التعفيش” أحد تجليات ثقافة الاستبداد”

التعفيش” أحد تجليات ثقافة الاستبداد”

احتلت حملة   التعفيش   في مخيم اليرموك حيزاً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي، وتم تناولها من جوانب متعددة أغلبها أدان العملية التعفيشية  والقليل برّرها ومنهم من اعتبرها أقل الخسائر بعد خسائر الأرواح التي لا تعوض.

التعفيش وهي الكلمة البديلة عن غنائم الحرب التي استخدمها العرب سابقاً (ومشتقة من كلمة “عَفش” والتي تعني مفروشات البيت) والفرق بينهما ليس كبيراً، ولكن التعفيش وهو السرقة العلنية بقوة السلاح وتحت سمع وبصر وبمشاركة من هم مكلفون بحماية تلك الممتلكات وهنا تكمن المأساة. كانت إدانة المعارضين للمعفشين هي إدانة للسلطة التي يحملونها مسؤولية حماية هذه المنطقة أو تلك. وهي مدانة فعلاً وتتحمل مسؤولية كل عمليات النهب التي حدثت، ولكن لم تتم إدانة السلوك التعفيشي بشكل عام والذي تفشى بين الفئات المتحاربة منذ بداية الصراع، فلم تتم مثلاً إدانة الفصائل التي نهبت مدينة حلب ومحيطها وفككت معاملها وباعتها لتركيا وكأنّ هذه الفصائل لم تكن مسؤولة عن حماية ممتلكات الناس وإنما السلطة هي المسؤولة. وقد صمت آنذاك العديد من المعارضين أو أنكروا حدوث أية انتهاكات من أصله، وفي كل مرة يتم لوم السلطة فإنها تربح نقطة لصالحها بسبب سوء الخطاب المعارض لها.

النهب هو جزء من اقتصاد الحرب ومن أعراض الحرب القائمة، وبالمحصلة هدف الحروب هو استيلاء القوي على ممتلكات الضعيف ويمكن أن يتم الاستيلاء بطرق متعددة وحرب على مستويات متنوعة: إما عن طريق حرب مباشرة وغزو واستيلاء على مقدرات البلاد بالقوة العسكرية، أو بإبراز القوة والتلويح بها والتهديد بالتدخل إذا تعرضت مصالحها للخطر، أو باختلاق المشاكل وخلق الحروب بين الدول والتي تحتاج إلى سلاح لتكمل حروبها وبالتالي تجني الدول أرباحا هائلة من تجارة السلاح، وأخيراً الحرب غير المعلنة والتي تتمثل باستيلاء العسكر على السلطة التنفيذية في بلد ما وشن غزوات عبر شبكة مخابراتها على من يعترض استيلاء تلك الطبقة على ممتلكات البلد الذي تسيطر عليه. وهذه هي الأخطر لأنها تحاربك باسم القانون الذي يصاغ وفق مصلحتها وما يدر عليها من عائدات.

يمكن أن يكون قانون تأميم لصالح تلك الطبقة الحاكمة بخلاف ما تروج له أجهزتها الإعلامية التي تدعي أن ذلك لمصلحة الشعب. كل القوانين التي تصاغ في هذه البلدان هي لمصلحة الطبقة البيروقراطية الحاكمة وأذنابها.‎

يمكن أن تصل هذه القوانين إلى حدٍ من الضغط لتفجر الوضع الداخلي إلى مستوى حربٍ لتستعيد الطبقات الثائرة بعضاً من حقوقها المسلوبة سواء كانت حقوقا سياسية أو اقتصادية. ويمكن أن يكون من النخبة المنتفضة بعض من النماذج الحاكمة يريدون أن يصلوا الى امتيازات الحكام السابقين دون إعطاء بقية الثائرين حقوقهم أي مجرد استبدال لص بلصٍ جديد. هذه الحالات تنجح في الوصول إذا كان نجاح التمرد أو الثورة أو الانقلاب سريعاً أو استطاعت النخبة إخفاء مطامعها حتى الوصول الى الحكم كما حدث بمعظم الدول التي حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.

حيث يرى البعض أنّ فترة الاستعمار كانت أقل سوءاً مما يحصل على يد  أبناء البلد ولكن النهب بقي وربما تطور عبر أسماء براقة وأثمان أكبر رغم كل الدماء التي سالت منتظرة لحظة مغادرة المحتل. المحتل الذي رحل بعد إبقاء عملاء له يقدمون له خدماتهم كما لو كان موجوداً وتبقى جامعاته ومستشفياته هي الأماكن التي يرتادها الحكام الجدد ومنتجات سلاحه هي المشتراة لحماية السلطات الحاكمة وقد يحدث أن يتغير مصدر السلاح بتغير الحكام ولكن يبقى كل شيء كما تركه المحتل دون تغيير. وبالتالي نجد أنّ السوريين مازالوا يحلمون بدولة كما كانت دولتهم عشية الاستقلال.‎

التعفيش هو كل هذا الذي تفعله الحكومات في عالمنا الثالث والصورة في مخيم اليرموك هي الصورة الأوضح، وللأسف هذه هي ثقافة الاستبداد فالحاكم هو صاحب ومالك كل شيء من أرواحنا حتى ترابنا، لذلك عندما سيطر بعض السوريين على مناطق مختلفة من سوريا أعادوا إنتاج الآلية ذاتها ولكن للأسف لم تكن ردود الفعل بنفس الطريقة.

ما زلنا نحتاج إلى فهم للدولة خارج فهم إمكانية تعفيش السكان، حيث تدير مؤسسات الدولة حكومة مؤتمنة على مواردها ولديها أجر على أدائها لعملها وليست مالكة لتلك الموارد، وأن يكون لدينا حكومة مؤتمنة على إدارة موارد تلك البقعة الجغرافية لا تعفيشها وفق قوانين خاصة مع إتاحة ثغرات كبيرة بتلك القوانين لتعفيش الأموال والممتلكات عبر مؤسسات أمنية أوخارج الطرق المباشرة لمؤسسات الدولة عبر الرشوة للأمن الداخلي وشرطة المرور والمالية والجمارك.

التعفيش الحاصل بمخيم اليرموك هو نتاج ثقافة الخليفة والسلطان والأمير صاحب البلاد. حيث ليس لدينا شيء من ثقافة الدولة الحديثة وما تزال شرائح من شعب هذه المنطقة تهتف بحياة الزعيم حتى يصل لها شيء من مكتسبات التعفيش.

الثقافة التي نحملها عن السلطة والدولة والإدارة هي أصل التعفيش، فالتعفيش في عقولنا حيث نسامح السلطات التي تعفش إذا كنا نواليها ونستنكر نفس الفعل لغيرها، ويجب أن تكون مهمتنا في الحدّ الأدنى استنكار الفعل ذاته. ونحتاج إلى منظومة أخلاقية ثقافية جديدة وإعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة (بما فيها القطاع  الأمني) كي تلائم أخلاق العصر المتمثلة بميثاق حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية وحصيلة التجارب الإنسانية على المستوى العالمي.

صفقة منبج تختبر الحلفاء

صفقة منبج تختبر الحلفاء

يشكل تنفيذ خريطة طريق معقدة لمدينة منبج شمال سوريا اختباراً لاستعادة الثقة بين أميركا وتركيا، بعد فترة من البرود وتراكم ملفات شائكة بين البلدين، ما سمح لموسكو بالتوغل عبر شقوق فقدان الثقة بين شريكين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).

كما أن المضي قدما في «الخريطة»، قد يشكل إشارة إلى احتمال تعرض «وحدات حماية الشعب» الكردية لـ«خيانة» جديدة من الأميركيين الذي يوفرون الحماية للأكراد شرق نهر الفرات، بعدما تعرضوا لشيء مماثل، لدى موافقة روسيا بداية العام على دخول الجيش التركي وفصائل سورية معارضة إلى عفرين، وإخراج «الوحدات». أو على الأقل، خفض سقف توقعات قيادات كردية.

بحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن خريطة الطريق بين واشنطن وأنقرة تنص على العناصر الآتية: تشكيل دوريات أميركية – تركية في أطراف منبج، وخروج «الوحدات» من المدينة إلى شرق نهر الفرات، وتعزيز دور مجلس منبج العسكري، وتشكيل مجلس مدني للمدينة، وعودة النازحين العرب والأكراد إلى أماكنهم الأصلية.

وكانت هذه الخريطة خلاصة رغبة من وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي السابق هاربر ماكماستر، للبحث عن قواعد مشتركة مع حليف أميركا في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو)، لكن خروجهما من الإدارة الأميركية في مارس (آذار) الماضي أدى إلى بطء التنفيذ، إضافة إلى خلاف أميركي – تركي حول تسلسل تنفيذ الخريطة، بين تركيز واشنطن على ضرورة بناء الثقة وتشكيل الدوريات، مقابل تركيز أنقرة على البدء بإخراج «الوحدات» من منبج ونزع سلاحها الثقيل.

وبعد جلسات مكثفة من المفاوضات، صاغ كبار المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين في البلدين مسودة خريطة منبج، التي أقر خطوطها العامة الوزيران مايك بومبيو ومولود جاويش أوغلو، في واشنطن مساء أول من أمس.

لكن بمجرد الإعلان عنها، بدأ يطفو إلى السطح اختلاف القراءتين الأميركية والتركية. إذ إن أنقرة تريد بدء تنفيذ الخطة خلال عشرة أيام وفق برنامج زمني صارم يتضمن مواعيد خروج «الوحدات»، وتسليم سلاحها، وتسلم مجلس منبج العسكري، وتشكيل المجلس المدني، مقابل قول واشنطن إن البرنامج الزمني «إرشادي»، ويتوقف تنفيذ كل مرحلة على مدى نجاح المرحلة السابقة، أي رهن عودة الثقة الأميركية – التركية، وبرود السخونة بين «الوحدات» وأنقرة؛ خصوصاً بعد تعرض «الوحدات» لمفاجأة روسية بالتخلي عن عفرين.

وقال قيادي في «الوحدات» الكردية لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «الوحدات» لم يكن لديها هدف السيطرة منذ دحر تنظيم داعش منها في نهاية 2016، وإن «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «الوحدات» ويدعمها التحالف الدولي، دعمت مجلس منبج العسكري وتشكيل مجلس مدني فيها.

وعقد في الساعات الماضية اجتماع بين التحالف ومجلس منبج العسكري؛ لكن «الوحدات» تبلغت من الأميركيين الأسبوع الماضي نتائج المحادثات الأميركية – التركية في أنقرة، وصوغ مسودة الاتفاق. وأوضح القيادي أمس: «كان لدينا نحو 300 مقاتل من الوحدات، لكن العدد خفض تدريجيا، ولم يبق سوى مستشارين، وعددهم نحو 30 مستشاراً، وهم عملوا على تدريب مجلس منبج العسكري الذي يضم بين 5 و6 آلاف مقاتل. بالتالي، فإن المستشارين سينسحبون إلى شرق الفرات للمشاركة في معارك إنهاء (داعش) بمجرد انتهاء الحاجة إليهم في منبج».

وتوقع القيادي أن تكون المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة (الخريطة)، تشكيل دوريات أميركية – تركية للسير في خطوط التماس بين «مجلس منبج العسكري» في ريف المدينة وفصائل «درع الفرات» التي يدعمها الجيش التركي بين حلب وجرابلس على حدود تركيا. وأضاف: «لا بد من الهدوء واستعادة التوازن ونوع من الثقة، للمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة»، ما يعني سحب المستشارين من «الوحدات» الكردية.

بعدها، ينتقل التركيز لصالح «مجلس منبج العسكري» ونقل الإدارة إلى المجلس المدني الذي يضم أهالي المدينة وبعض الشخصيات من أصول كردية، إضافة إلى عودة النازحين العرب والأكراد إلى أرضهم. وقال القيادي في «الوحدات»: «لا نريد السيطرة على أي منطقة. بالعكس برنامجنا هو القضاء على (داعش) ومساعدة الأهالي المحليين في تسلم القيادة بأنفسهم ضمن مشروعنا لسوريا اللامركزية، وهذا ما سيحصل في منبج».

وتزامن إعلان الاتفاق مع زيارة رئيس «حركة التجديد الوطني» عبيدة النحاس، ورئيس «حزب سوريا المستقبل» إبراهيم القفطان إلى منبج بعد الرقة. ولاحظ مشاركون في الزيارة تراجع دور «الوحدات» خلال الأشهر الثمانية الماضية، مقابل تمكين الأهالي ومجلس منبج العسكري و«هذا يعزز مشروع اللامركزية على حساب الفيدرالية» التي كان أكراد اقترحوها نموذجا لسوريا قبل سنتين.

بالنسبة إلى أنقرة، وفاء واشنطن بتنفيذ هذا الاتفاق يكون بداية لاستعادة ثقة مفقودة بسبب موقفها من محاولة الانقلاب في أنقرة، واستضافة فتح الله غولن، واستمرار واشنطن في دعم وتسليح «الوحدات» شمال شرقي سوريا. وقال مصدر تركي: «واشنطن لم تلتزم وعودها مرات عدة في السنوات الماضية. وعدت بتسليم الرقة لأهلها بعد تحريرها من (داعش)، ولم تفعل، بل شاهدنا صور عبد الله أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة إرهابيا). وعدت بسحب السلاح الثقيل من الوحدات بعد دحر (داعش) ولم تفعل، بل أقامت نحو 20 قاعدة عسكرية».

وبحسب المصادر الدبلوماسية، فإن تنفيذ خطة منبج سيكون اختبارا لإمكانية عودة الثقة بين حليفين في «ناتو» ومدى إمكانية ابتعاد الرئيس رجب طيب إردوغان عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يراهن على تعزيز الشرخ داخل «ناتو» والمضي في بيع منظومة صواريخ «إس – 400» إلى الجيش التركي، الذي يجري اتصالات مع واشنطن للحصول على تكنولوجية عسكرية عالية.

الجيش الحر والتبعية الإقليمية والدولية

الجيش الحر والتبعية الإقليمية والدولية

عمّت المظاهرات مدن وبلدات سوريا، وبدا كأن أفقاً جديداً ينفتح أمام المجتمع بعد عقود طويلة من الاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي. الدفقة الأولى التي ترافقت مع هتافات المتظاهرين أعادت الحياة لمعنى الحرية والكرامة في وجدان الناس ولقيم التضامن الجماعية وكانت الأشهر الأولى من عمر الثورة بمثابة زمن جديد يحاول القطع مع المستنقع الآسن الذي أَغرق المجتمع في الفساد، والذي عممته الدولة الأمنية  في سياسة ممنهجة للإفساد ليشمل الجميع حسب قول الدكتور طيب تيزيني. الإفساد العام هذا، تعمّم في مجتمعات تحكمها العلاقات الاجتماعية الريفية العائلية والقبلية والمناطقية، وترافق ذلك مع قيم الفردية والفهلوية والشطارة. الانهيار العام للمجتمع السوري شمل كل المجالات وطال كل المستويات. شكّل هذا الوضع الأرضية التي أثرت في تكوين البنية والشكل التنظيمي للحراك للثوري في طوريه السلمي والعسكري. إن محاولة توصيف هذا التكون تفترض التركيز على العوامل الداخلية التي سمحت للعامل الخارجي فيما بعد أن يأخذ هذا الدور من حيث الحجم والتأثير قبل أن يصير صراعاً  إقليمياً ودولياً.

نشوء المجموعة المسلحة

جوبهت المظاهرات بالعنف الشديد، حيث تصاعد القتل وحملات الاعتقال والإذلال وذلك لهزيمة الحراك الاجتماعي ودفعه لحمل السلاح، وليكون الميدان العسكري هو ساحة الصراع والتي تسمح بانتصارالنظام أو إطالة أمد بقائه، فبنية هذا النظام الأمني غير قادرة على خوض صراع سلمي مع الحراك المجتمعي بل هي غير مجهزة ولا تملك الأدوات باعتراف رأس النظام نفسه.

أوّل هدفٍ لحمل السلاح هو حماية المظاهرات السلمية من عنف أجهزة الأمن، وقد بدأ من مجموعات أهلية تحمل السلاح الفردي وأسلحة الصيد، وبدا وكأن النظام وجد ضالته. عمل مهربو السلاح تحت نظر النظام وفُتحت لهم طرق التهريب كاملة بينما حوصرت بلدات وقرى ومنع عنها حتى الخبز وحليب الأطفال! رغم استشعار الناس بخطر السلاح، ورغم رغبة الناس في المحافظة على سلمية الحراك والوعي المبكر لأهمية السلمية التي رُفعت كشعارات وهتافات في مظاهراتهم، فإن حمل السلاح لم يكن خياراً بل طريقاً لا مفر منه لمواجهة العنف المنفلت للنظام.

تشكلت المجموعة المسلحة من الشباب المهمش في نطاق أهلي مناطقي حيث التراتبية في المكانة الاجتماعية حسب مستوى التعليم والعمل. الفئة الأكثر تعليماً كانت منخرطة في العمل  الإعلامي والسياسي والتنظيمي في التنسيقيات، والفئة الأقل تعليماً شكلت المجموعة المسلحة وضمت ما يُعرف بـ”القبضايات” أو بـ”الزعران” والشباب المتدين البسيط.

لم يكن هناك إطار فكري أيديولوجي سياسي تنظيمي للجماعة المسلحة في بداية تشكلها بل كان الحامل الوحيد هو الرابط الأهلي المناطقي ومهمتها حماية المظاهرات. ومع ازدياد حجم العنف والدم وبفعل وجود السلاح تعدت مهمة الحماية وعمليات الانتقام من أجهزة الأمن وأدواتها من مخبرين وتابعين إلى /تحرير/مناطق والسيطرة عليها (لا يعدم النظام حجة للعنف الذي مارسه لكن  مجرد وجود السلاح سمح للنظام باستخدام أدوات أشد، لم يكن من المتخيل أن تقصف مظاهرة لتشييع شهداء المظاهرات بالطيران الحربي –حدث في السيدة زينب17 /8/ 2012).

تزامن ظهور الجماعة المسلحة مع ازدياد ظاهرة انشقاق الضباط والجنود عن جيش النظام وظهر اسم جامع لكل من يقوم بعمل مسلح ضد النظام هو الجيش الحر. الجيش الحر هو مجموعات منفصلة لا رابط يجمعها سوى الإسم والهدف، وتعتمد المجموعة على بيئتها المحلية للحصول على التمويل من خلال التبرعات وأحياناً على شكل أتاواتٍ فرضت على الميسورين، وحدث كثيراً أن نهبت أملاك عامة وخاصة بحجة تابعيتها للنظام، وضرورة توفير الدعم متجاوزة الصورة الأولى لتشكيل الجماعة المسلحة حيث أفرادها الأوائل قدموا ممتلكاتهم الشخصية لشراء السلاح!

التحق المنشقون عن جيش النظام بالمجموعة المسلحة، وكانت ظاهرة الانشقاق ذات أثر كبير في جوانب عدة فضلاً عن إضعاف جيش النظام وكشف زيف روايته للأحداث. كانت لتمد العمل المسلح بالمحترفين وترفعه لسوية عمل منظم لكن الواقع كان غير ذاك، حيث رفضت المجموعة المسلحة العمل تحت قيادة الضابط المنشق والتخلي عن قائدها الثوري، فظهر شكل مزدوج للقيادة عسكري وثوري، و صراع مستمر على آلية العمل والتنظيم. لم يقبل أفراد المجموعة أن يتحولوا إلى عسكريين تحت إمرة الضابط المنشق في نظام شبه عسكري، يعيد إلى ذاكرتهم مساوىء وذل الخدمة العسكرية في جيش النظام، ولم يقبل القائد الثوري الذي يملك الأسبقية في العمل الثوري من الوافد الجديد المنشق أن ينتزع منه القيادة، وفي بعض الأحيان اتُهم المنشقون بعد الحفاوة التي استقبلوا بها أنهم مدسوسون من قبل النظام لاختراق الثورة.

وعكس ذلك لم يقبل الضابط المنشق العمل المسلح تحت إمرة مدني غير محترف، وبدون نظام وتراتبيه واضحة بين أفراد المجموعة، وبالتالي تحولت المجموعة المسلحة إلى مكانٍ نابذ للمنشق، فهو لا يستطيع البقاء فيه والتعايش معه. ضباط الرتب الدنيا والأصغر عمراً، كانوا أكثر قدرة على التأقلم مع المجموعة، ورغم بروز أسماء لكثير من الضباط المنشقين الذين خاضوا مواجهات بطولية إلا أن دور الجماعة المسلحة تحول من دمج الضباط بصفوفها إلى تأمين عملية الانشقاق وإيصال المنشق إلى مخيمات اللجوء في دول الجوار.

خصصت كل من تركيا والأردن مخيمات خاصة للضباط المنشقين، وهي أشبه بمراكز للاحتجاز، وبحراسة مشددة وشبه قطيعة عن الداخل السوري، وقد ضمت هذه المخيمات آلاف الضباط المنشقين؛ ففي مخيم الراجحي في الأردن وحده كان هناك 2163 ضابطا من رتبة رائد فأعلى، ولا توجد إحصائيات موثوقة للأعداد الحقيقية للضباط المنشقين. كانت هذه سياسة الدول الاقليمية التي تدعي دعم الثورة، وذلك لعدة أسباب، ومنها، وهو رئيسي، ويتحدد بقطع الطريق أمام إنشاء جيش وطني محترف ثوري ويقود العمل  المسلح ويصعب استثماره في ظل صراعات النفوذ بين الدول الإقليمية. يمكننا الاستنتاج هنا أن قرار تدمير الثورة السورية، كان هدفاً متفقاً عليه، وهذا حديث آخر.

أسلمة المجموعة المسلحة

قامت المجموعة المسلحة بإمكانات أفرادها والدعم المحلي المتوفر إلى أن فُتح باب التمويل الخارجي الخليجي أساساً وذلك عبر أفراد ومؤسسات إسلامية، وشكل المغتربون السوريون صلة الوصل بينها قبل أن تتحول لسياسة دعم منظم من هذه الدول، وسرعان ما طالت اللحى في المجموعة المسلحة وأتخذت أسماء لها تُعبرعن توجه إسلامي، وتحول القائد الثوري في المجموعة إلى أمير طلباً للدعم. يشمل ذلك  المجموعات التي يقودها الضباط المنشقون، ورغم ضآلة عددها لم تسلم من هذا التوجه. إضافة لكل ذلك ظهرت جماعات إسلامية بقيادة إسلاميين إيدلوجيين أطلقهم النظام من سجونه وظهر تنظيم تابع للقاعدة باسم جبهة النصرة؛ كل ذلك شكّل عوامل ضاغطة لتتجه الجماعة المسلحة المتنوعة والكثيرة نحو الأسلمة، والانتقال من الشكل الشعبي “الإسلامي” إلى شكل أكثر راديكالية وتشدداً، فأصبح لكل مجموعة هيئتها الشرعية ونطاق جغرافي تطبق فيه شريعتها، وتتنازع فيما بينها على حدود تلك السيطرة.

إن زمن الانحدار الاجتماعي هو زمن تشكّل المجموعة المسلحة؛ فغربة المجتمع عن العمل السياسي وغياب الإيديولوجيات كإطار فكري عام، وغلبة الشعاراتية في عقود الاستبداد هو الذي دفع المجموعة المسلحة إلى أن تستجيب لمتطلبات الداعم الخارجي الإسلامي التوجه من جهة ومن جهة أخرى أن تقلد وتستعير أدوات المجموعة الإسلامية في التنظيم والعمل، ولا يغفل هنا الدور الكبير للإعلام في تعزيز هذا التوجه.

العلاقة بين المسلح والمدني

سيطرت الجماعات المسلحة على مساحات شاسعة من البلاد، وأضعفت النظام رغم غياب أي تنظيم يجمعها ورغم صبغتها المناطقية كانت امتداداً لبعد وطني برز في المظاهرات السلمية حيث المدن والبلدات تناصر بعضها. ربما كانت معركة مدينة القصير أواخر 2012، آخر مواجهة تحمل بعداً وطنياً شاملاً، حيث وصلت فصائل من حلب ومن دير الزور قاطعة مئات الكيلو مترات للتضامن مع المدينة التي يتحضر النظام وميلشيات حزب الله للهجوم عليها. تغير الأمر لاحقاً، وذلك بعد التحاق المجموعة المسلحة مرغمةً بمجموعاتٍ أخرى نتيجة تركيز الدعم عند مجموعات معينة أو بتهديد السلاح والسيطرة المسلحة المباشرة والإفناء، ولتظهر مكانها الألوية والفيالق والجيوش الإسلامية التابعة بشكل تام للداعم الإقليمي.

كانت خارطة سيطرة هذه الفصائل هي خارطة تقاسم النفوذ بين الدول الإقليمية، ولا يجمعها إلا التداخل والتشابك بين مصالح تلك الدول، وليغدو مكان هذه السيطرة منطقة عمليات مستقلة فعلياً وغير مرتبطة أو معنية بالمناطق الأخرى إلا إعلامياً، كذلك سيصبح مكان سيطرة هذه الفصائل أشبه بإمارة إسلامية تختلف درجة تشددها الديني بين فصيل وآخر، وتدخل في حالة عداءٍ مع مجتمعها المحلي بعد تشكيلها سلطة مستبدة تسيطر على الحياة العامة ومشغولة بمراقبة سلوكيات الناس ونمط عيشهم. لم يشفع للناس أنهم تحت وطأة قصف النظام وحصاره، وزاد الأمر سوءاً عمليات الاغتيال والخطف والاعتقال لكل مخالف للفصيل المسيطر، وأبعد عدد كبير من الناشطين الهاربين من النظام،  ليتحولوا إلى لاجئين ولا ملاذ لهم في مناطق سيطرة الفصائل، ومن حاول منهم البقاء كان مصيره الاغتيال او الخطف، (لعل قضية اختطاف أعضاء مركز توثيق الانتهاكات في دوما هي الأشهر). هؤلاء الناشطون الذين لعبوا دوراً كبيراً في تأمين الدعم الطبي والإغاثي، وفي مجالات الإعلام والتوثيق الحقوقي الإنساني والمساعدة في بناء الهيئات المدنية (تجربة المجالس المحلية مثلاً).

بقيت علاقتهم مع المجموعة المسلحة تفاعلية، إذ يقدمون للمجموعة المساعدات والخدمات، وتستجيب المجموعة لاقتراحاتهم وآرائهم حول دور العمل  المسلح في الثورة وفي الحفاظ على صورة مشرفة للعمل المسلح بعيداً عن ممارسات بعض هذه المجموعات مثل قيامها بعمليات الخطف على أساس طائفي.

لقد ساهمت المجموعة المسلحة “الشعبية” بانشقاق ضباط وجنود من كل الطوائف الدينية، إذ كانت المجموعة المسلحة رغم الإسم والشكل الديني الذي يوحي بأنها راديكالية متطرفة تتبنى فعلياً مفهوم مجتمعها الشعبي عن الدين، وبقيت جزءاً من مجتمعها الأهلي المحلي، ولم تشكل سلطة منفصلة فيه فكانت مرحلتها هي مرحلة تفاعل وجهود مجتمع الثورة بكامله.

تجارب فاشلة

أمام هذه التحولات حاول بعض الوطنيين الديمقراطيين إنشاء مجموعات مسلحة للحفاظ على هوية الثورة باسم كتائب الوحدة الوطنية، وظلت محدودة التأثير حتى تلاشت بسبب قلة الدعم، ولم تنفع بطولات أفردها أو أسماء كتائبها الوطنية /يوسف العظمة، ابراهيم هنانو/ من تغيير مصيرها المحتوم.

وتبقى تجربة إنشاء هيئة أركان للجيش الحر شكلاً آخر للسيطرة والتبعية الإقليمية والدولية إذا انضمت إليه فصائل ومجموعات متنازعة فيما بينها ولا يجمعها إلا الحصول على التمويل، وبدأت كذلك الخلافات بين الضباط على القيادة وكل منها محسوب على طرف إقليمي إلى أن أصبحت غرفتي الدعم في تركيا والأردن- الموم  والموك – هي مقرات القيادة الفعلية لتلك الفصائل ولهذا حديث آخر. وبذلك انتهت الجماعة المسلحة الثورية الأهلية المناطقية، لينتهي معها العمل المسلح ذو الصبغة الوطنية (لعل من المفارقة أن يكون المناطقي دلالة للوطني) وليصير الصراع بعدها إقليمياً دولياً بأدواتٍ محلية.

سوريا في أسبوع، ٤ حزيران

سوريا في أسبوع، ٤ حزيران

غضب أميركي، رئاسة سورية
٢٩ أيار/مايو

عبرت وزارة الخارجية الأمريكية الثلاثاء عن غضبها إزاء تولي سوريا رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح الشهر المقبل قائلة إن دمشق تفتقر إلى المصداقية لرئاسة المؤتمر بسبب استخدامها أسلحة كيماوية.

وقالت هيذر ناورت المتحدثة باسم الوزارة في إفادة صحفية “نشعر بالغضب إزاء الاستخفاف السافر من قبل النظام السوري بحياة الإنسان، وانتهاكاته المتكررة وتجاهله لالتزاماته الدولية وجرأته على تولي رئاسة هيئة دولية ملتزمة بدعم جهود نزع السلاح.” وتابعت: “سوريا تفتقر إلى المصداقية لتولي رئاسة المؤتمر.”

وانسحب السفير الاميركي روبرت وود من المؤتمر لدى ترؤس سفير دمشق المؤتمر.

تنديد أميركي واعتراف سوري
٣٠ أيار/مايو

نددت الولايات المتحدة اليوم الأربعاء بقرار سوريا الاعتراف بإقليمين انفصاليين في جورجيا، قائلة إنها تدعم كليا استقلال جورجيا وجددت الدعوة لروسيا لسحب قواتها من المنطقة.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت في بيان: “الولايات المتحدة تندد بشدة بنية النظام السوري إقامة علاقات دبلوماسية مع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللذين تحتلهما روسيا في جورجيا.”

وأضافت “هذان الإقليمان هما جزء من جورجيا. موقف الولايات المتحدة تجاه أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ثابت.”

وصدر البيان الأمريكي بعد يوم من إعلان جورجيا إنها ستقطع العلاقات مع سوريا بعد تحرك دمشق للاعتراف بالمنطقتين كدولتين مستقلتين.

وتعترف روسيا ونيكاراجوا وفنزويلا وناورو باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللذين انفصلا عن جورجيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

وبعد حربهما في أوائل التسعينيات، خاضت جورجيا وروسيا حربا أخرى على الإقليمين في أغسطس/ آب 2008.

ودعمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جورجيا في وصف العملية الروسية بأنها استيلاء صريح على أراض.

والأسبوع الماضي، تعهد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتعاون أمني واقتصادي أكبر مع جورجيا. ودعا أيضا روسيا لسحب قواتها من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بعد حرب 2008 وهي نفس الدعوة التي تكررت في بيان وزارة الخارجية  الأربعاء.

خريطة أميركية -تركية
٣٠ أيار/مايو

نفت وزارة الخارجية الأمريكية الأربعاء تقارير إعلامية عن اتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا على خطة من ثلاث خطوات لسحب وحدات حماية الشعب الكردية السورية من مدينة منبج بشمال سوريا.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة هيذر ناورت في بيان بواشنطن “لم نتوصل لأي اتفاق بعد مع حكومة تركيا.” وأضافت “نحن مستمرون في المحادثات الجارية بخصوص سوريا والقضايا الأخرى التي تهم الجانبين.” وتابعت أن المسؤولين الأمريكيين والأتراك التقوا في أنقرة الأسبوع الماضي لإجراء محادثات بشأن القضية.

وكانت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية قد ذكرت في وقت سابق أن تركيا والولايات المتحدة توصلتا إلى اتفاق فني على خطة الانسحاب، وهو تحرك تسعى تركيا لموافقة الولايات المتحدة عليه منذ فترة طويلة.

تركيا غاضبة من الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب إذ تعتبرها منظمة إرهابية، وتهدد بنقل هجومها في منطقة عفرين بشمال سوريا إلى منبج الواقعة على مسافة أبعد شرقا.

ومنبج نقطة ساخنة محتملة. ويوجد في شمال سوريا وجود عسكري للحكومة السورية والمقاتلين الأكراد ولجماعات سورية مسلحة وتركيا والولايات المتحدة.

ونقلت الأناضول عن مصادر حضرت الاجتماعات التي اتخذت فيها القرارات قولها إن الخطة التي سيجري وضع اللمسات الأخيرة عليها خلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو لواشنطن في الرابع من حزيران/يونيو تقضي بانسحاب وحدات حماية الشعب من منبج بعد ٣٠ يوما من توقيع الاتفاق.

وأضافت الوكالة أن القوات التركية والأمريكية ستبدأ عملية إشراف مشتركة في منبج بعد ٤٥ يوما من توقيع الاتفاق وستشكل إدارة محلية في غضون ٦٠ يوما بعد الرابع من حزيران.

تفاهم روسي – اسرائيلي
٣١ أيار/مايو

التقى وزيرا الدفاع الروسي والإسرائيلي في  موسكو ليوم الخميس فيما تقدم روسيا دعما غير مباشر لإسرائيل في جهود  لإزالة القوات الإيرانية من جنوب سورية بالقرب من الحدود الإسرائيلية.

تمكنت روسيا من الإبقاء على علاقات وثيقة مع الخصمين الإقليميين إسرائيل وإيران حيث تقدم دعما عسكريا مثير للانقسام للحكومة السورية في الحرب الأهلية المتعددة الجوانب.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان لنظيره سيرجي شويجو: “إسرائيل تثمن التفهم الروسي لاحتياجاتنا الأمنية سيما الوضع على حدودنا الشمالية”، بحسب بيان صادر عن مكتب ليبرمان.

استمر الأجتماع أكثر من ساعة ونصف وتناول القضايا الأمنية بين الدولتين وجهود إسرائيل “لمنع إيران من إقامة قواعد في سورية”، بحسب البيان.

وكانت روسيا قد طالبت في اليوم السابق بضرورة مغادرة الجنود الأجانب المنطقة المدنية الآمنة بجنوب غرب سورية، القريبة من الحدود الإسرائيلية، بدون ذكر إيران مباشرة.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للصحفيين في موسكو إن هناك  اتفاقيات دولية تنص على أنه يجب أن تغادر كل القوات غير السورية المنطقة، مضيفا أن روسيا تعمل على هذه المسألة مع الولايات المتحدة والأردن.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي إن إيران  يجب أن تغادر كل أنحاء سورية لأن الصواريخ الإيرانية طويلة المدى تهدد الأمن القومي الإسرائيلي.

وأضاف نتنياهو في بيان: “لسنا راضون عن انسحاب إيران من جنوب سورية  فقط.”

المعارضة ضد إيران
٣١  أيار/مايو

قال مفاوض بارز من المعارضة السورية الخميس إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم من إيران يفتح المجال لزيادة الضغط على طهران لوقف دعمها العسكري للرئيس السوري بشار الأسد.

وكان نصر الحريري من هيئة التفاوض السورية يتحدث في بروكسل في الوقت الذي أعلن فيه الأسد أن على القوات الأمريكية الرحيل عن سوريا لأن سكان الشرق الأوسط سئموا الغزاة الأجانب.

ورد الحريري على تصريحات الأسد بالقول إن روسيا وإيران تحاربان بالنيابة عن الأسد في الحرب السورية وساعدتاه على استعادة مساحات كبيرة من الأراضي من مقاتلي المعارضة والجماعات الإسلامية. وذكر أن هناك الآن نحو مئة ألف مقاتل إيراني أو مرتبط بإيران في البلاد.

وقال الحريري “دور إيران يكبر شيئا فشيئا على حساب شعبنا. لذا فنحن ندعم أي آلية دولية قد تحجم نفوذ إيران في المنطقة بشكل عام وفي بلدنا بشكل خاص.”

وأجرى الحريري محادثات مع فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن الخميس. وقال الحريري “في وجود إيران والميليشيات الإيرانية في بلادنا لن يكون هناك حل سياسي تفاوضي. لن يكون هناك حل في ظل وجود هؤلاء الشركاء الأجانب. نبحث عن سبل لإجبار إيران على الخروج من سوريا.”

عودة السوريين من لبنان!
٣١ أيار/ مايو

قال مسؤول لبناني الخميس إن لبنان يعمل مع دمشق على إعادة آلاف اللاجئين الذين يريدون العودة إلى سوريا.

ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون وساسة آخرون اللاجئين للعودة إلى “مناطق آمنة” قبل التوصل لاتفاق سياسي لإنهاء الحرب السورية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن لبنان يستضيف حوالي مليون لاجئ سوري مسجل أو ما يقرب من ربع سكان البلاد، وهؤلاء فروا من الحرب في سوريا منذ عام 2011. لكن الحكومة اللبنانية تقدر عدد اللاجئين بأكثر من 1.5 مليون.

ومع استعادة القوات السورية المدعومة من إيران وروسيا للكثير من الأراضي، كثف بعض السياسيين اللبنانيين من مطالبهم بعودة اللاجئين خلافا للرأي العام الدولي الذي يعتبر أن الوضع لا يزال غير آمن.

وقال اللواء عباس إبراهيم وهو شخصية بارزة في الدولة ومدير عام الأمن العام للصحفيين اليوم الخميس “هناك تواصل مع السلطات السورية حول الآلاف من السوريين الذين ينوون العودة إلى سوريا.”

وأضاف “السوريون لن تطول مدة إقامتهم في لبنان. هناك عمل دؤوب تقوم به السلطة السياسية.” ولم يقدم اللواء إبراهيم إطارا زمنيا للعودة لكنه أعرب عن اعتقاده بأن بعض اللاجئين على الاقل سيعودون قريبا.

وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني ردا على سؤال لرويترز إنها “على علم بالتخطيط لعدة تحركات لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم… والمفوضية على اتصال مستمر مع المديرية العامة للأمن العام بخصوص هذا الأمر.”

وفي أبريل/ نيسان تم نقل بضعة مئات من اللاجئين من منطقة شبعا في جنوب لبنان إلى سوريا في عملية أشرف عليها الأمن العام بالتنسيق مع دمشق.

وقال سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني في حكومة تصريف الأعمال والذي تم تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة إن لبنان يعارض العودة القسرية للاجئين.

وقال إبراهيم “نحن بصدد إنشاء عشرة مراكز خاصة بالاخوة السوريين على امتداد الأراضي اللبنانية… لضبط وضعهم الإداري والأمني بالبلد ولقوننة (تقنين) وجودهم في لبنان وليس أكثر.”

تعزيزات وتطمينات وتهديدات
١ حزيران/يونيو

قال مصدر أمني في قوات سورية  الديمقراطية (قسد) إن مدينة القامشلي تشهد توتراً كبير بعد تصريحات  الرئيس السوري بشار الأسد حول تسليم مناطق سيطرة قسد للحكومة السورية، مضيفا إلى أن المدينة شهدت تعزيزات عسكرية كردية.

وأكد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أن “وحدات الحماية الكردية جلبت تعزيزات عسكرية  كبيرة من قوات مكافحة الإرهاب من مدينة المالكية شمال شرقي محافظة الحسكة إلى مدينة القامشلي مساء الخميس، بسبب التطورات الأمنية في  المدينة وريفها القريب.”

وكشفت مصادر سورية أن ” قياديا في قوات سورية  الديمقراطية من منطقة تل حميس جنوب مدينة القامشلي انشق عن قوات قسد وسلم نفسه لحاجز للجيش السوري في قرية ذبانة.”

وكان الرئيس السوري بشار الاسد قال في مقابلة من قناة “روسيا اليوم”:  “سنتعامل مع قوات سورية الديمقراطية في خيارين الأول هو أننا بدأنا الآن

بفتح الأبواب أمام المفاوضات لأن هذه القوات هي من السوريين، ولأننا  سوريون سنعيش مع بعضنا البعض، والخيار الثاني إذا لم يتم التفاوض سنلجأ إلى القوة، لأنه ليس لدينا أي خيار أخر.”

وحذرت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) الرئيس  الأسد من استخدام القوة ضد المقاتلين العرب والأكراد الذين تدعمهم واشنطن لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرتهم شمال شرقي سوريا.

وقال الجنرال الأميركي كينيث ماكنزي من هيئة الأركان للصحافة: “يجب على أي طرف منخرط في سوريا أن يفهم أن مهاجمة القوات المسلحة الأميركية أو شركائنا في التحالف ستكون سياسة سيئة للغاية.”

وذكّرت المتحدثة باسم البنتاغون دانا وايت بأنّ الجيش الأميركي ينتشر في سوريا من أجل قتال تنظيم داعش. وقالت في مؤتمر صحافي: “رغبتنا ليست الانخراط في الحرب الأهلية السورية.”

أدنى حصيلة
١ حزيران/ يونيو

سجلت حصيلة القتلى المدنيين خلال شهر مايو (أيار) المعدل الأدنى منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل أكثر من سبعة أعوام، رغم مقتل نحو ٢٥٠ مدنياً، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأورد المرصد أن عدد القتلى المدنيين خلال الشهر الماضي بلغ ٢٤٤ بينهم ٥٨ طفلاً ٣٣ امرأة، في حصيلة “هي الأدنى في صفوف المدنيين منذ اندلاع الثورة السورية” في عام 2011.

ويأتي انخفاض الحصيلة مقارنة مع الأشهر السابقة بعدما تمكنت قوات النظام من السيطرة خلال شهر أبريل (نيسان) على كامل الغوطة الشرقية وبلدات عدة في محيط دمشق.

وتمت السيطرة على تلك المناطق بعد هجوم عسكري تزامن مع قصف جوي ومدفعي كثيف، أوقع مئات القتلى من المدنيين. وبلغت حصيلة القتلى المدنيين خلال أبريل ٣٩٥ بحسب المرصد.

وشهدت الجبهات هدوءاً إلى حد كبير الشهر الماضي مع تركز المعارك في جنوب دمشق، حيث تمكنت قوات النظام من طرد تنظيم داعش من آخر جيب تحصن فيه، لتعلن دمشق وريفها مناطق “آمنة.”

ومن بين القتلى المدنيين خلال مايو، قضى ٧٧ منهم جراء القصف الجوي والمدفعي لقوات النظام بينما قتل ١٩ آخرون بغارات نفذتها روسيا، حليفة دمشق. وقتل ٣٩ آخرون في غارات للتحالف الدولي بقيادة أميركية الذي يستهدف جيوب سيطرة تنظيم داعش.

في قاعِ النهر

في قاعِ النهر

لم يتوقف المطر منذُ منتصف الليل، منذ اللحظة التي قرر فيها الذهابَ ومواجهةَ كلّ ماضيه المائي، ومساءلةَ النهرِ عن الغرق الذي لم تنجُ منه سوى الكلمات التي تصطدم ببعضها البعض كخرز السبحات القديمة في أيدي رجال ونساء يتذكرون مساقطَ رؤوسهم كجنات مفقودة. أحسَّ بالماء في عمق جلدهِ، وشعر بالغرق.

كان مركز انطلاق الشمال في حرستا، يضج بالمسافرين الصباحيين وأدلاءِ مكاتب السفر، تقدم رجلٌ يحمل مصبَّ قهوة مرّة.

“المصب كلمةٌ أخرى لها طبعُ الماء” فكرَ.
وشعر بتواطؤ اللحظات مع غرقه الخاص. وكانت القهوة أكثر من مرّة. انتظر ثوانٍ قبل أن يرد على الشاب الذي سأله إن كان مسافراً إلى حلب، ” لا. إلى منبج”. وكانت أول رحلة تنطلق إلى منبج عند الثانية عشرة ظهراً. اقتنع بكلام الشاب ولم يكن يحمل أية أمتعة باستثناء حقيبة يده، جلس في المقعد رقم ٤ وكان الماء يسيل على الزجاج مغرقاً كل شيء كذكرى بعيدة.

أخرج الكتاب الذي خبأ فيه الصورة، وكان من الروايات التي وصلته مؤخراً. تطلع في العنوان.” السباحة إلى المنزل”. وأحس بالغرق من جديد تواطؤٌ آخر في هذا الصباح الغارق في مائه.

منذ البداية، ظنَّ أن الموضوع لن يكون أكثر من صورة  بالأبيض والأسود، وجدت صدفةً بين أوراق قديمة، صورةٌ تمثل لحظةً ضوئية متوقفة وزمناً متجمداً. ملامح توقفت عن النمو، عيونٌ مفتوحةٌ في لحظة إبهار ضوء الكاميرا. تطلع في الطفل  كمخلوق وصلَ من زمن آخر. تطلع في المرأة التي تبتسم و تُجلس الطفل في حضنها، لم يكن قد رآها من قبل. ولم تكن ضمن صور أفراد عائلته، إلا أنه عرفها.

كان يمكن للقصة أن تأخذ نهايتها الطبيعيةَ وتموت في ذاكرته ككل الذكريات، لو أنها بقيت كما أخبره والده منذ زمن بعيد:”عمتك هلالة ماتت عندما كنتَ صغيراً ” لكن حضورَ الصورة الآن، أحضر إلى ذاكرته الطفولية كلَّ الهمساتِ المتبادلة بين أمه وقريباتها: “جنوا عليها” وتنتهي حدودُ الذاكرة بأصوات خفيفةٍ حبيسةٍ وأسىً مكتوم.

وقال في نفسه:

“هلالة المفلح، عمتي، أخيراً رأيتكِ”.

لم يتوقف عن القراءة إلا في حمص، في الاستراحة على الطريق السريع وضع الصورةَ حيث انتهى. باتت تشكل دليلَه. والمطر صار أكثرَ كثافةً.
عند الساعة الواحدة ظهراً وصل إلى حلب و لم يتوقف المطر. وأصبحت السباحة في منتصفها. في مركز انطلاق هنانو لم يجد أيَّ بولمان يتجه إلى الشرق. لم يدم شعورُه بالخديعة طويلاً، وذهب باتجاه كراج الهوب هوب.

لم تكن المسافةُ تزيد عن الساعتين، هكذا تذكر منذ آخرِ زيارةٍ له إلى بيت عمه. لكنه لا يذكر متى حدث ذلك. بعد الطوفان، أم قبل أن يباشر نوح ببناء سفينته. لا يتذكر إلا أن باص سكانيا الضخم الذي احتل فيه مقعداً متقدماً، بدا له كسفينة نوح.  

والركاب بدوا له غرقى بما فيهم نوح والناجي الوحيد هو ابنه.
كان السائق يحمل نفس الاسم. “تواطؤٌ آخر”.

بعد ثلاث ساعات رسا الباص الضخم في ساحة البطة الغارقةِ في ضوء باهت ومياه خضراء. ولثلاث ساعات لم يرغب بالقراءة، بل فتح كلَّ جلده لتلقّي ذلك السيل من الكلام المختلط الممزوج بالسباب والضحك ورائحةِ المازوت ورائحة الدجاج المشوي. أحس حقيقةً أنه غريقٌ بين غرقى أحياء.

نزل نصفُ الركاب واستغرق نزولهم أكثرَ من عشرينَ دقيقة. وتابع الباص إلى مرسى آخر. وكانت زخات من المطر بدأت بشكل خفيف إلا أنها أصبحت أقوى عندما غادر الباص وكان الليل الفضي قد بدأ. وقرر عدم الذهاب إلى بيت عمه، فالوقت أصبح غيرَ ملائمٍ، خصوصاً أنه لم يخبرْ عمه أو أحد أبنائه بقدومه إلى منبج. ولأنه أصبح مبتلاً حتى العظم وهو ينتظر مرور سيارة أجرة. قاده السائق إلى فندق مدينة منبج. كان الفندق نظيفاً من كل شيء حتى من النزلاء. في البهو الذي أُنير لأجله، طلب فنجاناً من القهوة ودخن سيجارتين وصعد إلى غرفةٍ في الطابق الثالث مطلةٍ على الشارع. كانت الغرفة دافئةً، فقد تم تشغيل المكيف قبل صعوده لكن المياه لم تكن ساخنة، طلب موظفَ الاستقبال الذي أخبره بضرورة الانتظار قليلاً، وأحسّ بأنه بدا للموظف كضيفٍ طارئ. من النافذة لمس الهدوءَ الأسودَ الماطر يخيم على الشارع، ونزل إلى الصالة. سأل موظفَ الاستقبال إن كانوا يقدمون طعاماً. لم ينفِ الموظف إلا أنه نصحه بأن يذهب إلى مطعمٍ ليس بعيداً يقدم أكلاً لذيذاً. في المطعم طلب نصفَ فروجٍ مشويّاً وأحسّ بأنه مازال في سفينة نوح من طراز سكانيا.

في الغرفة بقي تحت تأثير مزاجه الرائق الذي دام من لحظة خروجه من حلب حتى الآن. وأعاد في ذهنه رؤيةَ المسرحية المتقنة التي قام بها بائعا البسكويت في الباص، أخذ حماماً ساخناً واندس عارياً في الفراش . فتح الكتاب. ظهرت الصورة وعاوده الغرق من جديد.

أحس بالكلمات تطرق رأسه. كان يدرك ذلك فعندما تأتي وتريد أن تسيل على الورق يشعر بها في أصابعه. إلا أن تعبه وعدمَ نومه جعلاه غيرَ قادرٍ على الكتابة مع شعوره بأنه إن لم يكتب وإن لم يسمح للكلمات بالخروج لن تعود أبداً. تطلع في الصورة، كان غرقه الآن عظيماً ولم يستطع كبت رغبته في التدفق. على ورقة صغيرة كتب جملةً واحدة ستكون دليله أيضاً: “بتُّ غريقاً يحيا في ماء”. ونام.

لم يدم نومُه سوى لحظات، أو هكذا فكر عندما فتح عينيه في صباح غائم متأخر. في مطعم الفندق أحضر له موظف الاستقبال فنجانَ قهوة وأبدى وداً ظاهراً كتعويض، تبادلا بعض الكلمات عن أحوال المدينة والطقس، وأخبره بأنه قادمٌ من دمشق في زيارة عائلية وليس من الباحثين عن استثمارٍ في زراعة القطن الذي نما في السنوات الأخيرة رغم إعجابه بالفكرة. لاحظ الموظف وجودَ الكتاب ، فسأله إن كان صحفياً، قال إنه قارئ  وإنه، مشيراً إلى الكتاب، سلاحُه ضدَّ الوقت. ابتسم الموظف وقد أعجبته الفكرة وسأله إن كان من منبج؟ ابتسم بدوره وأخبره بأنه ولد على ضفاف الفرات. تناول فطوراً خفيفاً وخرج.

كان الوقت قد تجاوز الظهر عندما وصل إلى بيت عمه. أثار قدومُه المفاجئ موجةً من فرح ضربت البيت الريفي المكوّن من طابقين وسور وبوابةٍ عريضة وصفٍ من أشجار الأكاسيا العارية في مثل هذا الوقت. كان أصغرَ أعمامه ويكبر عمتَه هلالة بأربع سنوات، وكان ستينيّاً متقاعداً أمضى سنواتٍ طويلة في المحلج الحكوميّ. أبدت زوجةُ عمه فرحاً مضاعفاً بقدومه بدا من خلال ضحكة عينيها وبدئها الفوري بإعداد الطعام.

بعد مضي الوقت المليء بالكلام الأوليّ والاستفسارات عن الأحوال والأسئلة الطبيعية، الوقتِ الطويل المتقطع بابتسامات وفرح فطري، وصلا إلى الصمت. هل ثمة كلامٌ يجب أن يقال؟ لم يجد من الملائم البدءَ في طرح أسئلةٍ أو حتى الحديث عن زيارة غير متوقعة. كان ذلك سيكون كسراً للفرح وإجحافاً لم يستطع البدءَ به. إلا أنه وعن قصد وضع الكتاب على الطربيزة في نقطة قريبة في المدى المجدي لنظر عمه.

طبيعياً بدا الأمر. حمل عمه الكتاب. توقفت عيناه على العنوان. ضحك أول الأمر. انقبضت عيناه قليلاً بشكل غامض. فتح الكتاب. وكانت الصورة.

بدت اللحظاتُ وكأنها لن تنتهي، عمرٌ كامل من التحديق، هل مرّ قرن؟ مئةُ ثانية؟ النظرة، الصمت الصاخب، والوجيب؟ أخيراً، متشبثاً بالصورة، انقطعت النظرة وبدأ الكلام:

“هذا أنت… بالـ 74 . في ساحة باب الفرج، في حلب. كانت واحدةً من الزيارات الألف إلى الوزارة ومديرية الطابو والعقارات. تركتُك معها في ساحة باب الفرج ولم تكن تنزلكَ من بين ذراعيها لحظةً واحدة. خشيتْ أن تضيع. لكن في النهاية هي من ضاعتْ، كلنا ضعنا. هي، أبوك، أنا وكل الناس الذين بحثوا عن حقوق غُمرتْ في المياه.”

صمتَ قليلاً كمن يستعيد نفْسَه، وكان صمتُه محتقناً كبحيرةٍ خلف سد، انهار السد وبدأ يروي القصة من أولها. وبداية وصولِ الخبراءِ الأجانب مع مساطرهم الطويلة ومناظيرهم البعيدة وأجهزة المساحة. وكيف بدؤوا بقياس الأرض وعبورِ النهر شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً.
“كان الحديث عن جنة قادمة إلى المنطقة وعن ازدهار وعمل وكهرباء ونقود وماء محمولٍ بالقنوات يروي الناس والأرض.”

“لقد بدأ ترويضُ النهر” كانوا يقولون.
“فرحنا في البداية وبدت المنطقةُ وكأنها على موعدٍ في الفردوس. أليس الفرات أحد أنهار الجنة؟ إلا أن ما حصل لاحقاً كان رحيلاً غجرياً وتهجيراً إلى الرمل، للبشر والحيوات والذكريات عندما بدؤوا تفريغَ القرى التي ستختفي إلى الأبد.”

“كنّا من بين العائلات القليلة التي رفضتْ العملَ في مشروع السد، وكان جدكَ قد أدركَ، بشكلٍ غامض، أنه رغم المنفعة التي سيحملها السد، إلا أن حقوقنا نحن سوف تضيع. استشفَّ ذلك من الكلام الخالي من الدفء من أفواه المسؤولين وزوارِ المنطقة، وبالفعل لقد كان أهالي المنطقة يعملون نهاراً في المشروع ويعودون مكسورين إلى بيوتهم المرتجلة وكأنهم بدؤوا بحفر قبورهم.”

كانت الصورةُ تلوح في يده مع كل موجةٍ كلامية. لم يتركها وتابع فيضانَه:

“بدأنا بإعداد وثائق الملكية وحضِّ الناس على تصوير وثائقهم، وهلالة.” كانت عيناه على الصورة الآن. توقف عن الكلام لثوانٍ، ثم بدأ هادئاً كنهر صيفيّ:

“هلالة كانت متعلمة. لقد أصرّ جدك على تعليمها وكانت مدللتَه وآخرَ عنقوده، لكنها كانت قويةً وحادةً كنهر، وكانت مع كلِّ زيارة وفد إلى القرى المحيطة بالنهر، تجمع النساءَ والأطفالَ حاملين صكوكَ ملكياتهم وأوراقَ الطابو، ويقفون على مرأى من تذمرِ المسؤولين ووعودهم. وعندما رُحِّلنا وبدأت تلك الجولاتُ الطويلة والزياراتُ إلى حلب وحتى دمشق، أصرت هلالة على الذهاب. لكن المياه أتتْ بعد ذلك لتغرقْ كلَّ شيء الأرض والقرى والحقوق.”

أخذ نفسَاً طويلاً، وتابع:

“سكنا في خيام وبيوت طينية تطلُّ على الماء، وتكررت زياراتُ الوجهاء والمسؤولين، يتناولون الطعام ويتسابق الأطفالُ لصبِّ الماء على أيديهم ، يضحكون، يعِدون ويزداد غرقُنا. وكانت عمتك في كل شروق تقف على وجه الماء وتحدق بصمت.

لم أصدق، عندما حملوا جسدَها إلى القرية الطينية. لم أصدق. لقد كانت أمهرَنا جميعاً في السباحة. وكانت تصر أن تسبح يومياً وحيدةً في النهر، وحتى عندما كبرت قليلاً وجاء أحد الشيوخ إلى جدك ليشكو هلالة ويحاول منعها من السباحة، قامت بجمع فتيات القرية وسبحن بثيابهن في النهر. لا أعرف إن كانت غرقت أو أُغرقت. لكننا جميعاً غرقنا. سافر أبوك إلى دمشق، ورحلنا جميعاً إلى منبج.”

توقف عن الكلام ، غاب قليلاً، أتى حاملاً الكثير من الأوراق والصكوك والجرائد القديمة التي تروي كيف ضاعت الحقوق حتى الآن.

أخيراً جاء صوتُ زوجة عمه منهيةً الصمتَ الذابح، فقد تمَّ تجهيز الطعام ووصلت القصة إلى نهايتها.

قاربت الحاديةَ عشرة ليلاً عندما عاد إلى الفندق، مازالت تمطر بتقطعات خفيفة،

“هذه الليلة سيبلغ المنخفضُ الجوي ذروتَه.” قال موظف الاستقبال الذي دعاه لشرب كأس من الشاي وسأله عن رأيه بالمدينة .

“إنها هادئة ككل القرى الكبيرة التي أصبحت مدناً بفعل ازدياد عدد سكانها فقط.”

لم يُدم جلوسَه طويلاً متعذِّراً بكونه قد حجز في رحلة الخامسة فجراً للعودة إلى دمشق، وتمنى له ليلةً طيبة. في الغرفة الدافئة، اندسّ عارياً كعادته في السرير وأنصتَ لدقائق إلى صوت المطر وقد اشتدّ الآن. ترك الكتابَ مفتوحاً، أخذ الصورة. كانت يدا عمته تحيطان ببطنه الصغير، وضع يدَه على بطنه، وعيناها تحدقان بالمصور الذي على الأغلب كان يحاول لفت انتباهه إلى الكاميرا، فابتسمت عمته وخلّد الورق الابتسامة. نظر إلى نفسه الآن عارياً في غرفة فندق غريبة غارقاً بأفكار غريبة أيضاً، هارباً من ضجر دمشق إلى هدوء مائي لم يجده. وسأل نفسه: “ماذا جئتُ أفعل؟ ماذا وجدتُ؟ لقد كنت أعرف بأنها غرقتْ.” وتساءل كيف يكون النهر عندما يطعن المطرُ وجهَه كإبر، حاول أن يستحضر صورةً للفرات، تذكر جسراً خشبياً واطئاً ومياهاً عريضة، وفكرَ …النهر أيُّ تجددٍ أيُّ خلود.

كان صباحاً صاحياً، وقد استعاد حضورَه بوعي كامل، الماء وصل حتى ركبتيه، والنهرُ أمامَه كشريان عظيم. ببطء تقدم في المياه التي ترتطم بالضفة التي أصبحت خلفه الآن، وتعاود غرقَها في مياه أخرى، مسافةٌ قليلة أخرى ويدخل في التيار. كانت الصورة في يد والكتاب في يد أخرى وأصبحتْ عيناه على وجه الماء اللانهائي.

كان انزلاقُه هادئاً بطيئاً، والجذبُ أصبح غيرَ مقاوَم. غابت الأرض من تحت قدميه وابتلعه التيار المندفع إلى الوسط والأمام، كان يدور الآن في دوامات مائية داخلية، أغلق عينيه بشدة ومارس ضغطاً على جفنيه وفمه رافضاً ابتلاع الماء الذي ابتلعه ولا يريد أن يفقد آخرَ رصيدِه من الهواء. في اللحظة التي أدرك فيها غرقَه، صرخ فاتحاً عينيه. كان وسْطَ مياهٍ مغبرَّة إلا أن التيار أصبح أقلَّ حدةً، شعر بذلك وقد لاحظ هبوطَه البطيء ممسكاً الصورة والكتاب. صرخ مرة أخرى وفتح عينيه، صرخ وصرخ من جديد والماء لم يدخل فمه ويستطيع أن يرى: “أنا حي، أنا حي وحر.”

كان سقوطُه بطيئاً كمن يسقط بمظلة فوق سطح القمر، لم يكن للتيار أيَّ تأثير الآن وأصبح يتنفس كسمكة. على القاع الحريري للنهر كانت خطواتُه أكثرَ طولاً، لاحظ عدمَ وجود أعشاب، كان القاعُ مقفراً. في البعيد لاحظ أسواراً حجرية لبيوت كأنما ضربها زلزال. دار حول البيوت، مرت أسراب سمك من جانبه، لم تعره أيَّ اهتمام ظانةً بأنه سمكةٌ أخرى لكن بزعانف أكثر طولاً. شعر بحركة غريبة خلفه، تلفت، لم ير أحداً. بعد قليل وفي بقايا ساحة مهدمة، انتصبت أمامه كعروس، ثابتةً في مكانها كنصب. وشعرُها كجذور سوداء تغصّنت.

“عمتي” . صرخ واندفع باتجاهها وقد عاد طفلاً كما في الصورة، ضمته واضعةً يدها فوق بطنه:

” لقد كبرتَ؟”

“لا . لم أكبر. وأنت لم تموتي كما قالوا لي؟”

“لا لم أمت. لقد كذبوا عليك. ألا تراني أتكلم وأضحك؟ روحي في النهر فكل الذين يأخذهم النهر تبقى أرواحُهم في قلب النهر ولا يموتون أبداً.”

“رأيتكِ كثيراً في أحلامي . هكذا مثلما أنت الآن. وعدّتُ إليك.”

“ماذا تحمل؟ ماذا أحضرتَ لي؟”

“إنها الصورة. هي من دلتني إليكِ. وكتاب هديتي لك.”

“تعال. سأريك أصدقائي وكلَّ من تسكن أرواحُهم النهر. وهذا العالمَ الذي نعيش فيه. لكن يدك باردة!”

وأخذته إلى أعماقٍ أقل،  حيث أعمدةُ الضوء تخترق الماءَ كأضواء مسرح، ثم غاصا عميقاً، ولم يشعر حتى بأنه يغوص، كان يطير معها كعصفوريْ ماء. ومرّا على السفوح المائية، على التلال القديمة التي تعرت وانكشفت عظامها الحجرية. مرّا فوق البيوت التي فقدت سماءها، وعبرا الأبوابَ المفتوحة أبداً للرياح المائية والشبابيك التي بلا أُطر. ومرّا برجال ونساء كثر وعندما سألها عنهم قالت له بأنهم أبناء النهر.

“هل هم حزانى”

“لا. إنهم يحزنون فقط لأنهم يشعرون بحزن من فقدوهم.”

وكانت تروي قصصهم، من أول نزولهم، الكثير من القصص وكلها لها نفس البدايات الحزينة، إلا أنهم مع الوقت يصبحون من هذا العالم ولا يغادرونه أبداً. وصلا إلى منطقةٍ بعيدة، ولاح في الأفق المائي حبلٌ أحمر. توقفت وطلبت منه أن ينظر باتجاه الحبل. قالت له هذا هو الخط الذي يفصلنا عن الغرق. لا أحد يتجاوزه. إنه قريبٌ من جسد السد. وعندما يفتحون إحدى البوابات يتشكل تيارٌ قوي يجذب كلَّ شي، ولا يستطيع أحد مقاومتَه، ويغرق. في تلك اللحظة لم يعرف كيف أُفلتتْ يدُه من يدها. وبدأ يبتعد وأصبح قريباً جداً من الحبل، أحس بالعرَق ينز من جسده، بدأ بالصراخ وقد أصبحت عمتُه بعيدةً، فتح عينيه، كانت الرؤية مغبرّة. صرخ مجدداً تمسك بحبال من ماء وكان ينزلق بقوة باتجاه هوةٍ يجهل عمقها. وصله صوتُها أخيراً، تمسك به كحبل. شدته إليها. احتضنته. عندها خرج صوته: “لا أريد أن أغرق.” سبحا باتجاه منزلٍ بلا سقف إلا أن جدرانه كانت مليئةً بصور ملونة. جلسا فوق صخرة. ثمة رجل يضحك ويحمل كاميرا معلقة في عنقه ، أجلسته في حضنها ، وضعت يدها فوق بطنه، والمصور يحاول جاهداً لفت انتباهه إلى الكاميرا، أخيراً لمع ضوء فلاش الكاميرا. وأيقن بأنه أصبحَ غريقاً يحيا في نهر.

ابو شجاع يروي لـ “صالون سوريا” كيف حرر ٥٠٠ من قبضة داعش

ابو شجاع يروي لـ “صالون سوريا” كيف حرر ٥٠٠ من قبضة داعش

إعداد وتعليق: لامار اركندي

تصوير: جوان تحلو

لا يفارق أبو شجاع دنايي محرر المختطفات الإيزيديات هواتفه المحمولة، وهو يتحرك بسرية وبسرعة تامة بعيداً عن أنظار تنظيم داعش. ينسق بين مجازفي شبكة التحرير التي أسسها، في مدن سورية احتلها التنظيم، الذي سيطر مسلحوه على سنجار في العراق صيف 2014، وسبى أكثر من 7000طفل وامرأة نقلهم في شاحنات من الموصل إلى سورية.

تنهال عليه في كل لحظة عشرات الرسائل والمكالمات الهاتفية، من أهالي الأسرى لدى التنظيم، بعد نجاح الشبكة في تحرير أكثر من 500 طفل وامرأة، ومنهم رغدة التي بيعت أكثر من 16 مرة في الرقة، ودير الزور، والميادين.

عمليات تحرير الرهائن مغامرة وتحدي للموت ومجازفة خطرة، لكنها تمكنت من تحرير عشرات المختطفين، ممن كانوا ضحايا حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.