بواسطة Wael Sawah | أكتوبر 29, 2019 | Roundtables, غير مصنف
*تُنشر هذه المادة ضمن ملف “آفاق العلمانية في سوريا” بالتعاون مع “حكاية ما انحكت” و”جدلية“
كان الخطاب العلماني في سوريا أحد ضحايا الثورة السورية. وقد جاءت تلك الخسارة نتيجة لأكثر من مسبّب واحد، حيث تعاون النظام والفصائل الإسلامية ودول الخليج وتركيا على تحييد هذا الخطاب وإفقاره وإقصائه من على طاولة النقاش. وبينما استخدم النظام العلمانية كورقة سياسية وزينة تجميلية فارغة من أي مضمون، هشّمت فصائل المعارضة مفهوم العلمانية باعتباره مرادفا للإلحاد والردّة.
قبل اندلاع الثورة، كان ثمّة حوار حاد (وجارح أحيانا)، بين أربعة تيارات فكرية تناولت مسألة العلمانية.
التيار الإسلامي والعلمانية
التيار الأول كان التيار الإسلامي الذي لا تهادن بين فكره وبين الفكر العلماني، وقاد هذا التيار رجال دين مثقفون وفقهاء[1] وآخرون سوقيون وشعبويون[2]. واتفق الجميع على استسهال الاستشهاد بالمقدس[3] في مواجهة الدنيوي واختصار السجال بفكرة أن العلمانية هي نتاج غربي يهدف إلى تدمير الإسلام، بل ذهب البعض أبعد من ذلك فصرّحوا أن العلمانية نتاج الحركة اليهودية التي “أرادت نشر الإلحاد في الأرض فتسترت بالعلمانية،” كما يقول عبد الرحمن حسن حبنّكة.[4]
تيار النظام
التيار الثاني هو تيار النظام الذي عقد تسوية تاريخية بينه وبين التيار الإسلامي، وعلى رأسه الشيخ الراحل محمد سعيد رمضان البوطي، بحيث يترك الإسلاميون السياسة والاقتصاد للنظام وجماعته، ويتخلّى النظام بالمقابل عن الفضاءين الثقافي والاجتماعي لرجال الدين.
وزاد من قوّة هذا الاتفاق الضغط الدولي على النظام السوري بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ودور سوريا في توريد مقاتلين جهاديين للقتال ضدّ القوات الأمريكية وارتكاب أبشع المجازر الطائفية. نتيجة تلك الضغوط، استخدمت السلطة المزاوجة بين الوطني والديني كورقة في مواجهة الضغوطات الخارجية التي كانت تتعرض لها. وقد لاحظنا قبل الثورة ارتفاعا كبيرا للخطاب الديني في الأداء السياسي لصناع القرار في سورية، وبخاصّة أثناء أزمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من ضغوط خارجية على الحكومة السورية، وارتفاع وتيرة الغزل بين أركان السلطة وأركان المؤسسة الدينية الأكثر انغلاقا. ورأينا انفلاتا همجيا للفئات الإسلامية الأكثر تطرفا، تجسّد في ذروته في إحراق وتدمير سفارتي الدانمارك والنرويج في شباط 2006.
شحرور والخزنوي
وكان على التحالف العتيد ما بين النظام ورجال الدين أن يزيل من على الطريق العثرات التي يمكن أن تقف في وجه هذا المدّ أو تنغّص عليه، فهوجم رجال الدين المنفتحون، كالدكتور محمد شحرور[5]والدكتور معشوق الخزنوي. لطالما كرّر شحرور أن “الإسلام لا يتعارض مع العلمانية، والناس بالنسبة له سواسية، يتميزون بقدر عملهم الصالح”. وحدّد بكل وضوح أن “وضع بند ‘الإسلام دين الدولة’ في أي دستور لا معنى له، بل يحمل مغالطة للتحكم برقاب الناس، وأفضل من هذا التركيز على دولة المؤسسات والقانون، بحيث يحكم فيها أمثال ميركل وترودو من خلال مؤسساتهم لا شخصهم”[6].
أما الخزنوي فكان قبيل مقتله ينادي علانية بالعلمانية التي تعني وفق كلماته “في النهاية فصل الدين عن الدولة. وهو مطلب يخدم كلا الطرفين، فابتعاد الدين عن الدولة والعمل السياسي، حماية للدين نفسه، ولمكانته وقيمه ومثله العليا”[7].
وتترافق الدعوة إلى العلمانية، في فكر الخزنوي، مع فكرة “لا إكراه في الدين،” وفكرة الأخوة الإنسانية التي يعتبرها أمرا رئيسيا. ولذلك عمل الخزنوي على “البحث عن المشترك بين الناس في مختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية وخاصة أبناء الوطن الواحد”[8]. ولذلك، اضطر محمد شحرور إلى الهجرة بمذهبه العقلاني إلى الخارج، بينما لقي معشوق الخزنوي حتفه تعذيبا واغتيالا في منتصف العقد الأول من هذه الألفية.
تيار “تأليه الشعب”
التيار الثالث شكّل طيفا واسعا من المثقفين السوريين الذين يؤلّهون “الشعب” ويسعون إلى استرضاء “الأغلبية”، وينادي هؤلاء بعلمانية لطيفة بلا أنياب تبقى في الإطار الفوقي للدولة دون أن تنزل إلى الناس في المجتمع.[9] هؤلاء يعتبرون أن العلمانية، لأنها تبحث في ضرورة فصل الدين عن المؤسسات واعتبار أن الأولوية للإنسان وليس للدين ومؤسساته رجاله وطوائفه، إنما تصبّ في خدمة الدكتاتور، وترحم الأغلبية (السنية بتركيبتها) من حرية التعبير.[10]
ويريد هؤلاء تخليص علمانيتهم اللطيفة من براثن العلمانيين الفجّين وجعلها مقبولة من الأغلبية، فيقولون إن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام ويبحثون عن جذور لها في التاريخ العربي الإسلامي.
تيار “الأقلية”
كان التيار الرابع[11]على الدوام تيّار الأقلية التي كانت تطالب بدولة غير مؤدلجة، تقف على مبعدة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات، ولا تتدخل في محتوى العقائد الدينية وليس من شأنها تنظيم الديانات، وعليها أن تُعامِل، على قدم المساواة، جميع الديانات والمذاهب الفلسفية الإنسية دون تبني أي منها أو تفضيل واحدة على أخرى. وهي لا تكفل فقط حرية المعتقد، بل وتضمن الممارسة الحرة للشعائر الدينية، وتحمي الأفراد وتضمن لهم حرية الخيار بأن يكون لهم اتجاه روحاني أو ديني أو لا يكون. وتحرص على ألا يكون بإمكان أي مجموعة أو أي طائفة أن تفرض على أي شخص هويتها الدينية أو الطائفية أو الانتماء إليها، وبشكل خاص تقسيم الأفراد بالقوة وفق الأصول العائلية لهؤلاء الأفراد.
العلمانية في ظل الثورة
مع قيام الثورة السورية، ازداد التيار الأول قوّة وسطوة، سواء أكان في مناطق المعارضة أم في مناطق سيطرة النظام، وبات ذكر مصطلح علمانية أمرا مكروها إن لم يكن محرّما، وغدت تهمة بحدّ ذاتها في بعض مناطق سيطرة الفصائل المسلحة، توازي الكفر أو الردّة. وتخلّى مثقفون سوريون علمانيون أو شبه علمانيين عن طرح أفكارهم، وذهبوا يدارون علمانيتهم بمصطلح جديد هو “المدنية“. بل انزاح بعضهم إلى لعب دور مصلحين دينيين بدل دورهم كناقدين،لهم، فطرحوا مسألة “الإصلاح الإسلامي”، راجعين بفكرهم قرنا ويزيد، وواجدين أنفسهم في أحذية محمد عبده ومحمد رشيد رضا، نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
انحناء النظام أمام المد الديني
ولم تكن مناطق سيطرة النظام بأحسن حالا، فالنظام الذي يباهي بعلمانيته اضطر إلى الانحناءأمام المدّ الإسلامي، ويمكننا أن نرى ذلك جيدا من خلال قانون وزارة الأوقاف السورية المثير للجدل، الذي اعتبر جمهرة من البعثيين ومؤيدي النظام أنه “يرسخ الانقسام الديني في البلاد ويجعلها وزارة تحكم قبضتها المطلقة على عدد من مفاصل الدولة الدينية وتحولها إلى وزارة لا شريك لها في اتخاذ عدد من القرارات”[12].
ولم ينحنِ النظام أمام التمدّد الإسلامي فحسب، بل قدّم تنازلات أيضا للمرجعيات الشيعية والكنائس المسيحية، ما جعل البلد الواحد، بل المدينة الواحدة عدّة بلدان وعدّة مدن. ففي دمشق مثلا يختلف نمط الحياة في القصاع وباب توما اختلافا كبيرا عن الميدان ويختلف الحيّان عن حيّ الأمين أو السيدة زينب. وكانت النتيجة تعميق الانقسام المجتمعي بين مكونات الأمة السورية.
حال العلمانية السورية اليوم
ويحقّ لنا استنتاج أن حال العلمانية في سوريا اليوم أسوأ من حالها قبل عقد من الزمان وقبل عقود كثيرة. وسوريا التي طالما عرفت، منذ انفكاكها عن الإمبراطورية العثمانية، نوعا من العلمانية الشفافة التي، وإن لم تسمّ باسمها، فإنها كانت واضحة ولينة ولم يعترض عليها معترض، تجد نفسها اليوم في حال أسوأ بكثير، فكثرة ممن يدّعون العلمانية يقفون الآن في صفّ النظام وأيّدوا فجوره ضدّ السوريين، إما خوفا من التغوّل الإسلامي الذي كانوا يرونه رأي العين في مناطق سيطرة المعارضة أو تشبثا بمواقع يسارية بائسة تقوم سياستها على المناكفة وردّ الفعل وليس المبادرة والفعل.
وبالمقابل، تخلّى الكثير من المثقفين عن علمانيتهم، بزعم أن الوقت الآن ليس للترف النظري والفلسفي، بل للتغيير على الأرض. وسنحتاج سنوات قليلة قبل أن نعود إلى طرح القضية للبحث بشكل جدي ومثمر. ومع ذلك، فإن أي طرح لمستقبل سوريا بعيداً عن العلمانية سيكون خطوة أخرى باتجاه إبعاد البلاد عن الحداثة والديمقراطية والعيش المشترك، فالعلمانية ضرورة لإنتاج الدولة الوطنية الحديثة، في مواجهة اللادولة، أو الاستبداد والعنف والطغيان، وهي أداة السوريين الأكثر أهمية في تأسيس وحدتهم القائمة على أساس التعددية والتنوع والغنى القومي والطائفي والمجتمعي.
العلمانية ليس حكم قيمة
ولنتذكر في الختام أن العلمانية ليس حكم قيمة، بل هي أسلوب في الفكر والحياة، يعتبر أن الإنسان هو جوهر القضية وليس الفكرة أو العقيدة أو الدين. وهذا وحده ما يجعل من المتّحد المجتمعي مكانا صالحا للحياة والتفاعل والإنتاج والتطور.
وقد يكون أفضل ختام قول المفكر السوري جاد الكريم الجباعي في أن العلمانية “ليست صفة خارجية نطلقها على الدولة جزافاً وننزعها عنها جزافاً، وليست حكم قيمة ذاتياً يطلقه العلمانيون على الدولة، بل هي حكم واقع يتعلق بأساس الدولة الوطنية الحديثة ومبادئها، وليست اختياراً ثقافياً أو انحيازاً أيديولوجياً، إلا على صعيد الأفراد. الدولة الوطنية إما أن تكون علمانية وإما لا تكون دولة وطنية، بل لا تكون دولة. هذا الأمر لا يتعلق بواقع الاختلاف والتنوع، على الصعيدين الديني والإثني فقط، بل يتعلق بماهية الدولة الحديثة، دولة الحق والقانون أساساً.”[13]
هوامش
[1] كالدكتور محمد سعيد رمصان البوطي وعبد الرحمن حسن حبنّكة.
[2] ، كالشيخ عبد العزيز الخطيب، وبدرجة أقل الشيخ راتب النابلسي.
[3] يمكن بخصوص الاستشهاد بالمقدّس مراجعة المناظرة الشهيرة بين الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والدكتور طيب تيزيني. متوفرة على الرابط https://bit.ly/2Wk3VKP وفي هذه المناظرة يعتمد الشيخ البوطي على سؤال يسأله لمناظره، وسيستند إليه في جلّ طرحه. ” هل كلانا مؤمن بأن النص الذي سنتحدث عنه إنما هو حصيلة وحي تنزّل من عند الله (…) وخوطب به الإنسان؟”
[4] عبد الرحمن حسن حبنكة، هوامش على كتاب نقد الفكر الديني، منقولة عن “محمد كامل الخطيب، حرية الاعتقاد الديني، مساجلات الإيمان والإلحاد منذ عصر النهضة إلى اليوم، منشورات رابطة العقلانيين العرب، دمشق – 358
[5] يقول الدكتور محمد شحرور في مقابلة له مع مجلة الجديد (https://shahrour.org/?p=8180 ) عندما صدر كتابي الأول «الكتاب والقرآن» عام 1990، لم أكن أتوقع أن يلقى ترحيباً، وتعرّض الكتاب لهجوم شرس في حينه، لكني لم آبه له، وكان رد معظم رجال الدين هو تحريم قراءة الكتاب، وبالطبع لم ألق قبولاً لدى الإعلام العربي على عكس شيوخ الطهارة وطاردي الجن، واليوم وبعد انتشار الوسائط المتعددة أصبح من الصعب منع المعلومة من الوصول لطالبها، وما قلته في التسعينات واعتبر تجاوزاً كبيراً على «المقدسات» أصبح اليوم يتداول حتى على ألسنة من هاجموه، ورغم أن الانتشار ما زال محدوداً إلا أني أتفاءل بالمستقبل، فجيل الشباب يبحث عن أجوبة لأسئلته. واتهم شحرور بالردة (راجع http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_news.php?main_id=6739 كما اتهم بالعلمانية (راجع أسامة شحادة https://bit.ly/31PQvay)
[6] راجع: د. محمد شحرور، هل الدولة الإسلامية هي الحل؟ متوفر على موقعه الرسمي على الرابط التالي: https://shahrour.org/?p=4013
[7] للمزيد عن فكر الشيخ الخزنوي ورؤيته للعلمانية، راج: وائل السواح، الشيخ الكردي السوري محمد معشوق الخزنوي… خرج ولم يعد، جريدة الحياة 1 حزيران/يونيو 2005، متوفر على الرابط التالي: https://bit.ly/2BLixJS
[8] راجع وثيقة كان كتبها الراحل قبل وفاته، متوفرة على الرابط التالي: http://www.asharqalarabi.org.uk/huquq/b-huquq-18.htm
[9] انظر في هذا الصدد برهان غليون، المسألة الطائفية ومسألة الأقليات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2012، المقدّمة، وفيها يقول: ” المثقفين (العلمانيين) سعوا “إلى نفي التعددية المذهبية والدينية الرمزي في إطار دعوة علمانية تتجاوز السياسي لتشمل المجتمع بأكمله، وتظهر كما لو كانت عقيدة جديدة للدولة والأمة يجب أن تنحل فيها أو تذوب العقائد والمذاهب والأديان الأخرى كلها”.
[10] يقول د. برهان غليون إن العلمانية باتت إيديولوجية لـ “تبرير ضرب حرية الاعتقاد الأساسية، ووسيلة للتغطية على انعدام هذه الحرية في الواقع والممارسة”. نفس المرجع ص 30.
[11] ومنهم عزيز العظمة، جورج طرابيشي، صادق جلال العظم، وراتب شعبو.
[12] هل فُصِّلَ القانون على مقاس وزير الأوقاف؟ موقع سناك سوري الموالي للحكومة السورية، متوفّر على الرابط التالي: https://bit.ly/2PmM8RM
[13] انظر جاد الكريم جباعي، دخل سياسي إلى العلمانية أو مدخل علماني إلى السياسة، موقع الأوان، متوفر على الرابط التالي: https://bit.ly/32NgQaJ
بواسطة Syria in a Week Editors | أكتوبر 28, 2019 | Syria in a Week, غير مصنف
روسيا توزع الأدوار… في الإدارة الذاتية!
رويترز
27 تشرين الأول/ أكتوبر
قالت قوات سوريا الديمقرطية التي يقودها الأكراد يوم الأحد إنها وافقت على الانسحاب لمسافة تزيد على 30 كيلومتراً عن الحدود التركية وهو إعلان رحبت به دمشق قائلة إن على تركيا الآن إنهاء “عدوانها” في شمال شرق سوريا. وبدأت تركيا هجومها عبر الحدود في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر مستهدفة وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا بعد أن سحب الرئيس دونالد ترامب القوات الأمريكية من المنطقة.
وبعد ذلك اتفق الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر على أن تؤمن قوات حرس الحدود السورية والشرطة العسكرية الروسية تطهير منطقة الحدود بمسافة تصل إلى 30 كيلومتراً داخل سوريا من وحدات حماية الشعب سوريا خلال ستة أيام تنتهي يوم الثلاثاء.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية في بيان “وافقنا على تطبيق مبادرتها (روسيا) بوقف العدوان التركي على شمال شرق سوريا والتي جاءت استنادا إلى اتفاقية سوتشي”. وحثت القوات روسيا على المساعدة في ضمان “فتح حوار بناء” بين الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا وحكومة دمشق.
وقالت وكالة الأنباء العربية السورية الرسمية (سانا) نقلاً عن مصدر في وزارة الخارجية والمغتربين إن سوريا ترحب بانسحاب قوات سوريا الديمقراطية بما “يسحب الذريعة الأساسية للعدوان التركي الغاشم على أراضيها”. وأضافت الوكالة أن الحكومة ستساعد على اندماج المواطنين مرة أخرى في المجتمع السوري “بما يفسح المجال للجميع للعودة إلى الوحدة الوطنية السورية”.
ووفقاً لاتفاق أردوغان وبوتين الذي تم إبرامه في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود ستبدأ القوات الروسية والتركية اعتباراً من يوم الثلاثاء دوريات في جزء من الحدود السورية التركية بعمق عشرة كيلومترات في الأراضي السورية. وقال أردوغان يوم السبت إن تركيا لن تتردد في التدخل من جديد لإبعاد وحدات حماية الشعب عن منطقة الحدود في حالة عدم وفاء روسيا بتعهداتها بموجب اتفاق سوتشي.
وقالت وزارة الدفاع الروسية يوم الجمعة إن نحو 300 آخرين من أفراد الشرطة العسكرية الروسية وما يزيد على 20 عربة مدرعة وصلوا إلى سوريا بموجب اتفاق بين أنقرة وموسكو أوقف التوغل العسكري التركي في شمال شرق سوريا.
تصفية البغدادي.. في سوريا!
رويترز
27 تشرين الأول/ أكتوبر
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد إن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش مات في هجوم شنته القوات الأمريكية الخاصة في شمال غرب سوريا فيما وصفه بانتصار كبير على التنظيم المتشدد. وقال ترامب في كلمة بالبيت الأبيض إن البغدادي قتل نفسه أثناء غارة بتفجير سترة ناسفة بعد فراره داخل نفق مسدود. وأضاف أن تحليل الحمض النووي الذي أُجري بعد 15 دقيقة من مقتل البغدادي جاء إيجابياً. وقال ترامب إن العملية أودت بحياة “كثيرين” من أتباع البغدادي الذي قتل نفسه وثلاثة من أطفاله بتفجير السترة الناسفة. وأضاف أن القوات الأمريكية لم تتعرض لأي خسائر بشرية. ووجه الشكر لروسيا وتركيا وسوريا والعراق على دعمهم.
وبعدها بساعات، أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية السورية أن المتحدث باسم الدولة الإسلامية أبو الحسن المهاجر، الساعد الأيمن للبغدادي، قتل في عملية منفصلة مشتركة بين القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا.
وقالت تركيا إنها فخورة بتقديم المساعدة من أجل “القصاص من إرهابي معروف”. لكن رد فعل روسيا جاء مقتضباً ولم تذكر وزارة الدفاع الروسية سوى أن ليس لديها معلومات موثوق منها بشأن الغارة الأمريكية.
وعلق جو بايدن المنافس على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لمنافسة ترامب في انتخابات 2020 قائلاً “لا نتحمل أن نحول انتباهنا أو أعيننا بعيداً عن الهدف. تنظيم الدولة الإسلامية ما زال يمثل تهديداً للشعب الأمريكي ولحلفائنا وعلينا مواصلة الضغط لمنع التنظيم من إعادة تجميع صفوفه أو تهديد الولايات المتحدة مجدداً”.
كما قالت الحكومة العراقية في بيان “بعد متابعة مستمرة وتشكيل فريق عمل مختص وعلى مدار سنة كاملة، تمكن جهاز المخابرات الوطني العراقي، وفقاً لمعلومات دقيقة، من تحديد الوكر الذي يختبئ فيه رأس داعش الإرهابي المجرم أبو بكر البغدادي ومن معه في محافظة ادلب السورية”. وأضافت أن القوات الأمريكية قامت بعد ذلك، وبالتنسيق مع جهاز المخابرات الوطنية العراقي، بتنفيذ عملية أدت إلى القضاء على الإرهابي البغدادي.
وقالت إيران إن موت زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي لا يعني نهاية التنظيم ولا أيديولوجيته. وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي على تويتر “مقتل البغدادي لن ينهي داعش أو فكر (التنظيم) … الذي نشأ وترعرع بمساعدة رعاة إقليميين”.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حسابه على تويتر “مقتل البغدادي ضربة قوية لتنظيم داعش لكنها مجرد مرحلة. الحرب مستمرة بالتعاون مع شركائنا في التحالف الدولي لهزيمة هذه المنظمة الإرهابية في نهاية المطاف. هذه أولويتنا في الشرق الأوسط”.
وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون على تويتر “مقتل البغدادي لحظة مهمة في حربنا ضد الإرهاب لكن المعركة ضد شرور داعش لم تنته بعد. سنعمل مع شركائنا في التحالف لوضع نهاية للقتلة والأعمال الهمجية لداعش نهائياً”.
خطة ألمانية متأخرة
رويترز
23 و24 تشرين الأول/ أكتوبر
طرحت وزيرة الدفاع الألمانية على حلف شمال الأطلسي اقتراحاً لإقامة منطقة أمنية في شمال سوريا يوم الخميس وهي خطة حظيت بدعم تركيا والولايات المتحدة لكن الأمين العام للحلف أشار إلى أنها قد تتطلب مشاركة الأمم المتحدة.
وقال دبلوماسيون إن الوزيرة أنيجريت كرامب كارينباور أبلغت حلفاء بلادها بأن إقامة منطقة تتم السيطرة عليها دولياً يتطلب أيضاً مشاركة روسيا، القوة المهيمنة حالياً في سوريا، حتى يتسنى بذلك حماية المدنيين النازحين وضمان استمرار قتال تنظيم داعش.
لكنها أصرت في اجتماع لوزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي في بروكسل على أن مهمة تنفيذ دوريات على الحدود التركية السورية لا يمكن أن تُترك لموسكو وأنقرة فحسب وقالت للصحفيين “الوضع الحالي غير مرض”. وقالت كرامب كارينباور إنها تلقت تطمينات من أنقرة على أن العمليات العسكرية التركية لن تسفر عن إعادة توطين جماعية للسكان أو تطهير عرقي. وأضافت “اتفاق سوتشي لم يجلب السلام ولا يوفر أساساً لحل سياسي على المدى الطويل. نبحث عن حل يشمل المجتمع الدولي”.
ذكرت وكالة ريا نوفوستي للأنباء يوم الأربعاء نقلاً عن وزارة الشؤون الخارجية الروسية أن روسيا لا ترى حاجة لإقامة منطقة آمنة تحت إشراف دولي في شمال شرق سوريا وهو اقتراح طرحته ألمانيا.
قسد تنسحب من رأس العين
رويترز
21 تشرين الأول/ أكتوبر
قالت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد يوم الأحد إنها سحبت كل مقاتليها من مدينة رأس العين الحدودية بموجب اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة، غير أن متحدثاً باسم جماعة معارضة تدعمها تركيا قال إن الانسحاب لم يكتمل حتى الآن. وكانت رأس العين، إحدى مدينتين سوريتين على الحدود مع تركيا، هدفاً رئيسياً للهجوم التركي لدفع المقاتلين الأكراد إلى التقهقر حتى تنشئ أنقرة “منطقة آمنة” بعمق يزيد على 30 كيلومتراً داخل سوريا.
وأوقفت تركيا مساء يوم الخميس هجومها لمدة خمسة أيام بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس. وحذر أردوغان من أن بلاده ستستأنف عمليتها بمجرد انتهاء المهلة يوم الثلاثاء إذا لم تنسحب قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة الآمنة.
جرائم حرب
رويترز
23 و26 تشرين الأول/ أكتوبر
قالت ممثلة الادعاء ومحققة الأمم المتحدة السابقة كارلا ديل بونتي في مقابلة نشرت يوم السبت إن أردوغان يجب أن يخضع للتحقيق ويواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب بشأن التوغل العسكري. وقالت ديل بونتي “تمكن أردوغان من غزو أرض سورية لتدمير الأكراد أمر لا يصدق”. وتابعت قائلة “يجب إجراء تحقيق معه ويجب توجيه اتهامات له بارتكاب جرائم حرب”.
ودافع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم السبت عن سجل بلاده في سوريا قائلاً إنها تقدم مساعدات إنسانية للمدنيين هناك ولن تتهاون مع أي انتهاكات لحقوق الإنسان في المناطق التي تنتشر بها قواتها. وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني هايكو ماس، نفى جاويش أوغلو وجود حالات إعادة قسرية للاجئين السوريين.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير نُشر يوم الجمعة إن تركيا ترسل قسراً لاجئين سوريين إلى منطقة سورية بالقرب من الحدود حيث تهدف إلى إقامة “منطقة آمنة” رغم أن الصراع هناك لم ينته بعد. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير منفصل يوم الجمعة إن السلطات اعتقلت ورحلت عشرات السوريين عشوائياً إلى شمال سوريا بين كانون الثاني وأيلول.
وذكرت منظمة العفو في تقريرها أن اللاجئين الذين تحدثت إليهم اشتكوا من تهديدهم أو إجبارهم من قبل الشرطة التركية على التوقيع على وثائق تفيد بأنهم سيعودون بمحض إرادتهم إلى سوريا.
وقالت المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان “في الواقع، تعرض تركيا حياة اللاجئين السوريين لخطر شديد بإجبارهم على العودة إلى منطقة حرب”. وأضافت أنها تعتقد أن عدد عمليات الإعادة القسرية في الأشهر القليلة الماضية بلغ المئات وذلك استناداً إلى مقابلات أجرتها بين تموز وتشرين الأول لكن يمكنها تأكيد 20 حالة. وقال التقرير إن المُرحلين يتم إبلاغهم عموماً بأنهم إما غير مسجلين أو يعيشون خارج المنطقة المُسجلين فيها، مضيفاً أن أشخاصاً رُحلوا أيضاً من مناطق تم تسجيلهم فيها.
وفي سياق متصل قال المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا يوم الأربعاء إن قوات أمريكية رأت أدلة على ارتكاب القوات التركية جرائم حرب في سوريا أثناء هجومها على الأكراد هناك. وقال جيمس جيفري خلال جلسة استماع في مجلس النواب الأمريكي “لم نر أدلة شائعة على تطهير عرقي” من تركيا لكن هناك تقارير عن “وقائع عديدة لما تعتبر جرائم حرب”.
بوتين يشرح للأسد
رويترز
22 تشرين الأول/ أكتوبر
قال الكرملين يوم الثلاثاء إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شرح لنظيره السوري بشار الأسد هاتفياً نتائج محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأوضح بوتين، بعد محادثات مطولة مع أردوغان، في الاتصال الهاتفي مع الأسد أن استعادة وحدة الأراضي السورية كان الهدف الأساسي. وقال الكرملين إن الأسد وجه الشكر لبوتين كما “عبر عن تأييده الكامل لنتائج العمل وأيضاً استعداد قوات حرس الحدود السورية للوصول مع الشرطة العسكرية الروسية إلى الحدود السورية التركية”.
وكان الأسد اتهم نظيره التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء بأنه “لص.. سرق المعامل والقمح والنفط.. وهو اليوم يسرق الأرض”، بسبب توغل تركيا في شمال شرق سوريا وأكد تعهده باستعادة كل المناطق التي انتُزعت من دمشق خلال سنوات الحرب الأهلية. جاءت تصريحات الأسد خلال زيارة نادرة لإحدى جبهات الصراع في بلاده حيث تفقد منطقة بمحافظة إدلب التي تمزقها الحرب في شمال غرب البلاد قرب آخر معقل كبير لمسلحي المعارضة المدعومين من تركيا.
اتصالات سرية تركية سورية
رويترز
21 تشرين الأول/ أكتوبر
رغم عداء أنقرة وخصومتها للرئيس السوري بشار الأسد منذ فترة طويلة، يقول مسؤولون أتراك إن بلادهم تجري، عبر قنوات سرية، اتصالات مع الحكومة السورية لتفادي المواجهة المباشرة في شمال شرق سوريا حيث ينشر الجانبان قواتهما. ويقول ثلاثة مسؤولين أتراك إن الجانبين، مدفوعين بالحرص والحذر، أقاما قنوات اتصال سواء في شكل اتصالات عسكرية ومخابراتية مباشرة أو بطريق الرسائل غير المباشرة عبر روسيا للحد من خطر المواجهة.
وقال مسؤول أمني تركي “نحن على اتصال مع سوريا بشأن المسائل العسكرية والمخابراتية منذ فترة لتجنب أي مشاكل في أرض الميدان”. وأضاف أن أول اتصال جرى كان بشأن حالة تصعيد في شمال غرب سوريا، وهي حالة منفصلة عما يجري في الشمال الشرقي الآن، وذلك عندما شنت قوات سورية مدعومة من روسيا، في وقت سابق من هذا العام، هجوماً في إدلب التي تنتشر بها قوات تركية. وأضاف المسؤول “التواصل مع سوريا يتم إلى حد كبير عبر روسيا، لكن هذا الاتصال كان يجرى بشكل مباشر بين تركيا وسوريا في بعض الأحيان لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة بين الجنود السوريين والأتراك”.
ويشير موقف روسيا كوسيط أيضا إلى الدور المركزي الذي تلعبه موسكو، في سوريا منذ أن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه سيسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا. وقال مسؤول تركي كبير “سنتلقى أيضا معلومات عن وجهة نظر سوريا والخطوات التي ستتخذها خلال الاجتماع مع بوتين”.
اللجنة الدستورية والاجتماع الأول!
رويترز
24 تشرين الأول/ أكتوبر
قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا جير بيدرسن يوم الخميس إن وقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا “صامد إلى حد بعيد” فيما يبدو في حين سيعقد ممثلو القوى الكبرى اجتماعاً في جنيف قبل أول اجتماع للجنة الدستورية السورية الأسبوع المقبل.
وقال بيدرسن إن مندوبين من سبع دول عربية وغربية تدعم المعارضة وتعرف باسم “المجموعة الصغيرة”، وتشمل الولايات المتحدة ستجتمع في المدينة السويسرية يوم الجمعة. وأضاف أن من المتوقع وصول مسؤولين بارزين من روسيا وإيران وتركيا وهي المجموعة المعروفة باسم ثلاثي آستانة. وقال إن القوى الكبرى لن تشارك بشكل مباشر في المساعي الدستورية التي “يملكها ويقودها السوريون” كما لن تشارك في المراسم الافتتاحية العامة لكنها تدعم العملية.
ويُنظر إلى عقد اجتماع اللجنة الدستورية، وهو أول تقدم ملموس منذ تولى الدبلوماسي النرويجي منصبه في يناير كانون الثاني، على أنه مهم لتمهيد الطريق أمام إصلاحات سياسية وانتخابات جديدة في البلد الذي دمرته الحرب التي استمرت ثمانية أعوام وأودت بحياة مئات الآلاف من القتلى وأجبرت الملايين على النزوح.
وقال “لا أحد يعتقد أن اللجنة الدستورية في حد ذاتها ستحل الصراع. لكن إذا تم التعامل معها على أنها جزء من عملية سياسية أشمل، فيمكنها أن تفتح أبواباً وأن تكون بداية شديدة الأهمية والرمزية لعملية سياسية”. وقال بيدرسن “أعتقد أنها مناسبة تاريخية وبالطبع هي مسؤولية ثقيلة أن يلتقي 150 سوريا لبحث ترتيب دستوري جديد لبلادهم”. وأضاف “في النهاية هم سيحددون ما نوع الدستور أو الإصلاح الدستوري الضروري لسوريا”.
التهافت على النفط
رويترز
25 و26 تشرين الأول/ أكتوبر
وجهت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها يوم السبت انتقادات حادة للخطط الأمريكية بالإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا وتعزيزه ووصفت الأمر بأنه “لصوصية عالمية برعاية دولة” بدافع هو حماية مهربي النفط وليس من منطلق مخاوف أمنية حقيقية. وتابع البيان قائلاً إن القوات الأمريكية وشركات أمنية خاصة في شرق سوريا توفر الحماية لمهربي النفط الذين يجنون ما يربو على 30 مليون دولار شهرياً.
وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر يوم الجمعة إن واشنطن سترسل مركبات مدرعة وقوات للحقول النفطية السورية بهدف منع وقوعها في أيدي متشددي تنظيم داعش. وجاءت تصريحاته بعد أن سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الشهر ألف جندي أمريكي من شمال شرق سوريا مما أتاح الفرصة لتركيا لشن عملية توغل عسكرية عبر الحدود لاستهداف وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي كانت حليفة للولايات المتحدة في مواجهة داعش.
أكراد تركيا ونبع السلام
رويترز
24 تشرين الأول/ أكتوبر
يقول النائب الكردي في البرلمان التركي موسى فارس أوغلاري إنه كان هدفاً لمدافع المياه والغاز المسيل للدموع بل والضرب بدروع شرطة مكافحة الشغب أثناء محاولته الاحتجاج هذا الشهر على الهجوم العسكري التركي في شمال شرق سوريا. فقد عمق التوغل التركي الذي يستهدف الفصيل الكردي السوري وحدات حماية الشعب الإحساس بالاغتراب بين الناس في جنوب شرق تركيا الذي يغلب الأكراد على سكانه. ويغذي هذا الشعور حملة تضييق تشنها السلطات التركية على الحزب الرئيسي المؤيد للأكراد في البلاد.
ومنذ بدء العملية التركية في التاسع من أكتوبر تشرين الأول الجاري ألقت السلطات القبض على العشرات وعزلت رؤساء بلدية في تحقيقات بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في حين منعت الشرطة مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي بمن فيهم فارس أوغلاري من الإدلاء بتصريحات علنية.
قال فارس أوغلاري في مبنى حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر أكبر مدن الجنوب الشرقي في تركيا بينما كان عشرات من رجال الشرطة يقفون في الخارج “بلغ قمع شعبنا حداً أصبح فيه مجرد الخروج لإبداء أكثر ردود الفعل ديمقراطية يقابل برد في غاية القسوة”. وحزب الشعوب الديمقراطي هو الحزب الوحيد في برلمان تركيا الذي يعارض الهجوم على شمال سوريا وقال فارس أوغلاري إن من تحدث إليهم من السكان المحليين أبدوا تضامنهم مع أكراد سوريا.
بواسطة Jafar Al Alouni | أكتوبر 24, 2019 | Culture, غير مصنف
عادةً ما يعيدُ الفنانون، كل حسب لغته، صياغة ما قاله أفلاطون عن الحبّ والفلسفة :”من لا يبدأ بالحبّ، فلن يعرف أبداً ما الفلسفة”. هكذا يبدأ كل فنان بإعادة صياغة هذه المقولة، انطلاقاً من عمله، غير أننا في حالة بيو كابانياس Pío Cabanillas، نراه يصوغ مقولة أفلاطون على النحو التالي: “من يبدأ بالحب والفلسفة حقاً، سيعرف دائماً ما الفن”.
بهذا الحب، وبالفلسفة كلها، بدأ المصور الفوتوغرافي بيو كابانياس Pío Cabanillas زيارته إلى سوريا في ربيع عام 2009، أي قبل سنتين من اندلاع الحرب التي أخذت معها كل جميل، والنتيجة كانت كتاباً فوتوغرافياً وقعه بعنوان “سوريا. بيو كابانياس” صادر عن دار La Fábrica، ليكون الأول من نوعه في إسبانيا، حيث جمع فيه ثمانين صورةً للمعالم والأماكن التي اختفت، كما يقول بيو نفسه بكل أسف، والتي استطاع التقاطها بعدسته أثناء زيارته لسوريا.
“لقد كانت رحلة قصيرة للغاية التقطت فيها بعدستي مجموعة من الصور لأماكن ومعالم عالمية. عندما بدأت داعش بتدميرها، بدأت أعمل على هذا المشروع. هكذا في مواجهة التطرف والحرب والدمار والهمجية أخترت سلاح الجمال والثقافة والحب والسلام”. يعلق صاحب الكتاب وهو يحدق بأعمدة تدمر.
الصور التي التقطها بيو، في الأبيض والأسود، تثير الذاكرة وتدين الحرب المدمرة للتراث السوري، الذي هو جزء من التراث العالمي، ومن تراث الذاكرة البشرية أيضاً. إنها صورة موحية، حميمية وهادئة للبلد، بالكاد يظهر فيها أشخاص، أراد صاحبها أن يرفقها بمختارات لشعراء سوريين تأكيداً على تجذر هذا التراث وعمقه، ومحاولاً برفقة قصائد لـ 12 شاعراً سورياً تقديم بعض الجوانب المشعة في سوريا، إنساناً وإبداعاً ومادةً. في هذه المحاولة الفنية أراد بيو أن يؤاخي بين البصر والبصيرة، الصورة والكلمة، اللون والظل، بين المرئي واللامرئي. إنه حوار بين الأشياء وعن الأشياء، نتعرف من خلاله على التاريخ، والحقول والجبال، والشوارع، والنساء، والأطفال، والرجال، نتعرف من خلاله على بلد كامل.
إنها، إذا، محاولة رائدة لتقديم صورة حقيقية عن سوريا، ليس فقط عبر الصور، الألوان، والضوء، وإنما عن طريق الكلمات والاستعارات. لهذا فإن قارئ الكتاب سيلاحظ الحوار الواضح بين موسيقى الشعر وسحر كلماته وبريق الصورة وزوايا الضوء والظل. إنها تجربة مبتكرة وخلاقة تجمع بين أسلوبين تعبيريين يختلفان من حيث التقنيات والأدوات، ولكنهما يلتقيان في الهدف نفسه وهو تقديم صور تجمع بين الاستعارات والإيحاءات الشعرية والدلالات والإشارات المباشرة والحقيقة. في هذا العمل يخترق بيو برفقة شعراء سوريين من قامة (أدونيس، نزيه أبو عفش، أسامة إسبر، أمل جراح، سنية صالح، صقر عليشي وغيرهم) الحلم، الذاكرة والحياة. يخترق الرغبة والعلاقة بين الأشياء، هناك حيث تتلاقى اللحظة العابرة مع الأبدية. لقد قام المصور بعمل رائع من أجل الجمع بين الصورة والأدب، ولكن ما هي المعايير التي وضعت من أجل اختيار القصائد؟ يأتي الجواب في المقدمة:” لقد كان المعيار شخصياً بشكل خاص، لقد حاولت أن أختار، من زاوية فنية بحتة تتجاوز الزمان والمكان، أولئك الشعراء، الذين، برأيي، يؤسسون لعلاقة حيوية مع الصور، ففي بعض الأحيان يحتاج الإنسان إلى التحدث إلى شخص خارج الكتب، التحدث على سبيل المثال إلى شجرة، أو نهر أو نبع أو قلعة أو جدار أكثر من حديثه مع إنسان آخر. هذا بدوره يؤكد لنا أن الحقيقة لا تأتي من الخارج، أي من الكتب والأفكار والشعارات الدينية والسياسية، وإنما من تجربة الحياة ومن التواصل الحي مع الأشياء ومع الكون. بهذا المعنى تم اختيار تلك القصائد التي تؤسس لهذا الحوار التواصلي الحي بين عالم متكامل من الصور”.
بالإضافة إلى الصور والقصائد ومقدمة الناشر، كانت إلى جانبهم أيضاً الرؤية الخارجية التي أضافها قلم مارك توين الأصيل الذي قام برحلة عبر البحر المتوسط في عام 1867، وكانت نتيجتها كتاب “دليل من أجل المسافرين الأبرياء“، حيث تم اختيار الجزء الذي خصصه مارك توين للحديث عن سوريا. نقرأ من مقدمته: “لقد شهدت دمشق كل ما جرى في هذا العالم، وهي حتى الآن تنبض بالحياة. شهدت دمشق آلاف العظام اليابسة لآلاف الإمبراطوريات، وأعتقد أنها ستشهد ملايين القبور قبل أن يلامسها الموت. إنها تستحق بجدارة لقب المدينة الأبدية”. إنه بكلماته المثيرة هذه، ووصفه الدقيق يقدّم عالماً شبيها إلى درجة كبيرة بعالم اليوم، إلا أنه عالمٌ أكثر فقراً وذلك بسبب فقدان قسم كبير من تراثه الثقافي.
نتعلم في الكتاب أن لسوريا دوراً في الفن. تعلمنا سوريا أن الإبداع يتجاوز الأشياء فيما يحتضنها. بهذا المعنى الفن ليس له نهاية. فالفن، سواء أكان صورة أو كلمة، رقصاً أو موسيقى، يحرر الأشياء من قيودها ومن كثافتها، يجعلها أكثر شفافية وحرية. إنه يخلق في الإنسان شعور وحدة مع الوجود، أي كأنه يعيش في وحدة بين الصورة والمعنى، بين البدايات النهايات.
كتاب “سوريا. بيو كابانياس” لمؤلفه بيو صادر عن دار نشر La Fábrica2019.
بواسطة Hassiba Abdel Rahman | أكتوبر 22, 2019 | Roundtables, غير مصنف
*تُنشر هذه المادة ضمن ملف “آفاق العلمانية في سوريا” بالتعاون مع “حكاية ما انحكت” و”جدلية“
كثرت التساؤلات في السنوات الماضية عن مستقبل الدولة السورية، الاجتماعي والسياسي والثقافي، ولكل منهم حقله ومفاعيله ومنظوماته ومساراته. وسنخص بالنقاش موضوعا متصلا بهذه الحقول اتصالا عضويا، وهو بنية وطبيعة الدولة السورية المستقبلية: هل هي دولة علمانية؟ أم دولة دينية؟ أم ستبقى دولة هجينة؟
وللإضاءة على ذلك، لابد من عرض مكثف عن جذور العلمنة المبكرة في سوريا والمرتبطة بالمشرق العربي، وأسباب فشل تطبيقها.
أسباب فشل العلمنة في سوريا
بدأ الفكر العلماني القومي بالظهور في المشرق العربي أواسط القرن التاسع عشر (إبان الاحتلال العثماني) وترجم على الأرض بتكوين الجمعيات الفكرية والثقافية، وكان المركز الرئيسي لهذا النشاط مدينة بيروت (سوريا ولبنان كانتا موحدتين).
تأسست أول جمعية سورية لإحياء الفكر القومي العلماني (1857) الجمعية العلمية السورية، التي تأثرت بقيم وأفكار الثورة الفرنسية نتيجة الدراسة والاحتكاك والبعثات التبشيرية (إبراهيم اليازجي، محمد أرسلان، بطرس البستاني، فرنسيس المراش) وشكل هؤلاء المثقفون وسواهم، أحد أهم روافع الفكر القومي العلماني، وانضم إلى هذا التوجه (لاحقا) ضباط خدموا في الجيش التركي (وتأثروا بالثورة الفرنسية وبالفكر القومي الألماني) إثر فرض سياسة التتريك الإجبارية، ومن هؤلاء (مصطفى وصفي، وأمين الحافظ) بعد ثورة (1909) ونهوض القومية الطورانية، الأمر الذي أجج عوامل نهضة الفكر القومي وبلورته على الأرض، من خلال الانضمام إلى الثورة العربية الكبرى (1916)، ونيل دول المشرق العربي استقلالها ومن ضمنها سوريا (قلبه) عن الدولة العثمانية. لكن لم يمض عامان من الاستقلال (1918, 1920) إلا وانتدب الفرنسيون سوريا، بعد أن وجهوا لها الضربات المتتالية (ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر)، سواء للصناعات المحلية، أو لتراكم رأس المال (أثره السلبي في نهوض طبقة برجوازية ليبرالية). لكنهم استحضروا بعض مظاهر الحداثة سياسيا (الانتخابات), إضافة إلى مناح أخرى محدودة كالطرق!
وبنفس الوقت، حافظ الفرنسيون على البنى القائمة، وتحالفوا مع القوى التقليدية التاريخية والراسخة من التجار، ورجال الدين والإقطاع الذين شكلوا السلطة المحلية للانتداب، ولم تختلف الصورة بعد الاستقلال، فهؤلاء من حكم سوريا حتى الوحدة، وعادوا بمرحلة الانفصال.
وسنفرد لكل مرحلة أسباب العجز البنيوي عن بناء دولة علمانية ديمقراطية. ولن ندخل مرحلة الانتداب ومفاعيلها من توزيع طائفي ومذهبي وجغرافي مُدَسْتر بين (1920، 1936).
فشل في إنجاز المهمات الوطنية
وسنلج إلى مرحلة الاستقلال والنخبة المسماة زورا “ليبرالية” التي تعاقبت على حكم سوريا، وفشلت في إنجاز المهام الوطنية والحداثوية، ومنها العلمنة، وذلك لأسباب تاريخية واجتماعية واقتصادية ودينية، أهمها العجز البنيوي لارتباطها العضوي بالسوق العالمية وتبعيتها له، إضافة إلى البنية التجارية الركيكة للمدن وتحالفاتها مع رجال الدين (الكثير منهم تجار وملاك أرض) والإقطاع المسيطر على الاقتصاد ككل (المديني والريفي)، ودور هذا الثلاثي المتجذر في البنية السورية الاقتصادية والسياسية لعقود طويلة.
وهذه البيئة والبنية أفرزت الصناعيين ورجال الأعمال بطبيعتهم المحافظة وعلاقاتهم، وهو التحالف الضعيف الذي تحكم بمفاصل الدولة والسلطة في سوريا (المتعددة الأديان والطوائف والمذاهب والقوميات). الدولة التي خرجت للنور مضطربة الاقتصاد والسياسة والجغرافية والحداثة، دولة متشابكة ومتناقضة ما بين مظاهر الحداثة وبنى القرون الوسطى، هذه العناصر جميعها تشابكت وتراكبت، لتصبح سببا رئيسا من بين أسباب عديدة أخرى، عرقلت تبلور طبقة أو فئة اجتماعية تتبنى عضويا مفاهيم العلمنة والحداثة والحرية والتعددية، وتحمل مشروعا حداثياً جدياً بمنطوياته المتعددة، ومنها العلمنة.
هذا العجز البنيوي لليبرالية السورية (المستولدة من رحم الإقطاع وسواه)، هو من مهد الطريق جراء فشل سياستهم الاقتصادية، لاكتساح الأرياف معالم الدولة الحديثة، الأمر الذي أدى إلى إقصاء المدينة نفسها (ولو جزئيا) عن الأفكار العلمانية وعن التيارات السياسية الديمقراطية، وإلى تهميش الأرياف الذي وجد أبناؤها في الأحزاب العلمانية ملاذا، يعدهم بالمساواة والمواطنية المتساوية، ووجدوا في الجيش ميدانا للترقي الاجتماعي، فتضافرت تلك العوامل لإيصال الجيش إلى السلطة، بالتوازي مع حرب فلسطين (وقيام إسرائيل) التي كشفت عجز النخبة الحاكمة الوطني، فأطيح بها من قبل حسني الزعيم الذي أقر دستوراً اقرب للعلمانية (لم يذكر دين الدولة أو رئيس الدولة)، والذي أُخضع للتعديل (1950) مرحلة حكم أديب الشيشكلي بعد صراع طويل حول فقرتي دين الدولة ودين رئيسها، واتفق المعنيون على كتابة الدولة مجردة، في حين تم تحديد دين الرئيس (الإسلام).
وبقيت قوانين الأحوال الشخصية خاضعة للشريعة الإسلامية، وبهذا استمرت الدولة الهجينة (حتى الآن) رغم صعود أحزاب علمانية فاعلة آنذاك، ولكن اقتصر فعلها على الحقل السياسي والحكم، وغاب عنها الفعل التنويري، لأنها أرجأت كل مشاريعها التنويرية والحداثية إلى حين وصولها إلى السلطة. ولعل أبرز تلك النخب الحزب القومي السوري، الذي ناضل لتحقيق الحداثة والعلمنة (ضرب مبكرا) والشيوعي. أما حزب البعث، فلم يكن علمانيا، لأنه مزيج من الفكر القومي ذي البعد العلماني ومرتبط بحبل سرة بالتاريخ العربي الإسلامي.
عندما حكم البعث
ولذا عندما حكم البعث سوريا (1963) بانقلاب عسكري، حاول ضرب مواقع القوى الاجتماعية والاقتصادية الرأسمالية المدينية من خلال التأميم، والإقطاع بقوانين الإصلاح الزراعي، والمتحالفين معهم من رجال الدين، وأبقى على البنى القديمة القادرة على إعادة إنتاج المفاهيم التقليدية وحواملها الاجتماعية والثقافية، وعندما سن البعث دساتيره المؤقتة (الثلاثة) لم يجرؤ على فصل الدين عن الدولة، ولم يحدث ثورة أو إصلاحاً على مستوى التشريع بما يختص بقوانين الأحوال الشخصية (الدينية) ولم يخض معركة الحداثة، والعلمنة (كما فعل بورقيبة في تونس)، وإنما دخل بصراع على السلطة والنفوذ والثروة وتجريد القوى المناوئة من مكامن قوتها، وتم ذلك على مراحل، حتى عندما حكم راديكاليو البعث (1966، 1970) اقتصرت إجراءاتهم الجذرية على التأميم والمواقف السياسية، ولم يفتحوا معركة العلمنة نتيجة ضعف قاعدتهم الاجتماعية وحوامل الحداثة والعلمنة، ولخوفهم أيضاً من القوى المناهضة وتمردها واتهامهم بالكفر. وبالتالي، حافظت “الدولة” على صيغتها الهجينة.
حافظ الأسد.. علاقة وثيقة بين الدولة وعلماء الدين
وعندما جاء حافظ أسد (ذو الخلفية الأقلوية) إلى السلطة ونتيجة حاجته لتوطيد أسس نظامه السلطوي وفي سياقٍ سياسي متغيّر، أحدث تغييرات في البيئة العلمانية المحدودة، فقام النظام بالعمل على رعاية علاقةٍوثيقةٍ بين الدولة وعلماء الدين على وجه الخصوص (دار الإفتاء والأوقاف) وعقد تحالفاً وثيقا معهما بما يمثلان (إضافة إلى الكومبرادور). وهذه الصيغة شكلت ركائز معادلة حكمه (وأبقى مسحة علمانية لاستدامة تآلفه الخاص البيئي والسياسي) ولا تزال سارية المفعول.
هذا العقد التحالفي أنتج دستور (1973) الذي أعاد صيغة دستور (1950) إثر مظاهرات في مدينة حماة، ورفض رجال الدين للنسخة التي لم تأت على ذكر دين رئيس الجمهورية، وفي هذه المرحلة ازدهر بناء الجوامع ونشط الخطاب الديني الذي تزامن وازدهر مع بناء الجوامع، وذلك لإرضاء حلفاء النظام الجدد وقاعدتهم الشعبية، وللوقوف بوجه اليسار الراديكالي الخ.
استمر العمل بجوهر دستور (1973) بما فيه دستور (2012). ولم تطرأ تعديلات حداثية فعلية تتعلق بالعلمنة وعلى وجه الخصوص شؤون الأحوال الشخصية والتشريع المرتكز على الشريعة الإسلامية.
أما في ملف الأحزاب، ومع العلم أن تحالف النظام السياسي ذا الطابع (الشكلاني) مع الأحزاب الخمسة المشكلة للجبهة الوطنية هي أحزاب علمانية ومدنية. ورغم ذلك أصدرت الحكومة السورية قانوناً ينظم عمل الأحزاب السياسية (2011)، ولم يأت القانون في مواده على ذكر “العلمانية”، وإنما أشار إلى شروط التأسيس بعدم قيام الحزب على أساس ديني أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون.
خطأ إطلاق صفة العلمانية على الدولة السورية
إن الوقائع سابقة الذكر، تؤكد خطأ إطلاق صفة العلمانية على الدولة السورية (المسيطر عليها من قبل الباتريمونالية، وتعني الإرثية الرأسمالية وإعادة إنتاج البنى التقليدية والغنائمية) وهذا ينطبق على توصيف المجتمع السوري أيضا ( المتعايش فطريا إلى أن يدخل الدين بالسياسة).
يضاف إلى تلك الوقائع، التذكير بأن المساجد والكنائس لا تزال كلمتها هي العليا، وقانون الأحوال الشخصية مازال ضمن إطار ومحور الشريعة الدينية، وفي المدارس لم تستطع المؤسسات التربوية إلغاء التربية الدينية، واستبدالها بمواد عن المواطنة. وأي مراقب محايد يلاحظ مؤخراَ ازدياد الجرعة الدينية في الدولة والمجتمع السوري من ازدياد معاهد تحفيظ القرآن إلى الجماعات الإسلامية مثل “القبيسيات” والجمعيات الخيرية، وتوسع ٍ في صلاحيات وزارة الأوقاف، وكأنها إعادة إنتاج وتجديد لتحالف النظام مع الأوقاف والإفتاء ولشرعيته بعد التحولات السورية الكبيرة، التي بدأت بالانتفاضة السورية كجزء من الربيع العربي (2011).
هل حجارة البركان السوري حجبت العلمنة؟
حمل الانفجار الجماهيري الكبير (2011) احتماليات مستقبلية كبيرة من مشاريع وبرامج جذرية لمسارات ديموقراطية وعلمانية (ونفث أيضا بواطنه المتخلفة). ولكن للأسف كانت قواه الفاعلة والمحركة, سياسيا وشعبيا, من الإسلام السياسي التقليدي بتلاوينه المتعددة، لأن اليسار الماركسي والقومي فقد مشروعيته ومشاريعه، والقوى الليبرالية (الحداثوية) ضعيفة، ولذا لم يُطرح أي مشروع نهضوي، واقتصر حقل الصراع على السلطة ( وأهمية صندوق الانتخاب)، ترافق ذلك مع تنظير بعض النخب العلمانية لمصطلح الدولة المدنية بدل العلمانية، كخطوة تراجعية عما طرح طوال العقود المنصرمة. وفي هذا الإطار، يأتي تخلي برهان غليون في مقابلته التلفزيونية مع المؤسسة الوطنية للإرسال (إل بي سي) عن الدولة العلمانية بما تمثل، إلى الدولة المدنية كمحصلة لاتفاقه مع الإسلاميين وغيره الكثير. وهذا التراجع هدف إلى تسويق مفهوم الدولة المدنية تمهيداً للحكم الإسلامي على النموذج التركي، وبرروا ذلك بأنه استبدال للاسم فقط، وليس المضمون.
فشل الانفجار العربي الكبير في معظم الدول (بما فيها سوريا) من تحقيق المأمول منه (ديمقراطية، حداثة، عدالة اجتماعية…) وانزلق نحو الحروب الأهلية في كل من ليبيا، اليمن، سوريا، والتي لا تزال دائرة.
حرب قادت سوريا إلى التطرف والتطيف والتقوقع، وربما التقسيم فخسر الوطن السوري (وغيره من بلدان المنطقة) فرصة تاريخية لبلورة مشروع تنويري حداثوي وديمقراطي، أو محاولة تقديم مشروع إصلاح جدي، كما حصل في القرن التاسع عشر والقرن العشرين على يد رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين وطه حسين وعلي عبد الرازق وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم الكثير.
والسبب (كما قلنا) يعود إلى طبيعة الفواعل السياسية والاجتماعية في الحراك وبنيتها الدينية التقليدية، فهي قوى بدون مشروع ولا برنامج، وكل ما تطمح إليه السلطة السياسية والثروة وإدخال رأس مال بنكهة إسلامية (أصحاب رؤوس الأموال من الإسلام السياسي) في تماثلية شديدة الوضوح بين أحزاب الإسلام السياسي والقوى الحاكمة المستبدة (ذات القشرة المدنية) من حيث البنية الرأسمالية، والهدف المركزي السطو على السلطة، وغياب المشروع، أضف إلى أنهما قوى غير ديمقراطية. إن طبيعة الصراعات الأخيرة قادتنا إلى تراجع جديد في مسار المشروع النهضوي. وفي هذا السياق لن ننسى دور التدخلات الخارجية ومشروعها مع الإسلام السياسي “المعتدل”، الإخوان المسلمين، وإن تراجعت عن تحالفها معهم بعد سقوطهم في مصر.
مسارات الحل السوري وأفق العلمنة
بعد سنوات من الحرب الأهلية السورية المدمرة والصراع الدامي على السلطة والثروة وسمات الصراع المذهبي متعدد الوجوه، إن لم نجرؤ (من باب توخي الدقة) على القول بأن الصراع اتخذ شكلا وبعدا مذهبيا، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه الصراع المسلح بين النظام والأصولية الإسلامية (1979، 1982) وإن اكتسى قشرة تقدمي/ رجعي (ما يؤكد ما ذهبنا إليه أن النظام لم يكن يوما نظاما علمانيا) آنذاك.
وهذا الصراع المتجدد، يأتي في سياق اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي، يتمظهر بالتوضع الطائفي والمذهبي نتيجة طبيعة وبنية القوى المتحاربة والمتخاصمة من حيث التركيبة الديموغرافية والمذهبية والفكرية القصووية المتقابلة. فالنظام السوري ذو الطبيعة الاستبدادية له سماته المذهبية والطائفية، ولاحقا جاءت بعض تحالفاته في المحيط الإقليمي (إيران) لتراكم رؤية وموقفا من النظام على أسس مذهبية من قبل كتل شعبية وقوى معارضة إسلامية، جاءت انتفاضة (2011) ومسارها، الذي جوبه وقطع بالعنف الوحشي الممارس من النظام، لتبلور معارضة تناقضه بالبيئة الاجتماعية وبالتوجه السياسي والتحالفات، وعناوين الصراع، قوى تعمل على القطع مع النظام والقتال ضده تحت شعار مذهبي دفع به إلى واجهة الصراع ومتاريس القتال من قبل الطرفين وعبّآ بيئيتهما، وشكّلا أدواتهما من ميلشيات عنف وعنف مضاد مع استخدام النظام لكل أدوات العنف في الدولة بحيث جر وحوّل الصراع، والذي كان يفترض أن يكون أفقيا، إلى صراع عامودي اجتماعي وسياسي، أسس لآفات تقسيمية طائفية ومذهبية مذرية، لأن طرفي الصراع بدون برنامج ولا رؤية، سواء للدولة أو للنظام، ومشروعهما السلطة، فالنظام دافع عن بقائه بكل الوسائل الدموية وغير الدموية، واستخدم ادعاءات الدفاع عن العلمانية (والأقليات) والممانعة وغيرها من الشعارات.
أما القوى المعارضة المسلحة الفاعلة على الأرض، وهي معظمها قوى إسلامية، طالبت بحقوقها (المفترضة) بحكم سوريا بما تمثل، ومن بينها الإخوان المسلمون. أما قوى المعارضة الأخرى، من يسارية وعلمانية وليبرالية، فهي الحلقة الأضعف (مفككة) وعاجزة عن الفعل.
والانتفاضة التي فتحت الباب أمام مشروع نهضوي تنويري حداثوي (كما ذكرنا سابقا) أغلقت الأبواب سريعا بالرتاجات بسبب طبيعة مواجهة النظام (استخدم كل صنوف العنف في وجه المتظاهرين) ورد الفعل من البيئة الواقع عليها العنف والقوى المشكلة والفاعلة لمواجهة هذا العسف، وتحولها السريع إلى الأسلمة، عدا عن وجود الإسلام السياسي الكامن في المجتمع السوري. هذه العوامل الداخلية، معطوفاً عليها التدخل الإقليمي الذي ضخ المال والسلاح من أجل إسقاط النظام وضرب ما يسمى الهلال الشيعي في منطقة هي قوس أزمات أصلا، فتحولت الساحة السورية إلى حرب خنادق بين طرفيين مستبدين وقصويين وقتلة، واستحضرت أشباح الماضي القاتم، وتجاهلوا عن قصد ابن رشد وابن سينا وغيرهم. وخسرت سوريا صياغة مشروع دولة وطنية ديمقراطية وعلمانية، بسبب غياب كتل شعبية لها أدواتها، تشكل حوامل هذا المشروع، واستطاعت القوى التقليدية الإسلامية السيطرة على الحراك وقيادته إلى حيث أرادت بدعم من الأطراف الإقليمية والدولية.
وبعد ثماني سنوات عجاف من أنهار الدم والتدمير والتهجير، وانهيار الحلم بالمشروع التنويري وسحقه، وتحوله إلى حلم ببقاء الدولة بحدودها الحالية وشعبها المتشظي إلى “ملل ونحل” وإنهاء الحرب بأبعادها كافة، وأهمه البعد المجتمعي والسياسي إثر بروز الهويات القاتلة (الطائفية والمذهبية) ما قبل مدينية، والذي يتطلب مصالحة وطنية مبنية على حل سياسي وتقاسم للسلطة بين النظام والمعارضة (بعد الفشل في إسقاط النظام). والسؤال الذي يطرح نفسه: أي معارضة سياسية، وهي إلى حد كبير افتراضية؟! هل هي المسلحة الفاعلة؟ وماذا سيكون دورها؟ وما هي طبيعة تحولاتها الداخلية، خصوصا والجزء الفاعل منها هو متطرف راديكالي؟ والذي يقود أيضاً إلى تساؤل عن الدور الذي ستلعبه هذه القوى (التقليدية والمتطرفة) مجتمعة في بنية وطبيعة الدولة القادمة وبنيانها، وإلى أي درجة ستخترقها؟ وعليه كيف سيعاد بناء هوية سورية وطنية؟
إنها تساؤلات جدية حول المستقبل السوري وسيرورة تطوره؟ وما هو شكل الدولة والحكم!
واستطرادا، من هي القوى التي ستحدد مستقبل سوريا الوطني؟ في واقع مدمى وممزق وممذهب، والذي يدفعنا لإعادة طرح علمانية الدولة مجددا كمفتاح لحل الأزمة السورية من أجل مجتمع موحد وسياسة معقلنة، دولة وطنية علمانية تضمن الوحدة الوطنية وتستطيع تجاوز الانقسام المجتمعي والشرخ البنيوي (بانتماءات ما قبل الدولة)، وفي الوقت نفسه تعبر عن مصلحة الدولة العليا، رغم ما يدور من التباس حول مفهوم العلمنة وارتباطه بأذهان العامة بالكفر…الخ، نتيجة الهجوم والتضليل الذي سيق ضدها طوال عقود مضت، بحيث لم يتم فهمها باعتبارها منظومة معرفية عقلية، وأحد وجوهها فصل ما هو دنيوي عن ما هو ديني.
كيف ستأتي العلمنة؟
والسؤال الذي يتلو بالضرورة هذه الرؤية: كيف ستأتي العلمنة؟ بإسقاط فوقي (وله مساوئ عديدة) أم تحتي؟ وأي كتل شعبية وطبقية ستكون رافعة للعلمنة وممثليها (سياسيا)؟ وهل ستحّمل اجتماعيا للأقليات، كحالة دفاع عن ذواتهم؟
عندئذ تعاد الكرّة ثانية حول محدودية القاعدة الاجتماعية الرافعة لها (أيا كانت) والقوى المالية والدينية والاجتماعية الكلاسيكية التي سبق وأفشلت وستفشل تطبيق العلمنة في مرحلة كانت القوى الحداثية والعلمانية في ذروة حضورها وفاعليتها ولديها مشروعية، خصوصا والمنطقة تمر بأسوأ مرحلة لا تقتصر على الإسلاموية، وإنما على التطييف والتمذهب كنتاج للحروب المدمرة التي اصطبغت بالداء المذهبي. وهذا ما يعّقد هذا الطرح ويدخله باب الأمنيات والترجي! أم علينا الانتظار إلى حين نضوج إرادة شعبية أفقية لها قواعدها الاجتماعية والسياسية؟
سورية مريضة
وسورية، في حالتها الراهنة، مريضة، وفي العناية المركزة، وتحتاج للعلاج السريع، علاج يفتح الأفق لدولة سورية سليمة البدن، بحيث لا تبقى رهينة حليّن كليهما مر، الأول: بقاء نظام استبدادي ذي قشرة علمانية، والثاني: الذهاب إلى دولة دينية متطرفة تقضي على ما تبقى من مؤسسات مدنية وهياكل دولة، خصوصا والنخب العلمانية السورية الحالية لم ولن تستطع فرض ذاتها على طاولة المفاوضات، وبالتالي على شكل وماهية الدولة السورية التي يعاد بناؤها وصياغتها، وسوف تكون محصلة موازين القوى الفاعلة في الداخل والخارج ومعظم هذه القوى، العلمنة ليست على أجندتها، وبالتالي لن يأتي الحل بدولة علمانية ديمقراطية على أسس المواطنة المتساوية، وإنما ستبقي دولة هجينة (بناء على توازن القوى) في حال جرى تقاسم في السلطة! أو يتكسر المساران (العلماني والهجين) ونذهب إلى تحاصص طائفي ومذهبي، وهو الطريق الأخطر على مستقبل سوريا، لأنه يؤسس لحروب أهلية متعاقبة. أو تخرج من بين الأنقاض نخبة جديدة تقنع السوريين بضرورة العلمنة ودولة القانون…الخ.
مهمة ممكنة وملحة
وإلى حين ذلك، لدينا مهمة ممكنة وملحة، وهي الضغط على اللجنة الدستورية (الشكلانية) المشكلة حديثا، لأجل صياغة دستور علماني ديمقراطي يحفظ حقوق المواطنين جميعا لبلد فسيفسائي الطوائف والمذاهب والقوميات والأديان وممزق. دستور قائم على مبدأ المواطنة المتساوية والتشريعات الوضعية. مع أني لست متفائلة لأن القوى الدينية ستكبح ذلك، خصوصا أن الولايات المتحدة ودولا أخرى تعمل على دستور طائفي كما في لبنان والعراق، وهذا ما اتضح من خلال تسريب أوراق نوقشت (لقاء الولايات المتحدة والأردن والسعودية ودول غريبة أخرى 2018) عدا عن طرح بعض المبعوثين الغربيين للديمقراطية التوافقية” المذهبية والطائفية ومحاولة إقناع بعض النخب السورية بهذا الطرح، فهل سيقبل الشعب السوري ونخبه بهذا الطرح؟
بواسطة Syria in a Week Editors | أكتوبر 20, 2019 | Syria in a Week, غير مصنف
انسحاب أميركي
٢٠ تشرين الأول/أكتوبر
انسحبت القوات الأميركية الأحد من أكبر قواعدها العسكرية في شمال شرقي سوريا، تنفيذاً لقرار واشنطن الأخير بسحب نحو ألف جندي من تلك المنطقة، وفق مراسل فرانس برس والمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشاهد مراسل وكالة فرانس برس أكثر من سبعين مدرعة وسيارة عسكرية ترفع العلم الأميركي وتعبر مدينة تل تمر في محافظة الحسكة، بينما كانت مروحيات برفقتها تحلق في الأجواء.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لفرانس برس إن القافلة أخلت مطار صرين الذي اتخذته القوات الأميركية قاعدة لها، على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً جنوب مدينة كوباني (عين العرب.)
وتقع هذه القاعدة (التي تعتبر الأكبر للقوات الأميركية في شمال سوريا) على أطراف منطقة عازلة تسعى أنقرة لإقامتها في شمال شرق سوريا، حيث تشن مع فصائل سورية موالية لها هجوماً منذ التاسع من الشهر الحالي ضد المقاتلين الأكراد. وتمكنت بموجبه من السيطرة على شريط حدودي بطول 120 كيلومتراً.
وبعد خمسة أيام من بدء هذا الهجوم، أعلنت واشنطن في 14 تشرين الأول/أكتوبر، أن نحو ألف جندي أميركي موجودون في المنطقة تلقوا الأوامر بالانسحاب.
وبدأت واشنطن تنفيذ قرارها بسحب جنود من نقاط حدودية مع تركيا، ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر لأنقرة حتى تبدأ هجومها الذي لاقى تنديداً دولياً واسعاً وتسبب بنزوح أكثر من 300 ألف شخص.
وانسحبت القوات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، من ثلاث قواعد أخرى، بينها قاعدة في مدينة منبج وأخرى بالقرب من كوباني.
وباتت جميع القواعد التي اتخذتها القوات الأميركية “في شمال محافظة الرقة وشمال شرق حلب خالية” اليوم، وفق عبد الرحمن، بينما لا يزال الأميركيون يحتفظون بقواعد في محافظتي دير الزور والحسكة، بالإضافة إلى قاعدة التنف جنوباً.
حصار رأس العين
19 تشرين أول /أكتوبر
قطع الجيش الوطني السوري الموالي للجيش التركي طريق رأس العين تل تمر في ريف محافظة الحسكة الشمالي الغربي، وبذلك فرض حصاراً كاملاً على مدينة رأس العين.
وقال مصدر مقرب من الجيش السوري لوكالة الأنباء الألمانية أن المجموعات المسلحة هاجمت اليوم نقاطاً للجيش السوري في قرية الأهراس/ 15 كم شمال غرب مدينة تل تمر/، وتمكن الجيش السوري من صد الهجوم، وعادت عناصر المجموعات المسلحة إلى المنطقة التي انطلقوا منها”.
وبسط الجيش السوري سيطرته على الطريق الدولي حلب – القامشلي M4 من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وصولاً إلى مدينة تل تمر وعلى مسافة تتجاوز 120 كم .
إعادة “دواعش“
19 تشرين الأول/أكتوبر
حذّر قاضي التحقيق دافيد دوبا وهو منسق قسم مكافحة الإرهاب في محكمة باريس، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، من أن عدم إعادة الجهاديين الفرنسيين المحتجزين في سوريا “يُشكل خطرا على الأمن العام” في فرنسا.
وقال في تصريح غير مسبوق في وقت ترفض السلطات الفرنسية في الوقت الحالي إعادة هؤلاء الجهاديين، إن “عدم الاستقرار السياسي وسهولة اختراق ما تبقى من مخيمات الأكراد يثيران الخشية من أمرين: هجرة غير منظمة لجهاديين إلى أوروبا مع خطر حصول هجمات يُنفّذها عقائديون متشددون من جهة، وإعادة تشكيل مجموعات إرهابية مقاتلة مدرّبة ومصممة في المنطقة من جهة أخرى”.
ولدى فرنسا حوالى مئتي شخص و300 طفل في المخيمات والسجون الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا، وهي ترفض إعادتهم على غرار عدد من الدول الأخرى بسبب استياء الرأي العام وترغب في أن تتم محاكمتهم في أقرب مكان إلى مواقع جرائمهم.
لكن منذ أن أطلقت تركيا في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر هجوماً ضد المقاتلين الأكراد في الشمال السوري، تخشى الدول الغربية فرار 12 ألف جهادي محتجزين لدى الأكراد في سوريا بينهم 2500 إلى 3000 أجنبي.
هدنة هشة
18 تشرين الأول/أكتوبر
بعد ساعات على إعلان واشنطن اتفاقاً لوقف إطلاق النار، شنّ الطيران التركي غارة جوية أسفرت عن مقتل مدنيين في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا مع استمرار الاشتباكات المتقطعة في مدينة حدودية، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
قال المقاتلون الأكراد االجمعة، إنه ليس لديهم أي نية للانسحاب من كامل الحدود الشمالية الشرقية لسورية – وهو بالضبط ما يتوقعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يحدث بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الخميس.
وقالت وكالة أنباء بلومبرج إن التفسيرين المتضاربين يشيران إلى هشاشة اتفاق التهدئة لمدة خمسة أيام.
انتزاع هدنة
17 تشرين الأول/أكتوبر
وافقت تركيا الخميس على تعليق هجومها في شمال شرق سوريا وإنهائه إذا انسحبت القوات الكردية من هذه المنطقة خلال خمسة أيام، وذلك بموجب اتفاق انتزعه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في أنقرة.
وقال بنس للصحافيين بعد محادثات مع الرئيس أردوغان استمرت أكثر من أربع ساعات أنه للسماح بانسحاب القوات التركية “خلال 120 ساعة، سيتم تعليق كل العمليات العسكرية في إطار عملية نبع السلام، على أن تتوقف العملية نهائيا ما إن يتم إنجاز هذا الانسحاب”.
وعلى القوات الكردية أن تنسحب من منطقة بعمق 32 كلم بحيث تتحول في النهاية إلى “منطقة آمنة” تسعى إليها تركيا منذ أشهر.
“داعش” يحرر
17 تشرين الأول/أكتوبر
أعلن تنظيم “داعش” الخميس أنه “حرر” عدداً من النساء المحتجزات لدى المقاتلين الأكراد، إثر شنّه هجوماً على أحد مقراتهم في محافظة الرقة في شمال سوريا، وفق بيان نقلته حسابات جهادية على تطبيق تلغرام.
ويأتي ذلك بعد سلسلة حوادث أعقبت انصراف قوات سوريا الديموقراطية لصد هجوم تشنّه أنقرة مع فصائل سورية موالية لها ضد مناطق سيطرتها، وتخللها فرار نحو 800 شخص من عائلات مقاتلي التنظيم من مخيم للنازحين، وفرار جهاديين من سجون وأعمال شغب شهدتها مراكز احتجاز أخرى.
الأسد يواجه
17 تشرين الأول/أكتوبر
تعهد الرئيس السوري بشار الأسد الخميس بالرد على الهجوم الذي تشنه تركيا منذ التاسع من الشهر الحالي في شمال شرق البلاد “بكل الوسائل المشروعة”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
وقال الأسد خلال استقباله مسؤولاً عراقياً إن الهجوم التركي “هو غزو سافر وعدوان واضح”، مضيفاً أن سوريا “سترد عليه وتواجهه بكل أشكاله في أي منطقة من الأرض السورية عبر كل الوسائل المشروعة المتاحة”، بعدما انتشرت القوات الحكومية في مناطق عدة قريبة من الحدود التركية بموجب اتفاق مع الأكراد.
إجلاء
16 تشرين الأول/أكتوبر
طالبت الإدارة الذاتية الكردية المجتمع الدولي بالتدخل لفتح “ممر إنساني” لإجلاء المدنيين والجرحى “المحاصرين” في مدينة رأس العين الحدودية، بعدما طوقتها القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها وتدور فيها اشتباكات عنيفة.
وتشنّ تركيا منذ التاسع من الشهر الحالي هجوماً في شمال شرق سوريا، تسبّب بنزوح أكثر من 300 ألف مدني. وتمكّنت بموجبه من السيطرة على مناطق حدودية واسعة باستثناء رأس العين، حيث تتركز المعارك.
أرقام التوغل
16 تشرين الأول/أكتوبر
تداعيات الهجوم التركي على الوضع الإنساني في سوريا بالأرقام:
– ثلاثة ملايين نسمة عدد السكان المقيمين في شمال شرق سوريا.
-72 مدنياً قتلوا جراء نيران الجيش التركي والفصائل الموالية.
– عشرون مدنياً قتلوا في الجانب التركي من الحدود.
– 1,800,000 شخص يحتاجون إلى مساعدة.
– 300 ألف شخص فروا من منازلهم في المناطق الحدودية.
– 83,000 نازح جدد تلقوا مساعدات.
– أربعون مدرسة تحولت إلى ملاجئ.
– ألف مدني تقريباً فروا من مناطق الإدارة الذاتية الكردية إلى كردستان العراق.
– 400 ألف شخص في مدينة الحسكة ومحيطها يواجهون خطر نقص المياه.
– 68 ألف نازح يقبعون في مخيم الهول للنازحين.
– 32 منظمة دولية غير حكومية تعلق نشاطاتها وتسحب موظفيها الدوليين من مناطق الإدارة الذاتية.
– 3,600,000 لاجئ سوري فروا إلى تركيا منذ اندلاع النزاع عام 2011 ويأمل الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة قسم كبير منهم إلى منطقة عازلة يريد إنشاءها قرب الحدود.
– تسعون في المئة من إجمالي محصول الحبوب في سوريا يتم إنتاجه في شمال شرق سوريا.
الكونغرس وترامب
16 تشرين الأول/أكتوبر
صوّت مجلس النواب الأميركي بغالبية كبيرة (354 صوتاً مقابل 60 صوتاً) لإدانة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من شمال سوريا، في تجسيد رسمي للمواقف الحادة للحزبين الديموقراطي والجمهوري ضد السياسة الخارجية المثيرة للجدل لادارة ترامب.
وهذا القرار المشترك بمثابة أول إدانة للكونغرس لقرار ترامب، الذي اعتبر معارضون أنه منح الضوء الأخضر للقوات التركية لغزو شمال سوريا ومهاجمة القوات الكردية.
وينص القرار على أن مجلس النواب “يعارض قرار إنهاء بعض جهود الولايات المتحدة لمنع العمليات العسكرية التركية ضد القوات الكردية السورية في شمال شرق سوريا”.
كوباني ودمشق
15 تشرين الأول/أكتوبر
دخلت قوات النظام السوري مدينة كوباني (عين العرب) في شمال سوريا بموجب اتفاق مع الإدارة الذاتية الكردية في مواجهة الهجوم التركي المستمر منذ أسبوع ضد مناطق سيطرتها، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن “قوات النظام ترافقها قوات روسية دخلت مساء الأربعاء مدينة كوباني” ذات الغالبية الكردية والحدودية مع تركيا في ريف حلب الشمالي الشرقي، والتي طالما أعلنت أنقرة نيتها السيطرة عليها.
ولكوباني رمزية خاصة كونها شهدت في العام 2015 على أولى أبرز المعارك التي هزم فيها المقاتلون الأكراد بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن تنظيم الدولة الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين، باتت تُعد وحدات حماية الشعب الكردية رأس الحربة في قتال التنظيم المتطرف، وتعززت علاقاتها مع واشنطن التي استمرت بدعمها بعد انضوائها في تحالف قوات سوريا الديموقراطية.
وبعد هجوم شنته تركيا وفصائل سورية موالية لها في التاسع من الشهر الحالي، وأمام إصرار واشنطن على سحب جنودها من مناطق سيطرتهم، لم يجد الأكراد حلاً سوى اللجوء إلى دمشق وحليفتها موسكو.
وكانت النتيجة أن أعلنت الإدارة الذاتية الكردية الأحد اتفاقاً مع دمشق ينص على انتشار قوات النظام السوري على طول الحدود مع تركيا لمؤازرة قوات سوريا الديموقراطية في تصديها للهجوم التركي.
وبموجب الاتفاق، انتشرت قوات النظام خلال اليومين الماضيين في مدينة منبج ومحيطها (شمال شرق حلب) وبلدة تل تمر (شمال غرب الحسكة) ومحيط بلدة عين عيسى (شمال الرقة).
أهمية منبج
15 تشرين الأول/أكتوبر
يفصل ثلاثون كيلومترا بين الحدود التركية ومدينة منبج الاستراتيجية الواقعة في شمال سوريا والتي خضعت لسيطرة قوات مختلفة منذ بداية النزاع في 2011. والمدينة الواقعة في محافظة حلب التي سيطرت عليها قوات النظام السوري الثلاثاء، بقيت لفترة طويلة هدفا لأنقرة.
كان عدد سكان منبج يبلغ قبل الحرب 120 ألف نسمة، هم أساساً من السنة، غالبيتهم عرب وربعهم أكراد، بالإضافة إلى أقلية تركمانية. ومنبج محاذية لمواقع تسيطر عليها فصائل موالية لتركيا، خصوصاً مدينة الباب غرباً ومدينة جرابلس شمالاً.
سيطرت فصائل معارضة في 2012 على المدينة، لكنها وقعت بيد تنظيم الدولة الإسلامية في 2014. وقد باتت ممراً أساسياً في المحور الذي ينقل منه الجهاديون المقاتلين والسلاح والمال بين تركيا والمناطق التي يسيطرون عليها في سوريا. وقد وصفتها الولايات المتحدة بأنها الأرض التي يعبر منها تنظيم الدولة الإسلامية نحو أوروبا.
وفي 2016، قطعت قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة بشكل رئيسي من وحدات حماية الشعب الكردية، وبدعم من الولايات المتحدة، الطرق التي تربط بين منبج والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدول الإسلامية، قبل أن تنجح بالاستيلاء على المدينة.
ووضعت قوات سوريا الديموقراطية بعد ذلك بلدية منبج بعهدة مجلس مدني، وتحولت المدينة إلى ملجأ لآلاف النازحين الفارين من المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
بقيت القوات الأميركية في منبج بعد هزيمة الجهاديين.
وفي الوقت نفسه، خسر تنظيم الدولة الإسلامية مناطق محيطة بالمدينة لصالح القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا ي جنوب منبج، والفصائل الموالية لتركيا في شمالها.
ونتيجة لذلك، باتت القوات الأميركية في منبج في وسط منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع تفصل بين قوات متحاربة.
في 2017، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نشر تعزيزات عسكرية قرب منبج.
واستُهدفت القوات الأميركية في كانون الثاني/يناير 2019 بهجوم تبناه تنظيم الدولة الإسلامية وأدى إلى مقتل 19 شخصاً في منبج، بينهم أربعة أميركيين، وهو الاعتداء الأكثر دمويةً الذي يطال القوات الأميركية في سوريا منذ عام 2014.
أطلقت أنقرة في آب/أغسطس 2016 عملية عسكرية في سوريا هدفت خصوصاً إلى منع وحدات حماية الشعب الكردية من السيطرة على قطاع من الأراضي على طول الحدود التركية السورية.
وأكد خبراء أن سيطرة القوات الكردية على منبج وسعيهم خصوصاً إلى التقدم غرباً هي التي دفعت أنقرة إلى التدخل عسكرياً.
وأطلقت تركيا وفصائل سورية موالية لها في كانون الثاني/يناير 2018 عمليةً عسكرية ثانية، وطردت قوات وحدات حماية الشعب من مدينة عفرين في آذار/مارس.
طلبت قوات وحدات حماية الشعب الكردية في كانون الأول/ديسمبر، وإثر تهديدات تركية جديدة بشن عملية، من دمشق نشر قواتها في محيط منبج، معلنةً انسحابها من تلك القطاعات.
ونشر الجيش السوري قواته في محيط المدينة دون أن يدخل إليها.
وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أطلقت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها عملية ثالثة في شمال سوريا لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من الحدود مع تركيا.
وسيطر الجيش السوري في 15 تشرين الأول/أكتوبر على كامل مدينة منبج ومحيطها.
بواسطة Hadia Al Mansour | أكتوبر 17, 2019 | Cost of War, غير مصنف
ينظر الطفل عمر العطار (١٢عاماً) ببالغ الحزن والأسى إلى مدرسته التي تحولت إلى دار لإيواء النازحين، فلم يعد بإمكانه ارتيادها مجدداً واضطر للسير مسافة طويلة للوصول إلى مدرسته الجديدة.
ارتفعت نسبة الدمار ارتفاعاً ملحوظاً في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة بعد الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها القوات الروسية وقوات النظام السوري مطلع نيسان الفائت، حيث دمرت الكثير من المنشآت الحيوية وفي مقدمتها المدارس مما بات يهدد حيلاً كاملاً بحرمانه من التعليم في تلك المنطقة في سوريا.
أوضح الموجه التربوي بلال بركات (٣٥ عاماً) بأن”الواقع التعليمي يواجه أوضاعاً مزرية جداً في منطقة إدلب فقد خرجت أكثر من ٣٥٠ مدرسة عن الخدمة من أصل ١١٩٠ مدرسة نتيجة للقصف العنيف الذي أدى إلى دمارها”، ويضيف بأن ما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة لهذا القطاع الهام هو توقف المنحة الأوربية المقدمة من منظمة كمونكس وهو ماينذر بكارثة حقيقية على القطاع التعليمي إن بقي دون دعم.
ويشير إلى أن العمل حالياً ضمن المدارس هو تطوعي ولكن لا يعلم إلى متى يمكن للمدرسين الاستمرار دون رواتب، وهو يعتقد بأنه إن طال الأمر عليهم سيبحثون عن فرص عمل أخرى وستبقى المدارس دونما معلمين مما سيؤدي إلى تسرب الطلاب من المدارس.
كما وتواجه مديرية التربية والتعليم في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة ازدحاماً كبيراً في أعداد الطلبة مع نزوح آلاف العوائل من ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي إلى تلك المناطق، فباتت أكثر من ٢٥ مدرسة قيد التوقف عن عملها بعد أن غدت ملاجئ للنازحين الذين ضاقت بهم المعيشة ولم يتمكنوا من الحصول على مأوى أمام فقرهم وغلاء آجار المنازل في الشمال والذي وصل لحد ٤٠٠ دولار أمريكي شهرياً.
وتوضح لمى الحسين (٢٥عاماً) نازحة من ريف إدلب الجنوبي ومقيمة في مدرسة نهاد نجار بمنطقة معرة مصرين ”لم نجد بداً من السكن في هذه المدرسة بعد بحثنا الطويل عن منزل دون جدوى، فقد نزحنا وشردنا من بيوتنا ومناطقنا وخرجنا بأرواحنا دونما أمتعة أو حتى ملابس”. وتتابع بأنها أرملة ولديها ثلاثة أبناء ولاتعلم كيف تأمن لهم قوت يومهم فكيف لها أن تتمكن من دفع أجور المنازل الباهظة والتي تفوق مقدرتها المادية بأضعاف مضاعفة حسب وصفها.
عانى القطاع التعليمي في سوريا من الإهمال منذ بداية الثورة السورية، فقد تعمد النظام السوري تخفيض ميزانية التعليم حيث انخفض عام ٢٠١١ بنحو عشرة مليارات ليرة سورية عنه في العام السابق، وانخفض سبعة مليارات إضافية في ٢٠١٢ وفق ماأعلنت وزارة التربية والتعليم التابعة للنظام آنذاك، كما عمدت إلى إيقاف مرتبات المعلمين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرته ما سبب نقصاً كبيراً في الكوادر.
عن مسيرة القطاع التعليمي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة يشرح المعلم نهاد قيطاز(٣٣عاماً) ”بعد تشكيل الجيش السوري الحر وتوسيع رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام في عموم البلاد بدأ معلمون وموظفون تربويون وطلبة جامعيون متطوعون محاولات لاحتواء أزمة التعليم ” مبيناً بأنهم عمدوا إلى افتتاح حلقات التعليم في المدارس بما يتوفر من مقومات بسيطة محاولين سد ثغرة عامين من انقطاع التعليم لدى الأطفال لاسيما في مرحلة التعليم الأساسي، ولأن عملهم لم يكن منظماً ومدعوماً فقد زاد حجم المشكلة. ويستطرد بأنه وعلى الرغم من تشكيل المكتب التعليمي التابع للائتلاف الوطني السوري مطلع عام ٢٠١٣، إلا أنه لم يتمكن من ضبط قطاع التعليم ولم يقدم الدعم اللازم نظراً لقلة موارده، كما أن الحكومة المنبثقة عنه والتي شكلت مديريات التربية الحرة في عموم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة لم تتلق الدعم اللازم أيضاً إلا أنها وجدت نوعاً ما هيكلاً مبدئياً لمنظومة التعليم.
وللتعليم في المخيمات الشمالية حكاية أخرى، حيث تشهد تلك المخيمات ضعفاً شديداً في البنية التعليمية. فمن أصل ١١٥٣ مخيم في مناطق شمال غرب سوريا والتي تحوي ١.٢ مليون نسمة لايتجاوز عدد المدارس ضمن تلك المخيمات أكثر من ٤٩ مدرسة معظمها لا تلبي الاحتياجات التعليمية.
وعن هذا الوضع، يقول يوسف شعبان (٤١عاماً) ناشط في المجال الإغاثي والتعليمي في مخيمات الشمال “هنالك أطفال داخل المخيمات الشمالية لم يخضعوا للعملية التعليمية على مدى ثماني سنوات من عمر الثورة السورية والسبب في ذلك يعود لافتقار الكثير من المخيمات السورية على الحدود التركية لأي مدارس أو أنشطة تعليمية”. عمد شعبان إلى إقامة مدرسة أطلق عليها اسم الناشط بلال كريم في مخيمات البرادقلي، وتلك المدرسة افتتحت أبوابها مع بداية أيلول ٢٠١٩ بمساعدة عدد من الناشطين والمتبرعين الأشخاص في سوريا ودول الجوار، غير أن المدرسة لم تستوعب سوى ٤٥٠ طالباً وطالبة من أبناء مخيمات البرادقلي التي يبلغ عددها ١٧ مخيم في حين أن عدد الأطفال في عمر الدراسة فاق هذا العدد أضعافاً مضاعفة. وحول المدرسة يؤكد شعبان بأنها “تضم المستويات الأولى والثانية والثالثة، وهي موزعة على دوامين لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الأطفال.” ويشعر شعبان بالأسف حيال عدم استيعاب المدرسة إلا لعدد قليل قياساً بالأعداد الكبيرة المتواجدة، وما فاجأه أن ١٠ بالمائة من مجموع الطلاب الذين ضمتهم المدرسة فقط يجيدون بعض القراءة والكتابة، أما بقية الأطفال فلا يجيدون حتى كتابة أسمائهم رغم كبر أعمارهم التي وصلت حتى ١٢ عاماً، ولذا فهو يدعو جميع المعنين لتدارك تلك الأجيال وتدارك العملية التعليمية التي باتت مهددة بشكل كبير في سوريا وفق تعبيره.
في ظل استمرار العمليات العسكرية التي طالت منشآت تعليمية عدة، ومع انقطاع الدعم الرئيسي عن هذا القطاع الهام، فإن آلاف الأطفال في إدلب وريفها باتوا مهددين بحرمانهم من حق التعليم الذي سرعان ما سينعكس سلباً على ما سيؤول إليه حال هؤلاء الأجيال من جهل وانحراف وزواج مبكر.