ثلاث اولويات اميركية في سوريا

ثلاث اولويات اميركية في سوريا

باستكمال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعيين فريقها المختص بسوريا، بات موقف واشنطن أكثر وضوحاً من هذا الملف لتحقيق ثلاث أولويات: هزيمة «داعش» ومنع عودة ظهور التنظيم شمال شرقي سوريا، وتقليص النفوذ الإيراني، والعمل مع موسكو بالحوار والضغط للوصول إلى حل سياسي وفق القرار «2254». وهناك مقترحات خطية لخبراء أميركيين بينهم المبعوث الجديد إلى سوريا، تضمن إقامة «حظر جوي وبري» شرق سوريا لتحقيق هذه الأهداف.

وتتقاطع اهتمامات إدارة ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «احتواء إيران» في سوريا، الأمر الذي سيكون حاضراً في لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، في جنيف، الخميس، بعد عودة بولتون من إسرائيل.

لكن موسكو لا تزال تسير وحيدة في مسارات أخرى متنافسة مع مفاوضات جنيف: إذ يزور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو موسكو الجمعة، لبحث مصير إدلب وعزل «جبهة النصرة» قبل القمة الروسية – التركية – الإيرانية في طهران يومي 7 و8 الشهر المقبل على أن تجري مشاورات إضافية لعقد القمة الروسية – التركية – الألمانية – الفرنسية بعد ذلك وقبل مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من سبتمبر (أيلول) المقبل.

ويتوقع أن تصب جميع هذه الاتصالات في بلورة أرضية دولية – إقليمية تسمح للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بالمضي قدماً في تشكيل اللجنة الدستورية، واستضافة لقاء لممثلي الدول الثلاث الضامنة لعملية آستانة (روسيا، إيران، تركيا) في جنيف، الشهر المقبل.

ذلك المسار، الذي لا تزال واشنطن تنظر إليه بشكوك وتنأى بنفسها عنه، الأمر الذي برز في لقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ودي ميستورا في واشنطن الأسبوع الماضي، عندما رفض الجانب الأميركي أي إسهام في إعمار سوريا (المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق) قبل تحقيق اختراق سياسي بموجب مسار جنيف.

موقف بومبيو كان منسجماً مع التغييرات التي حصلت في الفريق الأميركي للملف السوري – الإيراني. إذ إنه بعد مشاورات طويلة، حسم إدارة ترمب ملف التعيينات. مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي جويل روبان الذي جرى تداول اسمه سابقاً مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، عين نائب مساعد وزير الخارجية لينضم إلى مسؤول الشرق الأوسط في الخارجية ديفيد شينكر بدلاً من ديفيد ساترفيلد الذي ينتظر تثبيته سفيراً في أنقرة.

والمفاجأة كانت بتعيين السفير الأميركي الأسبق في بغداد وأنقرة جيمس جيفري ممثلاً لوزير الخارجية لـ«الانخراط» في سوريا.
شينكر وجيفري وآخرون سينضمون إلى الإدارة، جاءوا من «معهد واشنطن للشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية. واللافت أن تعيينهم تزامن مع تسمية فريق أميركي خاص بـ«العمل في شأن إيران». كما أن تعيين جيفري نص على أن جزءاً من مهمته العمل على «تقليص النفوذ الإيراني»، إضافة إلى منع ظهور «داعش» بعد هزيمة التحالف الدولي لهذا التنظيم المتوقعة في نهاية العام الحالي.

وإذ يقول محللون عارفون بالمبعوث الأميركي الجديد إن جيفري معروف بمعاداته لإيران، وإن موقفه كان واضحاً من ذلك، عندما كان سفيراً في بغداد بين 2007 و2008 وعبر بوضوح عن رفضه الانسحاب الأميركي من العراق، ما يجعله يقف على الضفة الأخرى من المبعوث الأميركي في التحالف الدولي ضد «داعش» بريت ماغورك.

وإذ تأتي هذه التعيينات وسط الجدل في شأن البقاء الأميركي شرق سوريا وترجيح كفة استمرار الوجود العسكري شرق نهر الفرات بمعنى أو آخر، خصوصاً بعد إقناع حلفاء واشنطن الرئيس ترمب بـ«ضرورة عدم تكرار خطأ سلفه باراك أوباما بالانسحاب من العراق في 2011». وإذ أوقفت إدارة ترمب مساعداتها البالغة 230 مليون دولار لشمال شرقي سوريا، فإن أعضاء دول التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش» وفروا 300 مليون دولار لدعم الاستقرار والتنمية في هذه المنطقة التي تشكل ثلث مساحة سوريا (185 ألف كيلومتر مربع).

كما تأتي التعيينات في وقت تعمل موسكو وواشنطن على ترتيبات «تضمن أمن إسرائيل» بموجب تفاهم ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي. ترجم ذلك، بعودة القوات الحكومية السورية إلى الجولان وتفعيل اتفاق فك الاشتباك وحصول إسرائيل على «تفويض من بوتين بضرب البنية التحتية لإيران في سوريا ومنع قيام جبهة ثانية في الجولان (بعد جنوب لبنان) لـ(حزب الله) وإيران»، بحسب مسؤول غربي.

إجراءات محددة وتوصيات

وتبدو أفكار واشنطن حالياً واضحة في ورقة أعدَّها مجموعة خبراء بينهم المبعوث الأميركي الجديد لسوريا في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» في 11 من الشهر الماضي، خصوصاً أن التوصيات التي ظهرت فيها كانت بين أسباب اختيار جيفري لمنصبه.

وجاء في التوصيات التي رفعت إلى الإدارة، بعنوان «نحو سياسة جديدة في سوريا»، أنه «من شأن فرض عقوبات ومنطقة حظر جوي وبري شمال شرقي سوريا حرمان نظام الأسد والقوات الإيرانية من الحصول على إمدادات، الأمر الذي سيثير غضب السنة المحليين ويدفع نحو عودة تنظيم (داعش)».

ومن شأن وجود مثل هذه المنطقة بجانب فرض عقوبات فرض تكاليف كبيرة على نظام الأسد عبر حرمانه من الأموال والدخول اللازمة لضمان فرضه سيطرته وإبقائه على شبكات الولاء التي يعتمد عليها نفوذه.

كما «سيؤدي هذا الأمر بدوره إلى خلق أعباء مالية على كاهل إيران وروسيا في خضم جهودهما للإبقاء على نظام الأسد. في الوقت نفسه ستتراجع قدرة طهران على توفير تكاليف هذا الدعم الذي تقدمه للنظام السوري بسبب السياسة الأميركية الساعية لفرض الحد الأقصى من الضغوط عليها. من ناحية أخرى فإن الحملة الإسرائيلية لمنع إيران من بناء بنية تحتية لها داخل سوريا تحمل مخاطر تهديد المكاسب العسكرية التي نالها النظام السوري بصعوبة.

وهنا تظهر معضلة أمام موسكو: هل ينبغي أن تلتزم بجهود ذات تكلفة متزايدة للإبقاء على الأسد في السلطة، وهو مسار يحمل مخاطرة اشتعال حرب بين إسرائيل وإيران، أم عليها العمل مع الولايات المتحدة للتخلص من الأسد والحفاظ على المكاسب الروسية في سوريا».
وخلصت الورقة إلى التوصيات الآتية:

– الحيلولة دون عودة ظهور «داعش» ومنع إيران من بناء هيكل عسكري واستخباراتي دائم في سوريا ومنطقة الهلال الخصيب بوجه عام.

– منع القوات الإيرانية والأخرى التابعة للأسد من الدخول إلى شمال شرقي سوريا بعد هزيمة «داعش»، وفرض منطقة حظر جوي وبري في شمال وشرق نهر الفرات باستخدام القوة الجوية ووجود عسكري صغير على الأرض.

– الإبقاء على منطقة حظر جوي وبري حتى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برقم 2254 والساعي لإقرار حكومة سورية مستقلة دون مشاركة الأسد والقوات المدعومة من إيران الداعمة لحكمه.

– دعم الجهود الإسرائيلية لخلق شقاق بين إيران وروسيا والأسد بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع عسكرية إيرانية.

– تشديد العقوبات ضد البنوك التي تصدر اعتمادات لنظام الأسد، ومن يوفرون الموارد لوكلاء إيران داخل سوريا والنظام السوري الذين ييسرون الاستثمارات الإيرانية في سوريا.

– معاونة حلفاء الولايات المتحدة داخل شمال شرقي سوريا على إيجاد أسواق بديلة للنفط والصادرات الزراعية التي يبيعونها حاليا للنظام (تضم منطقة شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية 90 في المائة من النفط السوري و45 في المائة من الغاز وأكبر ثلاثة سدود ومعظم المنتجات الزراعية خصوصا القطن).

– العمل مع تركيا في منبج وغيرها من المناطق لخلق نفوذ ضد الروس».

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

سوريا في أسبوع، ٢٠ آب

سوريا في أسبوع، ٢٠ آب

كارثة إدلب المحتملة
١٦- ١٩  آب/أغسطس

دعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، خلال لقائها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تجنب حدوث أزمة إنسانية في شمالي سوريا. ونقلت وكالة “فرانس برس” عن ميركل قولها، خلال لقائها مع بوتين في العاصمة برلين، أمس السبت ١٨ من آب، إن “من الضروري تجنب حدوث أزمة إنسانية في إدلب السورية والمنطقة المحيطة بها.”

وأكدت ميركل على أن ألمانيا وروسيا تتحملان مسؤولية إيجاد حل لوقف القتال في سوريا. ونوهت إلى أنها ناقشت مع بوتين مسألة الإصلاحات الدستورية والانتخابات المحتملة، في لقائهما السابق في سوتشي، في أيار الماضي.

بدوره جدد بوتين دعوته لدول الاتحاد الأوروبي لدعم مشروع إعادة الإعمار في سوريا، معللًا بملايين اللاجئين الموزعين في الدول الأوروبية ولبنان والأردن وتركيا، ومشددًا على ضرورة عودتهم إلى بلادهم. (عنب بلدي)

وتعددت التصريحات التي تشير إلى قرب وقوع معركة إدلب حيث أعلنت “غرفة عمليات ريف حلب الجنوبي” عدة قرى في الريف الجنوبي لحلب “مناطق عسكرية”، مطالبة السكان بإخلائها. وفي بيان نشرته غرفة العمليات يوم الخميس ١٦ آب، قالت إن المناطق تشمل القرى المحاذية والمتداخلة على خطوط المعارك مع النظام السوري، وهي: جزرايا، زمار، العثمانية، جديدة طلافح، حوير العيس، تل باجر، بانص، و برنة. وطالب البيان السكان بإخلاء القرى المذكورة وأخذ التدابير اللازمة خلال ٤٨ ساعة، وذلك “حرصًا على أرواحهم.” (عنب بلدي)

أمريكا تمول الاستقرار عبر الحلفاء
١٧ آب/أغسطس

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تقليص المساعدات الخارجية، بما فيها المخصصة لإعادة الاستقرار إلى المناطق التي لم تعد خاضعة لداعش.

بالمقابل تحض الحلفاء على زيادة تمويل إعادة الاستقرار، حيث أشارت الإدارة الأمريكية يوم الجمعة إنها ضمنت الحصول على ٣٠٠ مليون دولار من شركائها في التحالف للمساعدة في تحقيق الاستقرار، منها ١٠٠ مليون دولار تعهدت السعودية بتقديمها كما تعهدت الإمارات بتقديم مساهمة في التمويل الجديد قدرها ٥٠ مليون دولار، بالإضافة إلى تعهد كل من أستراليا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وتايوان والكويت وألمانيا وفرنسا بتقديم أموال.

وقال ديفيد ساترفيلد القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي إنه لن يكون هناك تمويل دولي لإعادة إعمار سوريا إلى أن تبدأ عملية سياسية “ذات مصداقية ولا رجعة فيها” لإنهاء الصراع السوري. وأضاف “لن يكون هناك مساعدات لسوريا باتفاق دولي إلا إذا أكدت الأمم المتحدة، أن عملية سياسية ذات مصداقية ولا رجعة فيها بدأت.” (رويترز)

الروس وإعادة اللاجئين
١٤-١٧ آب/أغسطس

في إطار الاهتمام الروسي بملف عودة اللاجئين السوريين قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الثلاثاء إن موقف الغرب من اللاجئين السوريين فاجأ موسكو وإن الظروف قائمة لبدء عودة اللاجئين إلى ديارهم.

وكان لافروف يتحدث بعد أن أجرى محادثات مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو. وفي سياق متصل نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن وزارة الدفاع قولها إن الوزير سيرجي شويجو بحث مسألة عودة اللاجئين السوريين لبلادهم مع نظيره التركي خلوصي أكار خلال محادثات في موسكو يوم الجمعة. (رويترز)

وصرحت وزارة الخارجية الروسية يوم الاثنين الماضي أنه “من المقرر في المستقبل القريب” عقد قمة رباعية بشأن سوريا بين زعماء روسيا وفرنسا وتركيا وألمانيا.

دي ميستورا وإعادة الإعمار
١٦ آب/أغسطس

أكد المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على ضرورة تقديم الحل السياسي على مشروع إعادة الإعمار في سوريا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية، هيذر نويرت، اليوم الخميس ١٦ من آب، إن دي مستورا وبومبيو، ناقشا خلال لقائهما أمس، ضرورة إيجاد حل سياسي في سوريا من جميع الأطراف، ومنع نشوء أزمة إنسانية في إدلب.

واعتبر الطرفان أن الحديث حول إعادة البناء في سوريا “سابق لأوانه”، في إشارة للعمل على مسار الحل السياسي وإجراء انتخابات نزيهة ضمن إطار قرارات مجلس الأمن الدولي، قبل الضغط لعودة اللاجئين إلى بلادهم. وحول عودة اللاجئين، قال بومبيو إن أي عودة للاجئين إلى سوريا يجب أن تكون آمنة وتحت مظلة الأمم المتحدة.  كما ناقش دي ميستورا وبومبيو التقدم الذي يتم إحرازه في اللجنة الدستورية، بعد تسليم المعارضة والنظام مرشحيهما للجنة. (عنب بلدي)

العراق يقصف داعش في سوريا
١٦ آب/أغسطس

قال الجيش العراقي في بيان يوم الخميس إن الطائرات العراقية قصفت تجمعاً لأعضاء في داعش داخل سوريا وقتلت عددا منهم كانوا يخططون لشن هجمات عبر الحدود .حيث تم استهداف “غرفة عمليات” كان أعضاء التنظيم يجتمعون بها.

وألحق العراق هزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يحتل في وقت ما ثلث مساحة البلاد، لكنه لا يزال يشكل تهديدا على طول الحدود مع سوريا. وقال بيان الجيش “بحسب المعلومات الاستخبارية كان هؤلاء الإرهابيون الذين تم قتلهم يخططون لعمليات إجرامية بالأحزمة الناسفة لاستهداف الأبرياء خلال الأيام القليلة المقبلة داخل العراق.” (رويترز)

الأكراد يفاوضون
١٤ آب/أغسطس

 قال رياض درار رئيس مجلس سوريا الديمقراطية، يوم الثلاثاء إن المجلس زار دمشق الأسبوع الماضي لإجراء جولة ثانية من المحادثات مع الحكومة.

وكان وفد يشمل أفراداً من قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة وتسيطر على نحو ربع سوريا قد أجرى محادثات مع دمشق هذا الشهر في زيارته الأولى المعلنة للعاصمة. وتلقي الزيارات الضوء على الجهود التي تبذلها السلطات بقيادة الأكراد لفتح قنوات جديدة مع الحكومة السورية في إطار سعيها للتفاوض من أجل اتفاق سياسي يحفظ لهم الحكم الذاتي داخل سوريا.

وقال درار إن المجلس أجرى محادثات جديدة تناولت اللامركزية والدستور. وأضاف إن الحوار تضمن اقتراحاً من دمشق بأن تشارك المنطقة التي تحظى فعليا بالحكم الذاتي في الانتخابات المحلية التي تجرى الشهر المقبل. وأكد أن مجلس سوريا الديمقراطية يصر على الاحتفاظ بهيكله الحاكم والحكم الذاتي في أي انتخابات مستقبلية. وأضاف درار أن مسؤولي الحكومة السورية طرحوا العديد من الأمور التي يرى مجلس سوريا الديمقراطية أنها سابقة لأوانها. وقال “نحن بحاجة للاتفاق على قضايا خدمية أولا ويمكن أن تُبعث الثقة بيننا.” (رويترز)

إيران مستمرة في سياستها
١٣-١٥ آب/أغسطس

قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لقناة الجزيرة القطرية إن بلاده لن تكبح نفوذها في الشرق الأوسط رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة على طهران للحد من أنشطتها في المنطقة. ونقلت الجزيرة يوم الاثنين الماضي عن ظريف قوله “لن تغير إيران سياساتها في المنطقة بسبب العقوبات والتهديدات الأمريكية.” (رويترز)

وتحمل سياسة إيران في سوريا جوانب اقتصادية إلى جانب السياسية والعسكرية، حيث اتفقت وزارة الإسكان والأشغال العامة في الحكومة السورية مع شركات إيرانية على تنفيذ وحدات سكنية ضمن مشاريعها للإسكان.

ووفق ما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “ارنا”، الأربعاء ١٥ من آب، فإن وفدًا اقتصاديًا إيرانيًا توصل إلى اتفاق مع وزارة الإسكان على تنفيذ ٣٠ ألف وحدة سكينة من مشاريع المؤسسة العامة للإسكان. وبحسب الاتفاق، فإن المشاريع ستنفذ في كل من دمشق وحلب وحمص، على أن يشرف القطاع الإيراني الخاص على إنشائها.

واتفق الطرفان على تشكيل فريق من المقاولين الإيرانيين للاطلاع على عمل قطاع المقاولات السورية، وفق ما ذكرت الوكالة الإيرانية، مشيرة إلى أن وزير الإسكان السوري، حسين عرنوس، تعهد للشركات الإيرانية بتقديم التسهيلات اللازمة. (عنب بلدي)

سوريا تصدر الكهرباء!
١٣ آب/أغسطس

أعلن وزير المالية اللبناني، علي حسن خليل، موافقته على استجرار الطاقة من سوريا، في ١٣ من آب، وأكد أن “سوريا عرضت على لبنان استجرار الطاقة بأسعار مقبولة، وكان هناك وفد سوري برئاسة وزير الطاقة منذ أسبوعين وقدم لنا عرضًا أقل من البواخر، أو حتى المعامل، وإمكانية أن تصل التغذية إلى ٣٥٠ ميغا واط.” يأتي هذا التصريح في ظل الخسائر الكبرى التي مني بها قطاع الكهرباء في سوريا والحاجات الضخمة للطاقة الكهربائية المطلوبة في المستقبل القريب (عنب بلدي).

ضريبة على الذهب أم على الوطن؟

ضريبة على الذهب أم على الوطن؟

قالت الهيئة العامة للضرائب والرسوم إن الجمعية الحرفيّة للصياغة وصنع المجوهرات بدمشق قد تنصّلت من تسديد رسوم الإنفاق الاستهلاكي المستحقة لهيئة الضرائب بموجب اتفاق تمّ العمل به حتى ٣٠/٠٦/٢٠١٨، مع تعديل الرسم الشهري المتفق عليه كل ستة أشهر، إلا أن الجمعية حاولت في الفترة الأخيرة استخدام كل الوسائل من أجل عدم تسديد المستحق لهيئة الضرائب والرسوم.

وهذا الخلاف بدأ يَرشَح إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ناقلًا عن الطرفين تصريحات مبهمة، لا توضّح جوهر الخلاف بينهما، ولا حتى تأثيره على الدولة السورية والسوريين عامة، لذا أردنا لهذه المقالة أن تحاول إحاطة القارئ بأكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل حول هذا الموضوع.

رسم الإنفاق الاستهلاكي

تمّ فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على مبيعات الذهب بموجب أحكام المرسوم التشريعي رقم ١٨/ لعام ١٩٨٧، وبمعدل قدره (١٠%) ثم صدر المرسوم التشريعي رقم ٦١/ لعام ٢٠٠٤ القاضي باستيفاء رسم الإنفاق الاستهلاكي بمعدل ١٠% على الحلي الذهبية الخاصة، ومعدل ١٥% على الحلى الذهبية الأخرى والمجوهرات، وهذه الضريبة بقيت حبيسة الأوراق الرسمية لوزارة المالية، فلم يتمّ جبايتها لعدة أسباب منها فساد الجباة وتلقيهم الرشوة، وتهرّب التجار من تحصيلها من زبائنهم الملزمين بدفعها؛ وذلك كخدمة مجانية لهم؛ لتشجيعهم على الشراء، وأحيانا مقابل دفع الزبائن رسومًا بسيطة للتاجر لا تصل لمقدار الضريبة المتوجبة عليهم، إضافة للتهرّب الضريبي للتاجر، والذي كان يتم على مستوى الدولة ككل.

وبعدها صدر المرسوم التشريعي رقم/١١/ لعام ٢٠١٥، الذي خفض رسم الإنفاق الاستهلاكي ٥% بهدف التشجيع على الالتزام بدفعه، لكنه لم يُنفّذ بسبب اعتراض الصّاغة عليه؛ نتيجة إصابة السوق بالركود. هذا أدى إلى وضع آلية بديلة، بحيث يتم تقدير الضريبة على كل صائغ على حدة، لتعود وزارة المالية إلى تفعيل ضريبة الرسم الاستهلاكي خلال العام الجاري، فارضة ٥.٧٥% على كل غرام ذهب، شاملًا الرسم المالي، وإعادة الإعمار، وقد جاء هذا (بحسب تصريح الوزارة) نتيجة فشل مفاوضات من جمعيات الصّاغة لأجل الحصول على الضريبة. ويتم استيفاء ضريبة الرسم الاستهلاكي الجديدة من قبل عناصر من الدوائر المالية الذين يتواجدون عند الوسم من أجل بيان كمية الذهب المدموغ في الجمعيات المعتمدة، وبالتالي استيفاء الرسم.

سبب الضريبة

لماذا هذا الاهتمام بهذه الضريبة الآن؟ ولماذا يرفض التجار دفعها طالما أنهم لن يدفعوها من أرباحهم؟

توسّع نشاط هذا القطاع خلال السنوات الثماني السابقة، مستفيدًا من الاضطرابات في سعر الدولار، وتوقّف عجلة الاقتصاد في سوريا نتيجة الحرب، فقد غدا الذهب أكثر استقرارًا في سوريا، وملاذًا للادّخار، والحفاظ على قيمة الثروة، والعملة الخفية للتبادل التجاري، حيث يستعمل الدولار الذهبي (الدولار المقيم للأونصة الذهبية) أساسًا في تقييم تسعير الأعمال.

لذلك ليس غريبا أن تتّسم السياسات الاقتصادية للحكومة المرتبطة بهذا القطاع بالمرونة والسرعة، والتغاضي عن الكثير من التعدّيات في جوانبه؛ للمحافظة على الحياة التجارية في سوريا، وإن كانت بالحد الأدنى.

فقد سُمح باستيراد الذهب منذ العام ٢٠١٤ برسوم لا تتعدى ١٠٠ دولار على الكيلو غرام منه، وبتمويل من القطع الأجنبي لدى المصرف المركزي، كما سمح بتصديره، وقد استخدم تصدير الذهب كطريقة لتهريب الأموال المضمونة إلى الخارج، وطريقة لسداد الالتزامات المالية على التجار، والتي كانت تعاني من الضغط لإيجاد الدولار، وارتفاع تكاليف تحويله، حيث أن القرار سَمح بتصدير الذهب مع تعهد بإعادته. كان الضامن عبارة عن تعهّدٍ كتابيّ قبل التصدير، ودفع تأمين ٥%  فقط من قيمة المواد المصدرة! وهذه النسبة هي أقل حتى من تكاليف الحوالة المالية العادية بين المحافظات السورية نفسها، وخاصة إذا عرفنا أن أكثر سوق تم تصدير الذهب إليه هو الإمارات.

كان لهذا التساهل في سوق الذهب ما يبرره، بحسب النظام، فقد كان الذهب يدفع بالناس إلى ضخّ مدخراتهم بهذا السوق مقابل الحصول عليه للحفاظ على قيمة المدخرات. وبالتالي كان السوق يحصل على السيولة اللازمة، سواء من العملة السورية أو الدولار، وخاصة أن السوق في تلك الفترة عانى انكماشاً بسبب انخفاض السيولة فيه، وهذه الزيادة في الكتلة النقدية مضمونة القيمة باعتبار أن المعادن الثمينة تدعم وضع الاحتياطيّات النقدية.

لكن نتيجة ضعف سيطرة النظام على السوق، وانتشار الفوضى بالسلاح، والجهات المتداخلة في الشأن الاقتصادي؛ كلّ ذلك جعل الذهب وما يمثله من قيمة خارج سيطرة حكومة النظام، ولكن يبدو أنه مع اقتراب إعلان النظام عن سيطرته على سوريا ومنافذها الحدودية فالأمر يتطلب منه ضبط السوق من خلال السيولة (وهي التي جفّت بحسب تعبير صندوق النقد الدولي) مرورًا بإعادة تشكيل الاحتياطيات النقدية التي يشكّل الذهب عمودها الفقري، إلى إعادة الاعتراف بالعملة السورية كوسيلة للتبادل الداخلي، أو الخارجي.

لماذا كل هذه المقاومة لضريبة ٥.٧٥%؟

تشهد علاقة الود بين حكومة النظام وقطاع الذهب (بمستورديه، ومصدّريه، ومستهلكيه، وصاغته) إشكالًا بعد فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على دمغة الذهب بنسبة ٥.٧٥%.

حيث التعليمات الجديدة تقوم على استيفاء الضريبة عند الوسم من قبل الجباة، ومن الصّاغة مباشرة، والذين يُترك لهم الخيار بعد ذلك لجبايتها من الزبائن أو لا! والجباة عددهم اثنان لكل جمعية من الجمعيات الثلاث (دمشق، وحلب، وحماة): يعملون فقط ٤ أيام بدل ٦ أيام والتي كانت متوفرة من قبل للجمعيات للوسم؛ مما يعني ضغطًا قد لا يؤدي لوسم كافة الكمية التي يطلبها السوق، وهذا يعني ضغطًا على السوق من الناحية التقنية، خاصة إذا علمنا أنّ هناك ٢٤٠٠ حرفيٍّ فقط في دمشق.

أما من الناحية العملية فإن الرسم ٥.٧٥% يعني أن كل كيلو غرام من الذهب سيكون عليه ضريبة بقيمة ٩٠٠ ألف ليرة سورية، أي ٢٠٤٦ دولاراً، على أساس أنّ سعر الدولار ٤٤٠ ليرة سورية، فالمواطن كان يدفع حوالي ٣٠٠ ليرة سورية عن كل غرام ذهب، ومع تطبيق نسبة رسم الإنفاق الاستهلاكي الجديد سيرتفع المبلغ إلى قرابة ٩٠٠ ليرة سورية.

السوق وفرض الأمر الواقع

وهذا الأمر يُفقِد الذهب بريقه كعملة بديلة بتسعير الأعمال؛ وبالتالي دخول هذه الأسواق في حالة فوضى جديدة، كما حدث عامي ٢٠١٢-٢٠١٣ إضافة إلى أن الذهب سيتم تهريبه إلى الخارج، وليس الذهب فقط، بل الحرفيّين أيضًا، الذين يُتوقَّع أن تغلق أعمالهم، كما سيزيد الطلب على الدولار من جديد؛ ليرتفع سعره، مما يعني أنّ تكلفة الحياة في سوريا أو إعمارها ستزيد.

رفضت السوق فرض الحكومة عليها لرسم إنفاق ٥.٧٥%، حيث بدأ الرد بإعلان الصّاغة بأن عمليات البيع في السوق قد توقفت نهائيًا، والمبيعات وصلت للصفر؛ نتيجة رسم الإنفاق، بذريعة توقُّف الطلب، أما خطوة التصعيد التالية فكانت إعلان الصّاغة على لسان رئيس الجمعية غسّان جزماتي بأن الجمعية قد توقّفت بشكل شبه كامل عن دمغ أي قطعة ذهبية؛ وذلك لأن السوق قد فرضت أمرًا واقعًا جديدًا، حيث أصبح في سوق الذهب سعران: سعر رسمي مع رسم الإنفاق الاستهلاكي، وسعر سوق أخفض منه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصّاغة لا يقومون بعمليات الدمغ؛ لرفضهم دفع الرسم الجديد، وبالتالي فإنهم يبيعون ذهبًا بشكل غير رسمي، ودون أن يدفعوا رسم الإنفاق، أي بطريقة غير شرعية عملياً (احتيالاً)؛ لتُوْلد سوق سوداء للذهب، مما يعني التهرب الضريبي، كدمغ سلسلة ذهبية تزن ٣ غرامات ونقل القفل فيما بعد إلى قطع ذهبية ذات أوزان أكبر، واعتماد الصّاغة على شراء الذهب المدموغ سابقا.

كل هذا يعني أنّ خطة حكومة النظام فشلت في جباية نقدية تحسّن من قدرتها على تمويل الميزانية العامة للحكومة، من جهة، أو المساهمة في إعادة الإعمار من جهة أخرى، على اعتبار أن حجم الجباية المتوقع من دمشق وحدها يقدّر بحوالى ٢٠٧٣.٦٠٠ مليون ليرة، لكن الحقيقة أن التهرب كان قد بدأ منذ الإعلان عن فرض الضريبة، أمّا الحكومة فقد ردّت على لسان وزير ماليّتها مؤكدة “استمرار فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي.”

يذكر أنّ وزارة المالية لم تستشر البنك المركزي المسؤول عن السياسات النقدية، ولا هو صرّح عن موقفه من الضريبة، وكأنّ البلد باتت رهينة المواقف الفردية، وهذا الأمر لن يشجّع المستثمرين في الدخول في عملية إعادة الإعمار التي أَعتقدُ أنها ستطول في ضوء تخبّطات عشوائية، حتى مساهمة الذهب في السوق النقدية ستتوقف، وهي التي تعاني الآن من انكماشٍ حادٍّ بعد أن فقدت أهمّ مورد لها من العملات التي تأتي من المنظمات الإغاثية للمعارضة.

يوميات سورية: معرض الكتاب السوري ٢٠١٨

يوميات سورية: معرض الكتاب السوري ٢٠١٨

يدخل عروسان لمعرض الكتاب السوري، يتبعان الازدحام ظناً أنّ احتفالية ما تقام في الداخل، يتبختر العريس بطقم عرسه الأسود وقميصه الأبيض ذي الياقة المصفرة من التعرق، أما العروس فترتدي طقماً سكري اللون بتنورةٍ ضيقةٍ وطويلة وتنتعل حذاء صيفياً ألماسي اللون بكعبٍ عال، تتعثر على الأدراج، تتمسك بعريسها. يكاد الازدحام وملابس العروسين الثقيلة يخنقانهما، فتطلب منه المغادرة، وعندما تهبط أول درجة تسقط أرضاً ويسقط حذاؤها في البركة الضئيلة الملاصقة للدرج. لا يتعاطف الزوار معها، يهمس البعض بصوت مرتفع “شو جاية تعمل هون؟” يتكثف التناقض الواقعي بين القراءة واحتفالات شعبية مرجوة من عامة الناس!

فتح معرض الكتاب السوري  أبوابه للدورة الثلاثين تحت شعار “مجتمع يقرأ مجتمع يرتقي” وذلك اعتباراً من الواحد والثلاثين من تموز وحتى العاشر من آب هذا العام، بمشاركة مائتي دار نشر، مائة وعشرون منها سورية والثمانون هي دور نشر عربية وعلى الأخص لبنانية ومصرية إضافة إلى دار المدى العراقي.

تميز المعرض بكثافة في المعروضات وتأمين عدد سخي من العاملين في أجنحته المختلفة المكتظة بالكتب والمتسوقين أو المتفرجين، عائلات بأكملها تطلع وتسأل وتشتري. الأغلفة الصقيلة والملونة، العناوين الجذابة والمألوفة والمأمولة، كلها عوامل جذب.

ورغم أن المعرض يشهد حضوراً شعبياً مقبولاً مقارنةً بالمواسم الأربعة الماضية، إلا أنها لا توازي أبداً الحضور الكبير المعهود في سنوات ما قبل الحرب.

خصص المعرض هذا العام جناحاً كاملاً لدور نشر كتب الأطفال الذي تختلف محتوياته مابين قصص قديمة معروفة عناوينها ومعاد طباعتها، إضافة لوسائل الإيضاح والألعاب التعليمية وغير التعليمية مثل الكرات ولوحات الوجوه الترويجية الضاحكة أو العابسة الخشبية والدارجة على صفحات الفيس بوك.

تقترب سيدة مع طفلها للقسم تسأل عن سعر وجهٍ خشبيٍ مبتسم، وعندما تجد سعره مرتفعاً تطلب من البائعة استعارته للحظات ريثما تتمكن من التقاط صورة لطفلتها وهي تضع القناع على وجهها، وترتسم خلف الابتسامة الخشبية أخرى طفولية أحلى وأكثر دفئاً. اللافت في أجنحة  كتب الأطفال، القصص المصورة باللغة الأجنبية، وهي مرتفعة الثمن لكن الإقبال عليها كثير بسبب جودة الصنع والأغلفة الفنية المميزة وبساطة الكلمات ووضوح الصورة.

تبدو الغلبة في المعرض للكتاب الديني عرضاً وتسويقاً وحضوراً وعدداً من ناحية دور النشر، وإن خالف اسم الدار محتواه.

قرب رف يعرض العديد من هذه الكتب يقف رجل خمسيني بدشداشة بيضاء كشيخ لكن دونما عمامة أو قبعة الصلاة الصغيرة، وحوله طلابه أو مريدوه، يشرح لهم بعض المعلومات عن كتاب أو واقعة مذكورة فيه. وأمامه معلمة تتجمع طالباتها حولها ويتفرقن ليشترين ما تشير إليه معلمتهن، يفرحن بحضورها وبإشارتها ويلبين اقتراحاتها بحفاوة وتقدير.

من دور نشر هذه الكتب دينية “دار العارف” و”مؤمنون بلا حدود” و “دار المعارف الحكمية”، وعن معنى هذه الكلمة قال البائع إنها اشتقاق من الحكمة، كما توزع دار نشر مسيحية وبالمجان كيساً يحتوي إنجيلاً وخمسة كتبٍ و CD  لفيلمٍ دينيٍ عن القديس بولس واسمه “دمشق تتكلم”، والتوزيع اختياري بناءً على الزي والمظهر العام طبعاً وليس للجميع.

يقول أحد الزائرين أنه لمس توفراً سخياً للكتب الفلسفية وكتب العلمانية ونقد الخطاب الديني، ويعزو ذلك “لتراجع مساحة الكتاب الديني”، رغم أن التوفر النوعي لا يعني تراجعاً نوعياً.

في قسم الروايات يفتقد المعرض للكُتاب السوريين، لا أسماء إلا لعادل محمود في مجموعة رواياته القديمة وروايته الأحدث “قطعة جحيم لهذه الجنة”، أحدهم يهمس قائلاً بأنهم قد منعوا رواية الكاتب الروائي خليل صويلح “اختبار الندم” قبل ساعات من افتتاح المعرض!

الجمهور هنا مختلف، بسبابته يقول أنه يمتلك كل ماهو معروض لأنه قديم. فتراجع الكتابة والطباعة و سوق الكتب إضافة لتمويل الرواية يجعل من الروايات المترجمة الطاغية بين المعروضات، ويبلغ سعر بعض الروايات المترجمة الجديدة ما بين ثلاثة وخمسة آلاف ليرة. يقوم العديد من المشترين بمفاصلة العارض لتخفيض السعر، يستنجد بمدير دار النشر أو صاحبها فتثمر جهود المفاوضات  لتخفيض مبلغ خمسمائة ليرة كحدٍ أقصى، ويقول البائع إنهم يبيعون أصلاً بخصم يفوق الثلاثين بالمائة. يتقدم المشتري ليدفع الثمن المقرر ويمشي.

تطلب زوجة شراء كتاب ملون للطبخ، يرفض الزوج مستبدلاً الكتاب المرتفع الثمن بكتابٍ عن مراضاة الزوجة، تبتسم الزوجة بخفر وتبتسم الليرات الباقية في جيب الزوج.

فقد تراجع في المعرض أيضاً عدد كتب الطبخ والموضة والأبراج. فهي مكلفة طباعياً وتسويقها متعثّر لقلة السيولة، لكن الكتب الاحتيالية الساذجة مثل “كيف تراضي زوجتك” أو “أقرب الحلول للرضا عن الذات” أو “الخديعة الكبرى” مازالت تحتل وبثقة العديد من الرفوف.

أما عن كتب المعلوماتية والبرمجيات فعدد الدور المختصة لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، ورغبةً بالتسويق توافرت الأقراص المدمجة CD التعليمية بكثرة خاصة لأنها مستنسخة وبالتالي فإنّ أسعارها أقل من أسعارالكتب ذاتها.

يتعامل العديد من الزائرين مع المعرض كفسحة ترفيهية، يشترون البوظة والبسكوت والعصائر ويجلسون على الأدراج يتسامرون ويراقبون الآخرين، مترفعين عن شراء الكتب، حتى عندما يطالب بها الأبناء تحت ذريعة ارتفاع أثمانها وأن مصيرها للقمامة.

يبدو الحاضر الأكبر في رحاب المعرض الهاتف الجوال، صور سيلفي في أماكن متفرقة وخاصة تحت اللافتات التي تحتوي أسماء دور النشر، صور جماعية وعائلية واتصالات يبحث الحضور عن بعضهم عبرها، “أنا عند الدرج الأول!”، “أنا عند الc20”. وهكذا يدور الوقت وتدور عجلة الفسحة والحياة والصورة شاهدة على أنهم زاروا معرض الكتاب لكنهم لم يجدوا الوقت لقراءة ما فيه.

السمة الأبرز لمعرض الكتاب لهذا العام أيضاً هي ارتباط الكتاب بالعملية التسويقية، حتى على صعيد الإعلانات، “حسومات تصل إلى سبعين بالمائة!”، “اشتري كتابين والثالث هدية!”، حتى أن بعض الدور تجرأت ووضعت لافتات رقمية تحدد سعراً ثابتاً لكل الكتب في زاوية محددة، وتبدأ الأسعار من الثلاثمائة وحتى الستمائة ليرة، لدرجةٍ تظن وكأنك في سوق الرخص على الأحذية أو على  المنتجات الاستهلاكية اليومية والعادية.

كما أن الأكياس التي تحمل شعار المعرض وتاريخه مفقودة، بعض دور النشر تضع كتبها بأكياس من معارض سابقة مثل “معرض أبوظبي الدولي للكتب” أو “معرض مسقط الدولي للكتاب”، وبعض الدور يسلمونك الكتاب دونما كيس أو يبادرون دون استئذانك لوضعه في كيس تحمله، وربما لو طلبت كيساً لاعتذر قائلاً:  “ما بتوفي.”

دور النشر في سوريا ومحاولات النجاة

دور النشر في سوريا ومحاولات النجاة

لا تستطيع وأنت في الحلبوني الواقعة في قلب العاصمة دمشق إلا أن تتعثر بأحد الكتب المفروشة على الأرصفة،  لتبدأ عيناك برحلة البحث وسط المعروضات عن كتاب محدد فيخطف نظرك عنوان ثان أو تزكية لعنوان ثالث من لسان الباعة، وإطراء لرابع ينصح بقراءته لضرورات إجماع الذوق العام.

في الحلبوني التي ذاع صيتها لإحتضانها العديد من دور النشر والطباعة إضافة للمكتبات التي تتكئ على رفوفها نفائس الكتب والمراجع من مختلف الاختصاصات والعناوين النادرة، يشتكي صاحب إحدى بسطات الكتب المفروشة بعفوية على الأرض فيها، من ركود في حركة شراء الكتاب الورقي بعد أن أطاح به  الإلكتروني (pdf) الذي يتم توفيره للقارئ مجاناً.

يقول البائع متذمراً “أحيانا نبيع كتابين أو ثلاثة في اليوم الواحد وقد نبيع عشرة كتب بعد ساعات عمل طويلة، والسبب هو سهولة ومجانية تحميل أي كتاب صدر حديثا على الإنترنت بصيغة (pdf) مما تسبب بتراجع شراء الكتاب الورقي.”

يشير البائع إلى مساهمة ارتفاع أسعار الكتب المطبوعة في هذه الأزمة فقد يصل سعر الكتاب الذي لا يتجاوز ٣٠٠ صفحة إلى ٢٠٠٠ ليرة سورية “مما يجعل القارئ يحجم عن شرائه ليحصل على نسخته الإلكترونية مجانا.” ويروي البائع بأن إحدى القارئات أوصته على مجلدين للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي غير أنها عدلت عن قرار الشراء بعد أن صدمت بالسعر العالي لهما و الذي وصل إلى ٣٠ ألف ليرة سورية.

تخضع أسعار الكتب بشكل عام لمزاج البائع فترتفع حوالي ٢٠٠ ليرة على بسطات الكتب تحت منطقة جسر فيكتوريا مقارنة بمثيلاتها في الحلبوني.

وقد ساهم غلاء المواد الأساسية للورق والحبر وارتفاع أجور المترجمين في ارتفاع سعر الكتاب، فعلى سبيل المثال وصل سعر طن الورق إلى ٣٥٠ ألف ليرة سورية فيما كان ٥٠ ألف ليرة قبل الحرب، أما أجرة المترجم حاليا فقد بلغت ٢٥٠٠  ليرة للصفحة الواحدة بعد أن كانت ٢٠٠ ليرة سابقاً.

إذا كان هذا حال الكتب، فما الذي حدث لدور النشر؟

تسببت الحرب السورية بهجرة العديد من دور النشر إلى ملاذ آمن يحمي كتبها من الموت، بينما صمد البعض القليل منها مجازفاً بالبقاء و نشر عناوين تقلصت للنصف قياساَ بماكانت تنشره قبل الحرب.   

النشر في الحرب

كرّست الحرب أزمة انكفاء النشر وانخفاض عدد الكتب المترجمة والمؤلفة، يقول صاحب دار كنعان للدراسات والنشر سعيد البرغوثي “أثرت الحرب على جميع مناحي الحياة ومنها الكتاب، كنا نصدر حوالي ٤٠ عنوان سنوياً بين المترجم والمؤلف، ليصبح الرقم أقل من ٢٠ سنوياً خلال السنوات الثماني الأخيرة”، واصفاَ الوضع بـ “الكارثي”.

وتحاول دار كنعان ذات الهوية السورية الفلسطينية التي أسست عام ١٩٨٩ في دمشق لاستدراك الخسائر الثقافية وترميم ما أنهكته الحرب، يقول البرغوثي “نحاول استدراك ما فاتنا من عناوين أثناء سنوات الحرب واللحاق بإيقاعنا السابق مع الحفاظ على طبيعة عملنا الجاد المتمثل بالكتب التنويرية الوجودية.”

وأصدرت دار كنعان في العام الحالي عدة كتب مترجمة عن اللغة الألمانية مثل “الطريق إلى شابلن” و”الاستيلاء على الأرض” و”المسخ والغائب”، كما أعادت طبع عناوين نفذت منها للكاتب طه حسين والناقد الروائي فيصل الدراج.

العناوين الرائجة فقط

يشير البرغوثي إلى أن أغلب المكتبات خلال سنوات الحرب لم تعد ترحب بجميع العناوين خوفا من كسادها وتكتفي باختيار عناوين محددة غالباً ماتتوافق مع طلبات الزبائن. تغيب أيضاً الكتب المنشورة عن الحرب السورية عن إصدارات دار كنعان فبحسب صاحب الدار “لا حصة للكتب التي تتناول الحرب السورية في كونها لم تنتهي بعد، وبطبيعة الحال هذه المهمة تقع على عاتق المؤرخين.”

يتفق بائعو الكتب على البسطات في الحلبوني مع صاحب دار كنعان في ترجيح اختيارات القراء، فالعديد منهم يكتفي بشراء وعرض الروايات الرائجة كروايات أليف شافاق وخالد حسيني وأدهم شرقاوي وروايات عبير وأحلام مستغانمي وغيوم ميسو وسواها، “لأن شراء روايات الكتاب غير المعروفين  يعد مغامرة قد تعرضهم للخسارة” بحسب أحد الباعة.

نضال البقاء

يقول سامي أحمد صاحب دار التكوين: “نشرنا عام ٢٠١١، ٤٠ عنواناً وواظبنا بصعوبة على هذا الرقم سنوياً باستثناء عام ٢٠١٢ الذي شهد ركوداً كبيراً بسبب هجرة العديد من المطابع خارج البلاد وبالتالي عزوف تجار الورق عن البيع، تسبب هذا بأزمة ورق، وعلى إثرها فكرت بالهجرة خارج سورية أيضاً، لكن الدار استأنفت نشاطها في الأعوام التالية لكننا مازلنا متأخرين عن أرقامنا السابقة، فالآن ننشر ٢٥٠ نسخة لكل عنوان بينما كنا ننشر ١٠٠٠ قبل الحرب.”

مكتبة النوري التي أسست عام ١٩٤٧ أيضاً مازالت تناضل للبقاء، ويرى صاحبها محمد  النوري أن الكتاب الورقي يحاول جاهدا الاحتفاظ بماء الوجه في ظل ظهور منافس شرس  له (الكتاب الإلكتروني)، كما طفت الكتب السياسية التي تدور في فلك الحرب السورية على سطح القراءة السورية.

يقول النوري “الكتب المتصلة بالحرب السورية فرضت نفسها على  واقع القراءة وهذا لا يمكن تجاهله.”

ويضيف “غالبا ما يجد الزبون الكتاب غاليا ويعدل عن شرائه بعد أن يحسب تكلفته مقارنة مع الراتب الذي يجنيه والذي غالبا ما يكون من أصحاب الدخل المحدود.”

لعنة الدولار أصابت أسعار الكتب

تضاعفت أسعار الكتب عشرات المرات بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية، فالكتاب الذي كان يكلف ٢٠٠ ليرة سورية قبل الحرب  وصل سعره الآن إلى ٢٠٠٠ ليرة، أما أسعار المجلدات فجنحت نحو الأقصى لتعزز شعور المواطن السوري بالإفلاس، إذ بلغ ثمن مجلدات ميخائيل نعيمة ٧٠ ألف ليرة سورية، وحوالي ٢٥٠ ألف لجميع مجلدات الكاتب الروسي ليو تولستوي، في حين وصل سعر مجلدات فيودور دوستويفسكي إلى ٧٠ ألف.

ولهذا لا يجازف صاحب المكتبة بشراء أكثر من ٥ نسخة لكل عنوان  وينتظر بيعها ليشتري أخرى. هذا و توقفت العديد من الدور عن طباعة كتب تاريخية ودينية والروايات القصيرة بسبب ارتفاع سعر الورق  والحبر وتكاليف الشحن، فتكلفة الكتاب ارتفعت عشرة أضعاف في السنوات الثماني الماضية.

مطابع ودور نشر لفظت أنفاسها الأخيرة

العديد من مطابع الريف الدمشقي جف حبرها بسبب وقوعها على خط الجبهات وتعرضت للتدمير الكامل، المصير ذاته لاقته دور النشر، إذ تعرضت للحرق  وتحولت مستودعاتها لمخازن ذخيرة وأسلحة ومنصات لتراشق النيران والاحتماء منها، وعن ذلك يقول صاحب دار التكوين “كنا نتعامل مع مطبعة في منطقة القدم بريف دمشق لكنها دمرت بالكامل ما سبب لنا خسائر مادية كبيرة، عدا عن عملية البحث عن مطبعة ماتزال في الخدمة في ظل أزمة الورق.”

معارض الكتب، قوارب النجاة

المشاركة في معارض الكتب العربية أصبحت بمثابة القشة التي تنقذ دور النشر من الغرق وتساعدها للتعويض عن الخسارة المالية التي لحقت بهم بحسب صاحب دار التكوين.

وصل رصيد مشاركة  دار التكوين في معرض الكتاب الدولي في دمشق لقرابة ٤٠٠ عنوان  منها لأدونيس وفراس السواح و ديوان شعر لعصام التكروري وغيرهم، فيما طغت الكتب المترجمة مابين رواية وكتب فكرية بنسبة ٧٠٪ وسط مناخ تشوبه رقابة متشددة على مضامين الكتب وتعدد جهات المنع.

يقول أحمد “كنت على وشك الإنسحاب من المشاركة في المعرض بسبب تدخل وزارة الأوقاف والرقابة المتشددة، كما منعت وزارة الأوقاف بعض الكتب من المشاركة علماً أنها حصلت على موافقة طباعة من وزارة الإعلام  قبلاً، كما صدر قرار من وزارة الثقافة يقضي بمنع مشاركة الكتب الصادرة قبل عام ٢٠٠٨.”

الكتاب رفاهية ثانوية

يقول البرغوثي “إن الكتاب من آخر اهتمامات المواطن السوري نظرا لوجود أولويات أخرى عليه تأمينها، بالإضافة إلى دور التربية والتنشئة المنزلية وعدم تخصيص وقت محدد يوميا للطفل ليقرأ، لذلك نحن نعاني أزمة قراءة ومقولة أننا أمة لا تقرأ هي مقولة تنطبق علينا.”

ويلفت البرغوثي إلى أن دار كنعان كانت تصدر منذ نشأتها حوالي ٢٥٠٠ نسخة من كل عنوان ليتقلص هذا العدد إلى ٢٠٠ نسخة فقط في سنوات الحرب.

بدوره يؤيد سامي أحمد صاحب دار التكوين للنشر هذا مضيفا “اكتشفت من خلال خبرتي في مجال النشر عزوف المواطن السوري عن القراءة، لا بسبب الوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية، بل لغياب السياسات الثقافية و ترهل النشاط الثقافي والترويج لثقافة الاستهلاك وتوجهه إلى القراءة الأفقية لا العمودية التي تستهدف العمق والمعرفة، مما خلق أزمة حقيقية في القراءة.”  

عَلَم سوريا: أخضر أم أحمر؟

عَلَم سوريا: أخضر أم أحمر؟

مع بداية الانتفاضة السورية، حمل المتظاهرون العلم السوري “الأحمر”، وكفّنوا به شهداءَهم؛ وفي اعتصام حماه رفعوا علماً طويلاً ملأ الساحة، وقد استَهلكت خياطتُه آلافاً من أمتار القماش الذي جلبَه الناشطون خصيصاً من حلب لهذه الغاية. حينها كان للعلم السوري الأحمر رمزيةٌ وطنيةٌ، ولم يكن في ذهن عموم المتظاهرين والناشطين لا العسكرة ولا التدخل الخارجي.

في تلك الفترة خرج بعض المعارضين على شاشات الإعلام بأفكار تقول بضرورة حمل السلاح منذ البداية، وألا فائدة من الحراك السلمي، وأن الإطاحة بالنظام تحتاج تدخلاً عسكرياً. وهم بتلك المواقف، يقصدون محاكاة التجربة الليبية بتشكيل جيش معارض يدعمه جوّياً حلف الناتو، والذي أطاح بالقذافي لتستلم المعارضة الحكم مكانه.

وعلى غرار ليبيا، حيث غيّر المعارضون العلَم من الأخضر إلى “الملوّن”، رفع المعارضون السورين المشاركون في مؤتمر أنطاليا، وأغلبهم إسلاميون، في ١ حزيران ٢٠١١، العلمَ السوري القديم، علم الاستقلال “الأخضر”. قال هؤلاء المعارضون إن العلم الأخضر يرمز إلى الاستقلال عن النظام والقطع مع كل رموزه. وصمم المعارضون صفحة على مواقع التواصل الإجتماعي تدعو إلى استخدام العلم القديم، وأطلقت صفحة الثورة السورية، المعروفة بنفَسها الإخواني، حملة “أربعاء علم الاستقلال.”

لقيت هذه الطروحات استغراباً، وربما صدمة، في أوساط المتظاهرين والناشطين، فهي لم تكن تدور في بالهم، إذ اعتادوا على العلم الأحمر كرمز وطني يعبّر عن وحدة السوريين. وكانت توجهات أغلب ناشطي التنسيقيات الأولى تحذّر من العسكرة ومن التطييف، ومن لعنة محاكاة تجربة الحرب الليبية المدمِّرة، وبالتالي لم يكن مطروحاً تغيير العلم في البداية، لكن الفكرة لاقت قبولاً لاحقاً.

تم حمل السلاح مبكراً، بعد الأشهر الأولى، لحماية التظاهرات من هجوم متوقّع للنظام؛ ولا يمكن اعتبار ذلك عسكرة، لا من حيث الوظيفة ولا التنظيم. وحتى المواجهات المحدودة مع قوات النظام، في بعض المناطق التي فيها سلاح مسبقاً -المناطق الحدودية التي تعمل بالتهريب كما في درعا وتلكلخ والرستن ـ فقد كان ردود فعلهم تتسم بالعفوية على محاولات النظام اقتحام بلداتهم وخوفاً من التنكيل بالأهالي.

“حركة الضباط الأحرار” وهي أول تشكيل عسكري من منشقين أسسه حسين الهرموش، الضابط المنشق في بداية حزيران ٢٠١١ اعتمدت على نفس العلم الأحمر الذي كان الوحيد المستخدم حينها. وكان أول عمل عسكري للهرموش دفاعياً ضد قوات النظام التي كانت تتقدم في جسر الشغور في نفس الشهر، قبل أن يختفي في تركيا، ويتم تسليمه إلى النظام السوري.

توالى ظهور الكتائب المسلحة في كل المناطق السورية المنتفضة، بعد أن باتت سورية تعيش في دوامة من القتل المجاني من النظام، دون أن تقود التظاهرات السلمية لتقدُّمٍ ملموس على الأرض، مع استمرار النظام باعتقال وتهجير النشطاء وقيادات التنسيقيات الأولى.

النظام دفع تلك المناطق إلى اتخاذ العسكرة، إلى جانب استمرار النضال السلمي، كشكل إجباري للنضال. ومع تزايد تلك الكتائب، بدأت تبحث عن الدعم الخارجي، ولقيت فكرة إنشاء جيش حرّ معارض قبولاً عاماً، حيث اعتمد “الجيش الحرّ” العلم الذي ارتآه المطالبون الأوائل بالعسكرة والتدخل، أي علم الثورة “الأخضر”. ومنذ بداية تشكُّله، اتبع الجيش الحر سياسة تحرير المدن والبلدات، واحتاجوا رفع علمهم المختلف عن علم النظام، في المناطق “المحررة”، بعكس المنشقين الأوائل الذي بدؤوا الهجوم على مواقع النظام دون فكرة التحرير.

المتظاهرون ظلّوا يحملون العلم الأحمر، لكنَّهم أضافوا إليه الأخضر في نفس التظاهرات كتعبير عن مناصرتهم للجيش الحر قبل أن يتلاشى ظهور العلم الأحمر في التظاهرات. ومع اشتداد المعارك بات هذا العلم بالنسبة للمتظاهرين يمثّل النظام، بكلّ إجرامه.

في بداية ٢٠١٣، كانت هناك حاجة للدعم العسكري والمادي، والذي كانت تقدّمُه دول الخليج وتركيا، بوساطة شخصيات معارضة إسلامية، في غرفة عمليات خُصّصت لذلك، واشترط الداعمون مظاهر الأسلمة على الكتائب، كأسمائِها، وأسماء عملياتها، ورُفعت أعلامٌ إسلامية في التظاهرات، منها بيضاء ومنها سوداء. وتدريجياً تلاشى ظهور علم الثورة “الأخضر” أيضاً، خاصة مع اشتداد عود الكتائب الإسلامية، وملاحقتها للجيش الحر، الذي يفتقد إلى الدعم.

ومن حينها إلى اليوم، أصبح للعلم الأخضر رمزية مزدوجة، في أغلب أوساط الثورة والناشطين في الداخل والخارج، فهو يرمز إلى معارضة النظام، وبالضد من علمه الأحمر، وإلى وطنية الثورة ومعارضتها للأسلمة والتطييف، وبالضد من الرايات البيض والسود.

في تلك الفترة فرض النظام على أصحاب المحال في دمشق وريفها طلاء “غلقات” محالهم بالعلم الأحمر، كرد فعل على انتشار العلم الأخضر ضمن أوساط الثورة؛ تلكأ البعض، من ذوي التوجهات المؤيدة للثورة، باعتبار أن دهن محالهم بعلم النظام يمثل عاراً عليهم، قبل أن يُجبروا على تنفيذ الأمر.

في أوروبا وأمريكا تخرج تظاهرات ينظِّمُها نشطاء، بعضها مؤيد للنظام وبعضها معارض، المؤيدة تحمل العلم الأحمر، والمعارضة تحمل الأخضر. وبالتالي أصبح العلم الأحمر يخصّ تأييد النظام، ويعبّر رفعُه عن نوع من “التشبيح”؛ وهنا يحتار غالبية النشطاء والوسط المعارض حول موقفهم تجاه رفع العلم الأحمر وتكفين الشهداء به في تظاهرات السنة الأولى للثورة.

بعد هجوم داعش الأخير على قرى السويداء، وارتكابهم المجزرة البشعة، اتفق العديد من المثقفين والنشطاء، في الداخل والخارج، على أن الهجوم تم بدفع من النظام كرسالة لأهالي السويداء، للخضوع إلى أوامر السلطة بما تمثله من تجاذب مصالح روسي إيراني، وتقديم أبنائهم للخدمة العسكرية، وإنهاء حركة “رجال الكرامة”. وهناك رأي عُمّم في أوساط الثورة يصنّف أهالي السويداء بالمحايدين، لأنهم رفضوا بغالبيتهم الالتحاق بالخدمة العسكرية والمشاركة في قتل الشعب السوري بينما ذهب البعض بالرأي إلى اعتبار السويداء معارضة للنظام، وستنتفض ضده إذا ما استمر بالضغط على أهلها.

تضامَنَ الجميع مع ضحايا المجزرة، سواء اعتبروهم محايدين أو معارضين؛ لكن الصدمةً واجهت المتضامِنين لدى مشاهدتهم العلم الأحمر في تشييع ضحايا المجزرة، رغم تفهّمِهم أنه لن يتم رفع علم آخر، ورغم طرد المشيِّعين لممثلي النظام في المحافظة ومنعهم من إلقاء الخطابات. حالة التحرّج من علم النظام منعت غالبية النشطاء من مشاركة صور التشييع على صفحاتهم؛ لكنّ هذه الظاهرة تستدعي نقاشاً حول علم سوريا: أهو أحمر أم أخضر؟

لم تعرف الدولة السورية الحديثة، منذ نشوئِها قبل أقلَّ من مئة عام، الاستقرارَ؛ وعاشت قرناً من الاحتلالات والصراعات والحروب والتحالفات والانقلابات، وفي كلّ مرحلة من مراحلها كان المنتصرون يفرضون أعلاماً تعبِّر عنهم(1). وبالتالي يمكن القول أنَّ لكلِّ فترة من تاريخ سورية المعاصر علَمها الذي يعبر عن التغيير شكلاً ومضموناً.

العلم الرسمي الحالي، الأحمر، اعتُمد أول مرّة في ٢٢ شباط ١٩٥٨، كمعبِّر عن الجمهورية العربية المتحدة، وظل معتمداً حتى الانفصال ١٩٦١. أعيد استخدامه في ١٩٨٠، من قبل النظام كمعبر عن وحدة الصف العربي(2).

علم المعارضة الأخضر، حدّده لأول مرة دستور الانتداب في ١٩٣٠، واعتُمد رسمياً عام ١٩٣٢، وأصبح رمزاً وطنياً للنضال ضد المستعمر الفرنسي. واعتمد كعلم رسمي بعد الجلاء في ١٧ نيسان ١٩٤٦، وظل معتمداً حتى الوحدة مع مصر ١٩٥٨، ثم استُخدِم بعد الانفصال. وترمز ألوان مستطيلاته الثلاثة إلى مراحل دولة الخلافة الإسلامية، الراشدية والأموية والعباسية، ونجومه الحمراء الثلاث ترمز إلى مناطق سورية(3).

سوريا اليوم تحت احتلالات متعددة، يتزعَّمُها الاحتلال الروسي. وهو يريد الإبقاء على النظام بشكله القديم مع تغييرات غير جوهرية في بنيته وفي دستوره، لكنها ستراعي مصالح المتدخلين في التسوية السورية، ومصالح روسيا نفسها.

لا يمكن القول أن التسوية القادمة ستُدخِل سورية في مرحلة استقرار؛ فهي مدمَّرة، ونصف شعبها مهجّر، وتحكمها مافيات فاسدة ومجرمة، ولم تعد السلطة مقبولة من عموم السوريين. ففي سورية احتلالات تريد النهب، وتدمير ما تبقى من الاقتصاد الوطني.

وبالتالي أمام السوريين صراعاتٌ ونضالاتٌ متعددة المستويات، ضد سلطات الأمر الواقع، وحكم الأسد، وضدَّ الاحتلالات: الروسي والإيراني والتركي، والأمريكي إن بقي في الشرق. وأمامَهم كذلك صراعٌ من أجل إقامة دولة سورية بمفاهيم حداثية ووطنية، ودستور يقوم على المواطنة، وحينها يختار السوريون علَماً يمثل مرحلتهم الجديدة.

الهوامش:

  1. استخدم علم الدولة العثمانية من معركة مرج دابق 1516 حتى انسحاب الحامية العثمانية من دمشق 1918. علم الثورة العربية 1918- 1920. علم المملكة العربية السورية من قدوم الأمير فيصل إلى دمشق في 8 آذار 1920 وحتى معركة ميسلون 24 تموز من العام نفسه. علم الانتداب الفرنسي الأزرق اتخذ في 24 تموز 1920، ثم أعلام التقسيم إلى دويلات طائفية ومناطقية. علم الاستقلال (1932- 1958) و(1961-1963). أعلام البعث: علم البعث ذي الثلاث نجمات خضراء 1963-1972. ثم علم اتحاد الجمهوريات العربية ذي النسر 1972-1980. ثم العلم الحالي الذي كان قد استخدم كجزء من الجمهورية المتحدة (العلم الحالي) 1958-1961، ثم استخدم منذ 1980 حتى الآن.
  2. بعد الانفصال استخدم علم الاستقلال، والبعث استخدم أعلاماً مختلفة قبل أن يعتمد علم الجمهورية العربية المتحدة. كما وضحنا في البند أعلاه.
  3. ترمز النجوم الثلاث إلى حلب ودمشق ودير الزور. لكن في عام 1936 تغيرت معاني النجوم الثلاث بعد ضم سنجق اللاذقية، وأصبحت النجمة الأولى ترمز إلى حلب ودمشق ودير الزور، والثانية إلى جبل الدروز، والثالثة إلى سنجق اللاذقية.