيقه في شمال سورية، والذي طرحه وفد مجلس سورية الديمقراطية “الجناح السياسي” لقسد خلال زيارته الثانية إلى دمشق. الزيارات تأتي في إطار إلقاء الضوء على الجهود التي تبذلها الإدارة الذاتية، لفتح قنوات جديدة مع الحكومة وضمان الوصول إلى اتفاق يحفظ لهم الحكم الذاتي على الأرض السورية.

صالون سوريا
إعداد وتعليق: لامار أركندي
تصوير ومونتاج: جوان تحلو

المنزل السوري: بين حاجات البقاء ورفاة الحلم المهدور

المنزل السوري: بين حاجات البقاء ورفاة الحلم المهدور

تُنسج خيوط الذاكرة من المكان ومنحنيات تكوّنه، وتحضر سيرورة خلقه في كل رسمٍ وكل باب. وتشكل جدرانه المجبولة برائحة الجوع أولى الدعامات في القاموس البشري، ومنها تنبثق غريزة البقاء ومبدأ الاستقرار المعيشي.

ترسم هذا الاستقرار جارتنا أم محمد الخياطة، بحديثها المستقى من ذاكرتها المقفلة: “أترين هذا الدرج المبلط بالرخام الأبيض؟ لقد استهلك عيني ومفاصل جسدي كلها، كنت أجلس على ماكينة السينجر أشهراً بحالها كي ألبي طلبات الزبائن”، وتضيف أم محمد “كانت أكثر المواسم خيراً تلك المتزامنة مع قدوم المدرسة وازدياد الطلب على الصداري والبدلات، هذا البيت الذي نحتسي به قهوتنا الآن كان غرفة فقيرة ومنتفعاتها، فزوجي موظف في مؤسسات الدولة وراتبه لوحده لن يبني جداراً واحداً اضافياً.”

وعن عملها تحكي “كنت أرى التصاميم من المجلات وأطبقها على أزياء قديمة فقدت تناغمها مع الحاضر، هذا البيت أكل من جسدي، فتلك الأيام أجبرت كلينا على نقل البحص والرمل فيما استكمل العمال الفقراء عملية إعماره، لحظتها بدأت الحياة، فلقد أصبح لنا منزلٌ يحتضن عائلتنا، وكل ما هو خارج هذه الجدران لا يهم، لدينا أرضٌ تلتحم بفراش ننام عليه لنستفيق مسورين بأعمدة وجدران تُجلي الخوف منا.”

أنجبت نزعة الإنسان الأولى فكرة الملجأ- -المأوى، وجرى تحقيق وتطوير هذا الشرط بالتزامن مع ارتفاع سوية الوعي البشري وتزايد وتيرة الإدراك لحجم المخاطر التي تحيق به، والأدوات المبتكرة التي كُرست لحمايته وخلق المكان الذي يؤمن له خاصية البقاء. يعي معظم السوريين جيداً رمزية المنزل، وحاجتهم للظفر ببقعة صغيرة تلمهم وتجمع قلوبهم تحت سقفٍ واحد، غير آبهين بأبعاده أو بنمط بنائه.

لم يكن المنزل حلماً سهل التحقق للسوريين، كثير منهم لم يهنؤوا بالاستقرار النفسي والجسدي المجسد بهيكل منزل، فأسعار المنازل فُصلّت على مقاس أولياء النعمة، ومن ليس منهم، يحصل على المنزل إما عبر التوريث أو بقضاء عمره مسدداً القروض السكنية عبر مضخات الجمعيات ذات السياسات الفاسدة، فالمنزل الذي يتم التسجّيل عليه، قد يأخذ من عمرك ثلاثة أرباعه إلى أن تُتسلّم مفاتيحه أخيراً.

ويلجأ الغالبية العظمى لهذه الجمعيات بسبب الدخل المتدني للسوريين، فهو أقل من أن يشتري غسالة أو براد أو غيرها من ضروريات الحياة، فكيف لعائلة أن تُبنى بهيكليتها الأولى دون هندسة تنظم لها شؤون الحياة ومتطلباتها؟ وكيف للإنسان العيش في ظل حياةٍ تسلبهُ كل طموحاته وجهوده وتختزلها بمسمى واحد هو المنزل؟

عالج السوريون معضلتهم هذه بطرق عدة، منها تقسيم منزل العائلة الواحدة لبيوت صغيرة تأوي أبناءها الذين بدؤوا بتشكيل عائلتهم الجديدة، وستعاد هندسة المنزل وفق تقسيمات حديثة تضمن استقلالية العائلة المنبثقة من جديد، إلا أن كل جدران وهندسات العالم  لن تتمكن من منع حدوث “الشربكات” العائلية وما ينتج عنها من الشروخ الاجتماعية.

أما الأحياء الشعبية، فستتبع سياسة تحويل الطابق العلوي (السطح) إلى منزل مستقل، يتولى من يسكنه مسؤولية تغطية تكاليف إعماره والتي تسرقه بالمطلق. استطاع ابن جيراننا أن يُنشئ منزلاً صغيراً من هذا النموذج بعد أيام طوال أمضاها وهو يؤجل تعليق شهاداته إلى أن ينتهي من جدار بيته الجديد المبني على سطح دارهم.

كذلك جسد نظام الاستئجار الحل الأكثر شيوعاً وانتشاراً، يتم اللجوء إليه من إدراك الكثيرين بأن هذه الحياة وثلاث حيوات أخرى لن تمنحهم صك امتلاك المنزل. يبدأ الزواج بعملية البحث عنه، وتتعلق به مشاكل اجتماعية قوامها مؤسسة الأسرة وإيجاد حلول منصفة لها، فمثلاً نسبة كبيرة من النساء اللواتي يرغبن بالانفصال عن أزواجهن يتعثّرن بفكرة المنزل؛ فالعودة مجدداً إلى جلباب ووصاية العائلة يجعل من خيار البقاء وتحويل حياتهن إلى جحيم أفضل الموجود.

يلعب المنزل دورا حاسماً في قرار ترك أم شام لزوجها، فهي لا تعير أية أهمية لنظرة المجتمع لها في حال تحقق الانفصال، إلا أن المنزل هو العثرة. تقول أم شام: “شخص واحد أفضل من عشرة يتحكمون بمصيري ويومياتي الحياتية، جل ما أطمح له غرفة صغيرة لابنتي تستطيع الاستقلال فيها عن باقي أفراد المنزل، وغرفة لها باب تمكنني من متابعة حياتي دون سماع كلمة من هنا وهناك.”

امتلاك منزلٍ يضم أرشيف العائلات ونواة تشكلها الصحي معضلة لنسبة كبيرة من السوريين، بدءاً من الخزانة التي تشكّل بيت أسرار المنزل برفوفها المتدرجة تباعاً ودورها كمخزون ثمين لأهم الأشياء. ففيها تُخبأ ألبومات الصور المؤرشفة لتاريخ العائلة منذ أول لقاء بين الأم والأب، يزخرف خلفيات صورها تأريخٌ دقيق للحدث مع بضع كلمات دافئة، إلى مكان النوم والفراش، علاقة الأم بمطبخها، انتهاءً بالحمام الذي لا يستطيع أياً كان أن يستحم خارج منزله أو أن يقضي حاجته أيضاً.

مدارات نفسية خاصة تشبك جل أبناء المنزل الواحد مع جدرانه، ولهذا شغل المنزل سلم الأولويات في تقوية وتمكين العلاقات الاجتماعية وزيادة الألفة بين أفراد المجتمع، فلا وجود لمجتمع سوي من دون عائلة متماسكة تمتلك أدنى الشروط في سلم الحياة وهو عامل الأمان والاستقرار.

ولهذا نجني ما نجنيه من تفكك اجتماعي وتصدعات طفت على السطح الآن؛ فالعائلة فقدت أبسط مكنوناتها الطبيعية والصحية وجل أفرادها منصرفون للبحث عن مقومات حياتهم وقيمتهم في بلاد حاكمتهم على أنهم غرباء. فما معنى أن تدفع آجار بيتك وأنت ضمن الحدود المرسومة لبلدك ولا سند لك ينجيك من براثن المكاتب العقارية ومافياتها؟ وما هو تأثير التقرحات التي سيصاب بها أب كل أسرة لا يقوَ على جمع شتات عائلته خلف بابٍ صغير؟ وكيف للاستقرار النفسي أن يزور العائلات وهي محرومة من أرضية ثابتة تحفظ لها وجودها ومستقبلها؟

سويت معظم المدن السورية أرضاً وشُرد أبناؤها ولم يبق من العائلات السورية الكاملة في هذا البلد إلا القلة القليلة، شكل النازحون داخل سوريا -والذين تخطى عددهم الـ ٧.٦- مليون إشكالية كبرى باعتبار أنّهم يعيشون في ظروف معيشية صعبة وفي مواقع يصعب الوصول إليها، وشكلّت معاناتهم أرضية خصبة لسماسرة العقارات حيث ارتفعت الإيجارات أكثر من ٣٠٠٪ منذ بداية ٢٠١١، وأُجرّت العقارات غير الصالحة للعيش، كما تحولت البيوت غير الجاهزة “على العظم” لوجهة للكثيرين، وتم رفع أجرتها لاحقاً بعد ما عاينوه من سلوك ساكنيها وما جلبوه من  حياة جديدة، من العناية بالنباتات المنزلية والورود على شرفاتها المتفسخة، وفرش نوافذها بالأقمشة الملونة، فقد بدأ المستأجرون يُضفون عليها بعضاً من ملامح المنزل الغائب أملاً بأن تمكّنهم من استعادة بعضاً من رموز الأمان والحماية التي أفقدتهم إياها سنوات الحرب. أُجرّت أيضاً عيادات أطباء الأسنان، الصيدليات، محلات السمانة، وصالونات الحلاقة، لعائلات بأكملها تكدست فوق بعضها البعض.

بقي العديد من النازحين يقتات على حلم عودته إلى منزله الدافئ حيث كان يقود زمام الحياة، إلا أنه عاد من حلمه بحجر من جدار أو نعلة باب ليقنع بها نفسه باستحالة عودة كل ما كان، وأصيب بعضهم حتى بنوبات قلبية لدى عودة مدنهم والسماح لهم بالذهاب ومعاينة منازلهم.

لا يُقارن هذا كله بمأساة لاجئي الخيام، الذين فقدوا إحساسهم بالانتماء والطمأنينة؛ فكيف بإمكان قطعة قماش أن تستر حياة كاملة في فسحة لا يتجاوز امتدادها جسد إنسان؟ هناك حيث الخصوصية والاستقلالية مفقودة، والأطفال يزجون في المحظورات نتيجة شعورهم بالنقص؛ فالخيام منصوبة في مناطق آهلة بمنازل تُقفل ليلاً وتطفأ أنوارها مع احتضان كل طفل لوسادته وغطائه الدافئ في جو أسري. أما هذه المساحات المقفرة فمملوءة بروائح امتهان كرامة الإنسان فدور الرجل تقلص ليصبح متواكلاً ينتظر معونته الشحيحة، ويعمل ضمن النطاق المسموح به. والأمر مطابقٌ أيضاً لأطفال أجبرتهم الحياة على العيش في الحدائق العامة ومرافقها المشاع، يمارسون يومياتهم على مرأى الجميع، كذلك فعلت بعض العائلات، لا مؤجر هنا ولا جدران تُدفع كثمن لإقامتهم بين تقسيماتها، اعتاد هؤلاء أمطار الشتاء وحرارة الصيف، لا مكان لديهم للاختباء، فالمساحة مفتوحة للمارة ومفصولة عنهم بسياج معدني بات يشكل حاجزاً لا يلتقي به الخارج والداخل إلا بعيون تترجم جوف كل منهما.

سوريا في أسبوع، ١٠ أيلول

سوريا في أسبوع، ١٠ أيلول

إدلب: عد عكسي
٨ أيلول/سبتمبر

بدأ العد العكسي في محافظة إدلب آخر معقل للمعارضة الذي يضم متطرفين، حيث يعيش ثلاثة ملايين نسمة وذلك غداة فشل القمة الروسية – التركية – الإيرانية في طهران ما يثير مخاوف من هجوم لقوات النظام والكارثة الإنسانية الجديدة التي ستترتب عليه.

وشنّت طائرات روسية الجمعة غارات على مقار تابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وأخرى لحركة أحرار الشام الإسلامية في محافظة إدلب، موقعة خمسة قتلى على الأقل، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وبدأ مئات المدنيين الخميس الفرار من مناطق في إدلب خوفا من هجوم وشيك. وتتركز عمليات النزوح خصوصا من الريف الجنوبي الشرقي الذي يستهدف منذ أيام بقصف جوي سوري وروسي والذي يتوقع أن يشهد المعارك الأولى في حال بدأ الهجوم.

ودعت ثماني منظمات دولية غير حكومية ناشطة في سوريا “القادة الدوليين” المجتمعين في طهران وفي نيويورك إلى “العمل معا لتفادي” وقوع “أسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع السوري قبل سبع سنوات”، والذي أدى الى مقتل أكثر من ٣٥٠ ألف شخص وملايين النازحين.

وترعى روسيا وإيران وتركيا محادثات أستانة للسلام التي أطلقت بعد التدخل الروسي العسكري في النزاع في العام ٢٠١٥ ما شكل نقطة تحوّل في النزاع لصالح نظام بشار الأسد. وطغت تلك المحادثات على مفاوضات جنيف التي كانت تقودها الأمم المتحدة.

قبل القمة، أشارت بعض وسائل الإعلام الى إمكان التوصل إلى اتفاق حول إدلب لكن البيان الختامي اكتفى بالقول إن الرؤساء الثلاثة اتفقوا على معالجة الوضع في إدلب “بروح من التعاون الذي طبع محادثات أستانا.”

وصرح بوتين في أعقاب القمة “لقد تباحثنا في الإجراءات العملية لفرض الاستقرار على مراحل في منطقة خفض التوتر في إدلب، تشمل خصوصا إمكان أن يوقع الراغبون في الحوار اتفاقا”، في إشارة الى المقاتلين الراغبين في تسليم سلاحهم.

وفي الوقت الذي دعا فيه أردوغان وروحاني إلى ضرورة حماية المدنيين، طالب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا أمام مجلس الأمن المنعقد في نيويورك الجمعة بإجراءات ملموسة.

وقال دي ميستورا عبر الفيديو “يجب منح الناس ممرًا آمنًا إلى الأماكن التي يختارونها إذا أرادوا المغادرة”، مضيفا “يجب أن نسمح بفتح عدد كاف من ممرات الإجلاء الطوعي المحمية للمدنيين في كل اتجاه: الشرق والشمال والجنوب.” ومن المقرر أن يجري دي ميستورا محادثات مع ممثلين عن تركيا وروسيا وإيران الأسبوع المقبل في جنيف حول الأزمة في إدلب.

وترسل قوات النظام منذ أسابيع تعزيزات متواصلة الى محيط إدلب، تزامناً مع تصعيد قصفها المدفعي في الأيام الأخيرة على مناطق في الريف الجنوبي الشرقي بمشاركة طائرات روسية. تقول الأمم المتحدة إن نصف سكان المحافظة تقريبا وبعض جيوب المقاتلين في محافظات حماة وحلب واللاذقية المجاورة من النازحين.

إدلب: غارات أعنف
٩ أيلول ٢٠١٨

تعرضت محافظة إدلب في شمال غرب سوريا لغارات جوية روسية هي “الأعنف” منذ بدء تهديد دمشق مع حليفتها موسكو بشن هجوم وشيك على المنطقة، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ونفذت طائرات روسية قرابة ستين ضربة في أقل من ثلاث ساعات على بلدات وقرى في ريفي إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي تزامناً مع قصف مدفعي وجوي بالبراميل المتفجرة لقوات النظام على المنطقة، وفق المرصد. وتسبب القصف الجوي وفق المرصد بمقتل أربعة مدنيين على الأقل بينهم طفلان. وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية أن الغارات المستمرة تتركز على مقرات تابعة لفصائل جهادية ومقاتلة، بعضها خال والبعض الآخر في  الخدمة.

وقال إن هذه الغارات تعد “الأعنف” على شمال سوريا منذ شهر حين أوقعت غارات روسية وسورية ٥٣ قتيلاً على الأقل بينهم ٤١ مدنياً في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي المجاور لإدلب. وتأتي هذه الغارات غداة قمة عقدت في طهران جمعت رؤساء إيران حسن روحاني وروسيا فلاديمير بوتين، حليفي دمشق، وتركيا رجب طيب اردوغان الداعم للمعارضة.

وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من إدلب بينما تنتشر فصائل إسلامية أخرى في بقية المناطق وتتواجد قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي. كما أن هناك وجودا لهذه الهيئة والفصائل في مناطق محاذية تحديداً في ريف حلب الغربي (شمال) وريف حماة الشمالي (وسط) واللاذقية الشمالي (غرب).

تباين ثلاثي في طهران
٦ أيلول/ سبتمبر

فشل رؤساء إيران وتركيا وروسيا خلال قمة عقدت في طهران أمس في تجاوز خلافاتهم حول محافظة إدلب السورية، حيث ظهر “تباين ثلاثي” حال دون الاتفاق على خطة أو وقف للنار شمال سوريا.

وشدّد الرئيسان الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين على ضرورة استعادة حليفتهما دمشق السيطرة على محافظة إدلب التي يقطنها حاليا حوالي ثلاثة ملايين شخص، نصفهم من النازحين من مناطق أخرى. واعتبر بوتين أن “الحكومة السورية الشرعية لها الحقّ في استعادة السيطرة على كل أراضيها الوطنية، وعليها أن تقوم بذلك.”

في المقابل، حذر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من أن هجوما على إدلب سيؤدي إلى “كارثة”. وصدر بيان مشترك في ختام القمة لم يتضمن طلب إردوغان الحديث عن هدنة. وبعد القمة، التقى بوتين وإردوغان، كل على حدة، المرشد الإيراني علي خامنئي.

في غضون ذلك، انعقد مجلس الأمن الدولي بدعوة من واشنطن لبحث الوضع في إدلب. ودعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أمام المجلس إلى تحديد ممرات للسماح للمدنيين. ووردت أبرز التحذيرات على لسان رئيسة مجلس الأمن للشهر الجاري المندوبة الأميركية نيكي هيلي التي أكدت أن “إيران وروسيا ستواجهان عواقب وخيمة”، فيما نبه مندوبون آخرون من “حصول كارثة إنسانية جديدة” في إدلب تحديداً.

فصل تركي شمال سوريا
٦ أيلول/سبتمبر

وضعت أنقرة خطة لتقديم خروج آمن لفصائل مسلحة من محافظة إدلب السورية في مسعى لتفادي حمام دم قد ينجم عن هجوم كبير للقوات الحكومة السورية، بحسب ما ذكرته صحيفة تركية حكومية الجمعة.

وفيما التقى رؤساء روسيا وتركيا وإيران في طهران الجمعة سعيا للتوصل إلى حل للنزاع السوري الدائر منذ سبع سنوات، وضعت أنقرة – القلقة إزاء محاولة قوات الرئيس بشار الأسد استعادة إدلب آخر معاقل الفصائل المسلحة – خطة لتفادي هجوم، بحسب صحيفة “صباح”.

وتقضي الخطة بان يقوم ١٢ فصيلا مسلحا – منها هيئة تحرير الشام في إدلب – بتسليم أسلحتهم ويتم إجلاؤهم من المحافظة، بحسب الصحيفة التي لم تكشف عن مصادرها.

ويقدم خروج آمن للفصائل إلى منطقة عازلة تحت إشراف المعارضة المعتدلة، شرط أن يسلموا أسلحتهم لتحالف فضفاض من فصائل معارضة تدعمه أنقرة، بحسب الصحيفة. وقالت الصحيفة إنه سيُسمح للمقاتلين الأجانب في المجموعة بالعودة إلى بلدانهم إذا أرادوا ذلك. لكن الفصائل التي ترفض إلقاء السلاح والإجلاء سيتم استهدافها في عمليات مكافحة الإرهاب. وكما في مناطق أخرى تسيطر عليها فصائل مدعومة من أنقرة، ستقوم تركيا في وقت لاحق بتدريب مقاتلين لضمان أمن إدلب. وتضمن الخطة أيضا أمن قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية وكذلك ثروات المعادن في المنطقة، وفقا للصحيفة.

وتركيا التي صنفت جبهت النصرة وتنظيم القاعدة على قائمة الإرهاب، أضافت هيئة تحرير الشام على القائمة الشهر الماضي. وتخشى أنقرة أن يتسبب هجوم كبير على إدلب بتدفق اللاجئين عبر حدودها، وحذرت من أن حلا عسكريا من شأنه فقط أن يسبب “كارثة”. وأجرت مفاوضات مكثفة لأسابيع مع روسيا. ويقول المحللون إن أنقرة ستكون مستعدة لقبول هجوم محدود للنظام بدعم روسي ضد فصائل متطرفة، وإن تركت مسألة السيطرة على المحافظة على المدى البعيد، مفتوحة في الوقت الحاضر.

اختبار شرق الفرات
٨ أيلول/سبتمبر

قتل ١٨ عنصراً من قوات النظام السوري وقوات الأمن الكردية (الأساييش) السبت، في مواجهات بين الطرفين شهدتها مدينة القامشلي في شمال شرقي سوريا، والتي يتقاسمان السيطرة عليها، وفق ما أفاد بيان عن الأكراد والمرصد السوري لحقوق الإنسان. واعتبر مراقبون المواجهة بمثابة “ختبار قوة دموي”، ذلك أن للنظام “مربعين أمنيين” في القامشلي والحسكة شرق نهر الفرات الذي يخضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية – العربية المدعومة أميركياً.

ويتوزع القتلى وفق المصدرين، بين ١١ عنصراً من قوات النظام كانوا على متن دورية لدى مرورها على حاجز لقوات الأساييش في المدينة، مقابل سبعة قتلى من الأكراد، إضافة إلى جرحى من الطرفين. وأوردت قيادة الأساييش في بيان أن إطلاق عناصرها النار جاء رداً على “استهداف عناصر الدورية قواتنا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لترد قواتنا على هذا الاعتداء لينجم عنه قتل ١١ عنصراً من عناصر النظام وجرح اثنين.” وأضافت أنه إثر ذلك “استشهد سبعة من رفاقنا وجرح واحد.”

من جهته، قال المرصد  إن “حاجزاً للأساييش أوقف سيارة عسكرية تابعة لقوات النظام لدى مرورها على أطراف الشارع السياحي في المدينة وطلب من عناصرها النزول.” وأضاف: “لدى رفضهم الامتثال لهذا الطلب، بدأ إطلاق الرصاص على السيارة، لتندلع إثر ذلك اشتباكات عنيفة بين الطرفين مع استقدام كل منهما لتعزيزات عسكرية.”

وأفادت الوكالة بوجود ثلاث آليات عسكرية تابعة لقوات النظام من طراز بيك آب متوقفة وخالية في مكان الاشتباك، بينما آثار طلقات الرصاص عليها وبقع دماء حولها على الأرض. وأشار إلى حالة توتر تسود المدينة مع استنفار قوات الأمن الكردية واستقدامها لتعزيزات عسكرية إضافية.

ونادراً ما تشهد المدينة اشتباكات بين الطرفين اللذين يتقاسمان السيطرة عليها، إذ تسيطر قوات النظام على مطار المدينة ومعظم الأحياء ذات الغالبية العربية فيها، فيما يسيطر الأكراد على الجزء الأكبر منها.

ووقعت اشتباكات دامية بين الطرفين في أبريل (نيسان) ٢٠١٦ إثر إشكال وقع عند أحد الحواجز الأمنية في المدينة. وأوقعت الاشتباكات عشرات القتلى من الطرفين ومدنيين. وانسحبت قوات النظام السوري تدريجياً من المناطق ذات الغالبية الكردية مع اتساع رقعة النزاع في سوريا عام ٢٠١٢، لكنها احتفظت بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.

ويسيطر الأكراد على الجزء الأكبر من محافظة الحسكة الحدودية مع تركيا والعراق، فيما تسيطر قوات النظام على عدد من القرى ذات الغالبية العربية في محيط مدينتي القامشلي والحسكة. وباشر أكراد سوريا الذين يسيطرون على نحو ثلاثين في المائة من مساحة البلاد، مفاوضات مباشرة مع دمشق في يوليو (تموز) الماضي، وتم الاتفاق على تشكيل لجان لتطوير المفاوضات بهدف وضع خارطة طريق تقود إلى حكم “لامركزي” في البلاد في وقت تكرر دمشق عزمها استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد.

واشنطن: عقوبات وتهديدات
٥ أيلول/سبتمبر

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أنها فرضت عقوبات على أربعة أشخاص وخمسة كيانات، تتهمهم الوزارة بتسهيل عمليات نقل شحنات نفطية وتمويلات إلى الحكومة السورية، في وقت قال مبعوث أميركي بأنه يرى “أدلة على أن دمشق تستعد لاستخدام أسلحة كيماوية في إدلب.”

وربط ستيفن مونشن، وزير الخزانة الأميركي، العقوبات بالهجوم الذي يتوقع أن تنفذه الحكومة السورية على محافظة إدلب، آخر محافظة تسيطر عليها المعارضة في شمال البلاد على الحدود التركية.

ومن بين الأشخاص الذين طالتهم العقوبات، محمد القاطرجي، الذي وصفته الوزارة بأنه سهّل صفقات وقود تجارية بين الحكومة السورية وتنظيم داعش.

وقال مونشن: “إن ملايين الأبرياء في محافظة إدلب يتعرضون حاليا للتهديد بوقوع هجوم وشيك من جانب قوات نظام الأسد، المدعوم من إيران وروسيا، بحجة استهداف تنظيم داعش.” وأضاف: “في الوقت نفسه، فإن نظام الأسد له تاريخ من التجارة مع الجماعة الإرهابية” واصفا الحكومة السورية بأنها “قاتلة.”

وتحتفظ الولايات المتحدة بمجموعة من العقوبات على الحكومة السورية، بما في ذلك سلسلة من الإجراءات فرضت بعد الحرب الأهلية التي اندلعت في ٢٠١١. إلى ذلك، قال جيم جيفري، ممثل الولايات المتحدة الجديد بشأن سوريا، إن هناك “أدلة كثيرة” على أن القوات الحكومية السورية تستعد لاستخدام أسلحة كيماوية في محافظة إدلب بشمال غربي سوريا، محذرا من أن أي هجوم على هذه المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة سيكون “تصعيدا متهورا.”

وقال جيفري الذي عُين يوم ١٧آب (أغسطس) مستشارا خاصا لوزير الخارجية مايك بومبيو بشأن سوريا ليشرف على المحادثات بشأن الانتقال السياسي هناك “أنا على يقين تام بأن لدينا مبررات قوية جدا جدا لإصدار هذه التحذيرات.” وأضاف للصحافيين “أي هجوم هو عمل مرفوض بالنسبة لنا وتصعيد متهور… هناك أدلة كثيرة على أنه يجري إعداد أسلحة كيماوية.”

وقال جيفري إن أي هجوم للقوات الروسية والسورية واستخدام للأسلحة الكيماوية قد يؤدي إلى تدفق هائل للاجئين إلى جنوب شرقي تركيا أو المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في سوريا.

كيماوي وضربات مجددا
٨ أيلول/ سبتمبر

قال الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، السبت، إنه يجري “حوارا روتينيا” مع الرئيس دونالد ترمب بشأن الخيارات العسكرية إذا تجاهلت سوريا تحذيرات واشنطن من استخدام أسلحة كيماوية في هجوم متوقع على إدلب.

وأضاف دانفورد أن الولايات المتحدة لم تتخذ قرارا باستخدام القوة العسكرية ردا على أي هجوم كيماوي في سوريا. وقال: “ولكننا نجري حوارا، حوارا روتينيا، مع الرئيس للتأكد من أنه يعرف موقفنا فيما يتعلق بالتخطيط في حالة استخدام أسلحة كيماوية.” وأضاف أنه “يتوقع أن تكون لدينا خيارات عسكرية وأعطيناه آخر تطورات هذه الخيارات العسكرية.” وأدلى دانفورد بهذه التصريحات خلال زيارة للهند.

وحشد الرئيس السوري بشار الأسد جيشه وقوات متحالفة معه على خطوط المواجهة في شمال غربي البلاد وشاركت طائرات روسية في قصف مقاتلي المعارضة هناك في تمهيد لهجوم متوقع على نطاق واسع على الرغم من اعتراضات تركيا.

وقال مبعوث أميركي كبير الأسبوع الماضي إن هناك “أدلة كثيرة” على تجهيز القوات الحكومية السورية أسلحة كيماوية في إدلب. وحذر البيت الأبيض من أن الولايات المتحدة وحلفائها سيردون “بسرعة وبقوة” إذا استخدمت القوات الحكومية أسلحة كيماوية في إدلب.

وقصف ترمب سوريا مرتين بسبب استخدامها المزعوم لأسلحة كيماوية في أبريل (نيسان) ٢٠١٧ وأبريل ٢٠١٨. وقال قائد الجيش الفرنسي أيضا الأسبوع الماضي إن قواته مستعدة لضرب أهداف سوريا إذا تم استخدام أسلحة كيماوية في إدلب. وامتنع دانفورد عن التعليق على معلومات للمخابرات الأميركية بشأن تجهيزات سورية محتملة لعناصر كيماوية.

وعندما سئل دانفورد عما إذا كانت هناك فرصة لتفادي شن هجوم على إدلب، قال: “لا أعرف ما إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يمنعه. عدم تمكن الروس والأتراك والإيرانيين من التوصل لحل أمس أمر مخيب للآمال بالتأكيد ولكن ربما ليس مفاجئا.”

وحذر دانفورد من احتمال حدوث كارثة إنسانية في إدلب وأوصى بدلا من ذلك بالقيام بعمليات على نطاق أضيق تستهدف بدقة المتشددين هناك. وقال: “هناك وسيلة للقيام بعمليات لمكافحة الإرهاب أكثر فاعلية من العمليات التقليدية الضخمة في إدلب.”

يوميات سورية: مواسم الحصرم

يوميات سورية: مواسم الحصرم

دمشق

وافق أمجد، الذي يعمل كـ”طورنجي” سيارات، على الالتحاق بالدراسة كطالب بالصف السابع رغم أن عمره تجاوز السابعة عشرة، فهو يدرك عدم إلمامه بالمعلومات الأساسية واللازمة للتقدم لامتحان الشهادة الإعدادية. وجد أمجد مكانه في صف دراسي بمركز تعليمي أعدته جمعية أهلية تراعي ظروف النازحين والمهجرين والمتسربين من التعليم، وتقدم لهم الدروس والمستلزمات المدرسية إضافة للحوافز لتشجيعهم على متابعة الدراسة.

الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسوريين كافة تلعب دوراً أيضاً في زيادة حركة التسرّب من المدارس، والتي يحاول الأهالي والتجار التحايل عليها للاستمرار، ففي مواسم المدارس تبيع العديد من البقاليات الدفاتر والأقلام بالدين دونما فائدة (ليتم دفع المبالغ لاحقاً)، كما أن السوريين باتوا خبراء بتدوير ما لديهم وما يحتاجونه بمهارة عالية، كأن يشتري الأهل علبة أدوات هندسية واحدة لكافة أبنائهم الطلاب، وكذلك علب التلوين والمساطر الرقمية أو الآلات الحاسبة وسواها من المستلزمات المدرسية غالية الثمن.

تقول خلود وهي معلمة رسم بمدرسة ابتدائية حكومية، بأنها سألت تلميذا عن علبة الألوان الخاصة به، فاستأذنها ليحضرها من أخيه في الصف الأعلى، لأنهما يتشاركان علبة تلوين واحدة . “أذكر أيضاً طفلاً جاء إلى المكتبة ليبيع علبة الألوان التي منحوه إياها مجاناً في نادي للنشاطات، ليشتري بثمنها علبة من قطع الجبنة الصفراء.” تروي خلود مضيفة، “كان بمتسعه المحافظة عليها للموسم المدرسي، لكن الجوع أولى بتدابير إسعافيه تضحي بعلبة الألوان مقابل لفافة جبنة تحولت إلى حلم عصي على التحقيق، فليس المهم الوصول إلى الموارد وتصريح أن مليون طفل حصلوا على علب تلوين مجانية، بل المهم هو قدرة الطفل على التحكم بهذه الموارد وضمان ديمومتها.”

لا يبدو هذا خارج السياق العام في سوريا، ففي بلد يعاني ثمانون بالمئة من أهله من الفقر، ويصل متوسط الأجور لأقل من ثمانين دولاراً شهريا، يبدو منطقياً أن تغدو الحقيبة المدرسية حلما مترفا، لكن إن تمكن الأهل من التحايل على ابنهم الأصغر بحمل حقيبة الابن الأكبر، ماذا سيفعلون بالممحاة؟ الدفتر؟ قلم الرصاص؟ الألوان وغيرها…

في موسم المدارس، نشرت المؤسسة السورية للتجارة والمعروفة سابقاً باسم “المؤسسة العامة الاستهلاكية” إعلاناً تقدم فيه عرضاً بمنح قرض مقداره خمسون ألف ليرة دون فوائد يتم دفعه بالتقسيط لمدة عشرة أشهر، أي بواقع خمسة آلاف ليرة شهريا. آثار هذا الإعلان ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة أهالي الطلاب، وركزت التعليقات على فداحة الواقع الاقتصادي للطلاب وذويهم والذي يضطرهم للتقدم لهكذا قرض. كما تم اتهام الجهات المسؤولة بتجاهل الحال الرث الذي وصله الوضع الاقتصادي السوري، ليس للطلاب والتلاميذ وذويهم فحسب وإنما لمجمل السوريين الذين يمضون أيامهم بصعوبة، محاولين سد احتياجاتهم الأساسية، بينما تقوم طبقة صغيرة منهم بالنهب وصرف الملايين بطريقة باذخة واستعراضية تثير السخط والحقد معا.

وإضافة لإظهار القرض للعمق الحقيقي للأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسوريين، فإنه يهدف لتسويق بضاعة مؤسسات السورية للتجارة، وكسر حالة الكساد التي تعاني منها نتيجة لضعف القوة الشرائية ونقص التسويق مما ينتج عنه العجز عن سداد رواتب وأجور العمالة الفائضة عن الحد في هذه المؤسسات، لذلك غالبا ما تلجأ تلك المؤسسات لعرض بعض مراكزها للاستثمار “الضمان” على تجار من خارج الوزارة وخاصة في منافذ بيع الخضار والبقالة التابعة للمؤسسة المذكورة. وغالباً ما تكون أسعار المواد فيها أعلى من السوق المحلية التي يتحكم تجارها بحركة خفض الأسعار حسب قوة العرض والطلب أو نقصهما.

ساهم هذا القرض أيضاً بزيادة صعوبة الوضع الإقتصادي على أصحاب المكتبات، يقول أبو أيمن وهو صاحب مكتبة معروفة في جرمانا الكثيفة السكان والطلاب “كان موسم المدارس العام الفائت خاسراً بامتياز.” فقد حرمه القرض  من الزبائن الطلاب من أبناء الموظفين والعاملين في الدولة. وامتنع تجار القرطاسية عن البيع بالتقسيط الأسبوعي نظرا لانخفاض سعر الدولار، وتخوفهم من ارتفاعات أو انخفاضات متتالية أو مفاجئة تغير من قيمة ما باعوه وتقلّص من قدرتهم على شراء المزيد، وتعويض المستودعات بما فقدته من استجرار كبير في الشهر الأول للعام الدراسي، والشهر الأول هو ذروة الموسم المكتبي والقرطاسية وملابس المدارس الموحدة. كما دفع التغير الحاصل بالقوة الشرائية العديد من أصحاب المحال والمكتبات لإغلاقها بشكل تام ونهائي.

يغفل القرض والمؤسسة أيضاً الجانب الإنساني  المرتبط بالتنمية، وهو حرية اختيار الدفاتر والأقلام والحقائب، وهو جانب ضروري لاكتساب شعور الرضا بالتعامل مع القلم والدفتر والممحاة، من أجل سلامة العملية التعليمية والتربوية. ففي منافذ بيع المؤسسة لا خيارات تذكر، كما سلة الإعانة، على الطالب وأهله شراء المتوفر جيداً كان أم سيئاً، مريحاً أم لا، لا خيار إذ عليك اختيار ما هو هنا ودفعة واحدة لكل ما يتوفر.

يقول البعض إن أجدادنا درسوا وهم يحملون كيساً من القماش “و أكبر بروة قلم الرصاص امتلكوها كانت بحجم الإصبع” متسائلين “لماذا كل هذا البطر الاستهلاكي؟”

إذن لماذا توزع المنظمات الأممية حقائب ملونة للطلاب بدلاً من أكياس طحين قماشية يحولها الأهل لحقائب؟ والموضوع هنا ليس للتندر، بل لتبيان حجم الهوة العميقة التي تصل حد الإدانة لكل من يبحث عن دعم وتطوير العملية التربوية والتعليمية شكلاً ومضموناً لتحقيق هدف التنمية في توسيع خيارات البشرية.

حاول البعض أن يوفر هذه الخيارات شخصياً، فبعض المغتربين أرسلوا مستلزمات مدرسية ملونة وأنيقة لأطفال قريتهم، كما قامت سيدة بإرسال مبلغ مائتي يورو كلفة مواد مدرسية لعشرة طلاب من مدينتها بعد أن وجهت دعوة على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لكافة المغتربين أو القادرين للمبادرة لسد عوز الأطفال الآخرين.

المشكلة قائمة إذن، ولن يحلها قرض أو تقسيط أو منح أو حقيبة توزع أو تصريح يعج بأرقام بلا روح وبلا أفق. زاد من المشكلة أن الدوام المدرسي تزامن مع موسم المونة وفصل الشتاء المُكلفة للأسر السورية المتوسطة الدخل. هذا عدا عن المدارس الخاصة وتكاليفها التي تصل وسطيا إلى الثلاثمائة ألف ليرة سنويا لستة أشهر من أيام الدراسة الفعلية، إضافة لمشكلة تأمين مواصلات لنقل الطلاب في المدارس العامة والخاصة والتي تتراوح كلفتها مابين الخمسة آلاف والعشرة آلاف شهرياً عدا عن سوء هذه الخدمة وفقدان عوامل الأمان وزج الطلاب  وبأعداد مرتفعة في مكان ضيق.

ونحن نحترف غش أنفسنا بأننا نحيا، وبأننا في وضع ممتاز، والرسالة ظاهرة من العنوان، الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون، حتى الحصرم ولد هذا العام محروقا ويابسا، بفعل المطر الحامضي الذي أحرق المواسم كلها، لتصير وجبة الحصرم علقما واخزا وأوهاما  خادعة.

“الإعلام السوري الحكومي “لشو التغيير؟

“الإعلام السوري الحكومي “لشو التغيير؟

في عالم التطور التقني والرقمي ومع اتساع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مازال الإعلام السوري الحكومي يحبو سعياً للتغير ومواكبة وسائل الإعلام المعاصرة، ورغم الجهود التي يبذلها في سبيل ذلك إلا أنه يبتعد يوماً بعد يوم عن إعادة بناء جسور الثقة التي هُدمت بينه وبين المتلقي المحلي منذ بداية الأزمة في سوريا.

تغييرات عديدة طالت وزارة الإعلام السورية أسوة بالتغيير الحكومي، ورغم تعاقب العديد من المسؤولين على إدارة الملف الإعلامي، إلا أن هذه التغييرات اقتصرت على تغيير الأشخاص وفشلت بإنعاش جثة الإعلام السوري التي رقدت في غياهب الزمن.

ومع التغيير الأخير لوزارة الإعلام، رفعت الوزارة شعارات “مكافحة الفساد الإعلامي” والامتناع عن توظيف من لا يمتلك الكفاءة الإعلامية والمهارات اللازمة للعمل بقطاع الإعلام، كما بدأت بتطبيق نظام “البصمة” لمراقبة حضور والتزام الموظفين، وأخيراً ابتكرت لجنة مختصة تقوم بمهمة “الدعم اللوجستي والتقييم الإداري”، تتبع هذه اللجنة لوزارة التنمية الإدارية . كما أدخلت الوزارة نظام العقوبات والذي ينص على فرض عقوبة تصل لخصم ٥٠٪ من أجر العاملين عند ارتكاب بعض المخالفات أثناء العمل، منها مثلاً التأخر عن موعد الاستراحة المحددة لشرب فنجان قهوة. ويطبق هذا القانون على كل العاملين في المؤسسة من الصحفيين وعاملي التنظيفات.

شغلت هذه التفاصيل الإدارية جوهر خطة التغيير للعمل الإعلامي الحكومي بدلاً من الاهتمام بتغيير المحتوى أو تطوير المضمون وإيصال رسالة إعلامية ترقى لحجم هموم ومتطلبات الشارع السوري. يضاف لهذا منع النقد سواء للحكومة أو للمسؤولين الذين سارعوا إلى تشريع قانون “الجريمة الإلكترونية” للاقتصاص من أي إعلامي تخوله نفسه الإبداء بأي نقد للعمل الحكومي أو فتح ملف فساد يطال شخصيات مسؤولة.

واليوم، بعد مضي ثمانية أشهر على التغييرات الأخيرة في وزارة الإعلام، أطل الإعلام السوري الحكومي بهوية بصرية جديدة. استهدف هذا التغيير الشكل فقط وقد “فشل” بحسب ما وصفه العديد من المشاهدين والعاملين في مجال الإعلام والصورة البصرية، ولم  يلق هذا التغيير صدى إيجابياً لدى المتلقي السوري، الذي أعرض عن متابعة إعلامه المحلي منذ انتشار “الفيس بوك”.

يعود هذا الإعراض لأن الإعلام المحلي فقد مصداقيته خلال الأزمة، وهو يصم آذانه عمن يخالف وجهة نظره أو يوجه له انتقاداً في مكان ما، وبالتالي فإن أي تغيير “للشكل” لا قيمة له مادامت العقليات الإدارية القائمة على الإعلام السوري ثابتة ولم تتقبل لغاية اليوم محاورة من يخالف آراءها رغم الحرب التي تعرضت لها سوريا، علماً أن عقلية المجتمع السوري تغيرت وهناك شريحة من السوريين في الداخل والخارج أصبحت قادرة على تقبل الرأي الآخر ومحاورته بعيداً عن مظاهر العنف والسلاح والإقصاء.

لكن الإعلام السوري المحلي عبر جميع وسائله وقنواته يصر على الاستمرار بعملية التطهير وإقصاء الآخر، حتى إن كان الاختلاف سطحياً كلون صبغة شعره، وهو ما حدث عندما منعت  قناة “الإخبارية ” إحدى الضيفات من الظهور على شاشتها بسبب لون شعرها غير المعتاد.

من المفترض أن تكون الهوية البصرية للإعلام شعاراً يترسخ في أذهان المتلقي فنياً ومهنياً ينطبع في ذاكرة المتلقي خاصة “اللوغو” الذي يمنح كل وسيلة إعلامية هوية فريدة تميزها عن غيرها، ومن المتعارف عليه أن هذا الشعار ثابت لا يمكن تغييره، لكن تجربة الإعلام السوري فريدة من نوعها فمثلاً “قناة الإخبارية السورية” ومنذ انطلاقتها لغاية اليوم غيرت شعاراتها وهويتها البصرية أكثر من ثلاث مرات واليوم وصل هذا التغيير للتلفزيون السوري وقنواته الفضائية، ليصبح لها “لوغو” موحد بألوان مختلفة.

ويشبه هذا اللوغو إلى حد كبير قطعة الكعك الحلو “البتيفور” وهو بعيد كل البعد عن الياسمين الدمشقي، حتى أن بعض المشاهدين ترحموا على لوغو “السيف الدمشقي” الذي ميز انطلاقة التلفزيون السوري.

أثبتت الانطلاقة الجديدة للإعلام السوري فشلها في تحقيق التميّز وإبداع أفكار وبرامج خلاقة قادرة على محاكاة الشارع السوري، ولن نقول العربي أو العالمي، لأن النجاح يبدأ من الداخل وهذا أمر فشل فيه الإعلام السوري الرسمي العام منه والخاص. وبالرغم من العدد القليل للقنوات التلفزيونية السورية إلا أن كل تغيير يجري في وزارة الإعلام، يلغي معه إنجازات السابقين، مثل ما حدث مع “قناة التلاقي” التي أغلقت بزعم قلّة المواد المالية، وقد يتبين لاحقاً بطلان هذه الإدعاءات، وبأن إغلاقها كان قراراً مبنياً على الأهواء والمزاجيات الشخصية.

إعلام حافل بالاستنساخ والتقليد، عاجز عن صناعة رؤيته الخاصة، وقد برهن مع الوقت بأن الخلل لا يتمثل بالكفاءات والمواهب السورية، التي تألقت في منابر الإعلام العربي، وإنما يكمن بالعقلية التي تدير الإعلام السوري والتي آخر صيحاتها استنساخ ما يعرف “بميثاق الشرف الإعلامي”.

أليس الأجدر قبل الغوص بمواثيق الشرف أن تعمل وزارة الإعلام على خلق منابر إعلامية وطنية حرة شاملة لجميع مكونات الشعب السوري بكافة أطيافه، وانتماءاته السياسية والفكرية والثقافية؟

هل يملك الإعلام السوري المحلي الجرأة لاستضافة معارضين وطنيين عبر شاشاته الإعلامية؟ وهل يجرؤ على توجيه نقد بناء لأي مسؤول، بدءاً من القائمين على إدارة الإعلام؟

ماذا عن الإنصات لما يقوله العاملون في أروقة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عن الإدارة الجديدة التي أقصت الكوادر القوية واستبدلتها بالموالين والمؤيدين للقائمين على الإدارة الإعلامية؟

أعتقد أن التغيير الحقيقي يبدأ من المضمون والمحتوى وتقبل الآخر دون الاقتصاص منه ومعاقبته، لكن بما أن الإعلام السوري الحكومي لا يمتلك هذه الذهنية فالتعليق المناسب على الرؤية البصرية الجديدة “لشو التغيير؟” هي أن التشويه البصري لا يصنع إعلاماً.