بواسطة هيفاء بيطار | فبراير 11, 2021 | غير مصنف
وصل المواطن السوري فعلاً إلى مرحلة أنه بات يخشى أن يجن ويفقد عقله، وصار يشعر (كما كتب لي أحد الأصدقاء من الداخل السوري: “أحس أنني يجب أن أتعلم لغة جديدة!! كيف سأشرح لك؟ يعني تبقى لغتي هي العربية لكن علي أن أنطقها بطريقة مختلفة بحيث تبدو لغة جديدة، أي أشعر أنني لا يجب أن أكون أنا”. رسالته لي طويلة مضطربة مليئة بالتشوش الذهني والخوف فهو مثل ملايين السوريين في الداخل أصابه رهاب الاعتقال بسبب منشوراته على الفيسبوك؛ وختم رسالته بأنه يتمنى فعلاً على النظام لو يصدر نشرة تحدد للناس ما يجب أن يكتبوه حتى لا يُعاقبوا بجرم “وهن شعور الأمة”، وصدقاً لا أفهم كيف يمكن لشخص أن يوهن عزيمة ويوهن شعور أكثر من عشرين مليون سوري سواء كانوا في الداخل أو الخارج.
ذكرني المسكين بقصة مُخزية لكن طريفة حدثت مع أحد أعز أصدقائي وهو طبيب قلبية يعيش في باريس ومشهور طلبت منه إحدى الجامعات المهمة في السعودية أن يؤلف كتاباً عن “أمراض القلب والقثطرة القلبية باللغة العربية”، وفعلاً ألف الكتاب وذكر أنه من المفيد خاصة للرجل بعد الأربعين أن يشرب كأساً من النبيذ الأحمر يومياً فهو يفيد القلب، وطُبع الكتاب بنسخ أنيقة جداً. وبعد أقل من أسبوع تلقى الطبيب رسالة من عميد كلية الطب يأمره أن يغير كلمة “نبيذ لأنها خمرة أي مُنكر، وأن يستبدلها بعبارة عصير العنب المتخمر”. وفعلاً أتلفت كل النسخ التي تحوي كلمة نبيذ وتم استبدالها بعبارة “عصير العنب المتخمر”.
أستحضر تلك الحادثة لأنني أشعر أن ثمة رابطاً أو شبهاً كبيراً بينها وبين ما يحصل في سوريا مؤخراً من قرارات عجيبة غريبة وتجريم المواطنين بكتاباتهم على الفيسبوك “جرائم إلكترونية” لأنها توهن عزيمة الشعب السوري عالي العزيمة وعزة النفس ويتمتع بحرية التعبير ويفضفض عن مشاعره وأفكاره. وصُعق الناس بسجن مذيعة في التلفزيون السوري وتوقيفها في الأمن الجنائي لأن كتابتها على الفيسبوك في فضح الفساد والكلام عن الفقر يوهن عزيمة الشعب السوري! كما تم توقيف طالبة في كلية الصيدلة (عشرون عاماً) بسبب كتابتها على الفيسبوك، إضافة إلى توقيف العديد من المواطنين العاديين بسبب كتاباتهم التي توهن عزيمة الأمة أو تضعف الشعور الوطني للشعب السوري.
أصبح قول الحقيقة ووصف عيشنا الذليل ووصف طوابير الناس على الأفران جريمة إلكترونية توهن عزيمة الشعب السوري! أليس هذا التعبير بذاته أشبه بنكته سمجة في ظل ما عاناه السوري من قهر لا يتحمله نبي طوال عشر سنوات من جوع وتشريد واعتقالات وفساد مروع وخوف. هل منظر السوريين يزدحمون أمام مكاتب الصرافة ازدحاماً ينافس ازدحامهم أمام الأفران كي يقبضوا الحوالة التي يرسلها لها الأبناء والأقرباء كي يشتروا طعاماً ولا يموتون من الجوع (وطبعاً هم يقبضون ثلث المبلغ المُرسل لهم لأن الثلثين تأخذهما الدولة)، هل مجرد وصف هؤلاء يوهن عزيمة الشعب! هل العيش في ظلام شبه دائم حيث الكهرباء تتوفر بأعلى حد ثلاث ساعات طوال 24 ساعة والكتابة عن الظلام وتعطل الأجهزة الكهربائية لدرجة أن أحدهم قال إنه استبدل البراد بنملية لحفظ الطعام، هل وصف حقيقة الواقع جريمة توهن عزيمة الشعب السوري!
وماذا سيكتب الناس غير واقعهم ووجعهم، وهم يعرفون ويحتاطون في كتابتهم لأن في عقل كل واحد منهم عنصر مخابراتي مزروع داخل تلافيف دماغه يأمره أن يكتب بطريقة مُعينة ويحذره أن يتجاوز الخطوط الحمراء التي يعرفها حتى الطفل المقمط في السرير. ونجد معظم الكتابات تندرج تحت “الفعل المبني للمجهول” لدرجة أنني أعتقد أن أكثر شعب يستعمل الفعل المبني للمجهول هو الشعب السوري، فتجد كتابات وشكاوي “الله لا يوفقكم، الله يفجعكم بأولادكم، الله يسود عيشتكم مثل ما سودتم عيشتنا، وغيرها..)، لكن يعم الصمت حين تسأل هؤلاء من الذين تدعون عليهم بالموت والعقاب الرباني.
أيه نكتة سمجة مُخزية أن كتابات صادقة هي توصيف فقط للحياة أو الجحيم السوري يمكن اعتبارها جريمة إلكترونية! ويتم العقاب عليها وإجبار الشخص أن يكتب تعهداً ألا يكتب ما يحس به وما يوجعه وما يحلم به! كيف سيكتب الموطن السوري عن النور وسط الظلام! كيف سيصفون طعم السمك اللذيذ واللحم وهم ينتظرون يوماً كاملاً للحصول على خبز مُعجن لا تأكله الدواب! ما المطلوب من هذا الشخص أن يكتب أنه كان في قمة السعادة وهو ينتظر في ازدهار أزمة كورونا ساعات طويلة وسط حشد من الفقراء أمثاله للحصول على ربطة خبز، ربما عليه أن يعود إلى البيت ويكتب مدعياً أنه كان سعيداً بالشمس الساطعة التي أنسته ظلام الليل وانقطاع الكهرباء.
وإلى متى سيظل الرعب والتهديد يقبض على عنق كل سوري، فيشعر السوري أنه مُراقب حتى وهو في سريره مدثراً باللحاف! فبعد كل ما شهده السوري من فظائع وموت وتهجير وعيش ملايين السوريين في مخيمات النزوح البائسة هل من كتابة توهن شعورهم الوطني وعزة نفسهم! هم الذين تمرغت كرامتهم في وحل الذل والقهر والدم وصاروا يحسدون من مات ويقولون: “نيالو ارتاح”. لا أنسى ما كتبه أحدهم: “لم يعد لنا عزاء من انقطاع الكهرباء كل اليوم وخاصة ليلاً (من الساعة 7 حتى 12 ليلاً) لم يعد لنا عزاء من الظلمة والبرد القارس سوى صور النازحين تغوص أقدام أطفالهم في الوحل والطين والثلج.” شعور المواطن السوري بكرامته وعزة نفسه سحق سحقاً لدرجة قال لي الكثيرون: “عايشين وبالعين السكين وساكتين”. أظنهم استدركوا الآن أنهم لو كتبوا تلك العبارة على صفحتهم على الفيسبوك فسوف يتهمون بوهن شعور الشعب السوري.
بواسطة سلوى زكزك | فبراير 10, 2021 | Cost of War, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
تنهار بنية الحكاية، لم تعد دمشق مروية قابلة للسرد، فقدت المدينة روحها ومعالمها، خمد تدفق تفاصيل العيش، تحولت للوحات معتمة في معرض يعتمد على غياب الضوء، معرض للندوب، للجروح، للكلام الفاقد للغة وللمعنى، أوسع من العبث وأعقد من أن تفسره كلمات أو تتفهمه القلوب.
لوحة 1
في دمشق، أكياس خبز السندويش متروكة بدعة وأمان على عتبات المحال المغلقة. منذ الصباح الباكر تمر سيارات توزيع الخبز السياحي والصمون تضع حمولتها حسب طلب أصحاب المحال وتمضي، أزمة الرغيف باتت معضلة حقيقية، لكن لا أحد يفكر بأن يأخذ ربطة خبز أو حتى سندويشة صمون واحدة، رغم غياب الرقيب، في دمشق ينام الخبز على الحجر في أمان ووفرة، وأمعاء السوريين تترجى زيارته لها.
يكتسب الخبز قداسة كبيرة في وجدان السوريين، يطلبونه علناً ولكن لا يسرقونه، تشتكي سيدة من أن عدد أرغفة الخبز ناقصة في الربطة، يصرخ الجميع: كل شيء إلا الخبز! مع أن السوريين قد تخلوا عن طلب رغيف أو قطعة منه أو مجرد لقمة ممن عانى من ساعات الانتظار في الطوابير ليفوز بربطة أو أكثر، أو تمكن من شراء ربطة بسعر تجاوز الألف ليرة. تحول الخبز من لغة مشتركة إلى خط أحمر لا يمكن تجاوزه ولا النطق باسمه. بات مخجلاً ومربكاً جداً أن تطلب رغيفاً وتمضي. الرغيف يعني وجبة لشخص، زوادة لطالب أو لعامل، يعني وقتاً طويلاً ومهدوراً، يعني برداً وقهراً ووجع في الظهر وفي كامل الجسد، حتى رائحة الخبز المنعشة تحولت لانقباضات في المعدة ومثيرة لغصة في القلب.
لم تشهد أية مادة غذائية تبدلاً جذرياً ومأساوياً في آلية التعامل معها كما رغيف الخبز. كان خيطاً من التواصل المحبب والسخي والمألوف وانقطع بصورة دراماتيكية، جذرية وعنيفة غير قابلة حتى للاستفهام.
لوحة 2
تغرق دمشق في الظلام، وأنا أعبر الحارة الفرعية أحاول أن أهتدي بمصباح الهاتف النقال، ألمح ظل يد غريبة تحاول الوصول إلى هاتفي، يتضخم الرعب في داخلي، عتمة الطريق وعتمة الخوف، أصرخ وأقطع الطريق راكضة، يبتعد الشاب، يغرق في الظلام ويحتمي به. بات طبيعياً جداً أن ينتزع أحدهم جوالك من بين يديك، محفظتك، المبلغ المالي النقدي البسيط الذي بحوزتك، ما تبقى من نقود أعادها لك السائق أو بائع البسطة او البقال أو الفرّان؛ حتى مرتبك الشهري الهزيل قد يُسحب من يدك أو من جيبك وأنت واقف على آلة الصراف الآلي.
أصل إلى الشارع العام المحروم من الإضاءة أيضاً، وحدها أضواء السيارات العابرة تبدد قليلاً من وحشة العتمة، دراجات نارية بلا أضواء تعرفها من جعير أصواتها فتبتعد مذعوراً لتصطدم بأحدهم فيصرخ قائلاً بلهجة حانقة ومرتعشة: “كنت روحتني”. سيارات بلا مصابيح تحاذيك وتشاركك طريقك لدرجة التلامس المباشر بينكما، أبدل في وضعية الجوال، أقلبه ليسقط ضوء المصباح على الأرض، أعرف أن الحفر تلتهم الرصيف، وأن ما كان درجاً بين الرصيف العالي والمعبر المؤدي للجهة الأخرى قد تآكل وتحول إلى مجرد تلة صخرية منحدرة بشدة. عشرات الأشخاص يسيرون بغير هدى، أمهات يمسكن بأيدي أطفالهن، يتعثر طفل ويبكي آخر، يطلب طفل من أمه أن تحمله،هو مثقل بالنعاس وبالخوف، والأم تبدو وكأنها لا تسمعه؛ فجأة تصرخ حاثة أطفالها على الهرولة فقد توقفت إحدى الحافلات بالقرب منهم: “عجلوا، عجلوا)، وتركض قبلهم لتحجز مكاناً لها ولهم؛ وهم كالصيصان المذعورة يبكون ويركضون. تمتلئ الحافلة بالركاب وبعتب الأطفال على أمهم حيث ظنوا أنها حين سبقتهم لحجز المكان كانت ستتخلى عنهم وحيدين متسربلين بالخوف في وسط العتمة.
لوحة 3
أربعة فتيان يحدقون في صورة شاب معلقة على الجدران، هي ليست صورة بالمعنى الحرفي، بل إعلان عن فقدان شاب ودعوة لمن يعرفه أو يعرف مكان تواجده للاتصال برقم هاتف موضوع في أسفل الإعلان، يتضمن الإعلان صورتين للشاب المفقود، أولهما وهو يفترش الرصيف بمنامة متسخة وحالة من الانكسار المهين، وثانيتهما صورة له بكامل يفاعته وجماله وأناقته وابتسامته العريضة والمشرقة. يقول أحد الفتية مشيراً إلى مكان محدد قائلاً: “كان ينام هنا”. أما أنا فأتساءل عن سر دمج الصورتين معاً في إعلان واحد رغم التناقض الحاد بين الحالتين، هل يقصدون استدرار تعاطفنا! أم إبراز الحاجة الملحة للتعاطف أو لفعل شيء ما وعلى وجه السرعة؛ بحيث نبدو وكأننا نقول: “يا حرام كيف كان وكيف صار”، ونردف بكل ما في قلوبنا من رجاء: “يا رب يلاقوه بسرعة”.
حين يعتاد البشر الفقد والتشرد والتهجير والشتات، لا تكفي صورة واحدة لدب الحمية في النفوس من أجل المساعدة، بات المطلوب إضافة عناصر تشويقية تصل حد الذروة، تخيلوا التشويق في حده الأقصى من أجل تلبية الرجاء بالمساعدة، وبماذا؟ البحث عن ابن أو أخ أو زوج أو أب، كيف كان في عز راحته وجماله وكيف صارت أحواله، مرمياً على قارعة الطريق، وحيداً وضعيفاً. باتت المبالغة بإثارة المشاعر حتى حدودها القصوى ضرورية لإضفاء تفضيل أكبر للحالة، تثقيل عاطفي وأخلاقي لطلب الدعم، لو وضعوا صورته وهو في عز انكساره لقلنا كلنا: “أكيد أنه قد مات من الجوع أو من البرد”، أما تلاصق الصورتين في إعلان واحد فهو حالة إعلان حرب عاطفية حاشدة في مواجهة سطوة التعود على التغييب والفقدان والشتات، أن نكسو الحب والواجب بالدراما التشويقية المبالغ بإظهارها لغوياً وعاطفياً وحتى بالصور، لعمري هو وجه آخر من وجوه الحرب.
لوحة 4
في دمشق القديمة، شاب ينقي الحمص، تبدو الصورة مشرقة جداً، الحصى والتراب في كيس منفصل، الحبات الخضراء الصغيرة وأنصاف الحبات في وعاء خاص، والحبات الصالحة للسلق تتربع لامعة وفخورة بنفسها في قدر منفرد، يقول الشاب: “نحن لا نغش زبائننا، ومن اعتاد على نكهة الحمص الحقيقية في وجباتنا لن يعود أبدا لعندنا إن تنازلنا عن عادات الجودة المتأصلة”. يسمح لي بالتصوير ويريني حبات الحمص الناضجة والشهية. على الرصيف الضيق المقابل فتاتان تقطعان الخبز الجاف لإعداد الفتة لزبائن المحل، حضور النساء وخاصة الفتيات جلي وواضح في سوق العمل حتى في مطاعم الفول والحمص والفطائر، يقول المعلّم للفتاة : “صغري شقف الخبز، هيك بيغص الزبون”. تلمع في عينها دمعة وتقول: “لم نأكل الفتة منذ وفاة والدي الذي كان يعدها لنا شخصياً، حتى أمي لا تعرف إعداد الفتة!”
تترك شابة طاولتها الثابتة على الرصيف بعد أن أنهت وجبتها من الفول، يتبعها طفلان صغيران، يطلبان بعض المال، يلح الأصغر مقترباً منها أكثر تقول لهما: “مصاري ما في، سأشتري لكما فطاير”. يرفضان بشدة ويطلب الأكبر منها سيجارة، تنذهل الشابة، أصرخ بهما: “سيجارة!” يؤكد الطفلان على طلب سيجارة ويصرّ الأصغر على الطلب بعبارة: “خرمانين ع سيكارة وما معنا مصاري”.
بعد أمتار قليلة ثلاثة من طلاب المدارس الهاربين يلاحقون شابتين، يقولون لهما بنبرة مائعة وبصوت واحد: “يا حلو يا حلو”، تغضب إحدى الشابتين وتضحك الأخرى. يصرخ بهم رجل عابر قائلاً: “هدول متل أخواتكن”. يصرخ الثلاثة في صوت واحد : “أخواتنا ممنوع يطلعوا من البيت!”
يسألهم الرجل عن اسم مدرستهم، ينكرون أنهم طلاب، يعترف أحدهم بأنهم هربوا من المدرسة وأودعوا حقائبهم المدرسية شبه الفارغة مع أحد أقرانهم الذي يعمل في جمع قمامة وتنظيف الأراجيل في مقهى شعبي قريب.
تتزاحم اللوحات على جدران آيلة للسقوط وفي ترتيب عجائبي ينتمي لسريالية مغرقة في العدم، تتناسخ الشخصيات المعلقة وكأنها مجرد مجسمات صممت لمعرض يزعمون أن شخوصه من لحم ودم ولهم رائحة بشر ناطقين بكافة اللغات.
تترصد دمشق شخوصها، تتنكر لهم، تتركهم معلقين ما بين الهاوية والسماء، تتسلل من بينهم لابسة طاقية الإخفاء، لم تعد قادرة على سماع أنينهم ولا رؤية جراحهم النازفة، من قال إن التجاهل العمدي ليس واحداً من أشكال الحب تحت ضغط الحزن وفقدان الحيلة!
من فرط التعب أسلمتكم للعبث، علّه يجعل الموت لعبة استغناء ساخرة، أو ربما يفيض العبث بجذوة للعيش تخرج من بطن العتمة وتصرخ: “لقد أكل الغول أولادي! فأعينوني على نفخ الروح فيهم”.
بواسطة طارق علي | فبراير 8, 2021 | Cost of War, غير مصنف
للشهر الثاني على التوالي تستمر أزمة البنزين الخانقة في سوريا. يبدو المشهد مكرراً ويحاكي الأزمة التي عاشها السوريون اعتباراً من أواخر أيلول/سبتمبر الفائت وحتى تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، حيث امتدت طوابير الناس على محطات الوقود لعدة كيلو مترات وقتذاك وصار الحصول على مادة البنزين للسيارات يتطلب انتظاراً يستغرق يومين في بعض الأحيان. وعن الأزمة في ريف دمشق نشر مؤخراً سائق يدعى أحمد. غ منشوراً على فيسبوك يقول فيه: “محطة… في منطقة… توزع بنزين من الجمل أذنه وتصرف عشرات السيارات بحجة نفاذ الكمية بعد انتظار 11 ساعة في البرد الشديد، نجرجر سياراتنا بلا بنزين هلأ”، ليعبر عن استيائه لغياب المسؤولية عن مراقبة الكمية المباعة. إلا أن الحال يبدو أفضل مع جندب. د الذي نشر تدوينة يحمد الله فيها على تمكنه من تعبئة البنزين بعد انتظار ثلاث ساعات فقط.
أزمة وتناقض في التصاريح
يكاد يكون مشهد الأزمة اليوم مطابقاً للأزمة الماضية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفارق الزمني بين الأزمتين كان أقل من شهرين، آنذاك حُلَت الأزمة مباشرة ودون مقدمات بمجرد أن تم رفع سعر البنزين المدعوم من 250 إلى 450 ليرة سورية وغير المدعوم من 450 إلى 650 ليرة سورية، رغم تأكيد وزير النفط في الحكومة السورية خلال الأزمة وفي لقاء مع قناة الفضائية الرسمية السورية بأنه لن يكون هناك أي رفع لسعر البنزين تحت أي ظرف، لكنّ شهراً إضافياً واحداً كان كفيلاً بإسقاط وعود الوزير الذي بدا واثقاً منها للغاية. هذا الوضع أضاف سبباً جديداً من جملة أسباب متراكمة بمجملها أدت لفقدان الثقة بين الشعب وحكومته، وحتى أَخذ الناس باتجاه المشكك دائماً في كل تصريح رسمي، سيما التصريحات التي تنفي حدوث أمر، فيحدث في القليل القادم، الناس لا زالت تتذكر تصريح الحكومة بأنّ الخبز خط أحمر ليرتفع سعره بعد أسابيع بالتزامن مع ازدحام وطوابير جديدة على دور الخبز في الأفران.
وعود حكومية
بررت الجهات المسؤولة الأزمة الماضية بأنها متعلقة بنقص التوريدات من جهة، وإجراء عملية عمرة شاملة لمصفاة بانياس. السببان معاً جعلا ضخ المادة للأسواق ينخفض إلى أكثر من النصف أحياناً، وسط وعود بأنّ انتهاء عمرة بانياس سيحمل انفراجاً وفيراً للمادة في السوق، إلا أنّ الانفراج المفاجئ جاء بعيد رفع سعر المادة مباشرةً، ليطغى على الشارع تساؤل حول الأزمة، فما الرابط بين توافر المادة فوراً بعيد رفع سعرها لحوالي الضعف.
الأسباب من وجهة نظر رسمية
بررت وزارة النفط والثروة المعدنية الأزمة الحالية بضعف التوريدات وهو أمرٌ مفهوم في ظل حصار قيصر/سيزر الأمريكي على سوريا، والذي يمنع وصول المشتقات النفطية إليها، ويحظر عليها الاستيراد، ويهدد أي دولة تتعامل اقتصادياً مع دمشق بعقوبات قاسية.
وقد قالت الوزارة في بيان رسمي لها في العاشر من كانون الثاني/ يناير الفائت: “نتيجة تأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها إلى القطر بسبب العقوبات والحصار الأمريكي الجائر ضد بلدنا، وبهدف الاستمرار في تأمين حاجات المواطنين وإدارة المخزون المتوفر وفق أفضل شكل ممكن؛ فقد تم وبشكل مؤقت تخفيض كميات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة ١٧% وكميات المازوت بنسبة ٢٤% لحين وصول التوريدات الجديدة التي يتوقع أن تصل قريباً وبما يتيح معالجة هذا الأمر بشكل كامل.”
ووفقاً لسانا كانت قد قالت وزارة النفط والثروة المعدنية في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير أنه تم “بدء ضخ كميات إضافية من البنزين والمشتقات النفطية إلى المحافظات إثر عودة مصفاة بانياس للعمل بعد وصول شحنة من النفط الخام”، إلا أنه حقيقة وعلى أرض الواقع لا زال الازدحام هو المشهد الأبرز على كل محطات وقود البلاد، ما يضع الوزارة مرةً جديدة في خانة المتهم أمام الشعب، فقد برعت غير مرة في إطلاق وعود عجزت عن تحقيقها.
تخفيض الحصة المدعومة
قالت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات) في الأول من شباط الجاري عبر بيان رسمي أنه قد تم نقل 25 ليتراً من الشريحة المدعومة للسيارات الخاصة إلى الشريحة غير المدعومة بحيث تصبح المخصصات 75 ليتراً مدعوماً و125 ليتراً غير مدعوم دون أي تغيير في الكميات الإجمالية للسيارات الخاصة أو كميات التعبئة والمحددة بأربعين ليتر كل سبعة أيام. وأضاف البيان أنه لن يكون هناك أي تغيير على مخصصات السيارات العمومية (مخصصاتها تبلغ 350 ليتراً مدعوماً شهرياً).
قبل هذا القرار كانت حصة السيارة الخاصة مئة ليتر مدعوم من البنزين، ومئة ليتر غير مدعوم، وبالتأكيد فإنّ قراراً كهذا جاء مدروساً ومتوقعاً في إطار رفع الدعم جزئياً، فبدل أن تطالع الحكومة شعبها برفع سعر المئة ليتر المدعومين، حولت 25 ليتراً منهم إلى الشريحة غير المدعومة، وبذلك تكون الحكومة قد قللت الكمية عوضاً عن أن ترفع سعرها فتحدث صدمةً إضافية في الشارع.
حسبة اقتصادية
ويمكن بتحليل اقتصادي سريع تشريح القرار بحيث يكون تقليل الكمية قد جاء عوضاً عن رفع سعر الليتر إلى 525 ليرة سورية، فيدفع المواطن سعر ال75 ليتر (35.625 ليرة سورية)، ويدفع ثمن الـ25 ليتراً غير مدعوم (16.875 ليرة سورية)، ويكون مجموعهما (52.500 ليرة سورية)، بينما كان سعر المئة ليتر المدعوم (47.500 ليرة سورية)؛ فيترتب بالتالي مبلغ خمسة آلاف ليرة سورية إضافية على السائق، وبتوزيع مبلغ الخمسة آلاف على مئة ليتر السابقة، يكون ارتفع سعر الليتر خمسين ليرة سورية، وبالتالي دفع زيادة خمسة آلاف ليتر زيادة عن كل مئة ليتر، 75 منها مدعوم، و25 مخصوم من الدعم.
في حين كانت منشورات الناس المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الأزمة الحالية تتخوف أن تستمر الأزمة حتى يتم رفع السعر أسوةً بالأزمة الماضية، فقد نشر الإعلامي السوري نزار الفرا تدوينة تهكمية على فيس بوك قال فيها: “يا الله كل ما انزنقتم ارفعوا سعر البنزين!!”، ليتبعها بهاشتاغ يقول فيه: “كل ما تتزنق اقلع”. فيما نشر السائق محمد. م منشوراً يفصل فيه الأزمة على الشكل التالي: “شبه أزمة، ثم أزمة مع تصريح انخفاض توريدات، ثم أزمة خانقة، ثم يقول الشعب: غلوه بس وفروه، ثم تقول الحكومة أنه لا نية لديها لرفع السعر والحل اقترب وهو نهائي ولن تتكرر هذه الأزمة مجدداً، ثم يصل الشعب لحالة اليأس، وعلى الفور تصل التوريدات وتجتمع اللجنة الاقتصادية ويبدأ الفرج، ثم يرتفع سعر البنزين، وبعد الخطوة السابقة بساعة يتوافر فوراً في المحطات وتعم الأفراح، وأخيراً تعود لتتمكن من التعبئة في دقائق”.
إذن، تم تخفيض الشريحة المدعومة فعلاً، ليتساءل الناس: هل سيتوافر الآن البنزين فجأة!
بواسطة Safi Khattar | فبراير 4, 2021 | News, Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
على الرغم من التقارير والأخبار اليومية عن فيروس كورونا وانعكاساته المباشرة على حياة كل البشر، لازال هناك الكثير من الأسئلة العالقة دون إجاباتٍ حتى هذه اللحظة، ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بالوقت اللازم للخلاص من هذا المرض والسيطرة عليه فهل سيبقى بيننا للأبد كما فيروس الرشح مثلاً أم أنه سيختفي بعد فترة ؟ كذلك الأسئلة الكثيرة التي رافقت الإعلان عن إيجاد لقاح للفيروس سواءٌ بما يتعلق بفاعلية اللقاح أو آثاره الجانبية أو ما يشاع حوله من نظريات المؤامرة المنتشرة، وغيرها الكثير من الأسئلة المفتوحة التي حولت المرض من حالة طارئة ومؤقتة إلى واقع قائم ودائم. ومن هنا فإنّ العلاقة ما بين الإنسان والمرض أخذت شكلاً أكثر وضوحاً وواقعيةً إذ أصبح التعامل مع الفيروس مواجهةً لا تخلو من أبعاد وجودية وفلسفية سواء من ناحية فهم المرض والتعامل معه أو من ناحية ما حمله من تغييراتٍ جذرية في علاقات البشر ونظم حياتهم الموجودة وأنماط عملهم وما نتج عن ذلك من ضرورة إيجاد لغة ومفاهيم جديدة تعبر بنا إلى ما بعد الفيروس كخطوة ربما تكون الأهم لنا كبشر لنرى الحياة على هذا الكوكب من زاوية جديدة. وربما يصحُ القول “أنّ ما قبل كورنا ليس كما بعده أبداً”، ليس لأن هناك أشياء جديدة فحسب بل لأن الجائحة قد وضعت كل الأسئلة المؤجلة في الواجهة وبات هناك اليوم الكثير من الوقت للتأمل والتفكير فيها، بدءاً من كيفية التعامل مع المرض والنتائج الكارثية التي خلفها في كل نواحي الحياة ووصولاً لإعادة النظر بالسياسات التي تتبعها الدول وشروط الأولوية فيها، ما دفع الكثيرين لاعتبار أن جائحة كورونا قد تكون بداية التغيير نحو نظام عالمي جديد.
ومن الصحيح القول أيضاً أنّ كل ما سبق قد لا يعني للسوريين شيئاً، فكورونا ليس سوى مجرد تفصيلٍ صغيرٍ في واقعٍ معيشيٍ يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. خلال دوامها اليومي تضطر سلمى (40عاماً، موظفة في قطاعٍ حكومي) أن ترتدي الكمامة لتعبرَ فقط من الباب الرئيسي، وتخبرنا بأنه “ممنوع الدخول إلى العمل بدون لبس الكمامة، فالحراس على الباب الرئيسي يجبرون الموظفين والمراجعين أن يرتدوا الكمامة عند الدخول، ليس قناعةً منهم بضرورة ذلك ولكن لأن الباب مراقب بكاميرات موصولة بمكتب المدير العام والتعليمات صارمة حيال ذلك حيث وُضعت في كل مكان من العمل. لكنّ المضحك والمزعج أيضاً في الموضوع أنّ الجميع حال دخولهم من الباب وعبور الكاميرات يخلعون الكمامات ويدسونها في جيوبهم ضاربين بعرض الحائط كل التعليمات الصحية بضرورة التباعد ولبس الكمامات والتعقيم وكذلك الأمر بالنسبة للمراجعين أيضاً. إضافة لذلك يوجد بسطة على الشارع بالقرب من الباب الرئيسي تبيع الكمامات لمن نسي أن يحضر كمامته بمختلف أشكالها وألوانها، كمامات جديدة وحتى مستعملة أيضاً، والطريف بالقصة أنّ البسطة ذاتها التي تبيع المراجعين تعود وتشتري الكمامة منهم بنصف ثمنها إذا أرادوا أن يبيعوها عند خروجهم”.
وتضيف سلمى “في مشهدٍ يبعث على الحزن والأسف أيضاً طلبت معلمة ابنتي من الطلاب في الصف الثالث الابتدائي أن يرسموا لوحاتٍ تعبر عن كورونا للمشاركة في مسابقة حول ذلك، في الوقت التي تكتظ فيه قاعات التدريس والصفوف بأكثر من أربعين طالباً يجلسون كل ثلاثة منهم في مقعد وكما الحال في دوائر الدولة كذلك في المدارس وبين الطلاب، فالهدف الأساسي من الالتزام بالقواعد هو الخوف من العقوبة وتجنبها فقط، فالمهم أن يقف الطلاب في الاجتماع الصباحي في الأماكن المخصصة لكل واحد منهم والتي رسمت بعناية على أرضية الباحة بالإضافة لارتداء الكمامة أمام المدرسين والإدارة”.
إلى جانب الاستهتار بقواعد التباعد الاجتماعي وطرق الوقاية من جهة، والعجز بسبب الفقر وحاجة ملايين السوريين للعمل اليومي من جهة أخرى، فإنّ البيانات التي تنشرها وزارة الصحة السورية والتي تقوم بتحديثها دورياً، تعوزها الشفافية والدقة، خاصةً وأنّ العديد من المصابين لا يمتلكون تكاليف الفحص وبالتالي فإنهم غير ممثلين بالإحصاءات، ولا سبيل للتحقق من أسباب الوفاة والتي وصلت إلى 929 حالة وفاة فقط بسبب الكورونا بحسب الإحصاءات الرسمية (الصورة رقم ١).
الصورة رقم (١): الإحصاءات الرسمية لحالات الإصابة بفيروس الكورونا بحسب وزارة الصحة السورية
ويدور الحديث اليوم عن مشاوراتٍ ومراسلاتٍ تجريها الحكومة السورية لجلب لقاحات كورنا لكن حتى الآن بقي اللقاح مجهول المصدر في الوقت الذي يرجح فيه اللقاح الصيني أو الروسي مع استبعاد الأمريكي، ولم يُعرف حتى اليوم فيما إذا كانت الحكومة ستدفع ثمن اللقاحات أو ستأخذها كمساعداتٍ من الدول الداعمة. لكن ما فتح أبواب الإشاعات بين عامة الناس تلك التسريبات عن عدد اللقاحات التي ممكن أن تصل إلى سوريا والتي يُرجح أنها بحدود المليوني لقاح، وهنا بدأت التكهنات والتعليقات حول الموضوع فبرأي محمد (بائع أحذية، 38 عاماً)”سيفتح اللقاح باباً جديداً للفساد والربح، يُضاف إلى القائمة الطويلة في البلد وسنرى الكثير من المحسوبية في توزيع اللقاح، بحيث لن يتم إعطاؤه حسب الأولويات الطبية بل لمن يدفع أكثر أو ممن لديه معارف وأصدقاء يدعمونه”
يضرب محمد مثالاً يؤكد رأيه عن حادثة جرت معه في مستشفى البيروني بدمشق أثناء مرافقته لوالده لأخذ جرعة الدواء الكيماوي كونه مصاباً بسرطان الأمعاء. يقول محمد “سمعت الممرضات في المشفى يتكلمون نقلاً عن أحد الأطباء المشهورين قوله بأنّ هناك احتمالاً بأن يُستثنى مرضى السرطان من أخذ اللقاح بحجة أنّ الكميات محدودة ولا أمل كبير لديهم في الشفاء بحيث تبقى الأولوية للأصحاء، ما دفعني لمقاطعة الممرضات بغضبٍ كبيرٍ، فسواء كان الكلام صحيحاً أو مجرد إشاعة فالمنطق المبني عليه بشع للغاية ولا يمكن تحمل طرحه أو الحديث فيه لما فيه من فوقية واستعلاء وتجني أيضاً، علماً أن مرضى السرطان هم أحوج الناس للقاح كونهم مصنفين ضمن الفئات الأعلى خطورة في شدة الإصابة إذا ما حدثت وقد تؤدي بنسب كبيرة إلى وفاتهم”.
يبقى إنكار كورونا المشكلة الأكبر حتى الآن، فعلى الرغم من مضي عامِ على تفشي الوباء في كل مكان والوفيات الكثيرة التي سببها، لا يزال قسمٌ كبيرٌ يعتبرون الأمر “مجرد إشاعات وأوهام ليس أكثر وأنّ ما يجري هي مؤامرة عالمية لبسط السيطرة والنفوذ والتأثير في الاقتصاد والسياسة وتكريس هيمنة الدول الرأسمالية على العالم” على حدّ تعبير سامر ( موظف سائق في شركة خاصة، 46 عاماً) فهو مقتنع بما يقول ويؤكد بأنّ الكثير من الوفيات لأشخاص يعرفهم سجلت بسبب كورونا بينما الحقيقة أنها حدثت بسبب مرضٍ آخر، لذا فهو لن يقبل بأخذ اللقاح أبداً.
نتيجةً لذلك فقد علت الكثير من الأصوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بجعل اللقاح إلزامياً على الجميع وتوفيره مجاناً وإلا فلا نفع من أي إجراءاتٍ للتغلب على المرض.
ومن جهةٍ أخرى يُحاول السوريون التعايش مع حالة المرض واعتباره من “أهل البيت” بحسب رأي سعيد (صاحب دكان صغير، 56 عاماً) حيث يرصد من أمام دكانه ما يحمله له الشارع من قصصٍ وحكاياتٍ، ومن تلك القصص يقول سعيد “أمام المحل هناك سيارتا أجرة تنتظران الزبائن وقد خرج السائقان من داخل سيارتهما متفحصين وجوه المارة، وإذ بفتاتين تفتحان باب إحدى السيارتين وتهمان بالصعود، فما كان من السائق الآخر إلا أن صاح مازحاً بالفتاتين إياكما الصعود إلى السيارة لأنّ زميله مصاب بكورونا، ما جعل الصبيتين تصدقان الأمر في البداية وتتراجعان قبل أن ينفجر السائق ضاحكاً ساخراً من صديقه”.
وعن حادثةٍ أخرى يتابع سعيد سرد قصصه “بعض الباعة القريبين مني استغلوا هلع الناس بالمرض، فأصحاب محلات الألبسة وضعوا عروضاً وهدايا لكل من يشتري وهي عبارة عن جوز قفازات وكمامة بالإضافة لوضع علبة معقم كبيرة بمدخل المحلل لتعقيم أيدي الزبائن، ووصل الأمر لوضع إعلانات مكتوبة على الواجهة تحت عنوان (تنزيلات كورونا، أو عروض كورونا)، بينما بائع بسطة الخضرة القريب يصيح بأعلى صوته (ليمون وبرتقال للكورونا، قرب يا حباب على فيتامين سي) “
أخيراً يبدو أن كورونا قد أصبح حقاً من أهل البيت، فلم تعد الإرشادات الطبية بالتباعد والتعقيم والكمامات هي وحدها من يحدد كيفية التعامل مع الجائحة بل أصبح للناس طرقهم في التأقلم مع المرض واستيعابه ومجاراة مستجداته، لذا فلا عجب أن نرى بعض الأشخاص وقد ارتدوا الكمامات في يوم وخلعوها في يوم آخر أو عانقوا وصافحوا في مكانٍ وامتنعوا في آخر وكأنّ الكورونا تأتي وتذهب على هواهم، يبقى القول في النهاية أن ما حملته هذه الجائحة من تغيرات ربما لن يبقى محصوراً بما نعرفه اليوم بل قد يتعدى ذلك إلى مفاصل جديدة في قادم الأيام.
بواسطة Salon Syria Team | فبراير 3, 2021 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
يتفاقم الوضع المعيشي والإنساني في سوريا، يوماً بعد يوم. وأثار هذا الوضع المتردي غضب السوريين سواء من يعيش منهم في مناطق الحكومة أو خارج سيطرتها، لأنه يؤثر في الناس مباشرة. وصار يُطلق على سوريا من باب التهكم اسم “جمهورية الطوابير”، إشارة إلي الأعداد الهائلة من السوريين التي تصف على الدور في انتظار الخبز والغاز والوقود، ما انعكس على الحياة اليومية.
وانتشرت في الإعلام الاجتماعي صور سوريين يشكلون طوابير بلغ طولها كيلومترات بانتظار وقود أو جرة غاز أو ربطة خبز، وسط انتقادات في دمشق لغياب رؤية حكومية لحل الأزمة، وفي ظل لامبالاة روسية وإيرانية ودولية، في وقت تشتد وطأة العقوبات الغربية وخاصة بعد “قانون قيصر” الأميركي.
لتسليط الضوء على الجوانب المختلفة لهذه المسألة – المعاناة، يُنظم “صالون سوريا” طاولة مستديرة لمناقشة ذلك، ويدعو كتاباً وخبراء، إلى مناقشة المواضيع والقضايا التالية:
1- ما هي أسباب الازمة وتفاقم معاناة السوريين داخل البلاد؟ هل السياسات الداخلية أم العقوبات الخارجية؟ سلوك حلفاء دمشق؟
2- أسباب انهيار الليرة السورية، وكيف يمكن تحليل التفسيرات والسرديات الرسمية للحكومة في هذا الخصوص؟
3- ما تأثير “قانون قيصر” على الوضع الاقتصادي في سوريا؟
4- ما هي أسباب الوضع المتدهور الحالي في سوريا وما هي السياقات التاريخية؟
5- ما انعكاس التدهور الاقتصادي في لبنان على الوضع الاقتصادي في سوريا؟
6- ما أسباب انقطاع الوقود والغاز وارتفاع أسعار المواد الغذائية؟
7- كيف يلعب تدهور الزراعة في سوريا دوراً في الأزمة المعيشية؟
8- ما دور النفط السوري في الأزمة الحالية؟ وكيف تدير الجهات المشرفة على حقول النفط السورية عمليات الإنتاج والتوزيع؟
9- كيف يمكن تحليل اقتصار الدعم الروسي على الجانب العسكري فيما تغفل روسيا مدّ يد المعونة الاقتصادية للشعب السوري؟
10-ما أسباب تراجع دور إيران الاقتصادي، خاصة أن إيران كانت تمد الحكومة السورية القائمة تاريخياً بالوقود؟
11- ما طبيعة الحلول الاقتصادية المقدمة في المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام؟ وكيف تُدار الأمور هناك؟
12- ما هو تأثير تفشي كوفيد ١٩ والفيروسات المتحورة عنه على مستقبل الاقتصاد السوري؟
13- ما هي الحلول والسبل للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية الراهنة؟
يتطلع فريق ” صالون سوريا” لاستقبال المواد لمناقشة هذه الاسئلة.
ستنشر المواد الواردة تباعاً وتفعل روابطها:
كورونا: تفصيلٌ صغيرٌ في يوميات السوريين
لوحات دمشقية: تنافر العيش في وفرة العتمة
الموزاييك: حرفة تلفظ أنفاسها الأخيرة
شتاء سوري طويل دون تدفئة
“لم يتبقَّ شيءٌ للبيع غيرُ كليتي”
الفقر يدفع النساء لبيع شعرهن في سوريا
لماذا خسرت سوريا نصف ثروتها الحيوانية؟
الطب البديل خيار استراتيجي لمن لا يملك ترف الاختيار
السوريون أحياء لكنهم لا يعيشون
سوريا والعيش في وفرة العتمة
ما الفوائد التي تجنيها روسيا من الأزمة الاقتصادية الخانقة في سوريا؟
شهادات أطباء متضاربة حول أداء المستشفيات خلال جائحة كوفيد-١٩
“جيل ضائع” بإدلب بين تسرب التلامذة وهجرة الاساتذة
“الخبز الذكي” و الليبرالية الجديدة الحمقاء
الانتحار في سورية: أزمة حرب أم ظاهرة طبيعية
عمال المياومة: أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية السورية
غلاء المعيشة يغير تقاليد عيد النوروز
موسيقى الشباب في سورية: بين الحرب وكورونا
السخرية في مواجهة العدم
بواسطة Salon Syria Team | فبراير 2, 2021 | Cost of War, Reports, غير مصنف
لا شك أن الوضع العالمي الناجم عن تفشي وباء “كوفيد ١٩” ألقى بظلاله على الصحافة الإلكترونية والمطبوعة، خاصة في منطقتنا العربية. وتأثر موقعنا، ”صالون سوريا“، بهذه الظروف العامة، ما أدى إلى خفوت نشاطه وتعليق استقبال مواد جديدة من كتاب وصحفيين في الفترة القصيرة السابقة. لكن، مع بداية العام الجديد يعود إلى قرائه، ويواصل تسليط الضوء على الشأن السوري بمختلف جوانبه واشكالياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الظروف التي فرضها تفشي الوباء، وصعوبة التنقل بين البلدان، والأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا ودول الجوار، أثرت على عمل كثير من المنظمات بينها ”صالون سوريا“. وفي ضوء هذه الأوضاع الصعبة، سيجْمعُ “صالون سوريا” بين نشر مواد مدفوعة الأجر ضمن حدود متاحة وبين مواد تُنْشر على أساس تطوعي. ولا شك أن العمل التطوعي عامل مهم يُسْهم في استمرارية المنابر الإعلامية، ومنها ”صالون سوريا“ الذي لا يتحيّز لأي طرف، بل يبحث عن الحقيقة ويدافع عن القيم والتطلعات والمصالح المشتركة بين السوريين في مختلف مناطقهم وخلفياتهم واتجاهاتهم، كونه منبرا مفتوحا للنقاش الجاد والمسؤول ومعنياً بالمساهمة في بناء مستقبل سوريا والسوريين بعيداً من مصالح آنية ضيقة أو إرادات خارجية.
سيُشرْع موقع ”صالون سوريا“ على الفور باستقبال ونشر مواد ومقالات جديدة ونصوص أدبية. ويرحب فريق “صالون سوريا” خصوصاً بمواد تغطي قضايا تمس الواقع السوري الحالي كالتدهور الاقتصادي وانهيار الليرة والأزمة المعيشية الخانقة التي تؤثر على حياة السوريين وتحرمهم من حقوقهم في حياة حرة كريمة يتحقق فيها الأمن الغذائي والسكني والصحي. وسيلقي “الصالون” الضوء على الأوضاع في مختلف المناطق السورية بكافة أطيافها السياسية ومشاكلها الداخلية والخارجية.
سيعيد فريق “صالون سوريا” تنظيم سلسلة من “الطاولات المستديرة”، التي ستركز على قضايا المرأة السورية وتلوث البيئة والتغير المناخي والسموم المتخلفة عن انفجار الذخائر على الأرض السورية وتأثيرها في غذاء السوريين وحليب الأمهات، والواقع الحالي لتفشي فيروس “كورونا”، وتردي الوضع الصحي في المستشفيات بسبب الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي والافتقار للأدوية والتجهيزات الطبية وعوامل أخرى. كما سيدعو الموقع الكتاب إلى تحليل الدور الأميركي والروسي والتركي والإيراني والأوربي وغيره في القضية السورية من خلال تحليل طبيعة هذه الأدوار وأهدافها ومراميها البعيدة.
تكتسب مناقشة هذه الملفات، بُعداً إضافياً حالياً مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لبدء الأزمة السورية.
يعود موقع ”صالون سوريا“ إلى قرائه من جديد، مشدداً على التعويل على الروح التطوعية للكتاب وعلى أن هذه المنصة، منبر كل قلم معني بالشأن العام، وبسوريا كدولة مواطنة وقانون.
في ظل هذه الظروف التي تزيدها قتامة احتمالات تفاقم السلالات الجديدة من “كورونا”، يصبح الإعلام ضرورة ملحة تقتضي تضافر الجهود كلها، لمد عمر الصحافة الجادة والهادفة.