بواسطة عمر الشيخ | مايو 2, 2018 | Roundtables, غير مصنف
يكاد يجزم المراقب للأحداث في سورية منذ البدايات حتى الآن، أن أغلبية اللاعبين في مقامرات الدم السوري، يرهنون ذواتهم و”مشاريعهم” وأفكارهم، في خدمة من يحقق غاياتهم الشخصية التي فتّتت الأجسام السياسية وأوصلتنا إلى دوّامة الولاءات عربيّاً ودوليّاً بعيداً عن سورية!
لم يكن التسلح خياراً مدروساً لمواجهة نظام قائم على بنية عسكرية مخابراتيّة عميقة، فكانت ردّة فعل الشارع على إجرام عناصر النظام أثناء المظاهرات، هو الذهاب نحو رفع السلاح عشوائياً، علماً أن مئة بندقية “كلاشنكوف” مثلاً، لا يمكن أن تجعل حيّاً ضخماً مثل حيّ الميدان وسط دمشق، محرراً (…) بعد ما وقعت معركة دمشق الأولى في منتصف العام 2012، الأمر الذي كان يريده النظام، أي أن ترفع الأسلحة “دفاعاً” عن المظاهرات تحت أي ظرف، لتبدو نظرية “المندّسين” جاهزة لقتل كلّ معارضٍ للنظام!
والمعروف أن المقدرات الجهاديّة التي نمت في سورية بفضل الفصائل الذاهبة إلى قتال القوات الأمريكية أيام الغزو على العراق عام 2003، جميعها فصائلٌ عائدة بالفكر والعقائد لتنظيم “جماعة الإخوان المسلمين” إضافة إلى النزعات الدينية والاجتهادات الجهاديّة، وجميعهم يحرّضون على لغة العنف والتطرّف والاقصاء! هي ذات التجارب العسكرية التي عكست تسمياتها الدينية هويتها الفكرية مباشرة قبيل تنظيم الكتائب العسكرية الواقفة إلى صف الاحتجاجات الشعبية في سورية، بداية من التسمية مثل “لواء التوحيد” أو “كتائب الفاروق” وهي فصائل كانت تحمل التشريع الإسلامي نهجاً للعمل “الثوري المسلح” وهذا ما دفع بالفصائل للبحث عن تمويل خارجي حسب الانتماء والشيوخ والدعاة، وصولاً إلى التنسيق مع غرف التعاون العسكري الدولية التي رأت في التسليح مفتاحاً تتحكم عبره بالتوجه والهدف، فكانت أشهر تلك الغرف “موك” و “موم” اللتين تقع إحداهما في الأردن والأخرى في تركيا، وبالتالي لم يعد القرار بالتحرك “الثوري” بيد الفصائل وحدها.
أداة ليست سورية
مع انطلاق موجة الانشقاقات عن صفوف الجيش النظامي، باتت تسمية “الحريّة” ملاصقة لأي مؤسسة أو فصيل أو كيان سياسي خارج من عباءة النظام السوري، ما يشير إلى بداية الانقسام الوطني بين من هم مع النظام بوصفهم ضد الحرية، ومن هم مع التظاهرات على أنّهم “أحرار”. وهكذا سرقت الفصائل التسمية ونَسبتها لنفسها ورفعت علماً خاصاً بها بعيداً عن التصويت الشعبي وأصبح لكلّ فصيل علم خاص وآخر مشترك وهو علم “الجيش الحر” وهذا الأخيرة أصبحت مهمته الدفاع عن المظاهرات إلى أن ذهب نحو مواجهة النظام وإطلاق المعارك الارتجالية التي بررت قصف المناطق وقتل المدنيين لأنهم “حاضنة لهذا الجيش” المنتقل من حماية المدنيين إلى اجبار المناطق الموالية على المشاركة بالثورة لتصبح “مناطق محررة” حسب مبادئهم!
عندما صعدت حركة أحرار الشام الإسلاميّة وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وجيش الإسلام وفيلق الرحمن… وسواها، كفصائل ذات مرجعيّة إسلامية متقاربة جداً، إلى ساحة المواجهة وتقسيم المناطق السورية، أصبح الجيش الحر مجرد تسمية ينضوي تحتها من يريد من تلك الفصائل المقاتلة التي تموّلها حركات جهادية ودولية كبيرة فبدأت الانشقاقات والإندماجات بين الفصائل، وبالتالي عاد القرار إلى مجالس الشورى الدينية بعيداً عن التنظيم العسكري الذي يفترض أنه مفصول عن المؤسسة الدينية، ومعمول به في باقي الجيوش الكبيرة الموحدة. إذ أن تجزئة الفصائل المعارضة وتعدّد مصادر تمويلها واختلاف ذهنيات قادتها، دفع بها لأن تكون مجرّد أداة بيد الدّاعمين الخارجيّين، وذلك لا يختلف عن تجربة جيش النظام السوري الذي استبدل تسمية الداعمين ضد الثورة السورية، بالحلفاء مثل سماحه لإدخال قوات روسيا وقوات إيران، فأطلق لهم العنان في البلاد، وبات الصراع إقليميّاً بأدوات سورية!
نهاية الثورة المسلحة
منذ أطلقت تركيا عمليتها العسكرية “درع الفرات” الممتدة من جرابلس إلى أعزاز حتى مدينة الباب، هذا المثلث الجغرافي شمال سورية الذي أصبحت فيه فصائل الجيش الحر تحكم وتشكل المجالس المحلية بالتشاور مع عناصر تابعة للمخابرات التركية لمواجهة الفصائل الإسلامية المتشددة أبرزها “داعش وجبهة النصرة”، وتنفيذاً لمخططٍ احتلالي غير مباشر، تذرعت تركيا مجدداً منذ أسابيع في عملية “غصن الزيتون” لتعيد سيناريو التوغل في سورية عبر مدينة عفرين “دفاعاً عن مصالحها” التي تتعارض وإياها مع أيّة مبادرة لتأسيس كيانٍ كردي بحكم ذاتي، بغض النظر عن جذوره كمكوّن سوري، راحت فصائل الحر تنهج مبادئ تركيا وتقتل السوريين من الفصائل الكردية مقابل مكافئة بسيطة هي المشاركة في السيطرة على بعض المناطق ضمن عفرين وريفها.
إن مشهد رفع العلم التركي على بناء المجلس المحلي لمدينة عفرين مؤخراً، إلى جانب علم فصائل الجيش الحر، لا يختلف عن مشهد رفع العلم الروسي والإيراني وعلم النظام في ساحة الأمويين بدمشق تهليلاً للنصر المزعوم بعد قصف “أمريكا وفرنسا وبريطانيا” لمواقع قالوا إنها “عسكرية” في دمشق منذ فترة وجيزة، إنه نصر رسمته روسيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة، على ما يبدو، أثناء استثمار الكارثة الإنسانية بعد القصف الكيماوي على دوما، ربما هو مشهد معقد لكن قواسمه المشتركة بالاتكال على الدول الأجنبية لتحصيل “الانتصارات” تتقاطع بقوة مع بعضها، الجميع يعتبر نفسه “محرراً” من الاستبداد والتطرف والطغيان، لكن الشق الآخر من هذا التحرير هو تلبيس المحتل ثوباً خبيثاً اسمه “الحلفاء”.
وبالعودة إلى التعاون الكبير لفصائل متعددة من الجيش الحر مع عملية “غصن الزيتون” العسكرية، يمكن ملاحظة كيف أعطت الولايات المتحدة ضوءها الأخضر لتركيا إلى جانب تغاضي النظام وروسيا عن ذلك، ويأتي من يقول: هذا الجيش حر!؟
إذا كانت القوى الدولية تحرك سلاحها وجنودها حسب الاتفاقات الإقليمية، فلا بد أن من تنفذ بأرضهم تلك الاتفاقات “ليسوا أحراراً” لأنهم ببساطة لم يعتمدوا على الشعب وتثقيفه سياسياً وثوريّاً بمعزل عن الانتماءات الدينية، ليسوا أحراراً بل هم إعادة نتاج سلطوي لمفهوم العسكرة: “أنت لست معي هذا يعني أنك عدوي وقتلك واجب” تماماً كما يفكر النظام السوري، تفكر الفصائل المسلحة التابعة لـ”الحر” وبذلك تنتهي الثورة المسلحة منذ اللحظة التي توجهت بها البنادق للتخلص من الموالاة أو تصفية المعارضة، كيف بها الآن عندما تقاتل تحقيقاً لنصر الحلفاء-المحتلين؟
بواسطة Samer Ismail | أبريل 30, 2018 | Cost of War, Culture, غير مصنف
مشاهدة الحلقات العشر الأولى من معظم الأعمال التلفزيونية السورية التي قُدمت لموسم 2017، لن يشكل حافزاً للجمهور بمتابعة تلفزيونية لعام 2018 أو كالتي كانت قبل عام 2011، فالاستثناءات تكاد تكون نادرة في خريطة الإنتاج الدارمي السوري، وما نجا من سخط الجمهور، سوف لن يعثر بسهولة على أعذار لأعمال توافر لها المال والخبرة الإخراجية، دون أن تكون جديرة بالمتابعة على مساحة البث منذ نيف وسبع سنوات.
الحلول المقترحة لإبعاد شبح انقراض ظاهرة الدراما التلفزيونية السورية التي سطع نجمها مع بداية التسعينيات، جميعها أخفق في إيجاد مخرج لأزمات متعددة تحيط اليوم بهذه (الصناعة) تاركةً مصير عشرات العائلات التي كانت تعيش من المهن التي توفرها هذه الدراما على قارعة الطريق، فمن مؤتمرات ولقاءات أقامتها المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني عام 2014 في فندق شيراتون دمشق، إلى دعوات بإقامة مجلس أعلى للدرامين السوريين، وصولاً إلى تخصيص صندوق دعم وطني لتمويل وشراء الأعمال السورية. جميعها حتى الآن بقي قبض ريح في مواجهة ما يشبه عزلة أو حصار تعاني منه المسلسلات السورية، وذلك بعد فك الارتباطات الإنتاجية بين الدراما السورية والمحطات العربية الكبرى في الخليج العربي التي كان لها الوزن الأكبر في إنتاج وتمويل وتسويق هذه الأعمال.
وأوصلت هذه القطيعة اليوم بين سوق الدراما السورية ومحطات البث الخليجي إلى ما يشبه حالة موت سريري لعشرات الأعمال التي تم إنتاجها دون أن تجد فرصة تسويق فعلية على قنوات من مثل: (أبو ظبي) و( دبي) و(إم بي سي). المحطات البارزة في سوق الدراما العربية، حيث استعاضت هذه المحطات عن الإنتاج السوري بأعمال مصرية وخليجية وتركية مدبلجة (مؤخراً تم إيقاف الدبلجة عن التركي). وفي ظل انعدام سوق محلية قادرة على استيعاب الإنتاج التلفزيوني السوري والتعويض عن خسائر بملايين الدولارات، يبدو الوضع يزداد سوءاً مع تحكم قنوات لبنانية من مثل (الجديد) و(إم تي في) بشراء بعض الأعمال السورية بأبخس الأسعار، حيث وصل ثمن الساعة الدرامية السورية في بازار هذه المحطات إلى (500 دولار أمريكي) بينما كانت الساعة الدرامية السورية تباع بما يقارب ( 30 ألف دولار أمريكي) للحلقة التلفزيونية الواحدة.
ويقول ممثل من ممثلي الصف الأول رفض ذكر اسمه: “الدراما السورية كانت حلماً جميلاً استفقنا في هذه الحرب على ضياعه من بين أيدينا، الآن أفكر بتأمين قوت أطفالي وعائلتي لا أكثر، وكما ترى أعيش في فندق منذ سنوات، وقد بعتُ سيارتي مؤخراً كي أستطيع دفع أجرة الغرفة.”
حال هذا النجم السوري ليس أفضل من زملاء كثيرين له فقدوا مورد رزقهم، دون أن يكون للمؤسسة العامة للإنتاج دور فعلي في تغطية خساراتهم الفادحة، مما يجعلهم اليوم عرضةً هم ومخرجو وكتّاب وفنيو الدراما السورية لابتزاز رؤوس أموال جاهلة لأمراء الحرب تدخل اليوم سوق الإنتاج التلفزيوني، ممارسةً نوع من التبييض لأموال الحرب في الدراما وسوق الميديا، لكن في شروط غير إنسانية، وبتحكم ذهنية مافياوية ريعية لا تحسب حساباً لجودة النص ولا لخبرات المخرج والممثلين، بل تدير شركاتها الجديدة بعقلية (المعلم) ناسفةً كل تقاليد المهنة، وحافرةً قبوراً جماعية لعشرات من الممثلين والفنانين والكتّاب الذين لم يمتثلوا حتى الآن لمزاج دراما الرقاصات وغواني الليل وقواد الساحات الخلفية للحرب.
دون ألم تابع الجمهور العام الماضي أعمال ما اصطلح على تسميتها بـ (مسلسلات البيئة الشامية) التي تصدرت أجزاؤها واجهة العرض الرمضاني، كما لو أنها (مهابهاراتا شامية) لا ينقضي جزء منها حتى يأتي جزء جديد من غامض علمه، لنكون مع (طوق البنات4) و ( باب الحارة9) و (عطر الشام2) و( خاتون2) فيما احتجب (وردة شامية) النسخة السورية من (ريا وسكينة) بعد امتناع العديد من المحطات الفضائية عن شراء العديد من الأعمال السورية، فيما يشبه حصار سوق خليجي لهذه المسلسلات، فيما نجح ( قناديل العشاق) لمؤلفه خلدون قتلان ومخرجه سيف سبيعي بكسر هذا الحصار بعد الاستعانة بالمغنية اللبنانية سيرين عبد النور، كوصفة جديدة للتسويق إلى المحطات العارضة، أحال أعمال برمتها إلى ما يشبه (دراما فيديو كليب).
معادلة يبدو أنها سوف تكون بمثابة منفذ بيع وحيد لأعمال تكدست أشرطتها في أدراج الشركات المنتجة، دون أن تلقى فرصة لائقة بعرض في سوق المهن التلفزيونية الجديدة، فلا النص الجيد ولا الإخراج ولا حتى إدارة الممثلين أمست من أولويات الإنتاج السوري الجديد، بل شيئاً فشيئاً ومع دخول الحرب عامها الثامن، تبدى المأزق أكثر فأكثر بالنسبة لمزاج السوق الجديدة، والذي عكس بجلاء منقطع النظير ما تعرض له الوسط التلفزيوني السوري من انقسام حاد بين (دراما الداخل) و(دراما المنفى) ولكن بتباينات حادة من عمل لآخر، ووفقاً لأمزجة الشركات الدولية التي ترعى نوعية جديدة من هذه الأعمال بين استوديوهات بيروت ودبي، وما تبقى منها في دمشق، حيث تعاني هذه الأخيرة من تدني حاد في أجور المخرجين والكتّاب والممثلين والفنيين، نظراً لانهيار الليرة السورية أمام الدولار بما يعادل انخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية إلى عشرة أضعاف قيمتها ما قبل آذار 2011.
كل ما سبق لن يعطي صك غفران لأعمال الموجة الجديدة من (دراما الخناجر) والعنتريات والعودة إلى الحارات المغلقة كبديل عن دراما المدينة المنفتحة على الآخر، وليضاف لها (دراما العشيرة) مع قرار الشركة المنتجة إنتاج جزء ثانٍ من مسلسل ( الهيبة- هوزان عكو وسامر برقاوي) الذي زاد في الطنبور نغماً بعد الرواية الجديدة لسيرة العائلة، وما اكتنفها من تكريس (الجناح العسكري) لعائلات تعيش على تجارة اللبن والمخدرات والأخذ بالثأر في أجواء حداثية، بينما ينسحب الوطني إلى الخلف تحت وطأة القتل العبثي وأخلاق المافيا.
دراما التوحش هذه يبدو أنها في ازدياد وتغوّل على حساب الترويج لأنماط عيش جديدة، تعكسها الدراما بقوة المحاكاة على جمهور بات اليوم رهين أعمال تحرّض على العنف والإرهاب، ناسفةً العقود الاجتماعية المدنية، وواضعةً الدولة كهيكل فولكلوري ليس أكثر على هامش ولاءاتها الجديدة.
مع هذا وذاك لم يعد من السهولة بمكان أن نطلق صفة (دراما سورية) على أعمال لم يبق منها سوى جنسية من يكتبها أو يخرجها أو يقف أمام الكاميرا لأداء مشاهدها، فمن حيث الجنسية، نعم هذه أعمال سورية حققها فنانون يتمتعون بالجنسية السورية، لكن معظم ما يقدم عبرها لا يعدو أن يكون شخصيات باهتة وضائعة في سديم عولمي خالص، فلا المكان واضح ولا الزمان جلي، فقط هناك حفاظ على وحدة الحدث كضلع أساسي من أضلاع الوصفة الأرسطية، تماماً كما كان الحال مع مسلسل (أوركيديا) لكاتبه عدنان عودة ومخرجه حاتم علي، والذي نزع نحو بنية استعراضية لأماكن التصوير (تم تصوير معظمه في رومانيا) على حساب نص تبدو فيه النزاعات محرّفة عن (صراع عروش) ومآسي شكسبيرية لممالك تميد وأخرى يؤلفها القتل والدسائس والمؤامرات. بنية رمزية لم تسعف صاحب (ربيع قرطبة) في تقديم عمل حجز مساحته على قنوات عرض بارزة، دون القدرة على التأثير المتوقع منه نظراً لحشد ممثلي الصف الأول في كوادره الباذخة، وميزانيته المالية العالية ( تم تداول خمسة ملايين دولار لإنتاجه).
رغم كل ذلك ثمة من أصر على دراما سورية صرفة، أعادت أنماط العيش والظروف الحياتية للعائلة في الحرب السورية إلى واجهة الفن التلفزيوني، حدث ذلك مع مسلسل (أزمة عائلية) لمخرجه هشام شربتجي الذي قدّم العائلة هنا على مسافة حذرة من طرفي النزاع، لأسرة من الطبقة المتوسطة في المجتمع السوري وما تكابده من أحداث الموت والتهجير اليومي، حيث جاء العمل في شرطه الكوميدي خافتاً، لكنه أعاد صورة الطبقة الوسطى التي حوّلتها الحرب إلى حطام في معظم المدن السورية الكبرى، منحازاً مرةً أخرى إلى تناول تهكمي للأحداث بعيداً عن شرطها السياسي، بل بالاتكاء على زحمتها اليومية ولعبجاتها المعيشية ومفارقاتها الدامية.
مكابدات لن نعثر عليها بعد اليوم في معظم خطوط الإنتاج المعطّلة التي إما تعكس حياة غاية في الرفاهية، أو تصوّر قاعاً لمجتمعات هامشية ترعرعت فيها الجرائم ونمت في ساحاتها الخلفية قيم الانحلال الأخلاقي وتجارة الكيف. عشوائيات وممالك رملية محدثة في قلب المدن التي تعيش على حواف الحرب، كما هو الحال مع مسلسل (شوق) لمخرجته رشا شربتجي وكاتبه حازم سليمان والذي حقق مستوى عالياً من المجازفة والخوض في أحوال عصابات الحرب وما تركته من آثار مباشرة على كرامة الإنسان وحقه في الحياة، لنتعرف على (روز) السيدة التي ستختطفها مافيا إسلامية أقرب إلى داعش، لتقوم ببيعها هي ونساء سوريات في سوق السبايا لمجاهدين على جبهات القتال، حيث تدور القصة على ثلاثة محاور، فبالإضافة إلى معسكر اعتقال النساء، هناك قصة حب بين بيروت ودمشق لا تلبث أن تصبح بمثابة تمرير مناظر فارهة بغية تحقيق شروط التسويق على حساب القصة المحورية التي حظيت باهتمام الشارع السوري، لما فيه من عرض حال لأول مرة لواقع عشرات النساء المختطفات في سجون الفاشيست الديني (داعش).
المشهدية المنقبضة والمكان الخطر وكمية العنف الزائدة تبدو اليوم من مفاعيل التسويق للدراما المنفية من معظم تلفزيونات العرب، لكنها في الأعمال الكوميدية تبدو أكثر استخفافاً بعقل المشاهد وذائقته. تجلى ذلك في الجزء الثاني عشر من مسلسل (بقعة ضوء) الذي شهد تراجعاً كبيراً على مستوى الأفكار التي ناقشها في لوحاته في العام الماضي (كتب معظمها شادي كيوان وسامر سلمان) فيما توقفت شركة (سما الفن) عن إنتاج جزء جديد منه بعد تدني مستوى لوحاته، خصوصاً لوحات (سيفون) التي كتبها وقام بأدائها الممثل أيمن رضا، مفتتحاً نوعاً جديداً من (دراما المرحاض) والتي يقضي فيها رجل خمسيني مذعور أيامه ولياليه في الحمّام لتسجيل اعترافات أمام كاميرا منزلية، لا يلبث أن يقوم بمسحها بعد جلسات التصوير، خوفاً من تعرضه للمساءلة.
فكرة قد تكون مناسبة لفيلم روائي قصير، لكن لا طاقة على مطّها في ثلاثين لوحة وفق سطحية النصوص المكتوبة لها، ناهيك عن لوحة ( ترامبو- تأليف ديانا فارس) التي تطرقت للانتخابات الرئاسية الأمريكية ببطولة (سلوم حداد)، لتكون هذه اللوحة مجرد (تنكيت) وتقليد لكاركتر قاطن البيت الأبيض دونالد ترامب وخصمه (هيلاري كلينتون- أدى الدور وفاء موصللي) لوحة لم تبلغ شكل الكباريه السياسي، كما أنها لم تتعد التهريج في مستوياته الدنيا، كما كان الحال مع استعادة لوحة (أم سعيد الرز) التي بدت في هذا الجزء باهتة وبعيدة عن الصدمة التي حققها مؤلفها ومؤديها ( أيمن رضا) في الجزء الثاني عشر من مسلسل ( ياناس خلوني بحالي).
أعمال كثيرة لم تحظَ هذا الموسم بفرصة العرض من مثل (سايكو) لأمل عرفة و (ترجمان الأشواق) لمحمد عبد العزيز، و (فوضى) لسمير حسين و( هوا أصفر) لأحمد إبراهيم أحمد و(الغريب) لمحمد زهير رجب، حيث لم تحظَ هذه الأعمال بفرصة عرض مناسبة على قنوات الخليج، وذلك بعد عرض معظمها على الرقابة في محطات خليجية بارزة فضلت استبعادها عن خارطة البث الخاص بها للالتحاق بسوق الفرجة الرمضانية القادم، بينما تستمر شركات ذات رؤوس أموال غامضة في إنتاج أعمال غاية في السخف والاستهانة بذكاء المشاهد، من مثل (جنان نسوان) و (غضبان) و(سنة أولى زواج – قررت الشركة إنتاج جزء ثانٍ منه) الأعمال التي ضربت عرض الحائط بألف باء الكتابة والإخراج والتمثيل، مورطةً ممثلة مثل ديمة قندلفت في المشاركة ببطولتها.
يبقى (الرابوص) لمخرجه إياد نحاس وكاتبه سعيد خناوي خطوة جريئة في خلق عوالم غرائبية لم يتوفر لكوادرها ذات الأجواء المريبة سيناريو قادر على سرد حكاية شخصياته المأزومة والخائفة، مثله في ذلك مثل (حكم الهوى) لمخرجه محمد وقاف، والذي عانى النص الذي كتبته ريما عثمان له من هنات عديدة وضعف في معالجة قصص الحب التي روتها عبر ثلاثيات كررت ثيمات درامية تم تناولها في أعمال مشابهة على نحو: (أهل الغرام) و (سيرة الحب) وسواها من مسلسلات الحيارى والعشاق والضائعين، بعيداً عن زمن الحرب وويلاتها، وبانسلاخ تام عن ظروف الحياة تحت القذائف والصواريخ وعلى مقربة من السيارات المفخخة، حيث تبدو الحياة بلون وردي مع إقحام بيروت على حكاية بعض الثلاثيات، من أجل الدخول في وصفة ما يسمى (البان آراب) وسواها من بدائل الوحدة والسوق العربية المشتركة في الدم والمسلسلات.
بالمقابل فضل آخرون الاتجاه إلى خيار مسلسلات (النت فليكس) والعرض مباشرة عبر اليوتيوب، حيث حظي مسلسل (بدون قيد) لكاتبه زاهي وهبي ومخرجه أمين دره بمتابعة لافتة على موقع الفيديو العالمي، مقتحماً محظورات رقابية عديدة، لكن دون الاشتباك فعلياً مع البنية الاجتماعية السورية الراهنة، زاد في ذلك التقتير في الإنتاج المرصود للمسلسل. على عكس مسلسل ( المهلب بن أبي صفرة) الذي أعاد ذكرات المسلسلات التاريخية السورية عن نص لمحمد البطوش وإخراج الأردني محمد لطفي، مستعيداً سيرة أحد ولاة الأمويين، بينما يشهد مسلسل ( هارون الرشيد) لمؤلفه عثمان جحا ومخرجه عبد الباري أبو الخير نكوصاً نحو العصر العباسي عبر تقديم خفايا من شخصية ملك الشرق القديم، وبميزانية قدمها تلفزيون أبو ظبي بالشراكة مع شركة (غولدن لاين) كمنتج منفذ للعمل الذي يضم العديد من ممثلي الصف الأول بين نجومه. بادرة ينظر إليها البعض بعين الريبة، ففي الوقت الذي تمتنع فيه المحطات العارضة عن تقديم الأعمال السورية على شاشاتها لاسيما التي تختص بالحرب، تقدم هذه المحطات على تمويل مسلسلات تاريخية ذات سياق ديني رجعي، مما يطرح أسئلة مجدداً عن الأجندة التي تقف خلف إعادة تكريس العصور الإسلامية على مساحة الفرجة العربية!
بواسطة Hamad Al-Mahameed | أبريل 30, 2018 | Cost of War, غير مصنف
طيلة أكثر من خمس سنوات مضت والعجوز السبعينية “أم. ش” لم تفقد الأمل بالعودة إلى منزلها في “مخيم اليرموك” للاجئين الفلسطينيين، لكن أصوات الانفجارات العنيفة المستمرة الناجمة عن حملة النظام ضد تنظيمي “داعش” و”هيئة تحرير الشام”، في منطقة جنوب دمشق أطاحت بأملها وجعلته مجرد حلم.
العجوز الفلسطينية التي فضلت البقاء في بيتها بعد خروج المخيم عن سيطرة النظام، أجبرت على النزوح إلى بلدات ريف دمشق الجنوبي الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، إثر سيطرة تنظيم داعش عليه، وتراقب حاليا باستمرار من على أحد أسطح الأبنية الغارات والصواريخ التي تستهدف المخيم.
وبلهجة فلسطينية مترافقة مع توتر كبير تقول العجوز: “راح .. راح.. خيّا ما بقي شي (لم يبق شيء).. ما بقي لا بيوت ولا شوارع.. راح المخيم…”، وتضيف “وين (أين) ترجع الناس.. وين (أين) تقعد خيّا على الردم…!”
وفي التاسع عشر من ابريل (نيسان) الجاري، وفي إطار مساع لتأمين دمشق ومحيطها، بدأ النظام وحلفاؤه حملة عسكرية لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته في جنوب دمشق، واستهدفت مسلحي تنظيمي «داعش» و«هيئة تحرير الشام» في منطلق سيطرتهما، وذلك بعد إغلاق ملف وجود المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية لدمشق.
وتعتبر مناطق جنوب دمشق الخارجة عن سيطرة النظام مع منطقة القلمون الشرقي التي باتت مراحل تنفيذ اتفاقات التهجير لمقاتلي المعارضة في نهاياتها آخر معقلين تسيطر عليهما المعارضة المسلحة و”داعش” و”تحرير الشام” في محيط العاصمة دمشق، بعد استعادة النظام وحلفائه السيطرة على معظم مدن وبلدات الريف الدمشقي وتهجير مقاتليها وأعداد كبيرة من سكانها.
وتشكل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في جنوب دمشق كتلة من البلدات والأحياء متجاورة فيما بينها، منها ما يتبع إدرايا لمحافظة دمشق، ومنها لمحافظة ريف دمشق، وتسيطر على بعضها فصائل معارضة مسلحة، على حين يسيطر تنظيمي “داعش” و”تحرير الشام” على القسم الآخر منها.
ويسيطر “داعش” على كامل ناحية “الحجر الأسود” التابعة لمحافظة ريف دمشق وعلى أجزاء واسعة من “مخيم اليرموك” التابع لمحافظة دمشق ويعتبر المدخل الجنوبي للمدينة وعلى القسمين الجنوبي من حي “التضامن” والشرقي من حي “القدم”، بينما تسيطر فصائل المعارضة على منطقة بلدات “يلد” و”ببيل” و”بيت سحم”، التابعة إدارياً لريف العاصمة، وتقع في الجهة الجنوبية الشرقية من العاصمة.
ومضات أمل
النازحون من تلك المناطق إلى أحياء سيطرة النظام في وسط العاصمة وأطرافها وإلى بلدات ريف دمشق الجنوبي الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، انتعش الأمل لديهم بالعودة إلى منازلهم مع توقعات للنظام وحلفائه قبيل الحملة، أفصحت عنها قيادات في فصائل فلسطينية تقاتل إلى جانبه، ومفادها أن المعركة هناك “لن تكون صعبة وستستغرق أياما معدودة فقط”، وأن ما سيحصل هو سيناريو مشابه لما حصل في مدن وبلدات وقرى الغوطة الشرقية من اتفاقات أفضت إلى تهجير مقاتلي المعارضة وعوائلهم إلى شمال البلاد، بعد أيام قليلة من بدء الحملة العسكرية هناك.
لكن مهلة 48 ساعة منحت ل”داعش” للخروج انتهت وبدأ النظام وحلفاؤه في التاسع عشر من ابريل (نيسان) الجاري قصفاً جوياً وصاروخياً ومدفعياً عنيفاً لتلك المناطق وهو مستمر حتى اليوم وينجم عنه بشكل يومي انفجارات عنيفة يسمع صوتها بوضوح في الأحياء المجاورة لمناطق سيطرة “داعش” و”تحرير الشام” من الجهة الجنوبية.
(س.م) من أبناء المخيم، وخلال تبادل للحديث مع أشخاص يقفون أمامه وإلى جانبيه، يركز بصره إلى أجواء المنطقة الجنوبية، ويشير إلى سحب الدخان والغبار الكثيفة التي تغطيها والمنبعثة من المباني في المخيم و”الحجر الأسود” من جراء استهدافها، ويقول بحسرة “لم يبق حجر على حجر”، لكن أحد من يتبادل الحديث معهم وفي محاولة للتعالى على جسامة ما يجري، يقول: “متل (كما) عمرناه في السابق بنرجع نعمروا.”
ذكريات
ويعتبر “مخيم اليرموك” من أبرز مناطق جنوب العاصمة الخارجة عن سيطرة النظام ويتبع إدارياً محافظة دمشق ويشكل بوابة العاصمة من الجهة الجنوبية، ويقع على بعد أكثر من سبعة كيلومترات جنوب دمشق، وتصل مساحته إلى نحو كيلومترين مربعين. ويحده من الجهة الجنوبية “الحجر الأسود”، ومن الجهة الغربية حي “القدم” ومن الشرق حي “لتضامن” ومن الشمال منطقة “الزاهرة”.
وأنشئ “مخيم اليرموك” عام 1957 على بقعة زراعية صغيرة، ومع مرور الزمن تحول إلى أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا ودول الجوار، وراح اللاجئون يحسّنون مساكنهم ويشيدون الأبنية الطابقية لتتسع للعائلات الكبيرة والمتنامية، وبات كمنطقة حيوية تستقطب السوريين من الريف للعيش فيها، لقربها من دمشق، ووصل عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه قبل الحرب الى ما يقارب 200 ألف لاجئ من أصل نحو 450 الف لاجئ في عموم سورية علما بأنه يوجد في سوريا وحدها خمسة عشر مخيما تتوزع على ست مدن. حتى لُقّب ب”عاصمة الشتات الفلسطيني”.
وإلى جانب اللاجئين الفلسطينيين كان يعيش في “مخيم اليرموك” نحو 400 ألف سوري من محافظات عدة.
وتسارع التطور العمراني في المخيم في بدايات القرن العشرين وتحسنت الخدمات بشكل ملحوظ فيه، وتم افتتاح العديد من المراكز والمؤسسات الحكومية والأسواق التجارية لدرجة بات منطقة حيوية جدا أكثر من أحياء وسط العاصمة التي استقطب تجارها لفتح فروع لمحالهم التجارية فيه للاستفادة من الكثافة السكانية وجني أكبر قدر ممكن من الأرباح في أسواق باتت الأكبر والأكثر حيوية في العاصمة السورية.
وكان سوق شارع اليرموك الرئيسي للألبسة والأحذية والصاغة والمفروشات والمأكولات الجاهزة من أهم أسواق المخيم، حيث كانت العديد من محاله تفتح على مدار اليوم، بينما يعتبر سوقا شارع لوبية وصفد من أهم أسواق الألبسة الجاهزة، على حين كان سوق الخضار في شارع فلسطين من أكبر أسواق العاصمة ويؤمه الدمشقيون من معظم أحياء العاصمة.
وبمجرد الوصول إلى “مخيم اليرموك”، والدخول في شارع اليرموك الرئيسي من مدخله الشمالي كان المرء يواجه سيلاً بشرياً تتزاحم أقدامه على الأرصفة لإيجاد مكان لها وتتقدم ببطئ كالسلحفاة، في وقت لا يختلف المشهد في سوقي لوبية وصفد حيث يبدو الشارعان والمحلات أكثر اكتظاظا، لدرجة أن الكثيرين كانوا يصفون المشهد هناك بـ”يوم الحشر”.
وإن كان سر الإقبال على أسواق “مخيم اليرموك” من قبل الباعة، هو استثمار الاكتظاظ السكاني الكبير فيها، بطرح البضائع بأسعار أقل مما هي عليه في أسواق أخرى وفق أسلوب “ربح أقل وبيع أكثر”، فإن إقبال المواطنين عليها من كل حدب وصوب كان سببه تنوع المعروضات وأناقة المحال والعاملين فيها والأهم من كل ذلك تدني الأسعار عما هي عليه في أسواق وسط العاصمة.
“اليرموك” الذي يحمل رمزية لحق عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها عام 1948، حلت النكبة به عندما أطلقت طائرات النظام ثلاثة صواريخ عليه في 16 ديسمبر (كانون الأول) 2012 حيث قتل وأصيب عشرات المدنيين، ونزح أكثر من 90 في المائة من سكانه، وذلك عقب سيطرة فصائل “الجيش الحر” عليه.
وانتهى المطاف بالمخيم بسيطرة “داعش” على الجزء الأكبر منه في أبريل (نيسان) عام 2016 إثر هجوم عنيف على “تحرير الشام” في أماكن وجودها هناك ومحاصرتها في جيب صغير في غربه، بعد أن كانت الأخيرة انتهت بالتعاون مع “داعش” من وجود فصائل “الجيش الحر”.
ومع سيطرة “داعش” الذي يصل عدد مسلحيه في مناطق سيطرته بجنوب دمشق الى نحو 2000 مسلح على “اليرموك” نزح كثير من المدنيين من المخيم إلى مناطق سيطرة “الجيش الحر” في “يلدا” و”ببيلا” و”بيت سحم”، ولا يتجاوز عدد الباقين فيه 4 آلاف مدني.
العديد من أهالي المخيم والتجار الذين كانوا فيه يستبعدون عودة الوضع إلى المخيم إلى ما كان عليه قبل الحرب، بعد كل هذا القصف والمعارك الجارية هناك، ويقول أحد التجار “الأمور تغيرت كليا… قد تمسح المنطقة بشكل كامل ويعاد بناؤها. الماضي بات ذكرى ليس إلا!”
معقل الدواعش
وإن كان “مخيم اليرموك” من أهم المناطق في جنوب العاصمة التي يسيطر على أجزاء كبيرة منها تنظيم داعش، فإن ناحية “الحجر الأسود” التابعة إداريا لمحافظة ريف دمشق، وتقع جنوب العاصمة، وتبعد عن مركز المدينة نحو 7 كيلومترات، تعتبر المعقل الرئيس له ذلك أنه يسيطر عليها بالكامل.
ويتركز حاليا قصف النظام وحلفاؤه على الناحية كونها تحتوي مراكز قيادات التنظيم ومقر إقامة معظم مسلحيه وغرف عملياته ومستودعات الذخيرة والمواد الغذائية.
وتحاذي الناحية من الجهة الشمالية القسم الجنوبي من “مخيم اليرموك”، ويحدها من الجنوب بلدة سبينة، ومن الغرب حي “القدم” الدمشقي، ومن الشرق بلدة “يلدا”، ووصل عدد سكانها قبل الحرب الى نحو 60 ألفاً، أغلبهم من نازحي هضبة الجولان التي نزحوا منها عام 1967، إضافة إلى خليط من كثير من سكان المحافظات السورية ومن اللاجئين الفلسطينيين.
وفي بداية الثورة، تم الإعلان عن تشكل فصائل مسلحة في “الحجر الأسود” تتبع لـ”الجيش الحر”، منها “لواء الحجر الأسود” و”صقور الجولان” وتكونت في غالبيتها من نازحي الجولان، ليطغى بعد ذلك حضور فصائل متشددة على حساب “الجيش الحر” الذي انتهى وجوده بتفكك مجموعاته أو الاندماج مع تنظيم “داعش” أو “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام لاحقا).
وبسبب الصراع على النفوذ بين “النصرة” و”داعش” تمكن الأخير من طرد “النصرة” إلى “مخيم اليرموك”، وسيطر بمفرده على “الحجر الأسود” الذي بات معقله الرئيس في جنوب العاصمة.
جزءان من حيين
كما يسيطر “داعش” على العديد من الجادات في القسم الجنوبي من حي “التضامن” الدمشقي الذي يحاذيه “مخيم اليرموك” من الغرب وبلدة “يلدا” من الشرق والجنوب، بينما تحده من الشمال منطقة “حي الزهور»”.
وسيطر “الجيش الحر” في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، على هذا الجزء من الحي مما أدى إلى نزوح غالبية سكانه، على حين بقي الجزء الشمالي منه تحت سيطرة جيش النظام وميليشياته وشكل منطلقا للهجمات ضد الفصائل المعارضة في الجادات الجنوبية.
وكانت أعداد قاطنيه قبل بداية الحرب نحو 200 ألف ومعظهم من نازحي هضبة الجولان ومن محافظات أخرى.
وشكل المنحدرون من محافظات درعا ودير الزور وإدلب اللذين يتجمعون في الجادات الجنوبية من الحي ، نواة الحراك السلمي في عامه الأول. وعمد النظام إلى تدمير منازل الأهالي بشكل شبه كامل في حي زليخة التابع إداريا لبلدة “يلدا” ويحاذي الجادات الجنوبية من الحي من الجهة الشرقية.
وبعد سيطرة تنظيم داعش على القسم الأكبر من مخيم اليرموك أبريل عام 2016، قام أيضا بالسيطرة على الجادات الجنوبية من حي «التضامن»، بينما تراجعت الفصائل التي كانت توجد فيها إلى بلدات “يلدا” و”ببيلا” و”بيت سحم”، حيث تسيطر فصائل إسلامية وأخرى من “الجيش الحر”.
إضافة إلى ذلك يسيطر تنظيم “داعش” على الجزء الشرقي هي حي “القدم” وهو من الأحياء الدمشقية العريقة، ويقع إلى الجنوب من العاصمة، ويحده شمالا حي “الميدان” وجنوبا بلدة “سبينه”، وغربا مدينة “درايا” وشرقا “الحجر الأسود”، بينما يسيطر النظام على القسم الغربي منه.
ويفصل بين القسمين طريق دمشق – درعا الدولي القديم، وسيطر “الجيش الحر” على معظم القسمين في بداية الثورة، إلا أن النظام تمكن لاحقا من استعادة السيطرة على القسم الغربي.
وسيطر التنظيم على القسم الشرقي من الحي في مارس (آذار) الماضي ، إثر هجوم شنه على قوات النظام بعد محاولاته السيطرة عليه في أعقاب اتفاق «تسوية» مع الفصائل تم بموجبه تهجير المقاتلين وعوائلهم من الحي إلى شمال البلاد.
ومن ضمن مناطق الجنوب الدمشقي الخارجة عن سيطرة النظام منطقة بلدات “يلدا” و”ببيلا” و”بيت سحم”، التابعة إدارياً لريف العاصمة، وتقع في الجهة الجنوبية الشرقية من العاصمة، ويحدها من الشمال «مخيم اليرموك» و”حي التضامن”، ومن الجنوب منطقة “السيدة زينب” التي تسيطر عليها ميليشيات إيرانية، ومن الشرق غوطة دمشق الشرقية، ومن الغرب ناحية “الحجر الأسود”.
وتسيطر على هذه المنطقة التي تصل مساحتها إلى نحو أربعة كيلومترات مربعة، فصائل إسلامية وأخرى من “الجيش الحر”، ويتوقع أن تشهد احتمالاً مشابهاً لما حصل في كثير من المناطق من تهجير قسري للمقاتلين وعوائلهم.
بواسطة Syria in a Week Editors | أبريل 30, 2018 | Media Roundups, Syria in a Week, غير مصنف
إجلاء أخير قرب دمشق
٢٩ نيسان/ابريل
توصلت دمشق الى اتفاق مع فصائل معارضة لإخراج مقاتليها من جنوب العاصمة السورية قرب موقع شهد عملية لقوات الحكومة السورية ضد عناصر تنظيم “داعش”. وجاء الإعلان بعد أكثر من أسبوع على الهجوم لإخراج عناصر “داعش” من أحياء في جنوب العاصمة بينها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. وأعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) الأحد التوصل إلى اتفاق لإجلاء مقاتلي المعارضة وأفراد عائلاتهم من مناطق خاضعة لسيطرتهم شرق اليرموك.
وتحدثت عن معلومات عن التوصل لاتفاق بين الحكومة السورية والمجموعات المسلحة جنوب دمشق في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم بضمانة الجيش الروسي. وذكرت أن “الاتفاق ينص على اخراج من يرغب بالخروج من المقاتلين مع عائلاتهم فيما تتم تسوية أوضاع الراغبين بالبقاء بعد تسليم أسلحتهم.” والاتفاق هو الأخير من نوعه ضمن سلسلة مشابهة سيطر النظام بموجبها على مناطق قرب العاصمة عقب انسحاب مقاتلي المعارضة.
وسيسمح اتفاق من هذا النوع في محيط يلدا للنظام بنشر قواته على الأطراف الشرقية لليرموك بعدما تقدمت وحدات أخرى نحو المخيم من الجهة الغربية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأفاد المرصد أن 85 من عناصر النظام و74 مقاتلا من تنظيم الدولة الإسلامية لقوا حتفهم خلال عشرة أيام من المعارك في جنوب دمشق.
“الضامنون” الثلاثة
٢٨ نيسان /ابريل
انهى وزراء خارجية روسيا وتركيا وايران السبت اجتماعا لهم في موسكو استغرق بضع ساعات سادته اجواء توافق، وشددوا على اهمية محادثات استانة للدفع نحو تسوية سياسية للنزاع في سوريا.
وعقد وزراء الخارجية الروسي سيرغي لافروف والتركي مولود تشاوش اوغلو والإيراني محمد جواد ظريف اجتماعات ثنائية وثلاثية في موسكو، واكدوا في مؤتمر صحافي مشترك في نهاية هذه المحادثات على توافق وجهات نظرهم من الازمة السورية.
وترعى روسيا وإيران الداعمتان للنظام السوري، وتركيا الداعمة لفصائل معارضة سورية، محادثات استانة التي أتاحت خصوصا إقامة أربع مناطق لخفض التوتر في سوريا.
وقال لافروف إن “الحوار السياسي في استانة حقق نتائج” اكثر من المسارات التفاوضية الاخرى، مؤكدا ان محادثات استانا “تقف بثبات على قدميها” بفضل التعاون “الفريد” بين الدول الثلاث. وشدد لافروف على انه “لدى تركيا وروسيا وايران، رغم بعض الاختلافات، حرص مشترك على مساعدة السوريين.”
“اس-٣٠٠” و “براغماتية”
٢٨ نيسان/ابريل
صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الجمعة في واشنطن أن وجود روسيا في سوريا لا يثير استياء إسرائيل لان موسكو طرف “براغماتي” يبقى من الممكن التوصل إلى اتفاق معه.
وقال ليبرمان ردا على أسئلة حول التحالف بين موسكو وطهران حاليا في سوريا، خلال منتدى نظمه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “من المهم أن نفهم شيئا وهو أن الروس لاعبون شديدو البراغماتية.”
وأضاف وهو نفسه من أصل روسي “إنهم في نهاية المطاف أشخاص منطقيون، ومن الممكن التوصل إلى اتفاقات معهم، ونحن نتفهم مصالحهم.” وأوضح أن “مصالحهم مختلفة للغاية عن مصالحنا، لكننا نحترم أولوياتهم، نحاول تفادي الاحتكاكات المباشرة والتوتر.”
وأدلى ليبرمان بتصريحاته بعد يومين على نشر موقع “واي نت” الإخباري مقابلة معه هدد فيها بمهاجمة منظومة الدفاع الجوي المتطورة الروسية من طراز “إس 300 ” التي تعتزم موسكو تزويد القوات السورية بها، في حال استخدامها ضد أهداف إسرائيلية.
ووقعت موسكو في 2010 اتفاقا مع دمشق نص على تسليمه بطاريات دفاع جوي إس 300 لكن دمشق لم تتسلم بعد هذه الصواريخ ولا سيما بسبب ضغوط إسرائيلية، حسبما أوردت صحيفة “كومرسانت” الروسية.
“مسرحية” في لاهاي
٢٧ نيسان/ابريل
نددت ممثلو دول غربية عدة في منظمة حظر الاسلحة الكيماوية بما اعتبروه “مهزلة فاضحة” اعدتها روسيا، عندما حضر وفد سوري الى لاهاي ليؤكد بانه لم يحصل اي هجوم كيماوي على مدينة دوما قرب دمشق.
وحسب هذا الوفد السوري الذي اخذ الكلام امام ممثلين عن منظمة حظر الاسلحة الكيماوية في لاهاي بمشاركة السفير الروسي في لاهاي الكسندر شولكين، فإن الهجوم الكيماوي المفترض على دوما في السابع من نيسان/ابريل لم يكن اكثر من تمثيلية.
ونددت بريطانيا وبعدها فرنسا والولايات المتحدة وعدد اخر من دول الاتحاد الأوروبي بشكل واضح بمداخلات الوفد السوري. وقال السفير البريطاني لدى المنظمة بيتر ويلسون في بيان “ان منظمة حظر الاسلحة الكيماوية ليست مسرحا. ان قرار روسيا باستخدام المنظمة زورا يشكل محاولة جديدة لنسف عملها.”
من جهته وصف السفير الفرنسي لدى المنظمة فيليب لاليو مداخلة الوفد السوري ب”المهزلة الفاضحة” من اعداد النظام السوري “الذي يقتل ويستخدم الغاز ضد شعبه نفسه منذ اكثر من سبع سنوات.” وانتشرت صور عن دوما بشكل واسع يظهر فيها رجال ونساء واطفال وهم يرشون بالماء اثر الهجوم الكيميائي المفترض.
ومما قاله السوري خليل الذي قدم على انه طبيب من دوما خلال مؤتمر صحافي عقد في احد فنادق لاهاي مع عشرة اشخاص اخرين “قام مجهولون بزرع الفوضى ورش الماء على الناس (…) رأينا تماما بانه لم تكن هناك عوارض على الناس عن استخدام للسلاح الكيماوي.”
مصادرة أملاك المهاجرين
٢٧ نيسان/ابريل
قوبل مرسوم للرئيس السوري بشار الأسد، قضى بمصادرة أملاك اللاجئين السوريين، باستياء من الحكومة الألمانية.
وذكرت صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية الصادرة الجمعة استنادا إلى بيانات وزارة الخارجية الألمانية أن الحكومة الألمانية تعتزم التشاور مع شركاء الاتحاد الأوروبي حول “كيفية التصدي لهذه الخطط الغادرة” وجاء في بيان للوزارة: “بقلق كبير نتابع محاولات نظام الأسد التشكيك عبر قواعد قانونية مريبة في حقوق الملكية لكثير من السوريات والسوريين الفارين.”
وذكرت الوزارة أن نظام الأسد يحاول على ما يبدو “تغيير الأوضاع في سورية على نحو جذري لصالح النظام وداعميه وتصعيب عودة عدد هائل من السوريين”. وبحسب تقرير الصحيفة، تحث الحكومة الألمانية على تبني الأمم المتحدة لهذه القضية، وجاء في بيان الوزارة: “ندعو داعمي نظام الأسد، وروسيا في المقام الأول، على نحو حثيث إلى الحيلولة دون تطبيق هذه القوانين.”
ووقّع الأسد مطلع نيسان/أبريل الجاري مرسوما يتيح للحكومة السورية وضع خطط تنمية عقارية. ويلزم المرسوم مالكي المنازل بتقديم ما يثبت ملكيتهم للعقارات في غضون ٣٠ يوما، وإلا فإنهم سيخسرون ملكية هذه العقارات، وتصادرها الدولة. ومن الصعب على العديد من اللاجئين السوريين، الذين فروا من نظام الأسد، تنفيذ هذه القواعد حاليا.
تراجع المساعدات
٢٥ نيسان/ابريل
قال مارك لوكوك، منسق شؤون الإغاثة بالأمم المتحدة، الأربعاء، إن الدول المانحة تعهدت بتقديم ٤.٤ مليار دولار لمساعدة الشعب السوري والمنطقة خلال العام الجاري، في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة إلى سد فجوة التمويل التي تصل إلى أكثر من ستة مليارات دولار.
وشارك المؤتمر، الذي استضافه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في بروكسل، أكثر من ٨٠ وفداً رفيع المستوى بهدف حشد الدعم المالي لسوريا. وأشار لوكوك إلى أن الكثير من الدول المانحة الكبيرة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، لم تستطع تأكيد تعهداتها بالنسبة للعام الجاري بسبب مسائل تتعلق بالميزانية الداخلية. وأوضح لوكوك أنه على الرغم من النقص في التمويل، “ليس هناك شك في أنه بدون عقد مؤتمرات كهذه وبدون التمويل الذي نضمنه، ستكون الأمور أسوأ بكثير.”
كما هدف المؤتمر، الذي تم تمثيل معظم القوى العالمية والإقليمية الرئيسية فيه ،إلى بث حياة جديدة في عملية السلام المتوقفة التي تقودها الأمم المتحدة. ودعت منسقة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إيران وروسيا، الحليفتين الرئيسيتين للحكومة السورية، إلى “ممارسة الضغط على دمشق، حتى تقبل الاجتماع على طاولة (المفاوضات) تحت رعاية الأمم المتحدة.”
وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، ستيفان دي ميستورا، الذي يحاول التوسط من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الصراع، إنه أيضا لم يتوقع حدوث انفراجة نتيجة للمؤتمر٫ لافتا الى ان المكاسب العسكرية للحكومة السورية لن تنعكس سياسيا على مائدة المفاوضات.
بواسطة Mohammad Darius | أبريل 28, 2018 | Reports, غير مصنف
الجميع يتحدث عن الحلّ السياسي، جارتي وابنة خالي وبائع الشاورما والصيدلانية، المحلّل والمغنّية ولاعب كرة القدم. عندما كانت البيوت تنهار على رؤوس قاطنيها والقذائف المتفجّرة تمزج الاسمنت البارد باللحم الحي، قالوا: الحلّ سياسي. عندما دخلت المجاميع الطائفية من كل مرتفعٍ ومنحدرٍ لتتناحر على سنتمترات مقدسةٍ أو مراقد غامضة لموتى غامضين، قالوا: الحلّ سياسي. عندما انتقل الصديق الإيراني بفيض أعلامه وشعاراته، عندما أرسل الحليف الروسي الرصين طائرات السوخوي، عندما اقتطع حصّة لجنده يقيمون فيها ملاعبهم وباراتهم، قالوا: الحل سياسيّ. عندما أطلقت أميركا صواريخها المعدودة جيداً، عندما تدخّلت إسرائيل، عندما ارتعدت، عندما دخل الذئب التركي باتفاق سرّي، عندما تأمل الكرد، عندما هُزموا، عندما اتفقت ضباع الخليج، عندما اختلفت، عندما نمنا على حرير الــ (خلصت) واستيقظنا على صوف المؤامرة، عندما أصبحنا نشتري بالدولار خضارنا المزروعة على الشرفات وعلى أسطح عارية ونبيع أطفالنا وأخوتنا بالفرنك، عندما متنا خفافاً على مذبح الحرب الأهلية قالوا: لا حلّ إلا بالسياسة.
حسناً ما هي هذه السياسة التي صدعوا رأسنا فيها؟ وما هو هذا الحلّ السياسي الذي يقتنع الجميع بجدوى تناوله ساخناً ولا يفعل شيئاً لوضعه على الطاولة؟
بل ما هو العمل السياسي لشعبٍ يخاف من التلفظ بكلمات مثل رأي وحرية تعبير؟
في مُنْتَزَعٍ من صفحات التاريخ السوري، صفحة أو صفحة ونصف تدعى الوحدة السورية المصرية، ويطيب لمؤرخي العنجهية والتعنّت القومي وضع ما قاله الرئيس السوري شكري القوتلي آنذاك للزعيم المصري عبد الناصر، موضع الفخر والتبجّح: “أنت لا تعرف ماذا أخذت ياسيادة الرئيس؟ أنت أخذت شعبا يعتقد كلّ من فيه أنه سياسي، ويعتقد خمسون في المائة من ناسه أنهم زعماء. ويعتقد 25 في المائة منهم أنهم أنبياء، بينما يعتقد عشرة في المائة على الأقل أنهم آلهة.”
وفي مُنْتَزَعٍ آخر، غير بعيدٍ عن التاريخ الحالي، راجت تلك المقولة التي دوّخت الطيور في السماء والأسماك في البحر، المقنوصة من فيض الإيمان والمرفوعة على أنقاض الثقة بالنفس: “سوريا الله حاميها”.
إذن، لقد عرفنا ماذا تعني السياسة للحكّام، لكن لم نعرف بعد ماذا تعني للسوريين؟
اعتزل السوريون السياسة منذ أن قرّر النظام الوليد في 1963 أنها من أهم أسباب وجع الرأس وأن ممارستها تُورث أمراضا مستعصية أقلّها ألم المفاصل والسل وباقي الأمراض المرتبطة بالأقبية المعتمة والكرسي الألماني والدولاب وأنّ من الأفضل والحال كذلك أن يبتعد عنها السوريون إنقاذا لأعمارهم، ودخلت عندها القفص المحرّم وأصبحت ثالثة الأثافي.
السياسة في سوريا تعني ببساطة معاداة إسرائيل وأميركا والإيمان بأن الوحدة العربية حلّ مثالي لكوارث مثالية؛ وترديد الشعار كل صباح، الشعار الذي يعني أن لا أحد في المنزل وعلى الحبيب الإسراع لاقتناص الفرصة؛ ومعاداة الإمبريالية على المنابر والتحالف مع معطياتها سرّا، والتلويح بالاشتراكية في الأغاني وتوزيع الحصص على الشركاء المخلصين.
كان الحزبي بمرتبة عضو عامل يعتبر سياسياً، فما بالك بمن يصبح أمين شعبة حزبية. كانت قراءة الصحف الوطنية اليتيمة ومتابعة الأخبار اليومية تحيط المرء بشبهة (المعرفة) وهي تهمة جاهزة لوطن يتجهّز. كنت أعْتبر شيوعياً لأن لدي صديقات إناث، ومعارضاً لأني أخرج مع أختي إلى السوق ولا أركل قطط الشارع. هذه هي السياسة في سوريا، سياسة خلف السياسة بمئات الأميال، سياسة منتزعة من السياسة، معقمة منها، سياسة تحيي إنجازات الحكومة وتلعن أعداءها المختلفين حسب الظرف. كانت القرارات تصنع بعيداً، في كوكب آخر، في دمشق التي هي أبعد من المشتري؛ فشكّلت لنا التلفزيونات اللبنانية صدمة لغوية ثم اجتماعية فسياسية: كيف يتحدثون بملء الفم عن الحرية والطائفة والجنس، عن المظاهرات والإضرابات، كيف يعارضون الرؤساء بل ويشتمونهم والشتائم الوحيدة التي نستطيع تحمّل كلفتها هي الموجهة ضد الأهل والرب. وحتى اليوم ما زلنا بمنأى عن السياسة، متطهرين من دنسها، بالرغم من اندفاع مئات الآلاف من السوريين في حرب طاحنة وتشكيل تحالفات سياسية المخبر نفعية الجوهر، محلية وإقليمية، وانغماس الجميع حتى قحف رؤوسهم في الشأن العام إلا أنهم بعيدون عن السياسة بعد السلاحف عن سباقات (الفورمولا وان)، وأكثرهم بعداً عن السياسة هو أكثرهم تعاطياً واستخداماً لها في لهاثه اليومي.
الدين والسياسة، الثورة والسياسة، الدين والثورة
في الأحداث التي رافقت الحراك الشعبي السوري بداية 2011 بدا وكأن السوريين قد اهتدوا إلى اللعبة التي غابت عنهم قرابة أربعة عقود، وبدأوا بتحسّس مواطئ أقدامهم إيذاناً بدخولهم معتركاً كان ممنوعاً عليهم الدنوّ منه. بدا وأنهم قد فطنوا إلى طريق المصنع الذي تخرج منه مصائرهم مغلفة وتحوي مدة الصلاحية الممنوحة، لكنها أيام فحسب فصلتهم عن إعادة تسليم ما ظنّوا أنه حيواتهم ومستقبلهم، مستقبل الأولاد والأحفاد ربما، إلى الخطاب الإسلامي المتشنّج والخارج أصلاً للمفارقة-من رحم السلطة، أعادوا بيمين الزهد ما أخذوه بيمين الاعتراض، ووجدوا أنفسهم في معضلة صعبة التحليل والتركيب. كان النظام لعقود خلت يتحكّم بأرواحهم، يضع الكلام، جاهزاً على ألسنتهم، والمشاعر منجزة في أفئدتهم، فآثروا تسليم مصائرهم إلى الشيوخ وارتاحوا من عبء السياسة المقيت. فاجأتهم الحرية واحتاروا ماذا يفعلون بكلماتٍ مثل حكم محلي، حرية رأي، حقوق، مواطنة، فقاموا برميها في كثافة اللحى العفنة وارتاحوا. وكان النظام يدرك المآل الذي سيصلون إليه سريعاً، ربما كان يضحك في سرّه، إذ أنه يعرف ما الذي أنتجته معاهده لتحفيظ القرآن وتسميع الموت، يعرف ما وراء الأكمة وتحتها؛ فانتصر فوراً على مستوى الحجّة النظرية والرأي العام قبل أن يسحقهم على المستوى العسكري؛ فالمتمردون أصلاً حفروا قبورهم بآيات شيطانية وبقي على النظام أن يردمها فحسب.
وعندما بحث النظام عمن يشرح موقفه، عن سياسيين محترفين يتكلمون باسمه لم يجد؛ فاستعان بمتحذلقي الأخوة الأشقاء في لبنان ثم ببعض بقايا يساريي السبعينيات والثمانينيات ليكونوا ناطقين باسمه، لكن أولئك باللغة المتخشّبة الخارجة من مناشر الأخ الأكبر لم يستطيعوا شرح المشروح أصلاً؛ فاسْتُكمل الوقت المتبقي للعروض التلفزيونية بمطربين شعبيين وممثلين درجة عاشرة ولاعبي كرة قدم، وبقي فقط أن يأتي براقصات الملاهي الليلية ليتحدثن عن نظرية المؤامرة بشفاه البوتوكس وعلكة الشيكلتس.
سيمضي وقت قبل أن يفطن جمهور الموالاة للمأزق العميق الذي وضعوا أنفسهم فيه؛ فهم بدورهم سلّموا مصائرهم للعسكر، كان الخوف أكبر من أن ينكروه والتهديد بالذبح أعظم من أن يتغاضوا عنه؛ فسلّموا مستقبلهم ومستقبل أطفالهم للنجوم المرفوعة على الأكتاف. وأيضا ضيّعوا الفرصة التي جاءتهم لارتكاب فعل السياسة المكروه، ما أن شعروا بأنهم موضوعون في “الحسابات” حتى ارتعبوا وذهبوا إلى أقصى الاعتزال، اعتزال المستقبل وليس اعتزال مهنة الموالاة.
ربما سيتعلّم السوريون في نهاية المطاف أن لا أحد يبقى للأبد مشغولاً عن مصيره، لا أحد ينخطف إلى هذا الحد وينأى بروحه عن ترتيباتها، ربما سيقدّرون معنى الحوار والاختلاف، معنى الحقوق والواجبات. رغم أن لا شيء يوحي بذلك حتى الآن، إلا أنهم وإن تعلموها فسيكون بالثمن الأغلى في التاريخ.
بواسطة Tarek Aziza | أبريل 28, 2018 | Roundtables, غير مصنف
اتسمت بدايات الثورة السورية بطابع مدنيّ سلميّ لا يمكن لأحدٍ إنكاره. الشهادات والمذكّرات التي دونّها ناشطون عن تفاصيل تلك المرحلة، تؤكّد أنّه خلال النقاشات والجدالات التي دارت بين النشطاء في أسابيع وأشهر الثورة الأولى، لم تلق فكرة العمل المسلّح قبولاً سوى لدى قلّة قليلة لا تكادُ تُلحظ في خضمّ ميل عام لدى الفئات الأوسع من شبّان وشابّات الثورة للتمسّك بسلميّتها. وقد تجسّد ذلك عبر ابتكارهم أشكالاً مختلفة للإفلات من قبضة المخابرات الحديدية، والتعبير عن الاحتجاج والعصيان المدني تأكيداً لاستمرارية الثورة.
غير أنّ توحّش أجهزة النظام القمعية في فضّ المظاهرات والاعتصامات السلميّة، ثم اتّباعها أسلوب اقتحام المدن والبلدات الثائرة، بما نتج عنه من تزايد كبير في أعداد الضحايا وتصاعد وتيرة الانتهاكات والمجازر المرتكبة بحقّ الأبرياء، أدّى بالعديد من الثائرين إلى محاولة الدفاع عن أنفسهم وعن عائلاتهم في وجه الحملات الأمنية، بما توفّر لهم من أسلحة فردية خفيفة أو بنادق صيد لم يندر أنّ سوريين كثر كانوا يمتلكونها قبل الثورة. هذا جعل من البحث في سبل مقاومة بطش النظام والتساؤل حول مدى نجاعة الوسائل السلمية لإسقاطه حديثاً حاضراً بقوّة، دون أن يعني ذلك تبنّي “العسكرة” شعبياً وقتذاك، ولم تكن مظاهر العنف والحالات الأولى لحمل السلاح من قبل بعض المحتجّين أكثر من “رد فعل” محدود، ليس له أيّ طابع “عسكري”، لكن إلى حين.
اتّجه تطور الأحداث في منحىً آخر مختلف خلال أشهر قليلة، وخاصّة في أعقاب تعمّد النظام الزجّ بالجيش في مواجهة الشارع المنتفض، إذ أدّى ذلك إلى “فرار” أعداد متزايدة من الضبّاط والجنود ممن رفضوا توجيه أسلحتهم إلى المدنيين العزّل، فآثروا “الانشقاق” عن الجيش والانحياز إلى الثورة الشعبية، مؤكّدين عزمهم على حماية المظاهرات السلمية من قوّات الأسد. حاول بعض العسكريين المنشقّين تنظيم صفوفهم وإيجاد صيغة تجمعهم، فتشكّل “لواء الضبّاط الأحرار” (أعلن عنه المقدم حسين هرموش في حزيران/ يونيو 2011)، ثم تلاه تأسيس “الجيش السوري الحر” (أعلنه العقيد رياض الأسعد في تموز/يوليو 2011).
في تلك الأثناء كان التسميات التي تُطلق على أيام الجمعة (الموعد الأسبوعي الرئيسيّ للمظاهرات الشعبية) ما تزال من الأهميّة بمكان، فهي إذ حملت رسائل سياسية مرتبطة بتطوّر مجريات الثورة، ساهمت في التعبير عن مواقف المتظاهرين حيناً، ودفعت بها في اتّجاهات معينة أحياناً. وجرت الإشارة أوّل مرّة إلى العسكريين المنشقّين في “جمعة أحرار الجيش” بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2011. يعكس مضيّ عدّة أشهر على إعلان تأسيس “الجيش الحر” قبل إطلاق اسمه على إحدى جُمع المظاهرات مدى تطوّر الموقف تجاهه في أوساط الثورة وجمهورها؛ ويمكن القول إنّه تحوّل من الفتور النسبيّ في البداية نظراً إلى الإصرار على السلمية رغم نزيف الدم، إلى الانتقال نحو شيء من الإجماع تجاهه، وفق ما عبّرت عنه تسمية مظاهرات الجمعة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011: “الجيش الحر يحميني”، وبعدها بستة أسابيع “جمعة دعم الجيش الحر”، ومثلها في 2 آذار/ مارس 2012 “جمعة تسليح الجيش الحر”.
مع تصاعد التأييد الشعبي للظاهرة الوليدة، وتنامي ظاهرة الانشقاق عن الجيش حتى بين الضباط من ذوي الرتب العالية (عميد، لواء)، اتّسعت رقعة المواجهات العسكرية ضدّ النظام، وخرج كثير من القرى والبلدات عن سيطرته، وبات “الجيش الحر” عنواناً عريضاً لا يندرج تحته العسكريون المنشقون فحسب، وإنما أصبح بإمكان أي مجموعة مسلّحة تقاتل النظام أن تضع نفسها تحت هذه التسمية الجاذبة. لاسيما وأنّ من عبّروا عنها وتحدّثوا باسمها في البدايات لم يخرجوا عن خطاب الثورة وشعاراتها الجامعة، من قبيل نبذ الطائفية والتأكيد على وحدة الشعب السوري والتطلّع إلى إقامة نظام ديمقراطي، على نحو ما أكّدته الوثائق التي أصدروها.
بدا أنّ أدواراً كبيرة تنتظر “الجيش الحر”، فبدأت الاتصالات من قبل جهات إقليمية ودولية، وظهرت أقنية للدعم على مختلف المستويات وجرت محاولات للتوسّع في عملية التنظيم ومأسسة العمل، لكنّ الدعم والتمويل جاءا بنتيجة سلبية، إذ سرعان ما دبّت الانقسامات والخلافات التي أرخت بظلالها على الواقع الميداني، فكلّ من الجهات الداعمة وجدت في هذا المعطى المستجدّ فرصةً للاستثمار وفق ما يخدم مصالحها، سواء كان استثماراً في مجموعات “الجيش الحر” نفسه، أو في فصائل ناشئة ذات توجّه إسلامي. فإنه ضمن تلك المعطيات، وبتحفيز من ممارسات النظام واستفزازاته ذات الصبغة الطائفية، تكاثرت الجماعات الإسلامية المقاتلة وانتشرت كالنار في الهشيم، حيث انجدلت إلى حدّ بعيد حالة العسكرة مع مشروع الأسلمة المستند إلى أرضيّة تبني جهات محسوبة على الثورة خطاباً دينياً طائفياً بدعم من قوى إقليمية، فضلاً عن جماعات متشدّدة أخرى كانت تراقب الوضع عن كثب وتتحيّن الفرصة الملائمة لكي تعلن عن نفسها صراحة، وتشرع في تنفيذ أجنداتها “الجهادية”.
أعراض التشرذم والانقسامات التي بدأت تظهر على “الجيش الحر” في النصف الثاني من عام 2012 وجدت صداها في المظاهرات وتسميات أيام الجمع، فحمل اثنان منها شعارات تعكس رفض الشارع لتلك الحالة، هما “جمعة بوحدة جيشنا الحر يتحقق النصر” في 17 آب/ أغسطس 2012، و”جمعة توحيد كتائب الجيش السوري الحر” في 28 أيلول/ سبتمبر 2012. لكنّ الرفض الشعبي وحده ما كان ليحول دون تفاقم فوضى السلاح والفصائلية المقيتة، وغاب اسم “الحر” كلياً عن تسميات الجمع في العامين الثالث والرابع للثورة (2013 – 2014)، بل إنّ “جيوشاً” أخرى حلّت محله في بعض جمع العام الخامس، حيث حمل يوم الجمعة 3 نيسان/ أبريل اسم “جيش الفتح” ومثله في 8 أيار/ مايو لكن بصيغة “جيوش الفتح”!
كل ما سبق يؤكّد وجاهة التقسيم المنهجي الذي يأخذ به كثير من الباحثين، للتمييز بين المرحلة الممتدة منذ تأسيس “الجيش الحر” وحتى أواخر عام (2012)، وفيها كانت التسمية تدلّ على جسم عسكريّ واضح المعالم إلى حدّ كبير، وبالتالي تنطبق فعلاً على كافّة الكتائب والألوية المنضوية تحت هذا الاسم. أما ما تلا ذلك من جهد عسكري مناهض للنظام، فالتسمية التي تعبّر عنه هي “فصائل المعارضة المسلحة”، “وتشمل مختلف الكتائب والفصائل والجيوش التي وجدت على الأرض السورية بعد عام (2012)”. و”الجيش الحر”، منذ ذلك التاريخ، لم يعد سوى تجمع أو تشكيل شأنه شأن بقيّة التشكيلات والمجموعات المسلحة المنتشرة ضمن غابة السلاح التي صارتها سوريا. سيرته تتكثّف في حكاية “الظاهرة المسلّحة” نفسها، وهي الطارئة أصلاً على الثورة السورية، حيث لم يكد يمضي عامٌ على نشوئها حتى راحت تسيّرها المصالح والأهواء، فنأت عن طابعها السوري العفوي الوطني والمستقل، وأمعنت الغرق في مستنقع من الاصطفافات الأيديولوجية والصراعات البينية، تحكمها ضروب من الارتزاق والخضوع والتبعية لإرادات الممولين من الأطراف الخارجية.