هوية بلا دين ولا طائفة ولا قومية

هوية بلا دين ولا طائفة ولا قومية

نتلقى تاريخنا في مجتمعاتنا العربية كما يحلو لحكوماتنا ورجالات الدين أن يقدموه، نتأثر به، ويُساهم في تشكيل هويتنا وشخصياتنا. يوحى لنا أنه مسلّم به وصادق أمين، ويساهم في ترسيخ ذلك ما تقوم به الحكومات السلطوية من تجهيل بمحاربة الثقافة حتى تغدو القراءة والاطلاع فعلاً ثانوياً وهامشياً لا ضرورة له، وهذا تماماً ما يُراد، التّلقي دون محاولة البحث أوالمحاكمة والتشكيك. لكن معاصرة الأحداث في السنوات الأخيرة دفعت بفئات واسعة من الناس نتيجة مشاهدتهم كيف يتم تحريف وتزوير وقائع تجري في حاضرهم،  للبحث والنبش في التاريخ والشك بمضمونه والبحث عن مدى مصداقيته، خاصة أن البعض أمعن في إيقاد الجحيم باختيار ما يحلو له من سموم التاريخ.

اعتادت السلطات الحاكمة في شرقنا العربي، كما اعتاد سلاطين الدين والطوائف، كتابة التاريخ خدمة لغاياتهم، كتبوا ما يجري في عهودهم ليحولوا أنفسهم لآلهة، ونقلوا ما مضى منه بانتقائية تحقق غاياتهم. بينما يتحفنا بعض الباحثين والكتّاب بتواريخ تُبنى على استنتاجاتهم الشخصية ترتدي غالباً ثوب تفكيرهم وهواهم. ويبقى في الظل تاريخ مُعاش لا يُدوّن ولا يُحكى ممن عاصروه وكانوا جزءاً حياً منه، فلا إمكانية لديهم لتوثيق التفاصيل، ولا أذن صاغية تسمع رواياتهم، فيفقد التأريخ الصيغة الحياتية الإنسانية المُعاشة، التي تحمل في ثناياها مضامين يتجاهلها أهل المصالح ويهمّشوها، فتدوينها يفتح باب المعرفة، والمعرفة تفتح باب الفهم والإدراك، والفهم والإدراك يحولان الإنسان من متلقي إلى فاعل يسبب الكثير من الحرج والمتاعب.

هكذا يتم استثمار الإنسان والتلاعب بعقله في ظل الحروب، تماماً كما في الوضع السوري، بتكريس مشاعر التعصب والطائفية والانقسام بين جميع مكونات الشعب، فيتحوّل الحراك الشعبي من حراك يطالب بدولة حريّات وعدالة لحراك يرى بعضه في الإسلام السني نظاماً صالحاً للحكم، ويراه البعض الآخر حراكاً مؤامراتياً على الوطن، وآخرون يطيّفوه ليبدو حرباً أهلية، وتأتي حينها من تشاء من دول هذا العالم لتستغلّ الانقسام لحسم صراعات النفوذ بينها.

احتلت الساحة في السنوات الماضية صراعات دينية وطائفية وقومية مختلفة: سنية – علوية؛ شيعية – سنية؛ درزية – سنية؛ إسلامية – مسيحية؛ عربية – كردية؛ وتم استغلالها لتقسيم السوريين حول قضايا مختلفة لا تمت بصلة لقضيتهم الأم التي بدؤوها، قضية الحرية والعدالة والديمقراطية. واختلاف القضايا يحتاج البحث عن مبررات وأسباب مختلفة للحشد حول الأهداف، وليس أفضل من النبش في تاريخ مُتاح فيه للجميع أن يجدوا ما يشاؤون.

تناسى السوريون أنهم أفراد ومجموعات، أديان وطوائف وقوميات، خضعوا لنفس الديكتاتور، وتعرضوا لنفس الانتهاكات، تم العبث بحاضرهم ومستقبلهم، بمقدراتهم وثرواتهم، بيد نفس السلطة التي أحسنت اختيار من يناسب منهم لخدمتها وحمايتها، في حين كانت تُمعن في تقسيمهم ليجهلوا بعضهم البعض، أسهل الطرق لخلق العداء فالإنسان عدو ما يجهل. والعداء السوري-السوري يصب في مصلحة السلطة الحاكمة على منطق فرّق تسُد.

لم يعبث الأسد الأب باقتصاد الدولة ولم يقم بخصخصته لصالح طائفته، بل لصالح مافيا تشاركه وتحميه، مافيا تنتمي لكل الأديان والطوائف والقوميات، قدمت له نخباً عسكرية واقتصادية وثقافية ودينية واجتماعية كانت يده اليمنى في الحكم، تبسط سلطته حيثما شاء.

دفع عامة السوريين ثمناً باهظاً وهم تحت نير الديكتاتورية، رضخوا لظروف متساوية في السوء، تزيد أو تنقص قليلاً، تم تجهيلهم وتخريب ثقافتهم، وإفساد المستطاع من قيم وأخلاق، ليصبح من السهل إدارتهم والسيطرة عليهم عبر مافيا عسكرية وسياسية واقتصادية ودينية مقربّة تشكّل دوائر حول رب السلطة لحمايته، وانشغل الشعب المقهور بالسعي وراء لقمة العيش والشكوى إلى الله، تشغله أموره الحياتية حد قضاء نهاراته ولياليه في تأمينها.

لم يكن العلويون خارج هذا الإطار، ولم يكن ماضيهم بما فيه من الفقر والقهر والظلم مختلفاً كثيراً عما هو عليه حاضرهم، فلا هم عاشوا قبلاً في الجنة، ولم يدخلوها بعد استلام الأسد الأب للسلطة، السلطة التي نازع عليها حتى علويين وزجهم في سجونه. وما توانى الأسد الأب عن استخدام أشد الاستبداد على من يعترضه أثناء مسيرة حكمه والأمثلة كثيرة، زيارة واحدة لقرى المناطق العلوية المغيبة كانت كافية للإصابة بالذهول وفهم أن رأس السلطة قد ينتمي للعلويين لكن العلويين ليسوا السلطة؛ هم سوريون تحت خط الفقر والقهر، في قرى بعضها لم تؤمّن لها الدولة خدماتها الأساسيّة، قرى منها الفقير والمهمّش، ومنها بلا ماء ولا كهرباء ولا هاتف واتصالات، كحال غالبية الريف السوري بل أحياناً أسوأ من بعضه. هذا الوضع الذي لو شاهده أصحاب حكمة (الطائفة العلوية تحكم سوريا) سيصيبهم بالذهول، تماماً كما أُصبتُ به، فقر لم أره في حياتي في المناطق التي كنت أزورها جنوب سوريا أو ريف دمشق. في تلك القرى يبسط رجالات الأسد الأب سلطتهم ويُحكموا قبضتهم عليها، يتحكمون بمصائر أبنائها ويهبون رضاهم لمن يطيع، حيناً بقضاء حاجة ماسة، وحيناً آخر بوظيفة حكومية بائسة وغالباً ما تكون بسلك الجيش أو الأمن، متطوعون يبحثون عن عمل للخلاص من الفقر، ليس حباً بالجيش لكنه السبيل الأمثل للعمل لمن لم يتمكن من إنهاء تعليمه نتيجة الفقر. نفس الظرف الذي كان يتعرض له السوريون جميعهم، فالتطوع بالجيش والشرطة والأمن باب رزق لمن لم يتعلم وليس بين يديه مهنة، وحتى المهن لم تكن لتؤمّن سبلاً للعيش في مدن وقرى ميتة اقتصادياً.

من الصعب على مُغلق العين والقلب والعقل تصديق هذا الوضع في عهد يصر البعض القول عنه عهد ( حكم العلويين) بدلاً من القول أن رأس النظام (علوي) لكنه رأس لمافيا تنتمي لكل الأديان والطوائف والقوميات. هناك الكثير مما يُمكن أن يُحكى عن شعب تم قهره بكامله لسنوات طوال عبر كل الجغرافيا السورية باتجاهاتها الأربع من خلال الفقر والأمية والجهل والاستبداد. فقط لو يصغي السوريون لما تحمله قلوب مواطنيهم، لسمعوا حكاياتهم هم بلسان آخر، ولأدركوا أنها نسخة طبق الأصل عن قصص أهلهم وجيرانهم وأصدقائهم، لعرفوا أنهم ليسوا وحدهم في عذاباتهم وأن السوريين سواسية إلّا من رضي عنه رب السلطة فميّزه.

ليس لنا إلّا أن نواجه حقيقة أن سلطتنا المستبدة عبارة عن مافيا منتقاة، من الجنوب بسهله وجبله حتّى الشمال بجباله وسهوله، مجموعات من كل الأديان والطوائف والقوميات، تجمعها المصالح المتبادلة، تحمل نفس الأخلاقيات، دعمت ومنها من لا تزال تدعم بقاء النظام الاستبدادي، عملت ولا تزال تعمل لصالحه وصالحها، بمن فيهم من فروا من قلب تلك المافيا باتجاه النقيض؛ طائفة من الانتهازيين وشركاء المنافع، من رجالات الجيش حتى رجالات سلطة الدين وما بينهما، ينتمون جميعاً لفئة حاكمة فقدت إنسانيتها وأخلاقها من زمن بعيد، تستميت للحفاظ على مكتسباتها وبقائها في قمة الهرم، تتحكم في مصائر السوريين جميعاً، ستحارب ولو تم قتل السوريين جميعاً في نهاية الأمر، طائفة السلطة الحاكمة الممتدة جذورها وفروعها في السلطة الحاكمة كما في سلطة المعارضة التي تحمل نفس الأخلاق وتسعى لنفس الهدف.

لنستطيع أن نكون شعباً واحداً يلزمنا تاريخ واحد نكتبه سوية كما عشناه ونعيشه، نكتبه بكل أمانة وصدق، نروي فيه آلامنا الماضية والحاضرة ونحترمها، نعترف بأخطائنا دون السعي لمبررات، نحكي ونسمع، لعلنا نعبر هذا المستنقع الذي غرقنا فيه ونعيد ترميم ما شوهه نظام الاستبداد فينا، وما أنتجته طائفية وقومجية بغيضة تم إحياؤها.

كلنا ملامون، من أغلق الباب بوجه بعض سورييه وتفرغ لرجمهم، ومن خاف فتمترس خلف جدار خوف كرّسه أصحاب المعارك على السلطات. آن الأوان كي نكتب تاريخاً مشتركاً ونبني مستقبلاً مشتركاً بلا دين ولا طائفة ولا قومية، لن نجد هويتنا الضائعة إلّا بالتوقف عن نبش التاريخ الذي لا يُعوّل عليه ولا على مصداقيته، والتوقّف عن الاستماع لوسوسة الشياطين، لا خيار لنا سوى أن نكون جميعنا على قيد وطن اسمه سوريا، وطن المواطنة المتساوية.

خطّـــــــة القُبَـــــل

خطّـــــــة القُبَـــــل

لا فائدة! أخبار الموت والجوع والدمار تتكرر منذ خمس سنوات. مفردات الصحف في الحروب معروفة ومحدودة: “غارة، قذيفة، هدنة، انفجار، قتلى وجرحى، مفاوضات، طائرات، فشل، مساعٍ دولية، ضحايا….” تُضيفُ إليها كلّ بلد ابتكاراتها المحليّة الخاصة من أسماء الأسلحة المُستحدثة وألقاب المُتصارعين والتقسيمات الجديدة للمناطق وغيرها.

قبل الحرب كنتُ أحرص على جلب وأرشفة الأعداد التي تروقُ لي والتي تنشر ما أحبّ الاحتفاظ به والعودة إليه: ملفٌّ عن موضوع يهمني، إحياءُ ذكرى سنوية لشاعرٍ أو كاتبٍ أُحبّه، مراجعةٌ لكتاب ثمين، افتتاحيةٌ مميزة أو مقالٌ صحفيٌّ لافت.

أما اليوم فلم أعد مهتمّة بالاحتفاظ بها. الحربُ علّمتني أصلاً ألّا جدوى من الاحتفاظ بشيء مادّي. في ظروف النزوح والهرب المتواصل لا نحملُ معنا إِلَّا ما نحفظه في عقولنا وقلوبنا. وكل شيء آخر هو إما ضائع أو مسروق أو متروك أو محروق أو فانٍ.

كَوَّرتُ الجرائدَ بنَزَقٍ وتوتّر غير آبهةٍ بالمقالات والعناوين التي لم أمرّ عليها. ألقيتُ بها في حاوية المطبخ. قبّلتُ أمي الواقفة أمام حوض الجلي قبلةً طويلة ووعدتُها ألّا أبتعدَ أو أتأخّر. وخرجتُ من البيت.  

لم أشعر بشيء ولم أنتبه لفقدانِ حقيبة يدي إِلَّا عندما رأيتُه يتأبّطها وهو يركض أمامي بخفّة نشّال محترف.

ركضتُ خلفه وأمسكتُه بسهولة. كان ولداً في حوالي العاشرة، بهيئة عادية، لا رثاثة فيها ولا رائحة تسوّل.

واجهتُه وأنا أمدُّ يدي صوب الحقيبة:

“هاتِها، لن تجد فيها ما تحتاجه. لا أحملُ محفظة نقود، ليس عندي إِلَّا محفظة قُبَل.”

اتسعتْ عينا الصبي وافترضتُ أنه سيستفسر، فبادرتُه سريعاً لأحدّثه برغبةٍ ومتعة عن هوايتي الوحيدة:  

“أنا لا أؤمن بفكرة حفظ النقود، أنا أحفظُ القُبَل. أجمعُها في أيّ محفظة متعددة الجيوب؛ ستجدُ في الجَيب الداخلي قُبَلاً من فئة الـ (وسط) وهي القُبَل التي نتبادلها مع المعارف العاديين في المناسبات الرسمية والمباركات والأفراح والتعازي. ورغم أنها تتفاوت في قيمتها وأهميتها إلا أنني أجمعها في جيبٍ واحد لأن فرز هذا النوع من القبل مُربِكٌ وصعب.

وستجد في جيب آخر قُبَلاً من فئة الـ (هامّ) وهي القُبَل التي نتبادلها مع الأصدقاء والمقرّبين في لحظاتٍ شتّى: شوق، لقاء بعد غياب، دفقة عاطفية طارئة، وغير ذلك. هذه المجموعة أربطها بعناق من النوع المطاط. فالعناقات هنا جزءٌ أساسي من القبلات لا تكتمل ولا تطيب إن غابتْ عنها.

ستجدُ أيضاً مجموعة خاصة من القُبَل تمّ تغليفها بورقٍ لاصقٍ شفاف، هذه قُبَل المهاجرين والراحلين والمتوفين، هي قبلاتٌ توقّفَ التعاملُ بها وأصبحتْ قبلاتٍ نادرة، لذا أشمّسها وأيبّسها ثم أجلّدها بما يحفظها من الرطوبة والنسيان، فكلمّا طال الوقت كلّما ارتفعتْ قيمتُها وزادتْ غلاوتها.

أما في السحّاب الخلفي للمحفظة فستجد مجموعة هائلة من القُبَل الصغيرة، (فراطة) يعني. هذه قبلات يومية أتبادلها مع أفراد أسرتي وتترافق عادةً مع: صباح الخير، تصبحون على خير، نعيماً، شكراً وهكذا… ورغم أنها كثيرة ومتوافرة إِلَّا أنها ضرورية، ضرورية جداً، لا أستطيع التحرّك بدونها.”

أخذتُ نفساً عميقاً كي أبدأ بشرح الجزء الثاني من هوايتي الذي يتحدث عن (قواعد التخزين ومحاذير غسيل القُبَل) لولا أنني لمحتُ في عيني الصبي دمعةً كبيرة قَبْلَ أن يصرخَ بي:

“أعرف، أعرفُ كل شيء عن قبلاتك ومحفظتك وهوايتك، وأنا هنا لأجل ذلك. لقد جمعتُ حتى الآن مئة وخمسين محفظةَ قُبَل من حقائب وبيوت الناس الرافضة للحرب. بعضها سرقته، والبعض الآخر حصلتُ عليه كتبّرع من أصحابه لدعم الخطة”.

سألتُه بخجلٍ وذهول:

-أي خطّة؟

-خطّة أطفال سوريا. لقد اتفقنا على أن نجمع أكبر عدد ممكن من القُبَل والعناقات، سنحشو بها البراميل وجرات الغاز ومدافع جهنم وسنطلقها على كلّ المدن والقرى المحتاجة، وسنـ…

-لا تُكمِل، خذ المحفظة والحقيبة كلّها، سأستردُّ فقط المجموعة المغلّفة الخاصة بالراحلين لأن تعويضها مستحيل، وسيتكفّل الأهل والأصدقاء بتعويضي عن الفئات الأخرى، سأرسلُ لك أيضاً كلّ ما أستطيع جمعه من قُبلات حتى يحين موعد الخطة. رجائي الوحيد أن تتصل بي وتخبرني بما يستجدّ.

زوّدتُ الصبي بقبلتين إضافيتين على خدّه وجبينه، ودّعتُه بعناقٍ طويل ثم عدتُ إلى بيتي سعيدةً ومتفائلةً بخطّة القُبَل.

بعد أيام اتصل بي، كان صوته ضعيفاً وبعيداً ومكسوراً:

-أردتُ فقط أن أطمئنكِ عليّ. أنا بخير. لكنني خارج سوريا مع مجموعة من الأطفال وقد لا نعودُ أبداً.

اهتزّ قلبي مُتَنَبِّئاً بخبرٍ تعيس:

-لماذا؟ ألم تنفّذوا الخطة؟

-بلى، نفّذناها. وأطلقنا آلاف القُبَل صوب معظم الأماكن المشتعلة بالخوف والكراهية، لكننا الآن ملاحقون ومطلوبون من كلّ الأطراف، يقولون إننا أفسدنا مساعيهم وأفشلنا كلّ شيء حتى المباحثات الدولية، لذا قرّرنا أن نهرب.

-لم أفهم، ماذا حدث؟

-الهدنة، لقد اتهمونا بخرق الهدنة.

نماذج من القصة القصيرة السورية

نماذج من القصة القصيرة السورية

مقدمة

تركت الحرب بصمتها على كل شيء في سوريا بما فيه الآداب والفنون، وكانت القصة القصيرة أحد الأنواع الأدبية التي عايشت الحرب وعبّرت عنها بطرق مختلفة، فهناك كتاب استلهموا شخصيات وأحداث قصصهم منها، وآخرون قاربوها بشكل غير مباشر وثمة من أعاد خلقها في جو آخر تعاني فيه الشخصيات أو تتحدث وتهمس مولدة الدفء والأمل وسط تقوض الحلم، وثمة من جرّبوا فنياً ووصلوا لنتائج وآخرون كرروا النماذج التقليدية لكن يبقى وسط كل هذا ما هو غير قابل للمساومة، أي البناء الفني للقصة، والذي هو المعيار، فالأحداث تأتي وتذهب، وليس المهم أن يعكس الكاتب الحدث أو يصوره بل المهم هو إعادة خلقه من منظور جديد، وهكذا فإن القصة تصمد لا لأنها تتحدث عن الحرب بل لأن الحرب تتحدث من خلالها وتتكشف وتتعرى فيما تنفتح نوافذ أخرى للأمل خارج صور الدمار واليأس. فالأدب لا يرتبط في النهاية إلا بأدبيته، وما يعرّف النص الفني ليس حديثه عن حرب أو تشبعه بتفاصيلها وإنما عمق أسلوبه الفني وعمق نظرته إلى الواقع وعمق ابتكاره لواقع فني، حيث كما هو معروف في الأدب يبتكر كل كاتب عالمه الخيالي الخاص كي يقول كلمته أو يوحي بفكرته فيما يهدف إلى إغناء حساسية القارئ وتطوير ذائقته ومساعدته على مقاربة الواقع من منظور جديد.

إن الأدب الحقيقي يساعدنا على قراءة الأحداث بطريقة مختلفة عن القراءات المدبرة، ويعمّق وعينا بالمأساة، ويفتح لنا أبواب ما هو غير معبر عنه، وهو يهدف أيضاً إلى تعرية طبقات السرد التي صادرت خطاب الحرب وقدمته مغلفاً برؤى محدودة، لا تتغلغل إلى العمق الإنساني، إلى حيث يمكن أن نرى الأمور خارج المسبقات والتحيزات والتحزبات، حيث يعنينا مصير الإنسان في مواجهة الأحداث الكبرى التي تهدد وجوده، والحرب إحداها، وحيث من الجوهري أن نطرح أسئلتنا حول ما يجري وإلى أين تقودنا الأحداث.

وعلى مستوى آخر تشهد القصة القصيرة السورية تراجعاً ملحوظاً على مستوى النشر والتوزيع وتكاد تختفي مع الشعر عن قائمة اهتمام الناشرين رغم أهميتها، وكونها أكثر تكثيفاً وتنجو من السرد الأفقي والحشو الذي لا لزوم له، غير أن كتاب القصة في سوريا لم تفتر همتهم وواصلوا طريقهم إلى درجة أن كثيرين منهم ينشرون أعمالهم على حسابهم ويهدونها لأصدقائهم ودائرة المقربين منهم مما غبن هذه التجربة وحرمها من الوصول إلى شريحة واسعة من القراء، أضف إلى ذلك تراجع القراء، وأجواء عدم الاستقرار التي زلزلت المنطقة.

ضمن هذا السياق يقوم موقع صالون سوريا بنشر ملف بعنوان “نماذج من القصة القصيرة السورية” يعده أسامة إسبر، وهذه النماذج تمثل توجهات مختلفة في الكتابة ولأجيال مختلفة، حيث سيجد القارئ أن لكل كاتب طريقته الخاصة في كتابة القصة، وهذه الخصوصية هي ما نركز عليه، فالاختلاف والفرادة هو الأساس وهو ما يغني الأدب، وهذا ما يطمح إليه منبر صالون سوريا، وهو أن يفرد مساحة لإظهار تنوع وغنى المشهد القصصي في سوريا.

سننشر القصص التي تردنا تباعاً ونفعّل روابطها:

خطّـــــــة القُبَـــــل
زينة حموي

الناي الأميرة
جمال سعيد

شتاء الرسائل الجميلة
مصطفى تاج الدين الموسى

في قاعِ النهر
معاذ اللحام

صياح الديك
ناظم مهنا

مُخرِب الأحلام
فدوى محمود العبود

الهدية

Eastern Ghouta x 20

Eastern Ghouta x 20

“After several days of calm, the battle in Eastern Ghouta enclave seems to have picked up again as President Bashar al-Assad’s government launched a new round of air strikes on Douma, the only city still left in insurgent hands. Leaders of the Islam Army, the opposition militia that rules the city, have insisted that they will stay in Douma come what may, but they do not have the military muscle to pull that off if Damascus and Moscow decide otherwise.

Should regime-rebel talks break down and end in a renewed, full-scale offensive, local civilians will be at risk.

UN sources recently estimated that as many as 78,000–150,000 people may remain in Douma alongside the Islamist fighters, though such figure are unreliable and have historically erred on the high side. Whatever the actual number, it is clear that many civilians in Douma have been forcibly prevented from fleeing by Islam Army rebels, who seem to want to exploit their presence as a card in negotiations, and that all are suffering from callous government siege tactics, with loyalist forces refusing to permit the entry of aid workers, medicine, and humanitarian supplies.

It remains to be seen what form Douma’s capitulation will ultimately take, and how much death, destruction, and displacement will accompany it. But when the city folds, as at some point it will, seven years of opposition rule in Eastern Ghouta are going to come to an end.

Other parts of the enclave have already been retaken since the offensive began in February, with rebels from Failaq al-Rahman, Ahrar al-Sham, and Tahrir al-Sham either killed, forced to surrender, or sent to northwestern Syria along with many civilians—according to the most recent UN numbers, as many as 49,000 people. Meanwhile, some 123,000 inhabitants of Eastern Ghouta are thought to have come under government control, either living inside retaken neighborhoods like Erbeen and Harasta or having fled to Damascus and a series overcrowded IDP shelters near the city.

The retaking of Eastern Ghouta seems almost an afterthought to Assad’s December 2016 victory in Eastern Aleppo, but this is in fact the bigger battle. It is being fought over a larger area, on the doorstep of the Syrian capital, with many more fighters involved and more civilians at risk. Whether more people died in Ghouta than in Aleppo, I don’t know—but many, many people have died.

* * *

Over the past few years, I have spent an unholy amount of time trying to understand the politics of Eastern Ghouta’s rebel movement. I have also written a lot about the area. Sifting through my archives the other day, I found that I had penned no less than twenty English-language articles, reports, and blog posts on the topic, for Syria Comment, the Carnegie Endowment, The Century Foundation, IRIN News, and others. The first one was published in February 2013, as pro-Assad forces prepared to put the region under siege, and the last one is less than a week old.

That’s a lot of text. Although in hindsight I can spot plenty of errors and misunderstandings, and there is still very much that I still don’t understand, there’s also a lot of material in there that seems like it could be useful to people trying to follow the crisis now unfolding near Damascus. Therefore, I have compiled all twenty pieces here, with a short introductory comment about each.

The latest publication is first on the page, so read from bottom to top if you want all five years in chronological order. If not, just pick and choose as you please.

– Aron Lund

• Trapped Between Rebels and Air Strikes, Civilians in Eastern Ghouta Face Chaos(IRIN, Mar. 2018)
With only Douma left in rebel hands by late March, I tried to investigate what became of Eastern Ghouta’s civilian population in more than a month of fighting. UN numbers are all over the map, but it’s clear that many ended up in shelters erected around the area while others stayed put despite the fighting, and that they will now come under Assad’s rule once again. Still others have joined the opposition as it was driven off to Idleb and Aleppo, where some will now be resettled in Afrin. Yet civilians also remain trapped inside insurgent-held Douma, as the clock ticks toward either a rebel surrender or a renewed military offensive.

• Assad’s Divide and Conquer Strategy Is Working (Foreign Policy, Mar. 2018)
Brute military force was certainly the main ingredient in Assad’s victory in Eastern Ghouta, but his government also reached its objectives using more sophisticated means, including by exploiting insurgent divisions to punch where their defenses were weakest, negotiating separate deals through well-connected siege merchants, and rallying supporters inside the enclave to work behind rebel lines. Among other things, this piece looks at the curious case of Sheikh Bassam Difdaa, a pro-government Sufi preacher who helped crack Failaq al-Rahman’s defenses in Kafr Batna.

• Aleppo Again? A Plea to Save Lives in in Eastern Ghouta (TCF, Mar. 2018)
As the final, brutal offensive in Eastern Ghouta got under way, it was obvious that loyalist forces were going to win—they were overwhelmingly superior and faced no risk of outside intervention. In other words, the best time to think about what that meant for civilians was before the battle was over. The pro-Assad side had clearly advertised that defeated rebels and activists would either have to submit to government rule (but some would not; some could not) or head to rebel-held northern Syria. But what about the larger civilian population? Varied in their allegiances and circumstances, some civilians would undoubtedly want to follow the opposition to Idleb, while others would just as undoubtedly want to stay in their homes after government forces returned. To my mind, this was a moment for the international community to push for and facilitate individual choice by, among other things, promoting an orderly handover once rebels surrendered and by dispatching monitors to gauge the voluntariness of civilians staying or leaving, in the hope of minimizing the amount of forced displacement and hostage-type situations. Also, regardless of all political dimensions, humanitarian aid needed to be rushed to relief organizations on the ground quickly, before IDP numbers grew unmanageable. In the end, not a lot of that happened, but many of these suggestions remain just as relevant as when I wrote this—now in Douma.

• Understanding Eastern Ghouta in Syria (IRIN, Feb. 2018)
A short but fairly comprehensive pre-battle backgrounder on Eastern Ghouta as it was in spring 2018, in which I attempt to map out who controlled what while also describing the issues at stake as Assad’s government readied itself to retake the enclave.

• The Man-Made Disaster in Syria’s Eastern Ghouta (IRIN, Dec. 2017)
On how the siege on Eastern Ghouta was tightened in September 2017, in preparation for the offensive that would follow early next year. The humanitarian effects of the siege had always been severe, but with smuggling tunnels now blocked, private food sales banned, and UN convoys prevented from entering, what had been a simmering crisis boiled over into full-scale disaster—hurting civilians much more than rebels, who controlled all levers of the economy. It was a war crime right out in the open, a very effective one.

• East Ghouta Turns on Itself, Again (TCF, May 2017)
In April 2017, the Islam Army and Failaq al-Rahman went back to fighting each other, one year to the day after their mini-civil war in 2016. Drivers this time around included the de-escalation deals being rolled out by Russia, the recent loss of the rebel smuggling tunnels, and a whole lot of pent-up anger.

• The Syrian Rebel Who Tried to Build an Islamic Paradise (Politico Magazine, Mar. 2017)
A long feature on Zahran Alloush and his attempts to unite the enclave under his own iron-fisted rule. Though capable and ruthless enough, the Islam Army leader’s grand project was ultimately frustrated by his failure to control the war economy and the resistance of rival factions. This article covers some of the same ground as the “Into the Tunnels” report, but has more storytelling and a tighter focus on Alloush’s role.

• Going South in East Ghouta (Carnegie, Feb. 2017)
By spring 2017, things were looking pretty hopeless for the rebels. The Syrian government had seized a lot of territory after Alloush’s death and it had just pocketed Eastern Aleppo. It looked as if Eastern Ghouta would be next, with Damascus pulling together troops and seizing the smuggling tunnels in Qaboun and Barzeh. But then fighting petered out, possibly because Russian-brokered de-escalation deals clicked into place during exactly this time, which shifted Assad’s attention to the Islamic State. The Russian military then cleverly played Eastern Ghouta’s factions off against each other, in particular by goading the Islam Army to go after Failaq-friendly jihadis. A new round of infighting would begin in April 2017.

• Into the Tunnels: The Rise and Fall of Syria’s Rebel Enclave in the Eastern Ghouta (TCF, Dec. 2016)
A detailed history of the Eastern Ghouta enclave and its political economy, this report attempts to chart the rise of the main rebel groups and their shifting rivalries, up to the point when they finally split the enclave in May 2016. It includes sections on the 2014 joint institutions, the 2015 wars over frontline crossings and smuggling tunnels, and some discussion of the ideology of the major factions. A shortened and slightly updated version of this report was later printed as a chapter in The Century Foundation’s Arab Politics After the Uprisings, an edited volume that I assume you’ve already bought and read many times over, since it is just that good.

• Showdown in East Ghouta (Carnegie, May 2016)
My quick take Eastern Ghouta’s just-beginning internal breakdown. Ending in a Qatari-brokered truce later in May, the infighting ended up splitting the enclave into two or three parts, depending on how you count them. The Islam Army took sole control over the northern and eastern parts stretching from Douma to Nashabiyeh; Failaq al-Rahman seized the Damascus suburbs; and Harasta remained in the Failaq-friendly hands of Fajr al-Umma. Nusra Front and Ahrar al-Sham Islamists were also part of the mix. Nusra had formally joined forces with Fajr to smash the Islam Army, but they were mostly floating around inside Failaq-land. Ghouta’s small Ahrar branch was fragmenting: some members backed the Islam Army, others fought the Islam Army alongside Nusra, still others tried to remain neutral.

• After Zahran: Rising Tension in the East Ghouta (Carnegie, Apr. 2016)
This was written alongside “An Islamist Experiment,” when Eastern Ghouta was on the verge of major internal conflict. After Zahran Alloush’s death, factions outside Douma had merged into two loosely allied blocks that sought to cut his successor down to size. The Islam Army had lashed out in response with preemptive arrests and assassinations, which didn’t improve the mood much. Right after publication, the Ghouta insurgency blew itself apart with a big, nasty bang.

• An Islamist Experiment: Political Order in the East Ghouta (Carnegie, Apr. 2016)
With infighting on the way, this article looks at the cross-factional institutions set up by Eastern Ghouta’s rebels to contain internal conflicts. Starting in 2014, Alloush had pushed for the creation of a joint military command and a sharia-based governance apparatus. At the peak of his power in early 2015, these institutions had seemed like they could potentially transform into a new political order of a sort. But the joint institutions frayed and hollowed quickly, with factional anarchy resurfacing to a greater extent than is clear in this article. I got a somewhat better understanding of the system later, with more detail presented the “Into the Tunnels” report.

• The Death of Zahran Alloush (Syria Comment, Dec. 2015)
On December 25, 2015, Zahran Alloush died in an air strike. Within weeks of his funeral, rival rebels in Failaq al-Rahman, Ajnad al-Sham, Fajr al-Umma, and the Nusra Front were ganging up on a shell-shocked and sullenly aggressive Islam Army in order to claim his mantle, with violence finally erupting on a large scale in late April 2016.

• Is Zahran Alloush in Amman? (Syria Comment, June 2015)
Yes, he was. Having somehow snuck out of besieged Eastern Ghouta, the Islam Army leader was taking a trip around the region, to Turkey and Jordan, where he met with Syrian rebel and religious allies as well as foreign fundraisers, agents, and diplomats, at a sensitive moment in the opposition’s history. But when I wrote this, it wasn’t yet very clear what was going on.

• Damascus Preachers and the Armed Rebellion (Carnegie, Mar. 2014)
This one takes a brief peak at the capital’s Ashaarite-traditionalist and Sufi networks, which had long dominated Syria’s state-approved Sunni Islamic establishment and would play a huge but under-studied role in the opposition after 2011. Today, their influence remains keenly felt through the Turkey-based Syrian Islamic Council. It is a companion piece to the article about Ajnad al-Sham, which grew out of exactly this clerical milieu and had visible ties to Damascene Sufism and less visible ones to exiled Ikhwani networks.

• The Ajnad al-Sham Islamic Union (Carnegie, Mar. 2014)
I look at the creation of Ajnad al-Sham, a group backed by local Sufi clerics and Muslim Brotherhood members. Later bolstering its ranks by absorbing aggrieved former Umma Army members, Ajnad al-Sham operated as one of Eastern Ghouta’s top three factions for nearly two years. In spring 2016, it merged into the other second-tier faction, Failaq al-Rahman, and launched a devastating attack on the Islam Army.

• The Greater Damascus Operations Room, part 1 (Carnegie, Nov. 2013)
• The Greater Damascus Operations Room, part 2 (Carnegie, Nov. 2013)
This two-parter is for the real nerds. With limited success, I tried to read the tea leaves of a major, foreign-funded rebel unity project in the wider Ghouta region. In particular, I was looking for clues about how it related to Brig. Gen. Salim Idriss’s hapless Free Syrian Army HQ in Turkey, to Ghouta’s Nusra and Islamic State jihadis, and to the unending internecine feuds in Douma, where Zahran Alloush was still struggling to establish himself as capo di tutti capi. I didn’t reach much clarity on any of these issues at the time, but some additional details had seeped out by the time I wrote the “Into the Tunnels” report.

• A Dispute in Douma (Carnegie, Oct. 2013)
In this one, I did my sorry best to make sense of rebel rivalries in Eastern Ghouta, whose internal functioning under a half-year old siege had yet to be hashed out. Though at the time this was only vaguely visible in local coalition politics, Zahran Alloush’s just-created Islam Army was drifting into conflict with a set of pugnacious, Free Syrian Army-flagged commanders and contraband kingpins united by their shared rejection of his dominance and the Islamist rule that came with it. A year later, they made a desperate, last-ditch attempt to kneecap the Islam Army and push it out of the smuggling economy by entering into an alliance known as the Umma Army. Zahran promptly dropped a piano on them. For more about that grim story, check the “Into the Tunnels” report or my piece for Politico.

• The Islamist Mess in Damascus (Syria Comment, Feb. 2013)
This old Syria Comment blog post was written just before Assad’s forces managed to place Eastern Ghouta under siege. It looks at how rebel coalition-building around Damascus had clicked with the major national-level insurgent alliances of the time, and we get an early glimpse of the headstrong ways of a certain Zahran Alloush.”

[This article was originally published by Syria Comment.]

طوفان سوريا وما بعد الفساد إلا الغرق

طوفان سوريا وما بعد الفساد إلا الغرق

ماذا يحصل في دولة تنخر جميع مفاصلها شتى أنواع الفساد والمحسوبية، وتحكمها شلة من المسؤولين الانتهازيين الموهومين بتحقيق الإنجازات، المنفصمين عن الواقع بأقوالهم وتصريحاتهم الخيالية، التي تقول بأن شوارع دولتهم أفضل من شوارع سويسرا!

ماذا يحصد مواطنو هكذا دولة من مسؤولين بهذا المستوى من التفكير، حين تواجههم مصيبة أو كارثة؟ إنهم لا يحصدون سوى الوهم واليأس والتعب.

ليلة الـ 26 من نيسان كانت ليلة قاسية وحزينة على السوريين الذين فقدوا ممتلكاتهم وطافت بيوتهم بالسيول، كارثة بيئية بحجمها الكبير كشفت عيوب المسؤولين، الذين على مدى عدة عقود لا يعبرون مواطنيهم ولا يظهرون للعلن أمام الناس لإعلامهم بكيفية التعامل مع أي كارثة تواجههم سواء كانت كارثة بيئية أو إنسانية، في حين يعتبر هذا الأمر بديهياً لدى المسؤولين في دول العالم المتحضر، فتوعية الناس وتثقيفهم بكيفية التعامل مع الكوارث واجب على الدول التي تحترم شعوبها.

غزارة الأمطار الهاطلة تحولت إلى سيول جارفة، بشكل لم يعتده السوريون خاصة في عاصمة الياسمين “دمشق” فقد تحولت الأمطار لطوفان خلال ساعات قليلة، حيث كثر نزول الأمطار في سائر المناطق السورية، وكانت غالب مناطق دمشق قد نُكبت بخسائر من هذه السيول فنتج عنها ما لم ير مثله منذ سنين من أضرار بالغة في المباني والسيارات والحافلات.

تسببت الأمطار الغزيرة، في وقوع حوادث مرور خطيرة فضلا عن اجتثاث أشجار وأعمدة الإنارة. كما عاشت عائلات أوقاتاً عصيبة بعدما وجدت نفسها عالقة بسيارتها وسط السيول.

جرف الطوفان كل شيء وكأن ما أصاب السوريين خلال سنوات الحرب لم يكن كافياً ليحل عليهم طوفان نيسان بقسوة لم يسبق لهم أن شاهدوا مثلها.

طوفان نيسان، كشف عيوب محافظة دمشق وواليها “المحافظ”، الذي أجر واستثمر بمرافق دمشق وحولها إلى عاصمة “للأجار”، ورغم فداحة هذا الطوفان وما كشفه من عيوب، إلا أنه عجز أن يخرج أي مسؤول عن صمته، ليقدموا اعتذاراً شفهياً للناس، ولم يتجرأ أحد منهم على تقديم استقالته لفشلهم في احتواء هذه الكارثة وما حصدته من أضرار ذهب ضحيتها عدد كبير من ممتلكات السوريين.

رغم وجود مركز للأرصاد الجوية، ومركز للاستشعار عن بعد، إلا أن المسؤولين في سوريا لم يغيروا من آلية تفكيرهم وإدارتهم لتجنب الكوارث الطبيعية التي تقع دون أي تحضير أو استعداد حكومي لمواجهة مثل هذه الكوارث البيئية، وما أن ينتقد المواطنون قصور هذه الجهات وفسادها حتى تنهال التبريرات والأعذار غير المنطقية بأن حجم الأمطار كان فوق المتوقع، وبأن الأضرار وقعت فقط ضمن المناطق العشوائية التي تفتقر للتنظيم الجيد، علماً أن هذا التبرير غير صحيح فشوارع العاصمة الرئيسية تحولت خلال ساعات قليلة لأنهار تطفوا وسطها السيارات.

السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو استمرت الأمطار بالهطول بهذا الحجم لمُدة 3 أيام متواصلة؟ هل كان سيقوم أحد المعنيين بتفقد المواطنين ومحاولة إنقاذهم ومساعدتهم في مصابهم؟

السوريون الذين دهشوا من حجم الطوفان، لم يدهشهم صمت المسؤولين وفسادهم حتى بأبسط حقوقهم وهي ضمان أمنهم وسلامتهم، فقد اعتاد السوريون مواجهة مصائبهم لوحدهم دون التفكير ولو لبرهة بالتعويل على حكوماتهم المتعاقبة التي اعتادت لعب دور “المتفرج الصامت” ومراقبة مايحدث حولها، وكأنه في كوكب آخر.

طوفان سوريا، مؤشر بسيط ومرآة عكست مجمل حال البلد والحكومة والإدارات، البلد غارق بفساده الذي كان أبرز أسباب الحرب التي يعيشها، ومع ذلك يترفع المسؤولون صغيرهم قبل كبيرهم، عن إيجاد مخرج لمثل هذه الكوارث، ويمضي الوقت دون أن يحاسب أحد. أما مجلس الشعب فهو مجلس للنوام وليس للنواب، فاشل في استجواب مسؤول وعزله أو إحالته للقضاء، والسبب أن الجميع يعمل وفق آلية السكرتارية ينتظرون الأوامر والتوجيهات لتنفيذها، ومعايير نجاح المسؤول لا تتصل بالإنجازات الحقيقية ورضا الناس إنما تتصل بالتخريب والفساد والتدمير واستغباء المواطن.

يضاف طوفان سوريا، إلى قائمة الكوارث التي واجهها السوريون خلال سبع سنوات من حرب عصابات وتفجير، وقصف، وقتل، وخطف، وسرقة، ودمار البنى التحتية، إلى التشريد، والتهجير، وجفاف الأراضي، والعواصف الرملية، والثلجية، وبذلك يكون السوريون من أكثر الشعوب الذين عاصروا وواجهوا جميع الكوارث البشرية والبيئية، مرددين بأعماقهم مقولة الكاتب الراحل نجيب محفوظ “نحن في حاجة إلى طوفان جديد لتمضي السفينة بقلة الفضلاء ليعيدوا خلق العالم من جديد” عل الطوفان القادم يقضي على الفاسدين.

حرب خفية بين ايران وإسرائيل في سوريا

حرب خفية بين ايران وإسرائيل في سوريا

المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل في سوريا، أمر مرجح. الخلاف حول مواعيد الحرب المقبلة ونطاقها ومآلاتها والترتيبات المستقبلية اللاحقة ومدى قدرة موسكو على قيادة حملة دبلوماسية قد تؤدي إلى نسخة سورية – روسية من القرار الدولي «1701» ضمن 4 احتمالات سياسية لمآلات المواجهة المقبلة، حسب دبلوماسيين غربيين.

الحرب الخفية في سوريا مستمرة منذ سنوات، حسب الدبلوماسيين الغربيين في بيروت، وظهرت تجلياتها مرات عدة، كان آخرها «الحرب الإلكترونية» ضد منظومة الرادارات السورية والتشويش عليها، ما أدى إلى إطلاق دفعتين من المضادات الجوية على أهداف وهمية وسط سوريا قبل أسبوعين، سرعان ما سحبت وسائل إعلام رسمية سوريا أنباء حصولها بعدما «تأكدت دمشق أن الهجمات كانت على شاشات الرادارات فقط».

«حملة القرصنة» تلك، كانت بمثابة اختبار لمنظومة الرادارات قبل الضربتين اللتين حصلتا وسط سوريا وشمالها ليل الأحد – الاثنين بعد الاختبار السابق لدى شن أميركا وبريطانيا وفرنسا ضربات بلغ بعضها وسط دمشق، إذ إن الضربات الأخيرة التي يعتقد أنها إسرائيلية استهدفت مخازن صواريخ طويلة المدى كانت إيران قد شحنتها قبل أيام، ضمن فرض تل أبيب «خطوطها الحمراء» الأربعة في سوريا، وهي: منع قيام قواعد إيرانية دائمة، ومنع تخزين صواريخ طويلة المدى في سوريا (ولبنان)، ومنع تسليم صواريخ متطورة إلى «حزب الله»، ومنع قيام مصانع صواريخ إيرانية في سوريا (ولبنان).

ولوحظ تجنب الغارات الإسرائيلية فصائل إيرانية تقاتل إلى جانب قوات الحكومة السورية أو التدخل المباشر في الصراع السوري، كما حصل في الغارات الثلاثية التي «تعمدت تجنب تغيير ميزان القوى العسكري واقتصرت على إعادة فرض الخط الأحمر الكيماوي»، حسب الدبلوماسيين.

في فبراير (شباط) دخل عنصر جديد إلى المسرح غيّر «قواعد اللعبة»، تمثل باستهداف إسرائيل قاعدة «تي – فور» وسط سوريا تضم طائرات «درون» انطلقت منها طائرة إلى فوق الجولان السوري المحتل. طائرة الاستطلاع هذه نسخة متطورة عن تلك التي بعث بها ضباط الحرس الثوري الإيراني باتجاه قاعدة التنف الأميركية في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية في منتصف العام الماضي. وقتذاك أسقط الأميركيون طائرة الاستطلاع الإيرانية.

في فبراير، أرسل ضباط إيرانيون طائرة «درون» من قاعدة «تي – فور» وسط سوريا باتجاه الجولان. أهمية هذه الطائرة أنها النسخة الإيرانية المعدلة من طائرة استطلاع أميركية كانت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) قد أرسلتها قبل 7 سنوات للتجسس على البرنامج النووي الإيراني. الإيرانيون سيطروا على الطائرة واستفادوا منها بتأسيس مصنع لنسخة إيرانية متطورة. ويعتقد دبلوماسيون أن الإسرائيليين والأميركيين سيطروا بدورهم على الـ«درون» الإيرانية بعد الهجوم الأخير لاختبار التعديلات عليها.

الضربة الإسرائيلية لقاعدة «تي – فور» كانت المواجهة المباشرة الأولى، حيث قتل ضابطان من الحرس الثوري (بين 7 قتلى) هما مسؤولان عن برنامج الـ«درون» الإيراني في سوريا.

وسلاح الـ«درون»، من أدوات النفوذ الإيراني في المنطقة، إضافة إلى الميلشيات العابرة للحدود ودعم فصائل خارجة عن سلطة الدول العربية.

استطراداً، فإن قاعدة حميميم الروسية تعرضت لسلسلة هجمات غامضة من «درون» بينها دفعة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حميميم «خطاب النصر» وانتهاء المهمة.

سابقاً كانت المواجهة بين موسكو وتل أبيب تتم بالوكالة شملت عشرات الضربات لمواقع في سوريا (لم تعلن إسرائيل إلا جزءاً يسيراً منها كي تترك لدمشق وحلفائها إمكانية تجنب الرد)، لكن الهجوم على «تي – فور» كان أول مواجهة مباشرة.

مواعيد وجبهات

منذاك، كانت التقديرات أن «الحرب قادمة». وموعد الحرب كان مقدراً في مايو (أيار) بسبب تراكم استحقاقات كبرى: الانتخابات اللبنانية الأحد المقبل، والانتخابات العراقية في 12 من الشهر نفسه، وقرار الرئيس دونالد ترمب إزاء الاتفاق النووي في 12 من الشهر نفسه أيضاً (الانسحاب منه على الأرجح)، وذكرى نكبة فلسطين في 15 من الشهر نفسه كذلك، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتسليم روسيا منظومة «إس – 300» لدمشق، وقرار ترمب مراجعة بقاء قواته شرق سوريا.

أما جبهة التصعيد، فهناك أربع بوابات: قطاع غزة، وجنوب سوريا، وشمال شرقي سوريا، ولبنان. وحسب تقديرات الدبلوماسيين، فإن الوقائع الميدانية في جنوب لبنان لا توحي باحتمال تصعيد عسكري، بل العكس صحيح ذلك أن الاستقرار الاقتصادي يهيمن وسط تراجع الشهية للعسكرة بين الناس. كما أن مسؤولين في «حزب الله» أبلغوا صحافيين غربيين أن الأولوية للعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد الانتخابات البرلمانية.

في شرق سوريا، التقديرات أن إيران ستواصل اختبار العزيمة العسكرية الأميركية. كان آخرها هجوم، أول من أمس، قرب دير الزور، حيث كان رد الجيش الأميركي واضحاً بمنع تقدم موالين لدمشق. وأفاد دبلوماسيون: «التقدير أن تدفع دمشق وحلفاؤها إلى عمليات ضد الأميركيين شرق نهر الفرات، ما يعني احتمال حصول انفجارات داخلية: صدام عربي – كردي، وعودة لـ«داعش» بعمليات انتحارية، ومشكلات خدمية واقتصادية، خصوصاً بعد بطء برامج الاستقرار والتمويل الأميركي، وتراجع إزالة الألغام وإعادة الأعمار. (ترمب جمّد 200 مليون دولار لدعم الرقة).

هذه خطة متوسطة الإطار الزمني. وستنضم إليها روسيا، خصوصاً إذا فشلت محاولات استعادة الحوار بين واشنطن وموسكو بعد الضربات الثلاثية ضد مواقع في سوريا. كما ستسعى إيران إلى إفشال برنامج الإقامة الأميركية شرق الفرات باعتبار أن الوجود يرمي إلى إضعاف النفوذ الإيراني ومنع إيران من الوصول إلى البحر المتوسط.

أما المواجهة العاجلة، فقد دارت التقديرات بين غزة وسوريا. وأعرب دبلوماسيون عن الاعتقاد باحتمال استغلال موضوع السفارة و«مسيرات العودة» لإشعال مواجهة قد تلتقي مصلحة فصائل فلسطينية وطهران على إشعالها في محاولة لإعادة خلط الأوراق وإظهار إيران أوراقها في الشرق الأوسط في حال انسحب الأميركيون من الاتفاق النووي. وقال سفير غربي: «التحليلات أن إيران ستستغل ذكرى النكبة ببدء مواجهة بعد ضمان الأغلبية في انتخابات العراق».

أما في سوريا، فإن التقديرات كانت أن «الانتقام الإيراني لمقتل ضابطي الحرس الثوري قادم بالتزامن مع الانسحاب من النووي وقرار القدس». ونقلت محطة «سي إن إن» عن مصادر أميركية أن أقماراً صناعية رصدت شحنات عسكرية نوعية من إيران إلى سوريا استعداداً لشن هجوم. وأفاد دبلوماسيون: «الضربات على وسط سوريا وشمالها كانت استباقية استهدفت تدمير مخازن صواريخ إيرانية كانت تجهَّز للمواجهة المقبلة المتوقعة منذ قصف قاعدة (تي – فور)».

أين روسيا من ذلك؟

المسؤولون الروس ليسوا في مزاج الحديث عن الحل السياسي في سوريا. و«مسار جنيف مات» بالنسبة إليهم. الأولوية حالياً لدعم قوات الحكومة السورية للسيطرة على جنوب دمشق ثم ريف حمص والإفادة من انتهاء صلاحية اتفاقات «خفض التصعيد» واستقطاب مجندين من التسويات و«التأجيل المؤقت عن الخدمة الإلزامية». بعدها تبقى ثلاثة جيوب: جنوب غربي سوريا، وشمال غربي سوريا، وشمال شرقي سوريا (ومعسكر التنف).

الجيب الثاني مرتبط بالتفاهم مع أنقرة ضمن عملية آستانة واستعداد الجيش التركي للانسحاب من سوريا «كما وعد». الجيب الثالث، مرتبط بالتفاهمات الأميركية – الروسية واحتمالات فشلها وتعرضه المستمر للاختبارات الروسية – الإيرانية – السورية للتقوقع والتقلص.

أما الجيب الأول، فهو الأكثر إثارة، إذ تسعى موسكو لربطه بالمواجهة المقبلة. إذ حسب المعلومات، فإن الجيش الروسي أنزل منظومة «إس – 300» في طرطوس ونقلها إلى حميميم، لكنه لم يسلمها بعد إلى الجيش السوري. وضع «إس – 300» مثل وضع «إس – 400»، لكن الأخيرة تعمل بأيدي الروس. أما الأولى، فإن موسكو لوّحت بتسليمها إلى دمشق في تحدٍّ لتل أبيب ودول غربية.

استطراداً، باتت المنظومة الجوية السورية مندمجة بالروسية بقيادة حميميم. وتلوّح موسكو بتسليم «إس – 300» إلى دمشق بحيث يكون التحكم بها في دمشق وليس حميميم. لوحظ أن الرشقات من المنظومة السورية بعد الغارات الثلاثية، كانت سياسية – دعائية أكثر مما هي عسكرية، سمحت بـ«حفظ ماء الوجه» من دون تحقيق نتائج عسكرية.

أربعة خيارات

روسيا التي تميل إلى مزاج وزارة الدفاع، تسعى إلى بعض الدبلوماسية في حال حصلت المواجهة المرتقبة. وحسب الدبلوماسيين، فإن موسكو «تدفع جميع الأطراف كي تكون عقلانية وأن يكون التصعيد محسوباً ومحدداً». كيف؟ هناك أربعة خيارات:

الأول، أن يكون التصعيد تكراراً لحملات القصف والقصف المتبادل على الأرض السورية والعودة إلى «قواعد اللعبة»، بحيث إن صواريخ «إس – 300» وروسيا لا تقيدان أيدي إسرائيل في فرض «خطوطها الحمراء».

الثاني، العودة إلى اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل. إذ بدأ الجيش الروسي إجراء تغييرات في الوحدات السورية بين دمشق والجولان وحدود الأردن، ونشر نقاط للشرطة العسكرية الروسية، وإعادة تموضع نقاط في درعا، إضافة إلى تحريك ضباط من الحرس الثوري في ريف درعا.

اتفاق خفض التصعيد جنوب غربي سوريا بين أميركا وروسيا والأردن، نَصّ على انسحاب «القوات غير السورية» (أي «حزب الله» وتنظيمات إيران) بعيداً من الأردن والجولان في مرحلتين: الأولى بين 5 و15 كيلومتراً، والأخرى 20 كيلومتراً. (موسكو تقول: إن أميركا والمعارضة فشلتا من جانبهما في قتال «جبهة النصرة» و«جيش خالد» التابع لـ«داعش»). هذا لم يحصل، بل إن «حزب الله» وإيران ساهما في معركة بيت جن قرب القنيطرة والجولان، ما عقّد العلاقات بين موسكو من جهة وباقي الموقّعين على «هدنة الجنوب» ومَن وراءهم من جهة أخرى.

ما يطرحه الجانب الروسي حالياً، مفاده أن «الحل الوحيد بتقوية الجيش السوري، بحيث يتقدم إلى درعا وتتم تسويات مع 12 ألف مقاتل معارض مع فضاء محلي وانتعاش اقتصادي وإعادة فتح معبر نصيب والخط التجاري بين الأردن وسوريا». يضاف إلى ذلك، نشر الجيش السوري والشرطة العسكرية في الجولان وأن تتم عملية إحياء اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل للعام 1974، ونص على منطقة منزوعة من السلاح ومنطقة مخففة من السلاح الثقيل والخفيف. وقال دبلوماسي: «يمكن العودة إلى الوضع السابق بين سوريا وإسرائيل».

الثالث، نسخة سوريا من القرار 1701. يذهب دبلوماسيون غربيون آخرون إلى مدى أبعد أساسه أن تستغل روسيا التصعيد العسكري لإطلاق عمل دبلوماسي لإصدار قرار دولي مشابه لـ1701 الذي جاء بعد حرب عام 2006 في لبنان، بحيث يكون القرار روسي المنطلق وسوري التنفيذ.

لدى قيام وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بمفاوضات اتفاق خفض التصعيد بعد حرب 1973، أراد السوفيات أن يكونوا ضمن قوات حفظ السلام، لكن الاتفاق النهائي في مايو 1974 قضى بإبعاد أميركا والاتحاد السوفياتي «المنحازتين» عن وحدات حفظ السلام مقابل الاعتماد على دول محايدة مقبولة من الطرفين: سوريا وإسرائيل.

روسيا تريد اختبار حظها مرة أخرى، لكن هذا يتطلب رقص الجانب الأميركي في مجلس الأمن واستعداد الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى للتفاوض على ترتيبات عسكرية وسياسية بين اللاعبين الخارجين في سوريا.

هنا قد تكون الترتيبات فقط متعلقة بالجنوب السوري أو قد تصل إلى انخراط جميع اللاعبين: الأميركيين شرق سوريا، والأتراك شمال غربي البلاد، وروسيا وإيران، ما يتضمن ترتيبات تتعلق بالنظام السياسي المقبل والمحاصصة الخارجية فيه.

الرابع، ترتيبات عسكرية تتعلق بالوجود الإيراني. في حال لم تكن ظروف ترتيبات الجنوب السوري الموسعة أو المخففة متوفرة، يطرح دبلوماسيون خياراً آخر يشابه الترتيبات التي حصلت بين سوريا وإسرائيل في لبنان منتصف الثمانينات، حيث رعى الجانب الأميركي تفاهمات حول الحدود التي يُسمح للجيش السوري وصواريخه بالانتشار فيها في لبنان. لكن دولاً أساسية، تطرح فكرة بعيدة المدى بإطلاق حملة دبلوماسية تؤدي إلى «إخراج جميع القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا».

وهذا ينطبق على إيران (وأميركا وتركيا)، خصوصاً أن الأنباء تفيد بأن موسكو عرقلت مساعي طهران للحصول على وثيقة من دمشق بأن «الوجود الإيراني جاء بناءً على طلب الدولة السورية» أسوةً باتفاقين شرَّعا في البرلمانين السوري والروسي وجود قاعدتَي حميميم وطرطوس الروسيتين غرب سوريا.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»