سوريا في أسبوع، ٢٣ نيسان

سوريا في أسبوع، ٢٣ نيسان

أول عينة “كيماوية”
٢١ نيسان / أبريل

تمكن خبراء منظمة حظر الاسلحة الكيميائية اخيرا من دخول مدينة دوما، واخذ عينات من موقع الهجوم المفترض بغازات سامة الذي أثار توترا دبلوماسيا كبيرا على الساحة الدولية لا سيما بين واشنطن وموسكو. وشنت واشنطن وباريس ولندن ضربات ذات حجم غير مسبوق على منشآت للنظام.

هذه أول زيارة ميدانية لمكان يشبته بتعرضه لهجوم كيماوي في سوريا. والنظام السوري الذي ينفي الاتهامات الغربية بالضلوع في الهجوم الذي اوقع نحو ٤٠ قتيلا بحسب الدفاع المدني، كان دعا منظمة حظر الاسلحة الكيميائية الى المجيء لدوما، لكن الخبراء الذين وصلوا الى سوريا منذ اسبوع لم يتمكنوا من دخول المدينة إلا يوم السبت.

وتحدثت موسكو حليفة النظام السوري عن اسباب امنية، لكن الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن وباريس، اتهمت النظام السوري وروسيا بعرقلة وصول المحققين والعبث بالأدلة. واعتبرت الولايات المتحدة ان الروس يمكن ان يكونوا “عبثوا” بمكان الهجوم فيما اعتبرت فرنسا انه “من المرجح جدا” ان تكون “أدلة اختفت، وعناصر اخرى اساسية.”

واعلنت منظمة حظر الاسلحة الكيميائية في بيان السبت ان خبراءها، الذين وصلوا الى دمشق في الرابع عشر من نيسان/ابريل، اخذوا عينات من الموقع بعدما كانت موسكو أعلنت دخولهم اليه السبت.

“خلوة سويدية” عن سوريا
٢١ نيسان / أبريل

التقى أعضاء مجلس الأمن الدولي في مزرعة معزولة جنوب السويد السبت في مسعى لتخطي الانقسامات العميقة حول سوريا.

وفي خطوة غير مسبوقة للمجلس الذي عادة ما يعقد جلسته السنوية للعصف الذهني في نيويورك، دعت السويد العضو غير الدائم في المجلس، المندوبين الـ١٥ والأمين العام انطونيو غوتيريش هذه السنة لعقد اجتماعهم غير الرسمي في باكاكرا. وانضم إليهم الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا يوم الأحد.

وقال غوتيريش لدى وصوله مع عدد من المندوبين “لا نزال نواجه انقسامات جدية للغاية بخصوص هذه القضية (سوريا)”. وكانت المزرعة المقر الصيفي لداغ هامرشولد، الذي كان ثاني أمين عام للأمم المتحدة ولقي مصرعه في حادث تحطم طائرة في أفريقيا عام ١٩٦١.

ورحبت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم بقرار عقد الاجتماع في السويد “التي تؤمن بالحلول السلمية للنزاعات ومنع حدوثها”. وأكدت مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي ذلك بقولها “لا نزال لا نحقق نجاحا كبيرا (في ما يتعلق بالشأن السوري). لا يزال الطريق مسدودا.” واستخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ١٢ مرة منذ بدء النزاع في سوريا عام ٢٠١١.

من القلمون الى جرابلس
٢٠ نيسان/أبريل

بدأ مقاتلون معارضون بالخروج من بلدات تقع شمال شرقي دمشق في إطار اتفاق بين الحكومة وفصائل معارضة محلية. ويأتي الاتفاق المتعلق بمنطقة القلمون الشرقي في إطار اتفاقات الاجلاء التي تم خلالها اخراج مدنيين ومقاتلين من معاقل سابقة لفصائل المعارضة قرب دمشق.

وأكدت ما اعلنت وكالة الانباء السورية (سانا) بدء خروج الحافلات التي تقل المقاتلين المعارضين وعائلاتهم من الرحيبة البلدة الواقعة في منطقة القلمون الشرقي وتبعد نحو ٦٠ كلم شمال شرق دمشق.

وقال التلفزيون الحكومي أنه من المتوقع خروج ٣٢٠٠ مقاتل مع عائلاتهم من الرحيبة وبلدتي الناصرية وجيرود المجاورتين السبت. وبث التلفزيون مشاهد تظهر الحافلات وهي تمر في الرحيبة ومعظمها كانت ستائرها مغلقة.

ونص الاتفاق على ان يسلم المقاتلون الاسلحة الثقيلة والمتوسطة ومستودعات الذخيرة قبل اخراجهم الى جرابلس (محافظة حلب) والى محافظة ادلب المجاورة.

وتتوالى اتفاقات الاجلاء التي تشرف عليها روسيا  بينما يسعى النظام الى ضمان أمن دمشق عبر إخراج المقاتلين المعارضين من مناطق “المصالحات”، وهي التسمية التي تطلقها الحكومة على مناطق توصلت فيها الى اتفاقات مع الفصائل خلال السنوات الماضية. وغالباً ما تقضي هذه الاتفاقات ببقاء المقاتلين المعارضين مع توقف الأعمال القتالية، مقابل سماح قوات النظام بدخول المساعدات والبضائع اليها.

وكانت القوات السورية أعلنت السبت الماضي استعادة السيطرة بالكامل على الغوطة الشرقية قرب دمشق بعد عملية عسكرية استمرت نحو شهرين واسفرت عن مقتل ١٧٠٠ مدني بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” وعن سلسلة من الاتفاقات تلاها نزوح عشرات الاف الاشخاص.

وهذا الاسبوع تم اجلاء ١٥٠٠ مقاتل ٣٥٠٠ مدني من مدينة الضمير على بعد ٥٠ كلم شمال شرق دمشق نحو جرابلس بعد اتفاق مع “جيش الإسلام”.

جيوب اخيرة في دمشق
٢٠ نيسان / ابريل

سيطرت القوات الحكومية السورية والمسلحون الموالون على حي جنوب  دمشق بعد فشل الاتفاق بين المسلحين والقوات الحكومية.

وأفاد مصدر عسكري سوري لوكالة الأنباء الألمانية  أن ” الجيش السوري والقوات الرديفة له سيطروا بعد ظهر اليوم بشكل كامل على حي الزين الفاصل بين حيي يلدا والحجر الأسود جنوب دمشق بعد معارك عنيفة مع مسلحي داعش.” وأضاف المصدر أن القوات الحكومية تخوض معارك عنيفة على عدة جبهات في أحياء جنوب دمشق.

من جهة أخرى، أكدت مصادر في المعارضة السورية أن الاتفاق الذي أعلنت عنه القوات الحكومية  أصبح في حكم الملغي بعد رفض القوات الحكومية لشروط مسلحي المعارضة وخاصة عناصر جبهة النصرة وعدد من الفصائل الأخرى التي تطلب المغادرة إلى الشمال السوري.

وكانت القوات الحكومية قد أعلنت أنها “توصلت إلى اتفاق مع مسلحي المعارضة الذين يسيطرون على حيي الحجر الأسود والتضامن ومخيم اليرموك جنوب دمشق والذي يقضي بمغادرة الرافضين للتسوية مع القوات الحكومية، حيث تغادر مجموعات تنظيم داعش باتجاه بادية دير الزور في حين يغادر عناصر جبهة النصرة إلى محافظة إدلب وعناصر الفصائل الأخرى إلى ريف حلب الشرقي.” الاحياء الجنوبية لدمشق، هي الجيوب الأخيرة التي لاتزال خارجة عن سيطرة قوات النظام بعد سيطرتها على غوطة دمشق.

مقبرة جماعية “داعشية”
٢١ نيسان / أبريل

عثر على عشرات الجثث العائدة الى جهاديين ومدنيين داخل مقبرة جماعية في الرقة المعقل السابق لتنظيم “داعش” بحسب ما اعلن مسؤول محلي السبت.

في تشرين الاول/اكتوبر ٢٠١٧ طردت قوات سوريا الديمقراطية التي تضم فصائل عربية وكردية يدعمها التحالف الدولي بقيادة واشنطن الجهاديين من الرقة بعد اشهر من المعارك.

وقال عبدالله العريان رئيس لجنة إعادة الإعمار بمجلس الرقة المدني لوكالة الصحافة الفرنسية، انه تمت إزالة ما يقرب من خمسين جثة من المقبرة الجماعية التي تحتوي على ما بين ١٥٠ و٢٠٠ جثة عائدة الى مدنيين وجهاديين. وتقع المقبرة الجماعية تحت ملعب لكرة القدم بالقرب من مستشفى كان الجهاديون قد تحصنوا فيه قبل ان يخسروا معركة الرقة. وأوضح العريان “تحصن الدواعش داخل المشفى الوطني. وبقي بعض المدنيين. كان هذا المكان الوحيد الذي يبدو متاحا للدفن. وهم دفنوا على عجل.”

“الدب السوري” في قبضة كردية
١٨ نيسان / أبريل

افاد التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة أميركا ان “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية – العربية المدعومة من واشنطن، اعتقلت محمد حيدر زمار أحد أعضاء “خلية هامبورغ” المسؤولة عن تجنيد ثلاثة من منفذي هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١  وانه يخضع للتحقيق لدى “قوات الأمن الداخلي الكردي” (أسايش) وأجهزة الأمن لدى دول في التحالف الدولي.

زمار، الملقب بـ “الدب السوري”، اصدرت محكمة أمن الدولة الاستثنائية  في فبراير (شباط) ٢٠٠٧ عليه حكماً بالإعدام ثم خفض إلى ١٢ سنة سجنا على زمار (٤٥ سنة وقتذاك) الذي يحمل الجنسية الألمانية بموجب القانون ٤٩ لعام ١٩٨٠ الذي يقضي بعقوبة الإعدام على منتسبي “الإخوان المسلمين”.

بعدها نقل زمار من سجن صيدنايا إلى سجن حلب المركزي. وأفيد في مارس (آذار) ٢٠١٤. أنه تم إطلاقه بموجب “صفق” بين دمشق وفصائل إسلامية معارضة قضت بمقايضة زمار وخمسة إسلاميين آخرين مع ضباط أسرى من قوات النظام. وإذ كان عضواً في تنظيم “أنصار الشام”، بقي مكانه مجهولاً إلى أن أفاد الأكراد والتحالف باعتقاله مع آخرين.

ويعتبر زمار، الذي يعرف ب”الدب السوري” لثقل وزنه (١٥٠ كيلوغراما) وجسمه الضخم، من الشخصيات الرئيسية المسؤولة عن هجمات ١١ سبتمبر خصوصاً لجهة علاقته مع محمد عطا أحد منفذي التفجيرات ١١ الذي زار مدينة حلب لمرات عدة في العام ١٩٩٤.

Syria 2018: five key factors to watch

Syria 2018: five key factors to watch

“After a string of breakthroughs in 2016 and 2017, President Bashar al-Assad’s government now has the clear upper hand in Syria’s long war.

Out east, the so-called Islamic State has been crushed between the hammer and anvil of al-Assad’s army and a Kurdish-led group backed by the United States. A ceasefire between the army and the Kurds is now in place along the Euphrates River and, despite the much-ballyhooed de-escalation zones brokered by Moscow, violence has quickly drifted back west. In Idlib, renewed fighting has driven some 100,000 civilians on the run in the first weeksof 2018.

But if it seems like a government win is a foregone conclusion, there are still some developments that could throw the pro-Assad juggernaut off track. Plus, restored government control in Syria could take many forms. To help understand which way Syria’s war and peace might be headed, here are five key aspects to keep an eye on in 2018.

1. Iran

The street protests that shook Iran over the last weeks serve as a timely reminder of how important regional developments are to Syria’s future. The protests now seem to have petered out, but had the Iranian government been seriously weakened, the effects would soon have been felt in Syria.

There are other ways in which this key Damascus ally could get into trouble in 2018.

US President Donald Trump has long threatened to tear up the 2015 deal over Iran’s nuclear programme. On 12 January, he extended US compliance once more, but warned that this would be the last time, unless the terms are renegotiated. Deadlines will keep cropping up in 2018, the next one in April. Should the deal be allowed to lapse, it’s possible nothing much happens at all. But Iranian-American relations could fly off the rails, with unpredictable consequences for Syria.

Meanwhile, Israel has stepped up air strikes in Syria and is pushing to contain the Iran-backed Lebanese group Hezbollah in areas near the Israeli-occupied Golan Heights. Israel also keeps a wary eye on Lebanon, where the first parliamentary elections in nearly a decade will be held in May.

A new Hezbollah-Israel war seems unlikely, but they always do until they happen. If one were to erupt in 2018, Syria would likely be drawn into the fighting.

2. Signs of an underground insurgency

Syrian rebels have long said that if al-Assad wins on the battlefield, they will flip to guerrilla warfare and wage a campaign of bombings and assassinations.

So far, that’s mostly talk, and areas retaken by the army have remained more or less stable.

The main exception is Homs, where rebels have staged repeated attacks on Alawite neighbourhoods. Aleppo has also seen a handful of bombings after al-Assad took back the city’s eastern half in December 2016, and every now and then a bomb goes off in Damascus.

While this level of violence seems like something al-Assad could easily tolerate, the underground campaign may escalate.

After losing the war in the east, IS is returning to subversive tactics, and the Idlib-based extremists in Tahrir al-Sham may end up doing the same at some point. Although they have been powerful enough on the battlefield, it is as urban guerrillas that the jihadis’ brutal tradecraft really shines.

In 2018, therefore, it is worth monitoring the frequency of car bombings, assassinations, and suicide attacks in government-held cities. Take special note of atrocities calculated to spark a sectarian backlash in religiously mixed areas like Homs and Tartous – a tried and true tactic of IS.

3. The reconstruction-transition link

Seven years of war has left Syria in ruins. A quarter of the population has fled abroad, with 5.5 million registered refugees near Syria’s borders and another million in Europe. Major cities like RaqqaDeir Ezzor, and eastern Aleppo are in ruins, and 6.1 million internally displaced people are suffering in terrible conditions. The economy is in a shambles, with jobs and services hard to come by and salaries hollowed out by inflation. In all, 13.1 millionpeople depend on aid to get by.

Although several areas of the country remain outside state control, al-Assad’s government now wants to talk about reconstruction. In large part, this is a pitch for money and international legitimacy, but Syrian envoys also point to the humanitarian situation and appeal to their interlocutors’ self-interest: after a war, there’s money to be made.

For major reconstruction to take place, al-Assad will need wealthy Western and Gulf Arab nations to open if not their hearts, then at least their wallets. So far, there are few takers – these nations hate the Syrian president, having tried to overthrow him for seven years.

The United States is pushing its allies to continue the isolation of al-Assad until he agrees to a political transition, though it seems clear that he never will. The policy is more of a holding pattern than a genuine plan for regime change, and some Europeans seem unpersuaded. But so far, all have stuck to the script, and Russian diplomats’ attempts to badger Europe into paying are making no headway.

Full-scale reconstruction seems unlikely. But as time passes and UN transition talks continue to come up blank, more policymakers will likely start arguing that the very real leverage that Western states enjoy through aid financing should be deployed in more practical ways. Transition seems like a dead end, but something has to be done about the situation – and perhaps the regime could be more flexible on other issues?

Once that conclusion settles in, Europeans will find much to haggle over: intelligence cooperation, business deals, prisoner releases, chemical weapons monitoring, restored diplomatic relations, UN cross-border access, Syrian-Israeli ties, the Kurdish question, and refugee return, to name but a few.

Opposition to dealing with al-Assad is still strong, but, at some point, it may begin to fray. In 2018, watch for shifts in Western rhetoric linking reconstruction funding to transition.

4. New faces in the regime

Assuming that the Syrian leader now feels more secure, 2018 could be the year that he starts putting his house in order.

Though civilian ministers have come and gone with regularity, the regime’s inner security sanctum has seen few changes in the past seven years, except to fill in for those killed. The top brass is getting old, both figuratively and literally. Meanwhile, a new stratum of businessmen, paramilitary leaders, and wartime fixers has risen to positions of influence through the war economy, and the army is partly displaced by militias whose loyalty to al-Assad may be assured but whose discipline and respect for public order is not.

There are no signs of organised resistance to al-Assad’s overarching control among these groups, but the loyalist camp clearly brims with accumulated personal, commercial, and institutional tensions. This ultimately undermines the state and makes it harder to normalise the situation.

It is something the Syrian president will want to deal with at some point, in so far as he can, and it also ties back to the reconstruction question. If al-Assad wants to signal that Syria is past the threshold and that a new era is beginning, he’ll need to pour new blood into the system, putting forth fresh faces not overly tainted by the past seven years.

In 2018, keep your ears peeled for talk about military reorganisation, security and ministerial reshuffles, and the use of new laws or anti-corruption campaigns to perform targeted interventions in the war economy.

5. The Kurds

With the anti-Assad opposition now unviable or hijacked by extremists, foreign actors are shifting their bets to Syrian Kurdistan. Since 2017, the Kurdish question has arguably become the conflict’s central axis.

After helping Kurdish and allied Arab troops in the Syrian Democratic Forces (SDF) capture northeastern Syria from IS, US officials are now turning them into a 30,000-strong border security force. Its area of operations will be the Syrian-Iraqi and Syrian-Turkish national borders, but also the front line against al-Assad’s central government.

That’s a plan with no shortage of adversaries. Syrian Deputy Foreign Minister Fesial Meqdad says it aims to “divide Syria;” Russian Foreign Minister Sergei Lavrov warns it could “split” the country.

Turkish President Recep Tayyip Erdogan is even more upset, accusing the US of building a “terror army” on his southern border. The Syrian Kurdish leadership is linked to Ankara’s domestic arch-enemy, the Kurdistan Workers’ Party (PKK), and US-Turkish relations have plummeted since Washington started supporting the Kurds in 2014.

Erdogan now threatens to invade Afrin, an isolated Kurdish enclave outside the protective umbrella extended by the US Air Force. Afrin does however host a symbolic contingent of Russian troops, which may or may not dissuade an attack – it is not yet clear what the Turks are planning.

All involved seem to be keeping their options open, dancing around the overt hostility between Turkey and the Syrian Kurds and trying to work with both sides.

The Americans are weighing their project in Kurdistan, which has come to represent their main source of leverage in Syria, against the damage to their relationship with Turkey, which is a major NATO ally. It is a difficult debate and the status quo may well win the day, leaving US troops in place as a holding force without any clear end goal.

Meanwhile, Moscow is trying to coax Erdogan into Damascus-friendly deals by dangling the Kurds in front of him, but Russian diplomats have also tried to interest al-Assad in some sort of federal construction that could leave the Kurds where they are and wind down the war.

The Syrian leader could either try that, or he could position himself as a counterweight to Kurdish ambitions, rallying Arab and perhaps even Turkish support for his claims on the northeast. Most likely, al-Assad will try to muddle through for now and wait for the Americans to pack up and leave.

The power games in northern Syria could take time to fully unfold. But in 2018, keep your eyes open for any clues on how US, Russian, and Syrian policymakers want to answer the Kurdish question and its Turkish corollary. What happens in Kurdistan could reshape Syria’s future, perhaps even its borders.

This work was supported in part by a research grant from The Harry Frank Guggenheim Foundation.”

 

[This article was originally published by IRIN.]

هل أصبحت فصائل “الحر” مرتزقة بيد تركيا؟

هل أصبحت فصائل “الحر” مرتزقة بيد تركيا؟

منذ بداية الحراك السوري في ربيع 2011 كانت مطالب الشعب واضحة وراسخة في الأذهان، هذا التحرك العفوي حمل معه من العشوائيّة (التي لا بدّ منها) الكثير على أنّ أسوأ أشكال هذه العشوائيّة تمثلت في رفع السلاح الذي كان بريئاً في مكان ما وخبيثاً في أماكنَ أخرى، فممّا لا شكّ فيه أن مجموعة من الدول التي عدّت نفسها داعمة للحراك الثوري ساهمت في دعم وتشكيل ما يُسمّى بالجيش الحر كالسعودية وقطر اللتين تعيشان حالة ملكية سلطوية مطلقة وتركيا التي تطمع ببعض الأراضي السوريّة، والولايات المتحدة الأمريكية المهووسة بابتلاع العالم والحفاظ على المصالح الإسرائيليّة، في هذا الجو من التكالب وتحت ضغط القبضة الأمنية التي كانت الشرارة الأولى لهذا الانفلات الذي حصل تمّ تكوين كيان عسكري مشوّه، لا قدرة له على مواكبة مطالب الشعب، بل كل ما يستطيعه هو السعي لتنفيذ طلبات الداعم الذي يوجهه بسبابته، وقد تجسّد هذا بوضوح شديد بعد بداية عمليّة غصن الزيتون في عفرين، حيث أنّ الجيش الحر قام بالحشد شمالاً لاقتحام مدينة سوريّة لم تبادره الهجوم لا لشيءٍ إلّا تحقيقاً لمصالح داعميه غير السوريين، فبغضّ النظر عن التجاوزات التي قامت بها قوات حماية الشعب الكردي وارتهانها الواضح للمشروع الأمريكي الذي يسعى لتمزيق الكيان السوري، إلّا أنّ التوقيت كان غريباً ولا يمتّ للمصلحة السوريّة بصلة، فقد تزامن هجوم هذه الفصائل على عفرين مع اقتحام قوات النظام لجنوب إدلب وضغطها عسكريّاً على مناطق سيطرة المعارضة، وهنا يتبادر لنا السؤال التالي:

لماذا ينشغل هؤلاء بفتح جبهة جديدة بينما جبهتهم مشتعلة وممزقة لا بل ومهزومة؟

الإجابة بسيطة جدّاً: لأنّهم أساساً موجودون بمعيّة داعمهم لتنفيذ أوامره التي تفضي لتحقيق غاياته ومآربه على الأرض السوريّة، وهذا ما يفسّر توقفهم عن القتال حين يكون النصر حليفهم بشكل مفاجئ، وفتحهم لجبهات غريبة في أوقات عصيبة، هذا كلّه يتضح حينما نقوم بمراقبة ظروف الداعم ومواقفه السياسيّة، كما أنّ المشكلة الكبرى في هذه التشكيلات العسكريّة أنّها غير مندمجة عضويّاً بالنسيج السوري، فالنسيج السوري بالرغم من توجهه الديني المحافظ إلّا أنّه معتدل وهذه الفصائل بمعظمها تميل للفكر السلفي التكفيري الجهادي فمع استبعادنا لجبهة فتح الشام (جفش) أو فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام لتكون الصورة أوضح والتي لا تخفي فصائل الجيش الحر تحالفها معها وارتباطها العضوي معها إلّا أنّ باقي الفصائل هي وجه آخر لها بأسماء أخرى كجيش الإسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام وأنصار الإسلام ولواء التوحيد وغيرهم ممن لا يتبنّون فكرة الدولة المدنية الديموقراطية بل يحلمون بإقامة حكم إسلامي تتحكم فيه الأحكام الشرعية وترسمه حدود التفسير الضيّق للدين، والمشكلة الأشد خطورة التي تحكم هذه الفصائل عدم امتلاكها للمرجعيّة ففي معظم الثورات التي نجحت ثمّة بنيان سياسي يوجّه الأوامر لعناصر مقاتلة تحقق غايات وطنية، أمّا في حالة الجيش الحر فلا يوجد توجه ولا مرجعيّة ولا يوجد جيش بمعنى الجيش أساساً فهم فصائل يربو عددها على ال150 فصيل تحارب الجيش السوري وتحارب بعضها، هذه الفصائل في عز هجوم النظام العنيف عليها كانت تقوم بمعارك تصل إلى مستوى حمام الدم فيما بينها فمن ينسى معارك جند الأقصى مع أحرار الشام يوم كان الجيش السوري يدخل حلب، ثم معارك هيئة تحرير الشام مع أحرار الشام إبّان تحرك النظام باتجاه إدلب، ومعارك فيلق الرحمن مع جيش الإسلام بالرغم من التقدم الواضح لقوات النظام على جبهات الغوطة، هذا بغض النظر عن بعض التصرفات التي وصلت إلى أن تقوم كتيبة عائلة ما بالهجوم على كتيبة عائلة أخرى لإحياء ثأر قديم، فتعالوا نتخيل معاً سقوط النظام الذي كان إلى حدّ ما يوحد توجه السلاح، ماذا سيحصل في سوريا وهل سيعرف العالم من يتقاتل مع من ولماذا؟

وهل ستسمح هذه الفصائل بإقامة أي شكل من أشكال الدولة بينما يحكم كل فصيل منطقته التي يمنع الفصائل الأخرى من دخولها؟

والمشكلة الأكبر أنّ الجيش الحر لم يقم بإجماع آراء السوريين إلّا أنّه بعد فرضه لوجوده بدأ يعمل على إقصاء وتخوين وإيذاء كل من يرفض وجوده وكأن مسألة القتال واحدة من الثوابت الوطنية التي لا يمكن النقاش فيها.

وبالعودة على بدء حين نتحدث عما يحدث في عملية غصن الزيتون، نجد أنّ الجيش الحر تحول لقوات مرتزقة تقاتل بالوكالة المعلنة عن دولة تريد احتلال أرض سوريّة، وهذه الدولة ذاتها (تركيا) تقوم بتحالف معلن مع الروس الذين يشبعون الجيش الحر قصفاً في الغوطة والإيرانيين الذين يقتحمون مناطقه، وكأنّ أحدهم يقول لك: قاتل معي هنا من لا مصلحة لك في قتالهم وأنا سأصافح قاتليك هناك، ولا تناقش ولا تسأل لماذا ولو سألك أحدهم اتهمه بخيانة الثوابت الثورية وتخلص منه، وهنا يسأل السائلون حين نسمي هذه الفصائل العشوائيّة التي لا مرجعيّة لها جيشاً حرّاً، أين وجه الحريّة عندها؟

هل لديها الحرية في اتخاذ قرارها؟
هل تدعو للحريّة والعدالة أم المزيد من تقييد الحريّات؟
هل لديها تمويل ذاتي؟
هل هي قادرة على فرض مشروعها؟
هل لديها مشروع واحد؟

دعونا نتنازل أكثر؟ هل لديها داعم واحد نفهم وجهة نظره لنفهم وجهة نظر تحركاتها أم أنّها ببساطة مليشيات من هنا و هناك تسعى خلف داعمين من هنا و هنا و هناك، والسؤال الذي يراود أيّ سوري أنّ أي فصيل من هذه الفصائل حين يتولّى قيادته رجل غير سوري (بغض النظر عن الداعمين) هل يبقى فصيلاً سوريّاً أم أنّه يتحول لما هو غير ذلك؟

وحين تقوم هذه الفصائل باستهداف المدنيين في المناطق التي لا تسيطر عليها كاستهداف دمشق بالصواريخ والقذائف فهل يبقى على سكان دمشق حجة لو صبوا دعمهم لكلّ قوة تخلصهم من نار القذائف والموت المجّاني وحين يتم استهداف المناطق على اعتبارات طائفيّة ويكون مقاتلو هذه الفصائل من لون واحد هل يبقى على أبناء الطوائف الأخرى عتب فيما لو انفضّوا عن هذه التشكيلات ودعموا كل ما يمكن له إيقافها وإبعادها عنهم، وهنا أستطيع أن أقول إنّ الجيش الحر لم يخسر عسكريّا فقط حربه في سوريا، بل خسر أخلاقيّا مما أدّى لخوف الشعب السوري من إعادة إنتاج أي حراك قد يحسن حال البلاد خوفاً من إنتاج هذا الحراك لمكونات غير حرّة (كالجيش الحر) مثلاً.

الجيش السوري الحر لم يكن موجوداً أبداً

الجيش السوري الحر لم يكن موجوداً أبداً

بالمعنى التقني للعبارة، لم يكن “الجيش السوري الحر” موجوداً يوماً، أي منذ التفكير بتجميع الضباط والعسكريين المنشقين عن “الجيش العربي السوري” التابع للنظام السوري الحاكم في دمشق بداية من صيف 2011.

وبالمعنى السياسي للعبارة، الجيوش تتبع عادة لقيادة عسكرية مرهوبة، وتنفذ هذه القيادة أهدافاً محددة تصدر عن مستوى سياسي، وإلا كانت مجرد ميليشيا، أو ميليشيات. وبهذا المعنى، أيضاً، لا وجود لـ”الجيش السوري الحر”.

والحال أن الفصائل المحسوبة على “الجيش السوري الحر” تأتمر بأوامر الممولين الإقليميين والدوليين، ابتداء من اختيار أسماء هذه الميليشيات من أسماء السلف الصالح، أو الخلف الطالح، أو باتخاذ شعارات إسلامية لكل كتيبة، أو لواء، أو فرقة، وحتى فيلق، أو جيش، وصولاً إلى تنفيذ أجندات دول إقليمية، ومخابرات دول، لا علاقة لها بالسوريين، أو بالثورة التي فجرها جزء كبير من السوريين وصلت تقديرات نسبتهم عام 2011 حتى 21 في المئة. وهؤلاء هم من شاركوا على الأرض فعلياً في إطلاق صيحة “الشعب يريد إسقاط النظام”، في مقابل نسب متفاوتة ومكملة أيدت استقرار الاستبداد، أو فئة صمتت وقتها، أو لا تزال صامتة.

وتفسير موقف هذه التشكيلات العسكرية غير الفاعلة في تحقيق هدف الثورة لا يأتي من التشكيك في نوايا قادة هذه التشكيلات العسكرية، أو عناصرها، في محاولة لنفي فكرة “الارتزاق” المطلق، بل في البحث عن التفسير في إحدى النقاط التالية، أو فيها جميعاً:

أولاً، كانت فكرة تجميع هؤلاء المنشقين، وتوحيدهم، ودعمهم، وتسليحهم، مرفوضة من أقرب الدول جغرافياً إلى سوريا، أي تركيا والأردن. وبالتالي كانت هذه الكتائب، بقادتها وعناصرها، مضطرة للعمل فرادى، وفي ظنها أن ذلك سيمكنها من إسقاط النظام.

ثانياً، وبناء على ما سبق، لا أحد يستطيع التأكيد على وجود قيادة لهذا الجيش، أو هيئة أركان بالمعنى الدقيق للكلمة، حتى لو كانت موجودة شكلياً في أكثر من محطة خلال السنوات الماضية، خاصة بعد شهور من بروز المقدم حسين هرموش، الذي شكل بشخصيته، وريادته لموجة الانشقاق عن الجيش النظامي، ظاهرة جاذبة بالنسبة لعموم السوريين، دون أن يكون كذلك بالنسبة لزملائه العسكريين، خاصة الأعلى رتبة. لاحقاً، استطاعت مخابرات النظام السوري خطف المقدم هرموش، وفي غالب الظن أن النظام أعدمه بعد فترة قصيرة من اعتقاله.

ثالثاً، أفراد هذا “الجيش” من عناصر وضباط كانوا من المهمشين في قيادات “الجيش العربي السوري”، ومن المبالغة القول إنهم كانوا يمتلكون خبرات قتالية حقيقية، كون ذلك الجيش لم يخض معركة منذ أربعين سنة، والمناورات والتدريبات التي يجريها هذا الجيش كانت من الفقر والتخلف بحيث يذكرها ربما كل من أدى الخدمة الإلزامية في سوريا.

والنقطة الأهم من بين الثلاث هي الأولى، أي رفض قيام جيش معارض موحد باسم “الجيش السوري الحر”، من الضباط والعسكريين الذين رفضوا قتل المتظاهرين، وانحازوا إلى الثورة. بالطبع، وبعد كل تلك السنوات، اتضح أن هذا الرفض مدروس، خاصة لأن الأموال تدفقت على كتائب ذات منهج إسلاموي، وسلفي تحديداً، بما في ذلك “الدولة الإسلامية، داعش”، و”جبهة النصرة لأهل الشام” بأسمائها المختلفة، إضافة إلى “جيش الإسلام”، و”حركة أحرار الشام”، و”فيلق الرحمن”، وغيرها من الكتائب التي وصل عددها في عام 2014 إلى أكثر من ألف تشكيل عسكري تم تمويلها من دول كبرى، ودول الإقليم العربية. وحتى بعد أن انخفض هذا العدد إلى أكثر من مئة تشكيل بقليل، بالاندماج مع كتائب أخرى، أو حل تشكيلات أخرى نتيجة انقطاع التمويل، لا يزال عدد هذه الميليشيات ضخماً، ومنها من كان يدخل تحت اسم “الجيش السوري الحر” لفترة، ثم يخرج بإعلان براءته من هذا الجيش عندما يجد تمويلاً مستقلاً، ومنها من عاد بعض عناصره إلى “الجيش العربي السوري” للقتال معه مرة أخرى بعد العفو عنهم ومنحهم “رخصة” للارتزاق والتشبيح والتعفيش. وهنالك عناصر من داعش نفسه عادوا إلى صفوف جيش النظام بعد صفقة عرسال بين داعش و”حزب الله”.

استدراكاً، في نهايات 2011، وضعت تركيا الضباط والعسكريين المنشقين في مخيمات جنوب تركيا، فارضة عليهم إقامة شبه جبرية، ومن أحد تلك المخيمات تم اختطاف الهرموش ووضعه في السجن، ومن ثم قتله (بعد سنوات من اعتقاله تم تسريب صور لجثة تشبه المقدم حسين هرموش وعليها آثار تعذيب).

معنى ذلك كله، أن فكرة وجود “الجيش السوري الحر” كانت رغبة فقط لدى جمهور المعارضة، لكنها لم تتحول إلى حقيقة، مثلما كانت رغبة هذا الجمهور وجود معارضة مسلحة متفوقة أخلاقياً بالمطلق على ممارسات النظام. صحيح أن المعارضة متفوقة نسبياً في هذا الجانب على النظام الذي مثل في كل مراحل حكمه منذ 1970 معادلاً للشر المطلق في حكمه السياسي، وممارساته المخابراتية، لكن بعض الممارسات “الفردية” لطخت صفحة “الجيش الحر”، أو صفحة فصائل محسوبة عليه، بطريقة تدعم فكرة أن هذا الجيش لم يكن يوماً مؤسسة تكافئ وتحاسب وتقاضي المخالف، وإلا ما معنى تصرف “أبو صقار”، وما معنى تحطيم تمثال “أبو العلاء المعري”، ثم تحطيم تمثال “كاوا الحداد” قبل أيام في عفرين، ولماذا لم يُحاسب أي من هؤلاء؟

بالعودة إلى سؤال “صالون سوريا” عن مشاركة فصائل من “الجيش الوطني السوري الحر” في عملية “غصن الزيتون” التركية على عفرين، نجد أولاً تسمية جديدة أضافت وصف “الوطني” على هذه الفصائل، ربما لمحو آثار الممارسات السابقة لفصائل من “الجيش السوري الحر”، من انتهاكات في حق المدنيين، واقتتال فصائل منه في ما بينها، أو لتمييز التشكيل الجديد عن ذلك “الجيش”، لكن الأرجح أن هذه التسمية جاءت من داخل تركيا. وهذا الجيش تم دعوة فصائل محددة لتشكيله من قبل رئاسة الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة. والفصائل المدعوة هي (الجبهة الشامية – حركة أحرار الشام – فيلق المجد – لواء أنصار السنة – فيلق الشام – كتلة النصر التابعة للجيش الحر (؟) – حركة نور الدين الزنكي – الفرقة الوسطى – لواء شهداء الإسلام – جيش أسود الشرقية – قوات الشهيد أحمد العبدو – لواء السلطان مراد – جيش إدلب الحر – لواء المعتصم). لكن الفصائل التي لبت الدعوة، أو شاركت الجيش التركي في عملية “غصن الزيتون”، حتى لو لم تكن مدعوة للاندماج في هذا الجيش، هي (لواء السلطان مراد – فرقة الحمزة – فيلق الشام – حركة نورالدين الزنكي – حركة أحرار الشام – لواء صقور الجبل – الجبهة الشامية – جيش النصر). ومشاركة هذه الفصائل في العملية ظلت باسم كل فصيل، وإن كانت كل الفصائل تنفذ التكتيك الذي وضعه لها الأتراك بالمشاركة مع الجيش التركي.

إذاً، لا وجود عملياً لشيء موحد اسمه “الجيش السوري الحر”، أو “الجيش الوطني السوري الحر”، فالفصائل المذكورة شاركت في “غصن الزيتون” باسمها الحركي، وليس تحت لواء سوري موحد، بل تحت قيادة غرفة عمليات تركية.

وحتى لا ننجر إلى تسمية هذه الفصائل بـ”المرتزقة”، حسب الوصف الذي استعمله أكراد سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، نُذكِّر أن أمريكا قطعت كل أشكال الدعم عن الفصائل المحسوبة على “الجيش الحر” منذ نهاية العام الماضي، وبالتالي أصبح مصدر دعم هذه الفصائل تركياً فقط، وربما تركياً قطرياً. أما المرجعية الفكرية لمعظم عناصر هذه الكتائب فهي إسلامية، أو إسلاموية، في محاولة لتمييزها عن السلفية التي ينتمي إليها تنظيما داعش والنصرة.

ويمكن أن نعيد سبب انضمام هذه الفصائل إلى الجيش التركي في عملية “غصن الزيتون” إلى فكرة الانتقام بدلاً من فكرة الارتزاق، كون هذه الفصائل سبق وهزمت على يد “وحدات حماية الشعب” الكردية التابعة لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي، أو “حزب العمال الكردستاني”، وعلى يد جيش النظام ، وأمام “جبهة النصرة”، وأمام “داعش”، فوجدت في الدعم التركي فرصة متأخرة لإعادة الهيبة لوجودها، دون أدنى محاكمة لفكرة أنها ستقاتل تحت الراية التركية في أرض سورية.

من الجانب الآخر، ظهر تجييش كردي لمشاعر عنصرية تجاه العرب من خلال الانتقاد لهذا “الجيش الحر”، ليس له أي مبرر منطقي سوى في فكرة التضامن مع المدنيين، وهذا واجب إنساني يشاركهم فيه كثير من السوريين، مع التذكير بفقدان ما يماثل هذا الإجماع الكردي في حالات كانت تتعرض فيها مدن عربية لهجمات الأكراد الذين قاتلوا عملياً تحت الراية الأمريكية، وفي مناطق ليس لأي كردي ادعاءات “قومية” فيها، مثل الرقة التي تم تدمير الجزء الأعظم منها بالطائرات الأمريكية التي كانت تتزود بالإحداثيات من خلال عناصر ميليشيا “قوات سوريا الديموقراطية”، وقادتها الأكراد.

صحيح أن المدنيين في عفرين، من كرد وعرب، تضرروا كثيراً، لكن عدد المدنيين في الرقة الذين قتلتهم مخلفات داعش من الألغام يفوق عدد المدنيين الذين قتلوا في معارك منطقة عفرين كلها. وهذا الموت المجاني سببه إهمال القوات الكردية المختبئة تحت عباءة “قوات سوريا الديموقراطية” لملف الألغام، بل تواطؤ “قسد” ضد المدنيين، وارتزاق عناصرها بتفكيك الألغام لمن يطلب، وبثمن لا يقل عن مئة دولار (حوالي 50 ألف ليرة سورية). ثم إن هنالك إشاعة (؟) تتحدث عن ألغام لا علاقة لداعش بها، في تلميح إلى تحالف لصوص مع عناصر فاسدة من قوة الأمر الواقع وضعت الألغام كفزاعات كي تبعد المدنيين، أو لتؤخر عودتهم إلى بيوتهم حتى تمتلك الوقت الكافي لتعفيش ممتلكاتهم.

وهنا لا ننسى التذكير بصفقة “قسد” لإخراج أكثر من أربعة آلاف داعشي من الرقة آمنين بعد تدمير المدينة، مع ما تثيره هذه الواقعة من تساؤلات خطيرة عن التحالف الأمريكي مع الأكراد. وهذه يمكن ربطها بفكرة الانتقام المحركة لمشاعر المهزومين من الفصائل المشاركة في السيطرة على عفرين.

وفي عفرين، نسجل نقطة إيجابية في حق ميليشيا “وحدات حماية الشعب”، وإن أتت متأخرة قليلاً، بخروجها المبكر من مدينة عفرين، وعدم خوض حرب خاسرة كانت ستدمر المدينة لو خاضتها، كون تركيا كانت عازمة على تحقيق هدف إخراج آخر عنصر من تلك الوحدات بعد اتفاقها مع روسيا، وتفهم أمريكا لذلك، ورضوخ النظام الأسدي للأمر الواقع مكتفياً ببيانات إعلامية.

والواقع يقول أن لا فرق جوهرياً بين الفصائل المعارضة التي شاركت تركيا في عملية “غصن الزيتون”، وبين الوحدات الكردية التي حاربت تحت الراية الأمريكية، حتى من حيث ارتكاب الطرفين انتهاكات في حق المدنيين، ومن بينهم الأكراد أنفسهم على يد “وحدات حماية الشعب”. ففي جولات سابقة، تبادلت الفصائل المعارضة و”الوحدات” لعب دور الجلاد للمدنيين، بالقتل، والإهانات، والسرقة، والتهجير، والتمييز العنصري، في رأس العين، وفي تل أبيض، وفي منبج، وتل رفعت، والرقة. وكلما دانت السيطرة لطرف مارس النزعة الانتقامية ضد الآخر. وبالأمس، دانت السيطرة على عفرين لما يسمى “الجيش الوطني السوري الحر” فمارس بعض عناصره انتهاكات في حق كرامات المدنيين وحياتهم وأموالهم، انتقاماً لجولات سابقة مارس فيها أكراد انتهاكات مشابهة.

أما عن السؤال: إلى أي درجة ترى أن “الجيش الحر” لا يعكس مركّباً وطنياً؟ فالإجابة عليه تفترض أن تعبير “مركباً وطنياً” ذو مضمون إيجابي. والواقع يقول، أو دعنا نقل من واقع خبرتي بالتعامل مع شرائح من السوريين في تركيا ولبنان والسعودية في السنوات السبع الماضية، لا دليل على أننا في سوريا كنا نشكل مجتمعاً واحداً، أو حتى مجتمعات، وبالتالي لا مضمون لتعبير “وطني” بالمعنى العميق للكلمة. فجيش النظام نفسه، وهو المفترض أنه يمثل “الجيش الوطني” بادر إلى قتل المتظاهرين المدنيين مع أول صرخة مطلبية لم تصل في منتصف آذار 2011 إلى درجة “الشعب يريد إسقاط النظام”.

ووصف “وطني” فضفاض أيضاً حتى في ما يتعلق بنا كأفراد سوريين، إلا إذا اقتصر المعنى على حبنا لبلادنا. ففي النتيجة، نحن السوريين أفراد فقط، بفعل غياب القانون، وابتلاع الحزب الحاكم لفكرة الدستور، ولهيبة القانون، وبفعل استقرار الفساد كممارسة منهجية عممها حكم الأسدين الأب والابن على المجتمعات السورية والأفراد السوريين.

وإذا كان هذا حال “الجيش العقائدي والوطني”، فحال “الجيش الحر” من ذاك. فلا جيش النظام مثَّل حالة وطنية، ولا “الجيش الحر”، في حال وجوده، كان في إمكانه تمثيل حالة وطنية.

وهذه الحالة كانت منظورة مبكراً في عامي 2012 و2013، حين سيطرت الفصائل المسلحة المعارضة على أكثر من 70 في المئة من مساحة سوريا، ونشأ سجال وقتها بين فصائل معارضة كبيرة وبين أعضاء في الائتلاف، حين كان الائتلاف يمتلك نوعاً من الإجماع على أنه يمثل الثورة السورية. دار السجال وقتها حول مسألة الديمقراطية في حكم “سوريا الجديدة”. ويذكر بعضنا “السفاهة” التي تكلم بها بعض قادة هذه الفصائل من مثل “ديموقراطيتكم تحت قدمي”، أو بما معناه “الديمقراطية شرك”،… إلخ. وكانت حال هؤلاء تقول “نحن من قاتل، ومن استُشهد، ونريد حكماً على نهج النبوة.”

“الجيش الحر” و “غصن الزيتون”

“الجيش الحر” و “غصن الزيتون”

طاولة مستديرة من إعداد هيئة التحرير في صالون سوريا

شكّل الهجوم التركي على عفرين ومشاركة بعض الفصائل الإسلامية والجيش الحربعملية غصن الزيتونثم قرار المشاركة المفاجئة في مؤتمر سوتشي، صدمةً جديدة لسوريين ومعارضين عقدوا أملاً في مرحلة من المراحل على الجيش الحروعلى إمكانية استقلاليته.

برأيك/ي:

هل حدثت خلافات أو مناقشات داخل الجيش الحروالفصائل المعنية، لتحديد مدى الاستقلالية عن المصالح التركية؟ وهل سُجلت أي معارضة لتنفيذ الأوامر التركية؟

هل توجد مسافة على الصعيد الإيديولوجي بين الجيش الحروالفصائل الإسلامية؟

برأيك/ي خلال السنوات الست الماضية متى كان الجيش الحر” “جيشاًأو حراً؟  بمعنىً آخر هل يشكل الجيش الحرمعارضة تمتلك خطاباً واضحاً واستقلالية معينة؟ وهل كان ممثلاً للسوريين أم أنه محكوم بقرار داعميه؟ وهل يمتلك رؤية سياسية لبناء دولة مدنية ديمقراطية؟

في ضوء هذا الحدث ذي الدلالة المهمة، في أي سياق يمكن وضع الجيش الحر؟ وهل هو  مخلص لتسميته؟  وإلى أي درجة ترى أن الجيش الحرلا يعكس مركّباً وطنياً؟

يدعو صالون سوريا الكتاب والمثقفين والمعنيين بالشأن السوري إلى مناقشة هذا الموضوع من منظور محايد ومستقل، قائم على تحليل نقدي وقراءة للواقع.

الجيش السوري الحر لم يكن موجوداً أبداً
علي العائد

-هل أصبحت فصائل “الحر” مرتزقة بيد تركيا؟
فريد حسن ياغي

عسكرة الثورة السورية والأخطاء القاتلة
أنور بدر

“الجيش الحر” من المظلة الجامعة إلى الفصائلية المائعة
طارق عزيزة

-من قال إن هذه الجيوش حرّة؟
عمر الشيخ شاعر

الأحلام لا تصنع جيشاً حراً
عمّار ديّوب

الجيش الحر والتبعية الإقليمية والدولية
بسام عيسى

الاغتصاب الحلال

الاغتصاب الحلال

سلعٌ بشرية تباع وتشترى في أسواق الحرب. إنها عودةٌ إلى أسواق النخاسة، بفارق أن الضحية هذه المرة تستر فضيحتها ومأساتها تحت عباءة الزواج الحلال.

فتياتٌ لم يودّعن ملاعب الطفولة والأحلام بعد، يُزجّ بهن في سجن زواجٍ مرعب، يُشرِّع اغتصابهن تحت مسمياتٍ كثيرة، ويجعلهن أمهات وهنَّ مازلن يلعبن بالدمى ويملأن الشوارع صخباً ومرحاً. هكذا، يكبرن فجأةً بقرارٍ تعسفي، يشبه حكم الإعدام، لا رأي ولا علم لهن به… يربين أطفالاً وهن لايزلن طفلات بحاجةٍ للحب والتربية والتعليم وحضن أمهاتهن. يصبحن ربات منزل، يَغسلن ويحضِّرن الطعام ولم يزل مذاق الحليب والبوظة والبسكويت معششاً في أفواههن. يحملن مسؤولية العناية بالزوج وتلبية طلباته وتحقيق المتعة له، قبل أن يجرِّبن أبسط متع الطفولة. يطالَبن بواجباتٍ قبل أن يحصلن على حقوقهن في التعلم وتنمية المهارات واكتشاف الحياة، حياتهن التي قُتلت قبل أن تُكتَشف.

 زواج القاصرات، حدثٌ لم يكن غريباً عن المجتمع السوري، لكنه قبل الحرب كان يخضع، إلى حدٍ ما، للرقابة الأخلاقية والإنسانية في المجتمع، وينحصر في بعض المجتمعات التي يحكمها الجهل والتخلف. أما بعد الحرب، فقد تحول إلى ظاهرةٍ خطيرةٍ متفاقمة اجتاحت كل أصقاع البلاد، وألحقت الأذى بالسوريين أينما حلوا، حتى باتت وباءً يفتك بالمجتمع ويقوض دعائمه ويدمِّر إنسانيته وبديهياته الأخلاقية.

في النزوح القاصرات قرابين للحرب  

هربوا من بطش الموت في مناطق الصراع نازحين نحو مناطق ظنوا أنها أكثر أماناً، لكن الحرب لحقت بهم، وداهمهم الموت عبر طرقٍ أخرى، ليجابهوا مصائب الواقع الجديد، حيث الذل والقهر، الفقر والخوف، يحدقون بهم من كل صوب، ويجبرونهم على تقديم أغلى ما لديهم كي يروضوا وحشية الحياة.        

لم تكن (أ) ابنة الثالثة عشر، تعرف معنى خاتم الزواج الذي وضع في إصبعها الغض، الخاتم الأشبه بقيدٍ يُدمي براءتها.

بعد نزوح عائلتها إلى ضواحي دمشق، اختفى والدها في ظروفٍ غامضة (اعتقال، خطف) تاركاً إياها مع أمها وأختيها يصارعن كوارث الحرب بواقعها الجديد. تحت وطأة العوز والخوف والعيش المرير، لم يكن أمام الأم من خيارٍ سوى الانصياع لصفقة الجار ذي الخامسة والأربعين عاماً، الذي اشترى ابنتها للزواج.

كان يلاحقها بنظراته ليل نهار ويقدم لها الألعاب والأطعمة ويرشي الأم المعدمة بالعطايا والمساعدات التي كان يغدقها على العائلة البائسة الغارقة في مستنقع الغربة والضياع والمهدَدة كل يوم بالتشرد في الشارع.

سكنت (أ) في بيتٍ واحد مع أبناء زوجها الذين كانوا بعمرها تقريباً، لتعيش حالة فصام، إذ تلعب معهم في غياب أبيهم كطفلة وفي حضوره تعود إلى دور الأم المزعوم، أما هم فكانوا يتساءلون عن أسباب نومها في غرفة أبيهم، ويندهشون حين يسمعون بكائها وصراخها في الليل، ويتألمون معها ببراءة على وجعٍ سيعرفون فيما بعد حجم كوارثه.

(ف) طفلة متسولة تبيع البسكويت، كنت أراها بشكلٍ شبه يومي تجلس وأخوها الصغير في إحدى شوارع دمشق ليستجديان من العابرين ما يسد رمق العائلة. مرت عدة أيامٍ لم أرها فيها، سألت أخاها الذي كان يتابع مهنته الشاقة، فأخبرني أنها تزوجت. اصطحبنا الطفل إلى بيتهم للقاء الأم. شقةً بائسة (على العظم) لا تصلح للعيش البشري، أُغلقت نوافذها بالقماش والنايلون وارتُجل لها باب. على أرضها، بين بقايا الرمل ومخلفات البناء، وضعت بعض الفرش والبطانيات. لا يوجد في هذا الخواء أي شي من متطلبات الحياة، فلا تصله أنابيب الماء أو خدمات الصرف الصحي وبالتالي لا يحتوي مطبخاً أو مرحاضاً.

تقول الأم ” فقدت زوجي قبل نزوحي مع أبنائي الأربعة ونتيجة لما عانيته، أصبحت ضحية أمراضٍ كثيرة، خاصة أمراض الظهر والمفاصل والأعصاب وبالكاد أستطيع السير على قدميّ.”

تتحدث بحزنٍ وألم عن زواج ابنتها: ” كان علي أن أنقذها من الذل والخوف وقسوة هذه الحياة، بيت زوجها أفضل ألف مرة من التشرد في الشوارع وسيسترها ويريحني من تحمل أعبائها، فجسدي المتهالك لا يسمح لي بالعمل لأنقذها من الجوع والمستقبل المرعب وأنا عاجزة حتى عن حماية نفسي.”

تزوجت الضحية (ف) من رجلٍ يكبرها بأكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً وهي لم تتجاوز الرابعة عشرة، وما زالت دميتها المصنوعة من القماش البالي، معلّقة على الجدار المقفر بجانب أمها المنهكة في مشهدٍ درامي مؤلم.

المناطق الساخنة ، بين مطرقة الجحيم وسندان الشرع والدين  

ويلات الحصار، الأوضاع المعيشية القاهرة ،الموت المجاني وانعدام الأمان. ظروفٌ عانتها مناطق سيطرة المعارضة، أجبرت كثيراً من الأهالي على تزويج بناتهم ليرتاحوا من أعباء حمايتهن وإعالتهن وهمّ انتشالهن من جحيمٍ تلقي فيه الحرب أمراضها وكوارثها عليهن لتميتهن في اليوم آلاف المرات، لذا حاولوا تقديم  تسهيلاتٍ كثيرة لطالبي الزواج، كعدم المغالاة في المهر، ليقتصر على ما هو رمزي، والتغاضي عن أصولهم وأعمارهم وأوضاعهم المادية وسلوكياتهم الأخلاقية. كما أن تناقص أعداد الشباب، بسبب الموت والإعتقال والفقر والهجرة، قد دفع ببعض أهالي القاصرات لاغتنام أية فرصةٍ لتزويج بناتهم، قد لا يحظون بها مرة أخرى، بل حاول بعضهم عرض بناته للزواج خوفاً عليهن من مستقبلٍ مجهولٍ لا تحمد عواقبه.

إن غياب القانون والمحاكم المدنية عن تلك المناطق وانحلال بعض القيم الإنسانية والأخلاقية في المجتمع الممزق والمتداعي أمام وحشية الحياة اليومية هناك، قد فتحا الباب لانتشار حالات الزواج العرفي الذي ساهم بدوره في تفشي ظاهرة زواج الأطفال، فأمر الزواج الذي كان حلماً صعباً ويحتاج إلى شروط تعجيزية – وفقاً لبروتوكولات معظم شرائح المجتمع السوري – كالنظر إلى حَسَب ونسب الزوج وأملاكه، قد أصبح اليوم أمراً يسيراً في غاية السهولة وفي متناول يد من يريد، إذ لا يتعدى الأمر حضور رجل الدين وشاهدين وورقة ما يُكتب عليها بضع كلماتٍ تسمى “عقد زواج”. أمام واقع الحال هذا، اغتنم معظم الرجال الفرصة ليس لكي يتزوجوا فحسب، بل لكي ينعموا بتعدد الزوجات، اللواتي كن في أغلب الأحيان  قاصرات.

بعد انتشار ظاهرة المد الديني في معظم المناطق الساخنة، ارتفع صوت الزعامات والمرجعيات الدينية المنادية بضرورة تزويج الفتيات لكي “يكملن نصف دينهن”، لذا راحت تبحث عنهن في البيوت لتضع يدها عليهن وتصادرهن كما الغنائم، بغية تزوجيهن بقرارٍ منها لا يعبأ برأيهن أو رأي ذويهن، كما حاولت حث الفتيات والفتيان على الزواج لإنقاذهم ـ بحسب زعمها- من الوقوع في شرك الخطيئة والفتنة. من جهةٍ أخرى عَملت بعض الفصائل المسلحة على استقطاب الشباب القاصرين للقتال في صفوفها، عبر إغرائهم بعروض الزواج الكثيرة، كتسهيل إجراءاته وتقديم الدعم المادي لإتمامه وتأمين الفتاة المناسبة. أمام هذه المغريات انساق كثيرٌ من الشباب المغلوب على أمرهم خلف تلك العروض وتسابقوا للفوز بها واغتنام ملذاتها، دون أن يعلموا أنهم ضحايا مآرب حقيرة. لكن المأساة الأكبر كانت من نصيب  فتياتٍ قاصراتٍ تم الزج بهن في أتون حروب نفسية وجسدية جديدة واستخدمن كوسائل للمتعة والترغيب وإتمام الصفقات، حيث أُجبرن تحت الضغط والترهيب وبحجة تطبيق أصول الشرع والدين على الزواج من رجالٍ غرباء ومشبوهين لا يعرفن شيئاً عنهم وبالكاد تعرَّفن إلى أسمائهم.

إن الأمراض والأخطار التي نجمت عن تلك الزيجات كانت كارثية. عقود زواج كثيرة ثبت أنها مزوّرة، لم تضمن للقاصر شيئاً من حقوقها بل جعلتها بنظر البعض بحكم الزانية . قاصراتٌ أصبحن أرامل وأنجبن أطفالاً أيتاماُ قبل أن يتعرفن على طقوس الحياة الزوجية، فتضاعفت مأساتهن وازدادت عليهن قيود الدين والمجتمع. أُخريات افترقن عن أزواجهن بعد أيامٍ من الزواج، نتيجة نزوحهن أو مرابطة الأزواج على جبهات القتال، ولا يعلمن شيئاً عن مصيرهم منذ سنوات. أطفالٌ ولدوا في تلك المناطق، هاجر آباؤهم أو ماتوا قبل تثبيت الزواج في المحكمة، فأصبحوا مجهولي النسب أو مكتومي القيد يتهددهم مستقبلٌ مجهول. 

سبايا بغطاءٍ شرعي

في مخيمات اللجوء نشطت أسواق النخاسة بشكلٍ علني، قاصراتٌ نُقلن إلى دول الخليج وغيرها كما تُشحن البضائع أو تم بيعهن إلى التجار والأثرياء وطلاب المتعة الذين وجدوا بالزواج العرفي غطاء شرعياً للاستغلال الجنسي. يكفي أن يرسل المشتري نقوده (تحت مسمى المهر) إلى سماسرة الزواج لترسل سلعته البشرية إليه، والبائع غالباً مغلوبٌ على أمره. فهو إن استطاع إنقاذ ابنته من مآسي وأمراض حياتها اليومية فقد لا يفلح في إنقاذ شرفه الرفيع من الأذى، فالعار يحدق بابنته في كل لحظة، حيث المخيمات تعج بالوحوش الباحثة عن فريسة، وقد تكون ابنته وشرفها ضحايا للافتراس.

تحدثنا (أمل)، التي عملت في مجال الدعم النفسي، داخل مخيمات اللجوء في لبنان، عن واقع الحال هناك “كان هناك سماسرة أو ما يعرف بـ (الخطّابين)، وعلى يدهم تمَّت أغلب صفقات الزواج من أثرياء وتجار وغيرهم. يلعب السماسرة دور الوسيط بين الزوج وعائلة القاصر، يعرضون مواصفات الفتاة على طالب الزواج أو يرسلون صورها إليه، ويفاوضون ولي أمر الفتاة بشأن المهر وأمور الزواج الأخرى. كثير من الزيجات تمت كزواجٍ عرفي ودون حضور الزوج.

من زاوية أخرى، تضيف أمل “إن انخفاض تكاليف الزواج  من سوريات المخيمات الباحثات عن خلاص ما، وارتفاع تكاليف متطلباته ومراسمه في معظم البلدان العربية إلى مبالغ خيالية، قد دفع بعض الشباب مختلفي الجنسيات من الباحثين عن زواجٍ ميسور لطرق أبواب المخيمات حيث عروض الزواج المغرية،  فابتاعوا أجمل الفتيات السوريات القاصرات بأسعارٍ بخسة، وكأن الأمر سوقٌ للعرض والطلب.”

“خياران أحلاهما مرّ” تتابع أمل متحدثة عن أسباب تلك الزيجات ” كانت العائلات السورية المنكسرة تنتظر سلة الإغاثة وكأنها صدقة وتتسول الدعم الشحيح للمنظمات التي تتحكم بلقمة العيش. ظروفٌ معيشية معدمة لا تصلح لكائنٍ بشري، شحٌ في كل متطلبات الحياة، ناهيك عن الكرامة المهدورة والذل والإهانة اليومية. وإن حظي رب الأسرة بفرصة عمل خارج المخيم فسيكون عرضة للاستغلال والتضييق والأذى وتلقي سهام العنصرية.  لكن الأمر الأكثر خطورة تمثل بانتشار حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي في معظم المخيمات، ذلك بسبب الظروف السكنية القاهرة والاكتظاظ البشري الهائل، إذ تعيش أعداد كبيرة من البشر في مساحاتٍ ضيقة لا يحظى القاطنون فيها بأية استقلالية، الأمر الذي يفتح الباب لكل الاحتمالات المؤلمة والمدمِّرة.

لقد شهدنا حالات اغتصابٍ كثيرة تم التكتم عليها من قبل أهالي الضحية بذريعة الشرف واتقاء الفضيحة، وهناك ما هو أخطر، فأحياناً قد تجد مراهقاً يتحرش بأخته وذلك بعد ضياع الدور التربوي الرقابي من قبل الأهل الغارقين في جحيم معاناتهم اليومية. حيال ذلك الواقع، أصبح تزويج الفتيات بنظر أغلب الأهالي هو طوق نجاة لهن، فبرأيهم : “الرمد خيرٌ من العمى”.  

تختتم أمل “كل يومٍ كنت أرى قاصراتٍ جدداً يخرجن من جحيم المخيمات إلى جحيم زواجٍ مجهول. من بين ستين فتاةٍ عرفتهن خلال عملي بتقديم أنشطة الدعم النفسي، تزوج منهن حوالى ثماني عشرة فتاة، وما يؤلم في الأمر أكثر هو أن معظم تلك الزيجات كانت بغرض المتعة فقط. كثيرُ من المتزوجات عُدن مطلقاتٍ إلى المخيم بُعيد أسابيع من الزواج، بعد أن أشبع مغتصبهن غرائزه الجنسية تحت غطاء زواجه المزعوم. وبالرغم من وعود معظم الأزواج بتثبيت الزواج في المحكمة وضمان حقوق الزوجة، تبين أن بعض تلك الوعود كانت زائفة، تضمر خلفها مآرب كثيرة كان أسوأها الاتجار بالقاصرات وتشغيلهن في بيوت الدعارة بعد تمزيق عقد الزواج الكاذب.”  

أخطار جسدية ونفسية

وفقاً للدراسات الطبية، لا يكتمل نمو جسد الفتاة قبل سن العشرين، وبالتالي فإن الحمل قبل هذا السن يعتبر أمراً بالغ الخطورة، وإن حصل فالحامل معرضة لفقر الدم وهشاشة العظام والتعب ومهددة بالإجهاض بأي لحظة، أما الجنين، فهو عرضة للتشوهات الخلقية والشلل الدماغي والإعاقة الحركية، وإن وُلِد معافىً فقد لا ينجو من سوء التغذية وانعدام العناية الطبية والنفسية، ليصبح مهدداً بتأخر النمو الجسدي والعقلي، فالقاصر ليست مهيئة أو متمرِّسة لكي تعتني بطفل، وعواطفها ومشاعرها لم تنضج بعد لتمنح الحب والعاطفة والتربية الصحية لطفلها، سُرقت من حضن أبويها قبل أن ترتوي من حنانهم وعاطفتهم، لذا غالباً ما تصاب بأمراضٍ نفسية وحالات فصامٍ واكتئابِ واضطراباتٍ في الشخصية، إذ كيف يمكن لطفلٍ أن يربي طفلا؟

الطفلة ” غ” ١٥ عاماً، أجهضت بعد حمل دام أربعة أشهر، التقينا بأمها التي شرحت لنا معاناة ابنتها: “خلال أشهر الحمل كانت تعاني من دوارٍ شديد وتعبٍ وكسلٍ دائمين، ولم تتمكن من الراحة لأنها تقوم بأعباء المنزل وخدمة زوجها. أصيبت بفقر الدم وأصبح لونها شاحباً، كانت تتقيأ كثيراً وتعاني من آلام في البطن والمفاصل والعظام وأصبح جسدها نحيلاً لا يقوى على الحمل فأجهضت.” ثم أخبرتنا عن ابنة أحد أقربائها وهي بعمر ابنتها، حبلى بشهرها السادس، تعاني من الأعباء ذاتها وتزور المستشفى كل حين لتحافظ على حياة جنينها. حالها حال الكثيرات ممن يقاوم جسدهن الطفل مشقة حمل طفلٍ آخر.   

القانون لا يردع الجريمة       

حدد قانون الأحوال الشخصية في سوريا في المادة السادسة عشرة منه أهلية الزواج للفتاة بتمام السابعة عشرة من عمرها، لكنه أجاز للقاضي إمكانية تزويج الفتاة في عمر الثالثة عشرة إذا تبين له صدق رغبتها وقدرة جسدها على تحمل أعباء الزواج. من جهةٍ أخرى، القانون غالباً لا يكون رقيباً على حالات الزواج التي تهرب من سلطته لتتم برعاية ومباركة الدين والشرع. فأغلب زيجات القاصرات تمت كزواجٍ عرفي بتشريعٍ ديني لم يعبأ بسلطة القانون لأن الأخير لم يحاول ردعه.

في السنوات الماضية ازدادت معاملات زواج القاصرات بشكل مضطرد، وبعضها جاء بعد سنوات من الزواج العرفي، إذ يحضر الزوجان إلى المحكمة لتثبيت الزواج بعد حمل الزوجة أو انجابها، فتضطر المحكمة لتثبيت الزواج دون النظر إلى أسبابه أو التحقيق بشأنه.

يقول المحامي أحمد “حتى اليوم لا يوجد قانون يُجرِّم زواج القاصرات، فهو ينهل معظم مواده من أصول التشريع الديني، إذن، هو يعترف ضمناً بالزواج العرفي و يبقي لسلطة الدين والمجتمع نفوذها في غياب من يحمي القاصرات ويتركهن عرضة للإجرام والإنتهاك.  لو حاول القانون معاقبة من يتزوج قاصراً أو يرغمها على الزواج فربما حينها سيردع حالات كثيرة، لكنه بدلاً من معاقبة الجاني يبرئه ويقر بزواجه. هذا القانون لا يردع جريمة الاغتصاب حتى، فهو يعفي المغتصب من العقاب إذا تزوج من اغتصبها، أو يخرجه من السجن بعد تثبيت زواجه منها.”   

من جهة أخرى يضيف المحامي “القانون لا يأخذ بيد القاصر، فلقد حصر سلطة الولاية عليها بالأب أو الجد، إذ لهما الحق الوحيد في الموافقة على الزواج،  لقد استثنى الأم من أن تكون وليةً على ابنتها أو شريكة في الولاية، فهي خارج الولاية حتى في حال وفاة الأب. لو تسنى للقاصر أن تقرر مصيرها بيدها أو سُمح لأمها بأن تكون شريكةً في قرار الزواج لكان يمكن لتلك الظاهرة أن تنحسر بشكلٍ كبير.”   

يختتم المحامي أحمد “في السنوات الماضية لم ينظر القانون إلى موضوع زواج القاصرات وفقاً لمعطيات الحرب، فكثير من حالات الزواج تمت تحت سطوة التهديد والإكراه والسلاح في بعض الأحيان، تلك السطوة لم تطل القاصر فحسب، بل طالت ذويها وأرغمتهم على الإذعان لرغبات طلاب المتعة وعصابات الاتجار بالنساء الذين احتموا بالزواج العرفي لكي يحققوا غاياتهم. كان بمقدور القانون أن يحد من تلك الحالات لو أنه منع الزواج خارج نطاق المحاكم ونظر إليه بعين الرقيب متحققاً من أسبابه وغاياته.”       

لا عدالة ولا منظمات إنسانية تحمي الضحية

 لو كان ثمة جهات أو منظمات إنسانية حقوقية اجتماعية تستطيع حماية القاصرات ومنع تزويجهن تعسفياً، فلربما أُنقذت الكثير منهن. بمعنى آخر، لو رفضت القاصر أن تتزوج فلن تجد من يأخذ بيدها أو يتصدى لمرغميها وإن هربت منهم فلن تجد ملجأً يأويها، فحتى منظمات حقوق الإنسان والطفل وقفت عاجزةً حتى اليوم عن منع تلك الجريمة، خاصةً في ظل الحرب المهيمنة على البلاد.

(م) طفلة بعمر الخامسة عشرة، كانت تعمل مع أمها في تنظيف المنازل وشطف الأدراج لتكسبا بعض النقود كي تعينهما على انتشال العائلة من الفقر والمرارة. أحد البيوت التي كانتا تعملان بها بشكلٍ أسبوعيّ، كان لرجلٍ متنفّذٍ يعمل لصالح إحدى الميليشيات المسلّحة.

ما إن رأى الرجلُ الأربعينيّ ُ(م) حتّى أُثيرت غرائزه الحيوانيّة، وراح يفترس طفولتها بنظراته الشبقة ويتحرش بها حين تسهو الأم عنه أثناء العمل. حين علمت الأخيرة بمآربه توقفت عن الذهاب إلى بيته، لكنها لم تنجُ وابنتها من مخالبه. ذهب إلى بيتهما وأرغمهما على العودة لعملهما الأسبوعي، وبكل فظاظة ورعونة، طلب الزواج من (م). لم تستطع الأم أن ترفض رغبته، فهي النازحة المكسورة والوحيدة في مكانٍ غريبٍ عنها، وهو صاحب النفوذ والسطوة فيه، أما زوجها فقد كان عاجزاً عن إبداء أي مقاومة لأن قذيفة حربٍ نالت من جسده فأضحى مشلولاً يقبع في السرير ولا يقوى على الحركة.    

تقول الأم  ” لقد نعتني ذلك الرجل بـ “الإرهابية” وهددني بسَجني مع أولادي إن رفضت رغبته أو حاولت الابلاغ عنه، وفوق هذا، كان يستطيع خطف الفتاة واغتصابها دون أي رادع، وأنا لا أستطيع الاستعانة بأحد أو الهروب إلى أي مكان. توجهتُ إلى إحدى المنظمات الإنسانية العاملة بالقرب من حينا فلم ألق معيناً، كان جوابهم أن الأمر خارج قدراتهم ويخشون من عواقب التدخل فيه.”

تحت سطوة الخوف والتهديد تزوجت (م) زواجاً عرفياً، لتدخل قفص مفترسها ليمزق جسدها كل يوم ويتمتع بطعم لحمها الطري.  

حتى اليوم لا يوجد في سوريا أية منظمات تعنى بشؤون القاصرات وحقوقهن، فكل ما يعنى بهن يندرج فقط ضمن منظمات حقوق المرأة ودعمها وتمكينها، ويقتصر دور تلك المنظمات، بما يخص القاصرات، على الدور التثقيفي التوعوي بخطورة وأضرار الزواج المبكر، دون الدخول إلى عمق المشكلة لحلها من جذورها. وبالرغم من حملات التوعية والمحاضرات التي قامت بها تلك المنظمات في الأماكن التي تنشط بها حالات زواج القاصرات للحد من تلك الظاهرة، ظلت عاجزة عن منع أيٍ من تلك الحالات لأن القانون والمجتمع لا يجيزان لها التدخل، لذا هي لا تستطيع دعم القاصر إلا بعد زواجها، حين تصاب الأخيرة بالأمراض النفسية والجسدية التي يخلفها ذلك الزواج.

تقول (نجاح)، التي تعمل كمرشدة نفسية اجتماعية في إحدى المنظمات: ” لا يمكننا الحد من تلك الظاهرة طالما أننا لا نملك غطاء قانونياً ولا نحظى بدعم مؤسسات الدولة وليس بمقدورنا مجابهة العادات والتقاليد وسلطة رجال الدين الذين يدعمون ذلك الزواج. ببساطة، نحن لا نستطيع الوقوف في وجه ولي أمر القاصر، إذ يمكن له، وفق القانون، أن يتقدم بدعوى قضائية ضدنا إن حاولنا التدخل لحماية الفتاة أو منع الزواج.”

وتضيف نجاح “في ظل الحرب بات الأمر أكثر تعقيداً، فاليوم يستطيع أي صاحب سلطة ونفوذ أو حامل سلاح أن يتزوج الفتاة التي يريد رغماً عن أهلها، ونحن ليس بمقدورنا التصدي لهؤلاء الوحوش الذين يحتالون على القانون ويهربون منه بطرقهم الملتوية، فهم يستطيعون إلحاق الأذى بنا وعرقلة عملنا إن حاولنا الوقوف بوجههم أو فضح قصص زيجاتهم. فقط بمقدورنا دعم ضحايا ذلك الزواج نفسياً ومعنوياً وعلاجياً وترميم جراحهن لإعادة تأهيلهن من جديد.”

وتختتم نجاح: ” حيال عجزنا عن منع وقوع تلك الجريمة، نحاول مساعدة الضحية بتعليمها وتثقيفها لتستطيع تربية أطفالها بشكل جيد، أو مساعدتها قانونياً في حال تعرضت للعنف والانتهاك من قبل الزوج أو رغبت بالطلاق، وهذا حال الكثيرات. معظم القاصرات اللواتي التقيتهن يرغبن بالطلاق، وهذه نتيجة طبيعية لزواجٍ قسري تعسفي، لذا بتنا نرى من ينتظرن بلوغ سن الثامنة عشرة، حيث يصبحن بالغاتٍ وفقاً للقانون، حتى يتسنى لهن رفع دعاوى الطلاق ضد أزواجهن.”

هي آلة قتلٍ جديدة، وإن كانت لا تسفك الدماء، لكنها إحدى طرق الموت المتعددة التي أحدقت بالسوريين في كل مكان. زواجٌ يفعلُ فعل سلاح الحرب، ويزرع أخطاراً وأمراضاً مدمِّرة يحصدها جيلٌ ضحية، سينتج بعد حينٍ جيلاً أشد تدميراَ وتمزقاً وأمراضاً.